الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل الجزء ١٤

الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل10%

الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل مؤلف:
تصنيف: تفسير القرآن
الصفحات: 581

الجزء ١ الجزء ٢ الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥ الجزء ٦ الجزء ٧ الجزء ٨ الجزء ٩ الجزء ١٠ الجزء ١١ الجزء ١٢ الجزء ١٣ الجزء ١٤ الجزء ١٥ الجزء ١٦ الجزء ١٧ الجزء ١٨ الجزء ١٩ الجزء ٢٠
  • البداية
  • السابق
  • 581 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 175075 / تحميل: 6505
الحجم الحجم الحجم
الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل

الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل الجزء ١٤

مؤلف:
العربية

١
٢

٣
٤

سُورَة

فاطر

مكّية

وعَدَدُ آيَاتِها خَمس وأربعُون آية

٥
٦

سورة فاطر

محتوى السورة :

سمّيت هذه السورة بـ «فاطر» أو «الملائكة» لابتداء آياتها بآية ذكر فيها «فاطر» و «الملائكة». وهي من السور المكيّة ، مع أنّ البعض يستثني منها الآيات (٢٩ و ٣٢) ويعتبرها مدنية ، إلّا أنّنا لم نجد دليلا على صحّة هذا الاستثناء.

ولكونها مكية النّزول ، فانّ محتواها العام يعكس الملامح العامّة للسور المكية ، كالحديث في المبدأ والمعاد والتوحيد ، ودعوة الأنبياء ، وذكر نعم اللهعزوجل ومصير المجرمين يوم الجزاء.

ويمكن تلخيص آيات هذه السورة في خمسة أقسام :

١ ـ قسم مهم من آيات هذه السورة يتحدّث حول آثار عظمة الله في عالم الوجود ، وأدلّة التوحيد.

٢ ـ قسم آخر من آياتها يبحث في ربوبية الله وتدبيره لجميع امور العالم ، بالأخصّ امور الإنسان ، وعن خالقيته ورزاقيته ، وخلق الإنسان من التراب ومراحل تكامل الإنسان.

٣ ـ قسم آخر يتحدّث حول المعاد ونتائج الأعمال في الآخرة ، ورحمة الله الواسعة في الدنيا ، وسنّته الثابتة في المستكبرين.

٤ ـ قسم من الآيات يشير إلى مسألة قيادة الأنبياء وجهادهم الشديد والمتواصل ضدّ الأعداء المعاندين. ومواساة الرّسول الأكرمصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في هذا الخصوص.

٥ ـ القسم الأخير منها يتعرّض للمواعظ والنصائح الإلهية فيما يخصّ المواضيع المذكورة أعلاه ، ويعتبر مكمّلا لها.

٧

بعض المفسّرين لخصّ جميع هذه السورة في موضوع واحد وهو : هيمنة وقهّارية الله في جميع الأمور(١) .

هذا الإعتبار وإن كان منسجما مع القسم الأعظم من آيات السورة ، إلّا أنّه لا يمكن إنكار وجود موضوعات مختلفة اخرى فيها.

فضيلة هذه السورة :

ورد في الحديث الشريف عن الرّسول الأكرمصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم «من قرأ سورة الملائكة ، دعته يوم القيامة ثلاثة أبواب من الجنّة أنّ ادخل من أي الأبواب شئت»(٢) .

ومع الالتفات إلى ما نعلمه من أنّ أبواب الجنّة هي تلك العقائد والأعمال الصالحة التي سبّبت الوصول إلى الجنّة ، كما ورد في بعض الروايات من أنّ هناك بابا باسم «باب المجاهدين» أو أمثاله ، فيمكن أن تكون الرواية السالف ذكرها إشارة إلى أبواب القاعدة الاعتقادية الثلاثية الأساس «التوحيد ـ المعاد ـ النبوّة».

ونقرأ في حديث آخر عن الإمام الصادقعليه‌السلام أنّ «الحمدين : حمد سبأ ، وحمد فاطر ، من قرأهما في ليلة لم يزل في ليلته في حفظ الله وكلاءته ، فمن قرأهما في نهاره لم يصبه في نهاره مكروه ، وأعطي من خير الدنيا وخير الآخرة ما لم يخطر على قلبه ولم يبلغ مناه»(٣) .

ونقول كما قلنا سابقا بأنّ القرآن برنامج عمل ، وتلاوته بداية للتفكّر والإيمان الذي هو بدوره وسيلة للعمل بمحتوى الآيات ، وكلّ هذا الثواب العظيم يتحقّق بهذه الشروط «فتأمّل!!».

* * *

__________________

(١) تفسير في ظلال القرآن ، بداية سورة فاطر.

(٢) مجمع البيان ، المجلّد ٤ ، صفحة ٣٩٩.

(٣) نور الثقلين ، المجلّد ٤ ، صفحة ٣٤٥ ، حديث ١.

٨

الآيات

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

( الْحَمْدُ لِلَّهِ فاطِرِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ جاعِلِ الْمَلائِكَةِ رُسُلاً أُولِي أَجْنِحَةٍ مَثْنى وَثُلاثَ وَرُباعَ يَزِيدُ فِي الْخَلْقِ ما يَشاءُ إِنَّ اللهَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (١) ما يَفْتَحِ اللهُ لِلنَّاسِ مِنْ رَحْمَةٍ فَلا مُمْسِكَ لَها وَما يُمْسِكْ فَلا مُرْسِلَ لَهُ مِنْ بَعْدِهِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (٢) يا أَيُّهَا النَّاسُ اذْكُرُوا نِعْمَتَ اللهِ عَلَيْكُمْ هَلْ مِنْ خالِقٍ غَيْرُ اللهِ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّماءِ وَالْأَرْضِ لا إِلهَ إِلاَّ هُوَ فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ (٣) )

التّفسير

فاتح مغاليق الأبواب!

تبدأ هذه السورة ـ كما هو الحال في سورة الفاتحة وسبأ والكهف ـ بحمد الله والثناء عليه لخلقه هذا الكون الفسيح ، يقول تعالى :( الْحَمْدُ لِلَّهِ فاطِرِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ ) .

«فاطر» من مادّة «فطر» وأصله الشقّ طولا ، لأنّ خلق الموجودات يشبه شقّ

٩

ظلمة العدم وظهور نور الوجود ، استخدم هذا التعبير فيما يخصّ الخلق ، خصوصا إذا لا حظنا ما يقوله العلم الحديث من نظريات تشير إلى أنّ مجموعة عالم الوجود كانت في البدء كومة واحدة ثمّ انشقّت تدريجيّا عن بعضها.

وإطلاق كلمة «فاطر» على الله سبحانه وتعالى ، يعطي للكلمة مفهوما جديدا وأكثر وضوحا. نعم فنحن نحمد الله ونشكره على خالقيته ، لأنّ كلّ ما هو موجود منه تعالى ، وليس لأحد ممّن سواه شيء من ذاته(١) .

ولأنّ تدبير امور هذا العالم قد نيطت من قبل الباريعزوجل ـ بحكم كون عالمنا عالم أسباب ـ بعهدة الملائكة ، فالآية تنتقل مباشرة إلى الحديث في خلق الملائكة وقدراتها العظيمة التي وهبها الله إيّاها!

( جاعِلِ الْمَلائِكَةِ رُسُلاً أُولِي أَجْنِحَةٍ مَثْنى وَثُلاثَ وَرُباعَ يَزِيدُ فِي الْخَلْقِ ما يَشاءُ إِنَّ اللهَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ) .

هنا تطرح ثلاثة أسئلة :

الأوّل : ما هي رسالة الملائكة التي ورد ذكرها في الآية؟ هل هي رسالة تشريعية وجلب الأوامر من الباري إلى الأنبياء ، أم أنّها رسالة تكوينية ، أي تحمّل مسئولية المأموريات المختلفة في عالم الخلق ، كما سترد الإشارة إليه لاحقا ، أم يقصد منه الاحتمالان؟

يتّضح من ملاحظة ما ورد في الجملة الاولى ، من الحديث حول خلق السموات والأرض ، وما ورد في الجملة الأخيرة من الحديث حول الأجنحة المتعدّدة للملائكة ، والتي تدلّ على قدرتهم ، وكذلك بملاحظة إطلاق مفهوم «الرسالة» بالنسبة إلى جميع الملائكة (يلاحظ أنّ الملائكة لفظة جمع لاقترانها بالألف واللام وتدلّ على العموم) يتّضح من ذلك كلّه أنّ المقصود من الرسالة

__________________

(١) فيما يخصّ معنى «فاطر» و «فطر» تحدّثنا في ذيل الآية العاشرة من سورة إبراهيم ، وكذلك في تفسير الآية (١٤) من سورة الأنعام.

١٠

مفهوم واسع يشمل كلا من «الرسالة التشريعيّة» و «الرسالة التكوينية».

إنّ إطلاق لفظه الرسالة على «الرسالة التشريعية» وإبلاغ الوحي إلى الأنبياء ورد في القرآن بكثرة ، وإطلاق هذه اللفظة أيضا على «الرسالة التكوينية» ليس بالقليل كذلك.

في الآية (٢١) من سورة يونس نقرأ( إِنَّ رُسُلَنا يَكْتُبُونَ ما تَمْكُرُونَ ) .

وفي الآية (٦١) من سورة الأنعام نقرأ( حَتَّى إِذا جاءَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ تَوَفَّتْهُ رُسُلُنا ) .

وفي الآية (٣١) من سورة العنكبوت ورد( وَلَمَّا جاءَتْ رُسُلُنا إِبْراهِيمَ بِالْبُشْرى قالُوا إِنَّا مُهْلِكُوا أَهْلِ هذِهِ الْقَرْيَةِ إِنَّ أَهْلَها كانُوا ظالِمِينَ ) .

وفي آيات اخرى من القرآن نرى أنّه قد عهد إلى الملائكة أيضا بمأموريات مختلفة عدّت من رسالاتهم أيضا ، وعليه فإنّ للرسالة مفهوما واسعا.

الثاني : ما هو المقصود بالأجنحة التي عبّر عنها بـ( مَثْنى وَثُلاثَ وَرُباعَ ) .

ليس من المستبعد أن يكون المقصود بالأجنحة هنا هو القدرة على الانتقال والتمكّن من الفعل ، بحيث يكون بعضهم أفضل من بعض وله قدرة أكبر.

وعليه فقد ذكرت لهم سلسلة من المراتب بالأجنحة ، فبعضهم له أربعة أجنحة (مثنى اثنان اثنان) ، والبعض له ستّة أجنحة ، والبعض ثمانية ، وهكذا.

«أجنحة» جمع (جناح) ما يستعين به الطائر على الطيران ، وهو بمثابة اليد في الإنسان ، ولأنّ الجناح في الطائر يستخدم كوسيلة مساعدة على الانتقال والحركة والفعّالية ، فقد استخدمت هذه الكلمة كناية عن وسيلة الحركة ذاتها وعامل القدرة والاستطاعة ، فمثلا يقال : إنّ فلانا احترقت أجنحته ، كناية عن فقدانه قدرة الحركة أو الإمكانية ، أو أنّ الإنسان يجب أن يطير بجناحي العلم والعمل ، والكثير من هذه التعبيرات التي تشير إلى المعنى المستعار لهذه الكلمة.

كما يلاحظ أنّ المقصود من تعبيرات مثل «العرش» و «الكرسي» و «اللوح» و

١١

«القلم» هي المفاهيم المعنوية لها ، وليس واقعها المادّي.

من الطبيعي أنّه لا يمكن حمل ألفاظ القرآن على غير معانيها الظاهرية بدون قرينة ، ولكن حيثما ظهر أثر لتلك القرائن فليس هناك مشكلة.

ورد في بعض الروايات أنّ «جبرئيل» رسول الوحي الإلهي ، له ستمائة جناح ، وكان يملأ ما بين الأرض والسماء حينما يلتقي به الرّسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم (١) .

أو ما ورد في «نهج البلاغة» حينما تحدّث أمير المؤمنين عن عظمة الملائكة.

فقال : «ومنهم الثابتة في الأرضين السفلى أقدامهم ، والمارقة من السماء العليا أعناقهم ، والخارجة من الأقطار أركانهم ، والمناسبة لقوائم العرش أكتافهم»(٢) .

أو أنّ هناك ملائكة ما بين شحمة آذانهم وعيونهم مسيرة خمسمائة عام من الطيران(٣) .

ومن الواضح انّ هذه التعبيرات لا يمكن حملها على البعد الجسماني والمادّي ، بل المراد بيان العظمة المعنوية وأبعاد القدرة.

ونعلم أنّ الجناح ـ عادة ـ يستفاد منه في جو الأرض ، لأنّ الأخيرة محاطة بغلاف غازي من الهواء الضاغط ، والطيور إنّما تستفيد من أمواج الهواء للطيران ، والارتفاع والانخفاض ، ولكن بمجرد خروجنا من المحيط الغازي للأرض حيث ينعدم الهواء فانّ الجناح ليس له أدنى تأثير في تحقيق الحركة ، ويكون حاله حال سائر الأعضاء.

ناهيك عن أنّ الملك الذي تكون أقدامه في أعماق الأرض ورأسه أعلى من أعلى السموات ، ليس له حاجة إلى الطيران الجسماني!!

البحث في هل أنّ «الملائكة» أجسام لطيفة أو من المجردات بحث آخر ،

__________________

(١) نور الثقلين ، ج ٤ ، ص ٣٤٩ ـ ح ٢٠.

(٢) نهج البلاغة ، خطبة رقم ١.

(٣) تفسير علي بن إبراهيم طبقا لما نقله نور الثقلين ، المجلّد ٤ ، الصفحة ٣٤٩.

١٢

سنشير له في البحوث ان شاء الله. المقصود الآن هو أن نعلم أنّ الجناح والريش بالنسبة لها وسيلة الفعّالية والحركة والقدرة ، والذي عبّرت عنه القرائن المشار إليها أعلاه بقدر كاف ، بالضبط كما قلناه بالنسبة لـ «العرش» و «الكرسي» ، فانّ هاتين الكلمتين تشيران إلى قدرة الله في العالم من أبعاد مختلفة!!

وفي حديث عن الإمام الصادقعليه‌السلام «الملائكة لا يأكلون ولا يشربون ولا ينكحون ، وإنّما يعيشون بنسيم العرش»(١) .

السؤال الثالث : هل أنّ عبارة( يَزِيدُ فِي الْخَلْقِ ما يَشاءُ ) إشارة إلى زيادة أجنحة الملائكة؟ كما قال به بعض المفسّرين؟ أم أنّ لها معنى أوسع من ذلك بحيث يشمل عدا الزيادة في أجنحة الملائكة الزيادات التي تحصل في خلق الموجودات الاخرى؟

إطلاق الجملة من جهة ، ودلالة بعض الروايات التي جاءت في تفسير هذه الآيات من جهة اخرى ، يشير إلى أنّ المعنى الثاني هو الأنسب.

فمن جملة ما ورد ، حديث عن الرّسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في تفسير هذه الجملة أنّه قال : «هو الوجه الحسن ، والصوت الحسن ، والشعر الحسن».

ونقر في حديث آخر عنهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «حسّنوا القرآن بأصواتكم فإنّ الصوت الحسن يزيد القرآن حسنا» وقرأ( يَزِيدُ فِي الْخَلْقِ ما يَشاءُ ) .

بعد الحديث عن خالقية الله سبحانه وتعالى ، ورسالة الملائكة الذين هم واسطة الفيض الإلهي ، تنتقل الآيات إلى الحديث عن رحمة الله سبحانه ، والتي هي الأساس لكلّ عالم الوجود ، تقول الآية الكريمة :( ما يَفْتَحِ اللهُ لِلنَّاسِ مِنْ رَحْمَةٍ فَلا مُمْسِكَ لَها وَما يُمْسِكْ فَلا مُرْسِلَ لَهُ مِنْ بَعْدِهِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ ) .

الخلاصة أنّ تمام خزائن الرحمة عنده ، وهو يشمل بها كلّ من يراه أهلا لها ، ويفتح أبوابها حيثما اقتضت حكمته ، ولن يستطيع الناس بأجمعهم أن يغلقوا ما

__________________

(١) في معنى «العرش» راجع شرحنا لهذه الكلمة في تفسير الآية (٥٤) من سورة الأعراف.

١٣

فتح ولو كان بعضهم لبعض ظهيرا ، أو أن يفتحوا بابا أغلقه سبحانه وتعالى ، وهذا المفهوم في الحقيقة فرع مهم من بحث التوحيد حيث يتفرّع عنه فروع اخرى «تأمّل».

وقد ورد شبيه هذا المعنى في الآيات القرآنية الاخرى ، ففي الآية ١٠٧ ـ سورة يونس يقول تعالى :( وَإِنْ يَمْسَسْكَ اللهُ بِضُرٍّ فَلا كاشِفَ لَهُ إِلَّا هُوَ وَإِنْ يُرِدْكَ بِخَيْرٍ فَلا رَادَّ لِفَضْلِهِ يُصِيبُ بِهِ مَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ وَهُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ ) .

* * *

ملاحظات

١ ـ التعبير بـ «يفتح» ـ من مادّة «فتح» ـ إشارة إلى وجود خزائن الرحمة الإلهية التي ورد ذكرها أيضا في آيات اخرى من القرآن الكريم ، والملفت للنظر أنّ هذه الخزائن بمجرّد فتحها تجري الرحمة على الخلائق بلا أدنى حاجة إلى شيء آخر ، وبدون أن يستطيع أحد منعها من ذلك.

وتقدّم مفهوم «فتح الرحمة» على «إمساكها» ، لأنّ رحمة الله تسبق غضبه دوما.

٢ ـ تعبير «الرحمة» له معنى واسع وشامل ، لكلّ المواهب الإلهيّة في الكون ، معنوية ومادية ، ولهذا السبب يحسّ المؤمن عند ما توصد أمامه جميع الأبواب بأنّ الرحمة تنساب في قلبه وروحه ، فيكون مسرورا وقانعا هادئا ومطمئنا ، حتّى وإنّ كان مأسورا في السجن.

وتارة ينعكس الحال ، وذلك حينما تكون جميع الأبواب الظاهرية مفتوحة أمام الإنسان ، ومع ذلك يحسّ في أعماقه بالضيق والضغط ويرى الدنيا على سعتها سجنا مظلما موحشا ، لمجرد عدم انفتاح باب الرحمة الإلهية في أعماقه. وهذا أمر محسوس وملموس للجميع.

٣ ـ استعمال صفتي «العزيز» و «الحكيم» لتوضيح قدرة الله سبحانه وتعالى

١٤

على «إرسال» و «إمساك» الرحمة ، وفي عين الحال إشارة إلى أنّ الفتح والإغلاق في أيّ وقت شاء تعالى إنّما هو على أساس الحكمة ، لأنّ قدرة الباري وحكمته مقرونتان.

وعلى كلّ حال فإنّ الانتفاع من محتوى هذه الآية ، يمنح الإنسان المؤمن هدوءا وسكينة ، ويجعله مقاوما لكلّ أنواع الحوادث ، ولا يخاف من المشاكل ، ويبعده عن الغرور في حال النجاح والفوز.

وتشير الآية التالية إلى «توحيد العبادة» على أساس «توحيد الخالقية والرازقية» فتقول الآية الكريمة :( يا أَيُّهَا النَّاسُ اذْكُرُوا نِعْمَتَ اللهِ عَلَيْكُمْ ) .

فكّروا مليا ما هو منشأ كلّ هذه المواهب والبركات والإمكانيات الحياتية التي قيّضت لكم( هَلْ مِنْ خالِقٍ غَيْرُ اللهِ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّماءِ وَالْأَرْضِ ) . فمن الذي يرسل عليكم من الشمس نورها الذي ينشر الحياة ، وحبّات المطر التي تحيي الموات ، والنسيم الذي ينعش الروح؟ ومن الذي يخرج لكم من الأرض معادنها وذخائرها وغذاءها وأنواع نباتاتها وثمارها وبركاتها الأخرى؟

فإذا علمتم أنّ مصدر كلّ هذه البركات هو الله ، فاعلموا أنّ :( لا إِلهَ إِلَّا هُوَ ) .

وعليه فكيف تنحرفون عن طريق الحقّ إلى الباطل ، وتسجدون للأصنام بدلا من السجود لله سبحانه؟( فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ ) .

«تؤفكون» : من مادّة «إفك» ، بمعنى «كلّ مصروف عن وجهه الذي يحقّ أن يكون عليه» ولذا قيل لكلّ حديث ينصرف عن الصدق في المقال إلى الكذب «إفك» وإن كان البعض يرى أنّ هذه الكلمة تطلق على الكذب الفاحش والتهمة الشنيعة.

* * *

١٥

«بحث»

الملائكة في القرآن الكريم :

تعرّض القرآن الكريم كثيرا لذكر الملائكة فقد تحدّثت آيات عديدة عن صفات ، خصائص ، مأموريات ، ووظائف الملائكة. حتّى أنّ القرآن الكريم جعل الإيمان بالملائكة مرادفا للإيمان بالله والأنبياء والكتب السماوية ، ممّا يدلّل على أهميّة هذه المسألة الأساسية.

( آمَنَ الرَّسُولُ بِما أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللهِ وَمَلائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ ) .(١)

وممّا لا شكّ فيه أنّ وجود الملائكة من الأمور الغيبية التي لا يمكن إثباتها بتلك الصفات والخصائص إلّا بالأدلّة النقلية ، ويجب الإيمان بها على أنه إيمان بالغيب.

وبالجملة يطرح القرآن الكريم خصائص الملائكة كما يلي :

١ ـ الملائكة موجودات عاقلة لها شعور ، وهم عباد مكرمون من عباد الله( بَلْ عِبادٌ مُكْرَمُونَ ) (٢) .

٢ ـ مطيعون لأوامر الله ولا يعصونه أبدا :( لا يَسْبِقُونَهُ بِالْقَوْلِ وَهُمْ بِأَمْرِهِ يَعْمَلُونَ ) (٣) .

٣ ـ أنّ لهم وظائف مهمّة وكثيرة التنوّع كلّفوا بها من قبل الباريعزوجل .

مجموعة تحمّل العرش( وَالْمَلَكُ عَلى أَرْجائِها وَيَحْمِلُ عَرْشَ رَبِّكَ فَوْقَهُمْ يَوْمَئِذٍ ثَمانِيَةٌ ) (٤) .

مجموعة تدبّر الأمر( فَالْمُدَبِّراتِ أَمْراً ) (٥) .

__________________

(١) البقرة ، ٢٨٥.

(٢) الأنبياء ، ٢٦.

(٣) الأنبياء ، ٢٧.

(٤) الحاقة ، ١٧.

(٥) النازعات ، ٥.

١٦

واخرى لقبض الأرواح( ... حَتَّى إِذا جاءَتْهُمْ رُسُلُنا يَتَوَفَّوْنَهُمْ ) (١) .

وآخرون يراقبون أعمال البشر( وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحافِظِينَ* كِراماً كاتِبِينَ* يَعْلَمُونَ ما تَفْعَلُونَ ) (٢) .

مجموعة تحفظ الإنسان من المخاطر والحوادث( وَهُوَ الْقاهِرُ فَوْقَ عِبادِهِ وَيُرْسِلُ عَلَيْكُمْ حَفَظَةً حَتَّى إِذا جاءَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ تَوَفَّتْهُ رُسُلُنا وَهُمْ لا يُفَرِّطُونَ ) (٣) .

واخرى مأمورة بإحلال العذاب والعقوبة على أقوام معيّنة( وَلَمَّا جاءَتْ رُسُلُنا لُوطاً سِيءَ بِهِمْ وَضاقَ بِهِمْ ذَرْعاً وَقالَ هذا يَوْمٌ عَصِيبٌ ) (٤)

وآخرون يمدّون المؤمنين حال الحرب( يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللهِ عَلَيْكُمْ إِذْ جاءَتْكُمْ جُنُودٌ فَأَرْسَلْنا عَلَيْهِمْ رِيحاً وَجُنُوداً لَمْ تَرَوْها وَكانَ اللهُ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيراً ) (٥) .

وأخيرا مجموعة لتبليغ رسالات الوحي وإنزال الكتب السماوية للأنبياء( يُنَزِّلُ الْمَلائِكَةَ بِالرُّوحِ مِنْ أَمْرِهِ عَلى مَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ أَنْ أَنْذِرُوا أَنَّهُ لا إِلهَ إِلَّا أَنَا فَاتَّقُونِ ) .(٦)

ولو أردنا الاسترسال في ذكر وظائف الملائكة لطال البحث واتّسع.

٤ ـ الملائكة دائمو التسبيح والتقديس لله سبحانه وتعالى( وَالْمَلائِكَةُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِمَنْ فِي الْأَرْضِ ) (٧) .

٥ ـ وبناء على أنّ الإنسان بحسب استعداده للتكامل يمكنه أن يكون أعلى مقاما وأشرف موضعا من الملائكة فقد سجدت الملائكة بدون استثناء لخلق آدم ،

__________________

(١) الأعراف ، ٣٧.

(٢) الإنفطار ، ١٠ ـ ١٣.

(٣) الأنعام ، ٦١.

(٤) هود ، ٧٧.

(٥) الأحزاب ، ٩.

(٦) النحل ، ٢.

(٧) الشورى ، ٥.

١٧

وعدّوا آدم معلّما لهم «الآيات ٣٠ ـ ٣٤ سورة البقرة».

٦ ـ إنّ الملائكة يظهرون بصورة الإنسان للأنبياء وغير الأنبياء ، كما نقرأ في الآية (١٧) من سورة مريم :( فَأَرْسَلْنا إِلَيْها رُوحَنا فَتَمَثَّلَ لَها بَشَراً سَوِيًّا ) .

كذلك يذكر القرآن الكريم تجلّيهم بصورة إنسان لإبراهيم ولوط (هود ـ ٦٩ و ٧٧) كما أنّه يستفاد من أواخر تلك الآيات أنّ قوم لوط أيضا رأوهم بتلك الصورة الإنسانية السوية «هود ـ ٧٨».

فهل أنّ ذلك الظهور بالشكل الإنساني ، له واقع عيني ، أم هو بصورة تمثّل وتصرّف في قوّة الإدراك؟ ظاهر الآيات القرآنية يشير إلى المعنى الأوّل ، وإن كان بعض من كبار المفسّرين قد اختار المعنى الثاني.

٧ ـ يستفاد من الروايات أنّ أعداد الملائكة كثيرة بحيث انّه لا يمكن مقايسة أعدادهم بالبشر بأي شكل من الأشكال ، فحينما سئل الإمام الصادقعليه‌السلام : هل الملائكة أكثر أم بنو آدم؟ قال : «والذي نفسي بيده لملائكة الله في السموات أكثر من عدد التراب في الأرض ، وما في السماء موضع قدم إلّا وفيها ملك يسبّحه ويقدّسه ، ولا في الأرض شجرة ولا مدر إلّا وفيها ملك موكّل بها يأتي الله كلّ يوم بعملها والله أعلم بها ، وما منهم أحد إلّا ويتقرّب كلّ يوم إلى الله بولايتنا أهل البيت ، ويستغفر لمحبّينا ويلعن أعداءنا ، ويسأل الله أن يرسل عليهم العذاب إرسالا»(١) .

٨ ـ الملائكة لا يأكلون ولا يشربون ، ولا يتزوجون ، فقد ورد عن الإمام الصادق في حديث طويل قوله : «إنّ الملائكة لا يأكلون ولا يشربون ولا ينكحون ، وإنّما يعيشون بنسيم العرش»(٢) .

٩ ـ لا ينامون ولا يضعفون ولا يغفلون ، ففي الحديث عن أمير المؤمنين علي

__________________

(١) بحار الأنوار ، الجزء ٥٩ ، صفحة ١٧٦ حديث ٧.

(٢) المصدر السابق ، صفحة ١٧٤ ـ حديث ٤. وقد نقلت روايات متعدّدة في هذا الشأن فراجع.

١٨

بن أبي طالب عليه أفضل الصلاة والسلام «وملائكة خلقتهم وأسكنتهم سماواتك ، فليس فيهم فترة ولا عندهم غفلة ، ولا فيهم معصية هم أعلم خلقك بك ، ولا يغشاهم نوم العيون ولا سهو العقول ، ولا فترة الأبدان ، لم يسكنوا الأصلاب ولم تضمّهم الأرحام» الحديث(١) .

١٠ ـ إنّ لهم مقامات ، ومراتب متفاوتة( ما مِنَّا إِلَّا لَهُ مَقامٌ مَعْلُومٌ وَإِنَّا لَنَحْنُ الصَّافُّونَ وَإِنَّا لَنَحْنُ الْمُسَبِّحُونَ ) (٢) .

وكذلك نقرأ في الحديث المذكور عن الإمام الصادقعليه‌السلام : «وإنّ لله ملائكة ركعا إلى يوم القيمة ، وإنّ لله ملائكة سجدا إلى يوم القيامة»(٣) .

ولمزيد نقرأ في الحديث المذكور عن الإمام الصادقعليه‌السلام : «وإنّ لله ملائكة ركعا إلى يوم القيامة ، وإنّ الله ملائكة سجدا إلى يوم القيامة» ٣.

ولمزيد الاطلاع على أوصاف الملائكة وأصنافهم يراجع كتاب «السماء والعالم» من بحار الأنوار ، أبواب الملائكة (المجلد ٥٩ ـ الصفحات ١٤٤ ـ إلى ٣٢٦) وكذلك نهج البلاغة الخطب (١ و ٩١ ـ خطبة الأشباح ـ و ١٠٩ و ١٧١).

هل أنّ الملائكة بتلك الأوصاف التي ذكرناها ، موجودات مجردة أم مادية؟

لا شكّ أنّ من غير الممكن أن تكون الملائكة بهذه الأوصاف من هذه المادّة الكثيفة ، ولكن لا مانع من أن تكون أجساما لطيفة الخلق ، أجساما فوق هذه المادّة المألوفة لنا.

إثبات (التجرد المطلق) للملائكة من الزمان والمكان والجزئية ، ليس بالأمر الهيّن ، والوصول إلى تلك النتيجة ليس وراءه كثير فائدة ، المهمّ هو أن نعرف الملائكة بالصفات التي وردت في القرآن والروايات الثابتة. وأنّها من الموجودات العلوية الراقية عند الله في مقامها ومكانتها ، ولا نعتقد لها بغير مقام العبودية لله سبحانه ، وأن نعلم بأنّ الإعتقاد بأنّها شريكة مع الله في أمر الله الخلق أو في العبادة كفر

__________________

(١) بحار الأنوار ، ج ٥٩ ، ص ١٧٥ ، ج ٦.

(٢) الصافات ، ١٦٤ ـ ١٦٦.

(٣) بحار الأنوار ، المجلد ٥٩ ، صفحة ١٧٤ ـ حديث ٤.

١٩

محض وشرك بيّن.

نكتفي بهذا القدر من التفصيل حول الملائكة ونوكّل التفاصيل الأكثر إلى الكتب التي كتبت بهذا الشأن.

ونرى في الكثير من عبارات «التوراة» لدى الحديث عن الملائكة عبارة «الآلهة» وهو تعبير مشرك ومن علائم تحريف التوراة الحالية ، ولكن القرآن الكريم نقي من هذه التعبيرات ، لأنّه لا يرى لها سوى مقام العبودية والعبادة لله تعالى وإطاعة أوامره ، وحتّى أنّ القرآن يصرّح في بعض آياته يتفوّق الإنسان الكامل على الملائكة في المرتبة والمقام.

* * *

٢٠

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

أقوال العلماء في الحديث: الگنجيّ الشافعيّ:

نعتضد بالله ونقول: منكر ذلك إمّا أن يُنكره من حيث الإمكان، أو من حيث صحّة النقل من عدالة الرواة. أما القسم الأوّل، فإنّ المتكلّم فيه أحد رجلين: إمّا أن يُثبت الشرايع أو ينفيها. فأمّا نُفاتها، كالدّهريّة، والفلاسفة والمنجّمين، فلا كلام معهم. وأمّا مثبتوها، فلا يتمكّنون من ذلك؛ للحديث الذي خرّجه مسلم في صحيحه في حبس الشمس:

____________________

= سعد بن جنادة العوفيّ من جديلة قيس، يكنّى أبا الحسن. قال سعد بن محمد بن الحسن بن عطيّة قال: جاء سعد بن حنادة إلى عليّ بن أبي طالب وهو بالكوفة فقال: يا أمير المؤمنين، إنّه ولد لي غلام فسمّه. قال: هذا عطيّة الله، فسمّي عطيّة. وخرج عطيّة مع ابن الأشعث علي الحجّاج، فلمّا انهزم جيش الأشعث هرب عطيّة إلى فارس، فكتب الحجّاج إلى محمّد بن القاسم الثقفيّ أن ادع عطيّة، فإن لعن عليّ بن أبي طالب وإلا فاضربه أربعمائة سوط واحلق رأسه ولحيته. فدعاه فأقرأه كتاب الحجّاج، فأبى عطيّة أن يفعل فضربه أربعمائة سوط وحلق رأسه ولحيته. قدم الكوفة بعد ذلك وتوفّي بها سنة إحدي عشرة ومائة ]. وكان ثقة إن شاء الله (الطبقات الكبرى 6: 305 / 2375). وذكره الطوسيّ والبرقيّ في أصحاب الباقرعليه‌السلام (رجال الطوسيّ: 129، رجال البرقيّ: 14): قال له أبو جعفرعليه‌السلام : اجلس في مسجد المدينة وافت الناس؛ فإنّي أحبّ أن يرى في شيعتي مثلك. وقال أبو عبد اللهعليه‌السلام لمّا اتاه نعيه: والله لقد أوجع قلبي موت أبان. وذكره أبو زرعة الرازيّ في كتابه: ذكر من روى عن جعفر بن محمّد من التابعين ومن قاربهم، فقال: أبان بن تغلب روى عن أنس بن مالك، وروى عن الأعمش وعن محمّد بن المنكدر، وعن سماك بن حرب، وعن إبراهيم النّخعيّ... (رجال النجاشيّ 7 - 8، رجال ابن داود 10 - 11). وذكره ابن سعد في الطبقة الخامسة وقال: ثقة، روى عنه شعبة (الطبقات الكبرى: 3426 / 2594)، عن عامر بن واثلة، وذكر المناشدة.

٢٠١

عن أبي هريرة عن رسولصلى‌الله‌عليه‌وآله قال: «غزا نبيّ من الأنبياء حين صلاة العصر أو قريباً من ذلك فقال للشمس: أنت مأمورة وأنا مأمور، اللّهمّ احبِسْها عليّ شيئاً، فحبست عليه حتّى فتح الله عليه».

قلت - أي الگنجيّ - هذا حديث متّفق على صحّته، رواه البخاريّ في الغلول وأخرجه مسلم في الجهاد، كما سقناه.(1)

قال: ورواه أحمد بن حنبل في مسنده وقال: إنّ الشمس حبست ليوشع ابن نونعليه‌السلام . ورواه الطبرانيّ في معجمه، ولا يخلو إمّا أن يكون ذلك معجزةً لموسىعليه‌السلام ، أو ليوشععليه‌السلام ؛ فإن كان لموسى فنبيّناصلى‌الله‌عليه‌وآله أفضل، وعليّعليه‌السلام أقرب إليه من يوشع إلى موسى. وإن كان معجزةً ليوشععليه‌السلام ، فإن كان نبيّاً فعليّ مِثْلُه، وإن لم يكن نبيّاً فعليّ أفضل منه، إذ قال النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله : «علماء أمّتي كأنبياء بني إسرائيل»، وفي لفظ آخر: «أنبياءُ بني إسرائيل» وحذف الكاف لقوّة المشابهة.

والمعنى: أنّ أنبياء بني إسرائيل دعاةٌ إلى الله سبحانه، بالوعظ والزجر والتحذير والترغيب والترهيب، وعلماء أمّتهصلى‌الله‌عليه‌وآله قائمون في هذا المقام، مُنخرطون في سلك هذا النظام، وعليّعليه‌السلام أولى بهذا النصّ؛ لقولهصلى‌الله‌عليه‌وآله : «أقضاكم عليّ»(2) .

____________________

(1) صحيح البخاريّ 2: الحديث 119، وصحيح مسلم 2: 49، ومسند أحمد 2: 318، وكفاية الطالب: 382 / 1058.

(2) الطبقات الكبرى 2: 339، أنساب الأشراف 2: 97، المستدرك على الصحيحين 3: 135، فضائل الصحابة لأحمد 2: 58، المناقب للخوارزميّ 81، ذخائر العقبى 83.

٢٠٢

وأمّا القسم الثاني، وهو الإنكار من حيث عدالة من نقل ذلك وذكره في كتابه، فقد عدّه جماعة من العلماء في معجزاتهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، ومنهم: ابن سبع ذكره في «شفاء الصدور» وحكم بصحّته، ومنهم القاضي عياض ذكره في «الشفا بتعريف حقوق المصطفى 240» وحكى فيه عن الطّحاويّ أنّه ذكر ذلك في «مشكل الآثار 2: 8 و 4: 388». وكان أحمد بن صالح - شيخ البخاريّ - يقول: لا ينبغي لمن سبيله العلم التخلّف عن حديث أسماء - من رواة الحديث - بنت عميس في ردّ الشمس؛ لأنّه من علامات نبوّة نبيّناصلى‌الله‌عليه‌وآله .

وقد شفى الصدور الإمام الحافظ أبو الفتح الموصليّ في جمع طرقه في كتابٍ مفرد، ورواه الحافظ أبو عبد الله الحاكم.(1)

سبط ابن الجوزيّ

يوسف بن فرغليّ بن عبد الله البغداديّ الحنفيّ، سبط أبي الفرج عبد الرحمان بن الجوزيّ؛ ردّ على جدّه لأمّه تكذيبه للحديث، قال: فإن قيل: فقد قال جدّك في «الموضوعات»: هذا حديث موضوع بلا شكّ، وروايته مضطربة؛ فإنّ في إسناده أحمد بن داود، وليس بشيء، وكذا فيه فضيل بن مرزوق وهو ضعيف، وجماعة منهم عبد الرحمان بن شريك ضعّفه أبو حاتم؛ وقال جدّك: أنا لا أتّهم به إلاّ ابن عقدة؛ فإنّه كان رافضيّاً. ولو سُلِّم فصلاة العصر صارت قضاءً بغيبوبة الشمس، فرجوع الشمس لا يفيد؛ لأنّها - أي الصلاة - لا تصير أداءً. قالوا: وفي

____________________

(1) كفاية الطالب: 387.

٢٠٣

الصحيح أنّ الشمس لم تُحبَس على أحدٍ إلاّ على يوشع بن نون.

والجواب: إنّ قول جدّي: «هذا حديث موضوع بلا شكّ» دعوى بلا دليل؛ لأنّ قدحه في رواته الجواب عنه ظاهر، لأنّا ما رويناه إلاّ عن العدول الثّقات الذين لا مغمز فيهم، وليس في إسناده أحدٌ ممّن ضعّفه. وكذا قول جدّي: «أنا لا أتّهم به إلاّ ابن عقدة» من باب الظنّ والشّكّ، لا من باب القطع واليقين، وابن عقدة مشهور بالعدالة، كان يروي فضائل أهل البيت ويقتصر عليها، ولا يتعرّض للصحابة بمدحٍ ولا ذمّ. فنسبوه إلى الرفض.

وقوله: صارت صلاة العصر قضاءً؛ قلنا: أرباب العقول السليمة والفِطَر الصحيحة لا يعتقدون أنّها غابت ثمّ عادت وإنّما وقفتْ عن سيرها المعتاد، ولو ردّت على الحقيقة لم يكن عجباً؛ لأنّ ذلك يكون معجزةً لرسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وكرامةً لعليّعليه‌السلام ، وقد حُبست بالإجماع ليوشع، ولا يخلو أن يكون ذلك معجزةً لموسى أو كرامةً ليوشع؛ فإن كان لموسى فنبيّنا أفضل منه، وإن كان ليوشع فعليّ أفضل منه. قالصلى‌الله‌عليه‌وآله : «علماء أمّتي كأنبياء بني إسرائيل». وهذا في حقّ الآحاد فما ظنّك بعليّ؟! والدليل عليه أيضاً ما ذكره أحمد في الفضائل: قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : «الصّدّيقون ثلاثة: حزقيل مؤمن آل فرعون، وحبيب النجّار وهو مؤمن آل ياسين، وعليّ بن أبي طالب وهو أفضلهم».(1) وحزقيل كان نبيّاً من بني إسرائيل مثل

____________________

(1) المناقب لأحمد 156 / 193، و 194 / 239؛ وأخرجه عنه المعتزليّ في شرح نهج البلاغة 2: 451، والمحبّ الطبريّ في ذخائر العقبى: 59، والمتّقيّ في منتخب العمّال 5: 31، والقندوزيّ في ينابيع المودّة 124. وأخرجه ابن عساكر بنفس اللّفظ عن ابن أبي ليلى: =

٢٠٤

يوشع؛ فدلّ على فضل عليّ على أنبياء بني إسرائيل. وفي وقوف الشمس يقول الصّاحب بن عبّاد كافي الكُفاة:

من كمولايَ عليٍّ

والوغى تحمي لظاها؟!

من يصيد الصِّيدَ فيها

بالظّبى حين انتضاها؟!

من له في كلِّ يوم

وَقَعاتٌ لا تُضاهى؟!

كم وكم حرب ضروس

سدَّ بالـمُرهَف فاها!

اذكروا أفعال بدر

لستُ أبغي ماسواها

اذكروا غزوة أُحْد

إنّه شمسُ ضُحاها

اذكروا حربَ حُنين

إنّه بدرُ دُجاها

اُذكروا الأحزاب قدْماَ

إنّه ليثُ شَراها

اذكروا مهجة عمرو

كيف أفناها شجاها

اذكروا أمر براءة

واصدقوني من تلاها؟

اذكروا من زوجُه الز

هراءُ قد طابَ ثراها

حالهُ حالةُ هارون

لموسى، فافهماها

أعلى حبّ عليٍّ لا

مَني القومُ سفاها؟!

أوّلُ الناس صلاةً

جعل التقوى حُلاها

ردّت الشمسُ عليه

بعدما غاب سَناها

____________________

= مختصر تاريخ دمشق 17: 378، وأخرجه الحسكانيّ الحنفيّ (ت 490 هـ) في شواهد التنزيل 2: 224، أخرجه بطرقٍ كثيرة. وأخرجه ابن المغازليّ بنفس السند وفيه: (... وخِرْبيل - براءٍ غير منقوطة)، وفي العرائس للثعلبيّ: 99، والسيرة الحلبيّة 1: 270: (سُبّاق الأمم ثلاثة، لم يكفروا بالله طرفة عين: حزقيل مؤمن آل فرعون، وحبيب النجّار صاحب ياسين، وعليّ بن أبي طالب كرّم الله وجهه، وهو أفضلهم). والعرائس: 107: (سبّاق الأمم...، وعليّ مؤمن آل محمّد، وهو أفضلهم).

٢٠٥

قال: وفي الباب حكاية عجيبة حدّثني بها جماعة من مشايخنا بالعراق، قالوا: شاهدنا أبا منصور المظفّر بن أردشير العباديّ الواعظ، وقد جلس بالتاجيّة مدرسة بباب أبرز، محلّة ببغداد، وكان بعد العصر، وذكر حديث ردّ الشمس لعليّعليه‌السلام ، وطرّزه بعبارته ونمّقه بألفاظه، ثمّ ذكر فضائل أهل البيتعليهم‌السلام ، فنشأت سحابة غطّت الشمس حتّى ظنّ الناس أنّها قد غابت، فقام أبو منصور على المنبر قائماً وأومى إلى الشمس وأنشد:

لا تَغْرُبي يا شمسُ حتّى ينتهي

مدحي لآل المصطفى ولنجله

واثني عَنَانَك إن أردتُ ثاءَهم

أنسيت إن كان الوقوف لأجله

إن كان للمولى وقوفُك فليكن

هذا الوقوف لخَيله ولرَجْله

قال: فانجاب السّحاب عن الشمس، وطلعت!(1)

الطّحاويّ: الحافظ أحمد بن محمّد الطّحاويّ الحنفيّ (توفّي سنة 321 هـ). أخرجه بلفظين، وقال: هذان الحديثان ثابتان، ورواتهما ثقات.(2)

قال: فقال قائل: كيف تقبلون هذا وأنتم تُرْوُون عن أبي هريرة عن النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله ما يدفعه، فعن أبي هريرة قال: قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : «لم تَحْتَبس الشمس على أحدٍ إلاّ ليوشع». وأيضاً عنه قال: قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : «لم تُرَدّ الشمس منذ رُدّت على يوشع بن نون، لياليَ سار إلى بيت الـمَقْدِس».

فكان جوابنا - أي الطحاويّ - له في ذلك بتوفيق الله تعالى وعونه: إنّ هذا

____________________

(1) تذكرة الخواصّ: 53 - 56، وكفاية الطالب: 388، والشعر في ديوان الصاحب بن عبّاد: 114 - 119.

(2) مشكل الآثار للطحاويّ 2: 8 - 9، و 4: 388 - 389.

٢٠٦

الحديث قد اختلف علينا راوياه، فأمّا ما رواه لنا عليّ بن الحسين فهو أنّ الشمس لم تحتبس على أحد إلاّ على يوشع. فإنّ كان حقيقة الحديث كذلك، فليس فيه خلاف؛ لما في الحديثين الأوّلَين؛ لأنّ الذي فيه هو حبس الشمس عن الغيبوبة، والذي في الحديثين الأوّلين هو ردُّها بعد الغيبوبة. وأمّا ما رواه لنا يحيى بن زكريّا فهو على أنّها لم تُردّ مذ رُدّت على يوشع بن نون إلى الوقت الذي قال لهم رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله هذا القول، فذلك غير دافع أن يكون: لم تُردّ إلى يومئذ، ثم رُدّت بعد هذا، وهو غير مستنكَر من أفعال الله عزّوجلّ... وكلّ هذه الأحاديث من علامات النبوّة. وقد حكى عليّ بن عبد الرحمان بن المـُغيرة،(1) عن أحمد بن صالح أنّه كان يقول: لا ينبغي لمن كان سبيله العلم التخلّفُ عن حفظ حديث أسماء الذي رُوِي لنا عنه؛ لأنّه من أجلّ علامات النبوّة. قال الطحاويّ: وهذا كما قال، وفيه لمن كان دعا رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله اللهَ عزّ وجلّ - أي لعليّعليه‌السلام - بما دعا به له حتّى يكون له ذلك المقدار الجليل والرّتبة الرفيعة؛ لأنّ ذلك كان من رسول الله ليصلّي صلاته تلك التي احتبس نفسه على رسول الله حتّى غربت الشمس في وقتها على غير فوتٍ منها إيّاه؛ وفي ذلك ما قد دلّ على التغليظ في فوات العصر. ومن ذلك ما روي عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، قال: «من فاتته صلاة العصر فكأنّما وتر

____________________

(1) عليّ بن عبد الرحمان بن محمّد بن المغيرة المخزوميّ مولاهم، المصريّ لقبه علاّن، وكان أصله من الكوفة، صدوق. (التقريب / الترجمة رقم 4765). قال في التحرير: بل ثقة، فقد روى عنه جمع من الثقات، منهم ابن أبي حاتم.

٢٠٧

أهله وماله»، فوقى الله عزّ وجلّ عليّاً ذلك؛ لطاعته لرسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله .(1)

وذكره القاضي أبو المحاسن يوسف بن موسى الحنفيّ من مختصر الباجيّ المالكيّ المتوفّى سنة 474 هـ.(2)

فعودة الشمس إنّما كانت إرادةً من الله تعالى وحكمته، واستجابةً لدعاء النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وكرامةً لوليّ الله وصنو رسوله ونفسه وأخيهعليه‌السلام ، والعلّة: أن يؤدّي طاعة الله في الصلاة بعد أن كان في طاعة النبيّ، ويكونَ عبرة لغيره: فبقدر القرب من الله تعالى ومن طاعة رسوله، يُكرمَ المرء وتعلو رتبته.

نور الدين الحلبيّ الشافعيّ، ذكره في كتابه (السيرة الحلبية 1: 413)، قال: وأمّا عَوْد الشمس بعد غروبها، فقد وقع لهصلى‌الله‌عليه‌وآله في خيبر.

وذكر حديثَ أسماء وقال: قال بعضهم: لا ينبغي لمن سبيلهُ العلم أن يتخلّف عن حفظ هذا الحديث؛ لأنّه من أجَلّ أعلام النّبوّة وهو حديث متّصل.

الحافظ أبوبكر البيهقيّ (المتوفى سنة 458 هـ)، رواه في كتاب «دلائل النّبوّة».

شهاب الدّين الخفاجيّ الحنفيّ (المتوفى سنة 1069 هـ)، له ردّ مفحم على ابن الجوزيّ وابن تيميه، وقال: رواه الطبرانيّ بأسانيد مختلفة، رجال أكثرها ثقات. وقد اعترض عليه - أي على الحديث - بعض الشّرّاح، وقال: «إنّه موضوع، ورجاله مطعونٌ فيهم، كذّابون وضّاعون». ولم يَدْرِ أنّ الحقّ خلافُه،

____________________

(1) مشكل الآثار 2: 9 - 12.

(2) المعتصر من المختصر للقاضي أبي المحاسن 1: 9.

٢٠٨

والذي غرّه كلام ابن الجوزيّ، ولم يقف على أنّ كتابه أكثره مردود. وقد قال خاتمة الحفّاظ السيوطيّ وكذا السخاويّ: إنّ ابن الجوزيّ في موضوعاته تحامل تحاملاً كثيراً، حتّى أدرج فيه كثيراً من الأحاديث الصحيحة، كما أشار إليه ابن الصّلاح.

وهذا الحديث صحّحه المصنّفرحمه‌الله ، أشار إلى أنّ تعدّد طرقه شاهد صدقٍ على صحّته، وقد صحّحه قبله كثير من الأئمّة، كالطحاويّ، وأخرجه ابن شاهين وابن منده وابن مردويه، والطبرانيّ في معجمه وقال: إنّه حسن، وحكاه العراقيّ في «التقريب» فقال: وإنكار ابن الجوزيّ فائدةَ ردِّها - أي ردّ الشمس - مع القضاء، لا وجه له؛ فإنّها فاتته بعذرٍ مانعٍ من الأداء، وهو عدم تشويشه على النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله . وهذه فضيلةٌ أيُّ فضيلة! فلمّا عادت الشمس حاز فضيلة الأداء أيضاً. وقد صنّف السيوطيّ (شافعيّ ت 911 هـ) في هذا الحديث رسالةً مستقلّةً سمّاها «كشف اللّبس عن حديث ردّ الشمس». وسبق بمثله أبو الحسن الفضليّ، أورد طرقه بأسانيد كثيرة، وصحّحه بما لا مزيد عليه، ونازع ابنَ الجوزيّ في بعض مَن طعن فيه من رجاله.

وفي قول الطحاويّ «لأنّه من علامات النبوّة» قال: وهذا مؤيّد لصحّته؛ فإنّ أحمد - أي أحمد بن صالح المصريّ - هذا من كبار أئمّة الحديث الثّقات. ويكفي في توثيقه أنّ البخاريّ روى عنه في صحيحه، فلا يُلتفت إلى من ضعّفه

٢٠٩

وطعن في روايته(1) .

ابن حجر الهيتميّ المكّيّ الشافعيّ (المتوفى سنة 974 هـ)، ذكره في الصواعق المحرقة: 76 وقال: وحديث ردّها صحّحه الطحاويّ والقاضي - عياض - في «الشفاء»، وحسّنه شيخ الإسلام أبو زرعة، وتبعه غيره، وردّوا على جمعٍ قالوا أنّه موضوع. وزعم فوات الوقت بغروبها فلا فائدة لردّها في محلّ المنع، بل نقول: كما إنّ ردّها خصوصيّة، كذلك إدراك العصر الآن - أي بعد الشمس - أداءً خصوصيّة وكرامة. ثمّ ذكر قصّة الواعظ أبي المنصور العباديّ.

وفي شرح همزيّة البوصيريّ، في حديث شقّ القمر قال: ويناسب هذه المعجزة ردّ الشمس لهصلى‌الله‌عليه‌وآله بعد ما غابت حقيقةً، لما نامصلى‌الله‌عليه‌وآله ، فردّت ليصلّي عليٌّ العصر أداءً، كرامةً لهصلى‌الله‌عليه‌وآله . هذا الحديث اختلف في صحّته جماعة، بل جزم بعضهم بوضعه، وصحّحه آخرون، وهو الحقّ.

العَينيّ الحنفيذ (المتوفّى سنة 855 هـ)، في كتابه عمدة القاري شرح صحيح البخاري 7: 146، قال: وقد وقع ذلك للإمام عليّرضي‌الله‌عنه ، أخرجه الحاكم عن أسماء بنت عميس، وذكره الطحاويّ في مشكل الآثار. قال: وهو حديث متّصل، رواته ثقات. وإعلالُ ابن الجوزيّ هذا الحديث لا يلتفت إليه!

الحافظ ابن عساكر الشافعيّ (المتوفّى سنة 573 هـ)، ذكره في تاريخه مختصر تاريخ دمشق 17: 378 من حديث أسماء بنت عميس.

أبو إسحاق الثعلبيّ (ت 427 هـ) ذكره في كتابه العرائس - أو: قصص

____________________

(1) شرح الشفا بتعريف حقوق المصطفى: 11 - 15.

٢١٠

الأنبياء: 139.

محبّ الدّين الطبريّ الشافعيّ (ت 694 هـ) في كتابه الرياض النضرة 2: 179.

القاضي عياض اليحصبيّ (المتوفّى سنة 544 هـ) في كتابه: الشفا بتعريف حقوق المصطفى: 240 بسندَيه اللذين في مشكل الآثار.

الذهبيّ محمد بن أحمد بن عثمان الحنبلي (المتوفّى سنة 748 هـ)، في ميزان الاعتدال 2: 244.

الدّولابيّ محمد بن أحمد (المتوفّى سنة 310 هـ) في كتابه الذرّيّة الطّاهرة: 244 - 310.

نور الدّين السّمهوديّ الشافعيّ (المتوفّى سنة 911 هـ) في وفاء الوفا 2: 33 روى الحديث من طريق القاضي عياض، بعين ما في مشكل الآثار.

و للحسكاني عبيد الله بن عبد الله الحنفيّ (المتوفّى سنة 490 هـ) رسالة مسألة في تصحيح ردّ الشَّمس وترغيم النّواصب الشَّمس.

الموفّق بن أحمد المكّيّ الخوارزميّ الحنفيّ المعروف بأخطب خوارزم (المتوفّى سنة 568 هـ) في كتابه المناقب: 306 / الحديث 301 و 302 من طريقين عن أسماء بنت عميس. كما أفرد له كتاباً باسم: ردّ الشّمس لأميرالمؤمنين.

الحافظ جلال الدين السيوطيّ الشافعيّ (المتوفّى سنة 911 هـ) ذكره في كتابه: الخصائص الكبرى 2: 137 رباب ردّ الشّمس بعد غروبها لعليّرضي‌الله‌عنه من حديث أسماء من عن: ابن منده وابن شاهين والطبرانيّ، وقال: صحيح. وعن ابن

٢١١

مردويه، عن أبي هريرة، وبسندٍ عن جابر، وقال: قال الطبرانيّ حسَن.

و للسيوطيّ كشف اللّبس عن حديث ردّ الشمس توسّع فيه بالكلام عن الحديث. وفي الجزء الأوّل من كتابه اللآلئ المصنوعة، ذكره بُطرقه المتعدّدة، وحكم بصحّتها متناً وسنداً، وأنّ الحديث من أعلام النبوة والكرامة لأميرالمؤمنينعليه‌السلام . ذكره في ص 336 عن فضيل بن مرزوق، عن إبراهيم بن الحسن بن الحسن، عن فاطمة بنت الحسن، عن أسماء بنت عميس ونفس المصدر: عن فاطمة بنت عليّ بن أبي طالب، عن أسماء. وأيضاً نفس المصدر عن أبي هريرة. وفي ص 337 عن الحسين بن عليّعليهما‌السلام . وفي ص 340 عن عليّ بن أبي طالبعليه‌السلام . وفي ص 341 عن أبي ذرّ في حديث الشّورى.

وقفة تأمّل في المصادر والرّواة

ليس في مصدر من المصادر التي أوردناها لمن هو رافضيّ! وإنّما أصحابها بين مالكيّ وحنفيّ وشافعيّ؛ مع وثاقة وصدق وعلوّ سند الحديث فتبيّن الحقّ بذلك« فَمَاذَا بَعْدَ الْحَقّ إِلّا الضّلاَلُ فَأَنّى‏ تُصْرَفُونَ » (1) .

لفظ الحديث

حديث أسماء بنت عميس: أحمد بن صالح المصريّ، بسنده عن أمّ جعفر،

____________________

(1) يونس: 32.

٢١٢

عن أسماء بنت عميس(1) أنّ النبيّ صلّي الظهر بالصَهباء، ثمّ أرسل عليّاً في حاجة، فرجع وقد صلّى النبيّ العصر، فوضع النبيّ رأسه في حجر عليّ فلم يحرّكه حتّى غابت الشمس، فقال النبيّ: اللّهمّ إنّ عبدك عليّاً احتبس بنفسه على نبيّك، فردّ عليها شرقها. قالت أسماء: فطلعت الشّمس حتّى وقعت على الجبال وعلى الأرض ثمّ قام فتوضّأ وصلّى العصر، ثم غابت، وذلك في الصهباء.(2)

وأيضاً أبو جعفر الطّحاويّ، عن أسماء قالت: كان رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله يوحى إليه ورأسه في حجر عليّ، فلم يصلّ العصر حتّى غربت الشمس، فقال له رسول الله: صلّيتَ يا عليّ؟ فقال: لا، فقال النبيّ: اللّهمّ إنّه كان في طاعتك وطاعة رسولك، فاردُد عليه الشمس. قالت أسماء: فرأيتها قد غربت، ثمّ رأيتها قد طلعت

____________________

(1) أسماء بنت عميس بن معد الخَثْعميّة، أسلمت قديماً، قبل دخول رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله دار الأرقم بمكّة، وبايعت وهاجرت إلى أرض الحبشة مع زوجها: جعفر بن أبي طالب، فولدت له هناك عبد الله ومحمّداً وعوناً، ثمّ قُتل عنها جعفر بمؤتة شهيداً في جمادى الأولى سنة ثمان للهجرة.

وأسماء أخت ميمونة بنت الحارث زوج النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وأخت لبابة أمّ الفضل زوجة العبّاس بن عبد المطّلب. ولمّا قدمت أسماء من أرض الحبشة قال لها عمر: يا حبشيّة! سبقناكم بالهجرة. فقالت: أي لَعمْري لقد صدقتَ، كنتم مع رسولَ اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، يطعم جائعكم ويعلّم جاهلكم وكنّا البعداء الطّرداء، أما والله لآتين رسول الله، فلأذكرنّ ذلك له. فأنت أسماء النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله فأخبرته؛ فقال: «كذِب مَن يقول ذلك، لكم هجرتان: هاجرتَم إلى النجاشيّ، وهاجرتم إليّ». والقاسم بن محمّد، وعروة بن الزبير، وعبد الله بن شدّاد بن الهاد وهو ابن أختها، وابن المسيّب، وغيرهم (الطبقات الكبرى 8: 219 / 4229، أسد الغابة 7: 14 / 6706، حلية الأولياء 2: 74، الاستيعاب 4: 236).

(2) مشكل الأثار للطحاويّ 4: 388.

٢١٣

بعد ما غربت.(1)

رواه ابن عساكر بنفس اللّفظ في مختصر تاريخ دمشق 17: 378 / الحديث 807، وابن المغازليّ في مناقب الإمام عليّ بن أبي طالب: 96 / الحديث 140، والقاضي عياض في الشفا بتعريف حقوق المصطفى: 240، والگنجيّ الشافعي في كفاية الطالب: 388، والعينيّ في عمدة القاري شرح البخاري 7: 146، والمحبّ الطبريّ في الرياض النّضرة 2: 179.

الحسين بن عليّعليه‌السلام

عن فاطمة بنت حسين، عن الحسين قال: كان رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله في حجر عليّ، وكان يوحى إليه، فلمّا سرى عنه قال: يا عليّ، صلّيتَ العصر؟ قال: لا. قال: اللّهمّ إنّك تعلم أنّه كان في حاجتك وحاجة رسولك، فُرّد عليه الشمس. فردّها عليه، فصلّى وغابت الشمس.(2)

أبو هريرة: أخرج ابن مردويه، عن أبي هريرة قال: نام رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ورأسه في حِجْر عليّ، ولم يكن صلّى العصر حتّى غربت الشمس. فلمّا قام النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله دعا له، فُردّت عليه الشمس حتّى صلّى، ثمّ غابت ثانية.(3)

ورواه السخاويّ في (المقاصد الحسنة: 226). قال السيوطيّ: وذكره

____________________

(1) نفسه 2: 8 و 4: 388، والخصائص الكبرى للسيوطيّ 2: 137، وتذكرة الخواصّ لسبط ابن الجوزيّ: 53.

(2) الذّرّيّة الطاهرة للدولابيّ (ت 310 هـ): 129 / الحديث 156. ينابيع المودّة: 138.

(3) الخصائص الكبرى للسيوطيّ 2: 137.

٢١٤

الحسكانيّ في رسالة ردّ الشمس / الحديث 9.

حديث جابر: وممّن ذكره الحديث: الصحابيّ الجليل جابر بن عبد الله الأنصاريّ؛ ففي الخصائص الكبرى 2: 137، قال: وأخرج الطبرانيّ بسندٍ حسَن عن جابر: أنّ النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله أمر الشمس فتأخّرت ساعةً من نهار. وذكره الهيتميّ في مجمع الزوائد 8: 296، قال: رواه الطبرانيّ في الأوسط وإسناده حسَن.

حديث أبي رافع: واسمه أسلم، وكان عبداً للعبّاس بن عبد المطّلب فوهبه للنبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله ، فلمّا بشّر رسول الله بإسلام العبّاس أعتقه رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله . شهد أحداً والخندق والمشاهد كلّها مع رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وزوّجه رسول الله سَلمى مولاته، وشهدت معه خيبر، وولدت لأبي رافع عبيد الله بن أبي رافع وكان كاتباً لعليّ بن أبي طالبعليه‌السلام .

مات أبو رافع بالمدينة بعد قتل عثمان بن عفّان، وله عقب.(1)

بسندٍ عن أبي رافع قال: رقَد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله على فخذ عليّ وحضرت صلاة العصر، ولم يكن عليّ صلّى، وكره أن يوقظ النبيّ حتّى غابت الشمس، فلمّا استيقظ قال: ما صلّيت أبا الحسن؟ قال: لا يا رسول الله. فدعا النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله ، فرُدّت الشمس على عليّ كما غابت، حتّى رجعت لصلاة العصر في الوقت، فقام عليّ فصلّى العصر، فلمّا قضى صلاة العصر غابت الشمس، فإذا النجوم مشتبكة!

أخرجه ابن المغازليّ الشافعيّ في: مناقب الإمام عليّ بن أبي طالب: 98 /

____________________

(1) الطبقات الكبرى 4: 54 / 358.

٢١٥

الحديث 141.

ابن عبّاس: محمّد بن سلمة(1) ، عن خُصَيف(2) ، عن مجاهد، قال: قيل لابن عبّاس: ما تقول في عليّ بن أبي طالب؟ فقال: ذكرت واللهِ أحدَ الثّقلين! سبق بالشهادتين، وصلّى القبلتين، وبايع البيعتين، وأُعطي السِّبطين الحسن والحسين، ورُدّت عليه الشمس مرّتين بعدما غابت عن الثّقلين، وجرّد السّيف تارتين، وهو صاحب الكَرّتَين، فمَثَلُه في الأمّة مَثَل ذي القَرنَين؛ ذلك مولاي عليّ بن أبي طالب.(3)

إذن: إنّ ما أكبره ابن تيميه وأنكره من ردّ الشمس لأمير المؤمنين عليّعليه‌السلام بدعاء رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، لم يقع مرّة واحدة، ولكن وقع مرّتين كما قاله ابن عبّاس. ولم يكن راويه امرأةً كما قال ابن تيميه! ويعني بذلك: جُوَيرية ابن مُسهر العبديّ؛ وقد مضت ترجمته ووقفنا على حُسن حاله كما لم يكن مصدرنا لرافضيّ - كذا - وإنّما هو لأحد أعلام الحنفيّة.

____________________

(1) محمّد بن سَلَمه بن كُهيل الحضرميّ - مضت ترجمة أبيه - روى عنه سفيان بن عُيَينة. وروى محمّد بن سلمة عن أبيه (الطبقات الكبرى 6: 356 / 2662، رجال الطوسيّ: 289، وذكره في أصحاب الإمام الصادقعليه‌السلام وقال: أسند عنه).

(2) خُصَيف بن عبد الرحمان، ويكنّى أبا عون من أهل حرّان، مولى لعثمان وكان ثقة، مات سنة سبع وثلاثين ومائة (الطبقات الكبرى 7: 334 / 3960، وقال العجليّ: ثقة: 143 / 381. وكذلك ابن معين 2: 327 / 5097 والدولابيّ في الكنى والأسماء 2: 148).

(3) المناقب للخوارزميّ: 330 / الحديث 349. وفي جواب ابن عبّاس مفردات من مناقب عليّعليه‌السلام أنكرها ابن تيميه حسب منهجه، مثل: حديث الثقلين، وسابقة عليّ، نعرض لها في محلّها.

٢١٦

وقد ذكر الخبر الشريف الرضيّ المتوفّى سنة 406 هـ في كتابه: خصائص أميرالمؤمنينعليه‌السلام : 24 - 25؛ ذكر عن: جويرة بن مسهر قال: قطعنا مع أميرالمؤمنين جسر الصراة في وقت صلاة العصر، فقال: إنّ هذه أرضٌ معذّبة لا ينبغي لنبيّ ولا وصيّ أن يصلّي فيها، فمن أراد منكم أن يصلّي فليصلّ.

قال: فتفرّق الناس يَمنةً ويَسرةً، وقلتُ أنا: لأقلّدنّ هذا الرجل ديني ولا أصلّي حتّى يصلّي. قال: فسرنا، وجعلت الشمس تنتقل، وجعل يَدْخُلني من ذلك أمرٌ عظيم، حتّى وجبت الشمس وقطعت الأرض، قال: فقال: يا جويرةُ أذّن، فقلت: تقول لي أذّن وقد غابت الشمس؟! قال: فأذّنت. ثمّ قال لي: أقم، فأقمت. فلمّا قلت: قد قامت الصلاة، رأيت شَفَتَيه تتحرّكان، وسمعت كلاماً كأنّه كلام العِبْرانيّة. قال: فرجعت الشمس حتّى صارت في مثل وقتها في العصر، فصلّى، فلمّا انصرف هَوَت إلى مكانها واشتبكت النّجوم. قال: فقلت أنا: أشهد أنّك وصيُّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله فقال: يا جويرة، أما سمعتَ الله يقول:« فَسَبّحْ بِاسْمِ رَبّكَ الْعَظِيمِ) (1) فقلت: بلى، فقال: إنّي سألت ربّي باسمه العظيم، فردّها عَلَيّ.

وذكر الخبر الفضل بن شاذان بن جبرائيل المتوفّى سنة 660 هـ في كتابه الفضائل: 88 - 69، مع اختلاف في بعض الألفاظ، ثمّ قال: ورُدّت لهعليه‌السلام في حياة النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله بمكّة، وقد كان النبيّ قد غشيه الوحي، فوضع رأسه في حِجْر أميرالمؤمنين، وحضر وقت العصر فلم يبرح من مكانه وموضعه حتّى غربت

____________________

(1) الواقعة: 96.

٢١٧

الشمس، فاستيقظ النبيّ وقال: (اللّهمّ إنّ عليّاً كان في طاعتك، فُردَّ عليه الشمس ليصلّي العصر)، فردّها الله عليه بيضاء نقيّة، حتّى صلّى ثمّ غابت وقال السيّد الحميريّ (1) في ذلك قصيدته المعروفة بالمذهّبة ومنها:

____________________

(1) ترجم له أبو الفرج الأصبهانيّ عليّ بن الحسين المتوفّى سنة 365 هـ في كتابه الأغاني 7: 229 قال: السيّد الحِمْيَريّ: إسماعيل بن محمّد بن يزيد بن ربيعة بن مُفرّغ الحِمْيَريّ، يكنّى أبا هاشم، توفّي سنة 179 هـ له أشعار في فضائل أهل البيتعليهم‌السلام ؛ فمن قصيدة له:

إنّ يوم التطهير يومٌ عظيمٌ

خُصّ بالفضل فيه أهل الكساء

(الأغاني: 239)، إشارةً منه إلى حديث الكساء ونزول آية التطهير في النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله وعليّ وفاطمة والحسن والحسينعليهم‌السلام .

قال: تلاحى رجلان من بني عبد الله بن دارم في المفاضلة بعد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، فرضيا بحكم أوّل من يطلع، فطلع السيّد، فقاما إليه وهما لا يعرفانه، فقال له مفضّل عليّ بن أبي طالبرضي‌الله‌عنه : إنّي وهذا اختلفنا في خير الناس بعد رسول الله، فقلت: عليّ بن أبي طالب. فقطع السيّد كلامة ثمّ قال: وأيّ شيء قال هذا الآخر ابن الزانية! فضحك من حضر، وجَم الرجل ولم يِحُر جواباً (الأغانيّ 7: 241).

ومن قصيدة له جاء فيها:

أُقسم باللهِ وآلائهِ

والمرء عمّا قال مسؤولُ

إن عليّ بن أبي طالبٍ

على التّقى والبرّ مجبول

(الأغاني 7: 247).

وقال ابن سليمان بن عليّ - بن عبد الله بن العبّاس - يعرّض بالسيّد: أشعر الناس والله الذي يقول:

محمّدٌ خيرُ من يمشي على قدمٍ

وصاحباه وعثمانُ بن عفّانا

فوثب السيّد وقال: أشعرُ والله منه الذي يقول: =

٢١٨

رُدّت عليه الشّمسُ لما فاتَهُ

وقتُ الصلاة وقد دنت للمغرب

حتّى تبلّجَ نورُها في وقتها

للعصر، ثم هَوتْ هُويَّ الكوكب

وعليه قد حُبست ببابل مرّة

أُخرى، وما حُبست لخلق معرب

إلاّ ليوشع أو له، ولجِسِها

ولردّها تأويلُ أمرٍ مُعجْبِ

عود الشمس بعد مغيبها - لنبيّ الله سليمانعليه‌السلام -

جرى الحديث مع ابن تيميه وفق دعواه في تكذيب حديث ردّ الشمس لأميرالمؤمنين عليّعليه‌السلام بدعاء رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ؛ فطعن في رواته، مع جلالتهم ووثاقتهم وتقدّمهم على ما ظهر لنا فيما تقدّم، فسقط بذلك أقوى ركني دعواه.

وتمسّك مضطرّاً بحديث ردّ الشمس ليوشع النبيّعليه‌السلام ، لكنّه قال: لم تردّ له الشمس، ولكن تأخّر غروبها، طُوِّل له النهار، فأغمض عمّا أخرجه العلماء من ردّ الشمس على يوشع لياليَ سار إلى بيت المقدس، وأيضاً عود الشمس لرسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، بعد غروبها، في خيبر. وقد ذكرنا ذلك فيما مضى، وحان الآن أن نتكلّم عن ردّ الشمس في موضع آخر، فقد ردّت على نبيّ الله سليمان ابن داودعليهما‌السلام ، وصرح القرآن بذلك ممّا يعني أنّ ردّ الشمس بعد غروبها جرى أكثر من مرّة،

____________________

=

سائلْ قريشاً إذا ما كنت ذا عمهٍ

من كان أثبتَها في الدِّين أوتادا

من كان أعلمها علماً، وأحلمَها

حلماً، وأصدقَها قولاً وميعادا

إن يصدقوك فلن يعدوا أبا حسنٍ

إن أنت لم تلق للأبرار حُسّادا

(الأغانيّ 7: 266).

وأشعاره كثيرة تنمّ عن ولائه لأهل البيتعليهم‌السلام ، وهذا الذي أثار حفيظة ابن تيميه بشأنه.

٢١٩

زيادةً في إعجاز أنبيائه وكرامةً لأوليائه. ثمّ إنّ بين يوشع بن نون. وسليمانعليهما‌السلام ، فاصلة زمنيّة ليست بالقليلة، فمن بعد يوشع كان إسماعيل، ومن بعده استخلف الله تعالى داودعليه‌السلام ، فخلف سليمان أباه داودعليهما‌السلام .

القصّة في القرآن

« وَوَهَبْنَا لِدَاوُدَ سُلَيْمَانَ نِعْمَ الْعَبْدُ إِنّهُ أَوّابٌ * إِذْ عُرِضَ عَلَيْهِ بِالْعَشِيّ الصّافِنَاتُ الْجِيَادُ * فَقَالَ إِنّي أَحْبَبْتُ حُبّ الْخَيْرِ عَن ذِكْرِ رَبّي حَتّى‏ تَوَارَتْ بِالْحِجَابِ * رُدّوهَا عَلَيّ فَطَفِقَ مَسْحاً بِالسّوقِ وَالْأَعْنَاقِ » (1) .

قال مقاتل:« إِذْ عُرِضَ عَلَيْهِ بِالْعَشِيّ الصّافِنَاتُ الْجِيَادُ) يعنيّ بالصفن إذا رفعت الدّابّةُ إحدى يديها فتقوم على ثلاث ثوائم، (الجياد) يعني السِّراع؛ وذلك أنّ سليمان صلّى الأولى، ثمّ جلس على كرسيه لتعرض عليه الخيل، فغابت الشمس ولم يصلُّ العصر. فذلك قوله، « فَقَالَ إِنّي أَحْبَبْتُ حُبّ الْخَيْرِ » يعني المال، وهو الخيل الذي عُرض عليه عَنْ (ذِكْرِ رَبّي يعني صلاة العصر حَتَّى تَوَارَتْ بِالْحِجَابِ). يعني غربت الشمس.

ثمّ قال: (رُدُّوهَا عَلَيَّ يعني كرّوها عليّ، فَطَفِقَ مَسْحاً بِالسُّوقِ وَالأعْنَاقِ) يقول: فجعل يمسح بالسيف سُوقَها وأعناقها.(2)

وبسنده أخرج عبد الرزّاق قال: أنبأنا معمر، عن الحسن وقتادة والكلبي،

____________________

(1) سورة ص 30 - 33.

(2) تفسير مقاتل بن سليمان الأزديّ (ت 150 هـ) 3: 118، وأيضاً تفسير مقاتل 3: 8،(عَشِيًّا) الروم: 18 - قال: صلاة العصر.

٢٢٠

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

461

462

463

464

465

466

467

468

469

470

471

472

473

474

475

476

477

478

479

480

481

482

483

484

485

486

487

488

489

490

491

492

493

494

495

496

497

498

499

500

501

502

503

504

505

506

507

508

509

510

511

512

513

514

515

516

517

518

519

520

521

522

523

524

525

526

527

528

529

530

531

532

533

534

535

536

537

538

539

540

541

542

543

544

545

546

547

548

549

550

551

552

553

554

555

556

557

558

559

560

561

562

563

564

565

566

567

568

569

570

571

572

573

574

575

576

577

578

579

580

581