الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل الجزء ١٤

الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل10%

الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل مؤلف:
تصنيف: تفسير القرآن
الصفحات: 581

الجزء ١ الجزء ٢ الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥ الجزء ٦ الجزء ٧ الجزء ٨ الجزء ٩ الجزء ١٠ الجزء ١١ الجزء ١٢ الجزء ١٣ الجزء ١٤ الجزء ١٥ الجزء ١٦ الجزء ١٧ الجزء ١٨ الجزء ١٩ الجزء ٢٠
  • البداية
  • السابق
  • 581 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 175544 / تحميل: 6521
الحجم الحجم الحجم
الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل

الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل الجزء ١٤

مؤلف:
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

٨٨ ـ في تفسير علي بن إبراهيم في الموثق عن أبي عبد اللهعليه‌السلام ( اهْدِنَا الصِّراطَ الْمُسْتَقِيمَ ) قال: الطريق ومعرفة الامام.

٨٩ ـ وباسناده إلى أبي عبد اللهعليه‌السلام قال: والله نحن الصراط المستقيم.

٩٠ ـ في كتاب معاني الأخبار باسناده إلى أبي عبد اللهعليه‌السلام في قول اللهعزوجل :( اهْدِنَا الصِّراطَ الْمُسْتَقِيمَ ) قال: هو أمير المؤمنين ومعرفته، والدليل على أنّه أمير المؤمنين قول اللهعزوجل :( وَإِنَّهُ فِي أمّ الكتاب لَدَيْنا لَعَلِيٌّ حَكِيمٌ ) (١) وهو أمير المؤمنينعليه‌السلام في أمّ الكتاب في قوله:( اهْدِنَا الصِّراطَ الْمُسْتَقِيمَ ) .

٩١ ـ وباسناده إلى المفضل بن عمر قال: سألت أبا عبد اللهعليه‌السلام عن الصراط فقال :

هو الطريق إلى معرفة اللهعزوجل . وهما صراطان: صراط في الدنيا، وصراط في الاخرة، فاما الصراط في الدنيا فهو الامام المفترض الطاعة من عرفه في الدنيا واقتدى بهداه مر على الصراط الذي هو جسر جهنم في الاخرة، ومن لم يعرفه في الدنيا زلت قدمه عن الصراط في الاخرة، فتردى في نار جهنم.

٩٢ ـ في تفسير علي بن إبراهيم باسناده إلى حفص بن غياث قال: وصف أبو عبد اللهعليه‌السلام الصراط فقال: ألف سنة صعود، والف سنة هبوط، وألف سنة حذاك.

٩٣ ـ وإلى سعدان بن مسلم عن أبي عبد الله قال: سألته عن الصراط، فقال: هو أدق من الشعر، وأحد من السيف، فمنهم من يمر عليه مثل البرق ومنهم من يمر عليه مثل عدو الفرس، ومنهم من يمر عليه ماشيا، ومنهم من يمر عليه حبوا(٢) ومنهم من يمر عليه متعلقا فتأخذ النار منه شيئا وتترك منه شيئا.

٩٤ ـ في كتاب معاني الأخبار باسناده إلى أبي عبد اللهعليه‌السلام قال: الصراط المستقيم أمير المؤمنينعليه‌السلام .

٩٥ ـ حدّثنا محمد بن القاسم الأسترابادي المفسّر قال: حدّثني يوسف بن محمد بن

__________________

(١) سورة الزخرف: الاية ٤.

(٢) حبا الرجل حبوا: مشى على يديه وبطنه.

٢١

زياد وعلي بن محمد بن سيار(١) عن أبويهما، عن الحسن بن عليّ بن محمد بن عليّ بن موسى بن جعفر بن محمد بن عليّ بن الحسين بن عليّ بن أبي طالبعليهم‌السلام في قوله:( اهْدِنَا الصِّراطَ الْمُسْتَقِيمَ ) قال: أدم لنا توفيقك الذي به أطعناك في ما مضى من أيامنا، حتى نطيعك كذلك في مستقبل أعمارنا، والصراط المستقيم هو صراطان: صراط في الدنيا وصراط في الاخرة، فاما الطريق المستقيم في الدنيا فهو ما قصر عن الغلو وارتفع عن التقصير، واستقام فلم يعدل إلى شيء من الباطل، وأمّا الطريق الاخر [ة] طريق المؤمنين إلى الجنّة الذي هو مستقيم لا يعدلون عن الجنة إلى النار. ولا إلى غير النار سوى الجنة.

٩٦ ـ قال: وقال جعفر بن محمّد الصادقعليه‌السلام في قولهعزوجل ( اهْدِنَا الصِّراطَ الْمُسْتَقِيمَ ) قال: يقول: أرشدنا إلى الصراط المستقيم، أرشدنا للزوم الطريق المؤدّى إلى محبتك، والمبلغ دينك، والمانع من أن نتبع أهواءنا فنعطب، أو نأخذ بآرائنا فنهلك.

٩٧ ـ وباسناده إلى محمد بن سنان عن المفضل بن عمر قال: حدّثني ثابت الثمالي عن سيد العابدين عليّ بن الحسينعليهما‌السلام قال: نحن أبواب الله ونحن الصراط المستقيم.

٩٨ ـ وباسناده إلى سعد بن طريف عن أبي جعفرعليه‌السلام قال قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : يا عليّ إذا كان يوم القيامة أقعد أنا وأنت وجبرئيل على الصراط فلم يجز أحد إلّا من كان معه كتاب فيه براءة بولايتك.

٩٩ ـ في أصول الكافي إلى أبي جعفرعليه‌السلام قال: أوحى الله إلى نبيهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ( فَاسْتَمْسِكْ بِالَّذِي أُوحِيَ إِلَيْكَ إِنَّكَ عَلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ ) (٢) قال: إنّك على ولاية عليٍّ وعليٌّعليه‌السلام هو الصراط المستقيم.

١٠٠ ـ على بن محمد عن بعض أصحابنا عن ابن محبوب عن محمد بن الفضيل عن أبي الحسن الماضيعليه‌السلام قال: قلت( أَفَمَنْ يَمْشِي مُكِبًّا عَلى وَجْهِهِ أَهْدى أَمَّنْ

__________________

(١) وفي المصدر على بن محمد بن سنان ولكن الظاهر هو المختار فان الذي يروى عنه محمد بن القاسم المفسّر هو على بن محمد بن سيار راجع تنقيح المقال وغيره.

(٢) الزخرف: ٤٢.

٢٢

يَمْشِي سَوِيًّا عَلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ ) (١) قال؛ إنَّ الله ضرب مثل من حاد عن ولاية عليّ كمثل من يمشى على وجهه لا يهتدى لأمره وجعل من تبعه سويا على صراط مستقيم، والصراط المستقيم أمير المؤمنينعليه‌السلام .

١٠١ ـ في كتاب معاني الأخبار باسناده إلى جعفر بن محمدعليهما‌السلام قال قول اللهعزوجل في الحمد:( صِراطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ ) يعنى محمّدا وذريته صلوات الله عليهم.

١٠٢ ـ حدّثنا محمد بن القاسم الأسترآبادي المفسّر قال: حدّثني يوسف بن محمد بن زياد وعلي بن محمد بن سيار عن أبويهما عن الحسن بن عليّ بن محمد بن عليّ بن موسى بن جعفر بن محمّد بن عليّ بن الحسين بن عليّ بن أبي طالبعليه‌السلام في قول اللهعزوجل :( صِراطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ ) أي قولوا اهدنا صراط الذين أنعمت عليهم بالتوفيق لدينك وطاعتك، وهم الذين قال اللهعزوجل :( وَمَنْ يُطِعِ اللهَ وَالرَّسُولَ فَأُولئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَداءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولئِكَ رَفِيقاً ) (٢) وحكى هذا بعينه عن أمير المؤمنينعليه‌السلام قال: ثم قال: ليس هؤلاء المنعم عليهم بالمال وصحة البدن وان كان كل هذا نعمة من الله ظاهرة، ألا ترون أنَّ هؤلاء قد يكونون كفارا أو فسّاقا فما ندبتم إلى أن تدعو بأن ترشدوا إلى صراطهم وإنّما أمرتم بالدعاء بان ترشدوا إلى صراط الذين أنعم عليهم بالايمان بالله وتصديق رسوله وبالولاية لمحمّد وآله الطيبين، وأصحابه الخيرين المنتجبين، وبالتقية الحسنة التي يسلم بها من شرّ أعداء الله، ومن الزيادة في آثام أعداء الله وكفرهم، بأن تداريهم ولا تغريهم بأذاك وأذى المؤمنين، وبالمعرفة بحقوق الاخوان من المؤمنين.

١٠٣ ـ حدّثنا الحسن بن محمد بن سعيد الهاشمي قال: حدّثنا فرات بن إبراهيم، قال: حدّثني عبيد بن كثير، قال: حدّثنا محمد بن مروان، قال: حدّثنا عبيد بن يحيى بن مهران العطار قال: حدّثنا محمد بن الحسين عن أبيه عن جدّه، قال: قال رسول

__________________

(١) الملك: ٢٢.

(٢) النساء: ١٧.

٢٣

اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في قول اللهعزوجل :( صِراطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ ) قال: شيعة عليّعليه‌السلام ( الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ ) بولاية عليّ بن أبي طالبعليه‌السلام لم يغضب عليهم ولم يضلوا.

١٠٤ ـ في كتاب كمال الدين وتمام النعمة باسناده إلى خيثمة الجعفي عن أبي جعفرعليه‌السلام حديث طويل وفيه يقولعليه‌السلام : ونحن الطريق الواضح والصراط المستقيم إلى اللهعزوجل ، ونحن من نعمة الله على خلقه.

١٠٥ ـ في كتاب الاهليلجة قال الصادقعليه‌السلام : وأمّا الغضب فهو منا إذا غضبنا تغيرت طبائعنا وترتعد أحيانا مفاصلنا، وحالت ألواننا، ثمّ نجيء من بعد ذلك بالعقوبات فسمّي غضبا فهذا كلام الناس المعروف، والغضب شيئان أحدهما في القلب، وامّا المعنى الذي هو في القلب فهو منفي عن الله جلّ جلاله، وكذلك رضاه وسخطه ورحمته على هذه الصفة.

١٠٦ ـ في تفسير علي بن إبراهيم حدّثني أبي عن حمّاد عن حريز عن أبي عبد اللهعليه‌السلام أنّه قرأ «اهدنا الصراط المستقيم، صراط من أنعمت عليهم غير المغضوب عليهم وغير الضالين» قال: المغضوب عليهم النصّاب والضالين اليهود والنصارى.

١٠٧ ـ وعنه عن ابن أبي عمير عن ابن أذينة عن أبي عبد اللهعليه‌السلام في قوله: «غير المغضوب عليهم وغير الضالين» قال: المغضوب عليهم: النصّاب، والضالين: الشكاك الذين لا يعرفون الامام.

١٠٨ ـ فيمن لا يحضره الفقيه وفيما ذكره الفضل من العلل عن الرضاعليه‌السلام أنّه قال: ( صِراطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ ) توكيد في السؤال والرغبة، وذكر لما تقدم من نعمه على أوليائه، ورغبة في مثل تلك النعم( غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ ) استعاذة من أن يكون من المعاندين الكافرين المستخفين به وبأمره ونهيه( وَلَا الضَّالِّينَ ) اعتصام من أن يكون من الذين ضلوا عن سبيله، من غير معرفة وهم يحسبون انهم يحسنون صنعا.

١٠٩ ـ في مجمع البيان وقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : ان الله تعالى من على بفاتحة الكتاب إلى قوله،( غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ ) اليهود( وَلَا الضَّالِّينَ ) النصارى.

٢٤

١١٠ ـ في كتاب الاحتجاج للطبرسي وروينا بالأسانيد المقدم ذكرها عن أبي الحسن العسكريعليه‌السلام ان أبا الحسن الرضاعليه‌السلام قال: إنَّ من تجاوز بأمير المؤمنينعليه‌السلام العبودية فهو من المغضوب عليهم ومن الضالين.

١١١ ـ في الاستبصار روى الحسين بن سعيد عن حماد بن عيسى عن معاوية بن وهب قال: قلت لأبي عبد اللهعليه‌السلام : أقول: آمين إذا قال الامام:( غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ ) ؟ قال: هم اليهود والنصارى.(١)

١١٢ ـ في تهذيب الأحكام : محمد بن أحمد بن يحيى عن الحسين بن موسى الخشاب عن غياث بن كلوب عن اسحق بن عمار عن جعفر عن أبيهعليهما‌السلام ان رجلين من أصحاب رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم اختلفا في صلوة رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فكتبا إلى أبي بن كعب كم كانت لرسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من سكتة؟ فقال: كانت له سكتتان إذا فرغ من أم القرآن، وإذا فرغ من السورة.

١١٣ ـ في الكافي على عن أبيه عن عبد الله بن المغيرة عن جميل عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال: إذا كنت خلف امام فقرأ الحمد وفرغ من قراءتها فقل أنت:( الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ ) ولا تقل آمين.

١١٤ ـ في عيون الأخبار في باب ذكر أخلاق الرضاعليه‌السلام ووصف عبادته: وكان إذا فرغ من الفاتحة قال: الحمد لله رب العالمين.

__________________

(١) وزاد في المصدر بعده قوله (ع): «ولم يجب في هذا».

٢٥

بسم الله الرحمن الرحيم

١ ـ في كتاب ثواب الأعمال باسناده إلى أبي عبد اللهعليه‌السلام قال: من قرأ سورة البقرة وآل عمران جاء يوم القيمة تظلانه على رأسه مثل الغيابتين(١)

٢ ـ وفيه أيضا عن عليّ بن الحسينعليهما‌السلام قال: قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : من قرأ أربع آيات من أوّل البقرة وآية الكرسي وآيتين بعدها، وثلث آيات من آخرها، لم ير في نفسه وماله شيئا يكرهه، ولا يقربه الشيطان ولا ينسى القرآن.

٣ ـ في مجمع البيان وسئل رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله أي سور القرآن أفضل؟ قال: البقرة قيل أي آي البقرة أفضل؟ قال: آية الكرسي.

٤ ـ في كتاب معاني الأخبار باسناده إلى سفيان بن سعيد الثوري عن الصادقعليه‌السلام حديث طويل يقول فيهعليه‌السلام : اما( الم ) في أوّل البقرة، فمعناه أنا الله الملك.

٥ ـ وباسناده إلى أبي بصير عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال:( الم ) هو حرف من حروف إسم الله الأعظم المقطع في القرآن؛ الذي يؤلفه النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله والامام، فاذا دعا به أجيب( ذلِكَ الْكِتابُ لا رَيْبَ فِيهِ هُدىً لِلْمُتَّقِينَ ) قال: بيان لشيعتنا( الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَمِمَّا رَزَقْناهُمْ يُنْفِقُونَ ) قال: مما علمناهم يبثون(٢) ومما علمناهم من القرآن يتلون.

٦ ـ وباسناده إلى محمد بن قيس قال: سمعت أبا جعفرعليه‌السلام يحدث ان حييا وأبا ياسر إبني اخطب ونفرا من يهود أهل نجران أتوا رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله فقالوا له: أليس فيما

__________________

(١) الغيابة من كل شيء: ما سترك منه.

(٢) أي ينشرون.

٢٦

تذكر فيما انزل الله عليك( الم ) ؟ قال: بلى قالوا أتاك بها جبرئيل من عند الله؟ قال: نعم؛ قالوا: لقد بعث أنبياء قبلك وما نعلم نبيا منهم أخبر ما مدة ملكه وما أجل أمته غيرك قال فأقبل حي بن اخطب على أصحابه فقال لهم: الالف واحد واللام ثلثون والميم أربعون فهذه إحدى وسبعون سنة، فعجب أن يدخل(١) في دين مدة ملكه وأجل أمته إحدى وسبعون سنة: قال: ثم أقبل على رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله فقال له يا محمد هل مع هذا غيره؟ قال: نعم قال فهاته، قال:( المص ) قال: هذه أثقل وأطول «الالف» واحد، و «اللام» ثلثون «والميم» أربعون و «الصاد» تسعون، فهذه مائة واحدى وستون سنة. ثم قال لرسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : فهل مع هذا غيره؟ قال: نعم، قال: هاته. قال،( الر ) قال هذه أثقل وأطول، «الالف» واحد، و «اللام» ثلثون و «الراء» مائتان، ثم قال لرسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : فهل مع هذا غيره قال: نعم، قال: هاته، قال( المر ) قال هذه أثقل وأطول «الالف» واحد «واللام» ثلثون «والميم» أربعون، و «الراء» مائتان، ثم قال له: هل مع هذا غيره؟ قال: نعم، قالوا قد التبس علينا أمرك فما ندري ما أعطيت ثم قاموا عنه، ثم قال أبو ياسر لحى أخيه ما يدريك :! لعل محمدا قد جمع له هذا كله وأكثر منه، قال: فذكر أبو جعفر (ع) ان هذه الآيات أنزلت فيهم( مِنْهُ آياتٌ مُحْكَماتٌ هُنَّ أمّ الكتاب وَأُخَرُ مُتَشابِهاتٌ ) (٢) قال: وهي تجري في وجه آخر على غير تأويل حي وأبى ياسر وأصحابهما.

٧ ـ حدّثنا محمد بن القاسم الأسترآبادي المعروف بابى الحسن الجرجاني المفسّر رضوان الله عليه قال: حدّثني أبو يعقوب يوسف بن محمد بن زياد وأبو الحسن على بن محمد ابن سيار عن أبويهما عن الحسن بن عليّ بن محمد بن عليّ بن موسى بن جعفر بن محمد بن عليّ بن الحسين بن عليّ بن أبي طالبعليهم‌السلام أنّه قال؛ كذبت قريش واليهود بالقرآن وقالوا: «سحر مبين تقوله» فقال الله:( الم ذلِكَ الْكِتابُ ) أي يا محمد هذا الكتاب الذي أنزلناه عليك هو بالحروف المقطعة التي منها «الف، لام، ميم» وهي بلغتكم وحروف هجائكم، فأتوا بمثله ان كنتم صادقين، واستعينوا على ذلك بساير شهدائكم، ثم بين انهم لا يقدرون

__________________

(١) وفي المصدر «ممن يدخل».

(٢) آل عمران: ٧.

٢٧

عليه بقوله:( قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هذَا الْقُرْآنِ لا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيراً ) (١) ثم قال الله،( الم ) هو القرآن الذي افتتح بألم هو ذلك الكتاب الذي أخبرت به موسى فمن بعده من الأنبياء، فأخبروا بنى إسرائيل انى سأنزله عليك يا محمد كتابا عزيزا( لا يَأْتِيهِ الْباطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلا مِنْ خَلْفِهِ تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ )( لا رَيْبَ فِيهِ ) لا شك فيه لظهوره عندهم كما أخبرهم انبياؤهم ان محمدا ينزل عليه كتاب لا يمحوه الباطل، يقرئه هو وأمته على ساير أحوالهم هدى بيان من الضلالة للمتقين الذين يتقون الموبقات؛ ويتقون تسليط السفه على أنفسهم حتى إذا علموا ما يجب عليهم علمه عملوا بما يوجب لهم رضا ربهم قال: وقال الصادقعليه‌السلام : ثم الالف حرف من حروف، قولك الله، دل بالألف على قولك الله، ودل باللام على قول الملك العظيم القاهر للخلق أجمعين، ودل بالميم على أنّه المجيد المحمود في كل أفعاله وجعل هذا القول حجة على اليهود، وذلك ان الله لما بعث موسى بن عمران ثم من بعده من الأنبياء إلى بنى إسرائيل لم يكن فيهم قوم الا أخذوا فيهم العهود والمواثيق ليؤمنن بمحمد العربي الأمي المبعوث بمكة الذي يهاجر إلى المدينة يأتى بكتاب الله بالحروف المقطعة افتتاح بعض سوره، يحفظه أمته فيقرءونه قياما وقعودا ومشاة، وعلى كل الأحوال يسهل اللهعزوجل حفظه عليهم، ويقرنون بمحمدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أخاه ووصيه على بن أبي طالبعليه‌السلام الآخذ عنه علومه التي علمها، والمتقلد عنه الامانة التي قلدها، ومذلل كل من عاند محمدا بسيفه الباتر(٢) ويفحم كل من جادله وخاصم بدليله القاهر(٣) يقاتل عباد الله على تنزيل كتاب الله حتى يقودهم إلى قبوله طائعين وكارهين، ثم إذا صار محمد إلى رضوان اللهعزوجل وارتد كثير ممن كان أعطاه ظاهر الايمان، وحرفوا تأويلاته وغيروا معانيه، ووضعوها على خلاف وجوهها، قاتلهم بعد ذلك على تأويله حتى يكون إبليس الغاوي لهم هو الخاسئ(٤) الذليل المطرود المغلول. قال: فلما بعث الله محمدا

__________________

(١) الإسراء: ١٩.

(٢) الباتر: القاطع.

(٣) أفحمه: أسكته بالحجة في خصومة أو غيرها. وفي المصدر «الظاهر» بدل «القاهر».

(٤) وفي المصدر «هو الخاسر».

٢٨

وأظهره بمكة، ثم سيره منها إلى المدينة وأظهره بها، ثم أنزل عليه الكتاب وجعل افتتاح سوره الكبرى بألم يعنى( الم ذلِكَ الْكِتابُ ) وهو ذلك الكتاب الذي أخبرت الأنبياء السالفين، انى سأنزله عليك يا محمد( لا رَيْبَ فِيهِ ) فقد ظهر كما أخبرهم به أنبيائهم ان محمدا ينزل عليه كتاب مبارك لا يمحوه الباطل، يقرؤه هو وأمته على ساير أحوالهم ثم اليهود يحرفونه عن جهته، ويتأولونه على غير وجهه، ويتعاطون التوصل إلى علم ما قد طواه الله عنهم من حال آجال هذه الامة، وكم مدة ملكهم، فجاء إلى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله جماعة منهم فولى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم علياعليه‌السلام مخاطبتهم، فقال قائلهم: ان كان ما يقول محمد حقا لقد علمناكم قدر ملك أمته هو إحدى وسبعون سنة، «الالف» واحد، «واللام» ثلثون، «والميم» أربعون، فقال علىعليه‌السلام : فما تصنعون «بالمص» وقد أنزلت عليه؟ فقالوا: هذه إحدى وستون ومأة سنة. قال: فما ذا تصنعون «بالر» وقد أنزلت عليه؟ فقالوا: هذه أكثر، هذه مائتان واحدى وثلثون سنة فقال علىعليه‌السلام : فما تصنعون بما انزل إليه «المر»؟ قالوا: هذه مائتان واحدى وسبعون سنة فقال علىعليه‌السلام : فواحدة من هذه له أو جميعها له؟ فاختلط كلامهم، فبعضهم قال: له واحدة منها وبعضهم قال بل يجمع له كلها وذلك سبعمائة وأربع سنين، ثم يرجع الملك إلينا يعنى إلى اليهود، فقال علىعليه‌السلام أكتاب من كتب اللهعزوجل نطق بهذا أم آراؤكم دلتكم عليه فقال بعضهم كتاب الله نطق به وقال آخرون منهم بل آراؤنا دلت عليه، فقال علىعليه‌السلام فأتوا بالكتاب من عند الله ينطق بما تقولون، فعجزوا عن إيراد ذلك، وقال للآخرين فدلونا على صواب هذا الرأى، فقالوا صواب رأينا دليله على ان هذا حساب الجمل، فقال علىعليه‌السلام كيف دل على ما تقولون وليس في هذه الحروف الا ما اقترحتم بلا بيان أرأيتم ان قيل لكم ان هذه الحروف ليست دالة على هذه المدة لملك امة محمد ولكنها دالة على ان [عند](١) كل واحد منكم قد لعن بعدد هذا الحساب أو ان عدد ذلك لكل واحد منكم ومنا بعدد هذا الحساب دراهم أو دنانير أو ان لعلى على كل واحد منكم دينا عدد ماله مثل عدد هذا الحساب؟ فقالوا: يا أبا الحسن ليس شيء مما ذكرته منصوصا

__________________

(١) ما بين المقفتين غير موجود في المصدر والظاهر كونه زائدا.

٢٩

عليه في «الم، والمص، والر والمر» فقال علىعليه‌السلام ولا شيء مما ذكرتموه منصوصا عليه في «الم، والمص والر، والمر» فان بطل قولنا لما قلنا بطل قولك لما قلت، فقال خطيبهم ومنطيقهم(١) لا تفرح يا عليّ بأن عجزنا عن اقامة حجة على دعوانا فأي حجة لك في دعواك الا أن تجعل عجزنا حجتك، فاذا ما لنا حجة في ما نقول ولا لكم حجة فيما تقولون قال عليٌّ عليه السلام لا سواء ان لنا حجة هي المعجزة الباهرة، ثم نادى جمال اليهود يا أيتها الجمال اشهدي لمحمد ولوصيه فتبادرت الجمال صدقت صدقت يا وصى محمد، وكذب هؤلاء اليهود، فقال علىعليه‌السلام هؤلاء جنس من الشهود، يا ثياب اليهود التي عليهم اشهدي لمحمد ولوصيه فنطقت ثيابهم كلهم صدقت يا عليّ نشهد ان محمدا (ص) رسول الله حقا وانك يا عليّ وصيه حقا، لم يثبت محمد قدما في مكرمة الا وطيت على موضع قدمه بمثل مكرمته فأنتما شقيقان من أشرف أنوار الله، تميزتما اثنتين وأنتما في الفضايل شريكان، الا انه لا نبي بعد محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فعند ذلك خرست اليهود وآمن بعض النظارة منهم برسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وغلب الشقاء على اليهود وساير النظارة الآخرين، فذلك ما قال الله تعالى( لا رَيْبَ فِيهِ ) انه كما قال محمد ووصى محمد عن قول محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله عن قول رب العالمين، ثم قال «هدى» بيان وشفاء «للمتقين» من شيعة محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله وعلى انهم اتقوا أنواع الكفر فتركوها، واتقوا الذنوب الموبقات فرفضوها، واتقوا إظهار أسرار الله تعالى واسرار أزكياء عباده الأوصياء بعد محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله فكتموها، واتقوا ستر العلوم عن أهلها المستحقين لها وفيهم نشروها.

٨ ـ في مجمع البيان اختلف العلماء في الحروف المعجمة المفتتح بها السور ،

فذهب بعضهم إلى انها من المتشابهات التي استأثر الله بعلمها ولا يعلم تأويلها الا هو، وهذا هو المروي عن أئمتناعليهم‌السلام و روى العامة عن أمير المؤمنينعليه‌السلام أنّه قال لكل كتاب صفوة وصفوة هذا الكتاب حروف التهجي.

٩ ـ وروى أبو إسحاق الثعلبي في تفسيره مسندا إلى عليّ بن موسى الرضاعليه‌السلام قال سئل جعفر بن محمد الصادقعليه‌السلام عن قوله «الم» فقال في الالف ست صفات من صفات الله

__________________

(١) المنطيق: المتكلم البليغ.

٣٠

عزوجل : «الابتداء» فان اللهعزوجل ابتدأ جميع الخلق والالف ابتداء الحروف و «الاستواء» فهو عادل غير جائر، والالف مستوفى ذاته، و «لانفراد» فالله فرد والالف فرد و «اتصال الخلق بالله» والله لا يتصل بالخلق وكلهم يحتاجون إليه والله غنى عنهم، والالف كذلك لا يتصل بالحروف والحروف متصلة به وهو منقطع عن غيره، والله تعالى باين بجميع صفاته من خلقه، ومعناه «من الالفة» فكما ان اللهعزوجل سبب الفة الخلق فكذلك الالف عليه تألفت الحروف وهو سبب ألفتها.

١٠ ـ في تفسير علي بن إبراهيم حدّثني أبي عن يحيى بن أبي عمران عن يونس(١) عن سعدان بن مسلم عن أبي بصير عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال: «الكتاب» علىعليه‌السلام لا شك فيه( الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ ) قال، يصدقون بالبعث والنشور والوعد والوعيد.

١١ ـ في كتاب كمال الدين وتمام النعمة باسناده إلى عمر بن عبد العزيز عن غير واحد عن داود بن كثير الرقى عن أبي عبد اللهعليه‌السلام في قول اللهعزوجل ( هُدىً لِلْمُتَّقِينَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ ) قال: من أقر بقيام القائمعليه‌السلام انه حق.

١٢ ـ وباسناده إلى عليّ ابن أبي حمزة عن يحيى بن أبي القاسم قال، سألت الصادق جعفر بن محمدعليهما‌السلام عن قول اللهعزوجل :( الم ذلِكَ الْكِتابُ لا رَيْبَ فِيهِ هُدىً لِلْمُتَّقِينَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ ) فقال: المتقون شيعة علىعليه‌السلام والغيب هو حجة الغايب، وشاهد ذلك قول اللهعزوجل و( يَقُولُونَ لَوْ لا أُنْزِلَ عَلَيْهِ آيَةٌ مِنْ رَبِّهِ فَقُلْ إِنَّمَا الْغَيْبُ لِلَّهِ فَانْتَظِرُوا إِنِّي مَعَكُمْ مِنَ الْمُنْتَظِرِينَ ) (٢) فأخبرعزوجل ان الاية هي الغيب، والغيب هو الحجة وتصديق ذلك قول اللهعزوجل :( وَجَعَلْنَا ابْنَ مَرْيَمَ وَأُمَّهُ آيَةً ) (٣) يعنى حجة.

__________________

(١) وهو يونس بن عبد الرحمن مولى على بن يقطين وهو الذي يروى عنه يحيى بن أبي عمران وكان تلميذه ويروى عن سعدان بن مسلم لكن في المصدر «عن يحيى بن أبي عمران عن موسى بن يونس عن سعدان بن مسلم.» وهو غير صحيح.

(٢) يونس: ٢.

(٣) المؤمنون: ٥٠.

٣١

١٣ ـ في مجمع البيان :( يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ ) قيل: بما غاب عن العباد علمه عن ابن مسعود وجماعة عن الصحابة، وهو أولى(١) لعمومه، ويدخل فيه ما رواه أصحابنا عن زمان غيبة المهدي ووقت خروجه( وَمِمَّا رَزَقْناهُمْ يُنْفِقُونَ ) روى محمد بن مسلم عن الصادقعليه‌السلام ان معناه ومما علمناهم يبثون.

١٤ ـ في أصول الكافي علي بن إبراهيم عن أبيه عن بكر بن صالح عن القاسم بن بريد عن أبي عمرو الزبيري عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال: قلت، أخبرنى عن وجوه الكفر في كتاب اللهعزوجل ؟ قال: الكفر في كتاب الله على خمسة أوجه فمنها كفر الجحود، والجحود على وجهين: فالكفر بترك ما أمر الله وكفر البراءة وكفر النعم، فاما كفر الجحود فهو الجحود بالربوبية وهو قول من يقول: لا رب ولا جنة ولا نار، وهو قول صنفين من الزنادقة يقال لهم الدهرية، وهم الذين يقولون( وَما يُهْلِكُنا إِلَّا الدَّهْرُ ) (٢) وهو دين وضعوه لأنفسهم بالاستحسان منهم على غير تثبت منهم ولا تحقيق لشيء مما يقولون، قال اللهعزوجل :( إِنْ هُمْ إِلَّا يَظُنُّونَ ) «(٣) » ان ذلك كما يقولون وقال،( إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا سَواءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنْذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ لا يُؤْمِنُونَ ) يعنى بتوحيد الله فهذا أحد وجوه الكفر والحديث طويل أخذنا منه موضع الحاجة.

١٥ ـ في تفسير علي بن إبراهيم حدّثني أبي عن بكر بن صالح عن أبي عمرو الزبيري عن أبي عبد اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله قال: الكفر في كتاب الله على خمسة وجوه، فمنه كفر الجحود وهو على وجهين جحود بعلم، وجحود بغير علم فاما الذين جحدوا بغير علم فهم الذين حكى الله عنهم في قوله،( وَقالُوا ما هِيَ إِلَّا حَياتُنَا الدُّنْيا نَمُوتُ وَنَحْيا وَما يُهْلِكُنا إِلَّا الدَّهْرُ وَما لَهُمْ بِذلِكَ مِنْ عِلْمٍ إِنْ هُمْ إِلَّا يَظُنُّونَ ) وقوله:( إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا سَواءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنْذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ لا يُؤْمِنُونَ ) فهؤلاء كفروا وجحدوا بغير علم، والحديث طويل أخذنا منه موضع الحاجة.

__________________

(١) أي أولى مما ذكره قبل هذا القول وهو ما نقله عن الحسن أنّه قال:( يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ ) أي يصدقون بالقيامة والجنة والنار.

(٢ ـ ٣) الجاثية: ٢٤.

٣٢

١٦ ـ في عيون الأخبار باسناده إلى إبراهيم بن أبي محمود قال، سألت أبا الحسن الرضاعليه‌السلام عن قول اللهعزوجل ( خَتَمَ اللهُ عَلى قُلُوبِهِمْ وَعَلى سَمْعِهِمْ ) قال، الختم هو الطبع على قلوب الكفار عقوبة على كفرهم، كما قالعزوجل ( بَلْ طَبَعَ اللهُ عَلَيْها بِكُفْرِهِمْ فَلا يُؤْمِنُونَ إِلَّا قَلِيلاً ) (١) ،

١٧ ـ في كتاب الاحتجاج للطبرسي ره باسناده إلى أبي محمد العسكريعليه‌السلام أنّه قال في قوله تعالى.( خَتَمَ اللهُ عَلى قُلُوبِهِمْ وَعَلى سَمْعِهِمْ وَعَلى أَبْصارِهِمْ غِشاوَةٌ وَلَهُمْ عَذابٌ عَظِيمٌ ) أي وسمها بسمة يعرفها من يشاء من ملائكته إذا نظروا إليها بأنهم الذين لا يؤمنون و «على سمعهم» كذلك سماة( وَعَلى أَبْصارِهِمْ غِشاوَةٌ ) وذلك انهم لما اعرضوا عن النظر فيما كلفوه، وقصروا فيما أريد منهم جهلوا ما لزمهم من الايمان فصاروا كمن على عينيه غطاء لا يبصر ما أمامه، فان اللهعزوجل يتعالى عن العبث والفساد، وعن مطالبة العباد بما منعهم بالقهر منه، فلا يأمرهم بمغالبته، ولا بالمصير إلى ما قد صدهم بالقسر عنه ثم قال،( وَلَهُمْ عَذابٌ عَظِيمٌ ) يعنى في الآخرة العذاب المعد للكافرين، وفي الدنيا أيضا لمن يريد ان يستصلحه بما ينزل به من عذاب الاستصلاح، لينبهه لطاعته أو من عذاب الاصطلام(٢) ليصيره إلى عدله وحكمته وروى أبو محمد الحسن العسكريعليه‌السلام مثل ما قال هو في تأويل هذه الاية من المراد بالختم على قلوب الكفار عن الصادقعليه‌السلام بزيادة شرح لم نذكره مخافة التطويل لهذا الكتاب انتهى كلامه (ره).

١٨ ـ في أصول الكافي محمد بن يحيى عن أحمد بن محمد عن الحسين بن سعيد عن النضر بن سويد عن يحيى الحلبي عن معلى بن عثمان عن أبي بصير قال: قال لي، ان الحكم بن عتيبة(٣) ممن قال الله تعالى.( وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنَّا بِاللهِ وَبِالْيَوْمِ

__________________

(١) النساء الاية: ١٥٥.

(٢) الاصطلام: الاستيصال.

(٣) الحكم بن عتيبة كقتيبة الكوفي الكندي كان من فقهاء العامة وقيل انه كان زيديا تبريا: وحكى عن ابن فضال أنّه قال: كان الحكم من فقهاء العامة وكان استاد زرارة وحمران والطيار قبل أن يروا هذا الأمر، وقيل: كان مرجئا. مات حدود سنت ١١٥ وقد ورد ـ

٣٣

الْآخِرِ وَما هُمْ بِمُؤْمِنِينَ ) فليشرق الحكم وليغرب، اما والله لا يصيب العلم الا من أهل بيت نزل عليهم جبرئيلعليه‌السلام .

١٩ ـ في كتاب الخصال عن الأصبغ بن نباتة قال. قال أمير المؤمنين (ع) في حديث طويل. والنفاق على أربع دعائم على الهوى والهوينا والحفيظة والطمع(١) فالهوى على أربع شعب على البغي، والعدوان، والشهوة، والطغيان، فمن بغى كثرت غوائله. وعلاته(٢) علات ومن اعتدى لم تؤمن بوايقه ولم يسلم قلبه، ومن لم يعزل نفسه عن الشهوات خاص في الخبيثات، ومن طغى ضل على غير يقين ولا حجة له، وشعب الهوينا الهيبة والغرة والمماطلة(٣) والأمل، وذلك لان الهيبة ترد على دين الحق(٤) وتفرط المماطلة في العمل حتى يقدم الأجل، ولولا الأمل علم الإنسان حسب ما هو فيه ولو علم حسب ما هو فيه مات من الهول والوجل، وشعب الحفيظة الكبر والفخر والحمية والعصبية فمن استكبر أدبر، ومن فخر فجر، ومن حمى أصر، ومن أخذته العصبية جار، فبئس الأمر أمر بين الاستكبار والأدبار، وفجور وجور وشعب الطمع أربع: الفرح والمرح(٥) واللجاجة والتكاثر، فالفرح مكروه عند اللهعزوجل ، والمرح خيلاء(٦) واللجاجة بلاء لمن اضطرته إلى حبائل الاثام، والتكاثر لهو وشغل، واستبدال الذي هو

__________________

ـ في ذمه روايات كثيرة منها هذه الروايات وان شئت تفصيل الحال فراجع تنقيح المقال وغيره من كتب الرجال.

(١) الهوينا، تصغير الهونى مؤنث الأهون والمراد منه التهاون في امر الدين وترك الاهتمام فيه. والحفيظة: الحمية والغضب.

(٢) علات: جمع العلة.

(٣) وفي المصدر «الهينة» بالنون بدل «الهيبة» والغرة ـ بتشديد الراء ـ الغفلة وما طلحة بحقه مماطلة: سوفه بأدائه مرة بعد أخرى.

(٤) وفي المصدر «ترد عن دين الحق» وهو الظاهر في الكافي «ترد عن الحق».

(٥) مرح مرحا الرجل: اشتد فرحه ونشاطه حتى جاوز القدر وتبختر واختال.

(٦) الخيلاء: ـ كعلماء ـ العجب والكبر.

٣٤

ادنى بالذي هو خير، فذلك النفاق ودعائمه وشعبه!

٢٠ ـ في كتاب ثواب الأعمال باسناده إلى مسعدة بن زياد عن جعفر بن محمد عن أبيهعليه‌السلام ان رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله سئل فيما النجاة غدا؟ قال: انما النجاة في ان لا تخادعوا الله فيخدعكم، فانه من يخادع الله ويخدعه يخلع منه الايمان ونفسه يخدع لو يشعر، قيل له: وكيف يخادع الله؟ قال: يعمل ما امر اللهعزوجل ثم يريد به غيره، فاتقوا الله والرياء فانه شرك بالله.

٢١ ـ في مصباح الشريعة قال الصادقعليه‌السلام : واعلم انك لا تقدر على إخفاء شيء من باطنك عليه [تعالى] وتصيره مخدوعا بنفسك، قال الله تعالى:( يُخادِعُونَ اللهَ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَما يَخْدَعُونَ إِلَّا أَنْفُسَهُمْ وَما يَشْعُرُونَ ) .

٢٢ ـ في مجمع البيان في قوله:( وَإِذا لَقُوا الَّذِينَ آمَنُوا ) الاية وروى عن أبي جعفر الباقرعليه‌السلام انهم كهانهم(١) قالوا انا معكم أي على دينكم انما نحن مستهزؤن أي نستهزئ بأصحاب محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله ونسخر بهم في قولنا آمنا.

٢٣ ـ في عيون الأخبار باسناده إلى الحسن بن عليّ بن فضال عن أبيه قال: سألت الرضاعليه‌السلام إلى أن قال: فقال «ان الله تعالى لا يسخر ولا يستهزئ ولا يمكر ولا ـ يخادع، ولكنه تعالى يجازيهم جزاء السخرية وجزاء الاستهزاء وجزاء المكر والخديعة، تعالى عما يقول الظالمون علوا كبيرا.

٢٤ ـ في كتاب الاحتجاج للطبرسي (ره) عن أمير المؤمنينعليه‌السلام حديث طويل وفيه، لو علم المنافقون لعنهم الله ما عليهم من ترك هذه الآيات التي بينت لك تأويلها لأسقطوها مع ما اسقطوا منه، ولكن الله تبارك اسمه، ماض حكمه بإيجاب الحجة على خلقه، كما قال:( فَلِلَّهِ الْحُجَّةُ الْبالِغَةُ ) (٢) أغشى أبصارهم وجعل على قلوبهم أكنة عن تأمل ذلك فتركوه بحاله وحجبوا عن تأكيد الملتبس بابطاله، فالسعداء

__________________

(١) أي المراد من الشياطين في قوله تعالى بعده( وَإِذا خَلَوْا إلى شَياطِينِهِمْ ) كهانهم وكهان جمع الكهنة.

(٢) الانعام: ١٤٩.

٣٥

يتنبهون عليه والأشقياء يعمهون عنه.

٢٥ ـ في روضة الكافي على بن محمد عن علي بن العباس عن علي بن حماد عن عمرو بن شمر عن جابر عن أبي جعفرعليه‌السلام (١) قال: وقال اللهعزوجل لمحمدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ( قُلْ لَوْ أَنَّ عِنْدِي ما تَسْتَعْجِلُونَ بِهِ لَقُضِيَ الْأَمْرُ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ ) (٢) قال: لو انى أمرت ان أعلمكم الذي أخفيتم في صدوركم من استعجالكم بموتي لتظلموا أهل بيتي من بعدي: فكان مثلكم كما قال اللهعزوجل ،( كَمَثَلِ الَّذِي اسْتَوْقَدَ ناراً فَلَمَّا أَضاءَتْ ما حَوْلَهُ ) يقول: أضائت الأرض بنور محمد كما تضيء الشمس، فضرب الله مثل محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم الشمس، ومثل الوصي القمر، وهو قول اللهعزوجل :( جَعَلَ الشَّمْسَ ضِياءً وَالْقَمَرَ نُوراً ) (٣) وقوله:( وَآيَةٌ لَهُمُ اللَّيْلُ نَسْلَخُ مِنْهُ النَّهارَ فَإِذا هُمْ مُظْلِمُونَ ) (٤) وقولهعزوجل ،( ذَهَبَ اللهُ بِنُورِهِمْ وَتَرَكَهُمْ فِي ظُلُماتٍ لا يُبْصِرُونَ ) يعنى قبض محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وظهرت الظلمة، فلم يبصروا فضل أهل بيته، والحديث طويل، أخذنا منه موضع الحاجة.

٢٦ ـ في عيون الأخبار باسناده إلى إبراهيم بن أبي محمود قال: سألت أبا الحسن الرضاعليه‌السلام عن قول الله تبارك وتعالى:( وَتَرَكَهُمْ فِي ظُلُماتٍ لا يُبْصِرُونَ ) فقال: إنَّ الله تعالى لا يوصف بالترك كما يوصف خلقه، ولكنه متى علم أنهم لا يرجعون عن الكفر والضلالة منعهم المعاونة واللطف، وخلى بينهم وبين اختيارهم.

٢٧ ـ في روضة الكافي محمد بن يعقوب الكليني قال حدّثني علي بن إبراهيم عن أبيه عن ابن فضال عن حفص المؤذن عن أبي عبد اللهعليه‌السلام وعن محمد بن إسمعيل بن بزيع عن محمد بن سنان عن إسمعيل بن جابر عن أبي عبد اللهعليه‌السلام أنّه قال في رسالة طويلة إلى أصحابه

__________________

(١) في تفسير بعض الآيات.

(٢) الانعام: ٨٥.

(٣) يونس: ٥.

(٤) يس: ٣٧.

٣٦

فان زلق اللسان(١) فيما يكره الله وفيما ينهى عنه مرادة(٢) للعبد عند الله ومقت من الله وصم وعمى وبكم يورثه الله إياه يوم القيامة فيصيروا كما قال الله( صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لا يَرْجِعُونَ ) يعنى( لا يَنْطِقُونَ وَلا يُؤْذَنُ لَهُمْ فَيَعْتَذِرُونَ ) .

٢٨ ـ في مجمع البيان وقيل: الرعد هو ملك موكل بالسحاب يسبح، وهو المروي عن أئمتنا (ع).

٢٩ ـ فيمن لا يحضره الفقيه وقال علىعليه‌السلام (٣) الرعد صوت الملك، والبرق سوطه.

٣٠ ـ وروى ان الرعد صوت ملك أكبر من الذباب وأصغر من الزنبور

٣١ ـ وسأل أبو بصير أبا عبد الله عن الرعد أي شيء يقول؟ قال، انه بمنزلة الرجل يكون في الإبل فيزجرها هاي هاي كهيئة ذلك، قال: قلت جعلت فداك فما حال البرق؟ قال: تلك مخاريق الملئكة(٤) تضرب السحاب فتسوقه إلى الموضع الذي قضى اللهعزوجل فيه المطر.

__________________

(١) وقبل هذا الكلام قوله (ع) وإياكم ان تزلقوا ألسنتكم بقول الزور والبهتان والإثم والعدوان. والزلق. بالزاي المعجمة ـ، بمعنى الزينة وكذا تزلق بمعنى، تزين وتنعم وفي بعض النسخ بالذال المعجمة وهو من قولهم لسان ذلق أي فصيح بليغ ذرب.

(٢) من الردى بمعنى الهلاك.

(٣) كذا في النسخ لكن في المصدر نقل قبل هذا الحديث حديث أبي بصير ـ الآتي ـ عن الصادق عليه‌السلام ثم ذكر هذا الحديث بقوله: وقال عليه‌السلام: «الرعد صوت الملك. إلخ». وظاهره ان القائل هو الصادق عليه‌السلام وقد راجعت نسخة أخرى من نسخ المصدر وفيها أيضا مثل ما في النسخة المطبوعة بالغري فلعل المؤلف (ره) اطلع على نسخة مصححة روى فيها الحديث عن على (ع)

(٤) قال ابن الأثير في النهاية: وفي حديث على: «البرق مخاريق الملائكة» هي جمع مخراق وهو في الأصل ثوب يلف ويضرب به الصبيان بعضهم بعضا، أرادا انه آلة تزجر بها الملائكة السحاب وتسوقه ثم ذكر في تأييده حديثا عن ابن عباس.

٣٧

قال عز من قائل،( إِنَّ اللهَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ) .

٣٢ ـ في كتاب التوحيد بإسناد إلى أبي هاشم الجعفري عن أبي جعفر الثانيعليه‌السلام حديث طويل وفيه يقولعليه‌السلام : قولك ان الله قدير خبرت انه لا يعجزه شيء فنفيت بالكلمة العجز وجعلت العجز سواه.

٣٣ ـ وباسناده إلى أبي بصير وقال: سمعت أبا عبد الله يقول لم يزل اللهعزوجل ربنا والعلم ذاته ولا معلوم، والسمع ذاته ولا مسموع، والبصر ذاته ولا مبصر، والقدرة ذاته ولا مقدور فلما أحدث الأشياء وكان المعلوم وقع العلم منه على المعلوم، والسمع على المسموع، والبصر على المبصر، والقدرة على المقدور.

٣٤ ـ وباسناده إلى محمد بن أبي إسحاق الخفاف قال: حدّثني عدة من أصحابنا ان عبد الله الديصاني أتى هشام بن الحكم فقال له: ألك رب؟ فقال: بلى قال قادر قال نعم قادر قاهر قال يقدر ان يدخل الدنيا كلها في البيضة لا تكبر البيضة ولا تصغر الدنيا؟ فقال هشام. النظرة، فقال له. قد أنظرتك حولا، ثم خرج عنه فركب هشام إلى أبي عبد اللهعليه‌السلام فاستأذن عليه (ع) فاذن له، فقال له. يا ابن رسول الله أتانى عبد الله الديصاني بمسئلة ليس المعول فيها الا على الله وعليك، فقال له أبو عبد اللهعليه‌السلام . عما ذا سألك؟ فقال: قال لي كيت وكيت فقال أبو عبد اللهعليه‌السلام . يا هشام كم حواسك؟ قال خمس قال: أيها الأصغر؟ قال: الناظر، قال: وكم قدر الناظر قال مثل العدسة أو أقل منها، فقال له. يا هشام فانظر أمامك وفوقك وأخبرنى بما ترى، فقال: أرى سماء وأرضا ودرا وقصورا وترابا وجبالا وأنهارا، فقال له أبو عبد اللهعليه‌السلام . ان الذي قدر أن يدخل الذي تراه العدسة أو أقل منها قادر أن يدخل الدنيا كلها البيضة لا تصغر الدنيا ولا تكبر البيضة، فانكب هشام عليه وقبل يديه ورأسه ورجليه وقال. حسبي يا ابن رسول الله والحديث طويل أخذنا منه موضع الحاجة.

٣٥ ـ وباسناده إلى ابن أبي عمير عمن ذكره عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال: إنَّ إبليس قال لعيسى ابن مريمعليه‌السلام : أيقدر ربك على أن يدخل الأرض بيضة لا تصغر الأرض ولا تكبر البيضة؟ فقال عيسىعليه‌السلام . ويلك ان الله تعالى لا يوصف بعجز، ومن أقدر ممن يلطف الأرض ويعظم البيضة.

٣٨

٣٦ ـ وباسناده إلى عمرو بن أذينة عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال: قيل لأمير المؤمنينعليه‌السلام . هل يقدر ربك أن يدخل الدنيا في بيضة من غير ان تصغر الدنيا أو تكبر البيضة؟ قال: إنَّ الله تبارك وتعالى لا ينسب إلى العجز والذي سألتنى لا يكون ،

٣٧ ـ وباسناده إلى أبان بن عثمان عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال: جاء رجل إلى أمير ـ المؤمنينعليه‌السلام فقال أيقدر الله أن يدخل الأرض في بيضة ولا تصغر الأرض ولا تكبر البيضة؟ فقال له ويلك ان الله لا يوصف بالعجز ومن أقدر ممن يلطف الأرض ويعظم البيضة.

٣٨ ـ وباسناده إلى أحمد بن محمد بن أبي نصر قال جاء رجل إلى الرضاعليه‌السلام فقال له هل يقدر ربك أن يجعل السموات والأرض وما بينهما في بيضة؟ فقال: نعم، وفي أصغر من البيضة قد جعلها في عينك وهو أقل من البيضة، لأنك إذا فتحتها عاينت السماء والأرض وما بينهما، فلو شاء لأعماك عنها. قال عز من قائل:( يا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ ) «الاية».

٣٩ ـ في عيون الأخبار فيما ذكره الفضل بن شاذان من العلل عن الرضاعليه‌السلام أنّه قال: فان قال، فلم يعبدوه؟(١) «قيل». لئلا يكونوا ناسين لذكره ولا تاركين لادبه، ولا لاهين عن أمره ونهيه، إذا كان فيه صلاحهم وقوامهم، فلو تركوا بغير تعبد لطال عليهم الأمد فقست قلوبهم.

٤٠ـ في كتاب التوحيد خطبة للرضاعليه‌السلام يقول فيها. أوّل عبادة الله معرفته، وأصل معرفة الله توحيده، ونظام توحيد الله نفى الصفات عنه، بشهادة العقول ان كل صفة وموصوف مخلوق وشهادة كل مخلوق ان له خالقا ليس بصفة ولا موصوف، وشهادة كل صفة وموصوف بالاقتران بالحدث، وشهادة الحدث بالامتناع من الأزل الممتنع من الحدث.

٤١ ـ في أصول الكافي ـ علي بن إبراهيم عن العباس بن معروف عن عبد الرحمن بن أبي نجران قال: كتبت إلى أبي جعفرعليه‌السلام ـ أوقلت له ـ: جعلني الله فداك نعبد الرحمن الرحيم الواحد الأحد الصمد؟ قال. فقال: إنَّ من عبد الاسم دون المسمى بالأسماء فقد أشرك وكفر وجحد ولم يعبد شيئا، بل اعبد الله الواحد الأحد الصمد المسمى

__________________

(١) كذا في النسخ لكن في المصدر «فلم تعبدهم» وهو الأنسب بسياق الحديث.

٣٩

بهذه الأسماء دون الأسماء، ان الأسماء صفات وصف بها نفسه تعالى.

٤٢ ـ عدة من أصحابنا عن أحمد بن محمد بن خالد عن أحمد بن محمد بن أبي نصر، عن بعض رجاله عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال: أفضل العبادة إدمان التفكر في الله وفي قدرته.

٤٣ ـ محمد بن يحيى عن أحمد بن محمد بن عيسى عن معمر بن خلاد قال: سمعت أبا الحسن الرضاعليه‌السلام يقول: ليس العبادة كثرة الصلوة والصوم، انما العبادة التفكر في أمر اللهعزوجل .

٤٤ ـ وباسناده إلى الفضيل بن يسار قال: قال أبو جعفرعليه‌السلام . ان أشد العبادة الورع.

٤٥ ـ وباسناده إلى عليّ بن الحسينعليه‌السلام قال: من عمل بما افترض الله عليه فهو من أعبد الناس.

٤٦ ـ علي بن إبراهيم عن أبيه عن ابن محبوب عن جميل عن هارون بن خارجة عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال: العبادة ثلثة، قوم عبدوا اللهعزوجل خوفا فتلك عبادة العبيد، وقوم عبدوا الله تبارك وتعالى طلب الثواب فتلك عبادة الاجراء، وقوم عبدوا اللهعزوجل حبا له فتلك عبادة الأحرار، وهي أفضل العبادة.

٤٧ ـ في كتاب معاني الأخبار باسناده إلى إسمعيل بن مسلم عن جعفر بن محمد عن أبيه عن آبائهعليهم‌السلام قال: قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : العبادة سبعون جزءا أفضلها جزءا طلب الحلال.

٤٨ ـ في عيون الأخبار باسناده إلى الرضاعليه‌السلام أنّه قال: النظر إلى ذريتنا عبادة، فقيل له: يا بن رسول الله النظر إلى الائمة منكم عبادة أو النظر إلى جميع ذرية النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ؟ قال: بل النظر إلى جميع ذرية النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عبادة ما لم يفارقوا منهاجه، ولم يتلوثوا بالمعاصي.

٤٩ ـ في كتاب الخصال عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال: ما عبد الله بشيء أفضل من الصمت والمشي إلى بيته.

٤٠

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

وقال بعض المفسّرين بأنّ جملة :( وَيَزِيدَهُمْ مِنْ فَضْلِهِ ) إشارة إلى مقام «الشهود» الذي يكون للمؤمنين في يوم القيامة بأن يمكّنهم الله من النظر إلى جماله وجلاله والالتذاذ من ذلك بأعظم اللذّات. ولكن يظهر أنّ الجملة المذكورة لها معنى واسع وشامل بحيث يشمل محتوى الحديث المذكور وعطايا ومواهب اخرى غير معروفة أيضا.

جملة( إِنَّهُ غَفُورٌ شَكُورٌ ) تدلّل على أنّ أوّل لطف الله معهم ، هو «العفو» عن ذنوبهم وزلّاتهم التي تبدر منهم أحيانا ، لأنّ أشدّ قلق المؤمن يكون من هذا الجانب.

وبعد أن يهدأ بالهم من تلك الجهة ، فانّه تعالى يشملهم بـ «الشكر» أي انّه يشكر لهم أعمالهم ويعطيهم أفضل الجزاء والثواب.

نقل تفسير «مجمع البيان» مثلا تضربه العرب وهو «أشكر من بروقة» وتزعم العرب أنّها ـ أي بروقة ـ شجرة عارية من الورق ، تغيم السماء فوقها فتخضر وتورق من غير مطر(١) . وهو مثل يضرب للتعبير عن منتهى الشكر ، ففي قبال أقل الخدمات ، يقدّم أعظم الثواب. بديهي أنّ خالق مثل هذه الشجرة أشكر منها وأرحم.

* * *

تعليقة

شروط تلك التجارة العجبية :

الملفت للنظر أنّ كثيرا من الآيات القرآنية الكريمة تشبّه هذا العالم بالمتجر الذي تجّاره الناس ، والمشتري هو الله سبحانه وتعالى ، وبضاعته العمل الصالح ،

__________________

(١) مجمع البيان ، ج ٤ ، ص ٤٠٧.

٨١

والقيمة أو الأجر : الجنّة والرحمة والرضا منه تعالى(١) .

ولو تأمّلنا بشكل جيّد فسوف نرى أنّ هذه التجارة العجبية مع الله الكريم ليس لها نظير ، لأنّها تمتاز بالمزايا التالية التي لا تحتويها أيّة تجارة اخرى :

١ ـ إنّ الله سبحانه وتعالى أعطى للبائع تمام رأسماله ، ثمّ كان له مشتريا!.

٢ ـ إنّ الله تعالى مشتر في حال أنّه غير محتاج ـ إلى شيء تماما ـ فلديه خزائن كلّ شيء.

٣ ـ إنّه تعالى يشتري «المتاع القليل» بالسعر «الباهض» «يا من يقبل اليسير ويعفو عن الكثير» ، «يا من يعطي الكثير بالقليل».

٤ ـ هو تعالى يشتري حتّى البضاعة التافهة( فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ ) .

٥ ـ أحيانا يعطي قيمة تعادل سبعمائة ضعف أو أكثر «البقرة ـ ٢٦١».

٦ ـ علاوة على دفع الثمن العظيم فإنّه أيضا يضيف إليه من فضله ورحمته( وَيَزِيدَهُمْ مِنْ فَضْلِهِ ) (الآية موضوع البحث).

ويا له من أسف أنّ الإنسان العاقل الحرّ ، يغلق عينيه عن تجارة كهذه ، ويشرع بغيرها ، وأسوأ من ذلك أن يبيع بضاعته مقابل لا شيء.

أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه أفضل الصلاة والسلام) يقول : «ألا حرّ يدع هذه اللّماظة لأهلها ، إنّه ليس لأنفسكم ثمن إلّا الجنّة ، فلا تبيعوها إلّا بها»(٢) .

* * *

__________________

(١) سورة الصف : آية ١ والتوبة ـ آية ١١١ والبقرة ٢٠٧ والنساء ـ ٧٤.

(٢) نهج البلاغة ، الكلمات القصار ، جملة ٤٥٦ ، صفحة ٥٥٦.

٨٢

الآيتان

( وَالَّذِي أَوْحَيْنا إِلَيْكَ مِنَ الْكِتابِ هُوَ الْحَقُّ مُصَدِّقاً لِما بَيْنَ يَدَيْهِ إِنَّ اللهَ بِعِبادِهِ لَخَبِيرٌ بَصِيرٌ (٣١) ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنا مِنْ عِبادِنا فَمِنْهُمْ ظالِمٌ لِنَفْسِهِ وَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سابِقٌ بِالْخَيْراتِ بِإِذْنِ اللهِ ذلِكَ هُوَ الْفَضْلُ الْكَبِيرُ (٣٢) )

التّفسير

الورثة الحقيقيّون لميراث الأنبياء :

بعد أن كان الحديث في الآيات السابقة عن المؤمنين المخلصين الذين يتلون الكتاب الإلهي ويطبّقون وصاياه ، تتحدّث هذه الآيات عن ذلك الكتاب السماوي وأدلّة حقّانيّة ، وكذلك عن الحملة الحقيقيين لذلك الكتاب ، وبذا يستكمل الحديث الذي افتتحته الآيات السابقة حول التوحيد ، بالبحث الذي تثيره هذه الآيات حول النبوّة.

تقول الآية الكريمة :( وَالَّذِي أَوْحَيْنا إِلَيْكَ مِنَ الْكِتابِ هُوَ الْحَقُ ) .

مع الأخذ بنظر الإعتبار أنّ (الحقّ) يعني كلّ ما ينطبق مع الواقع وينسجم معه ، فإنّ هذا التعبير دليل على إثبات أنّ هذا الكتاب السماوي نازل من الله تعالى ، لأنّنا

٨٣

كلّما دقّقنا النظر في هذا الكتاب السماوي وجدناه أكثر انسجاما مع الواقع.

فليس فيه تناقض ، أو كذب أو خرافة ، بل فمبادئه ومعارفه تنسجم مع منطق العقل. قصصه وتواريخه منزّهة عن الأساطير والخرافات ، وقوانينه تتساوق مع احتياجات البشر ، فتلك الحقّانية دليل واضح على أنّه نازل من الله سبحانه وتعالى.

هنا ولأجل توضيح موقع القرآن الكريم ، تمّت الاستفادة هنا من كلمة «الحقّ» ، في حال أنّه في آيات اخرى من القرآن الكريم ورد التعبير عنه بـ «النور» و «البرهان» و «الفرقان» و «الذكر» و «الموعظة» و «الهدى» ، وكلّ واحدة منها تشير إلى واحدة من بركات القرآن وأبعاده ، بينما كلمة (الحقّ) تشمل جميع تلك البركات.

يقول الراغب في (مفرداته) : أصل الحقّ المطابقة والموافقة ، والحقّ يقال على أوجه :

الأوّل : يقال لمن يوجد الشيء على أساس الحكمة ، ولهذا قيل في الله تعالى هو الحقّ، لذا قال الله :( فَذلِكُمُ اللهُ رَبُّكُمُ الْحَقُ ) .(١)

الثّاني : يقال للشيء الذي وجد بحسب مقتضى الحكمة ، ولهذا يقال فعل الله تعالى كلّه حقّ ، قال تعالى :( ما خَلَقَ اللهُ ذلِكَ إِلَّا بِالْحَقِ ) ،(٢) أي الشمس والقمر وغير ذلك.

الثّالث : في العقائد المطابقة للواقع. قال تعالى :( فَهَدَى اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا لِمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ مِنَ الْحَقِ ) .(٣)

والرّابع : يقال للأقوال والأفعال الصادر وفقا لما يجب ، وبقدر ما يجب ، وفي الوقت المقرّر ، كقولنا : فعلك حقّ ، وقولك حقّ(٤) .

__________________

(١) يونس ، ٣٢.

(٢) يونس ـ ٥.

(٣) البقرة ـ ٢١٣.

(٤) مفردات الراغب ـ مادّة حقّ. «مع تلخيص واختصار».

٨٤

وبناء عليه ، فإنّ حقّانية القرآن المجيد هي من حيث كونه حديثا مطابقا للمصالح والواقعيات من جهة ، كما أنّ العقائد والمعارف الموجودة فيه تنسجم مع الواقع من جهة اخرى ، ومن جهة ثالثة فإنّه من نسج الله وصنعه الذي صنعه على أساس الحكمة ، والله ذاته تعالى الذي هو الحقّ يتجلّى في ذلك الكتاب العظيم ، والعقل يصدق ويؤمن بما هو حقّ.

جملة( مُصَدِّقاً لِما بَيْنَ يَدَيْهِ ) دليل آخر على صدق هذا الكتاب السماوي ، لأنّه ينسجم مع الدلائل المذكورة في الكتب السماوية السابقة في إشارتها إليه وإلى حاملهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .

جملة( إِنَّ اللهَ بِعِبادِهِ لَخَبِيرٌ بَصِيرٌ ) توضّح علّة حقّانية القرآن وانسجامه مع الواقع والحاجات البشرية ، لأنّه نازل من الله سبحانه وتعالى الذي يعرف عباده خير معرفة ، وهو البصير الخبير فيما يتعلّق بحاجاتهم.

لكن ما هو الفرق بين «الخبير» و «البصير»؟

قال البعض : «الخبير» العالم بالبواطن والعقائد والنيّات والبعد الروحي في الإنسان ، و «البصير» العالم بالظواهر والبعد الجسماني للإنسان.

وقال آخرون : «الخبير» إشارة إلى أصل خلق الإنسان ، و «البصير» إشارة إلى أعماله وأفعاله.

وطبيعي أنّ التّفسير الأوّل يبدو أنسب وإن كان شمول الآية لكلا المعنيين ليس مستبعدا.

الآية التّالية تتحدّث في موضوع مهم بالنسبة إلى حملة هذا الكتاب السماوي العظيم ، أولئك الذين رفعوا مشعل القرآن الكريم بعد نزوله على الرّسول الأكرمصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، في زمانه وبعده على مرّ القرون والعصور ، وهم يحفظونه ويحرسونه ، فتقول :( ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنا مِنْ عِبادِنا ) .

واضح أنّ المقصود من «الكتاب» هنا ، هو نفس ما ذكر في الآية السابقة وهو

٨٥

«القرآن الكريم» والألف واللام فيه «للعهد». والقول بأنّ المراد هو الإشارة للكتب السماوية ، وأنّ اللام هنا «للجنس» يبدو بعيد الاحتمال ، وليس فيه تناسب مع ما ورد في الآيات السابقة.

التعبير بـ «الإرث» هنا وفي موارد اخرى مشابهة في القرآن الكريم ، لأجل أنّ «الإرث» يطلق على ما يستحصل بلا مشقّة أو جهد ، والله سبحانه وتعالى أنزل هذا الكتاب السماوي العظيم للمسلمين هكذا بلا مشقّة أو جهد.

لقد وردت روايات كثيرة هنا من أهل البيتعليهم‌السلام في تفسير عبارة( الَّذِينَ اصْطَفَيْنا ) بالأئمّة المعصومينعليهم‌السلام (١) .

هذه الروايات ـ كما ذكرنا مرارا ـ ذكر لمصاديق واضحة وفي الدرجة الاولى. ولكن لا مانع من اعتبار العلماء والمفكّرين في الامّة ، والصلحاء والشهداء ، الذين سعوا واجتهدوا في طريق حفظ هذا الكتاب السماوي ، والمداومة على تطبيق أوامره ونواهيه ، تحت عنوان( الَّذِينَ اصْطَفَيْنا مِنْ عِبادِنا ) .

ثمّ تنتقل الآية إلى تقسيم مهمّ بهذا الخصوص ، فتقول :( فَمِنْهُمْ ظالِمٌ لِنَفْسِهِ وَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سابِقٌ بِالْخَيْراتِ بِإِذْنِ اللهِ ذلِكَ هُوَ الْفَضْلُ الْكَبِيرُ ) .

ظاهر الآية هو أنّ هذه المجامع الثلاثة هي من بين( الَّذِينَ اصْطَفَيْنا ) أي : ورثة وحملة الكتاب السماوي.

وبتعبير أوضح ، إنّ الله سبحانه وتعالى قد أوكل مهمّة حفظ هذا الكتاب السماوي ، بعد الرّسول الأكرمصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إلى هذه الامّة ، الامّة التي اصطفاها الله سبحانه ، غير أنّ في تلك الامّة مجاميع مختلفة : بعضهم قصّروا في وظيفتهم العظيمة في حفظ هذا الكتاب والعمل بأحكامه ، وفي الحقيقة ظلموا أنفسهم ، وهم مصداق( ظالِمٌ لِنَفْسِهِ ) .

ومجموعة اخرى ، أدّت وظيفتها في الحفظ والعمل بالأحكام إلى حدّ كبير ، وإن

__________________

(١) راجع تفسير نور الثقلين ، المجلّد ٤ ، صفحة ٣٦١.

٨٦

كان عملها لا يخلو من بعض الزلّات والتقصيرات أيضا ، وهؤلاء مصداق «مقتصد».

وأخيرا مجموعة ممتازة ، أنجزت وظائفها العظيمة بأحسن وجه ، وسبقوا الجميع في ميدان الاستباق ، والذين أشارت إليهم الآية بقولها :( سابِقٌ بِالْخَيْراتِ بِإِذْنِ اللهِ ) .

وهنا يمكن أن يقال بأنّ وجود المجموعة «الظالمة» ينافي أنّ هؤلاء جميعا مشمولون بقوله «اصطفينا»؟

وفي الجواب نقول : إنّ هذا شبيه بما ورد بالنسبة إلى بني إسرائيل في الآية (٥٣) من سورة المؤمن :( وَلَقَدْ آتَيْنا مُوسَى الْهُدى وَأَوْرَثْنا بَنِي إِسْرائِيلَ الْكِتابَ ) ، في حال أنّنا نعلم أنّ بني إسرائيل جميعهم لو يؤدّوا وظيفتهم إزاء هذا الميراث العظيم.

أو نظير ما ورد في الآية (١١٠) من سورة آل عمران :( كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ ) .

أو ما ورد في الآية (١٦) من سورة الجاثية بخصوص بني إسرائيل أيضا( وَفَضَّلْناهُمْ عَلَى الْعالَمِينَ ) .

وكذلك في الآية (٢٦) من سورة الحديد نقرأ :( وَلَقَدْ أَرْسَلْنا نُوحاً وَإِبْراهِيمَ وَجَعَلْنا فِي ذُرِّيَّتِهِمَا النُّبُوَّةَ وَالْكِتابَ فَمِنْهُمْ مُهْتَدٍ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فاسِقُونَ ) .

وخلاصة القول : إنّ الإشارة في أمثال هذه التعبيرات ليست للامّة بأجمعها فردا فردا ، بل إلى مجموع الامّة ، وإن احتوت على طبقات ، ومجموعات مختلفة(١) .

__________________

(١) أمّا ما احتمله البعض من أنّ التقسيم الوارد في الآية يعود على «عبادنا» وليس على «الذين اصطفينا» ، بحيث أنّ هذه المجموعات الثلاثة لا تدخل ضمن مفهوم ورثة الكتاب ، بل ضمن مفهوم «عبادنا» و «الذين اصطفينا» فقط المجموعة الثالثة أي «السابقين بالخيرات» ، فيبدو بعيدا ، لأنّ الظّاهر هو أنّ هذه المجموعات ممّن ذكرتهم الآية ، ونعلم أنّ الحديث في الآية لم يكن عن كلّ العباد ، بل عن( الَّذِينَ اصْطَفَيْنا ) ، ناهيك عن إضافة «نا» إلى «عباد» وهو نوع من التمجيد والمدح ، ممّا يجعل ذلك غير منسجم مع التّفسير المذكور.

٨٧

وقد ورد في روايات كثيرة عن أهل بيت العصمةعليهم‌السلام في تفسير «سابق بالخيرات» بالمعصومعليه‌السلام ، و «ظالم لنفسه» بمن لا يعرف الإمام ، و «المقتصد» العارف بالإمام(١) .

هذه التّفسيرات شاهد واضح على ما اخترناه لتفسير الآية ، وهو أنّه لا مانع من كون هذه المجاميع الثلاثة ضمن ورثة الكتاب الإلهي.

ولا نحتاج إلى التذكير بأنّ تفسير الروايات أعلاه هو من قبيل بيان المصاديق الأوضح للآية ، وهم الأئمّة المعصومون ، إذ هم الصفّ الأوّل ، بينما العلماء والمفكّرون وحماة الدين الآخرون في صفوف اخرى.

كذلك فإنّ التّفسير الوارد في تلك الروايات للظالم والمقتصد ، هو أيضا من قبيل بيان المصاديق ، وإذا لاحظنا أنّ بعض الرّوايات تنفي شمول الآية للعلماء في مقصودها فإنّ ذلك في الحقيقة لإلفات النظر إلى وجود الإمام في مقدّمة تلك الصفوف.

ومن الجدير بالذكر أنّ جمعا من المفسّرين القدماء والمعاصرين احتملوا الكثير من الاحتمالات في تفسير هذه المجاميع ، والتي هي في الحقيقة جميعا من قبيل بيان المصاديق(٢) .

__________________

(١) راجع تفسير نور الثقلين ، المجلّد ٤ ، صفحة ٣٦١ ، كذلك الكافي ، المجلّد ١ ، باب من اصطفاه الله من عباده.

(٢) ذهب بعض بأنّ السابق بالخيرات هم أعوان الرّسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم والمقتصد طبقة التابعين ، والظالم لنفسه أفرادا آخرون. والبعض الآخر فسّروا «سابق بالخيرات» بالذين يفضّل باطنهم على ظاهرهم و «المقتصد» بالذين يتساوى ظاهرهم وباطنهم ، و «الظالم لنفسه» بالذين يفضّل ظاهرهم على باطنهم. والبعض الآخر قالوا إنّ «السابقين» هم الصحابة ، و «المقتصدين» هم تابعيهم ، و «الظالمين» هم المنافقون. وقال آخرون بأنّ الآية تشير إلى المجموعات الثلاثة الواردة في سورة الواقعة ـ الآيات ٧ إلى ١١.( وَكُنْتُمْ أَزْواجاً ثَلاثَةً فَأَصْحابُ الْمَيْمَنَةِ ما أَصْحابُ الْمَيْمَنَةِ وَأَصْحابُ الْمَشْئَمَةِ ما أَصْحابُ الْمَشْئَمَةِ وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ أُولئِكَ الْمُقَرَّبُونَ ) . وفي حديث أنّ «السابق بالخيرات» هم الأئمّة علي والحسن والحسين وشهداء آل محمّد عليهم الصلاة والسلام ، والمقتصد المتديّنون المجاهدون ، والظالم لنفسه الذي خلط عملا صالحا وآخر غير صالح.

٨٨

وهنا يطرح السؤال التالي : لماذا ابتدأ الحديث بذكر الظالمين كمجموعة اولى ، ثمّ المقتصد ، ثمّ السابقين بالخيرات ، في حين أنّ العكس يبدو أولى من عدّة جهات؟

بعض كبار المفسّرين قالوا للإجابة على هذا السؤال : إنّ الهدف هو بيان ترتيب مقامات البشر في سلسلة التكامل ، لأنّ أوّل المراحل هي مرحلة العصيان والغفلة ، وبعدها مقام التوبة والإنابة ، وأخيرا التوجّه والاقتراب من الله سبحانه وتعالى ، فحين تصدر المعصية من الإنسان فهو «ظالم لنفسه» ، وحين يلج مقام التوبة فهو «مقتصد» ، وحين تقبل توبته ويزداد جهاده في طريق الحقّ ، ينتقل إلى مقام القرب ليرقى إلى مقام «السابقين بالخيرات»(١) .

وقال آخر : بأنّ هذا الترتيب لأجل الكثرة والقلّة في العدد والمقدار ، فالظالمون يشكّلون الأكثرية ، والمقتصدون في المرتبة التالية ، والسابقون للخيرات وهم الخاصّة والأولياء من الناس هم الأقلّية وان كانوا أفضل من الناحية الكيفيّة.

الملفت للتأمّل ما نقل في حديث عن الإمام الصادقعليه‌السلام أنّه قال : (ما مؤدّاه): «قدّم الظالم لكي لا ييأس من رحمة الله ، وأخّر السابقون بالخيرات لكي لا يأخذهم الغرور بعملهم»(٢) .

ويمكن أن يكون كلّ من هذه المعاني الثلاثة مقصودا.

وآخر كلام في تفسير هذه الآية حول المشار إليه في جملة( ذلِكَ هُوَ الْفَضْلُ الْكَبِيرُ ) ؟

قال البعض ، بأنّه ميراث الكتاب الإلهي ، وقال آخرون بأنّه إشارة إلى التوفيق التي شمل حال السابقين بالخيرات ، وطيّهم لهذا الطريق بإذن الله ، لكن يبدو أنّ

__________________

وكلّ هذه التّفسيرات كما قلنا من قبيل بيان المصاديق ، وكلّها قابلة للتعقّل ، عدا التّفسير الأوّل الّذي لا يحتوي على مفهوم صحيح.

(١) مجمع البيان ، تفسير الآية مورد البحث.

(٢) تفسير أبو الفتوح الرازي ، المجلّد ٩ تفسير الآيات مورد البحث.

٨٩

المعنى الأوّل أنسب وأكثر انسجاما مع ظاهر الآية.

* * *

ملاحظة

من هم حرّاس الكتاب الإلهي؟

على ما ذكر القرآن الكريم فإنّ الله سبحانه وتعالى يشمل الامّة الإسلامية بمواهب عظيمة ، من أهمّها ذلك الميراث الإلهي العظيم وهو «القرآن».

وقد اصطفيت الامّة الإسلامية من باقي الأمم ، وتلك نعمة أعطيت لها ، ومسئولية ثقيلة أسندت إليها بنفس النسبة التي فضّلت بها وأصبحت بسببها مشمولة باللطف الإلهي ، وستكون هذه الامّة في صف «السابقين بالخيرات» ما أدّت حقّ حفظ وحراسة هذا الميراث العظيم. أي أن تسبق جميع الأمم في الخيرات ، في تطوير العلوم ، في التقوى والزهد ، في العبادة وخدمة البشرية ، في الجهاد والاجتهاد ، في التنظيم والإدارة ، في الفداء والإيثار والتضحية ، فتتقدّم وتسبق في كلّ هذه الأمور ، وإلّا فإنّها لا تكون قد أدّت حقّ حفظ ذلك الميراث العظيم. خاصّة إذا علمنا أنّ تعبير «السابقين بالخيرات» مفهوم واسع إلى درجة أنّه يشمل التقدّم في جميع الأمور ذات المنحى الإيجابي من امور الحياة.

نعم ، فحملة مثل هذا الميراث هم ـ فقط ـ أولئك الذين يتّصفون بتلك الصفات ، بحيث أنّهم لو أعرضوا عن تلك الهدية السماوية العظيمة ولم يراعوا حرمتها ، فسيكونون مصداقا لـ «ظالم لنفسه» ، إذ أنّ محتوى تلك الهدية الإلهية ليس سوى نجاتهم وتوفيقهم وانتصارهم ، فإنّ من يضرب عرض الحائط بنسخة الدواء التي كتبها له الطبيب ، فإنّه يساعد على استمرار الألم والعذاب لنفسه. وإنّ من يحطّم مصباحه الوحيد وهو يسير في طريق مظلم ، إنّما يسوق نفسه إلى التيه والضياع ، لأنّ الله سبحانه وتعالى غني عن الجميع.

٩٠

وعلى المذنبين أيضا أن لا ينسوا حقيقة أنّهم كانوا مشمولين بمضمون الآية الكريمة في زمرة( الَّذِينَ اصْطَفَيْنا ) وإنّ لهم ذلك الاستعداد بالقوّة ، فعليهم أن يتجاوزوا مرحلة «الظالم لنفسه» وينتقلوا إلى مرحلة «المقتصد» وليرتقوا من هناك حتّى ينالوا فخر «السابقين بالخيرات» ، حيث أنّهم من جهة الفطرة والبناء الروحي من الذين اصطفاهم الحقّ.

* * *

٩١

الآيات

( جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَها يُحَلَّوْنَ فِيها مِنْ أَساوِرَ مِنْ ذَهَبٍ وَلُؤْلُؤاً وَلِباسُهُمْ فِيها حَرِيرٌ (٣٣) وَقالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَذْهَبَ عَنَّا الْحَزَنَ إِنَّ رَبَّنا لَغَفُورٌ شَكُورٌ (٣٤) الَّذِي أَحَلَّنا دارَ الْمُقامَةِ مِنْ فَضْلِهِ لا يَمَسُّنا فِيها نَصَبٌ وَلا يَمَسُّنا فِيها لُغُوبٌ (٣٥) )

التّفسير

الحمد لله الذي أذهب عنّا الحزن :

هذه الآيات في الحقيقة نتيجة لما ورد ذكره في الآيات الماضية ، يقول تعالى :( جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَها ) (١) .

«جنّات» جمع «جنّة» بمعنى (الروضة) وكلّ بستان ذي شجر يستر بأشجاره الأرض.

__________________

(١) «جنّات عدن» : يمكن أن تكون خبرا لمبتدء محذوف تقديره «جزائهم» أو «أولئك لهم جنّات عدن» ، نظير الآية (٣١ ـ سورة الكهف) بعضهم أيضا قال : إنّها (بدل) عن «الفضل الكبير» ، ولكن باعتبار أنّ «الفضل الكبير» إشارة إلى ميراث الكتاب السماوي ، فلا يمكن أن تكون «جنّات» بدلا عنها ، إلّا إذا اعتبرنا المسبّب في مقام السبب.

٩٢

و «عدن» بمعنى الاستقرار والثبات ، ومنه سمّي المعدن لأنّه مستقر الجواهر والمعادن. وعليه فإنّ «جنّات عدن» بمعنى «جنّات الخلد والدوام والاستقرار».

على كلّ حال فإنّ هذا التعبير يشير إلى أنّ نعم الجنّة العظيمة خالدة وثابتة ، وليست كنعم الدنيا ممزوجة بالقلق الناجم عن زوالها وعدم دوامها ، وأهل الجنّة ليست لهم جنّة واحدة ، بل جنّات متعدّدة تحت تصرّفهم.

ثمّ تشير الآية إلى ثلاثة أنواع من نعم الجنّة ، بعضها إشارة إلى جانب مادّي وبعضها الآخر إلى جانب معنوي وباطني ، وبعض أيضا يشير إلى عدم وجود أي نوع من المعوّقات ، فتقول الآية :( يُحَلَّوْنَ فِيها مِنْ أَساوِرَ مِنْ ذَهَبٍ وَلُؤْلُؤاً وَلِباسُهُمْ فِيها حَرِيرٌ ) .

فهؤلاء لم يلتفتوا في هذه الدنيا إلى بريقها وزخرفها ، ولم يجعلوا أنفسهم أسرى لزبرجها ، ولم يكونوا أسرى التفكير باللباس الفاخر ، والله سبحانه وتعالى يعوّضهم عن كلّ ذلك ، فيلبسهم في الآخرة أفخر الثياب.

هؤلاء زيّنوا حياتهم الدنيا بالخيرات ، فزيّنهم الله سبحانه وتعالى في يوم تجسّد الأعمال يوم القيامة بأنواع الزينة.

لقد قلنا مرارا بأنّ الألفاظ التي وضعت لهذا العالم المحدود لا يمكنها أن توضّح مفاهيم ومفردات عالم القيامة العظيم ، فلأجل بيان نعم ذلك العالم الآخر نحتاج إلى حروف اخرى وثقافة اخرى وقاموس آخر ، على أيّة حال ، فلأجل توضيح صورة وإن كانت باهتة عن النعم العظيمة في ذلك العالم لا بدّ لنا أن نستعين بهذه الألفاظ العاجزة.

بعد ذلك تلك النعمة الماديّة ، تنتقل الآية مشيرة إلى نعمة معنوية خاصّة فتقول :وَقالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَذْهَبَ عَنَّا الْحَزَنَ ) .

فهؤلاء يحمدون الله بعد أن أصبحت تلك النعمة العظيمة من نصيبهم ، وتلاشت عن حياتهم جميع عوامل الغمّ والحسرة ببركة اللطف الإلهي ، وتبدّدت سحب الهمّ

٩٣

المظلمة عن سماء أرواحهم ، فلا خوف من عذاب إلهي ، ولا وحشة من موت وفناء ، ولا قلق ، ولا أذى الماكرين ، ولا اضطهاد الجبابرة القساة الغاصبين.

اعتبر بعض المفسّرين ذلك الغمّ والحسرة إشارة إلى نظير ما يتعرّض له في الدنيا ، واعتبره البعض الآخر إشارة إلى الحسرة في المحشر على نتائج أعمالهم ، ولا تضادّ بين هذين التّفسيرين ، ويمكن جمعهما في إطار المفهوم العام للآية.

«الحزن» : (على وزن عدم) ، و «الحزن» ـ على وزن عسر ـ كليهما لمعنى واحد كما ذهب إليه أرباب اللغة ، وأصله الوعورة والخشونة في الأرض واطلق على الخشونة في النفس لما يحصل فيها من الغمّ ويضادّه الفرح(١) .

ثمّ يضيف أهل الجنّة هؤلاء( إِنَّ رَبَّنا لَغَفُورٌ شَكُورٌ ) .

فبغفرانه أزال عنّا حسرة الزلّات والذنوب ، وبشكره وهبنا المواهب الخالدة التي لن يلقى عليها الغمّ بظلاله المشؤومة. غفر وستر بغفرانه الكثير الكثير من ذنوبنا ، وبشكره أعطانا الكثير على أعمالنا البسيطة القليلة القليلة!

أخيرا تنتقل الآية مشيرة إلى آخر النعم ، وهي عدم وجود عوامل الإزعاج والمشقّة والتعب والعذاب ، فتحكى عن ألسنتهم( الَّذِي أَحَلَّنا دارَ الْمُقامَةِ مِنْ فَضْلِهِ لا يَمَسُّنا فِيها نَصَبٌ وَلا يَمَسُّنا فِيها لُغُوبٌ ) .

الدار الآخرة هناك دار إقامة لا كما في الدنيا حيث أنّ الإنسان ما أن يألف محيطه ويتعلّق به حتّى يقرع له جرس الرحيل! هذا من جانب ومن جانب آخر فمع أنّ العمر هناك متّصل بالأبد ، إلّا أنّ الإنسان لا يصيبه الملل أو الكلل ، أو التعب أو النصب مطلقا ، لأنّهم في كلّ آن أمام نعمة جديدة ، وجمال جديد.

«النصب» بمعنى التعب ، و «اللغوب» بمعنى التعب والنصب أيضا. هذا على ما تعارف عليه أهل اللغة والتّفسير ، في حين أنّ البعض فرّق بين اللفظتين فقال بأنّ (النصب) يطلق على المشاقّ الجسمانية ، و «اللغوب» يطلق على المشاقّ

__________________

(١) مفردات الراغب.

٩٤

الروحية(١) . أو أنّه الضعف والنحول الناجم عن المشقّة والألم ، وبذا يكون «اللغوب» ناجما عن «النصب»(٢) .

وبذا فلا وجود هناك لعوامل التعب والمشقّة ، سواء كانت نفسية أو جسمانية.

* * *

__________________

(١) انظر تفسير روح المعاني ، مجلّد ٢٢ ، صفحة ١٨٤.

(٢) المصدر السابق.

٩٥

الآيات

( وَالَّذِينَ كَفَرُوا لَهُمْ نارُ جَهَنَّمَ لا يُقْضى عَلَيْهِمْ فَيَمُوتُوا وَلا يُخَفَّفُ عَنْهُمْ مِنْ عَذابِها كَذلِكَ نَجْزِي كُلَّ كَفُورٍ (٣٦) وَهُمْ يَصْطَرِخُونَ فِيها رَبَّنا أَخْرِجْنا نَعْمَلْ صالِحاً غَيْرَ الَّذِي كُنَّا نَعْمَلُ أَوَلَمْ نُعَمِّرْكُمْ ما يَتَذَكَّرُ فِيهِ مَنْ تَذَكَّرَ وَجاءَكُمُ النَّذِيرُ فَذُوقُوا فَما لِلظَّالِمِينَ مِنْ نَصِيرٍ (٣٧) إِنَّ اللهَ عالِمُ غَيْبِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذاتِ الصُّدُورِ (٣٨) )

التّفسير

ربّنا أخرجنا نعمل صالحا!

القرآن الكريم يقرن (الوعيد) (بالوعود) ويذكر «الإنذارات» ، إلى جانب «البشارات» لتقوية عاملي الخوف والرجاء الباعثين للحركة التكاملية في الإنسان ، إذ أنّ الإنسان بمقتضى «حبّ الذات» يقع تحت تأثير غريزتي «جلب المنفعة» و «دفع الضرر».

وعليه فمتابعة للحديث الذي كان في الآيات السابقة عن المواهب الإلهية

٩٦

العظيمة وصبر «المؤمنين السابقين في الخيرات» ينتقل الحديث هنا إلى العقوبات الأليمة للكفّار ، والحديث هنا أيضا عن العقوبات المادية والمعنوية.

تبتدئ الآيات بالقول :( وَالَّذِينَ كَفَرُوا لَهُمْ نارُ جَهَنَّمَ ) ، فكما أنّ الجنّة دار المقامة والخلد للمؤمنين ، فإنّ النار أيضا مقام أبدي للكافرين.

ثمّ تضيف( لا يُقْضى عَلَيْهِمْ فَيَمُوتُوا ) (١) ، فمع أنّ تلك النار الحامية وذلك العذاب المؤلم يستطيع القضاء عليهم في كلّ لحظة ، إلّا أنّهم ولعدم صدور الأمر الإلهي ـ وهو المالك لكلّ شيء ـ بموتهم لا يموتون ، يجب أن يبقوا على قيد الحياة ليذوقوا عذاب الله. فالموت بالنسبة إلى هؤلاء ليس سوى منفذ للخلاص من العذاب ، لكن الله تعالى أوصد دونهم ذلك المنفذ.

يبقى منفذ آخر هو أن يبقوا على قيد الحياة ويخفّف عنهم العذاب شيئا فشيئا ، أو أن يزداد تحمّلهم للعذاب فينتج عن ذلك تخفيف العذاب عنهم ، ولكن تتمّة الآية أغلقت هذا المنفذ أيضا( وَلا يُخَفَّفُ عَنْهُمْ مِنْ عَذابِها ) .

ثمّ تضيف الآية وللتأكيد على قاطعية هذا الوعد الإلهي( كَذلِكَ نَجْزِي كُلَّ كَفُورٍ ) .

فقد كفر هؤلاء في بادئ الأمر بنعمة وجود الأنبياء والكتب السماوية ، ثمّ أتلفوا رصيدهم الذي سخّره الله لمساعدتهم على نيل السعادة ، نعم ، فجزاء الكفّار ليس سوى الحريق والعذاب الأليم ، الحريق بالنار التي أشعلوها بأيديهم في الحياة الدنيا واحتطبوا لها من أفكارهم وأعمالهم ووجودهم.

وبما أنّ كلمة «كفور» صيغة مبالغة ، فإنّ لها معنى أعمق من «كافر» ، علاوة على أنّ لفظة «كافر» تستخدم في قبال «مؤمن» ولكن «كفور» إشارة إلى أولئك الذين كفروا بكلّ نعم الله ، وأغلقوا عليهم جميع أبواب الرحمة الإلهيّة في هذه الدنيا ، لذا فإنّ الله يغلق عليهم جميع أبواب النجاة في الآخرة.

__________________

(١) «لا يقضى عليهم» بمعنى لا يحكم عليهم.

٩٧

وتنتقل الآية التالية إلى وصف نوع آخر من العذاب الأليم ، وتشير إلى بعض النقاط الحسّاسة في هذا الخصوص ، فتقول الآية الكريمة :( وَهُمْ يَصْطَرِخُونَ فِيها رَبَّنا أَخْرِجْنا نَعْمَلْ صالِحاً غَيْرَ الَّذِي كُنَّا نَعْمَلُ ) (١) .

نعم ، فهم بمشاهدة نتائج أعمالهم السيّئة ، يغرقون في ندم عميق ، ويصرخون من أعماق قلوبهم ويطلبون المحال ، العودة إلى الدنيا للقيام بالأعمال الصالحة.

التعبير بـ «صالحا» بصيغة النكرة إشارة إلى أنّهم لم يعملوا أقلّ القليل من العمل الصالح ، ولازم هذا المعنى أنّ كلّ هذا العذاب والألم إنّما هو لمن لم تكن لهم أيّة رابطة مع الله سبحانه في حياتهم ، وكانوا غرقى في المعاصي والذنوب ، وعليه فإنّ القيام بقسم من الأعمال الصالحة أيضا يمكن أن يكون سببا في نجاتهم.

التعبير بالفعل المضارع «نعمل» أيضا له ذلك الإشعاع ، ويؤيّد هذا المعنى ، وهو تأكيد أيضا على «أنّنا كنّا مستغرقين في الأعمال الطالحة».

قال بعض المفسّرين : إنّ الربط بين وصف «صالحا» واللاحق لها «كنّا نعمل» يثير نكتة لطيفة ، وهي أنّ المعنى هو «إنّنا كنّا نعمل الأعمال التي عملنا بناء على تزيين هوى النفس والشيطان ، وكنّا نتوّهم أنّها أعمال صالحة ، والآن قرّرنا أن نعود ونعمل أعمالا صالحة في حقيقتها غير التي ارتكبناها».

نعم فالمذنب في بادئ الأمر ـ وطبق قانون الفطرة السليمة ـ يشعر ويشخص قباحة أعماله ، ولكنّه قليلا قليلا يتطبّع على ذلك فتقل في نظره قباحة العمل ، ويتوغّل أبعد من ذلك فيرى القبيح جميلا ، كما يقول القرآن الكريم :( زُيِّنَ لَهُمْ سُوءُ أَعْمالِهِمْ ) (٢) .

وفي مكان آخر يقول تعالى :( وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعاً ) .(٣)

__________________

(١) «يصطرخون» من مادّة «صرخ» بمعنى الصياح الشديد الذي يطلقه الإنسان من القلب للاستغاثة وطلب النجدة ، للتخلّص من الألم أو العذاب أو أي مشكل آخر.

(٢) التوبة ، ٣٧.

(٣) الكهف ، ١٠٤.

٩٨

على كلّ حال ، ففي قبال ذلك الطلب الذي يطلبه أولئك من الله سبحانه وتعالى ، يصدر ردّ قاطع عنه سبحانه وتعالى حيث يقول :( أَوَلَمْ نُعَمِّرْكُمْ ما يَتَذَكَّرُ فِيهِ مَنْ تَذَكَّرَ وَجاءَكُمُ النَّذِيرُ ) فإذا لم تنتفعوا بكلّ ما توفّر بين أيديكم من وسائل النجاة تلك ومن كلّ الفرص الكافية المتاحة( فَذُوقُوا فَما لِلظَّالِمِينَ مِنْ نَصِيرٍ ) .

هذه الآية تصرّح : لم يكن ينقصكم شيء ، لأنّ الفرصة أتيحت لكم بما يكفي ، وقد جاءتكم نذر الله بالقدر الكافي ، وبتحقّق هذين الركنين يحصل الانتباه والنجاة ، وعليه فليس لكم أي عذر ، فلو لم تكن لكم المهلة كافية لكان لكم العذر ، ولو كانت لكم مهلة كافية ولم يأتكم نذير ومرشد ومعلّم فكذلك لكم العذر ، ولكن بوجود ذينك الركنين فما هو العذر؟!

«نذير» عادة ترد في الآيات القرآنية للإشارة إلى وجود الأنبياء ، وبالأخصّ نبي الإسلامصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ولكن بعض المفسّرين ذكروا لهذه الكلمة هنا معنى أوسع ، بحيث تشمل الأنبياء والكتب السماوية والحوادث الداعية إلى الانتباه كموت الأصدقاء والأقرباء ، والشيخوخة والعجز ، وكما يقول الشاعر :

رأيت الشيب من نذر المنايا

لصاحبه وحسبك من نذير(١)

من الجدير بالملاحظة أيضا أنّه قد ورد في بعض الروايات أنّ هناك حدّا من العمر يعتبر إنذارا وتذكيرا للإنسان ، وذلك بتعبيرات مختلفة ، فمثلا

في حديث عن ابن عبّاس مرفوعا عن النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنّه قال : «من عمّره الله ستّين سنة فقد أعذر إليه»(٢) .

وعن أمير المؤمنين عليه أفضل الصلاة والسلام أنّه قال : «العمر الذي أعذر الله فيه إلى ابن آدم ستّون سنة»(٣) .

__________________

(١) مجمع البيان ، ج ٤ ، ص ٤١٠.

(٢) المصدر السابق.

(٣) المصدر السابق.

٩٩

وعن الرّسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أيضا أنّه قال : «إذا كان يوم القيامة قيل : أين أبناء الستّين؟ وهو العمر الذي قال الله :( أَوَلَمْ نُعَمِّرْكُمْ ما يَتَذَكَّرُ فِيهِ مَنْ تَذَكَّرَ ) (١) .

ولكن ورد عن الإمام الصادقعليه‌السلام أنّه قال : إنّ الآية «توبيخ لابن ثماني عشرة سنة»(٢) .

طبعا ، من الممكن أن تكون الرواية الأخيرة إشارة إلى الحدّ الأقل ، والروايات السابقة إشارة إلى الحدّ الأعلى ، وعليه فلا منافاة بينها ، وحتّى أنّه يمكن انطباقها على سنين اخرى أيضا ـ حسب التفاوت لدى الأفراد ـ وعلى كلّ حال فإنّ الآية تبقى محتفظة بسعة مفهومها.

في الآية الأخيرة ـ من هذه الآيات ـ يرد الجواب على طلب الكفّار في العودة إلى الدنيا فتقول الآية :( إِنَّ اللهَ عالِمُ غَيْبِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذاتِ الصُّدُورِ ) .

الجملة الاولى في الحقيقة دليل على الجملة الثانية ، أي إنّه كيف يمكن لعالم أسرار السموات والأرض وغيب عالم الوجود أن لا يكون عالما بأسرار القلوب؟!

نعم ، فهو سبحانه وتعالى يعلم أنّه لو استجاب لما طلبه منه أهل جهنّم ، وأعادهم إلى الدنيا فسوف يعاودون نفس المسيرة المنحرفة التي كانوا عليها ، كما أشارت إلى ذلك الآية (٢٨) من سورة الأنعام :( وَلَوْ رُدُّوا لَعادُوا لِما نُهُوا عَنْهُ وَإِنَّهُمْ لَكاذِبُونَ ) .

إضافة إلى ذلك فالآية تنبيه للمؤمنين على أن يسعوا لتحقيق الإخلاص في نيّاتهم ، وأن لا يأخذوا بنظر الإعتبار غير الله سبحانه وتعالى ، لأنّ أقلّ شائبة في نواياهم سيكون معلوما لديه وباعثا لمجازاتهم على قدر ذلك.

* * *

__________________

(١) الدرّ المنثور ، ج ٥ ، ص ٢٥٤.

(٢) مجمع البيان ، ج ٤ ، ص ٤١٠.

١٠٠

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

461

462

463

464

465

466

467

468

469

470

471

472

473

474

475

476

477

478

479

480

481

482

483

484

485

486

487

488

489

490

491

492

493

494

495

496

497

498

499

500

501

502

503

504

505

506

507

508

509

510

511

512

513

514

515

516

517

518

519

520

521

522

523

524

525

526

527

528

529

530

531

532

533

534

535

536

537

538

539

540

541

542

543

544

545

546

547

548

549

550

551

552

553

554

555

556

557

558

559

560

561

562

563

564

565

566

567

568

569

570

571

572

573

574

575

576

577

578

579

580

581