الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل الجزء ١٤

الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل10%

الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل مؤلف:
تصنيف: تفسير القرآن
الصفحات: 581

الجزء ١ الجزء ٢ الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥ الجزء ٦ الجزء ٧ الجزء ٨ الجزء ٩ الجزء ١٠ الجزء ١١ الجزء ١٢ الجزء ١٣ الجزء ١٤ الجزء ١٥ الجزء ١٦ الجزء ١٧ الجزء ١٨ الجزء ١٩ الجزء ٢٠
  • البداية
  • السابق
  • 581 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 175363 / تحميل: 6516
الحجم الحجم الحجم
الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل

الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل الجزء ١٤

مؤلف:
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

جلاله هل يوصف بمكان؟ فقال: تعالى عن ذلك. قلت: فلم أسرى بنبيه محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله إلى السماء؟ قال: ليريه ملكوت السموات وما فيها من عجائب صنعه وبدايع خلقه. قلت فقول الله عز وجل: ثم دنى فتدلى فكان قاب قوسين أو أدنى؟ قال: ذاك رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله دنا من حجب النور فرأى ملكوت السموات، ثم تدلىصلى‌الله‌عليه‌وآله فنظر من تحته إلى ملكوت الأرض حتى ظن أنه في القرب من الأرض كقاب قوسين أو أدنى.

- وروى النيسابوري في روضة الواعظين ص ٣٣

قال عكرمة: بينما ابن عباس يحدث الناس إذ قام نافع بن الأزرق فقال: يابن عباس، تفتي في النملة والقملة، صف لنا إلهك الذي تعبده. فأطرق ابن عباس إعظاماً لله عز وجل، وكان الحسين بن علي قاعداً في موضع فقال: إليَّ يابن الأزرق، فقال: لست إياك أسأل، فقال ابن عباس: يابن الأزرق إنه من أهل بيت النبوة وهم ورثة العلم، فأقبل نافع بن الأزرق نحو الحسين فقال الحسينعليه‌السلام : يا نافع، إن من وضع دينه على القياس لم يزل الدهر في التباس، مائلاً على المنهاج ظاعناً في الإعوجاج، ضالاً عن السبيل قائلاً غير الجميل، يابن الأزرق أصف إلهي بما وصف به نفسه وأعرفه بما عرف به نفسه: لا يدرك بالحواس ولا يقاس بالناس، فهو قريب غير ملتصق، وبعيد غير منفصل، يوحد ولا يبعض، معروف بالآيات، موصوف بالعلامات، لا إله إلا هو الكبير المتعال.

- وقال الطوسي في تفسير التبيان ج ٩ ص ٤٢٤

وقوله: ما كذب الفؤاد ما رأى، قال ابن عباس: رأى ربه بقلبه، وهو معنى قوله علمه، وإنما علم ذلك بالآيات التي رآها.

وقال ابن مسعود وعائشة وقتادة: رأى محمد جبرائيل على صورته.

وقال الحسن: يعني ما رأى من مقدورات الله تعالى وملكوته.

وقال الحسن: عرج بروح محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله إلى السماء وجسده في الأرض.

وقال أكثر المفسرين وهو الظاهر من مذهب أصحابنا والمشهور في أخبارهم: أن

٣٢١

الله تعالى صعد بجسمه حياً سليماً حتى رأى ملكوت السموات وما ذكره الله بعيني رأسه، ولم يكن ذلك في المنام بل كان في اليقظة..... ومعنى: ما كذب الفؤاد، أي ما توهم أنه يرى شيئاً وهو لا يراه من جهة تخيله لمعناه، كالرائي للسراب بتوهمه ماء ويرى الماء من بعيد فيتوهمه سراباً. ومن شدد أراد لم يكذب فؤاد محمد ما رأت عيناه من الآيات الباهرات فعداه.

- وفي تفسير نور الثقلين ج ٥ ص ١٥٥

في تفسير علي بن ابراهيم: حدثني أبي، عن أحمد بن محمد بن أبي نصر، عن علي بن موسى الرضاعليه‌السلام قال قال لي: يا أحمد ما الخلاف بينكم وبين أصحاب هشام بن الحكم في التوحيد؟ فقلت: جعلت فداك قلنا نحن بالصورة، للحديث الذي روى أن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله رأى ربه في صورة شاب، وقال هشام بن الحكم بالنفي للجسم، فقال: يا أحمد إن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله لما أسري به إلى السماء وبلغ عند سدرة المنتهى، خرق له في الحجب مثل سم الإبرة فرأى من نور العظمة ما شاء الله أن يرى وأردتم أنتم التشبيه، دع هذا يا أحمد لا ينفتح عليك منه أمر عظيم.

- ورواه في بحار الأنوار ج ٣ ص ٣٠٧ ، وقال: المراد بالحجب إما الحجب المعنوية، وبالرؤية الرؤية القلبية، أو الحجب الصورية، فالمراد بنور العظمة آثار عظمته برؤية عجائب خلقه.

- وفي بحار الأنوار ج ٤ ص ٣٧

بيان: إعلم أن المفسرين اختلفوا في تفسير تلك الآيات قوله تعالى: ما كذب الفؤاد ما رأى، يحتمل كون ضمير الفاعل في رأى راجعاً إلى النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وإلى الفؤاد. قال البيضاوي: ما كذب الفؤاد ما رأى ببصره من صورة جبرئيل، أو الله، أي ما كذب الفؤاد بصره بما حكاه له، فإن الأمور القدسية تدرك أولاً بالقلب ثم تنتقل منه إلي البصر، أو ما قال فؤاده لما رآه: لم أعرفك، ولو قال ذلك كان كاذباً، لأنه عرفه بقلبه كما رآه بصره، أو ما رآه بقلبه، والمعنى لم يكن تخيلاً كاذباً. ويدل عليه أنه سئلعليه‌السلام هل رأيت ربك فقال: رأيته بفؤادي، وقرئ (ما كذَّب) أي صدقه ولم يشك فيه....

٣٢٢

قوله تعالى: ولقد رآه نزلة أخرى، قال الرازي: يحتمل الكلام وجوهاً ثلاثة: الأول الرب تعالى، والثاني جبرئيلعليه‌السلام ، والثالث الآيات العجيبة الإلهية. انتهى. أي ولقد رآه نازلاً نزلة أخرى فيحتمل نزولهصلى‌الله‌عليه‌وآله ونزول مرئية.

فإذا عرفت محتملات تلك الآيات عرفت سخافة استدلالهم بها على جواز الرؤية ووقوعها بوجوه:

الأول: أنه يحتمل أن يكون المرئي جبرئيل، إذا المرئي غير مذكور في اللفظ، وقد أشار أمير المؤمنينعليه‌السلام إلى هذا الوجه في الخبر السابق.

وروى مسلم في صحيحه بإسناده عن زرعة عن عبد الله: ما كذب الفؤاد ما رأى، قال: رأى جبرئيلعليه‌السلام له ستمائة جناح. وروى أيضاً بإسناده عن أبي هريرة، ولقد رآه نزلة أخرى قال: رأى جبرئيلعليه‌السلام بصورته التي له في الخلقة الأصلية.

الثاني: ما ذكرهعليه‌السلام في هذا الخبر وهو قريب من الأول لكنه أعم منه.

الثالث: أن يكون ضمير الرؤية راجعاً إلى الفؤاد، فعلى تقدير إرجاع الضمير إلى الله تعالى أيضاً لا فساد فيه.

الرابع: أن يكون على تقدير إرجاع الضمير إليهصلى‌الله‌عليه‌وآله وكون المرئي هو الله تعالى، المراد بالرؤية غاية مرتبة المعرفة ونهاية الإنكشاف.

وأما استدلالهعليه‌السلام بقوله تعالى: ليس كمثله شيء، فهو إما لأن الرؤية تستلزم الجهة والمكان وكونه جسماً أو جسمانياً، أو لأن الصورة التي تحصل منه في المدركة تشبهه.

رأي الشيعة الزيدية في نفي الرؤية

- مختصر في العقيدة للدكتور المرتضى بن زيد المحطوري ص ١١

٨ - الله سبحانه وتعالى لا يرى بالأبصار. لأنه ليس جسماً ولا عرضاً لا يُرى، والدليل على ذلك - عقلاً ونقلاً:

٣٢٣

دليل العقل: إن حاسة الرؤية إذا كانت سليمة ولم يمنع مانع من الرؤية من ظلام أو إضاءة زائدة أو بعد أو قرب ملاصق للعين، فعندما توجد شروط الرؤية المذكورة تستطيع العين رؤية الموجودات. والله سبحانه وتعالى موجود ولم نره، ولا يصح لنا أن نراه، لأن المرئي يجب أن يكون جسماً يرى، وله لون، وفي جهة من الجهات، والله سبحانه وتعالى ليس كذلك، فعظمته سبحانه في خفائه بدليل أن أعظم سر نبحث عنه هو الحياة والروح والعقل والتفكير والتمييز والفرح والحزن ونحو ذلك مما لا نقدر على وضع اليد عليه مع علمنا بوجوده، فالكائنات الحية معجزة في تكوينها.ولكن الروح التي لا ندركها معجزة أكبر(ويسألونك عن الروح قل الروح من أمر ربي) فكيف يرى الله والروح بعض أسراره؟

وكيف يخفى والشمس بعض آياته؟!

نراه سبحانه بعيون التصديق والإيمان في آياته الباهرة وآثاره الظاهرة، نراه بالبصائر لا بالأبصار.

ومن زعم أنه يرى في الآخرة فقد استدل بقوله سبحانه(إلى ربها ناظرة) وهي مؤولة بحذف مضاف والتقدير إلى رحمة ربها ناظرة لأنها مقابلة للآية التي بعدها(تظن أن يفعل بها فاقرة) والمقابلة تقتضي ذلك فوجوه منتظرة لرحمة الله، ووجوه تتوقع غضبه ونقمته.

ومن جهة ثانية: فقد ورد ناظر بمعنى منتظر كما في قوله سبحانه(ما ينظرون إلا صيحة) والصيحة لا تنظر بالعين وإنما تنتظر. وكذلك قوله تعالى - حكاية عن بلقيس -(فناظرة بم يرجع المرسلون) . والدليل إذا طرقه الإحتمال بطل الإستدلال به.

كما أن أهل البيتعليهم‌السلام مجمعون على عدم تجويز رؤية الله، وإجماعهم حجة، كما قال ابن تيمية وغيره، والأحاديث الواردة في هذا الشأن تعرض على القرآن، والقرآن ينفي عن الله الرؤية لأنها تقتضي التشبيه.

فالحديث الذي يقول (إنكم ترون ربكم كالقمر) يؤدي إلى تشبيه الله بخلقه

٣٢٤

كالقمر، وإن كان الحديث لا يفيد ذلك، فهو الذي نريد ويكون معناه ترون وعده ووعيده وصدق ما أخبركم به كالقمر عياناً، وإلا توقفنا عن العمل بحديث ظني يؤدي إلى التشبيه والتجسيم تعالى الله عن ذلك، والأخذ بالآية المحكمة أولى من الأخذ بالمتشابه.

تفسيرهم الموافق لمذهبنا

- صحيح مسلم ج ١ ص ١٠٩

- عن أبي ذر قال سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم: هل رأيت ربك قال: نور، أنى أراه!

عن عبد الله بن شقيق قال قلت لأبي ذر: لو رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم لسألته، فقال عن أى شيء كنت تسأله؟ قال كنت أسأله هل رأيت ربك؟ قال أبوذر: قد سألته فقال: رأيت نوراً.

حدثنا عباد وهو ابن العوام حدثنا الشيباني قال سألت زر بن حبيش عن قول الله عز وجل:فكان قاب قوسين أو أدنى ، قال أخبرني ابن مسعود أن النبي صلى الله عليه وسلم رأى جبريل له ستمائة جناح.

عن زر، عن عبد الله قال: ما كذب الفؤاد ما رأى، قال: رأى جبريلعليه‌السلام له ستمائة جناح.

زر بن حبيش، عن عبد الله قال: لقد رأى من آيات ربه الكبرى، قال: رأى جبريل في صورته له ستمائة جناح.

عن عطاء، عن أبي هريرة: ولقد رآه نزلة أخرى، قال: رأى جبريل.

عن عبد الملك عن عطاء، عن ابن عباس قال: رآه بقلبه.

عن أبي العالية، عن ابن عباس قال:ما كذب الفؤاد ما رأى * ولقد رآه نزلة أخرى ، قال: رآه بفؤاده مرتين. انتهى.

٣٢٥

- وروى الترمذي في ج ٥ ص ٧٠ ، عدة روايات في رؤية النبي لربه في الإسراء بقلبه، وروايتين في رؤيته له بعينه، قال: عن عكرمة، عن ابن عباس قال: ما كذب الفؤاد ما رأى، قال رآه بقلبه. هذا حديث حسن....

عن قتادة، عن عبد الله ابن شقيق، قال قلت لأبي ذر لو أدركت النبي صلى الله عليه وسلم لسألته، فقال عما كنت تسأله؟ قلت: أسأله هل رأى محمد ربه؟ فقال: قد سألته فقال: نوراً، أنى أراه! هذا حديث حسن.

- عن عبد الرحمن بن يزيد عن عبد الله: ما كذب الفؤاد ما رأى، قال: رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم جبرائيل في حلة من رفرف قد ملأ ما بين السماء والأرض. هذا حديث حسن صحيح.

عن عكرمة عن ابن عباس قال: رأى محمد ربه، قلت أليس الله يقول:لا تدركه الأبصار وهو يدرك الأبصار ، قال ويحك ذاك إذا تجلى بنوره الذى هو نوره وقد رأى محمد ربه مرتين. هذا حديث حسن غريب.

عن ابن عباس في قول الله:ولقد رآه نزلة أخرى * عند سدرة المنتهى * فأوحى إلى عبده ما أوحى .[فكان قاب قوسين أو أدنى]. قال ابن عباس: قد رآه النبي صلى الله عليه وسلم. هذا حديث حسن. انتهى.

- وروى أحمد في مسنده ج ١ ص ٢٢٣

عن ابن عباس في قوله عز وجل: ما كذب الفؤاد ما رأى، قال: رأى محمد ربه عز وجل بقلبه مرتين.

- وقال السيوطي في الدر المنثور ج ٦ ص ١٢٣

وأخرج الفريابي وعبد بن حميد والترمذي وصححه وابن جرير وابن المنذر والطبراني وأبوالشيخ والحاكم وصححه وابن مردويه وأبونعيم والبيهقي معاً في الدلائل عن ابن مسعودرضي‌الله‌عنه قوله ما كذب الفؤاد ما رأى، قال: رأى صلى الله عليه وسلم جبريل عليه حلتا رفرف أخضر قد ملأ ما بين السماء والأرض.

٣٢٦

وأخرج مسلم وأحمد والطبراني وابن مردويه والبيهقي في الأسماء والصفات عن ابن عباس في قوله: ما كذب الفؤاد ما رأى ولقد رآه نزلة أخرى، قال: رأى محمد ربه بقلبه مرتين.

وأخرج عبد بن حميد والترمذي وحسنه وابن جرير وابن المنذر والطبراني عن ابن عباس في قوله: ما كذب الفؤاد ما رأى، قال: رآه بقلبه.

وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم عن محمد بن كعب القرظي عن بعض أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم قال قالوا يا رسول الله هل رأيت ربك؟ قال لم أره بعيني، ورأيته بفؤادي مرتين.

وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم عن أبي العالية قال سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم هل رأيت ربك؟ قال: رأيت نهراً ورأيت وراء النهر حجاباً، ورأيت وراء الحجاب نوراً لم أره غير ذلك.

وأخرج عبد بن حميد وابن جرير عن أبي العالية في قوله: ما كذب الفؤاد ما رأى، قال: محمد، رآه بفؤاد ولم يره بعينيه.

وأخرج عبد بن حميد وابن جرير عن أبي صالح في قوله: ما كذب الفؤاد ما رأى، قال: رآه مرتين بفؤاده.

وأخرج عبد بن حميد عن سعيد بن جبير قال: ما أزعم أنه رآه، وما أزعم أنه لم يره.

وأخرج مسلم والترمذي وابن مردويه عن أبي ذر قال: سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم هل رأيت ربك؟ فقال نور، أنى أراه؟! وأخرج مسلم وابن مردويه عن أبي ذر أنه سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم هل رأيت ربك؟ فقال رأيت نوراً!

وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم وابن مردويه عن أبي ذر قال: رآه بقلبه ولم يره بعينيه.

وأخرج النسائي عن أبي ذر قال: رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم ربه بقلبه ولم يره ببصره.

٣٢٧

وأخرج مسلم والبيهقي في الدلائل عن أبي هريرة في قوله: ولقد رآه نزلة أخرى، قال: رأى جبريلعليه‌السلام .

وأخرج عبد بن حميد عن إبراهيم قال: رأى جبريل في صورته.

وأخرج عبد بن حميد عن مرة الهمداني قال: لم يأته جبريل في صورته إلا مرتين، فرآه في خضر يتعلق به الدر.

وأخرج عبد بن حميد عن قتادة في قوله ولقد رآه نزلة أخرى، قال: رأى نوراً عظيماً عند سدرة المنتهى.

وأخرج أبوالشيخ وابن مردويه عن ابن مسعود ولقد رآه نزلة أخرى، قال: رأى جبريل معلقاً رجله بسدرة عليه الدر كأنه قطر المطر على البقل.

وأخرج أبوالشيخ عن ابن مسعود: ولقد رآه نزلة أخرى عند سدرة المنتهى، قال: رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم جبريل في صورته عند السدرة له ستمائة جناح، جناح منها سد الأفق يتناثر من أجنحته التهاويل الدر والياقوت ما لا يعلمه إلا الله.

وأخرج آدم بن أبي إياس والبيهقي في الأسماء والصفات عن مجاهد، إذ يغشى السدرة ما يغشى، قال: كان أغصان السدرة من لؤلؤ وياقوت، وقد رآها محمد بقلبه ورأى ربه.

وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم والبيهقي في الدلائل عن عائشةرضي‌الله‌عنها قالت: كان أول شأن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه رأى في منامه جبريل بأجياد ثم خرج لبعض حاجته فصرخ به جبريل يا محمد يا محمد، فنظر يميناً وشمالاً فلم ير شيئاً ثلاثاً، ثم رفع بصره فإذا هو ثان إحدى رجليه على الأخرى على أفق السماء، فقال يا محمد جبريل جبريل يسكنه، فهرب النبي صلى الله عليه وسلم حتى دخل في الناس، فنظر فلم ير شيئاً، ثم خرج من الناس فنظر فرآه، فذلك قول الله: والنجم إذا هوى ما ضل صاحبكم وما غوى إلى قوله: ثم دنا فتدلى، يعني جبريل إلى محمد، فكان قاب قوسين أو أدنى، يقول القاب نصف الإصبع، فأوحى إلى عبده ما أوحى، جبريل إلى عبد ربه.

٣٢٨

وروى حديث (في حلة من رفرف) أحمد في ج ١ ص ٣٩٤ و ص ٤١٨ والحاكم ج ٢ ص ٤٦٨، وكلها عن عبد الله بن عمر، وقال الحاكم (صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه)

- الجواهر الحسان للثعالبي ج ٣ ص ٢٥٢

أنكر جمهور العلماء الأشاعرة من أهل السنة حديث مشرك بن أبي خمر الذي يثبت فيه الدنو والتدلي لرب العزة، سبحانه وتعالى عما يصفون.... ذهب البيهقي إلى ترجيح ما روي عن عائشة وابن مسعود وأبي هريرة ومن حملهم هذه الآيات (ثم دنى فتدلى..) عن رؤية جبرئيل، ورواية شريك تنقضها رواية أبي ذر الصحيحة، قال يا رسول الله هل رأيت ربك؟ قال: نور، أنى أراه!

- مصابيح السنة للبغوي ج ٤ ص ٣٠

عن زرارة بن أوفى: أن رسول الله (ص) قال لجبرئيل: هل رأيت ربك؟ فانتفض جبرئيل وقال: يا محمد إن بيني وبينه سبعين حجاباً من نور، لو دنوت من بعضها لاحترقت.

ونفى قدماء المتصوّفة الرؤية بالعين في الدنيا

- التعرف لمذهب أهل التصوف للكلاباذي المتوفى سنة ٣٨٠ قال في ص ٤٣:

وأجمعوا أنه لا يرى في الدنيا بالأبصار ولا بالقلوب إلا من جهة الإيقان، لأنه غاية الكرامة وأفضل النعم، ولا يجوز أن يكون ذلك إلا في أفضل المكان، ولو أعطوا في الدنيا أفضل النعم لم يكن بين الدنيا الفانية والجنة الباقية فرق، ولما منع الله سبحانه كليمه موسىعليه‌السلام ذلك في الدنيا، وكان من هو دونه أحرى. وأخرى أن الدنيا دار فناء، ولا يجوز أن يرى الباقي في الدار الفانية، ولو رأوه في الدنيا لكان الإيمان به ضرورة.

والجملة أن الله تعالى أخبر أنها تكون في الآخرة، ولم يخبر أنها تكون في الدنيا فوجب الإنتهاء إلى ما أخبر الله تعالى به.

٣٢٩

واختلفوا في النبي صلى الله عليه وسلم: هل رأى ربه ليلة المسرى، فقال الجمهور منهم والكبار إنه لم يره محمد صلى الله عليه وسلم ببصره، ولا أحد من الخلائق في الدنيا، على ما روي عن عائشة أنها قالت: من زعم أن محمداً رأى ربه فقد كذب.....

وقال بعضهم: رآه النبي صلى الله عليه وسلم ليلة المسرى، وإنه خص من بين الخلائق بالرؤية كما خص موسىعليه‌السلام بالكلام، واحتجوا بخبر ابن عباس وأسماء وأنس، منهم أبو عبد الله القرشي والشبلي وبعض المتأخرين.

وقال بعضهم: رآه بقلبه ولم يره ببصره، واستدل بقوله:ما كذب الفؤاد ما رأى .

ولا نعلم أحداً من مشايخ هذه العصبة المعروفين منهم والمتحققين به، ولم نر في كتبهم ولا مصنفاتهم ولا رسائلهم، ولا في الحكايات الصحيحة عنهم، ولا سمعنا ممن أدركنا منهم من زعم أن الله تعالى يرى في الدنيا أو رآه أحد من الخلق، إلا طائفة لم يعرفوا بأعيانهم.

بل زعم بعض الناس أن قوماً من الصوفية ادعوها لأنفسهم، وقد أطبق المشايخ كلهم على تضليل من قال ذلك وتكذيب من ادعاه، وصنفوا في ذلك كتباً، منهم أبو سعيد الخراز، وللجنيد في تكذيب من ادعاه وتضليله رسائل وكلام كثير. وزعموا أن من ادعى ذلك فلم يعرف الله عز وجل، وهذه كتبهم تشهد على ذلك.

تفسيرهم الذي فيه تجسيم

يلاحظ أن روايات إخواننا التي ادعت أن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله رأى ربه تعالى بعينه، ورد قليل منها في حادثة الإسراء والمعراج، وأكثرها ورد في حادثة غير مفهومة ادعى راويها أنها وقعت للنبيصلى‌الله‌عليه‌وآله في المدينة، وبعض رواياتها نصت على أنها منام، أو شك راويها في أن تكون في المنام.. الخ.

٣٣٠

- شرح مسلم للنووي - الساري ج ٢ ص ٩٤

قوله عن عبد الله بن مسعودرضي‌الله‌عنه في قوله تعالى: ما كذب الفؤاد ما رأى، قال رأى جبريل له ستمائة جناح، وهو مذهبه في هذه الآية.. وذهب الجمهور من المفسرين إلى أن المراد أنه رأى ربه سبحانه وتعالى. انتهى.

ويلاحظ أنه نسب القول بالرؤية بالعين إلى جمهور المفسرين، وهم نوعاً مفسروا العهد الأموي من تلامذة كعب الأحبار وجماعته أو من الرواة عنهم! ولكنه عاد ونسبها إلى أكثر العلماء، فقال في هامش الساري ج ٢ ص ٩٢:

الراجح عند أكثر العلماء أن رسول الله (ص) رأى ربه يعني بعيني رأسه ليلة الإسراء. انتهى. وهذا إن صحّ فهو يعني أن أكثرية علماء إخواننا قلدوا المفسرين من تلاميذ كعب وأعرضوا عن الأحاديث الصحيحة المعارضة لها.

- روى أحمد في مسنده ج ٤ ص ٦٦ وج ٥ ص ٣٧٨ وفي ج ١ ص ٣٦٨:

عن أبي قلابة عن ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: أتاني ربي عز وجل الليلة في أحسن صورة أحسبه يعني في النوم فقال يا محمد هل تدري فيم يختصم الملأ الأعلى؟ قال قلت لا، قال النبي صلى الله عليه وسلم فوضع يده بين كتفي حتى وجدت بردها بين ثديي أو قال نحري، فعلمت ما في السموات وما في الأرض، ثم قال يا محمد هل تدري فيم يختصم الملأ الأعلى؟ قال قلت نعم يختصمون في الكفارات والدرجات، قال وما الكفارات والدرجات؟ قال المكث في المساجد والمشي على الأقدام إلى الجمعات وابلاغ الوضوء في المكاره، ومن فعل ذلك عاش بخير ومات بخير وكان من خطيئته كيوم ولدته أمه! وقال: يا محمد أصليت اللهم إني أسألك الخيرات وترك المنكرات وحب المساكين وإذا أردت بعبادك فتنة أن تقبضني إليك غير مفتون، قال والدرجات: قل إذا بذل الطعام وإفشاء السلام والصلاة بالليل والناس نيام.

٣٣١

-ورواه الهيثمي في مجمع الزوائد ج ٧ ص ١٧٦ - ١٧٨ بعدة روايات، وقال عن رواية ابن عايش: رواه أحمد ورجاله ثقات. وقال: عن ربيع بن أنس أن النبي (ص) قال رأيت ربي.... قال أحمد بن حنبل: أنا أقول بحديث ابن عباس بعينه، رآه رآه حتى انقطع نفس أحمد.

- وروى الترمذي في سننه ج ٥ ص ٤٤ وقال:

وقد ذكروا بين أبي قلابة وبين ابن عباس في هذا الحديث رجلاً وقد رواه قتادة عن أبي قلابة، عن خالد بن اللجلاج، عن ابن عباس.

ورواه في ٢ ص ٤٥ وص ٤٦ بروايتين أيضاً وقال: هذا حديث حسن غريب من هذا الوجه، قال: وفي الباب عن معاذ بن جبل وعبد الرحمن بن عائش، عن النبي صلى الله عليه وسلم.

- وقال النويري في نهاية الإرب ج ٨ جزء ١٦ ص ٢٩٥:

عن ربيع بن أنس أن النبي (ص) قال رأيت ربي.... ثم ذكر قول أحمد: أنا أقول بحديث بن عباس بعينه رآه رآه، حتى انقطع نفس أحمد.

- وقال السهيلي في الروض الأنف ج ٢ ص ١٥٦ وقال: سئل ابن حنبل عن الرؤية قال: رآه رآه رآه حتى انقطع صوته.

ورواه أيضاً عن أبي هريرة وابن عباس.... وروى: رأى ربه في أحسن صورة ووضع يديه بين كتفيه حتى وجد بردها بين ثدييه.

- وقال الذهبي في تاريخ الإسلام ج ١ ص ٢٥٧

وأما الروايات عن ابن مسعود فإنما فيها تفسير ما في النجم، وليس في قوله ما يدل على نفي الرؤية لله.

- تاريخ الإسلام للذهبي ج ١٦ ص ٤٢٩

عن نعيم عن.... أم الطفيل أنها سمعت النبي (ص) يقول رأيت ربي في أحسن صورة، شاباً، موقراً، رجلاه في مخصر، عليه نعلان من ذهب.

٣٣٢

- وقال السيوطي في الدر المنثور ج ٣ ص ٢٤

وأخرج أحمد وابن جرير وابن مردويه والبيهقي في الأسماء والصفات عن عبد الرحمن بن عائش الحضرمي عن بعض أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: رأيت ربي في أحسن صورة....

- وقال الذهبي في ميزان الإعتدال ج ١ ص ٥٩٣

إبراهيم زبن أبي سويد، وأسود بن عامر، حدثنا حماد، عن قتادة، عن عكرمة، عن ابن عباس مرفوعاً: رأيت ربي جعداً أمرد، عليه حلة خضراء.

وقال ابن عدي: حدثنا عبد الله بن عبدالحميد الواسطي، حدثنا النضر بن سلمة شاذان، حدثنا الأسود بن عامر، عن حماد، عن قتادة، عن عكرمة، عن ابن عباس أن محمداً رأى ربه في صورة شاب أمرد، دونه ستر من لؤلؤ، قدميه أو رجليه في خضرة.

وحدثنا ابن أبي سفيان الموصلي وابن شهريار قالا: حدثنا محمد بن رزق الله بن موسى، حدثنا الأسود بنحوه. وقال عفان: حدثنا عبدالصمد بن كيسان، حدثنا حماد، عن قتادة، عن عكرمة، عن ابن عباس، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: رأيت ربي.

وقال أبو بكر بن أبي داود: حدثنا الحسن بن يحيى بن كثير، حدثنا أبي، حدثنا حماد بنحوه، فهذا من أنكر ما أتى به حماد بن سلمة، وهذه الرؤية رؤية منام إن صحت. قال المرودي قلت لأحمد: يقولون لم يسمع قتادة عن عكرمة! فغضب وأخرج كتابه بسماع قتادة عن عكرمة في ستة أحاديث. ورواه الحكم بن أبان، عن زيرك، عن عكرمة. وهو غريب جداً. انتهى. وروى نحوه الدارمي في سننه ج ٢ ص ١٢٦ والبغوي في مصابيحه ج ١ ص ٢٩٠ والسهيلي في الروض الأنف ج ١ ص ٢٦٨ وابن الأثير في أُسد الغابة ج ٣ ص ٤٦٥ وج ٧ ص ٣٥٦ ورواه الهندي في كنز العمّال ج ١٥ ص ٨٩٧ - ٥٩٨ وفي ج ١٦ ص ٢٤٥ - ٢٤٧ بروايات متعددة وقال في مصادره (عب، حم وعبد بن حميد، ت عن ابن عباس) (ت، ك عن معاذ) (كر) (ابن مندة، والبغوي، ق، كر). والنويري في نهاية الإرب ج ٨ جزء ١٦ ص ٢٩٥ والمنذري في الترغيب والترهيب ج ١ ص ٢٦٢

٣٣٣

- وقال ابن حجر في تهذيب التهذيب ج ٦ ص ٢٠٤

عبد الرحمن بن عائش الحضرمي، روي عنه حديث: رأيت ربي في أحسن صورة.

- الأحاديث القدسية من الصحاح ج ١ ص ١٥٨

- حديث: أتاني ربي في أحسن صورة، أخرجه الترمذي عن ابن عباس: إن الله وضع يده على كتف رسول الله (ص) حتى وجد رسول الله بردها بين ثدييه أو قال في خدي. وروى نحوه أيضاً في ج ٢ ص ٤٤ والقسطلاني في إرشاد الساري ج ٧ ص ٣٢٠ وص ٣٥٩

- وقال أبو الشيخ في طبقات المحدثين ج ٢ ص ٤٣٢

عن عبد الله بن عباس أن رسول الله (ص) خرج يوماً على أصحابه مستبشراً.. فقال لهم: إن ربي أتاني الليلة في أحسن صورة.... فوضع يده على كتفي فوجدت بردها بين ثديي.. الخ.

- وقال في ج ١ ص ١٢٩

عن عبد الرحمن بن المبارك بن فضالة عن أبيه: كان الحسن يحلف بالله أن محمداً (ص) قد رأى ربه تبارك وتعالى.

- وقال الطبري في تفسيره ج ٧ ص ١٦٢

خالد الحلاج، قال سمعت عبد الرحمن بن عياش، يقول صلى بنا رسول الله (ص) ذات غداة فقال له قائل: ما رأيت أسعد منك الغداة، قال: ومالي وقد أتاني ربي في أحسن صورة فقال: فيم يختصم الملأ الأعلى يا محمد؟ قلت أنت أعلم، فوضع يده على كتفي فعلمت ما في السموات والأرض.... الخ.

- وقال الدميري في حياة الحيوان ج ٢ ص ٣٥٩

من حديث معاذ بن جبلرضي‌الله‌عنه قال: احتبس عنا رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات غداة عن صلاة الصبح حتى كدنا نتراءى عين الشمس، فخرج سريعاً فَثَوَّبَ بالصلاة فصلى وتجوز في صلاته.... ثم انفتل إلينا فقال: أما إني سأحدثكم ما

٣٣٤

حبسني عنكم الغداة: إني قمت من الليل فتوضأت وصليت ما قدر لي فنعست في صلاتي حتى استثقلت، فإذا أنا بربي تعالى في أحسن صورة! فقال يا محمد.... فيم يختصم الملأ الأعلى.... الخ.

- وقال السيوطي في الدر المنثور ج ٥ ص ٣١٩

أخرج عبدالرزاق وأحمد وعبد ابن حميد والترمذي وحسنه ومحمد بن نصر... الخ.

وأخرج الترمذي وصححه ومحمد بن نصر والطبراني والحاكم وابن مردويه عن معاذ بن جبلرضي‌الله‌عنه .... الخ.

وأخرج الطبراني في السنة وابن مردويه عن جابر بن سمرةرضي‌الله‌عنه .... عن أبي هريرةرضي‌الله‌عنه ...

وأخرج الطبراني في السنة والشيرازي في الألقاب....

وابن مردويه عن أنسرضي‌الله‌عنه ....

وأخرج ابن نصر والطبراني وابن مردويه عن أبي أمامة....

وأخرج الطبراني في السنة والخطيب عن أبي عبيدة بن الجراحرضي‌الله‌عنه ....

وأخرج محمد بن نصر في كتاب الصلاة والطبراني في السنة عن عبد الرحمن بن عابس الحضرميرضي‌الله‌عنه ....

- وقال السيوطي في الدر المنثور ج ٦ ص ١٢٤

وأخرج ابن جرير عن ابن عباس قال قال صلى الله عليه وسلم رأيت ربي في أحسن صورة فقال لي: يا محمد هل تدري فيم يختصم الملأ الأعلى؟ فقلت لا يا رب، فوضع يده بين كتفي فوجدت بردها بين ثديي فعلمت ما في السماء والأرض، فقلت يا رب في الدرجات والكفارات ونقل الأقدام إلى الجماعات وانتظار الصلاة بعد الصلاة، فقلت يا رب إنك اتخذت ابراهيم خليلاً وكلمت موسى تكليماً وفعلت وفعلت فقال: ألم أشرح لك صدرك ألم أضع عنك وزرك ألم أفعل بك ألم أفعل،

٣٣٥

فأفضى إليَّ بأشياء لم يؤذن لي أن أحدثكموها فذلك قوله: ثم دنا فتدلى فكان قاب قوسين أو أدنى فأوحى إلى عبده ما أوحى ما كذب الفؤاد ما رأى. فجعل نور بصري في فؤادي فنظرت إليه بفؤادي. انتهى.

- قال الذهبي في سيره ج ٢ ص ١٦٦

ولم يأتنا نص جلي بأن النبي صلى الله عليه وسلم رأى الله تعالى بعينيه. وهذه المسألة مما يسع المرء المسلم في دينه السكوت عنها، فأما رؤية المنام فجاءت من وجوه متعددة مستفيضة، وأما رؤية الله عياناً في الآخرة فأمر متيقن تواترت به النصوص. جمع أحاديثها الدارقطني والبيهقي وغيرهما.

- وقال السيوطي في الدر المنثور ج ٦ ص ١٢٣

وأخرج عبد بن حميد والترمذي وابن جرير وابن المنذر والحاكم وابن مردويه عن الشعبي قال: لقي ابن عباس كعباً بعرفة، فسأله عن شيء فكبر حتى جاوبته الجبال فقال ابن عباس إنا بنو هاشم نزعم أو نقول إن محمداً قد رأى ربه مرتين، فقال كعب: إن الله قسم رؤيته وكلامه بين موسى ومحمدعليهما‌السلام فرأى محمد ربه مرتين وكلم موسى مرتين.

قال مسروق فدخلت على عائشة فقلت هل رأى محمد ربه؟ فقالت لقد تكلمت بشيء قَفَّ له شعري، قلت رويداً، ثم قرأت لقد رأى من آيات ربه الكبرى، قالت أين يذهب بك! إنما هو جبريل. من أخبرك أن محمداً رأى ربه أو كتم شيئاً مما أمر به أو يعلم الخمس التي قال الله إن الله عنده علم الساعة الآية، فقد أعظم الفرية، ولكنه رأى جبريل لم يره في صورته إلا مرتين، مرة عند سدرة المنتهى، ومرة عند جياد له ستمائة جناح قد سد الأفق.

- وروى الطبري في تفسيره ج ٩ ص ٣٤ ما يوهم قرب النبي المادي من الله تعالى في الإسراء، قال: عن عبد الله بن أبي جعفر، عن أبيه، عن الربيع في قوله: وقربناه نجيا، قال: من لقي أصحاب النبي أنه قرب للرب حتى سمع صريف القلم من الشوق إليه. انتهى.

٣٣٦

- وروى النويري في نهاية الإرب ج ٨ جزء ١٦ ص ٢٩٨

قال جعفر بن محمد.... والدنو من الله لا حد له، ومن العباد بالحدود. انتهى. ويقصد بجعفر الإمام جعفر الصادقعليه‌السلام .

والملاحظات على هذه الروايات كثيرة: منها تعارض نصوصها، واضطرابها، وأن سؤال الله تعالى لنبيه عن اختصام الملأ الأعلى غير مفهوم، بل غير منطقي! وكذا تأخر النبي عن صلاة الصبح، وطريقة تحديثه المسلمين بالقصة، ثم شباهة متونها بأحاديث اليهود مثل قوله (فوضع يده بين كتفي فوجدت بردها بين ثديي فعلمت ما في السماء والأرض). هذا مضافاً إلى أن بعضها خلط بين القصة المزعومة وبين روايات المعراج وآياته، والمعراج كان في مكة، وهذه القصة المزعومة في المدينة.

كل ذلك، وغيره، يوجب الشك في هذه الرواية والتريث في الحكم بصحتها، خاصة أن بعضها اشتمل على التناقض كرواية الطبري التي يذكر في أولها أنه رآه في أحسن صورة، وفي آخرها أنه رآه بفؤاده!

وبعضها روي عن صاحبها ما يناقضها كرواية ابن عباس، وقد شهد ابن قيم أن روايتي الرؤية بالعين وضدها كلتاهما صحتا عن ابن عباس، فلابد أن تكون إحداهما مكذوبة! قال في زاد المعاد ج ٣ ص ٢٩ - ٣٠: واختلف الصحابةرضي‌الله‌عنهم ، هل رأى ربه تلك الليلة أم لا؟ فصح عن ابن عباس أنه رأى ربه وصح عنه أنه قال: رآه بفؤاده. انتهى.

وقد علق على ذلك ناشر الكتاب الشيخ عبد القادر عرفان فقال في هامشه: لم أقف على هذه الرواية في الصحيح، بل الذي صح عن ابن عباسرضي‌الله‌عنه ما جاء عند مسلم في الإيمان ١٧٦ - ٢٨٥ في قوله تعالى:ما كذب الفؤاد ما رأى ، وقوله تعالى:ولقد رأه نزلة أخرى ، قال رآه بفؤاده مرتين. وأخرجه الترمذي في التفسير ٣٢٨٠.

ثم قال ابن قيم: وصح عن عائشة وابن مسعود إنكار ذلك وقالا إن قوله:ولقد رآه

٣٣٧

نزلة أخرى عند سدرة المنتهى ، إنما هو جبريل. وصح عن أبي ذر أنه سأله هل رأيت ربك فقال صلى الله عليه وسلم: نور، أنى أراه! أي: حال بيني وبين رؤيته النور، كما قال في لفظ آخر: رأيت نوراً. وقد حكى عثمان بن سعيد الدارمي اتفاق الصحابة على أنه لم يره.

ثم قال ابن قيم: قال شيخ الإسلام ابن تيمية... وقد صح عنه أنه قال: رأيت ربي تبارك وتعالى ولكن لم يكن هذا في الإسراء، ولكن كان في المدينة لما احتبس عنهم في صلاة الصبح، ثم أخبرهم عن رؤية ربه تبارك وتعالى تلك الليلة في منامه، وعلى هذا بنى الإمام أحمدرحمه‌الله وقال: نعم رآه حقاً، فإن رؤيا الأنبياء حق ولا بد، ولكن لم يقل أحمدرحمه‌الله : إنه رآه بعيني رأسه يقظة، ومن حكى عنه ذلك فقد وهم عليه، ولكن قال مرة رآه، ومرة قال رآه بفؤاده، فحكيت عنه روايتان، وحكيت عنه الثالثة من تصرف بعض أصحابه: أنه رآه بعيني رأسه، وهذه نصوص أحمد موجودة، ليس فيها ذلك. انتهى.

راجع ما تقدم في أول الباب من أن جمهور الصحابة كانوا يوافقون عائشة على نفي الرؤية بالعين.

وجهل بعضهم فنسب الدنو والتدلّي إلى الله تعالى!

- تاريخ الإسلام للذهبي ج ١ ص ٢٦٧

وقال سليمان بن بلال.. وذكر حديث الإسراء وفيه ثم عرج به محمد (ص) إلى السماء السابعة ثم علا به فوق ذلك بما لا يعلمه إلا الله حتى جاء إلى سدرة المنتهى، ودنا الجبار رب العزة فتدلى....

- تفسير الطبري ج ١٢ ص ١٤

عبد الله بن عمر، قال سمعت نبي الله (ص) يقول يدنو المؤمن من ربه حتى يضع عليه كتفه!

٣٣٨

- الدر المنثور ج ٦ ص ١٢٣

وأخرج ابن جرير عن أنس بن مالك قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لما عرج بي مضى جبريل حتى جاء الجنة فدخلت فأعطيت الكوثر، ثم مضى حتى جاء لسدرة المنتهى فدنا ربك فتدلى، فكان قاب قوسين أو أدنى!

وأخرج ابن جرير وابن مردويه عن ابن عباسرضي‌الله‌عنهما في قوله ثم دنا قال دنا ربه فتدلى.

وأخرج أبوالشيخ وأبونعيم في الدلائل عن سريج بن عبيد قال لما صعد النبي صلى الله عليه وسلم إلى السماء فأوحى الله إلى عبده ما أوحى، قال فلما أحس جبريل بدنو الرب خر ساجداً، فلم يزل يسبحه تسبيحات ذي الجبروت والملكوت والكبرياء والعظمة حتى قضى الله إلى عبده ما قضى، ثم رفع رأسه فرأيته في خلقه الذي خلق عليه منظوم أجنحته بالزبرجد واللؤلؤ والياقوت فخيل إليَّ أن ما بين عينيه قد سد الأفقين وكنت لا أراه قبل ذلك إلا على صور مختلفة، وأكثر ما كنت أراه على صورة دحية الكلبي، وكنت أحياناً لا أراه قبل ذلك إلا كما يرى الرجل صاحبه من وراء الغربالي.

- وقال السهيلي في الروض الأنف ج ٢ ص ١٥٦

وروي: لما أحس جبريل دنو الرب خر ساجداً. انتهى.

وقدتقدم ذكر روايات أخرى تنسب التدلي إلى الله تعالى، وتقدم عن أهل البيتعليهم‌السلام أن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله (دنا من حجب النور فرأى ملكوت السماوات، ثم تدلى فنظر من تحته الى ملكوت الأرض، حتى ظن أنه في القرب من الأرض كقاب قوسين أو أدنى).

ووصفوا عرشه بأنّه تحمله حيوانات كما وصفه اليهود

- الدر المنثور ج ٦ ص ١٢٣

وأخرج ابن إسحاق والبيهقي في الأسماء والصفات وضعفه عن عبد الله بن أبي

٣٣٩

سلمة أن عبد الله بن عمر بن الخطاب بعث إلى عبد الله بن عباس يسأله هل رأى محمد ربه؟ فأرسل إليه عبد الله بن عباس: أن نعم، فرد عليه عبد الله بن عمر رسوله أن كيف رآه؟ فأرسل أنه رآه في روضة خضراء دونه فراش من ذهب على كرسي من ذهب يحمله أربعة من الملائكة، ملك في صورة رجل وملك في صورة ثور وملك في صورة نسر وملك في صورة أسد! انتهى.

وسيأتي ذكر بقية الحيوانات التي ادعوا أنها تحمل عرش الله تعالى في بازار الأحاديث، ويأتي بعضها في تفسير: الرحمن على العرش استوى.

وقالوا رأى ربّه واقفاً على أرض خضرة خلف ستر شفّاف

- وقال السيوطي في الدر المنثور ج ٦ ص ١٢٤

وأخرج البيهقي في الأسماء والصفات وضعفه من طريق عكرمة عن ابن عباس أنه سئل هل رأى محمد ربه؟ قال نعم رآه كأن قدميه على خضرة دونه ستر من لؤلؤ، فقلت يا أبا عباس أليس يقول الله لا تدركه الأبصار! قال لا أم لك ذاك نوره الذي هو نوره، إذا تجلى بنوره لا يدركه شيء! انتهى.

ومضافاً إلى تضعيف البيهقي لهذه الرواية، فإنها تحاول تفسير قوله تعالى: لا تدركه الأبصار، أي لا تدرك نوره، أما ذاته تعالى فتدركها الأبصار. وهو مخالف لظهور الآية، ولم يفسرها به أحد.

وحاول بعضهم أن يخفف القصة ويجعلها رؤيا في المنام

- تقدم في رواية الترمذي نقل قول الراوي وهو ابن عباس بزعمهم (أحسبه قال في المنام)

- وروى عبد الرزاق في تفسيره ج ٢ ص ١٣٧

عن ابن عباس: أن النبي (ص) قال: أتاني ربي الليلة في أحسن صورة أحسبه قال: يعني في المنام، فقال: يا محمد هل تدري فيم يختصم الملأ الأعلى؟ قال

٣٤٠

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

461

462

463

464

465

466

467

468

469

470

471

472

473

474

475

476

477

478

479

480

481

482

483

484

485

486

487

488

489

490

491

492

493

494

495

496

497

498

499

500

501

502

503

504

505

506

507

508

509

510

511

512

513

514

515

516

517

518

519

520

مَعَهُمْ رَحْمَةً مِنَّا وَذِكْرى لِأُولِي الْأَلْبابِ ) .

عن كيفية عودة عائلته إليه؟ وردت تفاسير متعدّدة ، أشهرها يقول : إنّهم كانوا أمواتا فأحياهم الله مرّة اخرى.

ولكن البعض قال : إنّهم كانوا قد تفرّقوا عنه أيّام ابتلائه بالمرض ، فجمعهم الله إليه بعد برئه.

ويحتمل أنّ جميعهم أو بعضهم ابتلي بمختلف أنواع الأمراض ، وقد شملتهم الرحمة الإلهية وعادت إليهم صحّتهم وعافيتهم ، ليجتمعوا مرّة اخرى حول أيّوب.

أمّا قوله تعالى :( وَمِثْلَهُمْ مَعَهُمْ ) ، فإنّها إشارة إلى تناسلهم وزيادة عددهم إلى الضعف ، وبهذا إزداد عدد أبناء أيّوب إلى الضعف.

ورغم أنّ الآيات لا تتطرّق إلى إعادة أموال أيّوب إليه ، ولكن الدلائل كلّها تبيّن أنّ البارئعزوجل أعاد إليه أمواله وأكثر من السابق.

الذي يلفت النظر في آخر الآية ـ محلّ البحث ـ أنّ هدف إعادة النعم الإلهيّة على أيّوب تحدّد بأمرين :

الأوّل : (رحمة منّا) والتي كان لها صبغة فردية ، وفي الحقيقة إنّها مكافأة وجائزة من البارئعزوجل لعبده الصابر المقاوم أيّوب.

والثّاني : إعطاء درس لكلّ أصحاب العقول والفكر على طول التأريخ لأخذ العبر من أيّوب ، كي لا يفقدوا صبرهم وتحمّلهم عند تعرّضهم للمشاكل والحوادث الصعبة ، وأن لا ييأسوا من رحمة الله ، بل يزيدوا من أملهم وتعلّقهم به.

المشكلة الوحيدة التي بقيت لأيّوبعليه‌السلام هي قسمه بضرب زوجته ، إذ كان قد أقسم أيّام مرضه لئن برىء من مرضه ليجلدنّ امرأته مائة جلدة أو أقل لأمر أنكره عليها ، ولكن بعد ما برىء من مرضه رغب أيّوب في العفو عنها احتراما وتقديرا لوفائها ولخدماتها التي قدّمتها إليه أيّام مرضه ، ولكن مسألة القسم بالله كانت تحول دون ذلك.

٥٢١

وهنا شمل البارئعزوجل أيّوبعليه‌السلام مرّة اخرى بألطافه ورحمته ، وذلك عند ما أوجد حلّا لهذه المشكلة المستعصية على أيّوب( وَخُذْ بِيَدِكَ ضِغْثاً فَاضْرِبْ بِهِ وَلا تَحْنَثْ ) .

«ضغث» تعني ملء الكفّ من الأعواد الرقيقة ، كسيقان الحنطة والشعير أو الورد وما شابهها.

وعن الأمر الذي أنكرته زوجة أيّوب على زوجها والتي تدعى (ليا) بنت يعقوب ، فقد اختلف المفسّرون في تفسيره

فقد نقل عن (ابن عبّاس) أنّ الشيطان ظهر بصورته الطبيعية لزوجة أيّوب ، وقال لها : إنّي أعالج زوجك بشرط أن تقولي حينما يتعافى : إنّي الوحيد الذي كنت السبب في معافاته ، ولا أريد أيّ اجرة على معالجته الزوجة التي كانت متألّمة ومتأثّرة بشدّة لاستمرار مرض زوجها وافقت على الاقتراح ، وعرضته على زوجها أيّوب فيما بعد ، فتأثّر أيّوب كثيرا لوقوع زوجته في شرك الشيطان ، وحلف أن يعاقب زوجته.

وقال البعض إنّ أيّوب بعث زوجته لمتابعة عمل ما ، فتأخّرت في العودة إليه ، فتأثّر أيّوب الذي كان يعاني من آلام المرض ، وحلف أن يعاقب زوجته.

على أيّة حال ، فإنّ زوجته كانت تستحقّ الجزاء من هذا الجانب ، أمّا من جانب وفائها وخدمتها أيّوب طوال فترة مرضه فإنّه يجعلها تستحقّ العفو أيضا.

حقّا إنّ ضربها بمجموعة من سيقان الحنطة أو الشعير لا تعطي مصداقا واقعيا لحلفه ، ولكنّه نفّذ هذا الأمر لحفظ احترام اسم الله ، والحيلولة دون إشاعة مسألة انتهاك القوانين ، وهذا الأمر ينفّذ فقط بشأن الطرف الذي يستحقّ العفو ، وفي الموارد الاخرى التي لا تستحقّ العفو لا يجوز لأحد القيام بمثل هذا العمل(١) .

__________________

(١) نظير هذا المعنى ورد في باب الحدود الإسلامية وتنفيذها بحقّ المرضى المذنبين (كتاب الحدود أبواب حدّ الزنا).

٥٢٢

الآية الأخيرة في بحثنا هذا ـ التي هي بمثابة عصارة القصّة من أوّلها حتّى آخرها ـ تقول :( إِنَّا وَجَدْناهُ صابِراً نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ ) .

ومن الواضح أنّ دعاء أيّوب البارئعزوجل ، وطلبه دفع الوساوس الشيطانية عنه ، ورفع البلاء والمرض عنه ، كلّ هذه لا تتنافى مع مقام صبره وتحمّله ، ذلك الصبر والتحمّل الذي استمرّ لمدّة سبع سنين ، وفي روايات اخرى لمدّة ثمانية عشر عاما ـ للأوجاع والأمراض والفقر والعسر واستمرار الشكر.

الذي يلفت النظر في هذه الآية أنها أعطت ثلاثة أوصاف لأيّوب ، كلّ واحد منها إن توفّر في أي إنسان فهو إنسان كامل.

أوّلا : مقام عبوديته.

ثانيا : صبره وتحمّله وثباته.

ثالثا : إنابته المتكرّرة إلى الله.

* * *

بحوث

١ ـ دروس مهمّة في قصّة أيّوب

رغم أنّ قصة هذا النّبي الصابر أدرجت في أربع آيات في هذه السورة ، إلّا أنّها وضّحت حقائق مهمّة ، منها :

أ ـ الامتحان الإلهي واسع وكبير جدّا ويشمل حتّى الأنبياء الكبار ، إذ يكون امتحانهم أشدّ وأصعب من الآخرين ، لأنّ طبيعة الحياة في هذه الدنيا بنيت على هذا الأساس ، ومن دون هذا الامتحان فإنّ الإمكانيات والطاقات الكامنة في الإنسان لا تتفجّر.

ب ـ الفرج بعد الشدّة نقطة اخرى تمكن في مجريات هذه القصّة ، فعند ما تشتدّ أمواج الحوادث والبلاء على الإنسان وتحيط به من كلّ جانب ، عليه أن لا ييأس

٥٢٣

ويفقد الأمل ، وإنّما عليه أن يدرك أنّها بداية تفتح أبواب الرحمة الإلهية عليه ، كما يقول أمير المؤمنين علي بن أبي طالبعليه‌السلام : «عند تناهي الشدّة تكون الفرجة ، وعند تضايق حلق البلاء يكون الرخاء»(١) .

ج ـ مجريات هذه القصّة توضّح بصورة جيّدة بعض غايات البلاء والحوادث الصعبة في الحياة ، وتجيب على من يرى في وجود الآفات والبلايا تناقضا مع برهان النظم في بحوث التوحيد ، لأنّ وجود مثل هذه الحوادث الصعبة والشديدة في حياة الإنسان ـ من أنبياء الله الكبار وحتّى عموم الناس ـ يعدّ أمرا ضروريا ، فالامتحان ـ كما ذكرنا ـ يفجّر طاقات الإنسان الكامنة ، ويوصله في آخر الأمر إلى التكامل في وجوده.

لذا فقد ورد في الروايات الإسلامية عن الإمام الصادقعليه‌السلام : «إنّ أشد الناس بلاء الأنبياء ، ثمّ الذين يلونهم ، الأمثل فالأمثل»(٢) .

كما ورد عن الإمام الصادقعليه‌السلام : «إنّ في الجنّة منزلة لا يبلغها عبد إلّا بالابتلاء»(٣) .

د ـ أحداث هذه القصّة تعطي درسا في الصبر لكلّ المؤمنين الواقعيين الرساليين ، الصبر والتحمّل الذي يعقبه الظفر والإنتصار في كلّ المجالات ، ونيل المقام المحمود والمنزلة الرفيعة عند البارئعزوجل .

ه ـ أحيانا يكون إمتحان شخص ما ، هو إمتحان في نفس الوقت لأصدقائه وللمحيطين به ، كي يعرف حجم صداقتهم ومحبّتهم إيّاه ، ومقدار وفائهم له ، فعند ما فقد أيّوب أمواله وثرواته وصحّته تفرّق عنه أصحابه ، ولم يكتفوا بالابتعاد عنه ، وإنّما اتّحدت ألسنتهم مع ألسنة أعدائه في الشماتة به وإلقاء اللائمة عليه ، وكشفوا

__________________

(١) نهج البلاغة ، قصار الكلمات ، الكلمة ٣٥١.

(٢) سفينة البحار مادّة (بلاء) المجلّد الأوّل ، الصفحة ١٠٥.

(٣) المصدر السابق.

٥٢٤

بفعلتهم هذه عن حقيقة أنفسهم ، وكما لاحظنا فإنّ أيّوب كان يتألّم من جراح ألسنتهم أكثر من تألّمه من مرضه ، والشعر المعروف يقول :

جراحات السنان لها التيام

ولا يلتام ما جرح اللسان

جراح الكلام ليس لها التئام.

و ـ أحبّاء الله ليسوا من يذكر الله عند الرخاء ، وإنّما أحبّاء الله الواقعيون هم أولئك الذين يذكرون الله دائما في السرّاء والضرّاء ، وفي البلاء والنعمة ، وفي المرض والعافية ، وفي الفقر والغنى ، وإنّ تأثيرات الحياة الماديّة لا تترك على إيمانهم وأفكارهم أدنى أثر.

قال أمير المؤمنينعليه‌السلام في خطبته الخاصّة بوصف المتّقين التي بيّنها لصاحبه المخلص «همام» واستعرض فيها أكثر من (١٠٠) صفة للمتّقين ، قال في إحدى تلك الصفات :

«نزلت أنفسهم منهم في البلاء كالتي نزلت في الرخاء».

ز ـ هذه القصّة أكّدت مرّة اخرى حقيقة أنّ فقدان الإمكانات الماديّة ، ونزول المصائب ، وحلول المشاكل والفقر ، لا تعني عدم شمول الإنسان بلطف البارئعزوجل ، كما أنّ امتلاك الإمكانات الماديّة ليس دليلا على بعد الإنسان عن الله سبحانه وتعالى ، وإنّما يمكن أن يكون الإنسان عبدا مقرّبا لله مع امتلاكه للكثير من الإمكانات الماديّة ، بشرط أن لا يكون عبدا لأمواله وأولاده ومقامه الدنيوي ، وإنّ فقدها لا يفقد الصبر معها.

٢ ـ أيّوبعليه‌السلام في القرآن والتوراة

رغم أنّ البارئعزوجل أشاد بالروح الكبيرة لهذا النّبي الكبير الذي هو مظهر الصبر والتحمّل في قرآنه المجيد في أوّل القصّة الخاصة به وفي آخرها. فإنّ قصّة هذا النّبي الكبير ـ ممّا يؤسف له ـ لم تحفظ من أيدي الجهلة والأعداء ، حيث دسّوا فيها خرافات تافهة لا تليق بمقامه المحمود المنزّه عنها والمطهّر منها ، ومن تلك

٥٢٥

الخرافات القول بأنّ الدود غطّى بدنه أثناء فترة مرضه ، وتعفّن جسده ، بحيث أنّ أهل قريته ضاقوا به ذرعا وأخرجوه من قريتهم.

ودون أدنى شكّ ، فإنّ مثل هذه الروايات مزيّفة رغم ورودها في طيّات كتب الحديث ، لأنّ رسالة الأنبياء تفرض أن يكون النّبي المرسل ـ في أي زمان ـ بعيدا عن مثل تلك التقوّلات ، كي ينجذب إليه الناس برغبة وشوق ، وأن لا تتوفّر فيه أشياء تكون سببا لتنفّرهم فيه وابتعادهم عنه ، كالأمراض والعيوب الجسدية والأخلاق السيّئة ، لأنّها تتناقض مع فلسفة الرسالة ، فالقرآن المجيد يقول بشأن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في الآية (١٥٩) من سورة عمران :( فَبِما رَحْمَةٍ مِنَ اللهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ ) .

وهذه الآية دليل على أنّ النّبي يجب أن لا يكون بحالة تجعل المحيطين به يتفرّقون عنه. ولكن ورد في التوراة جزء خاص بأيّوب وقبل موضوع (مزامير داود) وهذا الجزء يشتمل على (٤٢) فصلا ، كلّ فصل يشرح مواضيع مختلفة ، وقد وردت في بعض الفصول مواضيع سيّئة وقبيحة ، ومنها ما ورد في الفصل الثالث والذي يقول : إنّ أيّوب كان كثير الشكوى ، في حين أنّ القرآن الكريم كان يعظّم ويشيّد بمقام صبره وتحمّله.

٣ ـ إطلاق صفة (أوّاب) على الأنبياء الكبار

ثلاثة أنبياء كبار أطلقت عليهم صفة (أوّاب) في هذه السورة ، وهم : داود وسليمان وأيّوب ، وفي سورة (ق) في الآية (٣٢) اطلق هذا الوصف على كلّ أهل الجنّة ، قوله تعالى :( هذا ما تُوعَدُونَ لِكُلِّ أَوَّابٍ حَفِيظٍ ) .

هذه العبارات تبيّن أنّ مقامه في المقام الأعلى ، وعند ما نرجع إلى مصادر اللغة نشاهد أنّ كلمة (أوّاب) مشتقّة من كلمة (أوب) وتعني الرجوع والعودة.

وهذا الرجوع والعودة (خاصّة وأنّ كلمة (أوّاب) هي اسم مبالغة تعني كثرة

٥٢٦

الرجوع وتكراره) يشير إلى أنّ الأوّابين حسّاسون جدّا تجاه الأسباب والعوامل التي تبعدهم عن الله ، كالرزق وبريق الزخارف الدنيوية في أعينهم ، ووساوس النفس والشيطان ، وإن ابتعدوا لحظة واحدة عن الله عادوا إليه بسرعة ، وإن غفلوا عنه لحظة تذكروه وسعوا في جبرانها.

هذه العودة يمكن أن تكون بمعنى العودة إلى طاعة أوامر الله واجتناب نواهيه ، أي أنّ أوامره هي مرجعهم وسندهم أينما كانوا.

وكلمة (أوّاب) التي جاءت في الآية العاشرة من سورة سبأ( يا جِبالُ أَوِّبِي مَعَهُ وَالطَّيْرَ ) والخاصّة بداود ـ أيضا ـ تعطي معنا آخر ، وهو ترديد الصوت ، إذ أنّ الأوامر صدرت إلى الجبال والطيور أن ردّدي الصوت مع داود ، ولهذا فإنّ (أوّاب) تعني كلّ من يردّد الأوامر الإلهيّة والتسبيح والحمد الذي تردّده كلّ موجودات الكون حسب قوانين الخلقة ، وممّا يذكر أنّ أحد معاني كلمة (أيّوب) هي (أوّاب).

* * *

٥٢٧

الآيات

( وَاذْكُرْ عِبادَنا إِبْراهِيمَ وَإِسْحاقَ وَيَعْقُوبَ أُولِي الْأَيْدِي وَالْأَبْصارِ (٤٥) إِنَّا أَخْلَصْناهُمْ بِخالِصَةٍ ذِكْرَى الدَّارِ (٤٦) وَإِنَّهُمْ عِنْدَنا لَمِنَ الْمُصْطَفَيْنَ الْأَخْيارِ (٤٧) وَاذْكُرْ إِسْماعِيلَ وَالْيَسَعَ وَذَا الْكِفْلِ وَكُلٌّ مِنَ الْأَخْيارِ (٤٨) )

التّفسير

الأنبياء الستّة :

متابعة للآيات السابقة التي تطرّقت باختصار إلى حياة (داود) و (سليمان) وبصورة أكثر اختصارا لحياة (أيّوب) إذ بيّنت أهم النقاط البارزة في حياة هذا النّبي الكبير ، وتستعرض آيات بحثنا هذا أسماء ستّة من أنبياء الله ، وتوضّح بصورة مختصرة بعض صفاتهم البارزة التي يمكن أن تكون أنموذجا حيّا لكلّ بني الإنسان.

والذي يلفت الانتباه ، هو أنّ هذه الآيات استعرضت ستّ صفات مختلفة لأولئك الأنبياء الستّة ، ولكلّ صفة معناها ومفهومها الخاصّ بها.

ففي البداية تخاطب رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ( وَاذْكُرْ عِبادَنا إِبْراهِيمَ وَإِسْحاقَ

٥٢٨

وَيَعْقُوبَ ) .

مقام العبودية هو أوّل ميزة لأولئك الأنبياء ، وحقّا فإنّ كلّ شيء جمع في هذه الصفة فالعبودية لله تعني التبعية المطلقة له ، وتعني الاستسلام الكامل لإرادته ، والاستعداد لتنفيذ أوامره في كلّ الأحوال.

العبودية لله تعني عدم الاحتياج لغيره ، وعدم التوجّه لسواه ، والتكفير بلطفه ورحمته فقط ، هذا هو أوج تكامل الإنسان وأفضل شرف له.

ثمّ تضيف الآية :( أُولِي الْأَيْدِي وَالْأَبْصارِ ) .

إنّه لتعبير مثير للعجب؟ أصحاب الأيدي والأبصار! «أيدي» جمع (يد) ، و (أبصار) جمع (بصر).

الإنسان يحتاج إلى قوّتين لتحقيق أهدافه ، الاولى قوّة الإدراك والتشخيص ، والثانية حسن الأداء. وبعبارة اخرى : يجب عليه الاستفادة من (العلم) و (القدرة) للوصول إلى أهدافه.

وقد وصف البارئعزوجل أنبياءه بأنّهم ذوو إدراك وتشخيص وبصيرة قويّة ، وذوو قوّة وقدرة كافية لإنجاز أعمالهم.

إنّ هؤلاء الأنبياء على مستوى عال من المعرفة ، وأنّ مستوى علمهم بشريعة الله وأسرار الخلق وخفايا الحياة لا يمكن تحديده.

أمّا من حيث الإرادة والتصميم وحسن الأداء ، فإنّهم غير كسولين أو عاجزين أو ضعفاء ، بل هم أشخاص ذوو إرادة قويّة وتصميم راسخ ، إنّهم قدوة لكلّ السائرين في طريق الحقّ ، فبعد مقام العبودية الكامل لله تعالى ، لتسلّحوا بهذين السلاحين القاطعين.

وممّا يستنتج من هذا الحديث أنّه ليس المراد من اليد والعين أعضاء الحسّ التي يمتلكها غالبية الناس ، لأنّ هناك الكثيرين ممّن يمتلكون هذين العضوين لكنّهم لا يمتلكون الإدراك والشعور الكافي ، ولا القدرة على التصميم ، ولا حسن

٥٢٩

الأداء في العمل ، وإنّما هي كناية عن صفتين هما (العلم والقدرة).

أمّا الصفة الرابعة لهم فيقول القرآن بشأنها :( إِنَّا أَخْلَصْناهُمْ بِخالِصَةٍ ذِكْرَى الدَّارِ ) (١) .

نعم ، إنّهم يتطلّعون إلى عالم آخر ، وأفق نظرهم لا ينتهي عند الحياة الدنيا ولذّاتها المحدودة ، بل يتطّلعون إلى ما وراءها من حياة أبدية ونعيم دائم ، ولهذا يبذلون الجهد ويسعون غاية السعي لنيلها.

وعلى هذا فإنّ المراد من كلمة (الدار) هي الدار الآخرة ، لأنّه لا توجد دار غيرها ، وإن وجدت فما هي إلّا جسر أو ممرّ يؤدّي إلى الآخرة في نهاية الأمر.

بعض المفسّرين احتملوا أن يكون المراد من الدار هنا دار الدنيا ، وعبارة( ذِكْرَى الدَّارِ ) إشارة إلى الذكر الحسن الباقي لأولئك الأنبياء في هذه الدنيا ، وهذا الاحتمال مستبعد جدّا ، وخاصّة أنّ كلمة (الدار) جاءت بشكل مطلق ، وكذلك لا تتناسب مع كلمة (ذكرى).

والبعض الآخر احتمل أنّ المراد هو ذكرهم الحسن والجميل في دار الآخرة ، وهذا مستبعد أيضا.

وعلى أيّة حال ، فلعلّ الإنسان يتذكّر الآخرة بين حين وآخر ، خاصّة عند وفاة أحد أصدقائه أو مشاركته في مراسم التشييع أو مجالس الفاتحة ، وهذا الذكر ليس خالصا وإنّما هو مشوب بذكر الدنيا ، أمّا عباد الله المخلصون فإنّ لهم توجّها خالصا وعميقا ومستمرا بالنسبة للدار الآخرة ، فهي على الدوام تتراءى أمام أعينهم ، وعبارة (خالصة) في الآية إشارة إلى هذا المعنى.

الصفتان الخامسة والسادسة جاءتا في الآية التالية( وَإِنَّهُمْ عِنْدَنا لَمِنَ الْمُصْطَفَيْنَ

__________________

(١) (ذكرى الدار) من الممكن أن تكون خبرا لمبتدأ محذوف ، وتقدير العبارة (هي ذكر الدار) ، ومن الممكن أن تكون بدلا من (خالصة).

٥٣٠

الْأَخْيارِ ) (١) .

إنّ إيمانهم وعملهم الصالح كانا السبب في اصطفاء البارئعزوجل لهم من بين الناس لأداء مهام النبوّة وحمل الرسالة ، وعملهم الصالح وصل إلى درجة. استحقّوا بحقّ إطلاق كلمة (الأخيار) عليهم ، فأفكارهم سليمة ، وأخلاقهم رفيعة ، وتصرفاتهم وأعمالهم طوال حياتهم متّزنة ، ولهذا السبب فإنّ بعض المفسّرين يستفيدون من هذه العبارة وأنّ الله سبحانه وتعالى اعتبر أولئك أخيارا من دون أي قيد وشرط ، كدليل على عصمة الأنبياء ، لأنّه متى ما كان وجود الإنسان كلّه خيرا ، فمن المؤكّد أنّه معصوم(٢) .

عبارة (عندنا) مليئة بالمعاني العميقة ، وتشير إلى أنّ اصطفاءهم واعتبارهم من الأخيار لم يتمّ وفق تقييم الناس لهم ، التقييم الذي لا يخلو من التهاون وغضّ النظر عن كثير من الأمور ، وإنّما تمّ بعد التحقّق من كونهم أهلا لذلك وبعد تقييمهم ظاهريا وباطنيا.

وبعد أن أشارت الآية السابقة إلى مقام ثلاثة أنبياء بارزين ، تشير الآية التالية ، إلى ثلاثة آخرين ، إذ تقول :( وَاذْكُرْ إِسْماعِيلَ وَالْيَسَعَ وَذَا الْكِفْلِ وَكُلٌّ مِنَ الْأَخْيارِ ) .

فكلّ واحد منهم كان مثالا وأسوة في الصبر والاستقامة وطاعة أوامر البارئعزوجل ، خاصّة «إسماعيل» الذي كان على استعداد كامل للتضحية بروحه في سبيل الله ، ولهذا السبب اطلق عليه لقب (ذبيح الله) وهو الذي ساهم مع والده إبراهيمعليه‌السلام في بناء الكعبة الشريفة وتثبيت أسس التجمّع العظيم الذي يتمّ في موسم الحجّ كلّ عام.

واستعراض آيات القرآن الكريم لحياة أولئك العظام ليستلهم منها

__________________

(١) (مصطفين) (بفتح الفاء) جمع مصطفى ، وفي الأصل كانت (مصطفيين) حذفت ياؤها الاولى فأصبحت (مصطفين).

(٢) تفسير الفخر الرازي ، المجلّد ٢٦ ، الصفحة ٢١٧.

٥٣١

رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وكلّ المسلمين العبر ، ومطالعة حياة أمثال هؤلاء الرجال العظام توجّه حياة الإنسان ، وتبعث فيه روح التقوى والتضحية والإيثار ، وتجعله في نفس الوقت صابرا صامدا أمام المشاكل والحوادث الصعبة.

عبارة( كُلٌّ مِنَ الْأَخْيارِ ) تشير إلى أنّ الأنبياء الثلاثة (إسماعيل ، واليسع ، وذو الكفل) تنطبق عليهم كافّة الصفات التي وصف بها الأنبياء الثلاثة السابقون (إبراهيم ، وإسحاق ، ويعقوب) الذين أطلقت عليهم الآية السابقة صفة (الأخيار) ، كما أنّ (الخير المطلق) له معان واسعة تشمل (النبوّة) و (الدار الآخرة) و (مقام العبوديّة) و (العلم والقدرة).

أمّا (اليسع) فقد ورد اسمه مرتين في القرآن المجيد ، إحداها في هذه السورة ، والاخرى في الآية (٨٦) من سورة الأنعام ، وما جاء في القرآن الكريم يوضّح أنّه من الأنبياء الكبار ومن الذين يقول عنهم القرآن في آياته :( وَكلًّا فَضَّلْنا عَلَى الْعالَمِينَ ) .(١)

البعض يعتقد أنّ (اليسع) هو (يوشع بن نون) أحد أنبياء بني إسرائيل المعروفين ، وقد دخلت الألف واللام على اسمه كما أبدلت الشين بالسين ، ودخول الألف واللام على الاسم غير العربي (وهذا اسم عبري) أمر غير جديد ، فمثلها مثل (إسكندر) التي تلفظ وتكتب بالعربية (الإسكندر) إذ هو نوع من التقريب.

في حين أنّ البعض يعتبرها كلمة عربية مشتقّة من (يسع) والتي هي فعل مضارع مشتقّ من (وسعت) ولتحويله إلى اسم أضيف إليه الألف واللام.

الآية (٨٦) من سورة الأنعام بيّنت أنّه من ذريّة إبراهيم ، ولكن لم تبيّن إن كان من أنبياء بني إسرائيل ، أم لا؟

أمّا فصل الملوك في كتاب التوراة فقد جاء فيه أنّ اسمه (اليشع) بن (شافات) ، ومعنى (اليشع) في اللغة العبرية هو (الناجي) فيما تعني (الشافات) (القاضي).

__________________

(١) الأنعام ـ ٨٦.

٥٣٢

وقد اعتبر قسم آخر أنّه (الخضر) ولم يتوفّر بعد أيّ دليل واضح على هذا القول.

واعتبر قسم آخر أنّه (ذو الكفل) وهذا الكلام مخالف بوضوح لما جاء في الآية مورد بحثنا ، لأنّ ذا الكفل معطوفا على اليسع.

وعلى أيّة حال ، فإنّ اليسع هو نبي له مقام رفيع وذو استقامة ، وما ذكرناه بشأنه كاف للاستلهام منه.

وأمّا (ذو الكفل) فهو أيضا معروف بأنّه أحد أنبياء الله ، وذكره ورد مع أنبياء آخرين في الآية (٨٥) من سورة الأنبياء ، وجاء بالضبط بعد اسم إسماعيل وإدريس. والبعض يعتقد أنّه من أنبياء بني إسرائيل ، وأنّه من أبناء أيّوب واسمه الحقيقي (بشر) أو (بشير) أو (شرف) والبعض يرى أنّه (حزقيل) وذو الكفل هو لقب اطلق عليه(١) .

وحول تسمية (ذي الكفل) بهذا الاسم (الكفل يعني النصيب) ويعني (الكفالة والتعهّد) وردت عدّة تفاسير ، منها :

قال البعض : إنّه سمّي بذي الكفل لأنّ الله سبحانه وتعالى أنزل عليه نصيبا وافرا من الثواب وشمله برحمته الواسعة.

وقال بعضهم : لأنّه التزم بتعهّده بقيام الليل بالعبادة ، وصيام النهار ، وعدم السخط من قضاء الله ، وبهذا اطلق عليه هذا اللقب.

وبعض آخر قال : سمّي بذي الكفل لأنّه تكفّل بمجموعة من أنبياء بني إسرائيل ، وأنقذهم من ملوك زمانهم الجبّارين.

وعلى أيّة حال ، فإنّ ما في حوزتنا اليوم من معلومات عن نبي الله ذي الكفل

__________________

(١) أعلام القرآن وتفسير القرطبي وتفسير روح البيان وتفسير الميزان ، كلّ منها أشارت إلى جزء من الموضوع المذكور أعلاه.

٥٣٣

يدلّ على استقامته في طريق طاعة وعبادة الله ، ومقاومة الجبابرة ، وأنّه نموذج بارز ليومنا الحاضر وما بعده ، رغم أنّ البعد الزمني بيننا وبينهم يحول دون المعرفة الدقيقة لتفاصيل أحوالهم.

* * *

٥٣٤

الآيات

( هذا ذِكْرٌ وَإِنَّ لِلْمُتَّقِينَ لَحُسْنَ مَآبٍ (٤٩) جَنَّاتِ عَدْنٍ مُفَتَّحَةً لَهُمُ الْأَبْوابُ (٥٠) مُتَّكِئِينَ فِيها يَدْعُونَ فِيها بِفاكِهَةٍ كَثِيرَةٍ وَشَرابٍ (٥١) وَعِنْدَهُمْ قاصِراتُ الطَّرْفِ أَتْرابٌ (٥٢) هذا ما تُوعَدُونَ لِيَوْمِ الْحِسابِ (٥٣) إِنَّ هذا لَرِزْقُنا ما لَهُ مِنْ نَفادٍ (٥٤) )

التّفسير

هذا ما وعد به المتّقون :

آيات هذه السورة انتقلت بنا إلى شكل آخر من الحديث ، إذ أخذت تقارن بين المتّقين والعصاة المتجبّرين ، وتشرح مصير كلّ منهما يوم القيامة ، وهي بصورة عامّة تكمل بحوث الآيات السابقة.

في البداية ، وكخلاصة لشرح حال الأنبياء السابقين والنقاط المضيئة في حياتهم ، تقول الآية :( هذا ذِكْرٌ ) (١) .

نعم ، لم يكن الهدف من بيان مقاطع من تأريخ أولئك الأنبياء الرائع والمثير سرد بعض القصص ، وإنّما الهدف الذكر والتذكّر ، كما أكّدت عليه بداية هذه السورة( ص

__________________

(١) قال بعض المفسرين في تفسير هذه العبارة : إن المراد من الذكر الجميل هم الأنبياء السابقون.

٥٣٥

وَالْقُرْآنِ ذِي الذِّكْرِ ) .

فالهدف هو إيقاظ الأفكار ، ورفع المستوى العلمي ، وزيادة قوّة المقاومة والصمود لدى المسلمين الذي نزلت إليهم هذه الآيات(١) .

ثمّ أخرجت الأمور من طابعها الخاصّ وبيان أوضاع وأحوال الأنبياء ، إلى طابعها العامّ ، لتشرح بصورة عامّة مصير المتّقين ، إذ تقول :( وَإِنَّ لِلْمُتَّقِينَ لَحُسْنَ مَآبٍ ) (٢) .

بعد هذه الآية القصيرة ذات المعاني الخفيّة والتي توضّح تماما حال المتّقين بصورة مختصرة ، يعمد القرآن المجيد مجدّدا إلى اتّباع أسلوبه الخاص ، وهو أسلوب الإيجاز والتفصيل ، ليشرح ما فاز به المتّقون( جَنَّاتِ عَدْنٍ مُفَتَّحَةً لَهُمُ الْأَبْوابُ ) (٣) .

«جنّات» إشارة إلى حدائق الجنّة ، و (عدن) تعني الاستقرار والثبات ، ولهذا اطلق على المنجم الذي تحوي أعماقه أنواع الفلزات والمواد الثمينة كلمة (معدن).

وعلى أيّة حال فالعبارة هنا تشير إلى خلود حدائق الجنّة.

وعبارة( مُفَتَّحَةً لَهُمُ الْأَبْوابُ ) إشارة إلى أنّهم لا يتكلّفون حتّى بفتح أبواب الجنّة ، إذ أنّها تنفتح بدون عناء لاستقبال أهل الجنّة ، إذ أنّ الجنّة بانتظارهم ، وعند ما تراهم تفتح لهم أبوابها وتدعوهم للدخول إليها.

ثمّ تبيّن الهدوء والسكينة التي تحيط بأهل الجنّة ، إذ تقول :( مُتَّكِئِينَ فِيها يَدْعُونَ فِيها بِفاكِهَةٍ كَثِيرَةٍ وَشَرابٍ ) (٤) . أي إنّهم متكئون على سرر فيها ، وقد هيّئت

__________________

(١) مجموعة من المفسّرين اعتبرت (هذا ذكر) إشارة إلى أنّ كلّ ما قيل بشأن الأنبياء من ذكر خير وثناء جميل كان إشارة إلى أولئك ، فيما تستعرض الآيات التالية مرتبتهم في الآخرة ، ولكن هذا المعنى مستبعد ، وظاهر الآيات لا يتناسب مع ما ذكرناه أعلاه.

(٢) «مآب» تعني المرجع ، وإضافة (حسن) إلى (مآب) من قبيل إضافة الصفة إلى الموصوف.

(٣) «جنّات عدن» بدل أو عطف بيان (مآب).

(٤) الضمير (فيها) يعود في كلا الحالتين على (جنّات عدن) ووصف الفاكهة بأنّها كثيرة دليل على وصف (الشراب) بهذا الوصف. (متكئين) حال للضمير (لهم).

٥٣٦

لهم مختلف أنواع الفاكهة والأشربة ، وإنّهم متى ما طلبوها فإنّها تأتيهم في الحال.

وهنا يطرح سؤال هو : هل أنّ هناك من يحمل تلك الفاكهة ، والأشربة ويقدّمها لأهل الجنّة ، أم أنّها تأتيهم من دون أن يحملها أحد إليهم؟

كلا الاحتمالين واردان.

والتأكيد على «الفاكهة» و «الشراب» لعلّه إشارة إلى أنّ الفاكهة هي أكثر غذاء أهل الجنّة رغم وجود أنواع اخرى من الغذاء ذكر في بعض آيات القرآن المجيد ، كما هو الحال في عالم الدنيا إذ أنّ الفاكهة تشكّل أفضل وأسلم غذاء للإنسان.

صفة (كثيرة) تشير إلى وجود أنواع مختلفة من الفاكهة ، وأنواع متعدّدة أيضا من الشراب الطاهر الذي يتوفّر في الجنّة ، وذلك ما أشارت إليه أيضا آيات مختلفة في القرآن المجيد.

بعد هذا تتطرّق الآيات للزوجات الصالحات في الجنّة ، إذ تقول :( وَعِنْدَهُمْ قاصِراتُ الطَّرْفِ أَتْرابٌ ) .

«الطرف» جفن العين ، وأحيانا يأتي بمعنى النظر ، ووصف آخر نساء الجنّة بقاصرات الطرف (أي ذوات النظرات القصيرة) يشير إلى اقتصار نظرهنّ على أزواجهنّ فقط ، وحبّهن وعشقهنّ لهم وعدم تفكيرهم بسواهم ، وهذه من أفضل مزايا وحسنات الزوجات.

وقال مفسّرون آخرون : إنّها تعني التغطية بالخمار الذي يضفي على العين جمالا.

ولا يوجد مانع يحول بين جمع المعنيين.

كلمة (أتراب) تعني (الأقران) ، وهو وصف لنساء الجنّة ، فاقتران عمر الزوج والزوجة ـ أي تساويهما ـ يضاعف من المحبّة بين الزوجين ، أو أنّه صفة لنساء أهل الجنّة ، وإنّهنّ جميعا شابات وفي عمر واحد(١) .

__________________

(١) (أتراب) جمع (ترب) على وزن (شعر).

٥٣٧

الآية الأخيرة في هذا البحث تشير إلى النعم السبع التي يغدقها البارئعزوجل على أهل الجنّة ، والتي وردت في الآيات السابقة ، قال تعالى :( هذا ما تُوعَدُونَ لِيَوْمِ الْحِسابِ ) .

وعد لا يخلف ، ويبعث في نفس الوقت على النشاط لمضاعفة الجهد ، نعم إنّه وعد من الله العظيم.

وللتأكيد على خلود هذه النعم ، جاء في قوله تعالى :( إِنَّ هذا لَرِزْقُنا ما لَهُ مِنْ نَفادٍ ) (١) .

أي أنّ النعم في الجنان خالدة ولا تنفد ولا تزول كما في الحياة الدنيا ، وأنّها تزداد دائما من خزائن الله المملوءة وغير المحدودة ، ولا يظهر عليها أي نقص ، لأنّ الله أراد ذلك.

* * *

__________________

(١) (نفاد) تعني (فناء) وإبادة ، و (اللام) في (لرزقنا) جاءت للتأكيد.

٥٣٨

الآيات

( هذا وَإِنَّ لِلطَّاغِينَ لَشَرَّ مَآبٍ (٥٥) جَهَنَّمَ يَصْلَوْنَها فَبِئْسَ الْمِهادُ (٥٦) هذا فَلْيَذُوقُوهُ حَمِيمٌ وَغَسَّاقٌ (٥٧) وَآخَرُ مِنْ شَكْلِهِ أَزْواجٌ (٥٨) هذا فَوْجٌ مُقْتَحِمٌ مَعَكُمْ لا مَرْحَباً بِهِمْ إِنَّهُمْ صالُوا النَّارِ (٥٩) قالُوا بَلْ أَنْتُمْ لا مَرْحَباً بِكُمْ أَنْتُمْ قَدَّمْتُمُوهُ لَنا فَبِئْسَ الْقَرارُ (٦٠) قالُوا رَبَّنا مَنْ قَدَّمَ لَنا هذا فَزِدْهُ عَذاباً ضِعْفاً فِي النَّارِ (٦١) )

التّفسير

وهذه هي عاقبة الطغاة!

الآيات السابقة استعرضت النعم السبع وغيرها من النعم التي يغدقها البارئعزوجل على عباده المتّقين ، أمّا آيات بحثنا فإنّها تستخدم أسلوب المقارنة الذي كثيرا ما استخدمه القرآن الكريم ، لتوضيح المصير المشؤوم والعقوبات المختلفة التي ستنال الطغاة والعاصين ، قال تعالى :( هذا وَإِنَّ لِلطَّاغِينَ لَشَرَّ مَآبٍ ) (١) .

__________________

(١) كلمة (هذا) مبتدأ وخبرها محذوف ، وتقديرها هو (هذا الذي ذكرناه للمتّقين).

٥٣٩

فالمتّقون لهم (حسن مآب) ، ولهؤلاء العاصين الطغاة (شرّ مآب).

ثمّ تعمد آيات القرآن المجيد إلى الاستفادة من أسلوب الإيجاز والتفصيل ، إذ تقول :( جَهَنَّمَ يَصْلَوْنَها فَبِئْسَ الْمِهادُ ) (١) . أي إنّ جهنّم هي المكان المشؤوم الذي سيردونه ، وإنّهم سيحترقون بنيرانها ، فيا لها من فراش سيء.

والظاهر أنّ عبارة (يصلونها) (أي يدخلون في جهنّم ويحترقون بنيرانها) يراد منها بيان أن لا يتصوّر أحدهم أنّه سيرى جهنّم من مسافة بعيدة ، أو أنّه سيستقرّ بالقرب منها ، كلّا ، بل إنّه سيرد إلى داخلها ، ولا يتصوّر أحدهم أنّه سيعتاد على نار جهنّم ومن ثمّ يستأنس بها ، كلّا ، فإنّه يحترق فيها على الدوام.

«مهاد» كما قلنا من قبل ، تعني الفراش المهيّأ للنوم والاستراحة ، كما تطلق على سرير الطفل.

وبالطبع فإنّ الفراش هو مكان استراحة ، ويجب أن يكون مناسبا ـ في كلّ الأحوال ـ لوضع الشخص وملائما لرغبته ، ولكن كيف سيكون حال الذين خصّصت لهم نار جهنّم فراشا؟!

ثمّ تتطرّق الآيات إلى أنواع اخرى من العذاب الإلهي ، إذ تقول :( هذا فَلْيَذُوقُوهُ حَمِيمٌ وَغَسَّاقٌ ) (٢) . أي يجب عليهم أن يشربوا الحميم والغسّاق.

«الحميم» هو الماء الحارّ الشديد الحرارة ، والذي هو أحد أنواع أشربة أهل جهنّم ، ويقابل (الشراب الطهور) الذي ذكرته الآيات السابقة المخصّص لأهل الجنّة.

وكلمة (غسّاق) من (غسق) على وزن (رمق) وتعني شدّة ظلمات الليل. أمّا ابن عبّاس فقد فسّرها بأنّها شراب بارد جدّا (بحيث إنّ برودته تحرق وتجرح أحشاء

__________________

(١) (جهنّم) عطف بيان أو بدل من (شرّ مآب) ، و (يصلونها) حال لها.

(٢) هذه الجملة في الأصل كانت هكذا (هذا حميم وغسّاق فليذوقوه) ، وللتأكيد وضعت عبارة (فليذوقوه) بين المبتدأ والخبر. بعض المفسّرين احتملوا أنّ (هذا) خبر لمبتدأ محذوف كما أنّ (حميم وغسّاق) كذلك ، ولكن يبدو أنّ الاحتمال الأوّل أدقّ وألطف.

٥٤٠

541

542

543

544

545

546

547

548

549

550

551

552

553

554

555

556

557

558

559

560

561

562

563

564

565

566

567

568

569

570

571

572

573

574

575

576

577

578

579

580

581