الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل الجزء ١٤

الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل10%

الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل مؤلف:
تصنيف: تفسير القرآن
الصفحات: 581

الجزء ١ الجزء ٢ الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥ الجزء ٦ الجزء ٧ الجزء ٨ الجزء ٩ الجزء ١٠ الجزء ١١ الجزء ١٢ الجزء ١٣ الجزء ١٤ الجزء ١٥ الجزء ١٦ الجزء ١٧ الجزء ١٨ الجزء ١٩ الجزء ٢٠
  • البداية
  • السابق
  • 581 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 175659 / تحميل: 6524
الحجم الحجم الحجم
الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل

الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل الجزء ١٤

مؤلف:
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

كما أنّ الولاية الّتي يستحقّ صاحبها الكرامة ، وكذلك الكرامة الّتي تثبتُ لصاحب الولاية ، إنّما يحتاجانِ إلى إثباتٍ.

فلا يثبتان بالادّعاء ، أو بالتوهّم ، أو الفرض ، وإنّما هما بحاجة إلى مثبتات بمستوى الحُجج الصالحة للاستناد والاعتماد.

ومن أوضح أدلّة ذلك :

الشهرة والشيوع عند المؤمنين ، شهرةً مفيدةً للعلم ، ونافيةً للريب ، ومفندهً للإنكار والمعارضة.

فكيف بها إذا سلّم بها الخصمُ ، وتناقلَها الأعداءُ ، ولم يُعارضها نقلٌ ولو ضعيفٌ؟!

وإذا ارتفعت الموانع ، وتمّت المُثبتات ، فلا يجدُ المسلمُ المتشرّعُ إشكالاً أو شبهةً في الالتزام بما يتحقّق من الكرامات ، قديماً وحديثاً.

وأمثلة ذلك في حضارة الإسلام كثيرةٌ جدّاً ، كما لم تخلُ من نماذج ثابتة لذلك في الحضارات السابقة ، إلاّ أنّ النماذج الإسلاميّة قد تناقلتها الرواياتُ والأحاديثُ ، وسجّلتها الدواوينُ والمصادرُ ، واستقرّتْ في الصدور وشاعتْ على الألسن ، ووصلتْ إلينا بالتواتُر المعنويّ القاطع لكلّ مكابرةٍ والدافع لكلّ إنكارٍ.

وإذا خضعت الكراماتُ للإمكان الموضوعيّ عقلاً ، وثبت وقوعُها بالروايات والآثار نقلاً ، فلم يبقِ للإنسان المتشرّع والمتعبّد إلاّ القبولُ والاقتناعُ بها وجداناً ، بل تكون مفخرةً للمسلمين وللإسلام أن يوجد فيهم

٢٤١

مثلُ تلك النماذج الرائعة ، وبكثرةٍ ملحوظةٍ ، ممّا يدلّ على عمق الإيمان في قلوب معتنقيه ومدى رسوخ العقيدة في نفوس تابعيه ، وبلوغ أوليائه إلى القِمَمِ ، وسيطرتهم على مقدّرات الكون لكونهم أفضل الاُمم ، مع تواضع فذٍّ للهِ الخالق جلّ وعلا ، وخدمةٍ خالصةٍ للخلق المبتلى.

وبعد هذا الّذي أوردنا ؛ فمن يحاول الاستغرابَ من بعض الكرامات ، أو يُكابِرُ قبول شيء منها ، أو يُناقِشُ في إمكانها ، أو ثبوتها ، أو صحّتها ، أو إثباتها ، مستنداً إلى عقله! أو نظره! فانّما يُنْبِىء عن قُصُور من تناول تلك المحكَمات من الآياتِ ، أو جهلٍ بتلك المشهورات من الأخبار ، أو تعامٍ عن الحقّ : رغبةً في المخالفة. وحبّاً للشهرة. أو تزلّفاً إلى الأعداء بموافقتهم في الأفكار. أو معاندة وعصبيّة لمرض في قلبه ، وعَمَىً في بصيرته ، وهوىً في نفسه. نعوذ بالله من الخذلان.

ولقد انبرى جمعٌ من العلماء لجمع عيّناتٍ بارزةً من النماذج الإسلاميّة من الكرامات لأصحابها ، بالطرق الموثوقة رواية عن الرجال الموثوقين ، لتكون شواهدَ صدقٍ ، ونواطق حقّ ، بتحقّق ذلك.

وليكون دليلاً واضحاً على بلوغ تلك الكرامات مبلغ الشهرة المؤدّية إلى القناعة والعلم ، لسعة رواياتها ونقولها ، واعتماداً على رواتها الّذين يعدّون من رجالات العلم والدين.

وإنّ مثل هذه الكرامات يعدّ دعماً لمواقف أهل الحقّ على طول تاريخ النضال العقيديّ المُستميت ، الّذي خاضَهُ اُولئك الأبرارُ الأوتادُ

٢٤٢

الأولياءُ لله وللرسول وللأئمّة الأطهار من آل محمّد عليهم السلام ولا يزال يخوضه المجاهدون الأحرارُ من شيعتهم الأخيار ، وهم الّذين وقفوا ـ ولا يزالون ـ على طول خطّ التاريخ وحتّى اليوم ـ في صفّ المواجهة الأوّل ، للدفاع عن القرآن الكريم ، والإسلام العظيم ، والرسول الأعظم ، والأئمّة الطاهرين ، وكلّ المقدّسات ؛ بِنِيّاتٍ صادقةٍ ، وعزماتٍ قويّةٍ وإرادات جادّة ، ويقين بوعد الله جلّ وعزّ بالنصر ، والمنّ على الّذين استضعفوا في الأرض ليستخلفنّهم فيها ، ويجعلهم أئمّةً ويجعلهم الوارثين.

جعلنا اللهُ ممّن ينتصرُ به لدينه تحت راية نبيّه وأوصيائه والأولياء من شيعتهم ، وقيادة صاحب الأمر إمام الزمان المهديّ المنتظر عليه السلامُ وعجّل اللهُ فرجه ، الّذي يملأ الدُنيا عَدلاً وقِسطاً بعدَما مُلئتْ ظُلماً وجَوراً.

وأمّا كرامات العَبّاس عليه السلام :

فقد ملأتْ أسماعَ التاريخ ، وأوراقَ الكتب ، وأجواءَ الفضاء ، وبلغت من الشُهرة والشُيوع ما أقرّ بِها الأولياءُ ، وخضعَ لها الأعداءُ ، ولا تزال ـ حتّى في عصرنا ـ تُحَسُّ وتُمَسُّ ، وتُرَى وتُرْوَى ، وتُسَجَّلُ وتُنْقَلُ ، بما لا مجال لاستيعاب جميعها ، بل ، ولا لتعدادها ، ولا للوصول إلى غورها ومدى أبعادها.

ويكفي الحضور في مزاره الشريف ، ليرى الطالبُ للكرامة تحقّقها في كلّ ساعةٍ ، ويومٍ ، وأسبوعٍ ، وشهرٍ ، وسنةٍ.

وليس كلّ هذا إلاّ من بعض إكرام الله تعالى لهذا العَبْد ، الصالح ، المطيع

٢٤٣

لله ولرسوله ولأمير المؤمنين ولفاطمة وللحسن ولأخيه الحسين عليهم السلام.

وبما حصّل بذلك من الدرجة الراقية والمنزلة الرفيعة والمقام المحمود عند الله.

فسلامُ الله عليه :

يوم وُلِدَ ،

ويوم جاهد وناضل ،

ويوم استشهد بين يدي أخيه المظلُوم ،

ويوم يقُوم بين يديه في الجنّة ، ويحظى بدرجته ومقامه.

ونسألُ الله تعالى أن يشفّعه فينا يوم لقائه ، وأن يجعلنا معهُ في الآخرة كما وفّقنا لحُبّه ولخدمته والفوز بزيارته في الدُنيا.

آمين يا ربّ العالمين.

٢٤٤

الملاحق

الملحق الأوّل : نصوص الزيارات المأثورة للعبّاس عليه السلام

الملحق الثاني : زوجة العَبّاس عليه السلام وأولاده ، وذرّيّته في كتب

النسب والأعلام منهم عبر التاريخ

الملحق الثالث : خلاصة الكتاب

٢٤٥
٢٤٦

الملحق الأوّل : الزيارات المأثورة للعبّاس عليه السلام

زيارة العبّاس عليه السلام المُطلَقَهُ :

روى ابن قولويه ، والشيخ المفيد زيارةً له عليه السلام غير مقيّدة بوقت من الأوقات ، قالا : إذا وَرَدتَ إنْ شاءَ اللهُ أرضَ كربلاء ، فانزلْ منها بشاطئ العَلْقَمِيّ ، ثمّ اغتسل غسل الزيارة مندوباً ، ثمّ امْشِ حتّى تأتي مشهد العبّاس بن عليّ عليه السلام (وهو على شطّ الفُراتِ بِحِذاءِ الحائر)(١) فإذا أتيت ، فقفْ على باب السقيفة ، وقل :

سلامُ الله وسلامُ ملائكته المُقرّبين ، وأنبيائه المرسلين ، وعبداه الصالحين ، وجميع الشهداء والصِدِّيقين ، والزاكِياتُ الطيِّباتُ في ما تغتدي وتروحُ ، عليك يا ابن أمير المؤمنين ، أشهدُ لَكَ بِالتسليمِ والتصديقِ والوفاءِ والنصيحةِ لِخَلَفِ النّبيِّ صلّى الله عليه وآله المُرسَلِ ، والسِبطِ المُنتَجَبِ ، والدَليلِ العالمِ ، والوَصِيِّ المُبلِّغِ ، والمَظلُومِ المُهْتَضَمِ ، فجزاكَ اللهُ عن رسولِهِ وعن فاطِمةَ وعن أمير المؤمنين وعن الحَسَنِ والحُسينِ أفضلَ الجزاءِ بِما صبرتَ واحتسبتَ وأعَنْتَ ، فنعمَ عقبى الدار. لعنَ اللهُ مَنْ قتلكَ ولعنَ اللهُ من جهلَ حقَّكَ واستخفَّ بِحُرمتِكَ ولعنَ اللهُ مَنْ حالَ بينَكَ وبينَ ماءِ الفُراتِ ، أشهدُ أنّك قُتِلْتَ مَظلُوماً ،

__________________

(١) ما بين القوسين من كامل الزيارات ، ولاحظ ما ذكرناه عن (الحائر المقدس) في هذا الكتاب.

٢٤٧

وأنّ اللهَ مُنجزٌ لكُم ما وَعَدَكمْ ، جئتُكَ يا ابنَ أمير المؤمنين وافِداً إليكُم ، وقلبي مُسَلِّمٌ لكمْ وأنا لكم تابِعٌ ونُصرَتي لكمْ مُعَدَّةٌ ، حتّى يحكُمَ اللهُ وهُو خيرُ الحاكمين ، فَمَعَكُمْ لا مَعَ عَدُوِّكمْ إنّي بكمْ وبإيابِكُمْ من المؤمنين ، وبِمَنْ خالَفَكُمْ وقَتَلَكُمْ من الكافرين ، لعنَ اللهُ أُمّةً قَتَلَتْكُمْ بِالأيديْ والألْسُن .

ثمّ ادخل وانكبَّ على القبر وقل :

السلامُ عليك أيّها العبدُ الصالحُ المُطيعُ للهِ ولِرسولِهِ ولأمير المؤمنين والحسنِ والحُسينِ صلّى الله عليهم وسلّم. والسلامُ عليك ورحمةُ اللهِ وبركاتُهُ ومغفرتُهُ ، وعلى روحك وبدنك.

أشهدُ أنّك مضيتَ على ما مضى عليه البَدْرِيّون والمُجاهِدُون في سبيل الله ، المُناصِحُون لهُ في جهاد أعدائه ، المُبالِغُون في نُصرةِ أوليائه الذابُّون عن أحبّائِه.

فجزاكَ اللهُ أفضلَ الجزاء وأوفر جزاءِ أحَدٍ ممّنْ وفي بِبَيْعَتِهِ ، واستجابَ لهُ دعوَتَهُ ، وأطاعَ وُلاةَ أمرِهِ ، أشهدُ أنّك قدْ بالغتَ في النَصِيحَةِ ، وأعطيتَ غايَةَ المَجهودِ ، فَبَعَثَكَ اللهُ في الشُهداءِ ، وجَعَلَ رُوحَكَ مَعَ أرواحِ السُعَداءِ ، وأعطاكَ مِن جِنانِهِ أفْسَحَها مَنْزِلاً ، وأفْضَلَها غُرَفاً ، ورَفَعَ ذِكْرَكَ في العِلِّيِّيْنَ ، وحشركَ مَعَ النَبِيِّينَ والصِدِّيْقِينَ ، والشُهداءِ والصالِحِينَ وحَسُنَ أُولئكَ رَفيقاً ، أشهدُ أنّكَ لَمْ تَهِنْ ولمْ تَنْكُلْ ، وأنّكَ مَضَيْتَ على بصيرةٍ من أمرِكَ ، مُقْتَدِياً بِالصالِحِينَ ، ومُتَّبِعاً لِلنَبِيِّين ،

٢٤٨

فَجَمَعَ اللهُ بَينَنا وبَينَكَ وبَيْنَ رَسُولِهِ وأولِيائِهِ في منازِلَ المُخْبِتِينَ ، فإنّهُ أرحَمُ الراحمين.

ثُمّ انحرِفْ إلى عند الرأس ، فَصَلِّ رَكعتين ، ثُمَّ صَلِّ بَعدَهُما ما بَدا لَكَ ، وادعُ اللهَ كثيراً ، وقُلْ عقيبَ الرَكَعاتِ :

اللّهمّ صَلِّ على محمّدٍ وآلِ محمّدٍ ، ولا تَدَعْ لي في هذا المكان المُكرّمِ ، والمشهدِ المُعظّمِ ، ذَنْباً إلاّ غَفَرَتَهُ ، ولا هَمّاً إلاّ فَرَّجْتَهُ ، ولا مرضاً إلاّ شفيته ، ولا عَيْباً إلاّ سَتَرْتَهُ ، ولا رِزْقاً إلاّ بَسَطْتَهُ ، ولا خَوْفاً إلاّ آمَنْتَهُ ، ولا شَمْلاً إلاّ جَمَعْتَهُ ، ولا غائِباً إلاّ حَفِظْتَهُ وأدْنَيْتَهُ ، ولا حاجَةً من حوائِجِ الدُّنْيا والآخِرَةِ لَكَ فِيها رضاً ولِيَ فِيها صَلاحٌ إلاّ قَضَيْتَها يا أرْحَمَ الراحِمين.

ثُمّ عُدْ إلى الضريحِ فقفْ عندَ الرِجلين ، وقُلْ :

السلامُ عليك يا أبا الفَضْلِ العبّاس ابن أمير المؤمنين ، السلامُ عليكَ يا ابنَ سيّدِ الوَصيّين ، السلامُ عليكَ يا ابنَ أوّلِ القومِ إسلاماً ، وأقْدَمِهم إيْماناً ، وأقْوَمِهمْ بِدِينِ اللهِ ، وأحْوَطِهم على الإسلامِ ، أشهدُ لَقَدْ نَصَحْتَ للهِ ولِرسولِهِ ولأخِيْكَ ، فنعمَ الأخُ المُواسِي ، فَلَعَنَ اللهُ أُمّةً قَتَلَتْكَ ، ولَعَنَ اللهُ أُمّةً ظَلَمَتْكَ ، ولَعَنَ اللهُ أُمّةً اسْتَحَلَّتْ منكَ المَحارِمَ وانْتَهَكَتْ حُرْمَةَ الإسلام ، فَنِعْمَ الصابِرُ المُجاهِدُ ، المُحامي الناصِرُ ، والأخُ الدافِعُ عن أخِيهِ المُجِيبُ إلى طاعَةِ رَبِّهِ ، الراغِبُ في ما زَهَدَ فِيهِ غيرُهُ من الثوابِ الجزيْلِ والثَناءِ الجَميلِ ، فألْحَقَكَ اللهُ بِدَرَجَةِ آبائِكَ في دارِ النَعيمِ .

٢٤٩

اللّهمّ إنّي تَعَرَّضْتُ لِزيارَةِ أوْلِيائِكَ ، رَغْبَةً في ثوابِكَ ، ورَجاءً لِمَغْفِرَتِكَ وجَزِيْلِ إحسانِكَ ، فأسْألُكَ أنْ تصلّيَ على محمّدٍ وآله الطاهرين ، وأنْ تَجْعَلَ رِزْقِي بِهِمْ دارّاً ، وعَيْشَي قارّاً ، وزِيارَتِي بِهِمْ مقبُولَةً ، وحياتِي بِهِم طيّبَةً ، وأدْرِجْنِي إدْراجَ المُكَرَّمِيْنَ ، واجْعَلْني مِمّنْ يَنْقَلِبُ مِن زِيارَةِ مَشاهِدِ أحِبّائِكَ مُنْجِحاً ، قد اسْتَوْجَبَ غُفرانَ الذُنُوبِ ، وسَتْرَ العُيُوبِ ، وكَشْفَ الكُرُوبِ ، إنّكَ أهْلُ التَقْوى وأهلُ المَغْفِرَةِ .

فإذا أردتَ وَداعَهُ للانصراف ، فقفْ عندَ القبرِ ، وقل :

أستوْدِعُكَ اللهَ وأسْتَرْعِيكَ وأقْرأُ عليكَ السلامَ ، آمَنّا بِاللهِ وبِرسولِهِ وبِكِتابِهِ ، وبِما جاءَ بِهِ من عندِ اللهِ ، اللّهمّ اكتُبْنا مَعَ الشاهدين ، اللّهمّ لا تَجْعَلْهُ آخِرَ العَهْدِ مِن زِيارَةِ قبرِ ابنِ أخِي رسولِكَ ، وارزُقْني زِيارَتَهُ أبَداً ما أبْقَيْتَنِي ، واحْشُرْنِي مَعَهُ ومَعَ آبائِهِ في الجِنانِ ، وعرِّفْ بَيْنِي وبَيْنَهُ وبَيْنَ رَسُولِكَ وأولِيائِكَ ، اللّهمّ صَلِّ على محمّدٍ وآلِ محمّدٍ ، وتَوَفَّنِي على الإيْمانِ بِكَ ، والتصدِيقِ بِرسولِكَ ، والوَلايَةِ لِعليِّ بن أبي طالب والأئِمّةِ عليهم السلام والبراءَةِ مِن عَدُوِّهِم ، فإنّي رَضِيْتُ بِذلِكَ ، وصلّى اللهُ على محمّدٍ وآلِ محمّدٍ .

ثُمّ ادْعُ لِنفسكَ ولِوالِدَيكَ ولِلمؤمِنينَ والمُؤمِناتِ ، وتَخَيَّرْ من الدُّعاء ما شِئْتَ(١) .

وللعباس عليه السلام زياراتٌ خاصّة في يوم الأربعين العشرين من شهر صفر ،

__________________

(١) ابن قولويه في كامل الزيارات (ص ٢٥٦ ـ ٢٥٨) ونقله المجلسي في البحار (٩٨ / ٢٠٦ ، ٢١٧ ـ ٢١٩) و(٩٨ / ٢٧٧ ـ ٢٧٨).

٢٥٠

وفي أوّل يوم من شهر رجب ، وفي ليلة النصف من شهر رجب ونهاره ، وفي النصف من شهر شعبان ، وفي ليالي القدر الثلاث ، وفي ليلتي عيدَي الفطر والأضحى ونهارهما ، وفي يوم عَرَفة ليلها ونهارها.

ومن مجموع ذلك يستدلّ على استحباب زيارة العبّاس عليه السلام كلّما زار المؤمنُ الإمامَ الحُسينَ عليه السلام.

وفقنا الله لذلك إنّه خير موفقٍ ومعين.

وقد وردت زيارة للعباس عليه السلام في التراث الزيدي ـ أيضاً ـ كما في ما نقل عن عبد الله بن حمزة (ت ٦١٤ هـ) في كتاب «الزيارات» بعنوان «زيارة الحسين وأهل البيت عليهم السلام» ما نصّه : إذا وصلتَ ؛ فاغتسل ـ إن شاء الله ـ على الفُرات ، ومسّ ما أمكنك من الطِيب ، ثمّ ادْنُ إلى القبر ؛ فكبّر اللهَ تعالى ، ، ثمّ تقول :

السلامُ عليك يا سبطَ رسول الله.

السلامُ عليك يا ريحانةَ الرسول. السلامُ عليك يا فرخَ البتول.

السلامُ عليك أيُّها الشهيدُ السعيدُ. السلامُ عليك أيُّها الفقيدُ الحميدُ.

السلامُ عليك أبا الشُهداء. السلامُ عليك يا ثمرةَ قلب المصطفى. السلامُ عليك يا بحرَ العطاء. السلامُ عليك يا جمّ النَوال. السلامُ عليك يا ليثَ النِزال. السلامُ عليك يا نورَ الملّة. السلام عليك يا واهبَ نفسِه لله. السلامُ عليك يا ليثَ العرين. السلامُ عليك يا معدوم القَرِين.

السلامُ عليك يا شهيدَ الطُفُوف. السلامُ عليك يا مُلاقيَ الأُلُوف. السلامُ عليك يا مَسْتَهْوِنَ الحُتُوف. السلامُ عليك يا سيّد شباب أهل

٢٥١

الجنّة ، السلامُ عليك يا قويّ المنّة ، السلامُ عليك يا مَن مَطَرَت السماءُ لِقَتلِهِ دَماً ؛ لِغَضَبِ ربّ السماء ، السلامُ عليك يا مَنْ فرّقَ بهِ بينَ الشَقِيّ والسعيد ، السلامُ عليك يا مَنْ باءَ بِالخِزْيِ والعارِ فيه يَزِيدُ. السلامُ عليك يا قتيلَ الدَعِيّ. السلامُ عليك يا سبطَ النبيّ. يا أبا عبد الله ابن رسول الله ، هذه كلماتٌ أَهْدَيْناها إليك ، فصلوات الله وملائكته على جدّكَ وأبيكَ وأمّكَ وأخيكَ وعليكَ وعلى الطيّبينَ من آلِكُم ، ورحمة الله ، أرَدْنا بإهدائِها القُرْبَ إليكم والفوز لَدَيْكُم (١) .

ثمّ قال : وتُسلّمُ بعدَ ذلكَ على العبّاس بن عليَّ وعلى أهل البيت ، بالطَفِّ ، وتقول :

السلامُ عليك يا عبّاسُ ، يا ثابتَ الأساس ، ونُورَ النِبْراس ، وعروس الأفراد(٢) . السلامُ عليك يا ليثَ الطِراد ، وسيفَ الجِلاد ، وسمّ الأعادِ. السلامُ عليك يا مَنْ احْتَسَبَ نَفْسهُ وبني أمّهِ وأبيهِ دُونَ أَخِيه.

السلامُ عليك يا ابنَ مَنْ كاعَتْ عنهُ الفوارسُ الشوامِسُ. السلامُ عليك يا ساقيَ الماءَ الطيّبين المُهتدِين ، ومُبِيحَ حِمَى الجبّارينَ المُعْتَدِين.

ثمّ أتبع السلام على عليّ بن الحسين ، وعموم بني هاشم ، وعلى أوليائهم الشهداء(٣) .

__________________

(١) مجموع مكاتبات الإمام عبد الله بن حمزة (ص ٢٧٦ ـ ٢٧٧).

(٢) وفي نسخة : «عروس الأفراس».

(٣) مجموع مكاتبات الإمام عبد الله بن حمزة (ص ٢٧٦ ـ ٢٧٧).

٢٥٢

الملحق الثاني

زوجة العَبّاس عليه السلام

وأولاده

وذريّته في كتب النسب والأعلام منهم عبرَ التاريخ

٢٥٣
٢٥٤

زوجتُهُ لُبابَةُ بنتُ عُبَيْد الله بن العبّاس بن عبد المطّلب

اتّفق أهل النسب ـ وورد في أكثر المصادر ـ على :

أنّ العَبّاس الأكبر السقّاء عليه السلام تزوّج (لُبابة) بنت (عُبَيْد الله) بن العَبّاس ابن عَبْد المطّلب.

وأنّعُبَيْد الله بن العَبّاس بن عليّ بن أبي طالب عليه السلام هو من لُبابَة بنت عُبَيْد الله.

وأنّعقب العَبّاس السقّاء عليه السلام منحصرٌ في أولاد عُبَيْد الله ابنه هذا .

قال أبو نصر البخاري ـ نقلاً عن عدّة من النسّابين والمؤرّخين تبلغ(١٨) شخصاً ، أنّهم ذكروا(١) : إنّ العَبّاس بن علي عليه السلام وَلَدَ عُبَيْدَ الله بنَ

__________________

(١) قال : ذكر :

أبو اليقظان سحيم بن حفص النّسّابة ؛

وعليّ بن مجاهد الكابليّ ؛

ومحمّد بن عمر الواقديّ ؛

وعليّ بن محمّد بن سيف المدائنيّ ؛

وهشام بن محمّد الكلبيّ ؛

والشَرَقيّ بن القطاميّ ؛

والهيثم بن عديّ ؛

وأبو القاسم خرداذبه ؛

ومحمّد بن حبيب ؛

٢٥٥

العَبّاس ، من بنت عُبَيْد الله بن العَبّاس بن عَبْد المطّلب ، ومنه أعقب(١) .

أقولُ : وبهذا تتمّ الحُجّةُ على الجميع في الأمور الثلاثة :

الأوّل : أنّ اسم زوجة العَبّاس عليه السلام هو «لُبابَة» بلامٍ مضمومةٍ وبائين موحّدتين ، بينهما ألِفٌ ، وفي آخره تاءٌ مُثنّاةٌ قصيرةٌ.

الثاني : أنّهابنت عُبَيْد الله بن العَبّاس بن عَبْد المطّلب ، لا عَبْد الله.

الثالث : أنّعقب العَبّاس من عُبَيْد الله ابنه ، وحدَهُ ، وغيرهُ من أولاده لم يُعْقِبُوا. وعلى هذا أثبت الأكثر من القُدماء والمتأخّرين.

لكنّ وقع في هذه الأُمور خلافٌ من آحادٍ منهم ، كما يلي :

الأمر الأوّل : اسم زوجة العَبّاس عليه السلام لُبابَة :

لكنّ المطبوع في (الدرجات الرفيعة) : وكان له من الولد ولُبانَة

__________________

والزّبير بن بكار الزّبيريّ ؛

وعَبْد الله بن سليم القينيّ ؛

ومحمّد بن أبي الجَهْمِ العدويّ ؛

وحمزة بن الحسن الأصفهانيّ ؛

وأحمد بن حييى ثعلب ؛

ومحمّد بن جرير الطّبريّ ؛

والشّريف أبو الحسين يحيى بن الحسن بن عُبَيْد الله بن الحسين بن عُبيد الله بن الحسين الأصغر ؛

وأبو طاهر عيسى بن عبد الله بن محمّد بن عمر بن عليّ بن أبي طالب عليه السلام ؛

والنّاصر الحسن بن علي بن الحسين بن عليّ بن عمر بن عليّ بن الحسين بن عليّ بن أبي طالب عليه السلام ؛ أنّ كلّهم ذكروا : أنّ العبّاس بن عليّ ولد عُبَيْد الله بن العَبّاس ، من لُبابة بنت عُبَيْد الله بن العَبّاس بن عَبْد المطّلب ، ومنه أعقب.

أبو نصر ، سرّ السّلسلة ، / ٨٨ ـ ٩٥.

(١) سرّ السلسلة (ص ٨٩) معالم أنساب (ص ٢٥٦).

٢٥٦

وأسماء(١) والظاهر أنّه خطأٌ مطبعيٌّ ، والصواب : لُبابَة ، فقد انفردت تلك النسخة بذلك ، وإنّما المذكور في المصادر (لُبابة) لا غير.

وجاء في مخطوطة كتاب النسب ليحيى بن الحسين باسم (أُمامة) وهي نسخةٌ فريدةٌ قال : والعقب من ولد العَبّاس من عُبَيْد الله ، وأُمّه أُمامة بنت عُبَيْد الله بن العَبّاس بن عَبْد المطّلب(٢) .

إلاّ أنّ ذلك غير موثوق ، لعدم التأكّد من صحّة هذه النسخة ، لكونها وحيدةً ، ولم تحتوِ على شيءٍ من أدوات التوثيق العلميّ المتداولة.

والمظنون تصحيف كلمة أُمامة من كلمة (لُبابة) للتشابُه الكبير بينهما في الرسم والوزن ، المؤدّي إلى مثل ذلك.

وقد وقع مثل ذلك التصحيف في ما ذكره الزَبِيدي قال : وأُمامة بنت الحارث الهلاليّة ، إنّما هي (لُبابة) صحّفها بعضهم(٣) .

ووقع عكس هذا التصحيف في اسم ابنة الإمام موسى الكاظم عليه السلام فقد ذكرها الشيخ المفيد باسم (لُبابة)(٤) لكنّها مسمّاةٌ بأُمامة في كتاب نصر بن علي الجهضمي(٥) . والظاهر صحّة ما في الإرشاد للمفيد ، لأنّ النُسخة المُعتَمَدة منهُ موثوقةٌ جيّدةٌ.

__________________

(١) الدرجات الرفيعة للمدني (ص ١٤١) ذكر ذلك في أولاد عُبَيْد الله بن العَبّاس.

(٢) تسمية من أَعْقَبَ من ولد أَمِيْر المُؤْمِنِيْنَ عليه السلام.

(٣) تاج العروس (٨ / ١٩٢).

(٤) الإرشاد (٢ / ٢٤٤).

(٥) تاريخ أهل البيت عليهم السلام (ص ١٢٠).

٢٥٧

الأمر الثاني : إنّها بنت عُبَيْد الله ، لا عَبْد الله :

وقد أثبت ذلك ـ مع مَنْ ذُكِرَ سابقاً ـ ابنُ قتيبة ، قال : العَبّاس بن عليّ ابن أبي طالب ، قُتِلَ مَعَ الحُسين عليه السلام وَلَدَ العَبّاسُ عُبَيْد الله ، أُمّه لُبابَة بنت عُبَيْد الله ، وحسَنَاً : لأُمّ ولدٍ ، وله عقبٌ(١) .

وقد أصرّ السيّد الأعرجيّ على كون زوجة أبي الفَضْلِ هي (لُبابة بنت عَبْد الله) فقال : لُبابة بنت عَبْد الله ، خرجت إلى العَبّاس ابن أَمِيْر المُؤْمِنِيْنَ عليه السلام(٢) .

وقال الناسبُ البيهقيّ : عُبَيْد الله بن العَبّاس السقّاء ، أُمّه لُبابَة بنتُ عَبْد الله بن العَبّاس بن عَبد المطّلب(٣) .

وكذا جاء في مطبوعة (سرّ السلسلة) قال : كان لزيد بن الحسن بن عليّ ابن أبي طالب ابنةٌ يُقال لها : «نفيسةٌ» أُمّها : لُبابَة بنت عَبْد الله بن عبّاس بن عَبْد المطّلب ، وكانتْ تحت العَبّاس بن عليّ أَمِيْر المُؤْمِنِيْنَ عليه السلام قُتِلَ عنها يوم الطَفّ مع الحسين عليه السلام تزوّجها(٤) زيدُ بن الحسن بن عليّ بن أبي طالب عليه السلام. وأخو نفيسة هذه لأُمّها : عُبَيْد الله بن العَبّاس بن عليّ عليه السلام ونفيسةٌ تزوّجها الوليدُ بن عَبْد الملك بن مروان ، ووُلِدَ له منها أولاد(٥) .

__________________

(١) المعارف ط مصر (٢١٧).

(٢) مناهل الضرب (ص ١ ـ ٦٢) ولعلّ هذا من الأخطاء الكثيرة في هذا الكتاب.

(٣) لباب الأنساب (١ / ٣٥٧).

(٤) في المطبوعة : فزوّجها.

(٥) سرّ السلسلة (ص ٢٩).

٢٥٨

أقولُ : والتحقيق في هذا الأمر ، يبتني على معرفة أُمور :

أوّلاً : إنّ كلا الرَجُلين : عَبْد الله ، وعُبَيْد الله ، ابني العبّاس بن عَبْد المطّلب ، قد سمّيا بنتيهما باسم أُمّهما (لُبابة بنت الحارث) فهما اثنتان : لُبابَة بنت عَبْد الله ، ولُبابة بنت عُبَيْد الله.

ثانياً : خرجتْ لُبابَة بنت عَبْد الله الحَبْر ـ كما ذكره النسّابون ـ إلى : عليّ بن عَبْد الله بن جعفر(١) .

ثمّ إسماعيل بن طلحة(٢) .

قال في المحبّر : وتزوّجتْ لُبابَة بنتُ عَبْد الله بن العبّاس بن عبد المطّلب : عليَّ بن عَبْد الله بن جعفر ، ثمّ خلف عليّاً : إسماعيلُ بنُ طلحة بن عُبَيْد الله ، ثمّ محمّدُ بنُ عُبَيْد الله بن العَبّاس بن عَبْد المطّلب(٣) ؛ وهو ابنُ عمّها.

وقال الزُبيريّ : كانتْ عند عليّ بن عَبْد الله بن جعفر : فولدتْ له محمّداً.

ثمّ خلف عليها إسماعيلُ بن طلحة بن عُبَيْد الله ؛ فولدتْ له يعقوب.

ثمّ فارقها فتزوّجها محمّدُ بن عُبَيْد الله(٤) بن العَبّاس(٥) .

__________________

(١) سير أعلام النبلاء (٣ / ٣٣٣) والمحبّر (ص ٤٤١) ومستدرك الحاكم (٣ / ٥٤٥) وشرح الأخبار (٣ / ٣٠٣) وشرح النهج الحديدي (١٥ / ٢٧٧) وبحار الأنوار (٤٧ / ١٧٦)

(٢) المعارف لابن قتيبة (ص ٢٣٢).

(٣) المحبّر (ص ٤٤٠).

(٤) في المطبوعة (عَبْد الله) وهو خطأ.

(٥) نسب قريش (ص ٢٩).

٢٥٩

وذكر يحيى بن الحسن في كتاب (تسمية المُعْقِبِيْنَ) : لُبابَة بنت عَبْد الله ابن العَبّاس بن عَبْد المطّلب ، وقال : والعقب من ولد عليّ بن عَبْد الله بن جعفر ابن أبي طالب : من (محمّد بن عليّ) و(إسحاق بن عليّ) وأُمّهما (لُبابة بنت عَبْد الله بن العَبّاس)(١) .

لكنّ ابن عَبْد ربّه قال : إنّها من العقائل اللّاتي كُنّ عند الوليد بن عَبْد الملك الأمويّ(٢) .

وقد ردّ السيّدُ الخِرْسان هذا ، واعتبر القول «كذبةً شنعاء»(٣) بل الّتي كانت عند الوليد الأموي هي «نفيسةٌ» بنتها ، كما مرّ عن البخاري في (سرّ السلسلة)؟ أو أنّه خلط بين الوليد بن عتبة ، وبين الوليد بن عَبْد الملك ، فلاحظ.

مع أنّ زوجة الوليد بن عتبة هي لُبابَة بنت عُبَيْد الله ، لا بنت عَبْد الله(٤) .

ثالثاً : خرجت لُبابَة بنت عُبَيْد الله الجواد ـ كما ذكره النسّابون ـ إلى العَبّاس بن عليّ بن أبي طالب :

قال البخاري : كانت تحت العَبّاس بن عليّ ، قُتِلَ عنها يومَ الطَفّ ،

__________________

(١) تسمية من أَعْقَبَ من ولد أَمِيْر المُؤْمِنِيْنَ عليه السلام (ص ١٠٦).

(٢) العقد الفريد (٢ / ١١٢).

(٣) موسوعة ابن عبّاس (٥ / ٥ ـ ٤٠٦).

(٤) ويلاحظ أنّ التي كانت عند عَبْد الملك بن مروان (لُبابة بنت عَبْد الله بن جعفر بن أبي طالب) وقد تزوّجها بعده ابن عمها علي بن عَبْد الله بن عباس ، فضربه الوليد بالسياط لذلك ، كما في الجوهرة للبري الأندلسي ص ٣٧٢ تحقيق التونجي.

٢٦٠

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

الطريق المؤدّي إلى الله( ما أَنْتُمْ عَلَيْهِ بِفاتِنِينَ ) (١) إلّا أولئك الذين يريدون أن يحترقوا في نار جهنّم( إِلَّا مَنْ هُوَ صالِ الْجَحِيمِ ) .

هذه الآيات ـ خلافا لما يتصوّره أتباع مذهب الجبر ـ دليل ضدّ هذا المذهب ، وهي إشارة إلى أنّه لا يعذر أي أحد انحرف عن الطريق المستقيم ، مدّعيا أنّه قد خدع ، وانحرافه وعبادته للأوثان بسبب هذه الوساوس ، ولذا تقول الآيات المباركة ، أنتم ـ المشركون ـ لا قدرة لديكم على إضلال الأشخاص وخداعهم ، إلّا إذا كان أولئك يتّجهون بإرادتهم نحو صراط الجحيم.

وعبارة( صالِ الْجَحِيمِ ) شاهد على الكلام المذكور أعلاه ، لأنّ كلمة (صالي) جاءت بصيغة اسم الفاعل ، وعند ما تستخدم أي كلمة بصيغة اسم الفاعل بشأن موجود عاقل فإنّها تعطي مفهوم تنفيذ العمل بإرادته وإختياره ، مثل (قاتل) و (جالس) و (ضارب) ، إذن فإنّ( صالِ الْجَحِيمِ ) تعني رغبة الشخص في الاحتراق بنار جهنّم ، وبهذا تغلق كافّة طرق الأعذار أمام كلّ المنحرفين.

والذي يثير العجب أنّ بعض المفسّرين المعروفين فسّروا الآية بالمعنى التالي : (إنّكم لا تستطيعون خداع أحد ، إن لم يكن مقدّرا له الاحتراق بنار جهنّم).

إن كان حقّا هذا هو معنى الآية ، فلم يبعث الأنبياء؟ ولأي سبب تنزل الكتب السماوية؟ وما معنى محاسبة ولوم وتوبيخ عبدة الأوثان يوم القيامة التي نصّت عليها الآيات القرآنية؟ وأين ذهب عدل الباريعزوجل ؟

نعم ، يجب قبول هذه الحقيقة ، وهي انّ الإقرار بمبدإ الجبر ضدّ مبدأ الأنبياء

__________________

(١) التركيب النحوي لهذه الآية والتي تسبقها والاخرى التي تأتي بعدها ، وكما هو مشهور كذلك ، (ما) في جملة (ما تعبدون) هي (ما) الموصولة معطوفة على اسم أنّ ، وجملة( ما أَنْتُمْ عَلَيْهِ بِفاتِنِينَ ) خبرها. و (ما) في (ما أنتم) نافية ، وضمير (عليه) يعود على الله سبحانه وتعالى ، وفي مجموعها نحصل على ما يلي (إنّكم وآلهتكم التي تعبدونها لا تقدرون على إضلال أحد على الله بسببها إلّا من يحترق بنار الجحيم بسوء إختياره). والبعض الآخر اعتبر الآية( فَإِنَّكُمْ وَما تَعْبُدُونَ ) كلاما تامّا مستقلا وتعني أنّكم وآلهتكم ، ثمّ تقول في الآية التالية : ما أنتم بحاملين على عبادة ما تعبدونه إلّا من هو صالّ الجحيم.

٤٢١

تماما ، ويمسخ كلّ المفاهيم التي بعثوا من أجل ترسيخها ، ويقضي على كلّ القيم الإلهية والإنسانية.

ومن الضروري الالتفات إلى هذه النقطة وهي أنّ (صالي) مشتقّة من (صلى) وتعني إشعال النار والدخول فيها أو الاحتراق بها و (فاتن) اسم فاعل مشتقّة من (فتنة) وتعني الذي يثير الفتن والذي يضلّ الآخرين.

بعد انتهاء بحثنا حول الآيات الثلاث السابقة التي وضّحت مسألة إختيار الإنسان في مقابل فتن وإغراءات عبدة الأصنام ، نواصل بحثنا حول الآيات الثلاث التالية والتي تتناول المرتبة العالية لملائكة الله ، وتقول مخاطبة عبدة الأصنام : إنّ الملائكة التي كنتم تزعمون أنّها بنات الله لها مقام معيّن ، والجميل في هذه العبارة أنّ الملائكة هي التي تتحدّث عن نفسها( وَما مِنَّا إِلَّا لَهُ مَقامٌ مَعْلُومٌ ) (١) .

وتضيف ملائكة الرحمن : وإنّنا جميعا مصطفون عند الله في انتظار أوامره ،( وَإِنَّا لَنَحْنُ الصَّافُّونَ ) .

وإنّنا جميعا نسبّحه ، وننزّه عمّا لا يليق بساحة كبريائه( وَإِنَّا لَنَحْنُ الْمُسَبِّحُونَ ) .

نعم ، نحن عباد الله ، وقد وضعنا أرواحنا على الأكف بانتظار سماع أوامره ، إنّنا لسنا أبناء الله ، إنّنا ننزّه الباريعزوجل من تلك المزاعم الكاذبة والقبيحة وإنّنا منزعجين ومشمئزّين من خرافات وأوهام المشركين.

في الحقيقة ، إنّ الآيات المذكورة أعلاه أشارت إلى ثلاث صفات من صفات الملائكة.

الاولى : هي أنّ لكلّ واحد منهم مقام معيّن ومشخّص ليس له أن يتعدّاه.

__________________

(١) نقرأ في بعض الرّوايات التي نقلت عن أهل البيتعليهم‌السلام أنّ الأئمّة المعصومين هم المقصودون في هذه الآية ، ومن الممكن أن يكون هذا التّفسير من قبيل تشبيه مقام الأئمّة بالملائكة ، أي كما أنّ للملائكة مقاما وتكليفا معيّنا ، فإنّ لنا مقاما وتكليفا معيّنا أيضا.

٤٢٢

والثانية : هي أنّهم مستعدّون دائما لإطاعة أوامر الله سبحانه وتعالى وتنفيذها في عالم الوجود ، وهذا الشيء مشابه لما ورد في الآيتين (٢٦) و (٢٧) من سورة الأنبياء( بَلْ عِبادٌ مُكْرَمُونَ لا يَسْبِقُونَهُ بِالْقَوْلِ وَهُمْ بِأَمْرِهِ يَعْمَلُونَ ) .

والثالثة : أنّهم يسبّحون الله دائما وينزّهونه عمّا لا يليق بساحة كبريائه.

الآيتان( إِنَّا لَنَحْنُ الصَّافُّونَ وَإِنَّا لَنَحْنُ الْمُسَبِّحُونَ ) تعطيان مفهوم الحصر في الأدب العربي ، وبعض المفسّرين قالوا في تفسير هاتين الآيتين : إنّ الملائكة تريد أن تقول : نحن فقط المطيعون لأوامر الله والمسبّحون الحقيقيون له ، وهذه إشارة إلى أنّ طاعة الإنسان لله تعالى وتسبيحه يعدّ لا شيء بالنسبة لطاعة وتسبيح الملائكة لله ، ولا يمكن المقارنة بينهما.

والذي يلفت الانتباه أنّ مجموعة من المفسّرين نقلوا في نهاية هذه الآيات حديثا عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، قال فيه : «ما في السموات موضع شبر إلّا وعليه ملك يصلّي ويسبّح»(١) .

وجاء في رواية اخرى : «ما في السماء موضع قدم إلّا عليه ملك ساجد أو قائم»(٢) .

وفي رواية ثالثة ورد أنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كان جالسا مع مجموعة من أصحابه ، فقال لهم : «أطت السماء وحقّ لها أن تأط! ليس فيها موضع قدم إلّا عليه ملك راكع أو ساجد ، ثمّ قرأ :( وَإِنَّا لَنَحْنُ الصَّافُّونَ وَإِنَّا لَنَحْنُ الْمُسَبِّحُونَ ) »(٣) .

العبارات المختلفة كناية لطيفة عن أنّ عالم الوجود مكتظّ بالمطيعين لأوامر الله والمسبّحين له.

الآيات الأربع الأخيرة من هذا البحث تشير إلى أحد الأعذار الواهية التي

__________________

(١) تفسير القرطبي ، المجلّد ٨ ، الصفحة ٥٨١.

(٢) المصدر السابق.

(٣) (الدرّ المنثور) نقلا عن تفسير الميزان المجلّد (١٧) الصفحة ١٨٨.

٤٢٣

تذرّع بها المشركون فيما يخصّ هذه القضيّة وعبادتهم للأصنام ، وتجيب عليهم قائلة :( وَإِنْ كانُوا لَيَقُولُونَ ) (١) .

( لَوْ أَنَّ عِنْدَنا ذِكْراً مِنَ الْأَوَّلِينَ لَكُنَّا عِبادَ اللهِ الْمُخْلَصِينَ ) .

يقول المشركون : لا تتحدّثوا كثيرا عن عباد الله المخلصين الذين أخلصهم الله لنفسه ، وعن الأنبياء العظام أمثال نوح وإبراهيم وموسى ، لأنّه لو كان الله قد شملنا بلطفه وأنزل علينا أحد كتبه السماوية لكنّا في زمرة عباده المخلصين.

وهذا مشابه لما يقوله الطلاب الكسالى الراسبون في دروسهم ، من أجل التغطية على كسلهم وعدم مثابرتهم ، لو كان لدينا معلّم وأستاذ جيّد لكنّا من الطلبة الأوائل.

الآية التالية تقول : لقد تحقّق ما كانوا يأملونه ، إذ أنزل عليهم القرآن المجيد الذي هو أكبر وأعظم الكتب السماوية ، إلّا أنّ هؤلاء الكاذبين في ادّعاءاتهم كفروا به ، ولم يفوا بما قالوا ، واتّخذوا موقفا معاديا إزاءه ، فسيعلمون وبال كفرهم( فَكَفَرُوا بِهِ فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ ) (٢) .

كفاكم كذبا وادّعاء ، ولا تعتقدوا أنّكم أكفّاء للانضمام إلى صفوف عباد الله المخلصين ، فكذبكم واضح ، وادّعاءاتكم غير صادقة ، فليس هناك كتاب خير من القرآن المجيد ، ولا يوجد هناك نهج تربوي خير من نهج الإسلام ، فكيف كان موقفكم من هذا الكتاب السماوي؟ فانتظروا العواقب الأليمة لكفركم وعدم إيمانكم.

* * *

__________________

(١) (إنّ) مخفّفة من الثقيلة وتقديرها (وإنّهم كانوا ليقولون).

(٢) في الكلام حذف تقديره (فلمّا آتاهم الكتاب وهو القرآن كفروا به فسوف يعلمون عاقبة كفرهم).

٤٢٤

الآيات

( وَلَقَدْ سَبَقَتْ كَلِمَتُنا لِعِبادِنَا الْمُرْسَلِينَ (١٧١) إِنَّهُمْ لَهُمُ الْمَنْصُورُونَ (١٧٢) وَإِنَّ جُنْدَنا لَهُمُ الْغالِبُونَ (١٧٣) فَتَوَلَّ عَنْهُمْ حَتَّى حِينٍ (١٧٤) وَأَبْصِرْهُمْ فَسَوْفَ يُبْصِرُونَ (١٧٥) أَفَبِعَذابِنا يَسْتَعْجِلُونَ (١٧٦) فَإِذا نَزَلَ بِساحَتِهِمْ فَساءَ صَباحُ الْمُنْذَرِينَ (١٧٧) )

التّفسير

حزب الله هو المنتصر :

لا زلنا نتابع البحث في آيات هذه السورة المباركة ، والتي شارفت على الانتهاء ، بعد أن استعرضنا في الأبحاث السابقة جهاد الأنبياء العظام والمصاعب والعراقيل التي أثارها وأوجدها المشركون.

ففي آيات بحثنا الحالي سنتطرّق لأهمّ القضايا الواردة في هذه السورة ، والتي تصوّر الخاتمة بأفضل صورة ، إذ زفّت البشرى للمؤمنين بانتصار جيش الحقّ على جيش الشيطان ، الوعد الإلهي الكبير هذا إنّما جاء لبعث الأمل في صفوف المؤمنين في صدر الإسلام الذين كانوا لحظة نزول هذه الآيات يرزحون تحت ضغوط أعداء الإسلام في مكّة ، ولكلّ المؤمنين والمحرومين في كلّ زمان ومكان ،

٤٢٥

ولكي يكون حافزا لهم يدفعهم على نفض غبار اليأس عنهم ، والاستعداد لجهاد ومقاومة جيوش الباطل( وَلَقَدْ سَبَقَتْ كَلِمَتُنا لِعِبادِنَا الْمُرْسَلِينَ. إِنَّهُمْ لَهُمُ الْمَنْصُورُونَ ) .

( وَإِنَّ جُنْدَنا لَهُمُ الْغالِبُونَ ) ، إنّها لعبارة واضحة وصريحة ، وإنّه لوعد يقوّي الروح ويبعث على الأمل.

نعم ، فانتصار جيوش الحقّ على الباطل ، وغلبة جند الله ، وتقديم الله سبحانه وتعالى العون لعباده المرسلين والمخلصين ، هي وعود مسلّم بها وسنن قطعيّة ، وذلك ما أكّدته الآية المذكورة أعلاه بعنوان( سَبَقَتْ كَلِمَتُنا ) أي إنّ هذا الوعد وهذه السنّة كانت موجودة منذ البداية.

نظائر كثيرة لهذا الموضوع وردت في آيات عديدة اخرى من آيات القرآن المجيد ، إذ جاء في الآية (٤٧) من سورة الروم( وَكانَ حَقًّا عَلَيْنا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ ) .

وفي الآية (٤٠) من سورة الحجّ( وَلَيَنْصُرَنَّ اللهُ مَنْ يَنْصُرُهُ ) .

وفي الآية (٥١) من سورة غافر( إِنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهادُ ) .

وأخيرا في الآية (٢١) من سورة المجادلة( كَتَبَ اللهُ لَأَغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي ) .

وبديهي أنّ الله قادر على كلّ شيء ، وليس بمخلف للوعود ، ولم يكن يوما ما ليخلف وعده ، وقادر على أن يفي بهذا الوعد الكبير ، كما أنزل في السابق نصره على المؤمنين به.

الوعد الإلهي من أهمّ الأمور التي ينتظرها السائرون في طريق الحقّ باشتياق ، حيث يستمدّون منه القوى الروحية والمعنوية ، ويسترفدون منه نشاطا جديدا كلّما أحسّوا بالكلل ، فتسري دماء جديدة في شرايينهم.

* * *

٤٢٦

سؤال مهمّ :

وهنا يطرح السؤال التالي ، وهو : إن كانت مشيئة الباريعزوجل وإرادته تقضي بتقديم يد العون للأنبياء ونصرة المؤمنين ، فلم نشاهد استشهاد الأنبياء على طول تأريخ الحوادث البشرية ، وانهزام المؤمنين في بعض الأحيان؟ فإن كانت هذه سنّة إلهيّة لا تقبل الخطأ ، فلم هذه الاستثناءات؟

ونجيب على هذا السؤال بالقول :

أوّلا : إنّ الإنتصار له معان واسعة ، ولا يعطي في كلّ الأحيان معنى الإنتصار الظاهري والجسماني على العدو ، فأحيانا يعني انتصار المبدأ ، وهذا هو أهمّ انتصار ، فلو فرضنا أنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كان قد استشهد في إحدى الغزوات ، وشريعته عمّت العالم كلّه ، فهل يمكن أن نعبّر عن هذه الشهادة بالهزيمة.

وهناك مثال أوضح وهو الحسينعليه‌السلام وأصحابه الكرام حيث استشهدوا على أرض كربلاء ، وكان هدفهم العمل على فضح بني اميّة ، الذين ادّعوا أنّهم خلفاء الرّسول ، وكانوا في حقيقة الأمر يعملون ويسعون إلى إعادة المجتمع الإسلامي إلى عصر الجاهلية ، وقد تحقّق هذا الهدف الكبير ، وأدّى استشهادهم إلى توعية المسلمين إزاء خطر بني اميّة وإنقاذ الإسلام من خطر السقوط والضياع ، فهل يمكن هنا القول بأنّ الحسينعليه‌السلام وأصحابه الكرام خسروا المعركة في كربلاء؟

المهمّ هنا أنّ الأنبياء وجنود الله ـ أي المؤمنون ـ تمكّنوا من نشر أهدافهم في الدنيا واتّبعهم أناس كثيرون ، وما زالوا يواصلون نشر مبادئهم وأفكارهم رغم الجهود المستمرّة والمنسّقة لأعداء الحقّ ضدّهم.

وهناك نوع آخر من الإنتصار ، وهو الإنتصار المرحلي على العدو ، والذي قد يتحقّق بعد قرون من بدء الصراع ، فأحيانا يدخل جيل معركة ما ولا يحقّق فيها أي انتصار ، فتأتي الأجيال من بعده وتواصل القتال فتنتصر ، كالانتصار الذي حقّقه المسلمون في النهاية على الصليبيين في المعارك التي دامت قرابة القرنين ، وهذا

٤٢٧

النصر يحسب لجميع المسلمين.

ثانيا : يجب أن لا ننسى أنّ وعد الله سبحانه وتعالى بنصر المؤمنين وعد مشروط وليس بمطلق ، وأنّ الكثير من الأخطاء مصدرها عدم التوجّه إلى هذه الحقيقة ، وكلمات (عبادنا) و (جندنا) التي وردت في آيات بحثنا ، وغيرها من العبارات والكلمات المشابهة في هذا المجال في القرآن الكريم كعبارة( حِزْبَ اللهِ ) و( الَّذِينَ جاهَدُوا فِينا ) و( لَيَنْصُرَنَّ اللهُ مَنْ يَنْصُرُهُ ) وأمثالها ، توضّح بسهولة شروط النصر.

نحن لا نريد أن نكون مؤمنين ولا مجاهدين ولا جنودا مخلصين ، ونريد أن ننتصر على أعداء الحقّ والعدالة ونحن على هذه الحالة!

نحن نريد أن نتقدّم إلى الإمام في مسيرنا إلى الله ولكن بأفكار شيطانية ، ثمّ نعجب من انتصار الأعداء علينا ، فهل وفينا نحن بوعدنا حتّى نطلب من الله سبحانه وتعالى الوفاء بوعوده.

في معركة احد وعد الرّسول الأكرمصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم المسلمين بالنصر ، وقد انتصروا فعلا في المرحلة الاولى من المعركة ، إلّا أنّ مخالفة البعض لأوامر الرّسول وتركهم لمواقعهم لهثا وراء الغنائم ، وسعي البعض الآخر لبثّ الفرقة والنفاق في صفوف المقاتلين ، أدّى بهم إلى الفشل في الحفاظ على النصر الذي حقّقوه في المرحلة الاولى ، وهذا ما أدّى إلى خسرانهم المعركة في نهاية الأمر.

وبعد انتهاء المعركة جاءت مجموعة إلى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وخاطبته بلهجة خاصّة : ماذا عن الوعد بالنصر والغلبة ، فأجابهم القرآن الكريم بصورة لطيفة يمكنها أن تكون شاهدا لحديثنا ، وهي قوله تعالى في سورة آل عمران الآية (١٥٢) :( وَلَقَدْ صَدَقَكُمُ اللهُ وَعْدَهُ إِذْ تَحُسُّونَهُمْ بِإِذْنِهِ حَتَّى إِذا فَشِلْتُمْ وَتَنازَعْتُمْ فِي الْأَمْرِ وَعَصَيْتُمْ مِنْ بَعْدِ ما أَراكُمْ ما تُحِبُّونَ مِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الدُّنْيا وَمِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الْآخِرَةَ ثُمَّ صَرَفَكُمْ عَنْهُمْ لِيَبْتَلِيَكُمْ وَلَقَدْ عَفا عَنْكُمْ وَاللهُ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ ) .

٤٢٨

عبارات (فشلتم) و (تنازعتم) و (عصيتم) التي وردت في الآية المذكورة أعلاه ، وضحّت بصورة جيّدة أنّ المسلمين في يوم احد تخلّوا عن شروط النصر الإلهي ، لذا فشلوا في الوصول إلى أهدافهم.

نعم ، فالباريعزوجل لم يعد كلّ من يدّعي الإسلام وأنّه من جند الله وحزب الله بأن ينصره دائما على أعدائه. الوعد الإلهي مقطوع لمن يرجو من أعماق قلبه وروحه رضى الله سبحانه وتعالى ، ويسير في النهج الذي وضعه الله ، ويتحلّى بالتقوى والأمانة.

ولقد تقدّم نظير لهذا السؤال فيما يخصّ (الدعاء) و (الوعد الإلهي بالاستجابة) وتطرّقنا للإجابة عليه فيما مضى(١) .

ولمواساة الرّسول الأكرمصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم والمؤمنين ، وللتأكيد على أنّ النصر النهائي سيكون حليفهم ، وفي نفس الوقت لتهديد المشركين ، جاءت الآية التالية لتقول :( فَتَوَلَّ عَنْهُمْ حَتَّى حِينٍ ) .

نعم ، إنّه تهديد مفعم بالمعاني ورهيب في نفس الوقت ، ويمكن أن يكون مصدر اطمئنان للمؤمنين في أنّ النصر النهائي سيكون حليفهم ، خاصّة أنّ عبارة( حَتَّى حِينٍ ) جاءت بصورة غامضة.

فإلى أي مدّة تشير هذه العبارة؟ إلى زمان الهجرة؟ أم إلى حين معركة بدر؟ أم حتّى فتح مكّة؟ أم أنّها تشير إلى الزمان الذي تتوفّر فيه شروط الانتفاضة النهائية والواسعة للمسلمين ضدّ الطغاة والمتجبّرين؟

بالضبط لا أحد يدري

وآيات اخرى وردت في القرآن الكريم تحمل نفس المعنى ، كالآية (٨١) من سورة النساء التي تقول :( فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ وَتَوَكَّلْ عَلَى اللهِ ) ، والآية (٩١) من سورة الأنعام ، قوله تعالى :( قُلِ اللهُ ثُمَّ ذَرْهُمْ فِي خَوْضِهِمْ يَلْعَبُونَ ) .

__________________

(١) راجع ذيل الآية (١٨٦) من سورة البقرة.

٤٢٩

ويؤكّد القرآن الكريم التهديد الأوّل بتهديد آخر جاء في الآية التي تلتها ، إذ تقول : انظر إلى لجاجتهم وكذبهم واعتقادهم بالخرافات ، إضافة إلى حمقهم.

فإنّهم سيرون جزاء أعمالهم القبيحة عن قريب( وَأَبْصِرْهُمْ فَسَوْفَ يُبْصِرُونَ ) وسوف ترى في القريب العاجل انتصارك وانتصار المؤمنين وانكسار وهزيمة المشركين المذلّة في الدنيا.

وعن تكرار أولئك الحمقى لهذا السؤال على رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أين العذاب الإلهي الذي واعدتنا به؟ وإن كنت صادقا ، فلم هذا التأخير؟

يردّ القرآن الكريم عليهم بلهجة شديدة مرافقة بالتهديد ، قائلا : أولئك الذين يستعجلون العذاب وأحيانا يتساءلون (متى هذا الوعد) وأحيانا اخرى يقولون متسائلين (متى هذا الفتح)( أَفَبِعَذابِنا يَسْتَعْجِلُونَ ) ؟

فعند ما ينزل عذابنا عليهم ، ونحيل صباحهم إلى ظلام حالك ، فإنّهم في ذلك الوقت سيفهمون كم كان صباح المنذرين سيّئا وخطيرا( فَإِذا نَزَلَ بِساحَتِهِمْ فَساءَ صَباحُ الْمُنْذَرِينَ ) (١) .

استخدام عبارة (ساحة) والتي تعني فناء البيت أو الفضاء الموجود في وسط البيت ، جاء ليجسّم لهم نزول العذاب في وسط حياتهم ، وكيف أنّ حياتهم الطبيعيّة ستتحوّل إلى حياة موحشة ومضطربة.

عبارة( صَباحُ الْمُنْذَرِينَ ) تشير إلى أنّ العذاب الإلهي سينزل صباحا على هؤلاء القوم اللجوجين والمتجبّرين ، كما نزل صباحا على الأقوام السابقة ، أو أنّها تعطي هذا المعنى ، وهو أنّ كلّ الناس ينتظرون أن يبدأ صباحهم بالخير والإحسان ، إلّا أنّ هؤلاء ينتظرهم صباح حالك الظلمة. أو أنّها تعني وقت الاستيقاظ في الصباح ، أي إنّهم يستيقظون في وقت لم يبق لهم فيه أي طريق للنجاة من العذاب ، وأنّ كلّ شيء قد انتهى.

* * *

__________________

(١) في الكلام حذف تقديره (فساء الصباح صباح المنذرين).

٤٣٠

الآيات

( وَتَوَلَّ عَنْهُمْ حَتَّى حِينٍ (١٧٨) وَأَبْصِرْ فَسَوْفَ يُبْصِرُونَ (١٧٩) سُبْحانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ (١٨٠) وَسَلامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ (١٨١) وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ (١٨٢) )

التّفسير

تولّ عنهم!

كما قلنا ، فإنّ الآيات الأخيرة النازلة في هذه السورة جاءت لمواساة الرّسول الأكرمصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم والمؤمنين الحقيقيين ، ولتهديد الكافرين اللجوجين.

الآيتان الأوّليان في بحثنا هذا ، تشبهان الآيات التي وردت في البحث السابق ، وتكرارها هنا إنّما جاء للتأكيد ، إذ تقول بلغة شديدة مرفقة بالتهديد : تولّ عنهم واتركهم في شأنهم لمدّة معيّنة( وَتَوَلَّ عَنْهُمْ حَتَّى حِينٍ ) .

وانظر إلى لجاجة أولئك الكافرين وكذبهم وممارساتهم العدائية ونكرانهم لوجود الله ، الذين سينالون جزاء أعمالهم عمّا قريب( وَأَبْصِرْ فَسَوْفَ يُبْصِرُونَ ) .

لتكرار ـ كما قلنا ـ جاء للتأكيد ، وذلك ليدرك أولئك الكافرون أنّ جزاءهم وهزيمتهم وخيبتهم أمر قطعي لا بدّ منه وسيكون ذلك عمّا قريب ، وسيبتلون

٤٣١

بالنتائج المريرة لأعمالهم ، كما أنّ انتصار المؤمنين هو أمر قطعي ومسلّم به أيضا.

أو أنّه هدّدهم في المرّة الاولى بالعذاب الدنيوي ، وفي المرّة الثانية بجزاء وعقاب الله لهم يوم القيامة.

ثمّ تختتم السورة بثلاثة آيات ذات عمق في المعنى بشأن (الله) و (الرسل) و (العالمين) ، إذ تنزّه الله ربّ العزّة والقدرة من الأوصاف التي يصفه بها المشركون والجاهلون( سُبْحانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ ) .

فأحيانا يصفون الملائكة بأنّها بنات الله ، وأحيانا يقولون بوجود نسبة بين الله والجنّ ، وأحيانا اخرى يجعلون مصنوعات لا قيمة لها من الحجر والخشب بمرتبة الباريعزوجل .

ومجيء كلمة (العزّة) ـ أي ذو القدرة المطلقة والذي لا يمكن التغلّب عليه ـ هنا تعطي معنى بطلان وعدم فائدة كلّ تلك المعبودات المزيّفة والخرافية التي يعبدها المشركون.

فآيات سورة الصافات تحدّثت أحيانا عن تسبيح وتنزيه( عِبادَ اللهِ الْمُخْلَصِينَ ) وأحيانا عن تسبيح الملائكة ، وهنا تتحدّث عن تسبيح وتنزيه الباريعزوجل لذاته المقدّسة.

وفي الآية الثانية شمل الباريعزوجل كافّة أنبيائه بلطفه غير المحدود ، وقال :( وَسَلامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ ) . السلام الذي يوضّح السلامة والعافية من كلّ أنواع العذاب والعقاب في يوم القيامة ، السلام الذي هو صمّام الأمان أمام الهزائم ودليل للانتصار على الأعداء.

وممّا يذكر أنّ الله سبحانه وتعالى أرسل في آيات هذه السورة سلاما إلى كثير من أنبيائه وبصورة منفصلة ، قال تعالى في الآية (٧٩)( سَلامٌ عَلى نُوحٍ فِي الْعالَمِينَ ) ، وفي الآية (١٠٩)( سَلامٌ عَلى إِبْراهِيمَ ) ، وفي الآية( سَلامٌ عَلى مُوسى وَهارُونَ ) ، وفي الآية (١٣٠)( سَلامٌ عَلى إِلْ ياسِينَ ) .

٤٣٢

وقد جمعها هنا في سلام واحد موجّه لكلّ المرسلين ، قال تعالى :( وَسَلامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ ) .

وأخيرا اختتمت السورة بآية تحمد الله( وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ ) .

الآيات الثلاث الأخيرة يمكن أن تكون إشارة واستعراضا مختصرا لكلّ القضايا والأمور الموجودة في هذه السورة ، لأنّ الجزء الأكبر منها كان بشأن التوحيد والجهاد ضدّ مختلف أنواع الشرك ، فالآية الاولى تعيد ما جاء بشأن تسبيح وتنزيه اللهعزوجل عن الصفات التي وصف بها من قبل المشركين ، والقسم الآخر من السورة يبيّن جوانب من أوضاع سبع أنبياء كبار أشارت إليها هنا الآية الثانية.

والآية الثالثة استعرضت جزءا آخر من النعم الإلهية ، وبالخصوص أنواع النعم الموجودة في الجنّة ، وانتصار جند الله على جنود الكفر ، والحمد والثناء الذي جاء في الآية الأخيرة ، فيه إشارة لكلّ تلك الأمور.

المفسّرون الآخرون ذكروا تحليلات اخرى بخصوص الآيات الثلاث الواردة في آخر هذه السورة ، وقالوا : إنّ من أهمّ واجبات الإنسان العاقل معرفة أحوال ثلاثة :

الاولى : معرفة الله تعالى بالمقدار الممكن للبشر ، وآخر ما يستطيعه الإنسان في هذا المجال هو ثلاثة امور : تنزيهه وتقديسه عن كلّ ما لا يليق بصفات الالوهية ، والتي وضّحتها لفظة (سبحان).

ووصفه بكلّ ما يليق بصفات الالوهية والكمال ، وكلمة (ربّ) إشارة دالّة على حكمته ورحمته ومالكيّته لكلّ الأشياء وتربيته للموجودات.

وكونه منزّها في الالوهية عن الشريك والنظير ، والتي جاءت في عبارة( عَمَّا يَصِفُونَ ) .

والقضيّة الثانية المهمّة في حياة الإنسان هي تكميل الإنسان لنواقصه ، والذي

٤٣٣

لا يمكن أن يتمّ دون وجود الأنبياءعليهم‌السلام ، وجملة( سَلامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ ) إشارة إلى هذه القضيّة.

والقضيّة الثالثة المهمّة في حياة الإنسان هي أن يعرف أنّه كيف يكون حاله بعد الموت؟ والانتباه إلى نعم ربّ العالمين ومقام غناه ورحمته ولطفه يعطي للإنسان نوعا من الاطمئنان( وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ ) (١) .

* * *

ملاحظة

التفكّر في نهاية كلّ عمل :

جاء في روايات عديدة عن أئمّة أهل البيتعليهم‌السلام «من أراد أن يكتال بالمكيال الأوفى (من الأجر يوم القيامة) فليكن آخر كلامه في مجلسه : سبحان ربّك ربّ العزّة عمّا يصفون وسلام على المرسلين والحمد لله ربّ العالمين»(٢) .

نعم ، فلنختتم مجالسنا بتنزيه ذات الله ، وإرسال السلام والتحيّات إلى رسله ، وحمد وشكر الله على نعمه ، كي تمحى الأعمال غير الصالحة أو الكلمات المحرّمة التي جاءت في ذلك المجلس.

وقد جاء في كتاب التوحيد للشيخ الصدوق ، أنّ أحد علماء الشام حضر عند الإمام الباقرعليه‌السلام ، فقال : جئت أسألك عن مسألة لم أجد أحدا يفسّرها لي ، وقد سألت ثلاثة أصناف من الناس ، فقال كلّ صنف غير ما قال الآخر.

فقال أبو جعفرعليه‌السلام : «وما ذلك»؟

فقال : أسألك ما أوّل ما خلق اللهعزوجل من خلقه؟ فإنّ بعض من سألته قال :

__________________

(١) تفسير الفخر الرازي ، المجلّد ٢٦ ، الصفحة ١٧٣.

(٢) مجمع البيان ، ذيل آيات البحث ، واصول الكافي ، ومن لا يحضره الفقيه نقلا عن تفسير نور الثقلين ، المجلّد ٤ ، الصفحة ٤٤٠.

٤٣٤

القدرة. وقال بعضهم : العلم. وقال بعضهم : الروح؟

فقال أبو جعفرعليه‌السلام : «ما قالوا شيئا ، أخبرك أنّ الله علا ذكره كان ولا شيء غيره ، وكان عزيزا ولا عزّ ، لأنّه كان قبل عزّه ، وذلك قوله تعالى :( سُبْحانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ ) (١) وكان خالقا ولا مخلوق» والحديث طويل أخذنا منه موضع الحاجة (وهو إشارة إلى انّ ما قاله لك أولئك النفر لا يخلو من شرك وهو مشمول لهذه الآية ، فإنّ اللهعزوجل كان قادرا وعالما وعزيزا منذ الأزل).

نهاية سورة الصافات

* * *

__________________

(١) تفسير نور الثقلين ، المجلّد ٤ ، الصفحة ٤٤٠.

٤٣٥
٤٣٦

سورة

ص

مكيّة

وعدد آياتها ثمان وثمانون آية

٤٣٧
٤٣٨

سورة (ص)

محتويات السورة :

سورة (ص) يمكن اعتبارها مكمّلة لسورة الصافات ، فمجمل مواضيعها يشابه كثيرا ما ورد في سورة الصافات ، ولكون السورة مكيّة النّزول فإن خصائصها كخصائص بقيّة السور المكيّة التي تبحث في مجال البدء والمعاد ورسالة الرّسول الأكرمصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، كما أنّها تحتوي على مواضيع حسّاسة اخرى ، وفي المجموع بمثابة الدواء الشافي لكلّ الباحثين عن طريق الحقّ.

ويمكن تلخيص محتويات هذه الآية في خمس أقسام :

الأوّل : يتحدّث عن مسألة التوحيد والجهاد ضدّ الشرك والمشركين ، ومهمّة نبوّة الرّسول الأكرمصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وعناد ولجاجة الأعداء تجاه الأمرين المذكورين أعلاه.

الثاني : يعكس جوانب من تأريخ تسع من أنبياء الله ومن بينهم (داود) و (سليمان) و (أيّوب) حيث تتحدّث عنهم السورة أكثر من غيرهم ، ويعكس ـ أيضا ـ المشكلات التي عانوا منها في حياتهم وخلال دعوتهم الناس إلى الله. وذلك لكي تكون درسا مفيدا يتّعظ منه المؤمنون الأوائل الذين كانوا في ذاك الوقت يرزحون تحت أشدّ الضغوط من قبل المشركين.

الثالث : يتطرّق إلى مصير الكفرة الطغاة يوم القيامة ومجادلة بعضهم البعض في جهنّم ، ويبيّن للمشركين وللذين لا يؤمنون بالله إلى أين ستؤدّي بهم أعمالهم.

الرابع : يتناول مسألة خلق الإنسان وعلوّ مقامه وسجود الملائكة له ، ويكشف

٤٣٩

عن الفاصل الكبير الموجود بين سمو الإنسان وانحطاطه ، كي يفهم هؤلاء المعاندون قيمة وجودهم ، وأن يعيدوا النظر في نظمهم المنحرفة ليخرجوا من زمرة الشياطين.

القسم الخامس والأخير : يتوعّد الأعداء المغرورين بالعذاب ، ويواسي رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، ويبيّن هذه الحقيقة ، وهي أنّ النّبي لا يريد جزاء من أحد مقابل دعوته ، ولا يريد الشقاء والأذى لأحد.

فضيلة تلاوة سورة (ص)

ورد في أحد الروايات عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم «من قرأ سورة (ص) اعطي من الأجر بوزن كلّ جبل سخّره الله لداود حسنات عصمه الله أن يصرّ على ذنب صغيرا أو كبيرا»(١) .

كما ورد في حديث آخر عن الإمام الباقرعليه‌السلام «من قرأ سورة (ص) في ليلة الجمعة اعطي من خير الدنيا والآخرة ما لم يعط أحد من الناس إلّا نبي مرسل أو ملك مقرّب ، وأدخله الله الجنّة وكلّ من أحبّ من أهل بيته حتّى خادمه الذي يخدمه»(٢)

فإذا وضعنا محتوى هذه السورة إلى جانب فضلها وثوابها ، يتّضح لنا الارتباط والعلاقة الموجودة بين أجرها وثوابها مع محتواها ، ونؤكّد مرّة اخرى على هذه الحقيقة ، وهي أنّ المراد من التلاوة هنا ليست تلك التلاوة الجافّة والخالية من الروح ، وإنّما التلاوة التي ترافق التفكير العميق والتصميم الجدّي ، الذين يدفعان الإنسان إلى العمل بما جاء في هذه السورة المباركة.

* * *

__________________

(١) مجمع البيان بدء سورة (ص) ، المجلّد ٨ ، الصفحة ٤٦٣.

(٢) نفس المصدر.

٤٤٠

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

461

462

463

464

465

466

467

468

469

470

471

472

473

474

475

476

477

478

479

480

481

482

483

484

485

486

487

488

489

490

491

492

493

494

495

496

497

498

499

500

501

502

503

504

505

506

507

508

509

510

511

512

513

514

515

516

517

518

519

520

521

522

523

524

525

526

527

528

529

530

531

532

533

534

535

536

537

538

539

540

541

542

543

544

545

546

547

548

549

550

551

552

553

554

555

556

557

558

559

560

561

562

563

564

565

566

567

568

569

570

571

572

573

574

575

576

577

578

579

580

581