الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل الجزء ١٢

الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل10%

الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل مؤلف:
تصنيف: تفسير القرآن
الصفحات: 592

الجزء ١ الجزء ٢ الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥ الجزء ٦ الجزء ٧ الجزء ٨ الجزء ٩ الجزء ١٠ الجزء ١١ الجزء ١٢ الجزء ١٣ الجزء ١٤ الجزء ١٥ الجزء ١٦ الجزء ١٧ الجزء ١٨ الجزء ١٩ الجزء ٢٠
  • البداية
  • السابق
  • 592 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 180795 / تحميل: 6357
الحجم الحجم الحجم
الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل

الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل الجزء ١٢

مؤلف:
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

الجنابة وكان لوط وآله يتنظفون من الغائط ويتطهرون من الجنابة، وكان لوط ابن خالة إبراهيم وإبراهيم ابن خالة لوط وكانت امرأة إبراهيم سارة أخت لوط، وكان إبراهيم ولوط نبيين مرسلين منذرين، وكان لوط رجلا سخيا كريما يقري الضيف(١) إذا نزل به ويحذره قومه، قال: فلما راى قوم لوط ذلك قالوا: انا ننهاك عن العالمين لا تقرى ضيفا ينزل بك، فانك ان فعلت فضحنا ضيفك وأخزيناك فيه، وكان لوط إذا نزل به الضيف كتم أمره مخافة أن يفضحه قومه، وذلك ان لوطا كان فيهم لا عشيرة له. قال: وان لوطا وإبراهيم لا يتوقعان نزول العذاب على قوم لوط، وكانت لإبراهيم ولوط منزلة من الله شريفة، وان الله تبارك وتعالى كان إذا هم بعذاب قوم لوط أدركته فيهم مودة إبراهيم وخلته ومحبة لوط فيراقبهم فيه فيؤخر عذابهم، قال أبو جعفر: فلما اشتد أسف الله على قوم لوط وقدر عذابهم وقضاه أحب أن يعوض إبراهيم من عذاب قوم لوط بغلام عليم فيسلى به مصابه بهلاك قوم لوط، فبعث الله رسلا إلى إبراهيم يبشرونه بإسماعيل، فدخلوا عليه ليلا ففزع منهم وخاف أن يكونوا سراقا، قال: فلما ان رأته الرسل فزعا وجلا قالوا: سلاما قال سلام( قالَ إِنَّا مِنْكُمْ وَجِلُونَ قالُوا لا تَوْجَلْ إِنَّا نُبَشِّرُكَ بِغُلامٍ عَلِيمٍ قالَ ) أبو جعفرعليه‌السلام : والغلام العليم هو إسمعيل من هاجر فقال إبراهيم للرسل:( أَبَشَّرْتُمُونِي عَلى أَنْ مَسَّنِيَ الْكِبَرُ فَبِمَ تُبَشِّرُونَ قالُوا بَشَّرْناكَ بِالْحَقِّ فَلا تَكُنْ مِنَ الْقانِطِينَ ) فقال إبراهيم للرسل: فما خطبكم بعد البشارة؟( قالُوا إِنَّا أُرْسِلْنا إلى قَوْمٍ مُجْرِمِينَ ) انهم كانوا قوما فاسقين لننذرهم عذاب رب العالمين، قال أبو جعفرعليه‌السلام : فقال إبراهيم للرسل:( إِنَّ فِيها لُوطاً قالُوا نَحْنُ أَعْلَمُ بِمَنْ فِيها لَنُنَجِّيَنَّهُ وَأَهْلَهُ إِلَّا امْرَأَتَهُ كانَتْ مِنَ الْغابِرِينَ ) ( فَلَمَّا جاءَ آلَ لُوطٍ الْمُرْسَلُونَ قالَ إِنَّكُمْ قَوْمٌ مُنْكَرُونَ قالُوا بَلْ جِئْناكَ بِما كانُوا فِيهِ يَمْتَرُونَ ) يقول: من عذاب الله لننذر قومك العذاب( فَأَسْرِ بِأَهْلِكَ ) يا لوط إذا مضى من يومك هذا سبعة أيام ولياليها( بِقِطْعٍ مِنَ اللَّيْلِ وَلا يَلْتَفِتْ مِنْكُمْ أَحَدٌ إِلَّا امْرَأَتَكَ إِنَّهُ مُصِيبُها ما أَصابَهُمْ ) قال أبو جعفرعليه‌السلام فقضوا إلى لوط ذلك الأمر

__________________

(١) قرى الضيف: أضافه وأجاره وأكرمه.

٢١

( أَنَّ دابِرَ هؤُلاءِ مَقْطُوعٌ مُصْبِحِينَ ) قال أبو جعفرعليه‌السلام : فلما كان يوم الثامن مع طلوع الفجر قدم الله رسلا إلى إبراهيم يبشرونه بإسحاق ويعزونه بهلاك قوم لوط «الحديث» وقد كتبناه بتمامه في هود.

٧٥ ـ في كتاب الخصال عن الصباح مولى أبي عبد اللهعليه‌السلام قال: كنت مع أبي عبد الله فلما مررنا بأحد قال: ترى الثقب الذي فيه؟ قلت: نعم، قال اما انا فلست أراه. وعلامة الكبر ثلث: كلال البصر(١) وانحناء الظهر ورقة القدم.

٧٦ ـ في تفسير العيّاشي عن صفوان الجمال قال: صليت خلف أبي عبد اللهعليه‌السلام فأطرق ثم قال: أللهمّ لا تقنطني من رحمتك، ثم جهر فقال:( وَمَنْ يَقْنَطُ مِنْ رَحْمَةِ رَبِّهِ إِلَّا الضَّالُّونَ ) .

٧٧ ـ في كتاب التوحيد باسناده إلى معاذ بن جبل حديث طويل عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله يقول فيه: قال الله يا ابن آدم بإحساني إليك قويت على طاعتي وبسوء ظنك بي قنطت من رحمتي.

٧٨ ـ في بصائر الدرجات حدثني السندي بن الربيع عن الحسن بن عليّ بن فضال عن علي بن رئاب عن أبي بكر الحضرمي عن أبي جعفرعليه‌السلام قال: ليس مخلوق إلّا وبين عينيه مكتوب: مؤمن أو كافر، وذلك محجوب عنكم وليس محجوبا عن الائمة من آل محمد صلوات الله عليهم، ثم ليس يدخل عليهم أحد إلّا عرفوه مؤمن أو كافر، ثم تلا هذه الآية: إنّ في ذلك لآيات للمتوسمين.

٧٩ ـ أحمد بن الحسن بن أحمد بن إبراهيم عن الحسن بن البرة عن علي بن حسان عن عبد الكريم بن كثير عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال: ويحك يا أبا سليمان! إنّه ليس من عبد يولد إلّا كتب بين عينيه مؤمن أو كافر، قال اللهعزوجل :( إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِلْمُتَوَسِّمِينَ ) نعرف عدونا من ولينا، والحديث طويل أخذنا منه موضع الحاجة.

٨٠ ـ في أصول الكافي أحمد بن مهران عن عبد العظيم بن عبد الله الحسنى عن ابن ابى عمير قال: أخبرنى أسباط بياع الزطي قال: كنت عند أبي عبد اللهعليه‌السلام فسئله

__________________

(١) كل بصره: أعيا ونبأ ولم يحقق المنظور.

٢٢

رجل عن قول اللهعزوجل :( إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِلْمُتَوَسِّمِينَ وَإِنَّها لَبِسَبِيلٍ مُقِيمٍ ) قال: نحن المتوسمون والسبيل فينا مقيم.

٨١ ـ محمد بن يحيى عن سلمة بن الخطاب عن يحيى بن إبراهيم، قال حدثني أسباط بن سالم قال: كنت عند أبي عبد اللهعليه‌السلام فدخل عليه رجل من أهل هيت(١) فقال له: أصلحك الله ما تقول في قول اللهعزوجل :( إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِلْمُتَوَسِّمِينَ ) قال: نحن المتوسمون والسبيل فينا مقيم.

٨٢ ـ محمد بن إسمعيل عن الفضل بن شاذان عن حماد بن عيسى عن ربعي بن عبد الله عن محمد بن مسلم عن أبي جعفرعليه‌السلام في قول اللهعزوجل :( إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِلْمُتَوَسِّمِينَ ) قال: هم الامة، قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : اتقوا فراسة المؤمن فانه ينظر بنور اللهعزوجل في قول الله(٢) عزوجل ( إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِلْمُتَوَسِّمِينَ ) .

٨٣ ـ محمد بن يحيى عن الحسن بن عليّ الكوفي عن عبيس بن هشام عن عبد الله بن سليمان عن أبي عبد اللهعليه‌السلام في قول اللهعزوجل :( إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِلْمُتَوَسِّمِينَ ) فقال: هم الائمة( وَإِنَّها لَبِسَبِيلٍ مُقِيمٍ ) قال: لا يخرج منا أبدا.

٨٤ ـ محمد بن يحيى عن محمد بن الحسين عن محمد بن أسلم عن إبراهيم بن أيوب عن عمرو بن شمر عن جابر عن أبي جعفرعليه‌السلام قال: قال أمير المؤمنينعليه‌السلام في قوله:( إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِلْمُتَوَسِّمِينَ ) قال: كان رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله المتوسم وأنا من بعده، والائمة من ذريتي المتوسمون وفي نسخة اخرى: أحمد بن مهران عن محمد بن عليّ عن محمد بن أسلم عن إبراهيم بن أيوب باسناده مثله.

٨٥ ـ أحمد بن إدريس ومحمد بن يحيى عن الحسن بن عليّ الكوفي عن عبيس بن هشام عن عبد الله بن سليمان عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال: سألته عن الامام فوض الله إليه كما فوض إلى سليمان بن داود؟ فقال: نعم وذلك ان رجلا سأله عن مسألة فأجابه فيها، وسأله

__________________

(١) هيت: بلدة على الفرات من نواحي بغداد فوق الأنبار ذات نخل كثير وخيرات واسعة واسم قرية في نواحي دمشق أيضا.

(٢) متعلق بقوله: قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله .

٢٣

آخر عن تلك المسألة فأجابه بغير جواب الاول، ثم سأله آخر فأجابه بغير جواب الأولين ثم قال:( هذا عَطاؤُنا فَامْنُنْ أَوْ ) أعط بغير حساب» وهكذا هي في قراءة علىعليه‌السلام ، قال: فقلت: أصلحك الله فحين أجابهم بهذا الجواب يعرفهم الامام؟ قال: سبحان الله أما تسمع الله يقول:( إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِلْمُتَوَسِّمِينَ ) وهم الائمة( وَإِنَّها لَبِسَبِيلٍ مُقِيمٍ ) لا تخرج منها أبدا، ثم قال لي: نعم ان الامام إذا أبصر إلى الرجل عرفه وعرف لونه، وان سمع كلامه من خلف حائط عرفه وعرف ما هو، ان الله يقول:( وَمِنْ آياتِهِ خَلْقُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلافُ أَلْسِنَتِكُمْ وَأَلْوانِكُمْ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِلْعالِمِينَ ) وهم العلماء، فليس يسمع شيئا من الأمر ينطق به إلّا عرفه ناج أو هالك، فلذلك يجيبهم بالذي يجيبهم.

٨٦ ـ في روضة الواعظين للمفيد (ره) بعد أن ذكر الصادقعليه‌السلام وروى عنه حديثا وقالعليه‌السلام : إذا قام قائم آل محمدعليه‌السلام حكم بين الناس بحكم داود لا يحتاج إلى بينة، يلهمه الله تعالى فيحكم بعلمه. ويخبر كل قوم بما استنبطوه، ويعرف وليه من عدوه بالتوسم قال اللهعزوجل :( إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِلْمُتَوَسِّمِينَ وَإِنَّها لَبِسَبِيلٍ مُقِيمٍ ) .

٨٧ ـ في مجمع البيان وقد صح عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله أنّه قال: اتقوا فراسة المؤمن فانه ينظر بنور الله، قال: إنّ لله عبادا يعرفون الناس بالتوسم، ثم قرء هذه الآية.

٨٨ ـ وروي عن أبي عبد اللهعليه‌السلام أنّه قال: نحن المتوسمون والسبيل فينا مقيم، والسبيل طريق الجنة، ذكره عليّ بن إبراهيم في تفسيره(١) .

٨٩ ـ في عيون الاخبار في باب ما جاء عن الرضاعليه‌السلام في وجه دلائل الائمة والرد على الغلاة والمفوضة لعنهم الله، حدّثنا تميم بن عبد الله بن تميم القرشي رضى الله عنه قال: حدّثني أبي قال: حدّثنا أحمد بن عليّ الأنصاري عن الحسن بن الجهم قال: حضرت مجلس المأمون يوما وعنده علي بن موسى الرضاعليه‌السلام وقد اجتمع الفقهاء

__________________

(١) «الذي في تفسير عليّ بن إبراهيم الرواية الاخيرة»، وانما لم نأخذها منه لأنها فيه بلفظ «قال» كما هي عادته، فأخذناها من مجمع البيان للتصريح باسمه فيهعليه‌السلام . «منه عفى عنه» (عن هامش بعض النسخ)

٢٤

وأهل الكلام من الفرق المختلفة فسأله بعضهم فقال له: يا بن رسول الله بأي شيء تصح الامامة لمدعيها؟ قال: بالنص والدليل، قال له: فدلالة الامام فيما هي؟ قال: في العلم واستجابة الدعوة قال فما وجه أخباركم مما يكون؟ قال ذلك بعهد معهود إلينا من رسول الله، قال: فما وجه أخباركم مما في قلوب الناس؟ قال له: أما بلغك قول رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : اتقوا فراسة المؤمن فانه ينظر بنور الله على قدر ايمانه ومبلغ استبصاره وعلمه، وقد جمع الله للائمة منا ما فرقه في جميع المؤمنين، وقالعزوجل في كتابه العزيز:( إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِلْمُتَوَسِّمِينَ ) فأول المتوسمين رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، ثم أمير المؤمنينعليه‌السلام من بعده، ثم الحسن والحسين والائمة من ولد الحسين إلى يوم القيمة، قال: فنظر إليه المأمون فقال له: يا أبا الحسن زدنا مما جعل الله لكم أهل البيت، فقال الرضاعليه‌السلام : إنّ الله تعالى قد أيدنا بروح منه مقدسة مطهرة، ليست بملك، لم تكن مع أحد ممن مضى إلّا مع رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وهي مع الائمة منا تسددهم وتوفقهم، وهو عمود من نور بيننا وبين الله تعالى.

٩٠ ـ في كتاب كمال الدين وتمام النعمة باسناده إلى أبان بن تغلب قال: قال أبو عبد اللهعليه‌السلام : إذا قام القائمعليه‌السلام لم يقم بين يديه أحد من خلق الرحمان إلّا عرفه صالح هو أم طالح، ألا وفيه آية للمتوسمين وهو سبيل المقيم.

٩١ ـ في كتاب معاني الأخبار الهلالي أمير المدينة يقول: سألت جعفر بن محمد فقلت له: يا بن رسول الله في نفسي مسألة أريد أن أسئلك عنها، قال: إنْ شئت أخبرتك بمسألتك قبل أن تسألنى، وان شئت فاسئل، قال: فقلت له: يا بن رسول الله وبأي شيء تعرف ما في نفسي قبل سؤالى عنه؟ قال: بالتوسم والتفرس، أما سمعت قول اللهعزوجل :( إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِلْمُتَوَسِّمِينَ ) وقول رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : اتقوا فراسة المؤمن فانه ينظر بنور الله.

٩٢ ـ في تفسير العيّاشي عن عبد الرحمن بن سالم الأشل رفعه في قوله:( لَآياتٍ لِلْمُتَوَسِّمِينَ ) قال: هم آل محمد الأوصياءعليهم‌السلام .

٢٥

٩٣ ـ عن أبي بصير عن أبي عبد اللهعليه‌السلام [ان] في الامام آية للمتوسمين، وهو السبيل المقيم، ينظر بنور الله وينطق عن الله، لا يعزب عنه شيء مما أراد.

٩٤ ـ عن جابر بن يزيد الجعفي قال: قال أبو جعفرعليه‌السلام : بينما أمير المؤمنينعليه‌السلام جالس بمسجد الكوفة قد احتبى بسيفه والقى برنسه وراء ظهره(١) إذ أتته امرأة مستعدية على زوجها، فقضى للزوج على المرأة، فغضبت فقالت: لا والله ما هو كما قضيت، لا والله ما تقضى ولا تعدل بالرعية، ولا قضيتك عند الله بالمرضية، قال: فنظر إليها أمير المؤمنينعليه‌السلام فتأملها ثم قال لها: كذبت يا جرية يا بذية أيا سلسع أيا سلفع(٢) أيا التي تحيض من حيث لا تحيض النساء، قال: فولت هاربة وهي تولول وتقول: يا ويلي ويلي ويلي ثلثا، قال فلحقها عمرو بن حريث(٣) فقال لها: يا امة الله أسئلك، فقالت: ما للرجال والنساء في الطرقات؟ فقال: انك استقبلت أمير المؤمنين عليّا بكلام سررتينى به ثمّ قرعك أمير المؤمنين بكلمة فوليت مولولة؟ فقالت: إنّ ابن أبى طالب والله استقبلني فأخبرنى بما هو كتمته من بعلى منذ ولى عصمتي، لا والله ما رأيت طمثا من حيث يرينه النساء، قال: فرجع عمرو بن حريث إلى أمير المؤمنين فقال: له يا أمير المؤمنين ما نعرفك بالكهانة فقال له: وما ذلك يا ابن حريث؟ فقال له يا أمير المؤمنين ان هذه المرأة ذكرت انك أخبرتها بما هو فيها وانها لم تر طمثا قط من حيث تراه النساء، فقال له: ويلك يا بن حريث ان الله تبارك وتعالى خلق الأرواح قبل الأبدان بألفى عام، وركب الأرواح في الأبدان، فكتب بين أعينها

__________________

(١) احتبى احتباء: جمع بين ظهره وساقيه بعمامة ونحوها ليستند إذ لم يكن للعرب في البوادي جدران تستند إليها في مجالسها، والبرنس، قلنسوة طويلة كانت تلبس في صدر ـ الإسلام. كل ثوب رأسه ملتزق به.

(٢) البذية: الفحاشة. والسلفع: السليط. وامرأة سلفع يستوي فيه المذكر والمؤنث. يقال: سليطة جريئة. ولم أجد للسلسع معنى في كتب اللغة.

(٣) عمرو بن حريث القرشي المخزومي من أعداء أمير المؤمنينعليه‌السلام وأولياء بني أميّة ويظهر من هذا الحديث خبثه وزندقته وعداوتهعليه‌السلام ، وقد ورد في ذمه روايات كثيرة فراجع تنقيح المقال وغيره.

٢٦

كافر ومؤمن، وما هي مبتلاة به إلى يوم القيمة، ثم أنزل بذلك قرآنا على محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله فقال:( إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِلْمُتَوَسِّمِينَ ) وكان رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله المتوسم ثم انا من بعده، ثم الأوصياء من ذريتي من بعدي، إنّي لما رأيتها تأملتها فأخبرتها بما هو فيها ولم أكذب.

٩٥ ـ في عيون الاخبار عن الرضاعليه‌السلام حديث طويل وفيه قالعليه‌السلام في قول اللهعزوجل :( فَاصْفَحِ الصَّفْحَ الْجَمِيلَ ) قال: العفو من غير عتاب.

٩٦ ـ في أمالي الصدوق (ره) باسناده عن الصادق جعفر بن محمد عن أبيهعليهما‌السلام قال قال علي بن الحسين زين العابدينعليه‌السلام في قول اللهعزوجل :( فَاصْفَحِ الصَّفْحَ الْجَمِيلَ ) قال: العفو من غير عتاب.

٩٧ ـ في تهذيب الأحكام محمد بن علي بن محبوب عن العباس عن محمد بن أبى عمير عن أبي أيوب عن محمد بن مسلم قال: سألت أبا عبد اللهعليه‌السلام عن السبع( الْمَثانِي وَالْقُرْآنَ الْعَظِيمَ ) هي الفاتحة؟ قال: نعم، قلت: بسم الله الرحمن الرحيم من السبع المثاني؟ قال: نعم هي أفضلهن.

٩٨ ـ في تفسير العيّاشي ابن عبد الرحمن عمن رفعه قال: سألت أبا عبد اللهعليه‌السلام عن قول اللهعزوجل :( وَلَقَدْ آتَيْناكَ سَبْعاً مِنَ الْمَثانِي وَالْقُرْآنَ الْعَظِيمَ ) قال: هي سورة الحمد، وهو سبع آيات: منها( بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ ) وانما سميت المثاني لأنها تثنى في الركعتين.

٩٩ ـ عن أبي بكر الحضرمي عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال: قال: إذا كانت لك حاجة فاقرأ المثاني وسورة اخرى وصل ركعتين وادع الله. قلت: أصلحك الله وما المثاني؟ فقال: فاتحة الكتاب:( بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ ) .

١٠٠ ـ عن سورة بن كليب عن أبي جعفرعليه‌السلام قال: سمعته يقول: نحن المثاني التي أعطى نبينا.

١٠١ ـ عن يونس بن عبد الرحمن عمن رفعه قال: سألت أبا عبد الله عن قول الله:( وَلَقَدْ آتَيْناكَ سَبْعاً مِنَ الْمَثانِي وَالْقُرْآنَ الْعَظِيمَ ) قال: إنّ ظاهرها الحمد، وباطنها

٢٧

ولد الولد، والسابع منها القائمعليه‌السلام (١) .

١٠٢ ـ قال حسان: سألت أبا جعفرعليه‌السلام عن قول الله:( وَلَقَدْ آتَيْناكَ سَبْعاً مِنَ الْمَثانِي وَالْقُرْآنَ الْعَظِيمَ ) قال: ليس هكذا تنزيلها، إنّما هي:( وَلَقَدْ آتَيْناكَ سَبْعاً مِنَ الْمَثانِي ) [نحن هم] والقرآن العظيم» ولد الولد.

١٠٣ ـ عن القاسم بن عروة عن أبي جعفرعليه‌السلام في قول الله:( وَلَقَدْ آتَيْناكَ سَبْعاً مِنَ الْمَثانِي وَالْقُرْآنَ الْعَظِيمَ ) قال: سبعة أئمة والقائم.

١٠٤ ـ عن السدي عمن سمع عليّاعليه‌السلام يقول:( سَبْعاً مِنَ الْمَثانِي ) فاتحة الكتاب.

١٠٥ ـ عن سماعة قال: قال أبو الحسنعليه‌السلام :( وَلَقَدْ آتَيْناكَ سَبْعاً مِنَ الْمَثانِي وَالْقُرْآنَ الْعَظِيمَ ) قال: لم يعط الأنبياء إلّا محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وهم السبعة الائمة الذين يدور عليهم الفلك، «والقرآن العظيم» محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله .

١٠٦ ـ عن محمد بن مسلم عن أحدهماعليه‌السلام قال: سٌّألته عن قوله:( آتَيْناكَ سَبْعاً مِنَ الْمَثانِي وَالْقُرْآنَ الْعَظِيمَ ) قال: فاتحة الكتاب يثنى فيها القول.

١٠٧ ـ في كتاب الاحتجاج للطبرسي (ره) روى عن موسى بن جعفر عن أبيه عن آبائه عن الحسين بن عليّعليهم‌السلام قال: قال عليٌّعليه‌السلام لبعض أحبار اليهود في أثناء كلام طويل يذكر فيه مناقب النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله : وزاد الله عز ذكره محمداصلى‌الله‌عليه‌وآله السبع الطوال، وفاتحة الكتاب، وهي السبع( الْمَثانِي، وَالْقُرْآنَ الْعَظِيمَ ) .

__________________

(١) قال المحدث الكاشاني (ره): ولعلهم إنّما عدوا سبعا باعتبار اسمائهم فانها سبعة، وعلى هذا فيجوز أن يجعل المثاني من الثناء، وأن يجعل من التثنية باعتبار تثنيتهم مع القرآن، وأن يجعل كناية عن عددهم الاربعة عشر بأن يجعل نفسه واحدا منهم بالتغاير الاعتباري بين المعطى والمعطى له «انتهى».

وقال بعض: إنّ المراد بالسبع المثاني النبي والائمة وفاطمة عليهم‌السلام فهم أربعة عشر سبعة وسبعة، لقوله: المثاني، فكل واحد من السبعة مثنى وللعلامة المجلسي (ره) وكذا المحدث الحر العاملي قدس‌سرهما أيضا بيان في هذا الحديث وما يتلوه في التعبير فراجع البحار ج ٧: ١١٤ وإثبات الهداة ج ٧: ١٠٢.

٢٨

١٠٨ ـ في عيون الاخبار عن الرضاعليه‌السلام حديث طويل وفي آخره: وقيل لأمير المؤمنينعليه‌السلام : يا أمير المؤمنين أخبرنا عن( بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ ) هي من فاتحة الكتاب؟ فقال: نعم، كان رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله يقرأها ويعدها آية منها، ويقول: فاتحة الكتاب هي السبع المثاني.

١٠٩ ـ وباسناده إلى الحسن بن عليّ عن أبيه علي بن محمد عن أبيه محمد بن عليّ عن أبيه الرضا عن آبائه عن عليٍّعليه‌السلام أنّه قال: إنّ( بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ ) آية من فاتحة الكتاب، وهي سبع آيات تمامها( بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ ) ، سمعت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله يقول: إنّ الله تعالى قال لي: يا محمّد( وَلَقَدْ آتَيْناكَ سَبْعاً مِنَ الْمَثانِي وَالْقُرْآنَ الْعَظِيمَ ) فأفرد الامتنان على بفاتحة الكتاب وجعلها بإزاء القرآن العظيم.

١١٠ ـ في كتاب التوحيد باسناده إلى أبى سلام عن بعض أصحابنا عن أبي جعفرعليه‌السلام قال: نحن المثاني التي أعطاها الله نبينا،صلى‌الله‌عليه‌وآله ، ونحن وجه الله، نتقلب في الأرض بين أظهر كم عرفنا من عرفنا، ومن جهلنا فامامه اليقين(١) .

وفى أصول الكافي مثله.

١١١ ـ في مجمع البيان السبع المثاني هي فاتحة الكتاب وهو قول عليٍّعليه‌السلام وروى ذلك عن أبي جعفر وأبي عبد اللهعليهما‌السلام .

١١٢ ـ في أصول الكافي عليّ بن إبراهيم عن صالح بن السندي عن جعفر بن بشير عن سعد الإسكاف قال: قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : أعطيت السور الطوال مكان التوراة، وأعطيت المئين مكان الإنجيل(٢) وأعطيت المثاني مكان الزبور.

١١٣ ـ أبو على الأشعري عن الحسن بن علي بن عبد الله وحميد بن زياد عن الخشاب جميعا

__________________

(١) كذا في النسخ لكن في تفسير العيّاشي وتفسير عليّ بن إبراهيم والمنقول عنهما في البحار وغيره «فامامه السعير» وهو الظاهر ويحتمل التصحيف أيضا، ولم أظفر على الحديث في مظانه في أصول الكافي.

(٢) قد مر في المجلد الاول صفحة ٢٥٨ لهذا الحديث بيان عن الطبرسي (ره) في الذيل فراجع.

٢٩

عمرو بن جميع عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال: قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : ومن أوتى القرآن فظن ان أحدا من الناس أوتى أفضل مما أوتى، فقد عظم ما حقر الله، وحقر ما عظم الله.

١١٤ ـ عليّ بن إبراهيم عن أبيه وعلى بن محمد القاساني جميعا عن القاسم بن محمد عن سليمان بن داود عن سفيان بن عيينة عن الزهري عن علي بن الحسينعليه‌السلام قال: قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : من أعطاه الله القرآن فرأى ان رجلا اعطى أفضل مما أعطى فقد صغر عظيما، وعظم صغيرا، والحديثان طويلان أخذنا منهما موضع الحاجة.

١١٥ ـ في تفسير العيّاشي عن حماد عن بعض أصحابه عن أحدهماعليهما‌السلام قول الله:( لا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إلى ما مَتَّعْنا بِهِ أَزْواجاً مِنْهُمْ ) قال: إنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله في نزل به ضيقة، [فاستسلف من يهودي](١) فقال اليهودي: والله ما لمحمد ثاغية ولا راغية(٢) فعلى ما أسلفه؟ فقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : إنّي لامين الله في سمائه وأرضه ولو ائتمنتني على شيء لأديته إليك، قال: فبعث بدرقة(٣) فرهنها عنده، وأنزلت عليه:( وَلا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إلى ما مَتَّعْنا بِهِ أَزْواجاً مِنْهُمْ زَهْرَةَ الْحَياةِ الدُّنْيا ) .

١١٦ ـ في تفسير عليّ بن إبراهيم أخبرنا أحمد بن إدريس قال: حدّثنا أحمد بن محمد عن محمد بن سنان عن المفضل بن عمر عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال: لما نزلت هذه الآية( لا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إلى ما مَتَّعْنا بِهِ أَزْواجاً مِنْهُمْ وَلا تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ وَاخْفِضْ جَناحَكَ لِلْمُؤْمِنِينَ ) قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : من لم يتعز بعزاء الله تقطعت نفسه على الدنيا حسرات، ومن رمى ببصره إلى ما في يدي غيره كثر همه ولم يشف غيظه، ومن لم يعلم ان لله عليه نعمة إلّا في مطعم أو ملبس فقد قصر علمه ودنا عذابه، ومن أصبح على الدنيا حزينا أصبح على الله ساخطا، ومن شكى مصيبة نزلت به فانما يشكو ربه، ومن دخل النار من هذه الامة ممن قرأ القرآن فهو ممن يتخذ آيات الله هزوا، ومن أتى ذا ميسرة فتخشع له طلب ما في يديه ذهب ثلثا دينه.

__________________

(١) استسلف: اقترض.

(٢) الثاغية: الشاة، والراغية: الناقة.

(٣) الدرقة ـ محركة ـ: الترس من الجلود. ليس فيه خشب ولا عقب.

٣٠

١١٧ ـ في مجمع البيان وكان رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله لا ينظر إلى ما يستحسن من الدنيا.

١١٨ ـ في تفسير عليّ بن إبراهيم قال عليّ بن إبراهيم في قوله:( الَّذِينَ جَعَلُوا الْقُرْآنَ عِضِينَ ) قال: قسموا القرآن ولم يؤلفوه على ما أنزله الله، فقال:( لَنَسْئَلَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ عَمَّا كانُوا يَعْمَلُونَ ) .

١١٩ ـ في تفسير العيّاشي عن محمد بن مسلم عن أحدهما قال: قال في الذين أبرزوا القرآن عضين، قال: هم قريش.

١٢٠ ـ في أصول الكافي محمد بن أبي عبد الله ومحمد بن الحسن عن سهل بن زياد ومحمد بن يحيى عن أحمد بن محمد جميعا عن الحسن بن عباس بن الحريش عن أبي جعفر الثانيعليه‌السلام قال: قال أبو عبد اللهعليه‌السلام : سئل رجل أبى فقال: يا ابن رسول الله سآتيك بمسئلة صعبة، أخبرنى عن هذا العلم ما له لا يظهر كما كان يظهر مع رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ؟ قال: فضحك أبىعليه‌السلام وقال: أبى الله أن يطلع على علمه إلّا ممتحنا للايمان، كما قضى على رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله أن يصبر على أذى قومه ولا يجاهدهم إلّا بامره، فكم من اكتتام قد اكتتم به، حتّى قيل له:( فَاصْدَعْ بِما تُؤْمَرُ وَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ ) وايم الله إنّه لو صدع قبل ذلك لكان آمنا، ولكنه إنّما نظر في الطاعة وخاف الخلاف، فلذلك كف فوددت أن عينك تكون مع مهدي هذه الامة، والملائكة بسيوف آل داود بين السماء والأرض، تعذب أرواح الكفرة من الأموات، وتلحق بهم أرواح أشباههم من الأحياء، ثم اخرج سيفا ثم قال: ها ان هذا منها قال: فقال أبى: أي والذي اصطفى محمدا على البشر، قال: فرد الرجل اعتجاره(١) وقال: انا إلياس، ما سألتك عن أمرك وبى منه جهالة، غير أنّي أحببت أن يكون هذا الحديث قوة لأصحابك، والحديث طويل أخذنا منه موضع الحاجة.

١٢١ ـ في كتاب كمال الدين وتمام النعمة باسناده إلى محمد بن عليّ الحلبي

__________________

(١) الاعتجار: لف العمامة على رأسه. والرد هنا في مقابل الفتح المذكور في صدر الحديث في قوله: «ففتح الرجل عجيرته واستوى جالسا وتهلل وجهه اه» وان شئت الوقوف على تمام الحديث راجع الأصول: باب شأن( إِنَّا أَنْزَلْناهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ ) الحديث الاول.

٣١

عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال: اكتتم رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله مختفيا خائفا خمس سنين، ليس يظهر أمره وعلىعليه‌السلام معه وخديجة، ثم أمره اللهعزوجل أن يصدع بما أمر، فظهر رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله فأظهر أمره.

١٢٢ ـ وفي خبر آخر أنّهعليه‌السلام كان مختفيا بمكة ثلث سنين.

١٢٣ ـ وباسناده إلى عبد الله بن عليّ الحلبي قال: سمعت أبا عبد اللهعليه‌السلام يقول: مكث رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله بمكة بعد ما جاء الوحي عن الله تبارك وتعالى ثلثة عشر سنة، منها ثلث سنين مختفيا خائفا لا يظهر، حتّى أمره اللهعزوجل ان يصدع بما أمر، فأظهر حينئذ الدعوة.

١٢٤ ـ في تفسير العيّاشي عن محمد بن عليّ الحلبي عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال: اكتتم رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله بمكة سنين ليس يظهر وعلى معه وخديجة، ثم أمره الله أن يصدع بما يؤمر وظهر رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله فجعل يعرض نفسه على قبائل العرب، فاذا أتاهم قالوا: كذاب امض عنا.

١٢٥ ـ عن زرارة وحمران ومحمد بن مسلم عن أبي جعفرعليه‌السلام في قوله:( وَلا تَجْهَرْ بِصَلاتِكَ وَلا تُخافِتْ بِها ) قال: نسختها:( فَاصْدَعْ بِما تُؤْمَرُ وَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ ) .

١٢٦ ـ في تفسير عليّ بن إبراهيم قوله:( فَاصْدَعْ بِما تُؤْمَرُ وَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ إِنَّا كَفَيْناكَ الْمُسْتَهْزِئِينَ ) فانها نزلت بمكة بعد أن نبئ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله بثلث سنين، وذلك ان النبوة نزلت على رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله يوم الاثنين وأسلم على يوم الثلثاء ثم أسلمت خديجة بنت خويلد زوجة رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ثم دخل أبو طالب إلى النبي وهو يصلى وعلى بجنبه، وكان مع أبي طالب جعفر فقال له أبو طالب: صل جناح ابن عمك، فوقف جعفر على يسار رسول الله فبدر رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله من بينهما، فكان يصلى رسول الله وعلىعليه‌السلام وجعفر وزيد بن حارثة وخديجة، فلما أتى لذلك ثلث سنين، أنزل الله عليه:( فَاصْدَعْ بِما تُؤْمَرُ وَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ إِنَّا كَفَيْناكَ الْمُسْتَهْزِئِينَ ) وكان المستهزؤن برسول الله خمسة الوليد بن المغيرة، والعاص بن وائل، والأسود بن المطلب، والأسود بن عبد يغوث، و

٣٢

الحارث بن طلاطلة الخزاعي، فمر الوليد بن المغيرة وكان رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله دعا عليه لما كان بلغه من أذائه واستهزائه، فقال: أللهمّ أعم بصره، واثكله بولده، فعمي بصره وقتل ولده ببدر(١) فمر الوليد بن المغيرة برسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ومعه جبرئيلعليه‌السلام ، فقال جبرئيل: يا محمّد هذا الوليد بن المغيرة وهو من المستهزئين بك. قال: نعم، وقد كان مر برجل من خزاعة وهو يريش نبالا له، فوطئ على بعضها فأصاب أسفل عقبه قطعة من ذلك، فدميت فلما مر بجبرئيلعليه‌السلام أشار إلى ذلك، فرجع الوليد إلى منزله ونام على سريره، وكانت ابنته نائمة أسفل منه فانفجر الموضع الذي أشار إليه جبرئيلعليه‌السلام أسفل عقبه فسال منه الدم حتّى صار إلى فراش ابنته، فانتبهت ابنته فقالت: يا جارية أتحل وكاء القربة(٢) ؟ قال الوليد: ما هذا وكاء القربة ولكنه دم أبيك، فاجمعى لي ولدي وولد أخى فانى ميت فجمعتهم فقال لعبد الله بن أبي ربيعة: إنّ عمارة بن الوليد بأرض الحبشة بدار مضيعة، فخذ كتابا من محمد إلى النجاشي ان يرده، ثم قال لابنه هاشم وهو أصغر ولده: يا بنى أوصيك بخمس خصال فاحفظها: أوصيك بقتل أبي دهم الدوسي فانه غلبني على امرأتى وهي بنته، ولو تركها وبعلها كانت تلد لي ابنا مثلك، ودمي في خزاعة وما تعمدوا قتلى، وأخاف ان تفتنوا بعدي، ودمي في بنى خزيمة بن عامر ودياتي(٣) في ثقيف فخذه ولا سقف نجران على مائتا دينار فاقضها، ثم فاضت نفسه، ومر ربيعة بن الأسود برسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله فأشار جبرئيل إلى بصره فعمي ومات، ومر به الأسود بن عبد يغوث، فأشار جبرئيل إلى بطنه فلم يزل يستسقى حتّى شق بطنه، ومر العاص بن وائل فأشار جبرئيل إلى رجله فدخل يداه(٤) في أخمص قدميه وخرجت من ظاهره

__________________

(١) وفي المصدر بعد قوله «ببدر» هكذا: «وكذلك دعا على الأسود بن عبد يغوث والحارث بن طلاطلة الخزاعي، فمر الوليد اه».

(٢) الوكاء ـ ككتاب ـ: رباط القربة.

(٣) وفي السيرة لابن هشام «ربائى». وفي المصدر «دياني».

(٤) كذا في النسخ والظاهر أنّه مصحف وفي المصدر والمنقول عنه في البحار وغيره «فدخل عود في أخمص قدمه اه».

٣٣

ومات، ومر ابن الطلاطلة فأشار جبرئيل إلى وجهه فخرج إلى جبال تهامة فأصابته السمائم(١) واستسقى حتّى انشق بطنه، وهو قول الله:( إِنَّا كَفَيْناكَ الْمُسْتَهْزِئِينَ ) فخرج رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله فقام على الحجر فقال: يا معشر قريش، يا معاشر العرب ادعو كم إلى شهادة ان لا إله إلّا الله، وانى رسول الله، وأمر كم بخلع الأنداد والأصنام فأجيبوني تملكون بها العرب، وتدين لكم العجم، وتكونون ملوكا في الجنة، فاستهزؤا منه وقالوا: جن محمد بن عبد الله، ولم يجسروا عليه لموضع أبي طالب، فاجتمعت قريش إلى أبي طالب فقالوا: يا أبا طالب ان ابن أخيك قد سفه أحلامنا وسب آلهتنا، وأفسد شباننا، وفرق جماعتنا، فان كان يحمله على ذلك الغرم جمعنا له مالا فيكون أكثر قريش مالا، ونزوجه أي امرأة شاء من قريش، فقال له أبو طالب: ما هذا يا ابن أخى؟ فقال: يا عم هذا دين الله الذي ارتضاه لأنبيائه ورسله، بعثني الله رسولا إلى الناس، فقال: يا بن أخى ان قومك قد أتونى يسألوني ان أسئلك أن تكف عنهم، فقال: يا عم إنّي لا أستطيع انْ أخالف أمر ربّي، فكفّ عنه أبو طالب، ثمّ اجتمعوا إلى أبي طالب فقالوا: أنت سيد من ساداتنا فادفع إلينا محمدا لنقتله وتملك علينا، فقال أبو طالب قصيدته الطويلة، ويقول فيها: ولما رأيت القول لاود بينهم(٢) وقد قطعوا كل العرى والوسائل كذبتم وبيت الله يبزى محمد ولما نطاعن دونه ونناضل(٣) وننصره حتّى نصرع حوله ونذهل عن أبنائنا والحلائل(٤)

__________________

(١) السمائم جمع السموم: الريح الحارة.

(٢) قوله: «بينهم» في المصدر «عندهم». والعرى جمع العروة: كلما يوثق به ويعول عليه.

(٣) قوله «يبزى» أي يقهر ويغلب، قال في البحار أراد «لا يبزى» فحذف لا من جواب القسم وهي مرادة أي لا يقهر ولم نقاتل وندافع «انتهى» والصحيح كما في الغدير ج ٧: ٣٣٨ «نبزى» أي نقهر، وناضل عنه: حامي وجادل ودافع وتكلم عنه بعذره.

(٤) صرعة: طرحه على الأرض شديدا. وذهل عنه: نسيه. والحلائل جمع الحليلة: الزوجة.

٣٤

قال: فلما اجتمعت [قريش] على قتل رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله وكتبوا الصحيفة القاطعة، جمع أبو طالب بنى هاشم وحلف لهم بالبيت والركن والمقام والمشاعر في الكعبة، لئن شاكت محمدا شوكة لاتين عليكم يا بنى هاشم فأدخله الشعب، وكان يحرسه بالليل والنهار قائما بالسيف على رأسه أربع سنين، فلما خرجوا من الشعب حضرت أبا طالب الوفاة، فدخل عليه رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله وهو يجود بنفسه، فقال: يا عم ربيت صغيرا وكفلت يتيما، فجزاك الله عنى خيرا أعطني كلمة اشفع لك بها عند ربي، فروى أنّه لم يخرج من الدنيا حتّى أعطى رسول الله الرضا، وقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : لو قمت المقام المحمود لشفعت لابي وأمي وعمى وأخ كان لي مواخيا في الجاهلية(١) .

١٢٦ ـ في كتاب الاحتجاج للطبرسي (ره) روى موسى بن جعفر عن أبيه عن آبائه عن الحسين بن عليّعليهم‌السلام قال: إنّ يهوديا من يهود الشام وأحبارهم قال لأمير المؤمنينعليه‌السلام : فان هذا موسى بن عمران قد أرسله الله إلى فرعون وأراه الآية الكبرى؟ قال له علىعليه‌السلام : لقد كان كذلك ومحمدصلى‌الله‌عليه‌وآله أرسله الله إلى فراعنة شتى مثل أبي جهل بن هشام، وعتبة بن ربيعة وشيبة وأبي البختري والنضر بن الحرث، وأبي بن خلف، ومنبه ونبيه إبني الحجاج، والى المستهزئين: الوليد بن المغيرة المخزومي، والعاص بن وائل السهمي، والأسود بن عبد يغوث الزهري، والأسود بن المطلب، والحارث بن الطلاطلة فأراهم الآيات في الآفاق وفي أنفسهم حتّى تبين لهم أنّه الحق، قال اليهودي: لقد انتقم الله لموسى من فرعون؟ قال له عليعليه‌السلام : لقد كان كذلك ولقد انتقم الله جل اسمه لمحمدصلى‌الله‌عليه‌وآله من الفراعنة، فاما المستهزؤن فقد قال اللهعزوجل :( إِنَّا كَفَيْناكَ الْمُسْتَهْزِئِينَ ) فقتل

__________________

(١) غير خفي على المحقق الخبير والمطالع البصير لأخبار أهل بيت العصمة صلوات الله عليه ان أبا طالب كان مؤمنا ينقى قومه ويستر دينه، وعليه الشيعة الامامية، ويعرف ذلك من سيرته وكلماته وأشعاره أيضا، وقد أفرد العلامة الأستاذ الأميني دام ظله في كتابه الغدير لذلك بابا يذكر فيه اشعاره وأحواله، ويدفع الشبهات الواهية المنقولة عن بعض العامة في ايمانه وإسلامه رضى الله عنه فراجع ج ٧ ـ: ٣٣٠ ـ ٤٠٩. فما في هذا الخبر اما هو مأخوذ عن العامة وأورده القمى (ره) على عقيدتهم، أو كان منهصلى‌الله‌عليه‌وآله على ظاهر حال ابى طالب والله العالم.

٣٥

الله خمستهم كل واحد منهم بغير قتلة صاحبه في يوم واحد، فاما الوليد بن المغيرة فمر بنبل لرجل من خزاعة قد راشه ووضعه في الطريق، فأصابه شظية منه(١) فانقطع أكحله حتّى أدماه فمات، وهو يقول قتلني رب محمد، واما العاص بن وائل السهمي فانه خرج في حاجة له إلى موضع فتدهده(٢) تحته حجر فسقط فتقطع قطعة قطعة فمات وهو يقول: قتلني رب محمد، واما الأسود بن عبد يغوث فانه خرج يستقبل ابنة زمعة فاستظل بشجرة فأتاه جبرئيلعليه‌السلام فأخذ رأسه فنطح به الشجرة فقال لغلامه: إمنع عنّى هذا فقال: ما أرى أحدا يصنع بك شيئا إلّا نفسك فقتله، وهو يقول: قتلني ربّ محمّد، وأمّا الأسود بن الحارث فان النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله دعا عليه أن يعمى بصره وان يثكله ولده، فلمّا كان في ذلك اليوم خرج حتّى صار إلى موضع، فأتاه جبرئيلعليه‌السلام بورقة خضراء فضرب بها وجهه فعمي، وبقي حتّى أثكله اللهعزوجل ولده، وأمّا الحارث بن الطلاطلة فانه خرج من بيته في السموم فتحول حبشيا فرجع إلى أهله فقال: أنا الحارث فغضبوا عليه فقتلوه وهو يقول: قتلني ربّ محمّد، وروى ان الأسود بن الحارث أكل حوتا مالحا فأصابه عليه العطش فلم يزل يشرب الماء حتّى انشق بطنه فمات، وهو يقول: قتلني ربّ محمّد كل ذلك في ساعة واحدة، وذلك انهم كانوا بين يدي رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله فقالوا له: يا محمّد ننتظر بك إلى الظهر فان رجعت عن قولك وإلّا قتلناك، فدخل النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله منزله فأغلق عليه بابه مغتما لقولهم، فأتاه جبرئيلعليه‌السلام عن الله من ساعته فقال: يا محمّد السّلام يقرء عليك السّلام وهو يقول:( فَاصْدَعْ بِما تُؤْمَرُ وَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ ) يعنى أظهر أمرك لأهل مكّة وادعهم إلى الايمان قال: يا جبرئيل كيف أصنع بالمستهزئين وما أوعدونى؟ قال له:( إِنَّا كَفَيْناكَ الْمُسْتَهْزِئِينَ ) قال: يا جبرئيل كانوا الساعة بين يدي! قال: قد كفيتهم فاظهر أمره عند ذلك، واما بقيتهم من الفراعنة فقتلوا يوم بدر بالسيف، وهزم الله الجمع وولّوا الأدبار، والحديث طويل أخذنا منه موضع الحاجة.

١٢٧ ـ في كتاب الخصال عن أبان الأحمر رفعه قال: المستهزؤن بالنبيصلى‌الله‌عليه‌وآله

__________________

(١) الشظية: كل فلقة من شيء كفلقة العود أو القضبة.

(٢) تدهده الحجر: تدحرج.

٣٦

خمسة الوليد بن المغيرة المخزومي، والعاص بن وائل السهمي والأسود بن عبد يغوث الزهري والأسود بن المطلب، والحارث بن عطية الثقفي.

١٢٨ ـ في أصول الكافي محمد بن الحسين وغيره عن سهل عن محمد بن عيسى ومحمد بن يحيى ومحمد بن الحسين جميعا عن محمد بن سنان عن إسمعيل بن جابر وعبد الكريم بن عمرو عن عبد الحميد بن أبي الديلم عن أبي عبد اللهعليه‌السلام حديث طويل يقول فيه حاكيا عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ذكر من فضل وصيه ذكرا، فوقع النفاق في قلوبهم فعلم رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ذلك وما يقولون، فقال الله جل ذكره: يا محمّد و( لَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّكَ يَضِيقُ صَدْرُكَ بِما يَقُولُونَ ) ( فَإِنَّهُمْ لا يُكَذِّبُونَكَ وَلكِنَّ الظَّالِمِينَ بِآياتِ اللهِ يَجْحَدُونَ ) لكنهم يجحدون بغير حجة لهم وكان رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله يتألفهم ويستعين ببعضهم على بعض، ولا يزال يخرج لهم شيئا في فضل وصيه حتّى نزلت هذه السورة، فاحتج عليهم حين أعلم بموته ونعيت إليه نفسه.

١٢٩ ـ عليّ بن إبراهيم عن أبيه وعلى بن محمد القاساني جميعا عن القاسم بن محمد الاصبهانى عن سليمان بن داود المنقري عن حفص بن غياث قال: قال لي أبو عبد اللهعليه‌السلام : يا حفص ان من صبر صبر قليلا، وان من جزع جزع قليلا، ثم قال: عليك بالصبر في جميع أمورك، فان اللهعزوجل بعث محمدا فأمره بالصبر والرفق فصبرصلى‌الله‌عليه‌وآله حتّى نالوه بالعظايم ورموه بها فضاق صدره فأنزل اللهعزوجل :( وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّكَ يَضِيقُ صَدْرُكَ بِما يَقُولُونَ فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَكُنْ مِنَ السَّاجِدِينَ ) والحديث طويل أخذنا منه موضع الحاجة.

١٣٠ ـ في مجمع البيان: و( كُنْ مِنَ السَّاجِدِينَ ) أي المصلين عن الضحاك وابن عباس قال: وكان رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله إذا حزنه أمر فرغ إلى الصلوة(١) .

__________________

(١) فرغ إلى الشيء: قصد.

٣٧

بسم الله الرحمن الرحيم

١ ـ في كتاب ثواب الأعمال باسناده إلى أبي جعفرعليه‌السلام قال: من قرأ سورة النحل في كل شهر كفى المغرم في الدنيا، وسبعين نوعا من أنواع البلاء أهونه الجنون والجذام والبرص، وكان مسكنه في جنة عدن وهي وسط الجنان.

٢ ـ في مجمع البيان أبي بن كعب عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله قال: من قرءها لم يحاسبه الله تعالى بالنعم التي أنعمها عليه في دار الدنيا، وان مات في يوم تلاها أو ليلته أعطى من الأجر كالذي مات وأحسن الوصية.

٣ ـ في كتاب كمال الدين وتمام النعمة باسناده إلى أبان بن تغلب قال: قال أبو عبد اللهعليه‌السلام : أول من يبايع القائمعليه‌السلام جبرئيل، ينزل في صورة طير أبيض فيبايعه ثم يضع رجلا على بيت الله الحرام ورجلا على بيت المقدس، ثم ينادى بصوت ذلق(١) تسمعه الخلايق:( أَتى أَمْرُ اللهِ فَلا تَسْتَعْجِلُوهُ ) .

٤ ـ عن ابن مهزيار عن القائمعليه‌السلام حديث طويل وفيه أنّهعليه‌السلام تلى:( بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ أَتاها أَمْرُنا لَيْلاً أَوْ نَهاراً فَجَعَلْناها حَصِيداً كَأَنْ لَمْ تَغْنَ بِالْأَمْسِ ) فقلت: يا سيدي يا ابن رسول الله فما الأمر؟ قال: نحن أمر اللهعزوجل وجنوده.

٥ ـ في تفسير العيّاشي عن هشام بن سالم عن بعض أصحابنا عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال: سئلته عن قول الله:( أَتى أَمْرُ اللهِ فَلا تَسْتَعْجِلُوهُ ) قال: إذا أخبر الله النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله بشيء إلى وقت فهو قوله:( أَتى أَمْرُ اللهِ فَلا تَسْتَعْجِلُوهُ ) حتّى يأتى ذلك الوقت، وقال: إنّ الله إذا أخبر ان شيئا كائن فكأنه قد كان. وفيه بعد أن نقل أبان بن تغلب عن أبي عبد اللهعليه‌السلام كما نقلنا عنه سابقا، وفي

__________________

(١) الذلق: الفصيح.

٣٨

رواية أخرى عن أبان عن أبي جعفرعليه‌السلام نحوه.

٦ ـ في تفسير عليّ بن إبراهيم ( أَتى أَمْرُ اللهِ فَلا تَسْتَعْجِلُوهُ سُبْحانَهُ وَتَعالى عَمَّا يُشْرِكُونَ ) قال: نزلت لما سألت قريش رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ان ينزل عليهم(١) فأنزل الله تبارك وتعالى( أَتى أَمْرُ اللهِ فَلا تَسْتَعْجِلُوهُ ) .

٧ ـ في أصول الكافي محمد بن يحيى عن محمد بن الحسين عن علي بن أسباط عن الحسين بن أبي العلا عن سعد الإسكاف قال: أتى رجل أمير المؤمنينعليه‌السلام يسئله عن الروح أليس هو جبرئيل؟ فقال له أمير المؤمنينعليه‌السلام : جبرئيل من الملائكة والروح غير جبرئيل، فكرر ذلك على الرجل، فقال له: لقد قلت عظيما من القول، ما أحد يزعم ان الروح غير جبرئيل، فقال له أمير المؤمنينعليه‌السلام : انك ضال تروى عن أهل الضلال يقول اللهعزوجل لنبيهصلى‌الله‌عليه‌وآله :( أَتى أَمْرُ اللهِ فَلا تَسْتَعْجِلُوهُ سُبْحانَهُ وَتَعالى عَمَّا يُشْرِكُونَ يُنَزِّلُ الْمَلائِكَةَ بِالرُّوحِ ) والروح غير الملائكةعليهم‌السلام .

٨ ـ في تفسير عليّ بن إبراهيم وفي رواية أبي الجارود عن أبي جعفرعليه‌السلام في قوله:( عَلى مَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ أَنْ أَنْذِرُوا أَنَّهُ لا إله إلّا أَنَا فَاتَّقُونِ ) يقول: بالكتاب.

وقال عليّ بن إبراهيم في قوله:( خَلَقَ الْإِنْسانَ مِنْ نُطْفَةٍ فَإِذا هُوَ خَصِيمٌ مُبِينٌ ) قال: خلقه من قطرة من ماء منتن(٢) فيكون خصيما متكلما بليغا، وقال أبو الجارود في قوله: و( الْأَنْعامَ خَلَقَها لَكُمْ فِيها دِفْءٌ وَمَنافِعُ ) والدفء: حواشي الإبل، ويقال بل هي الادفاء(٣) من البيوت والثياب.

٩ ـ في كتاب الخصال عن جعفر بن محمد عن أبيه عن آبائه عن عليٍّعليه‌السلام قال: سئل النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله أي المال خير؟ قال: زرع زرعه صاحبه وأدى( حَقَّهُ يَوْمَ حَصادِهِ ) ، قيل: وأى مال بعد الزرع خير؟ قال: رجل في غنمه قد تبع بها مواقع القطر، يقيم الصلوة ويؤتى الزكاة، قيل: فأى المال بعد الغنم خير؟ قال: البقر تغدو بخير وتروح بخير

__________________

(١) وفي المصدر «أن ينزل عليهم العذاب».

(٢) وفي المصدر «من قطرة من ماء مهين».

(٣) ادفأه من الحائط وغيره كنه أي ستره.

٣٩

قيل: فأى المال بعد البقر خير؟ قال: الراسيات(١) في الوحل المطعمات في المحل(٢) نعم المال النخل، من باعه فانما ثمنه بمنزلة رماد على شاهقة( اشْتَدَّتْ بِهِ الرِّيحُ فِي يَوْمٍ عاصِفٍ ) ، إلّا أن يخلف مكانها، قيل: يا رسول الله فأى المال بعد النخل خير؟ فسكت فقال له رجل: فأين الإبل؟ قال: فيه الشقاء والجفاء والعناء وبعد الدار، تغدو مدبرة وتروح مدبرة لا يأتى خيرها إلّا من جانبها الأشأم.

١٠ ـ عن أبي عبد الله عن أبيه عن آبائهعليهم‌السلام قال: قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : الغنم إذا أقبلت أقبلت، وإذا أدبرت أقبلت، والبقر إذا أقبلت أقبلت، وإذا أدبرت أدبرت، والإبل أعناق الشياطين إذا أقبلت أدبرت، وإذا أدبرت أدبرت، ولا يجيء خيرها إلّا من الجانب الأشأم، قيل: يا رسول الله فمن يتخذها بعد ذا؟ قال: فأين الأشقياء الفجرة؟.

١١ ـ عن الحارث قال: قال أمير المؤمنينعليه‌السلام قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : عليكم بالغنم والحرث فإنهما يروحان بخير ويغدوان بخير، قال: فقيل له: يا رسول الله فأين الإبل؟

قال: تلك أعناق الشياطين ويأتى خيرها من الجانب الأشأم، قيل: يا رسول الله ان سمع الناس بذلك تركوها فقال: إذا لا يعدمها الأشقياء الفجرة.

١٢ ـ عن أمير المؤمنينعليه‌السلام أفضل ما يتخذه الرجل في منزله لعياله الشاة، فمن كان في منزلة شاة قدست عليه الملائكة مرتين في كل يوم، وكذلك في الثلاث يقول: بورك فيكم.

١٣ ـ عن الحسن بن مصعب قال: قال أبو عبد اللهعليه‌السلام : إنّ لله تعالى في كل يوم وليلة ملكا ينادى مهلا مهلا عباد الله عن المعاصي فلو لا بهائم رتع وصبية رضع وشيوخ ركع لصب عليكم العذاب صبا ترضون به رضا.

١٤ ـ في تفسير عليّ بن إبراهيم قوله: و( لَكُمْ فِيها جَمالٌ حِينَ تُرِيحُونَ وَحِينَ تَسْرَحُونَ ) قال: حين ترجع من المرعى، قوله: و( تَحْمِلُ أَثْقالَكُمْ إلى بَلَدٍ لَمْ تَكُونُوا بالِغِيهِ إِلَّا بِشِقِّ الْأَنْفُسِ ) قال: إلى مكة والمدينة وجميع البلدان.

١٥ ـ في الكافي أبو على الأشعري عن محمد بن عبد الجبار عن صفوان بن يحيى

__________________

(١) أي الثابتات في أماكنها لا تزول لعظمها.

(٢) المحل: الشدة والجدب وانقطاع المطر ويبس الأرض من الكلاء.

٤٠

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

لقد كنت في ما مضى أسجد للشمس وأعبد الأصنام ، وكنت غارقة في الزينة والتجميل ، وكنت أتصور أنّي أعلى الناس في الدنيا.

أمّا الآن فإنّني أفهم أنّني ضعيفة جدّا وهذه الزخارف والزبارج لا تروي ظمأ الإنسان ولا تبلّ غليل روحه!.

ربّاه أتيت إليك مسلمة مع سليمان نادمة عن سالف عمري ، خاضعة عنقي إليك. الطريف هنا أنّها تقول : أسلمت مع سليمان ، فتستعمل كلمة (مع) ليتجلّى أن الجميع إخوة في السبيل إلى الله! لا كما يعتاده الجبابرة إذ يتسلط بعضهم على رقاب بعض ، وترى جماعة أسيرة في قبضة آخر.

فهنا لا يوجد غالب ومغلوب ، بل الجميع ـ بعد قبول الحق ـ في صف واحد!.

صحيح أن ملكة سبأ كانت قد أعلنت إيمانها قبل ذلك أيضا ، لأنّنا سمعنا عن لسانها في الآيات آنفة الذكر( وَأُوتِينَا الْعِلْمَ مِنْ قَبْلِها وَكُنَّا مُسْلِمِينَ ) .

إلّا أن إسلام الملكة هنا وصل إلى أوجه ، لذلك أكّدت إسلامها مرّة أخرى.

إنها رأت دلائل متعددة على حقانية دعوة سليمان.

فمجيء الهدهد بتلك الحالة الخاصّة!

وعدم قبول سليمان الهدية الثمينة المرسلة من قبلها.

وإحضار عرشها في فترة قصيرة من مدى بعيد.

وأخيرا مشاهدة قدرة سليمان الاعجازية ، وما لمسته فيه من أخلاق دمثة لا تشبه أخلاق الملوك!

* * *

بحثان

١ ـ عاقبة أمر ملكة سبأ

كان هذا كل ما ورد في القرآن المجيد عن ملكة سبأ إذ آمنت أخيرا ولحقت

٨١

بالصالحين لكن هل عادت إلى وطنها بعد إيمانها ، وواصلت حكمها من قبل سليمان ، أو بقيت عند سليمان وتزوجت منه؟! أو تزوجت من أحد ملوك اليمن المشهورين باسم «تبّع»؟

هذه الأمور لم يشر إليها القرآن الكريم ، لأنّها لا علاقة لها بالهدف الأصلي الذي يبتغيه القرآن من المسائل التربوية! إلّا أن المؤرّخين والمفسّرين كلّا منهم اختار رأيا ، ولا نجد ضرورة في الخوض في ذلك ، وإن كان المشهور ـ طبقا لما قاله أغلب المفسّرين ـ أنّها تزوّجت من سليمان نفسه(١) .

إلّا أنّه ينبغي أن نذكّر بهذا الأمر المهم ، وهو أنّه وردت أساطير كثيرة حول سليمان وجنوده وحكومته وخصوصيات ملكة سبأ. وجزئيات حياتها أيضا ، ممّا يصعب على عامة الناس تمييزها من الحقائق التاريخية ، وربّما يغشّي هذه الحقائق التاريخية. ظلّ مظلم من الخرافات يشوه وجهها الناصع وهذه هي نتيجة الخرافات المتداخلة في الحقائق التي ينبغي أن تراقب مراقبة تامّة!.

٢ ـ خلاصة عامة عن حياة سليمان

ما ورد عن سيرة سليمان وحالاته في الثلاثين آية آنفة الذكر ، يكشف عن مسائل كثيرة ، قرأنا قسما منها في أثناء البحث ، ونشير إلى القسم الآخر إشارة عابرة :

١ ـ إنّ هذه القصّة تبدأ بالحديث عن موهبة (العلم الوافر) التي وهبها الله لسليمان بن داود ، وتنتهي بالتسليم لأمر الله ، وذلك التوحيد أساسه العلم أيضا.

٢ ـ هذه القصّة تدل على أن غياب طائر أحيانا (في تحليقة استثنائية) قد يغير مسير تأريخ أمّة ، ويجرها من الفساد إلى الصلاح ، ومن الشرك إلى الإيمان وهذا مثل عن بيان قدرة الله ، ومثل من حكومة الحق!.

__________________

(١) الآلوسي في روح المعاني.

٨٢

٣ ـ إنّ هذه القصّة تكشف عن أن نور التوحيد يشرق في جميع القلوب ، حتى الطائر الذي يبدو ظاهرا أنّه صامت ، فإنّه يخبر عن أسرار التوحيد العميقة!.

٤ ـ ينبغي من أجل لفت نظر الإنسان إلى القيمة الواقعية له وهدايته نحو الله ، أن يدمّر غروره وكبرياؤه أولا ليماط عن وجه ستار الظلام ، كما فعل سليمان ، فدمر غرور ملكة سبأ وذلك بإحضار عرشها ، وإدخالها الصرح الممرد الذي حسبته لجة.

٥ ـ إنّ الهدف النهائي في حكومة الأنبياء ليس التوسع في رقعة الأرض ، بل الهدف هو ما قرأناه في آخر آية من الآيات محل البحث ، وهو أن يعترف الظالم بذنبه ، وأن يسلم لربّ العالمين ، ولذلك فإن القرآن ختم بهذه «اللطيفة» القصّة المذكورة.

٦ ـ إنّ روح الإيمان هي التسليم ، لذلك فقد أكّد سليمان عليه في كتابه إلى ملكة سبأ.

٧ ـ قد يكون بعض الناس مع ما لديه من قدرة عظيمة لا ترقى إليه قدرة الآخرين ، محتاجا إلى موجود ضعيف كالطائر مثلا ، لا إلى علمه فحسب ، بل قد يستعين بعلمه أيضا ، وقد تحقّره نملة بما هي عليه من ضعف!

٨ ـ إنّ نزول هذه الآيات في مكّة حيث كان المسلمون تحت نير العدو ، وكانت الأبواب موصدة بوجوههم ، هذا النّزول كان له مفهومه الخاص. وهو تقوية معنويات المسلمين وتسلية قلوبهم ، واحياء أملهم بلطف الله ورحمته والانتصارات المقبلة.

* * *

٨٣

الآيات

( وَلَقَدْ أَرْسَلْنا إِلى ثَمُودَ أَخاهُمْ صالِحاً أَنِ اعْبُدُوا اللهَ فَإِذا هُمْ فَرِيقانِ يَخْتَصِمُونَ (٤٥) قالَ يا قَوْمِ لِمَ تَسْتَعْجِلُونَ بِالسَّيِّئَةِ قَبْلَ الْحَسَنَةِ لَوْ لا تَسْتَغْفِرُونَ اللهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ (٤٦) قالُوا اطَّيَّرْنا بِكَ وَبِمَنْ مَعَكَ قالَ طائِرُكُمْ عِنْدَ اللهِ بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ تُفْتَنُونَ (٤٧) )

التّفسير

صالح في ثمود :

بعد ذكر جانب من قصص موسى وداود وسليمانعليه‌السلام فإنّ هذه الآيات تتحدث عن قصّة رابع نبيّ ـ وتبيّن جانبا من حياته مع قومه ـ في هذه السورة ، وهي ما جاء عن صالحعليه‌السلام وقومه «ثمود»!

إذ يقول القرآن :( وَلَقَدْ أَرْسَلْنا إِلى ثَمُودَ أَخاهُمْ صالِحاً أَنِ اعْبُدُوا اللهَ ) (١) .

وكما قيل من قبل : إنّ التعبير بـ «أخاهم» الوارد في قصص كثير من الأنبياء ، هو إشارة إلى منتهى المحبّة والإشفاق من قبل الأنبياء لأممهم ، كما أن في بعض المواطن إشارة الى علاقة القربى «الروابط العائلية للأنبياء بأقوامهم».

__________________

(١) جملة (أن اعبدوا الله) مجرورة بحرف جر مقدر وأصلها : ولقد أرسلنا إلى ثمود أخاهم صالحا بعبادة الله.

٨٤

وعلى كل حال ، فإنّ جميع دعوة هذا النّبي العظيم تلخصت في جملة( أَنِ اعْبُدُوا اللهَ ) . أجل ، إنّ عبادة الله هي عصارة كل تعليمات رسل الله.

ثمّ يضيف قائلا :( فَإِذا هُمْ فَرِيقانِ يَخْتَصِمُونَ ) (١) . المؤمنون من جهة والمنكرون المعاندون من جهة أخرى.

وقد عبر في الآيتين ٧٥ و ٧٦ من سورة الأعراف عن الفريقين ، بالمستكبرين والمستضعفين :( قالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا مِنْ قَوْمِهِ لِلَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا لِمَنْ آمَنَ مِنْهُمْ أَتَعْلَمُونَ أَنَّ صالِحاً مُرْسَلٌ مِنْ رَبِّهِ قالُوا إِنَّا بِما أُرْسِلَ بِهِ مُؤْمِنُونَ ، قالَ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا إِنَّا بِالَّذِي آمَنْتُمْ بِهِ كافِرُونَ ) .

وبالطبع فإنّ هذه المواجهة بين الفريقين «الكفار والمؤمنين» تصدق في شأن كثير من الأنبياء ، بالرغم من أن بعض الأنبياء بقوا محرومين حتى من هذا المقدار القليل من الأنصار حيث وقف كل افراد قومهم ضدهم.

فأخذ صالحعليه‌السلام ينذرهم ويحذرهم من عذاب الله الأليم إلّا أنّ أولئك لم يستجيبوا له وتمسكوا بعنادهم وطلبوا منه بإصرار أن إذا كنت نبيّا فليحل بنا عذاب الله «وقد صرحت الآية ٧٧ من سورة الأعراف بأنّهم سألوا نبيّهم نزول العذاب»( وَقالُوا يا صالِحُ ائْتِنا بِما تَعِدُنا إِنْ كُنْتَ مِنَ الْمُرْسَلِينَ ) .

إلّا أن صالحا أجابهم محذرا و( قالَ يا قَوْمِ لِمَ تَسْتَعْجِلُونَ بِالسَّيِّئَةِ قَبْلَ الْحَسَنَةِ ) .

فلم تفكرون بعذاب الله دائما وتستعجلونه؟ ألا تعلمون أن عذاب الله إذا حلّ بساحتكم ختم حياتكم ولا يبقى مجال للايمان؟

تعالوا واختبروا صدق دعوتي في البعد الايجابي والأمل في رحمة الله في

__________________

(١) كلمة (فريقان) تثنية ، وفعلها مسند إلى ضمير الجميع ، وذلك لأنّ كل فريق يتألف من جماعة فأخذ الجمع بنظر الإعتبار

٨٥

ظل الإيمان به( لَوْ لا تَسْتَغْفِرُونَ اللهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ ) !.

علام تسألون عن نزول العذاب وتصرون على السيئات؟! ولم هذا العناد وهذه الحماقة؟!

لم يكن قوم صالح ـ وحدهم ـ قد طلبوا العذاب بعد انكارهم دعوة نبيّهم ، فقد ورد في القرآن المجيد هذا الأمر مرارا في شأن الأمم الآخرين ، ومنهم قوم هود «كما في الآية ٧٠ من سورة الأعراف».

ونقرأ في شأن النّبي محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وما واجهه به بعض المشركين المعاندين ، إذ قالوا :( اللهُمَّ إِنْ كانَ هذا هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِنْدِكَ فَأَمْطِرْ عَلَيْنا حِجارَةً مِنَ السَّماءِ أَوِ ائْتِنا بِعَذابٍ أَلِيمٍ ) .(١) وهذا أمر عجيب حقّا أن يريد الإنسان اختبار صدق دعوة نبيّه عن طريق العقاب المهلك ، لا عن طريق طلب الرحمة! مع أنّهم يعلمون يقينا احتمال صدق دعوة هؤلاء الأنبياء «يعلمون ذلك في قلوبهم وإن أنكروه بلسانهم».

وهذا الأمر يشبه حالة ما لو أدعى رجل بأنّه طبيب ، فيقول : هذا الدواء ناجع شاف ، وذلك الدواء ضار مهلك. ونحن من أجل أن نختبر صدقه نستعمل الدواء المهلك!!

فهذا منتهى الجهل والتعصب ولمرض الجهل الكثير من هذه الافرازات.

وعلى كل حال ، فإنّ هؤلاء القوم المعاندين بدلا من أن يصغوا لنصيحة نبيّهم ويستجيبوا له ، واجهوه باستنتاجات واهية وكلمات باطلة! منها أنّهم( قالُوا اطَّيَّرْنا بِكَ وَبِمَنْ مَعَكَ ) ولعل تلك السنة كانت سنة قحط وجدب ، فقالوا : إنّ هذا البلاء والمشاكل والعقبات كلّها بسبب قدوم هذا النّبي وأصحابه فهم مشئومون

__________________

(١) الأنفال ، الآية ٣٢.

٨٦

جلبوا الشقاء لمجتمعنا!!

فكانوا يحاولون مواجهة دعوة نبيّهم صالح ومنطقه المتين بحربة التطير ، التي هي حربة المعاندين الخرافيين.

لكنّه ردّ عليهم و( قالَ طائِرُكُمْ عِنْدَ اللهِ ) فهو الذي يبتليكم بسبب أعمالكم بهذه المصائب التي أدت إلى هذه العقوبات.

في الحقيقة إن ذلك اختبار وإمتحان إلهي كبير لكم ، أجل( بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ تُفْتَنُونَ ) .

هذه امتحانات وفتن إلهية هذه إنذارات وتنبيهات لينتبه ـ من فيهم اللياقة من غفلتهم ، ويصلحوا انحرافهم ويتجهوا نحو الله!.

* * *

بحث

«التطيّر والتفاؤل»

«التطيّر» مأخوذ من مادة «طير» وهو معروف ، إذ يعني ما يطير بجناحين في الجوّ ، ولما كان العرب يتشاءمون غالبا من بعض الطيور ، سمي الفأل غير المحبوب تطيّرا ، وهو في قبال «التفأل» ومعناه الفأل الحسن المحبوب.

وقد وردت في القرآن الإشارة إلى هذا المعنى مرارا وهي أن المشركين الخرافيّين كانوا يواجهون أنبياءهم بحربة التطير ، كما نقرأ ذلك في قصّة موسى وأصحابه( وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ يَطَّيَّرُوا بِمُوسى وَمَنْ مَعَهُ ) (١) .

وفي الآيات ـ محل البحث ـ أظهر قوم «ثمود» المشركون رد فعلّهم في

__________________

(١) الأعراف ، ١٣١.

٨٧

مقابل نبيّهم «صالح» بالتطير أيضا.

وأساسا ، ونقرأ في سورة «يس» أن المشركين تطيّروا من مجيء رسل المسيحعليه‌السلام الى «انطاكية» (يس ـ ١٨).

فإنّ الإنسان لا يمكن أن يقف أمام الحوادث على حال واحدة ، فلا بدّ أن يفسّر آخر الأمر لكل حادثة علة فإذا كان الإنسان مؤمنا موحدا لله ، فإنّه يرجع العلل إلى ذاته المقدسة تعالى طبقا لحكمته ، فكل شيء عنده بمقدار ، عالم الغيب والشهادة الكبير المتعال. ولو استند إلى العلم في تحليل العلة والمعلول الطبيعيين ، فستحل مشكلته ايضا ، وإلّا فإنّه سينتج أوهاما وخرافات لا أساس لها أوهاما لا حد لها وأحدها «التطير» والفأل السيء!

مثلا كان عرب الجاهلية إذا رأوا الطائر يتحرك من اليمين نحو الشمال عدوّه فألا حسنا ، وإذا رأوه يتحرك من الشمال «اليسار» نحو اليمين عدّوه فألا سيئا ، ودليلا على الخسران أو الهزيمة! وغيرها من الخرافات الكثيرة عندهم(١) .

واليوم يوجد ـ من قبيل هذه الخرافات والأوهام ـ الكثير في مجتمعات لا تؤمن بالله ، وإن حققت نصرا من حيث العلم والمعرفة ، بحيث لو سقطت «مملحة» على الأرض أقلقتهم إلى حد كبير! ويستوحشون من الدار أو البيت أو الكرسي المرقم بـ ١٣ ، وما زالت سوق المنجمين وأصحاب الفأل رائجة غير كاسدة! فهناك مشترون كثر «للطالع والبخت»!.

إلّا أنّ القرآن جمع كل هذه الأمور فجعلها في جملة موجزة قصيرة فقال :( طائِرُكُمْ عِنْدَ اللهِ ) .

__________________

(١) يشير الكميت الأسدي إلى بعض هذه الخرافات في قصيدته البائية فيقول :

ولا أنا ممن يزجر الطير همّه

أصاح غراب أم تعرض ثعلب

ولا السانحات البارحات عشية

أمرّ سليم القرن أم مرّ أعضب (المصحح).

٨٨

أجل ، فطائركم وطالعكم وانتصاركم وهزيمتكم وتوفيقكم وفشلكم كله عند الله ، الله الحكيم الذي يهب عطاياه لمن كانت عنده اللياقة ، واللياقة بدورها انعكاس تنعكس عن الايمان والأعمال الصالحة أو الطالحة!.

وهكذا فإنّ الإسلام يدعو أتباعه ليخرجهم من وادي الخرافة إلى الحقيقة ، ومن المفازة(١) إلى الصراط المستقيم.

«كان لنا بحث مفصل في مجال التطير والتفاؤل ذيل الآية ١٣١ من سورة الأعراف».

* * *

__________________

(١) المفازاة تأتي بمعنى الفوز ، وتأتى بمعنى الهلاك فهي من الأضداد في اللغة ـ وهنا معناها الصحراء المهلكة (المصحح).

٨٩

الآيات

( وَكانَ فِي الْمَدِينَةِ تِسْعَةُ رَهْطٍ يُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ وَلا يُصْلِحُونَ (٤٨) قالُوا تَقاسَمُوا بِاللهِ لَنُبَيِّتَنَّهُ وَأَهْلَهُ ثُمَّ لَنَقُولَنَّ لِوَلِيِّهِ ما شَهِدْنا مَهْلِكَ أَهْلِهِ وَإِنَّا لَصادِقُونَ (٤٩) وَمَكَرُوا مَكْراً وَمَكَرْنا مَكْراً وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ (٥٠) فَانْظُرْ كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ مَكْرِهِمْ أَنَّا دَمَّرْناهُمْ وَقَوْمَهُمْ أَجْمَعِينَ (٥١) فَتِلْكَ بُيُوتُهُمْ خاوِيَةً بِما ظَلَمُوا إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ (٥٢) وَأَنْجَيْنَا الَّذِينَ آمَنُوا وَكانُوا يَتَّقُونَ (٥٣) )

التّفسير

تآمر تسعة رهط في وادي القرى :

نقرأ هنا قسما آخر من قصّة «صالح» وقومه ، حيث يكمل القسم السابق ويأتي على نهايته ، وهو ما يتعلق بالتآمر على قتل «صالح» من قبل تسعة «رهط»(١) من المنافقين والكفار ، وفشل هذا التآمر! في وادي القرى منطقة «النّبي صالح وقومه».

__________________

(١) «الرهط» من الناس ما لا يقل عن الثلاثة ولا يزيد عن العشرة ، وهو اسم جنس لا مفرد له من نوعه ويجمع على أراهط وأرهاط ـ ولا يكون في الرهط امرأة (المصحح).

٩٠

يقول القرآن في هذا الشأن( وَكانَ فِي الْمَدِينَةِ تِسْعَةُ رَهْطٍ يُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ وَلا يُصْلِحُونَ ) .

ومع ملاحظة أنّ «الرّهط» يعني في اللغة الجماعة التي تقلّ عن العشرة أو تقلّ عن الأربعين ، فإنّه يتّضح أن كلّا من المجموعات الصغيرة التسع كان لها منهج خاص ، وقد اجتمعوا على أمر واحد ، وهو الإفساد في الأرض والإخلال بالمجتمع (ونظامه الاجتماعي) ومبادئ العقيدة والأخلاق فيه.

وجملة «لا يصلحون» تأكيد على هذا الأمر ، لأنّ الإنسان قد يفسد في بعض الحالات ثمّ يندم ويتوجه نحو الإصلاح إنّ المفسدين الواقعيين ليسوا كذلك ، فهم يواصلون الفساد والإفساد ولا يفكرون بالإصلاح!.

وخاصّة أن الفعل في الجملة «يفسدون» فعل مضارع ، وهو يدل على الاستمرار ، فمعناه أن إفسادهم كان مستمرا وكلّ رهط من هؤلاء التسعة كان له زعيم وقائد ويحتمل أن كلّا ينتسب إلى قبيلة!.

ولا ريب أن ظهور «صالح» بمبادئه السامية قد ضيّق الخناق عليهم ، ولذلك تقول الآية التالية في حقّهم :( قالُوا تَقاسَمُوا بِاللهِ لَنُبَيِّتَنَّهُ وَأَهْلَهُ ثُمَّ لَنَقُولَنَّ لِوَلِيِّهِ ما شَهِدْنا مَهْلِكَ أَهْلِهِ وَإِنَّا لَصادِقُونَ ) .

«تقاسموا» فعل أمر ، أيّ اشتركوا جميعا في اليمين ، وتعهّدوا على هذه المؤامرة الكبرى تعهدا لا عودة فيه ولا انعطاف!.

الطريف أنّ أولئك كانوا يقسمون بالله ، ويعني هذا أنّهم كانوا يعتقدون بالله ، مع أنّهم يعبدون الأصنام ، وكانوا يبدأون باسمه في المسائل المهمّة كما يدل هذا الأمر على أنّهم كانوا في منتهى الغرور و «السكر» بحيث يقومون بهذه الجناية الكبرى على اسم الله وذكره!! فكأنّهم يريدون أن يقوموا بعبادة أو خدمة مقبولة إلّا أنّ هذا نهج الغافلين المغرورين الذين لا يعرفون الله والضالين عن الحق.

وكلمة «لنبيتنّه» مأخوذة من «التبييت» ، ومعناه الهجوم ليلا ، وهذا التعبير

٩١

يدلّ على أنّهم كانوا يخافون من جماعة صالح وأتباعه ، ويستوحشون من قومه لذلك ومن أجل أن يحققوا هدفهم ولا يكونوا في الوقت ذاته مثار غضب أتباع صالح ، اضطروا إلى أن يبيتوا الأمر ، واتفقوا أن لو سألوهم عن مهلك النّبي ـ لأنّهم كانوا معروفين بمخالفته من قبل ـ حلفوا بأن لا علاقة لهم بذلك الأمر ، ولم يشهدوا الحادثة أبدا.

جاء في التواريخ أن المؤامرة كانت بهذه الصورة ، وهي أن جبلا كان في طرف المدينة وكان فيه غار يتعبّد فيه صالح ، وكان يأتيه ليلا بعض الأحيان يعبد الله فيه ويتضرع إليه ، فصمّموا على أن يكمنوا له هناك ليقتلوه عند مجيئه في الليل ، ويحملوا على بيته بعد استشهاده ثمّ يعودوا إلى بيوتهم ، وإذا سئلوا أظهروا جهلهم وعدم معرفتهم بالحادث.

فلمّا كمنوا في زاوية واختبئوا في ناحية من الجبل انثالت صخور من الجبل تهوي إلى الأرض ، فهوت عليهم صخرة عظيمة فأهلكتهم في الحال!

لذلك يقول القرآن في الآية التالية :( وَمَكَرُوا مَكْراً وَمَكَرْنا مَكْراً وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ ) .

ثمّ يضيف قائلا :( فَانْظُرْ كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ مَكْرِهِمْ أَنَّا دَمَّرْناهُمْ وَقَوْمَهُمْ أَجْمَعِينَ ) .

وكلمة (مكر) ـ كما بينّاها سابقا ـ تستعملها العرب في كل حيلة وتفكير للتخلص أو الاهتداء إلى أمر ما ولا تختص بالأمور التي تجلب الضرر ، بل تستعمل بما يضر وما ينفع فيصح وصف المكر بالخير إذا كان لما ينفع ، ووصفه بالسوء إذا كان لما يضرّ قال سبحانه :( وَمَكَرُوا وَمَكَرَ اللهُ وَاللهُ خَيْرُ الْماكِرِينَ ) . وقال :( وَلا يَحِيقُ الْمَكْرُ السَّيِّئُ إِلَّا بِأَهْلِهِ ) ! «فتأملوا بدقّة» يقول الراغب في المفردات المكر صرف الغير عما يقصده فبناء على هذا إذا نسبت هذه الكلمة إلى الله فإنّها تعني إحباط المؤامرات الضارة من قبل

٩٢

الآخرين ، وإذا نسبت إلى المفسدين فهي تعني الوقوف بوجه المناهج الإصلاحية ، والحيلولة دونها.

ثمّ يعبّر القرآن عن كيفية هلاكهم وعاقبة أمرهم فيقول :( فَتِلْكَ بُيُوتُهُمْ خاوِيَةً بِما ظَلَمُوا ) .

فلا صوت يسمع منها

ولا حركة تتردد

ولا أثر من تلك الزخارف والزبارج والنعم والمجالس الموبوءة بالذنوب والخطايا.

أجل ، لقد أذهبهم ريح عتوّهم وظلمهم ، واحترقوا بنار ذنوبهم فهلكوا جميعا( إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ ) .

إلّا أن الأخضر لم يحترق باليابس ، والأبرياء لم يؤخذوا بجرم الأشقياء بل سلم المتقون( وَأَنْجَيْنَا الَّذِينَ آمَنُوا وَكانُوا يَتَّقُونَ ) .

* * *

ملاحظات

١ ـ عقوبة ثمود

تختلف تعابير آيات القرآن في موضوع هلاك قوم صالح «ثمود».

فتارة يأتي التعبير عن هلاكهم بالزلزلة( فَأَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ ) .(١)

وتارة يقول : «عنهم» القرآن :( فَأَخَذَتْهُمُ الصَّاعِقَةُ ) (٢) .

وتارة يقول :( وَأَخَذَ الَّذِينَ ظَلَمُوا الصَّيْحَةُ ) (٣) .

__________________

(١) الأعراف ، الآية ٧٨.

(٢) الذاريات ، ٤٤.

(٣) هود ، ٦٧.

٩٣

إلّا أنّه لا منافاة بين هذه التعابير الثلاثة أبدا لأنّ «الصاعقة» هي الشعلة الكبيرة بين السحاب والأرض المقرونة بصيحة عظيمة واهتزاز شديد في الأرض «ذكرنا تفصيلا عن الصيحة السماوية في ذيل الآية ٦٧».

٢ ـ روى بعض المفسّرين أن أصحاب صالح الذين نجوا معه كانوا أربعة آلاف رجل ، وقد خرجوا بأمر الله من المنطقة الموبوءة بالفساد إلى حضر موت»(١) .

٣ ـ «خاوية» من (الخواء) على وزن (الهواء) معناه السقوط والهويّ والانهدام ، وقد يأتي الخواء بمعنى الخلو وهذا التعبير ورد في سقوط النجم وهويّه ، إذا قالوا «خوى النجم» أي هوى.

ويرى الراغب في المفردات أن الأصل في «خوى» هو الخلو ويرد هذا التعبير في البطون الغرثى ، والجوز الخالي ، والنجوم التي لا تعقب الغيث ، كان عرب الجاهلية يعتقدون أن كل نجم يظهر في الأفق يصحبه الغيث! «المطر».

٤ ـ روي عن ابن عباس أنّه قال : استفدت من القرآن أن الظلم يخرب البيوت ويهدمها ، ثمّ استدل بالآية الكريمة( فَتِلْكَ بُيُوتُهُمْ خاوِيَةً بِما ظَلَمُوا ) (٢) .

وفي الحقيقة فإن تأثير الظلم في تخريب البيوت والمدن والمجتمعات لا يقاس بأي شيء ، فالظلم يأتي بالصاعقة المهلكة ، والظلم يزلزل ويدمر والظلم له أثر كأثر الصيحة ـ في السماء ـ المهلكة المميتة ، وقد أكد التأريخ مرارا هذه الحقيقة وأثبتها ، وهي أن الدنيا قد تدوم مع الكفر ، إلّا أنّها لا تدوم مع الظلم أبدا.

٥ ـ ما لا شك فيه أن عقاب ثمود «قوم صالح» كان بعد أن عقروا الناقة «قتلوها» وكما يقول القرآن في الآيات (٦٥) ـ (٦٧) من سورة هود :( فَعَقَرُوها

__________________

(١) راجع الطبرسي في مجمع البيان ، والآلوسي في روح المعاني ، والقرطبي في تفسيره المعروف ، ذيل الآيات محل البحث.

(٢) مجمع البيان ذيل الآية محل البحث

٩٤

فَقالَ تَمَتَّعُوا فِي دارِكُمْ ثَلاثَةَ أَيَّامٍ ذلِكَ وَعْدٌ غَيْرُ مَكْذُوبٍ ، فَلَمَّا جاءَ أَمْرُنا نَجَّيْنا صالِحاً وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ بِرَحْمَةٍ مِنَّا وَمِنْ خِزْيِ يَوْمِئِذٍ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ الْقَوِيُّ الْعَزِيزُ ، وَأَخَذَ الَّذِينَ ظَلَمُوا الصَّيْحَةُ فَأَصْبَحُوا فِي دِيارِهِمْ جاثِمِينَ ) .

فبناء على هذه الآيات لم ينزل العذاب مباشرة بعد المؤامرة على قتل صالح ، بل الاحتمال القوي أن الجماعة الذين تآمروا على قتله أهلكوا فحسب ، ثمّ أمهل الله الباقين ، فلمّا قتلوا الناقة أهلك الله جميع الظالمين والآثمين الكافرين.

وهذه هي نتيجة الجمع بين آيات هذه السورة ، والآيات الواردة في هذا الشأن في سورتي الأعراف وهود.

وبتعبير آخر : في الآيات محل البحث جاء بيان إهلاكهم بعد مؤامرتهم على قتل نبيهم صالح ، أمّا في سورتي الأعراف وهود فبيان هلاكهم بعد عقرهم الناقة. ونتيجة الأمرين أنّهم حاولوا قتل نبيّهم ، فلمّا لم يفلحوا أقدموا على قتل الناقة (وعقرها) التي كانت معجزته الكبرى ونزل عليهم العذاب بعد أن أمهلوا ثلاثة أيام.

ويحتمل أيضا أنّهم أقدموا على قتل الناقة أولا ، فلما هدّدهم نبيّهم صالح بنزول العذاب بعد ثلاثة أيّام حاولوا قتله ، فأهلكوا دون أن يفلحوا في قتله(١) .

* * *

__________________

(١) تفسير روح البيان ذيل الآية محل البحث

٩٥

الآيتان

( وَلُوطاً إِذْ قالَ لِقَوْمِهِ أَتَأْتُونَ الْفاحِشَةَ وَأَنْتُمْ تُبْصِرُونَ (٥٤) أَإِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الرِّجالَ شَهْوَةً مِنْ دُونِ النِّساءِ بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ (٥٥) )

التّفسير

انحراف قوم لوط!

بعد ذكر جوانب من حياة موسى وداود وسليمان وصالحعليهم‌السلام مع أممهم وأقوامهم ، فإنّ النّبي الخامس الذي وردت الإشارة إليه في هذه السورة : نبيّ الله العظيم «لوط».

وليست هذه أوّل مرّة يشير القرآن إلى هذا الموضوع ، بل تكررت الإشارة إليه عدّة مرّات ، كما في سورة الحجر ، وسورة هود ، وسورة الشعراء ، وسورة الأعراف.

وهذا التكرار والتشابه ، لأنّ القرآن ليس كتابا تاريخيا كي يتحدث عن الموضوع مرّة ولا يعود إليه بل هو كتاب تربوي إنساني ونعرف انّ المسائل التربوية قد تقتضي الظروف أحيانا أن تكرر الحادثة ويذكر بها مرارا ، وأن ينظر إليها من زوايا مختلفة ، ويستنتج من جهاتها المتعددة.

٩٦

وعلى كل حال فإنّ حياة قوم لوط المشهورين بالانحراف الجنسي والعادات السيئة المخزية الأخرى ، كما أنّ عاقبة حياتهم الوخيمة يمكن أن تكون لوحة بليغة لأولئك السادرين في شهواتهم وإن سعة هذا التلوث بين الناس تقتضي أن يكرر ما جرى على قوم لوط مرارا.

يقول القرآن : في الآيتين محل البحث أوّلا :( وَلُوطاً إِذْ قالَ لِقَوْمِهِ أَتَأْتُونَ الْفاحِشَةَ وَأَنْتُمْ تُبْصِرُونَ ) (١) .

«الفاحشة» كما أشرنا إليها من قبل ، تعني الأعمال السيئة القبيحة ، والمراد منها الانحراف الجنسي وعمل اللواط المخزي.

وجملة( وَأَنْتُمْ تُبْصِرُونَ ) إشارة إلى أنّكم ـ يعني قوم لوط ـ ترون بأم أعينكم قبح هذا العمل وآثاره الوخيمة ، وكيف تلوّث مجتمعكم من قرنه إلى قدمه به وحتى الأطفال في غير مأمن من هذا العمل القبيح ، فعلام تبصرون ولا تتنبهون!

وأمّا ما يحتمله بعضهم من أن جملة «تبصرون» إشارة إلى أنّهم كانوا يشهدون فعل اللواط «بين الفاعل والمفعول» فهذا المعنى لا ينسجم وظاهر التعبير ، لأنّ لوطا يريد أن يحرّك «وجدانهم» وضمائرهم ، وأن يوصل نداء فطرتهم إلى آذانهم فكلام لوط نابع من البصيرة ورؤية العواقب الوخيمة لهذا العمل والتنبه منه.

ثمّ يضيف القرآن قائلا :( أَإِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الرِّجالَ شَهْوَةً مِنْ دُونِ النِّساءِ ) .

وقد ورد التعبير عن هذا العمل القبيح بالفاحشة ، ثمّ وضحه أكثر لئلا يبقى أي إبهام في الكلام ، وهذا اللون من الكلام واحد من فنون البلاغة لبيان المسائل المهمة.

__________________

(١) يحتمل أن «ولوطا» منصوب بالفعل (أرسلنا) الذي سبق ذكره في الآيات المتقدمة ، ويحتمل أن يكون منصوبا بفعل محذوف تقديره (اذكر) وحيث جاء بعد الكلمة (إذ قال) فالاحتمال الثّاني أنسب

٩٧

ولكي يتّضح بأن الدافع على هذا العمل هو الجهل ، فالقرآن يضيف قائلا :( بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ ) .

تجهلون بالله وتجهلون هدف الخلق ونواميسه وتجهلون آثار هذا الذنب وعواقبه الوخيمة ، ولو فكرتم في أنفسكم لرأيتم أن هذا العمل قبيح جدّا ، وقد جاءت الجملة بصيغة الاستفهام ليكون الجواب نابعا من أعماقهم ووجدانهم ، فيكون أكثر تأثيرا.

* * *

٩٨

بداية الجزء العشرون

من

القرآن الكريم

٩٩
١٠٠

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

461

462

463

464

465

466

467

468

469

470

471

472

473

474

475

476

477

478

479

480

481

482

483

484

485

486

487

488

489

490

491

492

493

494

495

496

497

498

499

500

501

502

503

504

505

506

507

508

509

510

511

512

513

514

515

516

517

518

519

520

521

522

523

524

525

526

527

528

529

530

531

532

533

534

535

536

537

538

539

540

541

542

543

544

545

546

547

548

549

550

551

552

553

554

555

556

557

558

559

560

561

562

563

564

565

566

567

568

569

570

571

572

573

574

575

576

577

578

579

580

581

582

583

584

585

586

587

588

589

590

591

592