الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل الجزء ١٥

الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل9%

الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل مؤلف:
تصنيف: تفسير القرآن
الصفحات: 607

الجزء ١ الجزء ٢ الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥ الجزء ٦ الجزء ٧ الجزء ٨ الجزء ٩ الجزء ١٠ الجزء ١١ الجزء ١٢ الجزء ١٣ الجزء ١٤ الجزء ١٥ الجزء ١٦ الجزء ١٧ الجزء ١٨ الجزء ١٩ الجزء ٢٠
  • البداية
  • السابق
  • 607 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 182067 / تحميل: 6228
الحجم الحجم الحجم
الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل

الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل الجزء ١٥

مؤلف:
العربية

١
٢

سورة الزّمر

مَكيَّة

وَعَدَدُ آيَاتِهَا خَمس وَسبعُون آية

٣
٤

سورة الزّمر

محتوي سورة الزّمر :

هذه السورة نزلت في مكّة المكرمة ، ولهذا السبب فإنّها تتطرق للقضايا المتعلقة بالتوحيد والمعاد ، وأهميّة القرآن ، ومقام نبوّة نبيّ الإسلامصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كما هو الحال في بقية السور المكّية.

فالمرحلة التي قضاها المسلمون في مكّة كانت مرحلة للبناء الإيماني والعقائدي ، ولذلك فإن السور المكية حوت أقوى البحوث وأكثرها تأثيرا في هذا المجال. وكانت الأساس القوي المحكم الذي ظهرت آثاره العجيبة في المدينة ، وفي الغزوات وعند مواجهة العدو ، وأمام عراقيل المنافقين ، وفي قبول النظام الإسلامي ، وإذا أردنا معرفة سر الانتصار السريع للمسلمين في المدينة فإنّ علينا أن نطالع دروس مكّة المؤثرة.

وعلى أية حال فإنّ هذه السورة تضم عدّة أقسام مهمّة :

١ ـ تتطرق السورة إلى مسألة الدعوة إلى توحيد الله ، توحيده في الخلق ، توحيده في الربوبية ، توحيده في العبودية ، كما تسلط الضوء على مسألة الإخلاص في العبادة لله ، وآيات هذه السورة في هذا المجال مؤثرة جدّا بحيث تجذب قلب الإنسان وتدفعه نحو الإخلاص.

٢ ـ الأمر المهم الآخر الذي تكرر في عدّة آيات في هذه السورة من بدايتها وحتى نهايتها ، هو مسألة (المعاد) والمحكمة الإلهية الكبرى ، ومسألة الثواب

٥

والعقاب ، وغرف الجنّة ، وكور النّار في جهنّم ، ومسألة الخوف والرهبة من يوم القيامة ، وظهور نتائج الأعمال في ذلك اليوم ، وتجسّدها في ذلك المشهد الكبير ، إضافة إلى أنّها تستعرض قضية اسوداد أوجه الكاذبين والذين افتروا على الله الكذب ، وسوق الكافرين صوب جهنم ، وتعرض الكافرين لتوبيخ وملامة ملائكة العذاب ودعوة أهل الجنّة إلى دخول الجنّة وتقديم ملائكة الرحمة التهاني والتبريكات لهم ، وهذه الأمور التي تدور حول محور المعاد ممزوجة مع قضايا التوحيد بشكل كبير وكأنّها تشكل معها نسيجا واحدا.

٣ ـ قسم آخر من السورة يتناول أهمية القرآن المجيد ، ورغم قلّة عدد آيات هذا القسم ، فهو يجسّد بصورة لطيفة القرآن وتأثيره القوي على القلوب والأرواح.

٤ ـ قسم آخر أيضا يبيّن مصير الأقوام السابقين والعذاب الإلهي الأليم الذي نزل بهم من جراء تكذيبهم لآيات الله الحقّ.

٥ ـ وأخيرا قسم آخر من هذه السورة يتحدث عن مسألة التوبة ، وكون أبواب التوبة مفتوحة لمن يرغب في العودة إلى الله ، وقد تضمّن هذا القسم أقوى آيات القرآن تأثيرا في مجال التوبة ، ويمكن القول بأن آيات هذا القسم تزف البشرى وتحمل أخبارا سارّة قد لا يوجد مثيل لها في بقية آيات القرآن.

هذه السورة معروفة باسم سورة (الزّمر) وهذا الاسم مأخوذ من الآيتين (٧١) و (٧٣) من هذه السورة ، وتعرف أيضا باسم سورة (الغرف) وهذا الاسم مأخوذ من الآية (٢٠) إلّا أن هذه التسمية غير مشهورة.

فضيلة سورة الزمر :

لقد أولت الأحاديث الإسلامية أهمية كبيرة لتلاوة هذه السورة ، وقد ورد حديث عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقول فيه : «من قرأ سورة الزّمر لم يقطع الله رجاه ،

٦

وأعطاه ثواب الخائفين الذين خافوا الله تعالى»(١) .

وورد في حديث آخر عن الإمام الصادقعليه‌السلام «من قرأ سورة الزمر أعطاه الله شرف الدنيا والآخرة ، وأعزه بلا مال ولا عشيرة ، حتى يهابه من يراه وحرم جسده على النّار»(٢) .

مقارنة فضائل تلاوة سورة الزمر مع محتوياتها في مجال الخوف من الله ، ورجاء رحمته ، والإخلاص في العبودية ، والتسليم المطلق لذات الله ، يوضح أنّ هذه المكافآت إنّما تعطى لمن كانت تلاوته مقدمة للتفكر والتفكر وسيلة للإيمان والعمل.

وبعبارة اخرى : أن يتوغل محتوى السورة في اعماق روحه. ويتجلّى في كافة مظاهر الحياة الاجتماعية والفردية. أجل فمثل هؤلاء الافراد لائقون لهذا الثواب العظيم والرحمة الواسعة.

* * *

__________________

(١) مجمع البيان بداية سورة الزمر.

(٢) مجمع البيان وثواب الأعمال وتفسير نور الثقلين.

٧

الآيات

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

( تَنْزِيلُ الْكِتابِ مِنَ اللهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ (١) إِنَّا أَنْزَلْنا إِلَيْكَ الْكِتابَ بِالْحَقِّ فَاعْبُدِ اللهَ مُخْلِصاً لَهُ الدِّينَ (٢) أَلا لِلَّهِ الدِّينُ الْخالِصُ وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِياءَ ما نَعْبُدُهُمْ إِلاَّ لِيُقَرِّبُونا إِلَى اللهِ زُلْفى إِنَّ اللهَ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ فِي ما هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ إِنَّ اللهَ لا يَهْدِي مَنْ هُوَ كاذِبٌ كَفَّارٌ (٣) )

التّفسير

عليك الإخلاص في الدين!

هذه السورة تبدأ بآيتين تتحدثان عن نزول القرآن المجيد : الأولى تقول : إن الله هو الذي أنزل القرآن ، والثانية : تبيّن محتوى وأهداف القرآن.

في البداية تقول :( تَنْزِيلُ الْكِتابِ مِنَ اللهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ ) (١) .

من الطبيعي أنّ كلّ كتاب تتمّ معرفته من خلال مؤلفه أو منزله ، وعند ما ندرك

__________________

(١)( تَنْزِيلُ الْكِتابِ ) خبر لمبتدأ محذوف والتقدير «هذا تنزيل الكتاب» ، واحتمل بعض المفسّرين أن «تنزيل الكتاب» مبتدأ و «من الله» خير. لكن الرأي الأوّل أصحّ ، و «تنزيل» مصدر بمعنى المفعول. فتكون إضافته إلى الكتاب من باب إضافة الصفة إلى موصوفها ، والمعنى (هذا الكتاب منزل من الله).

٨

أنّ هذا الكتاب السماوي الكبير مستلهم من علم الله القادر والحكيم ، الذي لا يقف أمام قدرته المطلقة شيء ، ولا يخفى على علمه المطلق أمر ، لأيقنّا بلا عناء أن محتوياته حقّ وكلّها حكمة ونور وهداية.

مثل هذه العبارات عند ما ترد في بدايات سور القرآن ، ترشد المؤمنين إلى هذه الحقيقة ، وهي أن كلّ ما هو موجود في القرآن المجيد هو كلام الله وليس بكلام الرّسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، ورغم كون كلامهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بليغا وحكيما أيضا.

ثم تنتقل السورة إلى عرض محتويات هذا الكتاب السماوي وأهدافه( إِنَّا أَنْزَلْنا إِلَيْكَ الْكِتابَ بِالْحَقِ ) .

لا يوجد فيه غير الحقّ ، ولهذا السبب يتبعه طلاب الحقّ ، والباحثون عن الحقيقة مشغولون بالبحث في محتوياته ، من هنا ، ولكون هدف نزول القرآن يتحدد في إعطاء الدين الخالص للبشرية ، فإنّ آخر الآية يقول :( فَاعْبُدِ اللهَ مُخْلِصاً لَهُ الدِّينَ ) .

قد يكون المراد هنا من كلمة (دين) هو عبادة الله ، لأنّ الجملة التي وردت قبلها( فَاعْبُدِ اللهَ ) فيها أمر بالعبادة ، ولذا فإنّ العبارة التي تليها( مُخْلِصاً لَهُ الدِّينَ ) تبيّن شروط صحة العبادة والتي تتمثل في الإخلاص وفي الشرك والرياء.

على كلّ حال فإنّ اتساع مفهوم (الدين) وعدم ذكر قيد أو شرط له ، يعطي معنى واسعا ، بحيث يشمل العبادات وبقية الأعمال إضافة إلى العقائد ، وبعبارة أخرى فإنّ (الدين) يتناول مجموعة شؤون الحياة المادية والمعنوية للإنسان ، ويجب على عباد الله المخلصين أن يخلصوا كلّ حياتهم لله وأن يطهروا قلوبهم وأرواحهم وساحة عملهم ودائرة حديثهم عن كل ما هو لغير الله ، وأن يفكروا به ويعشقوه ، وأن يتحدثوا عنه ويعملوا من أجله ، وأن يسيروا دائما في سبيل رضاه ، وهذا هو (إخلاص الدين).

ولذا لا يوجد أيّ داع أو دليل واضح لتحديد مفهوم الآية في شهادة (لا إله إلا

٩

الله) أو بخصوص (العبادة والطاعة).

الآية التّالية تؤكد مرّة اخرى على مسألة الإخلاص ، وتقول :( أَلا لِلَّهِ الدِّينُ الْخالِصُ ) وهذه العبارة ذات المعنيين :

الأوّل : هو أنّ البارئعزوجل لا يقبل سوى الدين الخالص ، والاستسلام الكامل له من دون أيّ قيد أو شرط ، ولا يقبل أي عمل فيه رياء أو شرك ، أو خلط للقوانين الإلهية بغيرها من القوانين الوضعية.

والثّاني : هو أنّ الذين والشريعة الخالصة يجب أخذها من الله فقط ، لأن أفكار الإنسان ناقصة وممزوجة بالأخطاء والأوهام.

ولكن وفق ما جاء في ذيل الآية السابقة فإنّ المعنى الأوّل أنسب ، لأن الذين يؤدون المطلوب منهم بإخلاص هم العباد ، ولهذا فإنّ هذا الخلوص في الآية مورد بحثنا يجب أن يراعى من جانب أولئك.

وهناك دليل آخر على هذا الكلام ، وهو حديث ورد عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، جاء فيه أن رجلا قال لرسول الله : يا رسول الله! إنّا نعطي أموالنا التماس الذكر ، فهل لنا من أجر فقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : لا ، قال : يا رسول الله! إنّا نعطي التماس الأجر والذكر ، فهل لنا أجر؟ فقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «إن الله تعالى لا يقبل إلّا من أخلص له ، ثمّ تلا هذه الآية :( أَلا لِلَّهِ الدِّينُ الْخالِصُ ) (١) .

وعلى أية حال ، فإنّ هذه الآية في الواقع استدلال للآية التي جاءت قبلها ، فهناك تقول :( فَاعْبُدِ اللهَ مُخْلِصاً لَهُ الدِّينَ ) وهنا تقول :( أَلا لِلَّهِ الدِّينُ الْخالِصُ ) .

مسألة الإخلاص تناولتها الكثير من الآيات القرآنية والأحاديث الإسلامية ، وبدء الجملة مورد بحثنا بـ (ألا) التي تستعمل عادة لجلب الانتباه ، هو دليل آخر على أهمية هذا الموضوع.

ثم تنتقل الآية إلى إبطال المنطق الواهي الضعيف للمشركين الذين تركوا

__________________

(١) روح المعاني ، المجلد ٢٣ ، الصفحة ٢١٢ ذيل آيات البحث.

١٠

طريق الخلاص ، وضاعوا في طرق الشرك والانحراف :( وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِياءَ ما نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونا إِلَى اللهِ زُلْفى ، إِنَّ اللهَ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ فِي ما هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ ) (١) ، وهنا سيتّضح للجميع فساد أفكارهم وأعمالهم وبطلان عقائدهم

هذه الآية هي تهديد قاطع للمشركين في أنّ البارئعزوجل سيحاكمهم في يوم القيامة ، اليوم الذي تنكشف فيه الالتباسات وتظهر فيه الحقائق ، ليجزوا ويعاقبوا على ما ارتكبوه من الأعمال المحرّمة ، إضافة إلى فضيحتهم أمام الجميع في ساحة المحشر.

منطق عبدة الأصنام واضح هنا ، فأحد أسباب عبادة الأصنام هي أنّ مجموعة كانت تزعم أنّ الله سبحانه وتعالى أجلّ من أن يحيط به الإدراك الإنساني من عقل أو وهم أو حس ، فهو منزّه عن أن يكون موردا للعبادة مباشرة ، فلذا قالوا : من الواجب أن نتقرّب إليه بالتقرب إلى مقربيه من خلقه ، وهم الذين فوض إليهم تدبير شؤون العالم ، فنتخذهم أربابا من دون الله ثمّ آلهة نعبدهم ونتقرب إليهم ليشفعوا لنا عند الله ويقربونا إليه زلفى ، وهؤلاء هم الملائكة والجن وقد يسو البشر.

ولما أحسّوا بأن ليس باستطاعتهم الوصول إلى أولئك المقدسين ، بنوا تماثيل لهم ، وأخذوا يعبدونها ، وهذه التماثيل هي نفسها الأصنام ، ولأنّهم كانوا يزعمون أن لا فرق بين التماثيل وأولئك المقدسين وأنّ لهما نوعا من التوحّد ، لذا عمدوا إلى عبادة الأصنام واتخاذه آلهة لهم.

وبهذا الشكل فإنّ الأرباب في نظرهم ، هم أولئك الذين خلقهم الله وقربهم إلى نفسه ، وفوض إليهم تدبير شؤون العالم حسب زعمهم ، وكانوا يعتبرون البارئعزوجل هو (رب الأرباب) وهو خالق عالم الوجود ، ومن النادر أن يوجد من الوثنيين من يقول بأن هذه الأصنام المصنوعة من الحجر والخشب ، أو حتى آلهتهم

__________________

(١) من الواضح أنّ في الآية المذكورة أعلاه وقبل عبارة( ما نَعْبُدُهُمْ ) جملة تقديرها «ويقولون ما نعبدهم».

١١

الوهمية ـ أي الملائكة والجن وأمثالهم ـ هي التي خلقت هذا الكون وأوجدته(١) وبالطبع فإنّ هناك أسبابا أخرى لعبادة الأصنام ، ومنها أنّ الاحترام الفائق الذي يكنونه في بعض الأحيان للأنبياء والصالحين يتسبب في احترام حتى التمثال الذي ينحت أو يصنع لهم بعد وفاتهم ، ومع مرور الزمن تأخذ هذه لتماثيل طابعا استقلاليا ، ويتبدل الاحترام إلى عبادة ، ولهذا فإنّ الإسلام نهى بشدّة عن صنع التماثيل.

وقد ورد في كتب التأريخ أنّ عرب الجاهلية كانوا يكنون احتراما فائقا للكعبة الشريفة ولأرض مكّة المكرّمة ، ولهذا كانوا يأخذون معهم قطعة حجر صغيرة من تلك الأرض عند ما يذهبون إلى مكان آخر ، ويضفون عليها الاحترام والتقديس ، ومن ثمّ يعمدون إلى عبادتها.

وما ورد في قصة (عمرو بن لحي) التي جاء فيها ، أنّ عمرا في إحدى رحلاته إلى بلاد الشام شاهد بعض مشاهد عبدة الأصنام ، وفي طريق عودته إلى الحجاز ، اصطحب معه صنما من بلاد الشام ، ومنذ ذلك الحين بدأت عبادة الأصنام في الحجاز هذه القصّة لا تتعارض مع ما ذكرناه لأنّه يبيّن بعض جذور عبادة الأصنام ، وهدف أهل الشام من عبادة الأصنام كان مأخوذا من أحد تلك الأمور أو نظائرها.

عبادة الأصنام ـ بأي شكل كانت ـ ما هي إلّا أوهام وخيالات لا صحة لها ترشحت من أفكار ضعيفة وعاجزة ، حرفت الناس عن الطريق الرئيسي الأصيل لمعرفة الله.

والقرآن المجيد يؤكّد بصورة خاصّة على أنّ الإنسان يستطيع أن يتصل بالله من دون أي واسطة ، وأن يتحدث معه ويناجيه ويطلب منه حاجته ، ويطلب العفو

__________________

(١) تفسير الميزان ، المجلد ١٧ ، الصفحة ٢٤٧ مع بعض التغييرات.

١٢

والتّوبة ، فكلّ هذه الأمور من الله وتحت تسلط قدرته. وسورة الحمد توضّح هذه الحقيقة ، لأنّ قراءة العباد المستمر لهذه السورة في صلواتهم اليومية ، تجعل العبد على اتصال مباشر مع البارئ ،عزوجل ، إذ أنّه يقرؤها ويطلب من الله ـ دون أي واسطة ـ حاجاته منه.

سبل الاستغفار والتوبة ، وكذلك طلب العون من البارئ ،عزوجل وما ورد في الأدعية المأثورة ، كلها تبيّن أنّ الإسلام لا يرى وجود واسطة في هذا الأمر ، وهذه هي حقيقة التوحيد. حتى أن مسألة الشفاعة والتوسل بأولياء الله مشروطة بإذن البارئعزوجل وسماحه ، وهذا تأكيد على مسألة التوحيد.

ويجب أن تكون العلاقة هكذا ، لأنّ الله سبحانه وتعالى أقرب إلينا من أيّ شيء ، كما يقول بذلك القرآن :( وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ ) (١) ،( وَاعْلَمُوا أَنَّ اللهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ ) (٢) .

وبهذا الشكل فالبارئ ،عزوجل ليس ببعيد عنّا ، ولسنا بعيدين عنه كي تكون هناك حاجة للوساطة بين الطرفين ، إنّه أقرب إلينا من كلّ قريب ، وموجود في مكان وفي أعماق قلوبنا.

وفقأ لهذا فإنّ عبادة الوسطاء من الملائكة والجنّ ونظائرهم ، أو الأصنام الحجرية والخشبية ، عمل باطل لا صحّة له ، إضافة إلى أنّه يعدّ كفرا بنعمة الله ، لأنّ الذي يهب النعم أجدر بالعبادة من تلك الموجودات الميتة ، أو المحتاجة إلى الآخرين من أعلى رأسها إلى أخمص قدمها. لذا يقول القرآن المجيد في نهاية الآية :( إِنَّ اللهَ لا يَهْدِي مَنْ هُوَ كاذِبٌ كَفَّارٌ ) .

فلا يهديه إلى الطريق الصحيح في هذا العالم ، ولا إلى الجنّة في العالم الآخر ،

__________________

(١) سورة ق ، ١٦.

(٢) سورة الأنفال ، ٢٤.

١٣

لأنّه أو صد بكلتا يديه أبواب الهداية أمامه ، ولأنّ البارئعزوجل يبعث فيض هدايته إلى من يراه لائقا ومستعدا لاستقبالها ، ولا يبعثها إلى الذين تعمدوا قتل الاستعدادات الموجودة في قلوبهم وذاتهم.

* * *

ملاحظة

الفرق بين التنزيل والإنزال :

في الآية الأولى وردت عبارة( تَنْزِيلُ الْكِتابِ ) ، وفي الثانية عبارة( أَنْزَلْنا إِلَيْكَ الْكِتابَ ) ، فما الفرق بين الإنزال والتنزيل؟ وما المراد من تباين العبارتين في هاتين الآيتين؟

كتب اللغة تقول : إنّ كلمة (تنزيل) تعني نزول الشيء على عدّة دفعات ، في حين أن كلمة (إنزال) لها معنى عام يشمل النّزول التدريجي والنّزول دفعة واحدة(١) .

قال بعضهم إنّ لكل منهما معنى خاصا بها وأن (تنزيل) تعني ـ فقط ـ النّزول على عدّة دفعات ، و (إنزال) تعني ـ فقط ـ النّزول دفعة واحدة(٢) .

اختلاف العبارتين المذكورتين أعلاه إنّما يعود إلى أن القرآن المجيد نزل بصورتين :

الأولى : نزل دفعة واحدة على قلب النّبي محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في ليلة القدر في شهر

__________________

(١) مفردات الراغب مادة (نزل) والفرق بين الإنزال والتنزيل في وصف القرآن والملائكة ، أن التنزيل يختص بالموضع الذي يشير إليه إنزاله مفرقا ومرّة بعد اخرى والإنزال عام.

(٢) هذا الاختلاف ورد في التّفسير الكبير للفخر الرازي نقلا عن آخرين.

١٤

رمضان المبارك كما ورد في الآيات المباركة :( إِنَّا أَنْزَلْناهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ ) (١) و( إِنَّا أَنْزَلْناهُ فِي لَيْلَةٍ مُبارَكَةٍ ) (٢) و( شَهْرُ رَمَضانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ ) (٣) .

وفي كلّ هذه الآيات استخدمت عبارة (الإنزال) التي تشير إلى نزوله دفعة واحدة.

ويوجد نزول آخر تمّ بصورة تدريجية استغرقت (٢٣) عاما ، أي طوال فترة نبوّة الرّسول الأكرمصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إذا كانت تنزل في كلّ حادثة وقضية آية تناسبها ، وتنقل بالمسلمين من مرحلة إلى اخرى ليرتقوا سلم الكمال المعنوي والأخلاقي والعقائدي والاجتماعي ، كما ورد في الآية (١٠٦) من سورة الإسراء :( وَقُرْآناً فَرَقْناهُ لِتَقْرَأَهُ عَلَى النَّاسِ عَلى مُكْثٍ وَنَزَّلْناهُ تَنْزِيلاً ) .

والذي يثير الانتباه ، هو أنّ الكلمتين (تنزيل) و (إنزال) تأتيان أحيانا في آية واحدة للتعبير عن مقصودين ، كما ورد في الآية (٢٠) من سورة محمّد :( وَيَقُولُ الَّذِينَ آمَنُوا لَوْ لا نُزِّلَتْ سُورَةٌ فَإِذا أُنْزِلَتْ سُورَةٌ مُحْكَمَةٌ وَذُكِرَ فِيهَا الْقِتالُ رَأَيْتَ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ يَنْظُرُونَ إِلَيْكَ نَظَرَ الْمَغْشِيِّ عَلَيْهِ مِنَ الْمَوْتِ ) .

فكأن المسلمين يطلبون أحيانا نزول السورة القرآنية تدريجا كي يهضموا محتوياتها بصورة جيدة ، لكن الضرورة كانت تستدعي في بعض الحالات نزول السورة دفعة واحدة ، وخاصة السور التي تتناول مسائل الجهاد في سبيل الله ، لأنّ نزولها التدريجي كان قد يؤدي إلى سوء استغلالها من قبل المنافقين الذين كانوا يتحينون الفرص لبث سمومهم. ففي مثل هذه الحالات ـ كما ذكرنا ـ كانت السورة تنزل دفعة واحدة. وهذا آخر شيء يمكن ذكره بشأن التباين الموجود بين العبارتين ، وطبقا لهذا فإنّ آيات بحثنا أشارت إلى طريقتي النّزول بصورة جامعة

__________________

(١) القدر ، ١.

(٢) سورة الدخان ، ٣.

(٣) سورة البقرة ، ١٨٥.

١٥

كاملة.

ومع هذا فإنّه توجد هناك بعض الأمور الاستثنائية لتفسير وبيان الاختلاف المذكور أعلاه ، كما ورد في الآية (٣٢) من سورة الفرقان :( وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ لا نُزِّلَ عَلَيْهِ الْقُرْآنُ جُمْلَةً واحِدَةً كَذلِكَ لِنُثَبِّتَ بِهِ فُؤادَكَ وَرَتَّلْناهُ تَرْتِيلاً ) .

بالطبع ، لكل من (التنزيل) و (الإنزال) فوائد وآثار خاصّة به ، سنتطرق إليها في مواضعها(١) .

* * *

__________________

(١) هناك بحث مفصل عن فوائد النّزول التدريجي للقرآن تعرضنا له لدى تفسير الآية (٣٤) من سورة فرقان.

١٦

الآيتان

( لَوْ أَرادَ اللهُ أَنْ يَتَّخِذَ وَلَداً لاصْطَفى مِمَّا يَخْلُقُ ما يَشاءُ سُبْحانَهُ هُوَ اللهُ الْواحِدُ الْقَهَّارُ (٤) خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ يُكَوِّرُ اللَّيْلَ عَلَى النَّهارِ وَيُكَوِّرُ النَّهارَ عَلَى اللَّيْلِ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي لِأَجَلٍ مُسَمًّى أَلا هُوَ الْعَزِيزُ الْغَفَّارُ (٥) )

التّفسير

ما حاجة الله إلى الأولاد؟

المشركون إضافة إلى أنّهم يعتبرون الأصنام وسيطا وشفيعا لهم عند الله ، كما استعرضت ذلك الآيات السابقة ، فقد اعتقدوا ـ أيضا ـ أن بعض المخلوقات ـ كالملائكة ـ هي بنات الله ، والآية الأولى في بحثنا تجيب على هذا الإعتقاد الخاطئ والتصور القبيح بالقول :( لَوْ أَرادَ اللهُ أَنْ يَتَّخِذَ وَلَداً لَاصْطَفى مِمَّا يَخْلُقُ ما يَشاءُ سُبْحانَهُ هُوَ اللهُ الْواحِدُ الْقَهَّارُ ) .

ذكر المفسرون آراء مختلفة في تفسير هذه الآية :

قال البعض : يقصد منها لو أنّ الله كان راغبا في انتخاب ولد له ، فلم ينتخب

١٧

البنات اللاتي تزعمون أنّهنّ لا قيمة لهنّ؟ فلم لا ينتخب له أبناء؟ وهذا ـ في الحقيقة ـ نوع من أنواع الاستدلال وفق ذهنية الطرف المقابل كي يفهم أن كلامه لا أساس له من الصحة.

وقال آخر : إنّما يقصد منها لو أنّ الله كان راغبا في انتخاب ولد له ، لكان قد خلق موجودات اخرى أفضل وأرفى من الملائكة.

وبالنظر إلى كون مكانة الأنثى لا تقلّ عن مكانة الذكر عند الباريعزوجل ، وبالنظر إلى كون الملائكة أو عيسىعليه‌السلام ـ والذين اعتبرهم بعض المنحرفين أبناء الله ـ من الموجودات الشريفة والمحترمة ، فإنّه لا يعدّ أيّ من التّفسيرين السابقين مناسبا.

والأفضل هو القول بأنّ الآية تريد القول : إنّ الابن مطلوب إمّا لتقديم العون أو لمؤانسة الروح ، وبفرض المحال فإنّ اللهعزوجل لو كان محتاجا لمثل هذا الأمر ، لاصطفى لهذا بعضا ممّن يشاء من أشرف خلقه ، فلم يتخذ ولدا؟

ولكن لكونه الواحد الذي لا نظير له والقاهر والغالب لكل شيء والأزلي والأبدي ، فإنّه لا يحتاج إلى مساعدة أيّ أحد ، ولا يستوحش من وحدانيته حتى يزيلها عن طريق الإنسان مع الآخرين ، لهذا فهو منزّه ومقدّس عن الولد ، حقيقيا كان أو منتخبا.

وإضافة إلى ما ذكرناه من قبل ، فإنّ أولئك الجهلة الذين يتصورون أحيانا أن الملائكة هم أبناء الله ، وأحيانا اخرى يقولون بوجود نسبة بين الباري ،عزوجل والجن ، وأحيانا يقولون بأن (المسيح) أو (العزيز) هم أبناء الله ، يجهلون الكثير من الحقائق الواضحة ، فإن كان قصدهم هو الولد الحقيقي :

فأولا : يجب أن يكون الباري تعالى جسما.

ثانيا : التركيب من أجزاء (لأنّ الوالد جزء من الأب ينفصل عن وجود أبيه).

ثالثا : حتمية وجود شبيه ونظير له (لأنّ الأولاد على الدوام يشبهون الآباء).

١٨

رابعا : احتياجه لزوجة ، والله منزّه ومقدّس عن كلّ تلك الأمور.

وإنّ كان المقصود هو الولد المنتخب أي (المتبنىّ) فإن ذلك إنّما يتمّ لأجل احتياجه لمساعدة جسدية أو لمؤانسة روحية ، والله القادر القاهر لا يحتاج إلى كلّ هذه الأمور. وبهذا فإنّ وصفه بـ (الواحد) و (القهار) هو جواب مختصر على كلّ تلك الاحتمالات.

على أية حال ، فإنّ عبارة (لو) التي تستخدم عادة للشرط المستحيل إشارة إلى أن هذا الفرض محال في أن ينتخب البارئعزوجل والدا له ، وبفرض المحال أنّه يحتاج ، فإنّه غير محتاج لما يقولونه من اتخاذ الولد ، بل إن مخلوقاته المنتخبة هي التي تؤمن هذا الأمر.

ولإثبات حقيقة أنّ الله لا يحتاج إلى مخلوقاته ، ولبيان دلائل توحيده وعظمته ، يقول البارئعزوجل :( خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِ ) .

كون تلك الأمور حقّا دليل على وجود هدف كبير من وراء خلقها ، وذلك لتكامل المخلوقات وفي مقدمتها الإنسان ، ثمّ لا تنتهي عند البعث.

بعد عرض هذا الخلق الكبير ، تشير الآية إلى جوانب من تدبيره العجيب ، والتغيرات التي تطرأ بحسابات دقيقة ، والأنظمة الدقيقة أيضا التي تحكم أولئك ، إذ يقول القرآن المجيد :( يُكَوِّرُ اللَّيْلَ عَلَى النَّهارِ وَيُكَوِّرُ النَّهارَ عَلَى اللَّيْلِ ) .

ما أجملها من عبارة! فلو وقف الإنسان في منطقة تقع خارج نطاق الكرة الأرضية ، ونظر إلى مشهد حركة الأرض حول نفسها وتكوّن الليل والنهار اللذين يطوقان سطحها المكور ، لشاهد ـ بصورة منتظمة ـ أن سواد الليل يستولي على طرف النهار من جهة ومن الجهة المقابلة يرى بأن ضوء النهار يستولي محركة مستمرة على ظلام الليل.

«يكون» من (تكوير) وتعني الشيء المتكور أو المنحني ، ويعتبر أصحاب اللغة تكوير العمامة على الرأس نموذجا للتكوير ، وهذا التعبير القرآني الجميل

١٩

يكشف عن بعض الأسرار ، لكن الكثير من المفسّرين نتيجة عدم التفاتهم إلى كروية الأرض ذكروا مواضيع اخرى لا تناسب مفهوم كلمة (التكوير) ، فمن هذه الآية يتجلّى لنا أن الأرض كروية وتدور حول نفسها ، ومن جراء هذا الدوران ، يطّوق الأرض دائما شريطان ، أحدهما سواد الليل ، والثّاني بياض النهار ، ولا يبقى هذان الشريطان ثابتين ، وإنّما يغطي الشريط الأسود الأبيض ، من جهة والشريط الأبيض يغطي الأسود من جهة اخرى ، أثناء حركة الأرض حول نفسها.

وعلى أية حال ، فإنّ القرآن المجيد يبيّن ظاهرة الليل والنهار و (النور) و (الظلمات) في عدّة آيات مختلفة ، كلّ واحدة منها تشير إلى نقطة معينة ، وتنظر إلى هذه الظاهرة من زاوية خاصة ، فأحيانا يقول :( يُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهارِ وَيُولِجُ النَّهارَ فِي اللَّيْلِ ) (١) .

الحديث ـ هنا ـ يتطرق لتوغّل الليل في النهار وتوغل النهار في الليل التي تتمّ بصورة بطيئة وهادئة.

وأحيانا اخرى يقول :( يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهارَ ) (٢) ، وهنا تمّ تشبيه الليل بستائر مظلمة تنزل على ضياء النهار وتحجبه.

ثمّ تنتقل إلى جانب آخر ، ألا وهو التدبير والنظام الدقيق المسير لشؤون هذا العالم ، قال تعالى :( وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي لِأَجَلٍ مُسَمًّى ) .

فلا يظهر في حركة الشمس التي تدور حول نفسها ، أو التي تتحرك مع بقية كواكب المجموعة الشمسية نحو نقطة خاصّة في مجرة درب التبانة أدنى خلل ، فهي تتحرك وفق نظام خاص ودقيق جدّا ، ولا يظهر أي خلل في حركة القمر أثناء دورانه حول الأرض أو حول نفسه ، فالكلّ يخضع لقوانين (الخالق) ويتحرك وفقها ، وسيستمر في التحرك وفق هذه القوانين حتى آخر يوم من أجله.

__________________

(١) سورة فاطر ، ١٣.

(٢) سورة الأعراف ، ٥٤.

٢٠

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

وببنتِ المصطفى مَن

أشبهت فضلا أباها

وبحب الحسن البا

لغِ في العليا مداها

والحسين المرتضى يو

م المساعي إذ حواها

ليس فيهم غير نجمٍ

قد تعالى وتناهى

عترة أصبحت الدّنـ

ـيا جميعا في ذراها

لا تُغرّوا حين صارت

باغتصاب لعداها

أيها الحاسد تعسا

لك إذ رمت قلاها

هل سناً مثل سناها

هل عُلا مثل علاها

أو ليست صفوة اللّـ

ـه على الخلق اصطفاها

وبراها إذ براها

وعلى النجم ثراها

شجرات العلم طوبى

للذي نال جناها

أيها الناصب سمعا

أخذ القوس فتاها

استمع غرّ معال

في قريضي مجتلاها

مَن كمولاي عليٍ

في الوغى يحمي لظاها

وخُصى الأبطال قد لا

صقن للخوف كلاها

مَن يصيد الصيد فيها

بالظبي حين انتضاها

انتضاها ثم أمضا

ها عليهم فارتضاها

من له في كل يوم

وقفات لا تضاهى

كم وكم حرب عقام

قد بالصمصام فاها

يا عذوليّ عليه

رمتما مني سفاها

اذكرا أفعال بدر

لست أبغي ما سواها

اذكرا غزوة أحد

انه شمس ضحاها

[ اذكرا حرب حنينٍ

انه بدر دجاها ]

اذكرا الأحزاب تعلم

انه ليث شراها

اذكرا مهجة عمرو

كيف أفناها تجاها

١٤١

اذكرا أمر براة (1)

واصدقاني من تلاها

اذكرا من زوج الزهـ

ـراء كيما يتباهى

اذكرا لي بكرة الطيـ

ـر فقد طار سناها

اذكرا لي قلل العلـ

ـم ومن حل ذراها

كم امور ذكراها

وأمور نسياها

حاله حالة هارو

ن لموسى فافهماها

ذكره في كتب اللـ

ـه دراها من دراها

أمّتا موسى وعيسى

قد بلته فاسألاها

أعلى حب علي

لامني القوم سفاها

لم يلج اذ انهم شعـ

ـريَ لا صمّ صداها (2)

أهملوا قرباه جهلا

وتخطوا مقتضاها

نكثوه بعد أيما

نٍ أغاروا من قواها

لعنوه لعنات

لزمتهم بعراها

ومشوا في يوم خمٍ

لا جلا الله عشاها

طلبوا الدنيا وقد أعـ

ـرضَ عنها وجفاها

وهو لولا الدين لم يأ

سف على مَن قد نفاها

واحتمى عنها ولو قد

قام كلبُ فأدعاها

يا قسيم النار والجنـ

ـة لا تخشى اشتباها

ردّت الشمس عليه

بعد ما فات سناها

وله كأس رسول الـ

ـله من شاء سقاها

أول الناس صلاة

جعل التقوى حلاها

عرفَ التأويل لمّا

أن جهلتم ما « طحاها »

__________________

1 - براة: اي براءة. ويعني بها سورة براءة، ولعل الأصوب ( براء ).

2 - لعل المقصود: يا صم صداها.

١٤٢

ليس يحصى مأثرات

قد حماها واعتماها

غير مَن [ قد ] وطأ الأر

ض و [ من ] أحصى حصاها

ناجزته عصب البغـ

ـي بأنواع بلاها

قتلته ثم لم تقـ

ـنع بما كان شقاها

فتصدّت لبنيه

بظباها ومداها

أردت الأكبَرَ بالسم

وما كان كفاها

وانبرت تبغي حسينا

وغزته وغزاها

وهي دنياً ليس تصفو

لابن دينٍ مَشرعاها

ناوشته عطّشته

جرأةً في ملتقاها

منعته شربةً والطـ

ـير قد أروت صداها

وأفاتت نفسه يا

ليت روحي قد فداها

بنته تدعو أباها

أخته تبكي أخاها

لو رأى أحمد ما كا

ن دهاه ودهاها

ورأى زينب ولهى

ورأى شمرا سباها

لشكا الحال الى اللـ

ـه وقد كان شكاها

والى الله سيأتي

وهو أولى من جزاها

لعن الله ابن حربٍ

لعنةً تكوي الجباها

أيها الشيعة لا أعـ

ـني بقولي مَن عداها

كنت في حالِ شكاةٍ

أزعجتني بأذاها

كأس حمّاها سقتني

عن حميّاها حماها

فتشفّيت بهذا الـ

ـمدحِ في الوقت ابتداها

فوحق الله انّ الله

لم يثبت أذاها

وكفى نتفسي - لمّا

تمّ شعري - ما عراها

أحمد الله كثيرا

عزّ ذو العرش آلها

ثم ساداتي فإن الـ

ـقول يُلقى في ذراها

١٤٣

أيها الكوفيّ أنشد‌‏

هذه واحلل حُباها

وابن عبّاد أبوها

وإليه منتماها

طلب الجنة فيها

لم يرد مالاً وجاها (1)

  الصاحب بن عباد:

ما لعلي أشباه

لا والذي لا اله الا هو

مبناه مبنى النبي تعرفه

وأبناه عند التفاخر ابناه

لو طلب النجم ذات أخمصه

علاه والفرقدان نعلاه

أما عرفتم سموّ منزله

أما عرفتم عُلوّ مثواه

أما رأيتم محمدا حدبا

عليه قد حاطه وربّاه

واختصه يافعا وآثره

وأعتامه مخلصا وآخاه

زوّجه بضعة النبوة إذ

رآه خير امرئ والقاه

يا بأبي السيد الحسين وقد

جاهد في الدين يوم بلواه

يا بأبي أهله وقد قتلوا

من حوله والعيون ترعاه

يا قبّح الله أمة خذلت

سيّدها لا تريد مرضاه

يا لعن الله جيفة نجساً

يقرع من بغضه ثناياه (2)

  وقال الصاحب - كما في المناقب:

برئت من الارجاس رهط أمية

لما صح عندي من قبيح غذائهم

ولعنتهم خير الوصيين جهرة

لكفرهم المعدود في شر دائهم

وقتلهم السادات من آل هاشم

وسبيهم عن جرأة لنسائهم

وذبحهم خير الرجال أرومة

حسين العلى بالكرب في كربلائهم

__________________

1 - عن الديوان.

2 - عن اعيان الشيعة.

١٤٤

وتشتيتهم شمل النبي محمد

لما ورثوا من بغضهم في فنائهم

وما غضبت إلا لأصنامها التي

أديلت وهم أنصارها لشقائهم

أيا رب جنبني المكاره وأعف عن

ذنوبي لما أخلصته من ولائهم

أيا رب أعدائي كثير فردّهم

بغيظهم لا يظفروا بابتغائهم

أيا رب مَن كان النبي وآله

وسائله لم يخش من غلوائهم

حسين توسل لي إلى الله إنني

بليت بهم فادفع عظيم بلائهم

فكم قد دعوني رافضيا لحبكم

فلم يثنني عنكم طويل عوائهم (1)

  الصاحب بن عباد:

أبو القاسم كافي الكفاة اسماعيل بن أبي الحسن عباد بن العباس بن حمد بن ادريس الديلمي الاصفهاني القزويني الطالقاني وزير مؤيد الدولة ثم فخر الدولة وأحد كتاب الدنيا الأربعة وقيل فيه والقائل أبو سعيد الرستمي.

ورث الوزارة كابراً عن كابر‌‏

موصولة الأسناد بالاسناد

يروي عن العباس عبّاد وزا

رته وإسماعيل عن عباد

  ولد لأربع عشرة ليلة بقيت من ذي القعدة سنة 326 باصطخر فارس وتوفي ليلة الجمعة 24 من صفر سنة 385 بالري هكذا أرخ مولده ابن خلكان وياقوت في معجم الأدباء وشيّع في موكب مهيب مشى فيه فخر الدولة والقواد وحمل الى اصبهان ودفن هناك.

ولي الوزارة ثماني عشرة سنة وشهرا. عده ابن شهر اشوب في شعراء أهل البيت المجاهرين وله عشرة آلاف بيت في مدح آل رسول الله وقد نقش على خاتمه.

__________________

1 - عن أعيان الشيعة ج 11 ص 465.

١٤٥

شفيع اسماعيل في الآخرة‏

محمد والعترة الطاهرة

وقال: انا وجميع مَن فوق التراب

فداء تراب نعل أبي تراب

  وجاء في روضات الجنات أن أمويا وفد على الصاحب ورفع اليه رقعة فيها:

أيا صاحب الدنيا ويا ملك الارض‌

أتاك كريم الناس في الطول والعرض

له نسب من آل حرب مؤثل

مرائره لا تستميل الى النقض

فزوّده بالجدوى ودثّره بالعطا

لتقضي حق الدين والشرف المحض

  فلما تأملها الصاحب كتب في جوابها:

أنا رجل يرمونني الناس بالرفض‌‏

فلا عاش حر بيّ يدب على الأرض

ذروني وآل المصطفى خيره الورى

فإنّ لهم حبي كما لكم بغضي

ولو أن عضوي مال عن آل أحمد

لشاهدت بعضي قد تبرأ من بعضي

  ومن شعره في الأمام أمير المؤمنين عليه‌السلام :

أبا حسن لوكان حُبّك مدخلي‌‏

جهنم كان الفوز عندي جحيمها

وكيف يخاف النار مَن هو موقن

بأنك مولاه وأنت قسيمها

  ومن شعره:

مواهب الله عندي جاوزت أملي‌‏

وليس يبلغها قولي ولا عملي

لكنّ أشرفها عندي وأفضلها

ولايتي لأمير المؤمنين علي

  وألف الثعالبي ( يتيمة الدهر ) بأسمه لذاك تجد جل ما فيها مدحا له. كانت داره لا تخلو في كل ليلة من ليالي شهر رمضان من ألف نفس تتناول طعام الافطار على مائدته.

١٤٦

ورثاه السيد الرضي بقصيدة لم يسمع اذن الزمان بمثلها وأولها:

أكذا المنون يقطر الابطالا

أكذا الزمان يضعضع الاجبالا

  قال ياقوت الحموي: مدح الصاحب خمسمائة شاعر من أرباب الدواوين. وقال ابن خلكان:

كان نادرة الدهر وأعجوبة العصر في فضائلة ومكارمه وكرمه وكتب عنه الكتاب وألفوا فيه واخيرا كتب العلامة البحاثة الشيخ محمد حسن ياسين عنه ثم جمع ديوانه ونشر بعض رسائله فأفاد وأجاد. ولا يكاد يخلو كتاب من كتب الادب من ذكر أحوال الصاحب بن عباد. ورثاه ابو سعيد الرستمى بقوله:

أبعدا بن عباد يهشّ الى السرى‌‏

أخو أمل أو يسمّاح جواد

أبى الله إلا أن يموتا بموته

فما لهما حتى المعاد معاد

  ومن شعر الصاحب في ذلك قوله:

وكم شامت بي بعد موتي جاهلا‌

يظل يسل السيف بعد وفاتي

ولو علم المسكين ماذا يناله

من الظلم بعدي مات قبل مماتي

  لم يكن للصاحب من الأولاد غير بنت، زوّجها من الشريف ابي الحسين علي بن الحسين الحسني، قال الداودي صاحب ( العمدة ): صاهر الصاحب كافي الكفاة، ابا الحسن علي بن الحسين الاطرش الرئيس بهمدان - من أهل العلم والفضل والأدب - على ابنته، ينتهي نسبه الى الحسن السبط عليه‌السلام ، وكان الصاحب يفتخر بهذه الوصلة ويباهي بها، ولما ولدت ابنة الصاحب من ابي الحسين ابنه عبادا ووصلت البشارة الى الصاحب قال:

أحمد الله لبشر‌‏

جاءنا عند العشيّ

إذ حباني الله سبطا

هو سبط للنبيّ

مرحباً ثَمت أهلا

بغلام هاشميّ

١٤٧

وقال في ذلك قصيدة أولها:

الحمد لله حمدا دائما أبدا

قد صار سبط رسول الله لي ولدا

  وكان الصاحب على تعاظمه وعلوّ مكانه سهل الجانب لأخوانه، فانه كان يقول لجلسائه: نحن بالنهار سلطان وبالليل اخوان.

وقال ابو منصور البيع: دخلت يوما على الصاحب فطاولته الحديث فلما ادرت القيام قلت: لعلي طوّلت. فقال: لا بل تطوّلت.

وقال العتبي: كتب بعض اصحاب الصاحب رقعة اليه في حاجة، فوّقع فيها ولما ردت اليهم لم يجد وافيها توقيعا. وقد تواترت الاخبار بوقوع التوقيع فيها، فعرضوها على ابي العباس الضبي فما زال يتصفحها حتى عثر بالتوقيق، وهو ألف واحدة. وكان في الرقعة: فان رأى مولانا أن ينعم بكذا. فعل. فأثبت الصاحب أمام كلمة: فعل ( الفاً ) يعني: أفعل.

وفي كتاب خاص الخاص للثعالبي تحت عنوان: فيما يقارب الاعجاز من إيجاز البلغاء، قول الصاحب بن عباد في وصف الحر: وجدتُ حراً يشبه قلب الصب ويذيب دماغ الضب وجاء في يتيمة الدهر ان الضرابين رفعوا الى الصاحب قصة في ظلامة وقد كتبوا تحتها: الضرابون. فوّقع تحتها: في حديد بارد. ودخل عليه رجل لا يعرفه، فقال له الصاحب: أبو مَن: فأنشد الرجل:

وتتفق الاسماء في اللفظ والكنى

كثيراً ولكن لا تلاقي الخلائق

  فقال له: اجلس أبا القاسم.

قال جرجي زيدان في تاريخ اداب اللغة العربية:

هو ابو القاسم اسماعيل بن عباد بن العباس الطالقاني كان اديبا منشئاً وعالما في اللغة وغيرها وهو اول من لقب بالصاحب من الوزراء لانه كان

١٤٨

يصحب ابن العميد فقيل له صاحب ابن العميد، ثم اطلق عليه هذا اللقب لما تولى الوزارة وبقي علما عليه. وقد وزّر اولاً لمؤيد الدولة بن ركن الدولة بن بويه بعد ابن العميد. فلما توفي مؤيد الدولة تولى مكانه اخوه فخر الدولة فاقرّ الصاحب على وزارته وكان مبجلا عنده نافذ الأمر وكان مجلسه محط الشعراء والأدباء يمدحونه أو يتنافسون أو يتقاضون بين يديه.

وذاعت شهرته في ذلك العصر حتى اصبح موضوع إعجاب القوم يتسابقون الى اطرائه ونظمت القصائد في مدحه:

وله من التصانيف: المحيط باللغة سبع مجلدات رتبه على حروف المعجم والكافي بالرسائل وجمهرة الجمرة وكتاب الاعياد، وكتاب الامامة، وكتاب الوزراء وكتاب الكشف عن مساوئ شعر المتنبي، وكتاب الأسماء الحسنى وكان ذا مكتبة لا نظير لها.

وقال ابن خلكان:

ابو القاسم اسماعيل بن ابي الحسن عباد، بن العباس، بن عباد بن أحمد ابن ادريس الطالقاني:

كان نادرة الدهر واعجوبة العصر في فضائله، ومكارمه وكرمه، اخذ الأدب عن ابي الحسين، احمد بن فارس اللغوي صاحب كتاب المجمل في اللغة، واخذ عن ابي الفضل بن العميد وغيرهما، وقال ابو منصور الثعالبي في كتابه اليتيمة في حقه: ليست تحضرني عباة ارضاها للافصاح عن علوّ محله في العلم والأدب، وجلالة شأنه في الجود والكرم وتفرّده بالغايات في المحاسن وجمعه اشتات المفاخر لأن همة قولي تنخفض عن بلوغ أدنى فضائله ومعاليه، وجهد وصفي يقصر عن أيسر فواضله ومساعيه، ثم شرع في شرح بعض محاسنه وطرف من احواله:

وقال ابو بكر الخوارزمي في حقه: الصاحب نشأ من الوزارة في حجرها.

١٤٩

ودبّ ودرج من وكرها، ورضع أفاويق درّها وورثها عن آبائه وهو أول من لقب بالصاحب من الوزراء لأنه كان يصحب أبا الفضل ابن العميد، فقيل له: صاحب ابن العميد، ثم اطلق عليه هذا اللقب لما تولى الوزارة، وبقي علماً عليه.

ومن شعره في رقة الخمر:

رقّ الزجاج وراقت الخمر‌‏

فتشابها وتشاكل الأمر

فكأنما خمرٌ ولا قدح

وكأنما قدح ولا خمر

  وله يرثي كثير بن أحمد الوزير، وكنيته ابو علي:

يقولون لي أودى كثير بن أحمد‌‏

وذلك رزء في الأنام جليل

فقلت دعوني والعُلا نبكه معاً

فمثل كثير في الرجال قليل

  وقوله:

وقائلة لِم عرتك الهموم‌‏

وأمرك ممتثل في الأمم

فقلت دعيني على حيرتي

فإن الهموم بقدر الهمم

  والصاحب مجيد في شعره كما هو بارع في نثره، وقلّما يكون الكاتب جيد الشعر ولكن الصاحب جمع بينهما. ومن قوله في منجم

خوّفني منجم أخو خبل‌

تراجع المريخ في برج الحمل

فقلت دعني من أباطيل الحيل

فالمشتري عندي سواء وزحل

ودفع عني كل آفات الدول

بخالقي ورازقي عز وجل

  وذكر صاحب البغية أنه كان في الصغر إذا أراد المضي الى المسجد ليقرأ تعطيه والدته دينارا في كل يوم ودرهما وتقول له: تصدّق بهذا على أول فقير تلقاه، فكان هذا دأبه في شبابه الى أن كبر وصار يقول للفرّاش كل ليلة:

١٥٠

اطرح تحت المطرح ديناراً ودرهماً، لئلا ينساه، فبقي على هذا مدة. ثم أن الفرّاش نسي ليلة من الليالي ان يطرح له الدرهم والدينار. فانتبه وصلى وقلب المطرح ليأخذ الدرهم والدينار ففقدهما فتطيّر من ذلك، فقال للفراشين: خذوا كل ما هنا من الفراش وأعطوه لأول فقير تلقونه، فخرجوا وإذا بهاشمي أعمى تقوده زوجته، فقالوا هلمّ لتأخذ مطرح ديباج ومخاد ديباج، فأغمي عليه. فأعلموا الصاحب بأمره، فأحضره ورشّ عليه الماء، فلما أفاق سأله عن أمره، فقال: سلوا هذه المرأة إن لم تصدقوني، فقالوا له: اشرح فقال: انا رجل شريف لي ابنة من هذه المرأة خطبها رجل فزوجناه، ولي سنتين آخذ ما يفضل عن قوتنا واشتري جهازا لها فقالت أمها: اشتهيت لها مطرح ديباج، فقلت لها: من أين لي ذلك. وجرى بيني وبينها نزاع حتى خرجت على وجهي. فلما قال لي هؤلاء هذا الكلام حقّ لي أن يغمى عليّ. فقال الصاحب لا يكون الديباج إلا مع ما يليق به، ثم اشترى له جهازا ثمينا واحضر الزوج ودفع له بضاعة سنية ليعمل ويربح.

١٥١

محمد بن هاشم الخالدي

أظلم في كربلاء يومهم

ثم تجلى وهم ذبائحه

لا برح الغيث كل شارقة

تخمي غواديه أو روائحه

على ثرى حلّه غريب رسول

الله مجروحة جوارحه

ذلّ حماه وقلّ ناصره

ونال أقصى مناه كاشحه

يا شيع الغي والضلال ومَن

كلّهم جمة فضائحه

عفرتم بالثرى جبين فتى

جبريل بعد الرسول ماسحه

يُطّل ما بينكم دم ابن رسول

الله وابن السفاح سافحه

سيان عند الإله كلّكم

خاذله منكم وذابحه (1)

__________________

1 - رواها السيد الامين في الاعيان عن يتيمة الدهر للثعالبي ص 170 أقول وقد تقدمت هذه الأبيات في ترجمة كشاجم من جملة قصيدة، والشاعران في عصر واحد. وربما نظم أحدهما قطعة وجاراه الآخر فنظم على القافية فكانتا قصيدة واحدة.

١٥٢

أبو بكر محمد بن هاشم بن وعلة الخالدي الكبير أحد الخالديين والآخر اخوه ابو عثمان سعيد.

توفي حدود 386 في حلب.

والخالدي نسبة الى الخالدية من قرى الموصل، له ديوان المراثي وشارك أخاه الخالدي الصغير أبا عثمان سعيد في ديوانه وقيل انه شاركه في كتاب الحماسة.

ومدح الخالديان الشريف أبا الحسن محمد بن عمر العلوي الزبيدي فابطأت عنهما جائزته فأرسلا اليه قصيدة - وكان قد أراد السفر:

قل للشريف المستجار به

اذا عدم المطر

وابن الأئمة من قريش

والميامين الغرر

أقسمت بالرحمن و

النعم المضاعف والوتر

لئن الشريف مضى ولم

ينعم لعبديه النظر

لنشاركن بني أمية

في الضلال المشتهر

ونقول لم يغصب أبو

بكر ولم يظلم عمر

ونرى معاوية إماما

مَن يخالفه كفر

ونقول إن يزيد ما

قتل الحسين ولا أمر

ونعد طلحة والزبير

من الميامين الغرر

ويكون في عنق الشريف

دخول عبديه سقر

١٥٣

فضحك الشريف لهما وأنجز جائزتهما.

ومن شعره ما رواه النويري في نهاية الأرب:

ان خانك الدهر فكن عائذاً‌‏

بالبيد والظلماء والعيس

ولا تكن عبد المنى فالمُنى

رؤوس أموال المفاليس

  وقال أيضا:

وأخٍ رخصتُ عليه حتى ملّني

والشيء مملول اذا ما يرخصُ

ما في زمانك ما يعزّ وجوده

إن رمته إلا صديق مخلص

١٥٤

الحسين بن الحجّاج

أبا حوا دم المقتول بالطف بعدما

سقوه كؤوس الموت بالبيض والاسل

وتالله ما أنساه بالطف صائلا

كما الليث في سرب النعاج اذا حمل

يُنهنه عنه القوم يُمناً ويسرة

ويصبر للحرب الشنيع اذا اشتعل

فلهفي لمن كان النبي قلوصه

فيا خير محمول ويا خير مَن حمل

يقبّل فاه مرةً بعد مرّة

وينكته أهل البدائع والزلل

  والقصيدة تربو على الستين بيتا. جاء في أولها:

دع المرهفات البيض والطعن بالاسل

وسل عن دمي في مذهب الحب لِم يحِل

فما للصفاح المشرفيات والقنا

فعال كفعل الاعين النجل والمقل

فما البيض إلا البيض يلمعن كالدُما

ويشرقن كالاقمار في حلل الحلل

فخلّ حديث الطعن والضرب في الوغا

فما لك فيها ناقة لا ولا جمل (1)

__________________

1 - عن المجموع الرائق المخطوط للسيد احمد العطار ص 207.

١٥٥

الحسين بن الحجاج المتوفي سنة 391:

ابو عبد الله الحسين بن احمد بن الحجاج النيلي البغدادي الامامي الكاتب الفاضل من شعراء أهل البيت، كان فرد زمانه في وقته. يقال انه في الشعر في درجة امرئ القيس وانه لم يكن بينهما مثلهما. كان معاصرا للسيدين وله ديوان شعر كبير عدة مجلدات، وجمع الشريف الرضي رحمه‌الله المختار من شعره سماه ( الحسن من شعر الحسين ) وكان ذلك في حياة ابن الحجاج، وفي أمل الأمل للحر العاملي قال: كان إمامي المذهب ويظهر من شعره أنه من اولاد الحجاج بن يوسف الثقفي وعدّه ابن خلكان وابو الفداء من كبّار الشيعة، والحموي في معجم الأدباء يقول: من كبار شعراء الشيعة، وآخر من فحول الكتّاب، فالشعر كان أحد فنونه كما أن الكتابة إحدى محاسنه الجمّة وعدّه صاحب رياض العلماء من كبراء العلماء وكان ذا منصب خطير وهو توليه الحسبة ببغداد - والحسبة هي الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بين الناس كافّة ولا تكون إلا لوجيه البلد ولا يكون غير الحر العدل والمعروف بالرأي والصراحة الخشونة بذات الله ومعروفا بالديانة موصوفا بالصيانة بعيدا عن التهم، وشاعرنا ابن الحجاج قد تولاها مرة بعد أخرى، قالوا إنه تولى الحسبة مرتين ببغداد، مرة على عهد الخليفة العباسي المقتدر بالله، واخرى أقامه عليها عز الدولة في وزارة ابن بقيّة الذي استوزره عز الدولة سنة 362 وتوفي سنة 367 والغالب على شعره الهزل والمجون، وكان ذا استرسل فيهما فلا يجعجع به حضور ملك أو هيبة أمير، كما أن جلّ شعره يعرب عن ولائه الخالص لأهل البيت والوقيعة في مناوئيهم.

ومن شعره قصيدته الغراء التي أنشدها في حرم أمير المؤمنين علي بن ابي طالب عليه‌السلام وأولها:

يا صاحب القبّة البيضا على النجف‌

مَن زار قبرك واستشفي لديك شُفي

زوروا أبا الحسن الهادي لعلكم

تحظون بالأجر والأقبال والزلف

١٥٦

زوروا لمن تسمع النجوى لديه فمن

يزره بالقبر ملهوفا لديه كُفي

إذا وصلت فأحرم قبل تدخله

ملبيا واسع سعيا حوله وطُف

حتى إذا طفت سبعا حول قبته

تأمّل الباب تِلقا وجهه فقف

وقل: سلام من الله السلام على

أهل السلام وأهل العلم والشرف

إني أتيتك يا مولاي من بلدي

مستمسكا من حبال الحق بالطرف

راج بأنك يا مولاي تشفع لي

وتسقني من رحيق شافي اللهف

لأنك العروة الوثقى فمن علقت

بها يداه فلن يشقى ولم يخَف

وإن أسماءك الحسنى إذا تليت

على مريض شفي من سقمه الدنف

لأن شأنك شأن غير منتقص

وإن نورك نور غير منكسف

وإنك الآية الكبرى التي ظهرت

للعارفين بأنواع من الطرف

هذي ملائكة الرحمن دائمة

يهبطن نحوك بالألطاف والتحف

كالسطل والجام والمنديل جاء به

جبريل لا أحد فيه بمختلف

كان النبي إذا استكفاك معضلة

من الامور وقد أعيت لديه كُفي

وقصّة الطائر المشويّ عن أنسٍ

تخبر بما نصّه المختار من شرف

والحب والقضب والزيتون حين أتوا

تكرّماً من إله العرش ذي اللطف

والخيل راكعة في النقع ساجدة

والمشرفيات قد ضجّت على الحجف

بعثت أغصان بانٍ في جموعهم

فأصبحوا كرمادٍ غير منتسف

لو شئت مسخهم في دورهم مسخوا

أو شئت قلت لهم: يا أرض انخسفي

والموت طوعك والأرواح تملكها

وقد حكمت فلم تظلم ولم تجف

لا قدّس الله قوما قال قائلهم:

بخ بخ لك من فضل ومن شرف

وبايعوك « بخمٍّ » ثم أكّدها

« محمد » بمقال منه غير خفي

عاقوك واطرّحوا قول النبي ولم

يمنعهم قوله: هذا أخي خلَفي

هذا وليكم بعدي فمن علقت

به يداه فلن يخشى ولم يخف

  قال الشيخ الأميني سلمه الله ان السلطان عضد الدولة بن بويه لما بنى سور المشهد الشريف ودخل الحضرة الشريفة وقبّل اعتابها واحسن الأدب فوقف

١٥٧

ابو عبد الله الحسين بن الحجاج بين يديه وأنشد هذه القصيدة فلما وصل منها الى الهجاء أغلظ له الشريف سيدنا المرتضى ونهاه أن ينشد ذلك في باب حضرة الإمام عليه‌السلام فقطع عليه فانقطع فلمّا جنّ عليه الليل رأى إبن الحجّاج الإمام عليّا عليه‌السلام في المنام وهو يقول: لا ينكسر خاطرك فقد بعثتا المرتضى علم الهدى يعتذر إليك فلا تخرج إليه حتى يأتيك، ثم رأى الشريف المرتضى في تلك الليلة النبي الأعظم صلى‌الله‌عليه‌وآله والأئمة صلوات الله عليهم حوله جلوس فوقف بين أيديهم وسلم عليهم فحس منهم عدم إقبالهم عليه فعظم ذلك عنده وكبر لديه فقال: يا مواليّ أنا عبدكم وولدكم ومواليكم فبمَ استحققت هذا منكم؟ فقالوا: بما كسرت خاطر شاعرنا أبي عبد الله إبن الحجاج فعليك أن تمضي إليه وتدخل عليه وتعتذر إليه وتأخذه وتمضي به إلى مسعود بن بابويه وتعرّفه عنايتنا فيه وشفقتنا عليه، فقام السيد من ساعته ومضى إلى أبي عبد الله فقرع عليه الباب فقال إبن الحجاج: سيدي الذي بعثك إليّ أمرني أن لا أخرج إليك؛ وقال: إنه سيأتيك، فقال: نعم سمعاً وطاعة لهم. ودخل عليه واعتذر إليه ومضى به الى السلطا وقصا القصّة عليه كما رأياه فأكرمه وأنعم عليه وخصّه بالرتب الجليلة وأمر بأنشاد قصيدته.

وله من قصيدة ردّ بها على قصيدة ابن سكرة محمد بن عبد الله بن محمد الهاشمي البغدادي من ولد علي بن المهدي العباسي وقد تحامل بها على آل رسول الله (ص) فقال ابن الحجاج في الرد عليه.

لا أكذب الله إن الصدق ينجيني

يد الامير بحمد الله تحييني

  الى ان قال:

فما وجدت شفاءً تستفيد به‌‏

إلا ابتغاءك تهجو آل ياسين

كافاك ربك إذ أجرتك قدرته

بسبّ أهل العلا الغر الميامين

فقر وكفر هميع أنت بينهما

حتى الممات بلا دنيا ولا دين

١٥٨

فكان قولك في الزهراء فاطمه

قول امرئ لهج بالنصب مفتون

عيّرتها بالرحا والزاد تطحنه

لا زال زادك حبّاً غير مطحون

وقلت: إن رسول الله زوّجها

مسكينة بنت مسكين لمسكين

كذبت يابن التي باب إستها سلس الأ

غلاق بالليل مفكوك الزرافين

ستّ النساء غداً في الحشر يخدمها

أهل الجنان بحور الخرّد العين

فقلت: إن أمير المؤمنين بغى

على معاوية في يوم صفين

وإن قتل الحسين السبط قام به

في الله عزمٌ إمام غير موهون

فلا ابن مرجانة فيه بمحتقب

إثمَ المسيء ولا شمرٌ بملعون

وإن أجر ابن سعدٍ فيه استباحته

آل النبوة أجر غير ممنون

هذا وعدت الى عثمان تندبه

بكل شعر ضعيف اللفظ ملحون

فصرت بالطعن من هذا الطريق الى

ما ليس يخفى على البُله لمجانين

وقلت: أفضل من يوم « الغدير » إذا

صحّت روايته يوم الشعانين

ويوم عيدك عاشورا تعدّ له

ما يستعد النصارى للقرابين

تأتي بيوتكم فيه العجوز وهل

ذكر العجوزو سوى وحي الشياطين

عاندت ربك مغتراً بنقمته

وبأس ربك بأسٌ غير مأمون

فقال: كن أنت قرداً في استه ذنب

وأمر ربك بين الكاف والنون

وقال: كن لي فتى تعلو مراتبه

عند الملوك وفي دور السلاطين

والله قد مسخ الأدوار قبلك في

زمان موسى وفي أيام هارون

بدون ذنبك فالحق عندهم بهم

ودع لحاقك بي إن كنت تنويني

  قلنا سابقا ان السيد الشريف الرضي قد جمع شعر ابن الحجاج ورتبه على الحروف فقال ابن الحجاج يشكر السيد - كما في الجزء الاخير من ديوانه - قوله:

أتعرف شعري الى مَن ضوي‏

فأضحى على ملكه يحتوي

إلي البدر حسناً إلى سيدي

الشريف أبي الحسن الموسوي

١٥٩

الى من أعوذّه كلّما

تلقيته بالعزيز القوي

فتىً كنتُ مسخاً بشعري السخيف

وقد ردّني فيه خلقاً سوي

تأملته وهو طوراً يصحّ

وطوراً بصحّته يلتوي

فميّز معوجه والردي

فيه من الجيّد المستوي

وصحّح أوزانه بالعروض

وقرّر فيه حروف الروي

وأرشده لطريق السداد

فأصلح شيطان شعري الغوي

وبيّن موقع كفّ الصناع

في نسج ديباجه الخسروي

فأقسم بالله والشيخ في

اليمين على الحنث لا ينطوي

لو أن زرادشت أصغى له

لأزرى على المنطق الفهلوي

وصادف زرع كلامي البليغ

فيه شديد الظما قد ذوي

فما زال يسقيه ماء الطرا

وماء البشاشة حتى روي

فلا زال يحيى وقلب الحسود

بالغيظ من سيدي مكتوي

له كبدٌ فوق جمر الغضا

على النار مطروحه تشتوي

  لم يختلف اثنان في تاريخ وفاته وانها في جمادي الآخرة سنة 391 بالنيل وهي بلدة على الفرات بين بغداد والكوفة وحمل الى مشهد الامام موسى الكاظم عليه‌السلام ودفن فيه، وكان أوصى أن يدفن هناك بحذاء رجلي الامام (ع) ويُكتب على قبره ( وكلبهم باسط ذراعيه بالوصيد ) ورثاه الشريف الرضي بقصيدة توجد في ديوانه ومنها:

نعَوه على حُسن ظني به

فلله ماذا نعى الناعيان

رضيع ولاءٍ له شعبة

من القلب مثل رضيع اللبان

وما كنتُ احسب أن الزمان

يفلّ بضارب ذاك اللسان

ليبكِ الزمان طويلا عليك

فقد كنتَ خفَة روح الزمان

  وبرهن الشيخ الاميني أن الرجل عمّر عمراً طويلا تجاوز المائة سنة رحمه الله وأجزل ثوابه.

١٦٠

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

461

462

463

464

465

466

467

468

469

470

471

472

473

474

475

476

477

478

479

480

481

482

483

484

485

486

487

488

489

490

491

492

493

494

495

496

497

498

499

500

501

502

503

504

505

506

507

508

509

510

511

512

513

514

515

516

517

518

519

520

521

522

523

524

525

526

527

528

529

530

531

532

533

534

535

536

537

538

539

540

541

542

543

544

545

546

547

548

549

550

551

552

553

554

555

556

557

558

559

560

561

562

563

564

565

566

567

568

569

570

571

572

573

574

575

576

577

578

579

580

581

582

583

584

585

586

587

588

589

590

591

592

593

594

595

596

597

598

599

600

601

602

603

604

605

606

607