الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل الجزء ١٥

الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل12%

الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل مؤلف:
تصنيف: تفسير القرآن
الصفحات: 607

الجزء ١ الجزء ٢ الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥ الجزء ٦ الجزء ٧ الجزء ٨ الجزء ٩ الجزء ١٠ الجزء ١١ الجزء ١٢ الجزء ١٣ الجزء ١٤ الجزء ١٥ الجزء ١٦ الجزء ١٧ الجزء ١٨ الجزء ١٩ الجزء ٢٠
  • البداية
  • السابق
  • 607 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 182982 / تحميل: 6273
الحجم الحجم الحجم
الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل

الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل الجزء ١٥

مؤلف:
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

نبيه؟ قال : يا روح الله وکلمته قد کان والله ما قلته فاسأل الله أن يذهب به عني فدعا له عيسی عليه السلام فتفضل الله عليه وصار فيط أهل بيته، کذلک نحن أهل البيت لا يقبل الله عمل عبد وهو يشک في ولايتنا(١) .

وجری في ظلمه أي استمر، وفي الکامل(٢) وأجری ظلمه، والمراد بالمؤسس هو يزيد بن معاوية(٣) خاصة أو من سبقه ممن ابتدأ بغصب الخلافة عن أهل بيت النبوة.

__________________

١ ـ راجع البحار ج ٢٧، ص ١٩١، ح ٤٨، وأمالي المفيد ص ٢، ح٢، وروی مثله الشيخ الصدوق في العلل ج٢، ص٣٣٢، باب النوادر.

وروي في کتاب صحيفة الأبرار ص ٧٠ قال صلی الله عليه وآله : (انظر إلى علِي بن أبي طالب عبادة وذکره عبادة ولا يقبل إيمان عبد إلا بولايته والبراءة من أعدائه).

ونقلا عن الخوارزمي قال : إن الرسول صلی الله عليه وآله قال لعلي عليه السلام : يا علي لو عاش عبد عمر نوح تعبد فيه، وأنفق في سبيل الله ذهبا بقدر جبل آحد، وحج بيت الله ألف مرة، وقتل مظلوما بين الصفا والمروة، ولم يقبل ولايتک فلن يشم رائحة الجنة).

وإلی هذا المعنی أشار العارف الکبير نصير الدين الطوسي في شعره المعروف :

لو انّ عبدا بالصالحات غدا

وود ّکلّ نبي مرسل ووليّ

وصام ماصام صوّاما بلا ضجر

وقام ما قدم قواما بلا ملل

وحجّ ما حجّ من فرض ومن سنن

وطاف ما طاف حاف غير منتعل

وطار في الجوّ لا ياوی إلى أحد

وغاص في البحر مامونا من البلل

يکسو اليتامی من الديباج کلّهم

ويطعم الجائعين البر بالعسل

وعاش في الناس الافا مؤلفة

عار من الذنب معصوما من الزلل

ما کان في الحشر عندالله منتفعا

الاّ بحب أمير المؤمنين عليّ

٢ ـ کامل الزيارات لابن قولويه ص ١٧٧، ط : النجف.

٣ ـ هو يزيد بن معاوية، وينسب معاوية إلى اربعة رجال عمر بن مسافر، وعمارة بن الوليد، والعباس بن عبد المطلب، ورجل اسود يدعی الصباح، وکانت هند جدة يزيد مغرمة بحب

٨١

فاسل الله الذي اکرمني بمعرفتکم، ومعرفة أوليائکم ،

ورزقني البراءة من أعدائکم، ان يجعلني معکم في الدنيا والآخرة ،

المراد بمعرفتهم ان يعرف بالدليل، ويعتقد بالاعتقاد الجازم الذي لا يزول بالتشکيک (انهم أهل بيت النبوة وموضوع الرسالة ومختلف الملائکة ومهبط الوحي ومعدن الرحمة وخزان العلم ومنتهی العلم واصول الکرم واولياء النعم وعناصر الابرار ودعائم الاخيار إلى آخر ما ذکر في الجامعة)(١) .

وحاصله : انهم عليهم السلام أفضل الخلق بعد محمد صلی الله عليه وآله الذي لا أفضل منه في عالم الامکان، وبمعرفة اوليائهم ان يعرف ويعتقد کذلک انهم هم الفرقة الناجية(٢) ، وانهم خاصة أهل الجنة، وانهم هم المفلحون الفائزون يوم القيامة(٣) ،

__________________

السود، وما نسب معاوية أحد ممن يعرف حالها إلى أبي سفيان، لانها وضعته بعد زواجها منه بثلاثة اشهر.

وهند هذه هي التي اکلت کبد الحمزة عم الرسول صلی الله عليه واله.

وام يزيد هي ميسون بنت عبد الرحمن بن بجدل الکلبي، مکنت عبدا لابيها من نفسها، وحملت بيزيد.

وجده أبو سفيان اعدی اعداء الله ورسوله، وهو الذي قاد الحرب ضد الاسلام والقران في بدر واحد والاحزاب. (راجع ربيع الابرار للزمخشري)

١ ـ هذا مقطع من الزيارة الجامعة، وللفائدة راجع شروحها.

٢ ـ راجع کتاب الفرقة الناجية لسلطان الواعظين، ترجمة وتحقيق فاضل الفراتي.

٣ ـ اشارة إلى الاية القرانية في النبية(٧) قوله تعالی : (ان الذين امنوا وعملوا الصالحات اولئک هم خير البرية) وبخصوص هذه الاية راجع تفسير الدر المنثور للسيوطي ج٦، ص ٣٧٩.

٨٢

وان محبتهم محبة الله وعداوتهم عداوة الله(١) . وفي حديث جابر عن الباقر عليه السلام قال : يا جابر عليك بالبيان والمعاني، قال : فقلت : ومالبيان وما المعاني؟ قال : قال علي عليه السلام : اما البيان فهو ان تعرف أن الله ليس کمثله شیء فتعبده ولا تشرک به شيئا، وأما المعاني فنحن معانيه ونحن جنبه ويده ولسانه وأمره وحکمه وعلمه وحقه إذا شئنا شاء الله، ويريد الله ما نريد، إلى أنْ قال : يا جابر أو تدري ما المعرفة؟ المعرفة إثبات التوحيد أوّلا ثم معرفة المعاني ثانيا ثم معرفة الأبواب ثالثا ثم معرفة الإمام رابعا ثم معرفة الأرکان خامسا ثم معرفة النقباء سادسا ثم معرفة النجباء سابعا(٢) .

ويجعله معهم في الدنيا توفيقه لمتابعتهم حذو النعل بالنعل کما هو مقام الشيعة الکامل، وفي الآخرة حشره معهم في درجتهم کما ورد في الروايات الکثيرة(٣) .

__________________

١ ـ إشارة إلى الحديث الشريف : (يا علي حربک حربي وحرب علي حرب الله).

٢ ـ البحار ج٢٦، ص١٣، والقطرة ج، مناقب الإمام الباقر عليه السلام ص٣٢٨، وعيون المعجزات ص٧٨ ولهذه الرواية ذيل طويل.

٣ ـ راجع البحار ج٢٧، ص١٠٠، ط : طهران.

٨٣

وأن يثبت لي عندکم قدم صدق في الدنيا والآخرة ،

وأساله أن يبلغني المقام المحمود لکم عند الله ،

وأن يرزقني طلب ثاري مع امام مهدي ظاهر ناطق منکم ،

الايمان النافع هو ما يموت عليه المرء ولذا لا ينجي المرتد ولا يفلح الا مع التوبظ مطلقا أو فط الجملة، فالثبات علی الايمان هو المطلوب لا مجرده. نعم، قد يقال: إنّ الايمان إذا حصل بحقيقته فلا زوال له، الارتداد کاشف عن عدم تحققه أوّلا وما ظهر ليس الا صورة من الايمان لا حقيقة لها، ولکن الحق خلافه کما قرر في محله، ولبعض الاصحاب في هذه المسالة رسالة مفردة فمن اراد التفصيل فليرجع اليها. والتثبيت : الادامة علی الحالة السابقة وعدم الازاغة، وفي الدعاء : (اللهم ثبتنا علی دينک ودين نبيك ولاتزغ قلوبنا بعد اذ هديتنا ...)(١) وفي الجامعة(٢) : (فثبتني الله أبدا ما حييث علی موالاتکم ومحبتکم ودينکم، وقفني لطاعتکم، ورزقني شفاعتکم، وجعلني من خيار مواليکم). وقدم صدق بالاضافة کلسان صدق هوالاثرة الحسنة، والقدم هو السابقة في الامر(٣) يقال : له قدم في الهجرة أي سابقة، والاضافة محتملة لتقدير من أو في. وامراد بها المحبة الخالصة، والطاعة التي لا يشوبها عصيان، کما ان المراد بلسان الصدق هو الذکر الحسن والثناء الجميل، وتخصيص التثبيت بالدنيا لکونها محل التغير والتبدل، والمراد بالمقام المحمود الشفاعة الخاصة بهم(٤) ، وفي اضافة الثار الی

__________________ ـ

١ ـ راجع دعاء يوم الجمعة من ادعية الاسبوع.

٢ ـ الزيارة الجامعة المروية عن الامام الهادي عليه السلام وهذا مقطع منها.

٣ ـ راجع المصباح المنير للفيومي ص ٤٩٣.

٤ ـ راجع تفسير القمي ج١، ص ٤١٥، ط : الاعلمي، تفسير سورة الاسراء.

٨٤

ضمير النفس اشارة إلى أنْ کل مؤمن ولي هذا الدم فهو ثاره الذي يطلبه فلا ينافي ذلك اضافته إلى ضمير الخطاب(١) لاختلاف الحيثية، والظاهر : خلاف المستور، ويحتمل ان يکون بمعنی الغالب يقال ظهر عليه إذا غلب عليه.

__________________

١ ـ هذه اشارة إلى اختلاف النسخ، لان في بعض ماصادر الزيارة مثل کامل الزياراة مثل کامل الزيارت بدل (ثاري) (ثارکم).

٨٥

وأسال الله بحقّکم، وبالشّان الذی لکم عنده ان يعطينطي

بمصابي بکم أفضل ما يعطي مصابا بمصيبة(١) ، مصيبة ما اعظمها

وأعظم رزيتها في الاسلام، وفي جميع السماوات والارض.

حقّهم أعظم الحقوق وشأنهم أعلی الشؤون، فالسؤال بهما اقرن بالاجابة، ويستفاد من حديث سلمان وغيره انه لا يرد دعاء إذا سئل فيه بهم عليهم السلام(٢) ، والمصائب الاول مصدر ميمي بمعنی المصيبة والثاني بمعنی من اصابته المصيبة وقد تقرر في محله ان زنة المصدر الميمي من المزيد علی زنة اسم المفعول منه، ومصيبة الثاني اما بدل(٣) أو عطف بيان أو توکيد لمصابي، فالاعراب الکسر وکذالو جعلناه تابعا للاول، ويحتمل النصب علی المفعولية لفعل محذوف(٤) . وفي الکامل(٥) بعد قوله بمصيبته «اقول : انا الله وانا اليه راجعون مصيبة ما اعظمها» والاخبار الواردة في عظم اجر المصائب اکثر من ان تحصي.

__________________

١ ـ في بعض النسخ (بمصيبه) بدون هاء الضمير.

٢ ـ ذکر العلامة المجلسي في زالبحار ج١٠، ص ٩٢، ط : بيروت، عن الامام علي عليه السلام قال : (صلوا علی محمد وآل محمد فان الله عزّ وجل يقبل دعائکم عند ذکر محمد ...).

واخرج الديلمي عن مسند أحمد ج٦، ص ٣٢٣، ان النبي صلی الله عليه وآله قال : (الدعاء محجوب حتی يصلی علی محمد واهل بيته).

٣ ـ بدل من المصيبة الاولی، والبدل يتبع المبدل منه بالاعراب.

٤ ـ ويحتمل ان يکون حکمها النصب علی انها مفعول به لفعل محذوف تقديره (اقول).

٥ ـ کامل الزيارات ص ١٧٧، ط : النجف.

٨٦

قال الباقر عليه السلام : (ان الله إذا احب عبدا اغته بالبلاء غتا وشجه بالبلاء شجا فاذا دعاه قال : لبيک عبدي لئن عجلت لك ما سألت اني علی ذلك لقادر، ولئن اخرت لك فما ادخرت لك خيرلک)(١) .

وقال الصادق عليه السلام : (لو يعلم المؤمن ما له من الاجر في المصائب لتمنی انه قرض بالمقاريض)(٢) .

وفي روايظ النخعي عن الصادق عليه السّلام قال : (من اصيب بمصيبة فليذکر مصابه بالنبي صلی الله وعليه وآله فانه من اعظم المصائب)(٣) .

وفي رواية انه قال : لما اصيب أمير المؤمنين عليه السلام نعی الحسن إلى الحسين وهو بالمدائن فلما قرا الکتاب قال : يالها من مصيبة ما اعظمها مع ان رسول الله صلی الله وعليه وآله قال : من اصيب منکم بمصيبة فليذکر مصابه بي فانه لن يصاب بمصيبة اعظم منها وصدق رسول الله صلی الله وعليه وآله(٤) فتدبر. فان مصيبة الحسين عليه السلام من جملة مصائب النبي صلی الله وعليه واله، وکذا مصائب غيره من الائمة عليهم السلام، فمصيبة النبي صلی الله عليه وآله اعظم المصائب، ولا ينافيه ان مصيبة الحسين عليه السلام اعظمها.

وقوله : ما اعضمها وصف لمصيبة علی تقدير مقول في حقها فان فعل التعجب انشاء، والجملة الانشائية لا تقع صفة کما لا تقع خبرا علی المشهور بين النحاة(٥) نظرا إلى أنْ الخبر ما يحتمل الصدق والکذب، والانشاء لايکون ثابتا في نفسه

__________________ ـ

١ ـ راجع اصول الکافي ج ٢، ص ١٩٧، ح ٧.

٢ ـ نفس المصدر ص ١٩٨، ح ١٥.

٣ ـ راجع وسائل الشيعة للحر العاملي ج٦، ص ٣١٤.

٤ ـ اصول الکافي ج٣، ص ٢٢٠.

٥ ـ راجع قطر الندي، وکتاب شرح ابن عقيل، والنحو الوافي.

٨٧

فلا يثبت لغيره.

وفي الوجهين نظر فان الحد المذکور حد للمقابل للانشاء لا لخبر المبتدا والغرض من الکلام الطلبي وهو ثابت في نفسه وغير الثابت هو المطلوب. نعم، هذا الطلب قائم بالمتکلم وليس من احوال المبتدا وانما المقصود من ذکر الخبر بيان حال من احوال المبتدا ليکون جزء متما للفائدة.

قال بعض المحققين قدس سره : فاذا قلت : زيد اضربه فطلب الضرب صفة قائمة بالمتکلم وليس حالا من احوال زيد الا باعتبار تعلقه به أو کونه مقولا في حقه أو استحقاقه ان اضربه زيد مطلوب ضربه أو تقول في حقه ذلك وهو جيد متين کما لا يخفی.

٨٨

أللّهم اجعلني في مقامي هذا ممن تناله منك صلوات ورحمة

ومغفرة. أللهمَّ اجعل محياي محيا محمّد وآل محمّد ،

ومماتي ممات محمّد وآل محمّد.

مقامي أي لزيارة الحسين. تناله من النيل وهو الاصابة(١) . يقال : نال خيرا إذا اصابه، والامر منه نل بفتح النون کما في المجمع(٢) ، لا من النوال وهو الاجر والحظ ومنه النوال للعطاء(٣) والفعل منه نال ينول والامر نل بضم النون.

ممن تناله أي من الذين يستحقون ذلك بالمحبة والمعرفة بحقهم فان زائري الحسين العارفين بحقّه تنالهم من الصلوات والرحمة والمغفرة ما لا يحصي، کما لا يخفی علی من تتبع الأخبار الواردة في باب زيارته(٤) ، ففي جملة منها : ان من زار الحسين عليه السلام کان کمن زار الله فوق عرشه(٥) . وفي بعضها کتبه الله في عليين(٦) . وفي بعضها : غفر الله له جميع ذنوبه ولو کانت مثل زبد

__________________ ـ

١ ـ راجع لسان العرب والصحاح.

٢ ـ مجمع البحرين للطريحي.

٣ ـ راجع المصباح المنير للفيومي ص ٦٣١.

٤ ـ راجع کامل الزيارات لابن قولويه، وکتاب البحار وکتاب نور العين في المشي إلى زيارة الحسين عليه السلام للاصطهباني.

٥ ـ راجع البحار ج ٠١ ونور العين في المشي إلى زيارة الحسين عليه السلام : عن الحسين بن محمد القمي عن أبي الحسن الرضا عليه السلام قال : (من زار قبر أبي عبدالله عليه السلام بشط الفرات کان کمن زار الله فوق عرشه).

٦ ـ راجع کامل الزيارات ص ١٤٧، ط : النجف، عن عيينة بياع القصب عن أبي عبدالله عليه السلام قال :

(من اتی قبرالحسين عليه السلام عارفا بحقه کتبه الله في اعلی عليين).

٨٩

البحر، فاستکثروا من زيارته یغفرالله لکم ذنوبکم(١) . وفي بعضها : اعقته الله من النار(٢) ، وامنه يوم الفزع الاکبر(٣) ، ولم يسال الله حاجة من حوائج الدنيا والآخرة الا اعطاه(٤) ، وفي بعضها : انه أفضل ما يکون من الاعمال(٥) ، وفي بعضها : ان زوار الحسين يدخلون الجنة قبل الناس باربعين عاما وسائر الناس في الحساب(٦) ، وفي بعضها : ما من أحد يوم القيامة الاوهو يتمنی انه من زوار

__________________

١ ـ راجع کامل الزيارات ص ١٣٨، منها : عن محمد بن الحسين عن صفوان بن يحيی عن ابن مسکان عن أبي عبدالله عليه السلام قال : (من اتی قبرالحسين عليه السلام عارفا بحقه غفر الله له ما تقدم من ذنبه وما تاخر).

٢ ـ راجع نور العين، عن جابر، عن أبي جعفر عليه السلام قال : قال أمير المؤمنين صلوات الله عليه ـ في حديث ـ ان رسول الله صلی الله وعليه بکی بکاء شديدا فلم يساله أحد منا احلالا واعظاماله، فقال له الحسين : لم بکيت؟ فقال : يا ابة فما لمن زار قبورنا علی تشتتها؟ فقال : يا بنی اولئک طوائف من امتي يزورونکم فيلتمسون بذلك البرکة وتلقاه الملائکة بالبشارة يقال له : لا تخف ولا تحزن هذا يومک الذي فيه فوزک.

٣ ـ راجع البحار ج١٠١، عن زرارة قال : قلت لابي جعفر عليه السلام : ما تقول فيمن زار اباک علی خوف؟ قال : يؤمنه الله يوم الفزع الاکبر وتلقاه الملائکة بالبشارة ويقال له : لا تخف ولا تحزن هذا يومک الذي فيه فوزک.

٤ ـ راجع نورالعين ص ١٤٩، عن علي بن الحسين عليهم السلام قال : یغفر الله له ـ لزائر الحسين عليه السلام ـ ذنوبه ويقضي حوائجه، ثم قال : تقضي له الف حاجة ؛ ستمائة حاجة للاخرة واربعنائة للدنيا.

٥ ـ راجع کامل الزيارات ص ١٤٦، ط : النجف، عن أبي خديجة عن أبي عبدالله قال : سالته عن زيارة قبر الحسين عليه السلام، قال : (افضل ما يکون من الاعمال).

٦ ـ راجع کامل الزيارات ص ١٣٧، عن زرارة قال : سمعت أبا عبدالله عليه السلام يقول : ان لزوار

٩٠

الحسين بن علي عليهم السلام لما يري لما يصنع بزوار الحسين عليه السلام من کرامتهم علی الله(١) .

والتنکير في الالفاظ الثلاثة(٢) للتعظيم، أو التکثير، أو النوعية، والفرق بينها ان الصلوات تختص بمن لا ذنب له والمغفرة بمن له ذنب والرحمة تشملها(٣) فليتامل.

وفي بعض الأخبار : من اتی قبر الحسين عليه السلام ماشيا کتب الله له بکل خطوة الف حسنة ومحا عنه الف سيئة ورفع له الف درجة(٤) .

قوله (محياي محيی ..) أي حياتي مثل مماتهم في استحقاق الصلاة والرحمة والفوز بالسعادات الدائمة.

قال الطريحي(٥) : قوله محياي ومماتي لله : قد يفسران بالخيرات التي تقع في حال الحياة منجزة والتي تصل إلى الغير بعد الموت کالوصية للفقراء بشيء، أو معناه ان الذي اتيته في حياتي واموت عليه من الايمان والعمل الصالح لله خالصا.

__________________ ـ

الحسين بن علي عليهم السلام يوم القيامة فضلا علی الناس، قلت : وما فضلهم؟ قال : يدخلون الجنة قبل الناس باربعين عاما وسائر الناس في الحساب والموقف.

١ ـ راجع کتاب نور العين وکامل الزيارات، عن عبدالله الطحان، عن أبي عبدالله عليه السلام قال : سمعته وهو يقول : مامن أحد يوم القيامة الا وهو يتمنی انه من زوار الحسين لمل يری مما يصنع بزوار الحسين عليه السلام من کرامتهم علی الله تعالی.

٢ ـ وهي (صلوات ورحمة ومغفرة).

٣ ـ يعني ان الرحمة اعم من الصلاة والمغفرة لانها تشمل المذنب وغيره.

٤ ـ راجع ثواب الاعمال للصدوق، وکامل الزيارات.

٥ ـ في کتابه مجمع البحرين.

٩١

وفي رواية عن النبي صلی الله وعليه وآله قال : (من سره ان يحيی حياتي ويموت مماتي ويدخل جنة عدن قضب غرسه ربي بيده فليتول عليا والاوصياء من بعده وليسلم لفضلهم فانهم الهداة المرضيون)(١) .

فهما(٢) مصدارن ميميان ويحتمل کونهما اسمي زمان أي اجعلني بحيث احيی في زمان حياتهم وهو زمان الرجعة(٣) واموت في زکمان مماتهم أي عند رفعهم إلى السماء بعد انقضاء الدنيا، فليتامل.

__________________ ـ

١ ـ واخرج القندوزي بلفظ آخر ينابيع المودة ص ١٥١، الباب ٤٣ : (قال رسول الله صلی الله وعليه وآله : «من سره ان يحيی حياتي ويموت مماتي ويسکن جنات عدن التي غرس فيها قضيبا ربي، فليوال عليا وليوال وليه، وليقتد بالئمة من ولده من بعده، فانهم فانهم عترتي خلقوا من طينتي، وزرقوا فهما وعلما، وويل للمکذبين بفضلهم من امتي، القاطعين فيهم صلتي، لا انالهم الله شفاعتي».

٢ ـ محياي ومماتي.

٣ ـ لقد تقدمت الاشارة إلى الايات والروايات التي علی الرجعة.

٩٢

اللهم ان هلاا يوم تبركت به بنو امية وابن أكلة اكباد ،

اللعين ابن اللعين، علی لسانك ولسان نبيك صلّی الله عليه وآله

في کل موطن وموقف وقف فيه نبيّك صلّی الله عليه وآله.

إنَّ هذا أي هذا اليوم المسمّي بعاشوراء يوم تبرکوا به لمکان قتل الحسين عليه السّلام، وفي الکامل(١) : (أللّهم إنّ هذا يوم تنزل فيه اللعنة علی آل زياد وآل أميّة وابن آکلة الاکباد الخ).

فيا عجبا کيف تبرکوا بهذا اليوم وهو يوم مصيبة وحزن، وقد قتلوا فيه سبط الرسول، وسبوا نسائه، وانتهبوا ثقله. وکانت أهل الجاهلية فيما مضي يحرمون فيه الظلم والقتال؟

قال الرضا عليه السلام : (من ترک السعي في حوائجه يوم عاشوراء قضي الله له حوائج الدنيا والاخرة، ومن کان يوم عاشوراء يوم مصيبة وحزنه بکائه جعل الله يوم القيامة يوم فرحه وسروره ف وقرت بنا في الجنان عينه، ومن سمی يوم عاشوراء يوم برکة وادخر فيه لمنزله شيئا لم يبارك له فيما ادخر، وحشر يوم القيامة مع يزيد وعبيد الله بن زياد وعمر بن سعد لعنه الله(٢) إلى اسفل درک من النار)(٣) .

وفي رواية عبدالله بن الفضل قال : قلت لابي عبدالله عليه السلام : يابن رسول الله کيف صار يوم عاشوراء يوم مصيبة وغم وجزع وبکاء دون اليوم الذي قبض فيه

__________________

١ ـ کامل الزيارات ص ١٧٨، ط : النجف.

٢ ـ في الاصل (لعنهم الله).

٣ ـ نقل هذه الرواية صاحب مفاتيح الجنان في مفاتيحه ص ٣٧٤ عن کامل الزيارات.

٩٣

رسول الله صلی الله عليه واله، واليوم الذي ماتت فيه فاطمة واليوم الذي قتل أمير المؤمنين عليه السلام واليوم الذي قتل فيه الحسن بالسم؟ فقال : ان يوم قتل الحسين عليه السلام اعظم مصيبة من جميع سائر الايام(١) ، وذلک ان أصحاب الکساء الذين هم کانوا اکرم الخلق علی الله کانوا خمسة فلما مضي عنهم النبي صلی الله عليه وآله بقي أمير المؤمنين وفاطمة والحسن والحسين فکان فيهم للناس عزاء وسلوة، فلما مضي الحسن کان للناس في الحسين عزاء وسلوة، فلما قتل الحسين عليه السلام لم يکن بقي من أصحاب الکساء أحد للناس فيه بعده عزاء وسلوة فکان ذهابه کذهاب جميعهم کما کان بقائه کبقاء جميعهم، فلذلک صار يومه اعظم الايام مصيبة. إلى أنْ قال : قال عبدالله بن الفضل، فقلت له : يابن رسول الله صلی الله عليه وآله فکيف سمت العامة يوم العاشوراء يوم برکة؟ فبکی ثم قال : لما قتل الحسين عليه السلام تقرب الناس بالشام إلى يزيد فوضعوا له الاخبار، واخذوا عليها الجوائز من الاموال فکان مما وضعوا له امر هذا اليوم وانه يوم برکة ليعدل الناس فيه من الجزع والبکاء والمصيبة والحزن إلى الفرح والسرور والتبرک(٢) ، حکم الله بيننا وبينهم)(٣) .

وآکلة الاکباد هي هند ام معاوية ارادت ان تاکل کبد حمزة عم الرسول صلی الله عليه وله

__________________

١ ـ ويدل علی هذا قول الامام الصادق عليه السلام : (لايوم کيومک يا با عبدالله).

وقول الامام رضا عليه السلام : (فعلی مثل الحسين فليبک الباکون ان يوم الحسين اقرح جفوننا واذل عزيزنا بارض کرب وبلاء).

٢ ـ اشار إلى هذا المعنی أحد اشعراء بقوله :

(کانت ماتم بالعراق تعدها

امية بالشام من اعيادها)

٣ ـ اخرج هذه الرواية الشيخ الاجل الصدوق في علله ج ١ ص ٢٦٤، ط : الاعملي.

٩٤

وحکايتها المعروفة(١) ، والمراد بابنها في هذه الفقرة يزيد بن معاوية لا معاوية، لانه لم يکن حيا في هذه الوقعة(٢) ، واللعين الاول وصف ليزيد، والثاني لابيه معاوية أو أبي سفيان وکانا ملعونين علی لسان النبي صلی الله عليه وآله(٣) ف کما کان يزيد لعينا لاهل السماوات والارض. ومن کلام الحسن عليه السلام في مجلس معاوية، وانتم في رهط قريب من عدة اولئک لعنوا علی لسان رسول الله صلی الله عليه واله، فاشهد لکم واشهد عليکم انکم لعناء الله علی لسان نبيه صلی الله عليه وآله کلکم(٤) . وانشدکم بالله هل تعلمون ان رسو الله بعث إليك لتکتب (له)(٥) لبني خزيمة؟

__________________

١ ـ راجع السيرة الحلبية ج٢، ص ٢٤٤، (لما جاءت هند بنت عتبة إلى مصرع حمزة فمثلت به وحدعت انفه وقطعت اذنيه ومذاکيره، ثم جعلت ذلك کالسوار في يديها وقلائد في عنقها، وانها يقرت بطن حمزة واستخرجت کبده فلاکتها، فلم تستطع ان تسيغها فقال النبي زصلی الله عليه وآله لما بلغه اخرجها کبد حمزة : هل اکلت منه شيئا؟ قالوا : لا، قال صلی الله عليه وآله : ان الله قد حرم علی النار ان تذوق من لحم حمزة شيئا ابدا.

وقال الامام الصادق عيله السلام : أبي الله ان يدخل شيئا من بدن حمزة النار.

٢ ـ وهي معرکة الطف الخالدة التي وقعت في عام (٦١هـ) بين الحق المتجسد بالامام الحسين عليه السلام، والباطل الکفر المتجسد بيزيد واعوانه الظلمة.

٣ ـ ذکر ابن أبي الحديد المعتزلي في شرح النهج ج٤، ص ٧٩، ط : دار احياء الکتاب العربي : (روی شيخنا أبو عبد الله البصري المتکلم عن نصره بن عاصم الليثي عن أبيه قال : اتيت مسجد رسول الله صلی الله عليه وآله والناس يقولون : نعوذ بالله من غضب الله وغضب رسوله فقلت : ما هذا؟ قالوا : معاوية قام الساعة فاخذ بيد أبي سفيان فخرجنا من المسجد فقال رسول الله صلی الله عليه وآله : لعن الله التابع والمتبوع رب يوم لامتي من معاوية ذي الاستاه.

وقال : روی العلاء بن حريز القشيري ان رسول الله صلی اله عليه وآله قال لمعاوية : لتتخذن يا معاوية البدعة سنة والقبح حسنا اکلک کثير وظلمک عظيم

٤ ـ في المصدر : کلکم أهل البيت.

٥ ـ بين القوسين في المصدر غير موجود.

٩٥

(١) إلى أنْ قال : انشدکم الله هل تعلمون ان ما اقول حق(٢) انّك يا معاوية کنت تسوق بابيك علی جمل احمر، ويقوده أخوك هذا القاعد، وهذا يوم الاحزاب، فلعن رسول الله القائد والراکب والسائق فکان أبوك الراکب وأنت يا ازرق السائق واخوك هذا القاعد القائد. ثم (قال)(٣) : انشدکم بالله هل تعلمون ان رسول الله لعن أبا سفيان في سبعة مواطن؟

أوّلهن : حين خرج من مکة إلى مدينة، وأبو سفيان جاء من الشام فوقع فيه أبو سفيان فسبه وأوعده وهمّ أنْ يبطش به، ثمّ صرفه الله(٤) عنه.

والثاني : يوم العير حيث طردها أبو سفيان ليحرزها من رسول الله.

والثالث : يوم احد، يوم قال رسول الله : (الله مولانا ولا مولی لکم)، وقال أبو سفيان : (لنا العزی ولا عزی لکم)، فلعنه الله وملائکته ورسوله والمؤمنون أجمعون.

والرابع : يوم حنين، يوم جاء أبو سفيان يجمع قريش وهوازن إلى آخر الحديث وهو طويل(٥) .

__________________ ـ

١ ـ «بني خزيمة، حين ااصابهم خالد بن الوليد، فانصرف اليه الرسول فقال : هو ياکل، فاعاد الرسول إليك ثلاث مرات، کل ذلك يتصرف الرسول ويقول هو ياکل، فقال رسول الله : «اللهم لاتشبع بطنه، فهي والله في نهمتک واکلک إلى يوم القيامة».

٢ ـ في المصدر : (انما اقول حقا ...).

٣ ـ بين القوسين في المصدر غير موجود.

٤ ـ في المصدر (الله عزّ وجل عنه).

٥ ـ (وجاء عيينة بغطفان واليهود فردهم الله عزّ وجل بغيظهم لم ينالوا خيرا هذا قول الله عزّ وجل له في سورتين في کلتيهما يسمي أبا سفيان واصحابه کفارا، وأنت يا معاوية يومئذ

٩٦

أللّهم العن ابا سفيان، ومعاوية بن أبي سفيان(١) ، ويزيد بن

معاوية، عليهم منك(٢) اللعنة أبد الآبدين

الاخبار في فضل اللعن علی اعداء آل الرسول سيما قتلة ذريته متواترة : ففي رواية الريان بن شبيب عن الرضا عليه السلام : (يابن شبيب ان سرک ان تسکن الغرف المبنية في الجنة فالعن قتلة الحسين)(٣) .

__________________

مشرک علی راي ابيک بمکة، وعلي يومئذ مع رسول الله وعلی رايه ودينه.

والخامس : قول الله عزّ وجل : (والهدي معکوفا ان يبلغ محله) وصددت أنت وابوک ومشرکوا قريش، رسول الله صلی الله عليه وآله فلعنه الله لعنة شملته وذريته إلى يوم القيامة.

والسادس : يوم جاء أبو سفيان بجمع قريش، وجاء عيينة بن حصن ابن بدر بغطفان، فلعن ورسول الله القادة والاتباع والساقة إلى يوم القيامة فقيل : يارسول الله اما في الاتباع مؤمن؟ فقال : لا تصيب اللعنة مؤمنا من الاتباع، واما القادة فليس فيهم مؤمن ولا مجيب ولاناج.

والسابع : يوم الثنية، يوم شد علی رسول الله اثني عشر رجلا، سبعة منهم من بني امية، وخمسة من سائر قريش، فلعن الله تبارک وتعالی وروسله من حل الثنية غير النبي وسائقه وقائده. (راجع الاستيعاب بذيل الاصابة ج٤، ص ٨٧).

١ ـ في کامل الزيارات (وعلی يزيد بن معاوية).

٢ ـ (عليهم منک) هذه غير موجودة في کامل الزيارت.

٣ ـ وهذا نص الرواية عن البحار ج ٤٤، ص ٢٨٥ :

عن الريان بن شبيب قال : دخلت علی الرضا عليه السلام في اول يوم من المحرم فقال لي : ياابن شبيب اصائم انت؟ فقلت : لا، فقال : ان هذا اليوم الذي دعا فيه زکريا ربه عزّ وجل فقال : (رب هب لی من لدنک ذرية طيبة انّك سميع الدعاء) فاستجب الله له وامر الملائکة فنادت زکريا وهو قائم يصلي في المحراب ان الله يبشرک بيحيی فمن صام هذا اليوم ثم دعا

٩٧

وفي رواية الفضل عنه عليه السّلام : (من نظر إلى الفقاع أو إلى الشطرنج فليذکر الحسين عليه السلام وليلعن يزيد وآل يزيد، يمحو الله بذلك ذنوبه ولو کانت کعدد النجوم)(١) .

وفي الرواية عن النبي صلی الله عليه وآله قال : (الا ولعن الله قتلة الحسين عليه السّلام ومحبيهم وناصريهم والساکتين عن لعنهم من غير تقية تستکهم)(٢) .

__________________

الله عزّ وجل استجاب الله له کما استجاب لزکريا عليه السلام، ثم قال : يا ابن شبيب ان المحرم هو الشهر الذي کان أهل الجاهلية فيما مضي يحرمون فيه الظلم والقتال لحرمته فما عرفت هذه الامة حرمة شهرها ولا حرمة نبيها، لقد قتلوافي هذا الشهر ذريته وسبوا نساءه وانتهبوا ثقله فلا غفرالله لهم ذللک ابدا، ياابن شبيب ان کنت باکين لشيء فابک للحسين بن علي بن أبي طالب عليه السلام فانه ذبح کما يذبح الکبش وقتل معه من أهل بيته ثمانية عشر رجلا ما لهم في الارض شبيهون ولقد بکت السماوات سبع والارضون لقتله ولقد نزل إلى الارض من الملائکة اربعة الاف لنصره فوجدوه قد قتل فهم عند قبره شعث غبر إلى أنْ يقوم القائم فيکونون من أنصاره وشعارهم يا لثارات الحسين، ياابن شبيب لقد حدثني أبي عن أبيه عن جده انه لما قتل جدي الحسين امطرت السماء دما وترابا احمر، يا ابن شبيب ان بکيت علی الحسين حتی تصير دموعک علی خديک غفرالله لك کل ذنب عليك فزر الحسين عليه السلام، ياابن شبيب ان سرک ان تسکن الغرف المبنية في الجنة مع النبي صلی الله عليه وآله فلعن قتلة الحسين، ياابن شبيب ان سرک ان يکون لك من الثواب مثل مثل ما لمن استشهد مع الحسين فقل متی ما ذکرته : ياليتني کنت معهم فافوز فوزا عظيما، ياابن شبيب ان سرک ان تکون معنا في الدرجات العلی من الجنان فاحزن لحزننا وافرح لفرحنا وعليک بولايتنا فلو ان رجلا تولی حجرا لحشره الله معه يوم القيامة).

١ ـ راجع البحار ج ٤٤، ص ٢٩٩ الرواية ٢ ـ الباب ٣٦

٢ ـ البحار ج ٤٤، ص ٣٠٤، الرواية ١٧ ـ الباب ٣٦، واليک نص الرواية :

٩٨

وهذا يوم فرحت به آل زياد وآل مروان بقتلهم الحسين

صلوات الله عليه ،

ونسخة الکامل(١) خالية عن هذه الفرقة ولکنها موجودة في اثر الکتب، وحکايات فرحهم بقتل الحسين عليه السلام سيما حين ورود أهل بيته الکوفة مشهورة مسطورة في کتب المقاتل(٢) . لعنهم الله فقد حمدوا الله وشکروه علی قتله بقولهم لأهل البيت عليهم السلام : الحمد لله الذي قتلکم وأهلککم وأراح البلاد من رجالکم وأمکن أمير المؤمنين يزيد منکم : وقال ابن زياد لزينب عليها السلام : الحمد لله الذي فضحکم وأکذب أحدوثتکم، وقال لما صعد المنبر : الحمد لله الذي أظهر الحق وأهله ونصر أمير المؤمنين وأشياعه وقتل الکذاب ابن الکذاب(٣) .

__________________

قال رسول الله صلی الله عليه وآله : لما نزلت : (واذا اخذنا ميثاقکم لا تسفکون) الاية في اليهود أي الذين نقضوا عهد الله وکذبوا رسل الله وقتلوا اولياء الله، افلا انبئکم بمن يضاهيهم من يهود هذه الامة؟ قالوا : بلی يا رسول الله، قال : قوم من امتي ينتحلون انهم من أهل ملتي يقتلون افاضل ذريتي واطائب ارومتي يبدلون شريعتي وسنتي ويقتلون ولدي الحسن والحسين کما قتل اسلاف اليهود زکريا ويحيی، الا وان الله يلعنهم وکما لعنهم ويبعث علی بقايا ذراريهم قبل يوم القيامة هاديا مهديا من ولد الحسين المظلوم يحرقهم بسيوف اوليائه إلى نار جهنم، الا لعن الله قتلة الحسين عليهم السلام ومحبيهم وناصريهم والساکتين عن لعنهم من غير تقية يسکتهم الا وصلی الله علی الباکين علی الحسين رحمة وشفقة والاعنين لاعدائهم والممتلئين عليهم غيظا وحنقا، الا وان الراضين بقتل الحسين شرکاء قتلته، الا وان قتلته واعوانهم واشياعهم والمقتدين بهم براء من دين الله.

١ ـ راجع کامل الزيارات ص ١٧٨، ط : النجف.

٢ ـ راجع الدمعة الساکبة ومقتل المقرمص ٣١٠، واللهوف ص ٨١.

٣ ـ اللهوف لابن طاووس ص ٢٠١ ـ ٢٠٣، مقتل المقرم ص ٣٢٤ ـ ٣٢٧.

٩٩

أللّهم فضاعف عليهم اللعن منك والعذاب الاليم.

أللّهم اني اتقرب إليك في هذا اليوم، وفي موقفي هذا ،

وأيّام حياتي، بالبراءة منهم، واللعنة عليهم، وبالموالاة

لنبيّك وآل نبيّك عليه وعليهم السّلام.

وفي الکامل(١) : (أللّهم فضاعف عليهم اللعنة أبدا بقتلهم(٢) الحسين اني اتقرب إليك في هذا اليوم في موقفي هذا وأيّام حياتي بالبراءة منهم وباللعن عليهم وبالموالاة لنبيك واهل بيت نبيك صلی الله عليه ...).

دعا عليهم بمضاعفة اللعن والعذاب ليکون عذابهم مثل عذاب جميع أهل النار، لما روي عن النبي صلّی الله عليه وآله انه قال : (إنَّ قاتل الحسين بن علي عليه السّلام في تابوت من نار عليه نصف عذاب أهل الدنيا، وقد شد يداه ورجلاه بسلاسل من نار منکس في النار حتی يقع في قعر جهنم وله ريح يتعوّذ أهل النار إلى ربهم من شدة نتنه، وهو فيها خالد ذائق العذاب الاليم مع جميع من شايع علی قتله، کلّما نضجت جلودهم بدّل الله عليهم الجلود حتّی يذوقوا العذاب الاليم، لا يفتر عنهم ساعة ويسقون من حميم جهنّم، فالويل لهم لهم عذاب النار)(٣) .

وفي رواية عنه صلّی الله عليه وآله قال : (إنَّ في النار منزلة لم يکن يستحقها أحد من الناس إلّا بقتل الحسين بن علي ويحيی بن زکريا)(٤) .

__________________

١ ـ راجع کامل الزيارات ص ١٧٨.

٢ ـ في الاصل (لقتلهم).

٣ ـ راجع البحار ج ٤٥، ص ٣١٤، الرواية ١٤، الباب ٤٦.

٣ ـ اخرجها المجلسي في البحار ج ٤٤، ص ٣٠١، باب ٣٦، ط : طهران.

١٠٠

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

461

462

463

464

465

466

467

468

469

470

471

472

473

474

475

476

477

478

479

480

481

482

483

484

485

486

487

488

489

490

491

492

493

494

495

496

497

498

499

500

501

502

503

504

505

506

507

508

509

510

511

512

513

514

515

516

517

518

519

520

العالم ، وكانت في حركة دائبة ، وليست مثل السفن العادية التي لها مرفأ تتجه إليه مقتدية بالنجوم.

لقد كان الهدف السفينة نفسها ، والنجاة من الغرق ، حتى غاظ الماء واستوت على الجودي.

إضافة إلى ذلك فإنّ بعض الرّوايات الواردة في كتب أهل السنة تنقل عن الرّسول الأكرمصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنّه قال : «النجوم أمان لأهل الأرض من الغرق وأهل بيتي أمان لأمتي من الاختلاف في الدين»(١) .

٣ ـ تفسير «ومن يقترف حسنة ...»

«اقترف» في جملة :( وَمَنْ يَقْتَرِفْ حَسَنَةً نَزِدْ لَهُ فِيها حُسْناً ) مأخوذة في الأصل من (قرف) على وزن (حرف) وتعني قطع القشرة الإضافية من الشجرة ، أو من الجروح الحاصلة ، حيث تكون أحيانا علامة على شفاء الجرح وتحسنه ، هذه الكلمة استخدمت فيما بعد في الاكتساب سواء كان حسنا أو سيئا.

ولكن كما يقول الراغب ـ فإن هذا المصطلح استخدم في السيئات أكثر ممّا هو في الحسنات (بالرغم من أن الآية التي نبحثها استخدمته في الحسنات). لذلك فإن هناك مثل معروف يقول : الاعتراف يزيل الاقتراف.

والطريف في الأمر أنّ بعض التفاسير تنقل عن ابن عباس و (السدّ) أن المقصود من (اقتراف الحسنة) في الآية الشريفة هو مودة آل محمّد(٢) .

وجاء في حديث ذكرناه سابقا عن الإمام الحسن بن عليعليه‌السلام : «اقتراف الحسنة مودتنا أهل البيت».

__________________

(١) نقل (الحاكم) هذا الحديث عن ابن عباس في المجلد الثّالث (المستدرك) ص ١٤٩ ، ثمّ يقول : هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه.

(٢) مجمع البيان ـ نهاية الآيات التي نبحثها ، وتفسير الصافي والقرطبي.

٥٢١

وواضح أنّ المقصود من هذه التفاسير أن معنى اكتساب الحسنة لا يتحدد بمودّة أهل البيتعليهم‌السلام ، بل له معنى أوسع وأشمل ولكن بما أن هذه الجملة وردت بعد قضية مودّة ذي القربى ، لذا فإن أوضح مصداق لاكتساب الحسنة هو هذه المودّة.

٤ ـ مكان نزول هذه الآيات

هذه السورة (سورة الشورى) من السور المكّية ، كما قلنا في البداية ، إلّا أن بعض المفسّرين يعتقدون أن هذه الآيات الأربع (٢٣ ـ ٢٦) نزلت في المدينة ، وسبب النّزول الذي ذكرناه في بداية تفسير هذه الآيات يشهد على هذا المعنى.

وأيضا فإنّ الرّوايات التي تفسر أهل البيت بعلي وفاطمة وابنيهما الإمام الحسن والحسينعليهما‌السلام تناسب هذا المعنى ، لأنّنا نعلم أن زواج علي من سيدة النساءعليهما‌السلام تمّ في المدينة ، وولادة الحسن والحسينعليهما‌السلام كانتا في العام الثّالث والرابع الهجري على ما رواه المؤرخون.

* * *

٥٢٢

الآيات

( أَمْ يَقُولُونَ افْتَرى عَلَى اللهِ كَذِباً فَإِنْ يَشَإِ اللهُ يَخْتِمْ عَلى قَلْبِكَ وَيَمْحُ اللهُ الْباطِلَ وَيُحِقُّ الْحَقَّ بِكَلِماتِهِ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذاتِ الصُّدُورِ (٢٤) وَهُوَ الَّذِي يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبادِهِ وَيَعْفُوا عَنِ السَّيِّئاتِ وَيَعْلَمُ ما تَفْعَلُونَ (٢٥) وَيَسْتَجِيبُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ وَيَزِيدُهُمْ مِنْ فَضْلِهِ وَالْكافِرُونَ لَهُمْ عَذابٌ شَدِيدٌ (٢٦) )

التّفسير

يقبل التوبة عن عباده :

هذه الآيات تعتبر استمرارا للآيات السابقة في موضوع الرسالة وأجرها ، ومودّة ذوي القربى وأهل البيتعليهم‌السلام .

فأوّل آية تقول : إن هؤلاء القوم لا يقبلون الوحي الإلهي ، بل :( أَمْ يَقُولُونَ افْتَرى عَلَى اللهِ كَذِباً ) وهذا الإعتقاد وليد أفكارهم حيث ينسبونه إلى الخالق.

في حين :( فَإِنْ يَشَإِ اللهُ يَخْتِمْ عَلى قَلْبِكَ ) ويجردك من قابلية إظهار هذه الآيات.

٥٢٣

وفي الحقيقة ، فإن هذا الأمر إشارة إلى الاستدلال المنطقي المعروف ، وهو أنّه إذا ادعى شخص النبوة ، وجاء بالآيات البينات والمعاجز ، وشمله النصر الإلهي ، فلو كذب على الخالق فإن الحكمة الإلهية تقتضي سحب المعاجز منه وفضحه وعدم حمايته ، كما ورد في الآيات (٤٤) إلى (٤٦) من سورة الحاقة :( وَلَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنا بَعْضَ الْأَقاوِيلِ لَأَخَذْنا مِنْهُ بِالْيَمِينِ ثُمَّ لَقَطَعْنا مِنْهُ الْوَتِينَ ) .

وقد ذكر بعض المفسّرين احتمالات اخرى في تفسير هذه الجملة ، إلّا أن ما قلناه أعلاه هو أفضل وأوضح التفاسير كما يظهر.

ونلاحظ أيضا أن إحدى التهم التي نسبها الكفار والمشركون إلى الرّسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم هي أنّه يعتبر أجر الرسالة في مودّة أهل بيته وأنّه يكذب على الخالق في هذا الأمر : (جاء ذلك وفقا للبحث في الآيات السابقة) إلّا أن الآية أعلاه نفت هذه التهمة عنهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .

ولكن بالرغم من هذا ، فإن مفهوم الآية لا يختص بهذا المعنى ، فأعداء الرّسول كانوا يتهمونه بهذه التهمة في كلّ القرآن والوحي كما تقول الآيات القرآنية الأخرى ، حيث نقرأ في الآية (٣٨) من سورة يونس :( أَمْ يَقُولُونَ افْتَراهُ قُلْ فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِثْلِهِ ) .

وورد نفس هذا المعنى باختلاف بسيط في الآيات (١٣) و (٣٥) من سورة هود ، وقسم آخر من الآيات القرآنية ، حيث أنّ هذه الآيات دليل لما انتخبناه من تفسير للآية أعلاه.

ثم تقول الآية لتأكيد هذا الموضوع :( وَيَمْحُ اللهُ الْباطِلَ وَيُحِقُّ الْحَقَّ بِكَلِماتِهِ ) (١) .

فهذه هي مسئولية الخالق في توضيح الحق وفضح الباطل وفقا لحكمته ، وإلّا

__________________

(١) لاحظوا أنّ «يمح» هي في الأصل كانت (يمحو) حيث سقطت الواو لأن الرسم القرآني ـ عادة ـ هكذا ، مثل( وَيَدْعُ الْإِنْسانُ بِالشَّرِّ ) (الإسراء ـ ١١) و( سَنَدْعُ الزَّبانِيَةَ ) (العلق ـ ١٨) ، إلّا أنّه وفقا للرسم الحديث فإن الواو تذكر في جميع هذه الكلمات ، إلّا أنّها تحذف في القرآن غالبا.

٥٢٤

فكيف يسمح لشخص بالكذب عليه وفي نفس الوقت ينصره ويظهر على يديه المعاجز؟

كما أن من الاخطاء الكبيرة أن يتصور البعض قيام الرّسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بهذا العمل مخفيا ذلك عن علم الخالق :( إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذاتِ الصُّدُورِ ) .

وكا قلنا في تفسير الآية ٣٨ من سورة فاطر ، فإنّ (ذات) لا تعني في اللغة العربية عين الأشياء وحقيقتها ، بل هو مصطلح من قبل الفلاسفة(١) ، حيث أن ذات تعني ـ (الصاحب) ، عندها سيكون مفهوم جملة :( إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذاتِ الصُّدُورِ ) إن الخالق عليم بالأفكار والعقائد المسيطرة على القلوب ، وكأنما هي صاحبة هذا القلب ومالكته.

وهذه إشارة لطيفة إلى استقرار الأفكار وحاكميتها على قلوب وأرواح الناس (فدقق في ذلك).

وبما أن الخالق يبقي طريق الرجعة مفتوحا أمام العباد ، لذا فإن الآيات القرآنية بعد ذم أعمال المشركين والمذنبين القبيحة تشير إلى أن الأبواب التوبة مفتوحة دائما : ولذا تقول الآية محل البحث :( وَهُوَ الَّذِي يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبادِهِ وَيَعْفُوا عَنِ السَّيِّئاتِ ) .

إلّا أنكم إذا تظاهرتم بالتوبة وأخفيتم أعمالا اخرى ، فلا تتصوروا أن ذلك يخفى عن علم الخالق ، لأنّه :( وَيَعْلَمُ ما تَفْعَلُونَ ) .

وقلنا في سبب النّزول الذي ذكرناه في بداية الآيات السابقة ، أنّه بعد نزول آية المودّة ، قال بعض المنافقين وضعفاء الإيمان : إنّ هذا الكلام افتراه محمّد على الخالق ، ويريد به أن يذلنا بعده لأقربائه ، عندها نزلت آية :( أَمْ يَقُولُونَ افْتَرى عَلَى اللهِ كَذِباً ) ردّا عليهم ، وعند ما علموا بنزول هذه الآية تندم بعضهم وبكى وبات قلق البال ، في ذلك الوقت نزلت الآية :( وَهُوَ الَّذِي يَقْبَلُ التَّوْبَةَ ) وبشرتهم بغفران

__________________

(١) راجع مفردات الراغب.

٥٢٥

الذنب إذا تابوا إلى الله توبة نصوحا.

أمّا آخر آية فتوضح الجزاء العظيم للمؤمنين ، والعذاب الأليم للكافرين في جمل قصيرة فتقول : إنّ الله تعالى يستجيب لدعاء المؤمنين وطلباتهم :( وَيَسْتَجِيبُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ ) . بل :( وَيَزِيدُهُمْ مِنْ فَضْلِهِ ) وسوف يعطيهم ما لم يطلبوا.( وَالْكافِرُونَ لَهُمْ عَذابٌ شَدِيدٌ ) .

وقد تمّ ذكر تفاسير مختلفة لأمر الذي سيستجيبه من المؤمنين ، حيث أن بعض المفسّرين حدد ذلك في طلبات معينة ، منها :

أنّه سيستجيب دعاء المؤمنين أحدهم للآخر.

ومنها أنّه سيقبل عباداتهم وطاعاتهم.

ومنها أن ذلك مختص بشفاعتهم لإخوانهم.

ولكن لا يوجد أي دليل على هذا التحديد ، حيث أن الخالق سيستجيب أي طلب للمؤمنين الذين يعملون الصالحات والأكثر من ذلك فإنّه سيهبهم من فضله أمورا قد لا تخطر على بالهم ولم يطلبوها ، وهذا غاية اللطف والرحمة الإلهية بخصوص المؤمنين.

وورد في حديث عن الإمام الصادقعليه‌السلام عن الرّسول الأكرمصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في تفسير :( وَيَزِيدُهُمْ مِنْ فَضْلِهِ ) : «الشفاعة لمن وجبت له النّار ممن أحسن إليهم في الدنيا»(١) .

ولا يعني هذا الحديث العظيم في معناه اقتصار الفضل الإلهي بهذا الأمر فحسب ، بل يعتبر أحد مصاديقه الواضحة.

* * *

__________________

(١) تفسير «مجمع البيان» نهاية الآيات التي نبحثها.

٥٢٦

الآيات

( وَلَوْ بَسَطَ اللهُ الرِّزْقَ لِعِبادِهِ لَبَغَوْا فِي الْأَرْضِ وَلكِنْ يُنَزِّلُ بِقَدَرٍ ما يَشاءُ إِنَّهُ بِعِبادِهِ خَبِيرٌ بَصِيرٌ (٢٧) وَهُوَ الَّذِي يُنَزِّلُ الْغَيْثَ مِنْ بَعْدِ ما قَنَطُوا وَيَنْشُرُ رَحْمَتَهُ وَهُوَ الْوَلِيُّ الْحَمِيدُ (٢٨) وَمِنْ آياتِهِ خَلْقُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَما بَثَّ فِيهِما مِنْ دابَّةٍ وَهُوَ عَلى جَمْعِهِمْ إِذا يَشاءُ قَدِيرٌ (٢٩) وَما أَصابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِما كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُوا عَنْ كَثِيرٍ (٣٠) وَما أَنْتُمْ بِمُعْجِزِينَ فِي الْأَرْضِ وَما لَكُمْ مِنْ دُونِ اللهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلا نَصِيرٍ (٣١) )

سبب النّزول

نقل عن الصحابي المعروف (خباب بن الأرث) أن الآية الأولى :( وَلَوْ بَسَطَ ) نزلت فينا ، وذلك بسبب أنّنا كنّا ننظر إلى الأموال الكثيرة لبني قريظة وبني النظير وبني القينقاع من اليهود ، وكنّا نرغب بامتلاكنا لمثل هذه الأموال ، إلّا أن هذه الآية نزلت وحذرتنا من أن الخالق لو بسط لنا في الرزق فسوف نطغى(١) .

__________________

(١) تفسير الفخر الرازي ، تفسير أبو الفتوح الرازي ، وتفسير القرطبي (نهاية الآية التي نبحثها).

٥٢٧

وفي تفسير (الدر المنثور) ورد حديث آخر ، وهو أن هذه الآية نزلت في أهل الصفّة ، لأنّهم كانوا يأملون بتحسن وضع دنياهم(١) .

وهناك تفصيل في نهاية الآيات بخصوص أصحاب الصفة ومن هم؟

التّفسير

المترفون الباغون :

قد يكون ارتباط هذه الآيات بالآيات السابقة بلحاظ ما ورد في آخر آية من الآيات السابقة من أن الخالق يستجيب دعوة المؤمنين ، وفي أعقاب ذلك يطرح هذا السؤال : لماذا نرى البعض منهم فقراء ، ولا ينالون ما يرغبونه مهما يدعون؟ تقول الآية :( وَلَوْ بَسَطَ اللهُ الرِّزْقَ لِعِبادِهِ لَبَغَوْا فِي الْأَرْضِ وَلكِنْ يُنَزِّلُ بِقَدَرٍ ما يَشاءُ ) .

وبهذا الترتيب فإنّ تقسيم الأرزاق يقوم على حساب دقيق من قبل الخالق تجاه عباده ، وهذا يحدث بسبب :( إِنَّهُ بِعِبادِهِ خَبِيرٌ بَصِيرٌ ) .

فهو يعلم بمقدار استيعاب أي شخص فيعطيه الرزق وفقا لمصلحته ، فلا يعطيه كثيرا لئلا يطغى ، ولا قليلا لئلا يستغيث من الفقر.

وجاء ما يشبه هذا المعنى في الآية (٦) و (٧) من سورة العلق :( إِنَّ الْإِنْسانَ لَيَطْغى أَنْ رَآهُ اسْتَغْنى ) .

وهو حقّا كذلك ، فالبحث في أحوال الناس يدل على هذه الحقيقة الصادقة ، وأنّه عند ما تقبل الدنيا عليهم ويعيشون في رفاهية وسعة ، ينسون الخالق ويبتعدون عنه ويغرقون في بحر الشهوات ، ويفعلون ما لا ينبغي فعله ، ويشيعون الظلم والجور والفساد في الأرض.

وفي تفسير آخر عن (ابن عباس) في هذه الآية ورد أن المقصود من (البغي)

__________________

(١) ينقل الدر المنثور هذا الحديث عن الحاكم والبيهقي وأبي نعيم (ج ٦ ص ٨).

٥٢٨

ليس الظلم والجور ، وإنّما (بغى) تعني (طلب) أي يكون معنى الآية أنّهم يطلبون أكثر ولا يشبعون.

إلّا أنّ التّفسير الأوّل مقبول من قبل عدّة مفسّرين وهو الأفضل كما يظهر ، لأن عبارة :( يَبْغُونَ فِي الْأَرْضِ ) وردت عدة مرات في الآيات القرآنية بمعنى الفساد والظلم في الأرض ، مثل :( فَلَمَّا أَنْجاهُمْ إِذا هُمْ يَبْغُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِ ) (١) و( إِنَّمَا السَّبِيلُ عَلَى الَّذِينَ يَظْلِمُونَ النَّاسَ وَيَبْغُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِ ) (٢) .

صحيح أن (بغى) وردت بمعنى (طلب) أيضا ، إلّا أنّها متى ما تذكر مع كلمة (في الأرض) فإنها تعني الفساد والظلم في الأرض.

وهنا يطرح سؤالان :

الأوّل : لو كان تقسيم الأرزاق وفق هذا البرنامج ، فلما ذا إذن نرى أشخاصا لهم رزق وفير وقد أفسدوا وطغوا كثيرا في الدنيا ولم يمنعهم الخالق ، سواء على مستوى الأفراد ، أو الدول الناهبة والظالمة؟

وفي الجواب على هذا السؤال يجب الانتباه إلى هذه الملاحظة ، وهي أن بسط الرزق أحيانا قد يكون أسلوبا للامتحان والاختبار ، لأن جميع الناس يجب أن يختبروا في هذا العالم ، فقسم منهم يختبرون بواسطة المال.

وأحيانا قد يكون بسط الرزق لبعض الافراد لكي يعلموا بأن الثروة لا تجلب السعادة ، فعسى أن يعثروا على الطريق ويرجعوا إلى خالقهم ، ونحن الان نرى بعض المجتمعات غرقى بأنواع النعم والثروات ، وفي نفس الوقت شملتهم مختلف المصائب والمشاكل ، كالخوف ، والقتل ، والتلوث الخلقي ، والقلق بأنواعه المختلفة.

فأحيانا تكون الثروة غير المحدودة نوعا من العقاب الإلهي الذي يشمل

__________________

(١) يونس ، الآية ٢٣.

(٢) آية ٤٢ من نفس هذه السورة.

٥٢٩

بعض الناس ، فإذا نظرنا إلى حياتهم من بعيد نراها جميلة ، أمّا إذا تفحصناها عن قرب فسوف نشاهد التاسعة بأدنى حالاتها! ، وفي هذا المجال هناك قصص عديدة لسلاطين الثروة في الدنيا ، حيث يطول بنا المقام لو أردنا سردها.

السؤال الآخر هو : ألا يعني هذا الكلام أنّه متى ما كان الإنسان فقيرا فلا ينبغي له السعي للتوسع في الرزق ، لأن الخالق جعل مصلحته في هذا الفقر؟

وللجواب على هذا السؤال نقول : إنه قد تكون قلة الرزق بسبب كسل الإنسان وتهاونه أحيانا ، فهذا النقص والحرمان ليس ما يريده الله حتما ، بل بسبب أعماله ، والإسلام يدعو الجميع إلى الجهد والجهاد والمثابرة وفقا لتأكيده على أصل السعي وبذل الجهد الذي يشير إليه القرآن في آيات عديدة ، وسنة الرّسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم والائمة الأطهارعليهم‌السلام .

ولكن عند ما يبذل الإنسان منتهى جهده ، ورغم ذلك تغلق الأبواب في وجهه ، عليه أن يعلم بأن هناك مصلحة معينة في هذا الأمر ، فلا يجزع ، ولا ييأس ، ولا ينطق بالكفر ، ويستمر في محاولاته ويستسلم لرضا الخالق أيضا.

وتجدر الإشارة إلى هذه الملاحظة وهي أن كلمة (عباده) لا تتعارض أبدا مع الطغيان عند بسط الرزق ، لأن هذه العبارة تستخدم في الأفراد الصالحين والسيئين والمتوسطي الحال ، مثل :( قُلْ يا عِبادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللهِ ) .

صحيح أن الخالق ينزل الرزق بقدر حتى لا يطغي العباد ، إلّا أنّه لا يمنعهم أو يحرمهم ، لذا فإن الآية التي بعدها تقول :( وَهُوَ الَّذِي يُنَزِّلُ الْغَيْثَ مِنْ بَعْدِ ما قَنَطُوا وَيَنْشُرُ رَحْمَتَهُ ) .

ولماذا لا يكون هذا :( وَهُوَ الْوَلِيُّ الْحَمِيدُ ) ؟

هذه الآية تتحدث عن آيات وعلائم التوحيد في نفس الوقت الذي تبيّن فيه نعمة ولطف الخالق ، لأن نزول المطر يشتمل على نظام دقيق للغاية ومحسوب ،

٥٣٠

فعند ما تشرق الشمس على المحيطات تفصل ذرات الماء الدقيقة عن الأملاح وترسلها على شكل سحب إلى السماء ، ثمّ تقوم طبقات الجو العليا الباردة بتكثيفها ، ثمّ تحملها الرياح إلى الأراضي اليابسة ، ثمّ تتحول أخيرا إلى قطرات مطر بسبب برودة الهواء وضغطه الخاص وتهطل على الأرض ، وتنفذ فيها دون تخريب.

نعم ، فلو دققنا النظر في هذا النظام ، فسنجد علائم قدرة الخالق وعلمه متجلية فيه ، فهو الولي الحميد الذي يقوم بتأمين كلّ حاجات العباد وتشملهم ألطافه العديدة.

ولا بدّ القول أن كلمة (غيث) تعني المطر النافع ، كما يقول العديد من المفسّرين وبعض علماء اللغة ، في حين أن (المطر) يطلق على جميع الأنواع الأخرى النافعة والضارة.

لذا ، فبعد تلك الجملة وردت عبارة :( وَيَنْشُرُ رَحْمَتَهُ ) .

يا له من تعبير لطيف وشامل! فهو ينشر رحمته لإحياء الأراضي الميتة ، ونمو النباتات وتنظيف الهواء ، وتأمين ماء الشرب للإنسان وباقي الكائنات الحية ، والخلاصة في جميع المجالات.

فلو أراد الإنسان أن يدرك مفهوم هذه الجملة القرآنية ، فإنّ عليه أن يتوجه نحو الجبال والسهول بعد نزول المطر وعند ما تشرق الشمس ، كي يشاهد الجمال واللطافة ورحمة الخالق الواسعة وهي تعمر كلّ مكان.

وقد تكوه الاستفادة من كلمة (غيث) بسبب أن لها جذورا مشتركة مع (غوث) المأخوذة من الإغاثة ، ولهذا السبب فإن بعض المفسّرين اعتبر الكلمة أعلاه إشارة إلى أي إغاثة من قبل الخالق بعد اليأس ونشر رحمته(١) .

ولهذه المناسبة ـ أيضا ـ فإن الآية التي بعدها تتحدث عن أهم آيات علم

__________________

(١) يقول الراغب في مفرداته : الغوث يقال في النصرة ، والغيث في المطر.

٥٣١

وقدرة الخالق ، حيث تقول :( وَمِنْ آياتِهِ خَلْقُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَما بَثَّ فِيهِما مِنْ دابَّةٍ ) .

فالسموات بعظمتها ، بمجراتها وكواكبها ، بملايين الملايين من النجوم العظيمة اللامعة ، بنظامها الدقيق الذي يبهت الإنسان عند مطالعته لها. والأرض بمنابعها الحياتية ونباتاتها المتنوعة ولورود والفواكه بمختلف البركات والمواهب والجمال! كلها تعتبر آيات وعلائم تدل عليه هذا من جانب.

ومن جانب آخر فالأحياء في الأرض والسماء ، كأنواع الطيور ، ومئات الآلاف من الحشرات ، وأنواع الحيوانات الأليفة والمتوحشة ، والزواحف ، والأسماك بأنواعها وأحجامها ، والعجائب المختلفة الموجودة في كلّ نوع من هذه الأنواع ، والأهم من ذلك حقيقة (الحياة) وأسرارها التي لم يستطع أحد التوصل إلى كنهها بعد آلاف السنين من البحوث لملايين العلماء ، كلّ ذلك هو من آيات الخالق.

والملفت للنظر أن (دابة) تشمل الكائنات الحية المجهرية التي لها حركات لطيفة وعجيبة ، وتشمل الحيوانات الكبيرة العملاقة التي يصل طولها إلى عشرات الأمتار ووزنها إلى عشرات الأطنان ، فكل صنف يسبّح على طريقته الخاصة ويحمد الخالق ، ويبيّن عظمته تعالى وقدرته وعلمه اللامحدود ، بلسان حاله.

وتقول الآية في نهايتها :( وَهُوَ عَلى جَمْعِهِمْ إِذا يَشاءُ قَدِيرٌ ) (١) .

أمّا ما هو المقصود من جمع الأحياء الذي تذكره هذه الآية؟ فقد ذكر العديد من المفسّرين أنّه الجمع للحساب وجزاء الأعمال في القيامة ، ويمكن اعتبار الآيات التي تذكر القيامة بعنوان (يوم الجمع) دليلا على هذا المعنى (مثل الآية ٧ من نفس هذه السورة والآية ٩ من سورة التغابن).

__________________

(١) (إذا) وكما يقول صاحب الكشاف ، تدخل على الفعل المضارع كما تدخل على الفعل الماضي ، مثل( وَاللَّيْلِ إِذا يَغْشى ) ولكن الفعل أكثر ما يكون بعد (إذا) على شكل الماضي وقليل جدا على شكله المضارع.

٥٣٢

وهنا قد يطرح هذا السؤال وهو : هل أن جميع الأحياء سيحشرون يوم القيامة ، حتى غير الإنسان؟ حيث يقال أحيانا أن كلمة (دابة) تطلق على غير الإنسان. وهنا ستطرح هذه المشكلة وهي كيف ستحشر الأحياء من غير الإنسان للحساب. في حين أنّها لا تتمتع بعقل ولا اختيار ولا تكليف؟

وقد ورد جواب هذا السؤال في نهاية الآية (٣٨) من سورة الأنعام :( وَما مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ وَلا طائِرٍ يَطِيرُ بِجَناحَيْهِ إِلَّا أُمَمٌ أَمْثالُكُمْ ما فَرَّطْنا فِي الْكِتابِ مِنْ شَيْءٍ ثُمَّ إِلى رَبِّهِمْ يُحْشَرُونَ ) .

وقلنا أن حياة العديد من الحيوانات مقترنة مع نظام بديع وعجيب ، فما المانع من أن تكون أعمالها نتاج نوع من العقل والشعور فيها؟ وهل هناك ضرورة لإرجاع جميع هذه الأمور إلى الغريزة؟ وفي هذه الحالة يمكن تصور نوع من الحشر والحساب لها (اقرأ شرحا أكثر لهذا الموضوع في ذيل تفسير الآية ٣٨ من سورة الأنعام).

ويحتمل في تفسير الآية أعلاه أن المقصود من (الجمع) الجانب المقابل لـ (بث) ، أي أن (بت) تشير إلى خلق أنواع الكائنات الحية باختلافها ، ثمّ إذا شاء الخالق (جمعها) وأفناها. فكما أن العديد من الأحياء ـ (على مدى التاريخ) ـ انتشرت بشكل عجيب ، ثمّ انقرضت واختفت فيما بعد. كذلك جمعها وإبادتها يكون بيد الخالق ، فهي في الحقيقة تشبه الآيات التي تقول : يحيي ويميت (أي الخالق).

وبهذا فإنّ قضية حساب الحيوانات سوف تكون أجنبية عن هذه الآية.

النجوم السماوية الآهلة :

من الاستنتاجات المهمّة التي نستنتجها من خلال هذه الآية ، أنّها تدل على وجود مختلف الأحياء في السماوات ، وبالرغم من عدم صدور الرأي النهائي

٥٣٣

للعلماء بهذا الخصوص ، إلّا أنّهم يقولون وعلى نحو الإيجاز : هناك احتمال قوي بوجود عدد كبير من النجوم من بين الكواكب السماوية تحتوي على كائنات حية ، إلّا أن القرآن يصرح بهذه الحقيقة ، من خلال :( وَما بَثَّ فِيهِما مِنْ دابَّةٍ ) .

وما يقوله بعض المفسّرين من احتمال تخصص (فيهما) بالكرة الأرضية غير سديد ، لوجود ضمير المثنى والذي يعود إلى السماء والأرض معا ، وكذلك لا يصح ما قيل في تفسير (دابة) بالملائكة ، لأن دابة تطلق عادة على الكائنات المادية.

ويمكن استفادة هذا المعنى أيضا من خلال الآيات القرآنية المتعددة الأخرى.

وفي حديث ورد عن الإمام علي بن أبي طالبعليه‌السلام أنّه قال : «هذه النجوم التي في السماء مدائن مثل المدائن التي في الأرض مربوطة كلّ مدينة إلى عمود من نور»(١) .

وهناك روايات اخرى متعددة في هذا المجال (يمكن مراجعة كتاب «الهيئة والإسلام» لمزيد من المعلومات).

وبما أن الآيات السابقة كانت تتحدث عن الرحمة الإلهية ، لذا يطرح سؤال في هذا المجال ، وهو كيف تجتمع الرحمة وكل هذه المصائب التي تصيبنا؟

الآية الأخرى تجيب على هذا السؤال وتقول :( وَما أَصابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِما كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ ) .

ثم إن هذا الجزاء ليس جزاء على جميع أعمالكم القبيحة ، لأنّه( وَيَعْفُوا عَنْ كَثِيرٍ ) .

* * *

__________________

(١) سفينة البحار ـ كلمة نجم ـ المجلد الثّاني ـ ص ٥٧٤ ، نقلا عن تفسير علي بن إبراهيم القمي.

٥٣٤

ملاحظات

علّة المصائب :

ومن الضروري الانتباه إلى بعض الملاحظات الواردة في هذه الآية :

١ ـ تبيّن هذه الآية وبوضوح أن المصائب التي تصيب الإنسان هي نوع من التحذير والعقاب الإلهي (بالرغم من وجود بعض الاستثناءات التي سنشير إليها فيما بعد).

وبهذا الترتيب سيتوضح لنا جانب من فلسفة الحوادث المؤلمة والمشاكل الحياتية.

والطريف في الأمر أنّنا نقرأ في حديث عن الإمام عليعليه‌السلام أنّه نقل عن الرّسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قوله : «خير آية في كتاب الله هذه الآية ، يا علي ما من خدش عود ، ولا نكبة قدم إلا بذنب ، وما عفى الله عنه في الدنيا فهو أكرم من أن يعود فيه ، وما عاقب عليه في الدنيا فهو أعدل من أن يثني على عبده»(١) .

وهكذا فإنّ هذه المصائب إضافة إلى أنّها تقلل من حمل الإنسان ، فإنها تجعله يتزن في المستقبل.

٢ ـ بالرغم من عمومية الآية وشمولها كلّ المصائب ، لكن توجد استثناءات لكم عامّ ، مثل المصائب والمشاكل التي أصابت الأنبياء والأئمة المعصومينعليهم‌السلام بهدف الاختبار أو رفع مقامهم.

وأيضا المصائب بهدف الاختبار التي تشمل غير المعصومين. أو المصائب التي تحدث بسبب الجهل أو عدم الدقة في الأمور وعدم الاستشارة والتساهل والتي هي آثار تكوينية لأعمال الإنسان نفسه.

وبعبارة اخرى فإن الجمع بين الآيات القرآنية المختلفة ـ والأحاديث ـ

__________________

(١) مجمع البيان ، المجلد ٩ ، ص ٣١ (نهاية الآيات التي نبحثها) وقد ورد ما يشبه هذا الحديث في (الدر المنثور) وتفسير (روح المعاني) مع بعض الاختلاف وذلك في نهاية الآيات التي نبحثها ، والأحاديث في هذا المجال كثيرة.

٥٣٥

يقتضي التخصيص في بعض الموارد بالنسبة لهذه الآية العامة ، وليس هذا موضوعا جديدا ليكون محل نقاش بعض المفسّرين.

وخلاصة القول فإنّ هناك غايات مختلفة للمصائب والمشاكل التي تصيب الإنسان ، حيث تمّت الإشارة إليها في المواضيع التوحيدية وبحوث العدل الإلهي.

فالملكات تنمو وتتكامل تحت ضغط المصائب ، ويكون هناك حذر بالنسبة للمستقبل ، ويقظة من الغرور والغفلة وكفارة للذنب و

وبما أن أغلب أعمال الأفراد لها طبيعة جزائية وتكفيرية ، لذا فإنّ الآية تطرح ذلك بشكل عام.

ولذا فقد ورد في الحديث أنّه وعند ما دخل علي بن الحسينعليه‌السلام على يزيد بن معاوية ، نظر إليه يزيد وقال : يا على ، ما أصابكم من مصيبة فبما كسبت أيديكم (إشارة إلى أنّ مأساة كربلاء هي نتيجة أعمالكم).

إلّا أنّ الإمامعليه‌السلام أجابه مباشرة : «كلا ما نزلت هذه فينا ، إنّما نزل فينا :( ما أَصابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَلا فِي أَنْفُسِكُمْ إِلَّا فِي كِتابٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَها إِنَّ ذلِكَ عَلَى اللهِ يَسِيرٌ لِكَيْلا تَأْسَوْا عَلى ما فاتَكُمْ وَلا تَفْرَحُوا بِما آتاكُمْ ) فنحن الذين لا نأسى على ما فاتنا من أمر الدنيا ، و، لا نفرح بما أوتينا»(١) .

وننهي هذا الكلام بحديث آخر عن الإمام الصادقعليه‌السلام فعند ما سئل عن تفسير الآية أعلاه قال : تعلمون أن عليا وأهل بيته قد أصيبوا بالمصائب من بعده ، فهل كان ذلك بسبب أعمالهم؟ في حين أنّهم أهل بيت الطهر ، والعصمة من الذنب ، ثمّ أضاف : نص إنّ رسول الله كان يتوب إلى الله ويستغفر في كلّ يوم وليلة مائة مرة من غير ذنب ، إنّ الله يخص أولياءه بالمصائب ليأجرهم عليها من غير ذنب(٢) .

٣ ـ البعض يشكك في أن يكون المقصود من المصائب في هذه الآية مصائب

__________________

(١) تفسير علي بن بن إبراهيم طبقا لنور الثقلين ، المجلد الرابع ، ص ٥٨٠.

(٢) أصول الكافي طبقا لنور الثقلين ، المجلد الرابع ، ص ٥٨١.

٥٣٦

الدنيا ، لأن الدنيا هي دار العمل وليس دار الثواب والجزاء.

وهذا خطأ كبير ، لوجود آيات وروايات متعددة تؤّكد أن الإنسان يرى ـ أحيانا ـ جانبا من نتيجة أعماله في هذه الدنيا ، وما يقال من أن الدنيا ليست دارا للجزاء ولا تتم فيها تصفية جميع الحسابات ، لا يعني عدم الجزاء بشكل مطلق ، حيث أن إنكار هذه الحقيقة يشبه إنكار البديهيات ، كما يقول المطّلعون على المفاهيم الاسلامية.

٤ ـ أحيانا قد تكون المصائب جماعية ، وبسبب ذنوب الجماعة ، كما نقرأ في الآية (٤١) من سورة الروم :( ظَهَرَ الْفَسادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِما كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ ) .

وواضح أن هذا يختص بالمجتمعات الإنسانية التي أصيبت بالمصائب بسبب أعمالها.

وورد في الآية ١١ من سورة الرعد :( إِنَّ اللهَ لا يُغَيِّرُ ما بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا ما بِأَنْفُسِهِمْ ) .

وهذه الآيات تدل على وجود ارتباط وعلاقة قريبة بين أعمال الإنسان والنظام التكويني للحياة ، فإذا سار الناس وفقا لأصول الفطرة وقوانين الخلق فستشملهم البركات الإلهية ، وعند فسادهم يفسدون حياتهم.

وأحيانا قد يصدق هذا الأمر بخصوص آحاد الناس ، فكل إنسان سيصاب في جسمه وروحه أو أمواله ومتعلقاته الأخرى بسبب الذنب الذي يرتكبه ، كما جاء في الآية أعلاه(١) .

على أية حال ، فقد يتصور البعض أنّهم يستطيعون الهروب من هذا القانون الإلهي الحتمي. لذا فإن آخر آية في هذا البحث تقول :( وَما أَنْتُمْ بِمُعْجِزِينَ فِي

__________________

(١) الميزان ، المجلد ١٨ ، ص ٦١.

٥٣٧

الْأَرْضِ ) (١) . وفي السماء بطريق اولى وكيف تستطيعون الهروب من قدرته وحاكميته في حين أن كلّ عالم الوجود هو في قبضته ولا منازع له؟

وإذا كنتم تعتقدون بوجود من سيساعدكم وينصركم ، فاعلموا :( وَما لَكُمْ مِنْ دُونِ اللهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلا نَصِيرٍ ) .

قد يكون الفرق بين (الولي) و (النصير) هو أن الولي هو الذي يقوم بجلب المنفعة ، والنصير هو الذي يقوم بدفع الضرر ، أو أن الولي يقال لمن يدافع بشكل مستقل ، والنصير يقال لمن يقف إلى جانب الإنسان ويقوم بنصرته.

وفي الحقيقة فإن آخر آية تجسد ضعف وعجز الإنسان ، والآية التي قبلها عدالة الخالق ورحمته(٢) .

* * *

مسائل مهمّة

الاولى : مصائبكم بما كسبت أيديكم :

يتصور العديد من الناس أن علاقة أعمال الإنسان بالجزاء الإلهي مثل العقود الدنيوية وما تحتويه من الأجر والعقاب ، في حين قلنا ـ مرارا ـ إن هذه العلاقة أقرب ما تكون إلى الارتباط التكويني منه إلى الارتباط التشريعي.

وبعبارة اخرى فإنّ الأجر والعقاب أكثر ما يكون بسبب النتيجة الطبيعية والتكوينية لأعمال الإنسان حيث يشملهم ذلك. والآيات أعلاه خير شاهد على هذه الحقيقة.

وبهذا الخصوص هناك روايات كثيرة في المصادر الإسلامية نشير إلى بعضها

__________________

(١) «معجزين» من كلمة (إعجاز) إلّا أنّها وردت في العديد من الآيات القرآنية بمعنى الهروب من محيط القدرة الإلهية ومن عذابه ، حيث يقتضي معناها ذلك.

(٢) في ظلال القرآن ـ المجلد السابع ص ٢٩٠.

٥٣٨

لتكميل الموضوع :

١ ـ ورد في إحدى خطب نهج البلاغة : «ما كان قوم قط في غض نعمة من عيش ، فزال عنهم إلّا بذنوب اجترحوها ، لأن الله ليس بظلام للعبيد ، ولو أنّ الناس حين تنزل بهم النقم ، وتزول عنهم النعم ، فزعوا إلى ربّهم بصدق من نياتهم ، ووله من قلوبهم ، لردّ عليهم كلّ شارد ، وأصلح لهم كلّ فاسد»(١) .

٢ – وهناك حديث آخر عن أمير المؤمنين الإمام عليعليه‌السلام في (جامع الأخبار) حيث يقول : «إنّ البلاء للظالم أدب ، وللمؤمن امتحان ، وللأنبياء درجة ، وللأولياء كرامة»(٢) .

وهذا الحديث خير شاهد للاستثناءات التي ذكرناها لهذه الآية.

وورد في حديث آخر عن الإمام الصادقعليه‌السلام في الكافي أنّه قال : «إنّ العبد إذا كثرت ذنوبه ، ولم يكن عنده من العمل ما يكفرها ، ابتلاه بالحزن ليكفرها»(٣) .

٤ ـ وهناك باب خاص لهذا الموضوع في كتاب أصول الكافي يشمل ١٢ حديثا(٤) .

وكل هذه هي غير الذنوب التي صرحت الآية أعلاه بأن الخالق سيشملها بعفوه ورحمته ، حيث أنّها ـ بحد ذاتها ـ كثيرة.

الثانية : اشتباه كبير

قد يستنتج البعض بشكل خاطئ من هذه الحقيقة القرآنية ويقول بوجوب الاستسلام لأي حادثة مؤسفة ، إلّا أن هذا الأمر خطير للغاية ، لأنّه يستفيد من هذا الأصل القرآني التربوي بشكل معكوس ويستنتج نتيجة تخديرية.

__________________

(١) نهج البلاغة ـ الخطبة ١٧٨.

(٢) بحار الأنوار ، المجلد ٨١ ، ص ١٩٨.

(٣) الكافي ، ـ المجلد الثّاني ، كتاب الإيمان والكفر ـ باب تعجيل عقوبة الذنب ـ الحديث ٢.

(٤) المصدر السابق.

٥٣٩

فالقرآن لا يقول أبدا بالاستسلام حيال المصائب وعدم السعي لحل المشاكل ، والركون للظلم والجور والمرض ، بل يقول : إذا شملتك المصائب بالرغم من سعيك ومحاولاتك لدفعها ، فاعلم أن ذلك هو كفارة الذنوب التي قمت بها وارتكبتها ، عليك أن تفكر بأعمالك السابقة ، وتستغفر لذنوبك ، وتصلح نفسك وتكتشف نقاط ضعفك.

وإذا ورد في الروايات أن هذه الآية من أفضل آيات القرآن ، فذلك بسبب تأثيرها التربوي المهم ، ومن جانب آخر تقوم بتخفيف هموم الإنسان ، وتعيد الأمل وعشق الخالق إلى قلبه وروحه.

الثّالثة : من هم أصحاب الصفة؟

الذين يذهبون إلى زيارة قبر النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في المدينة ، يشاهدون مكانا مرتفعا قليلا عن الأرض في زاوية المسجد وقرب القبر الشريف حيث عزلت أطرافه بشكل جميل عن باقي المسجد ، كما أن الكثير ينتخب هذا المكان لتلاوة القرآن والصلاة.

هذا المكان يذكرنا بمكان (الصفّة) وهو المحل الذي هيأه النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لمجموعة من الغرباء الذين اعتنقوا الإسلام ولم يكن لديهم مأوى سوى المسجد(١) .

توضيح :

أوّل شخص غريب اعتنق الإسلام ولم يكن يملك مكانا في المدينة هو شاب من أهل اليمامة يسمى (جويبر) حيث أن قصة زواجه الشهيرة مع (الذلفاء) تعتبر من أجمل حوادث محاربة الفواصل الطبقية في التاريخ الإسلامي.

__________________

(١) «صفة» على وزن (غصّة) وتعني في اللغة الصيفية المغطاة بسعف النحل.

٥٤٠

541

542

543

544

545

546

547

548

549

550

551

552

553

554

555

556

557

558

559

560

561

562

563

564

565

566

567

568

569

570

571

572

573

574

575

576

577

578

579

580

581

582

583

584

585

586

587

588

589

590

591

592

593

594

595

596

597

598

599

600

601

602

603

604

605

606

607