الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل الجزء ١٦

الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل10%

الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل مؤلف:
تصنيف: تفسير القرآن
الصفحات: 592

الجزء ١ الجزء ٢ الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥ الجزء ٦ الجزء ٧ الجزء ٨ الجزء ٩ الجزء ١٠ الجزء ١١ الجزء ١٢ الجزء ١٣ الجزء ١٤ الجزء ١٥ الجزء ١٦ الجزء ١٧ الجزء ١٨ الجزء ١٩ الجزء ٢٠
  • البداية
  • السابق
  • 592 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 183984 / تحميل: 6196
الحجم الحجم الحجم
الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل

الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل الجزء ١٦

مؤلف:
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

لهم: ورب هذه البنية لا يقومن منكم أحد إلا جللته بالسيف. ثم أتى إلى صفاة كانت بالأبطح فضربها ثلاث ضربات حتى قطعها ثلاثة أفهار(١) ثم قال: يا محمد سألتني من أنت؟ ثم أنشأ يقول ويومي بيده إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم:

أنت النبي محمد

قرم أعز مسـود

إلى آخر ما مر في (ص ٣٣٦) ثم قال: يا محمد أيهم الفاعل بك؟ فأشار النبي صلى الله عليه وآله وسلم الى عبد الله بن الزبعرى السهمي الشاعر، فدعاه أبو طالب فوجأ أنفه حتى أدماها. ثم امر بالفرث والدم فأمر على رؤوس الملأ كلهم ثم قال: يا بن أخ أرضيت؟ ثم قال: سألتني من أنت؟ أنت محمد بن عبد الله، ثم نسبه إلى آدم عليه السلام ثم قال: أنت والله أشرفهم حسباً، وأرفعهم منصباً، يا معشر قريش من شاء منكم أن يتحرك فليفعل؛ أنا الذي تعرفوني(٢) .

رواه(٣) السيد ابن معد في الحجة (ص ١٠٦)، وذكر لدة هذه القضية الصفوري في نزهة المجلس (٢ / ١٢٢) وفي طبع (ص ٩١)، وابن حجة الحموي في ثمرات الأوراق بهامش المستطرف (ص ٢ / ٣) نقلاً عن كتاب الأعلام للقرطبي.

١٣ - ذكر ابن فياض في كتابه شرح الأخبار: أن علياً عليه السلام قال في حديث له: إن أبا طالب هجم على وعلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم ونحن ساجدان فقال: أفعلتماها؟ ثم خذ بيدي فقال: انظر كيف تنصره وجعل يرغبني في ذلك ويخصني عليه. الحديث.

راجع ضياء العالمين لشيخنا أبي الحسن الشريف الفتوني.

____________

(١) ثلاثة أفهار: ثلاث قطع منها تملأ الكف. (المؤلف)

(٢) راجع ما أسلفناه: ص ٣٥٩، ويأتي في الجزء الثامن في الآيات ما يؤيد هذه القصة. (المؤلف)

(٣) الحجة على الذاهب إلى تكفير أبي طالب: ص ٣٤٦، نزهة المجالس: ٢ / ٩١، ثمرات الأوراق: ص ٢٨٥.

٨١

١٤ - روي أن أمير المؤمنين عليه السلام قيل له: من كان آخر الأوصياء قبل النبي صلى الله عليه وآله وسلم؟ فقال: «أبي». ضياء العالمين للفتوني.

١٥ - عن الإمام السجاد زين العابدين علي بن الحسين بن علي عليه السلام أنه سئل عن أبي طالب أكان مؤمناً فقال عليه السلام: «نعم». فقيل له: إن هاهنا قوماً يزعمون أنه كافر. فقال عليه السلام: «واعجباً كل العجب أيطعنون على أبي طالب و على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم؟ وقد نهاه الله تعالى أن يقر مؤمنة مع كافر في غير آية من القرآن، ولا يشك أحد أن فاطمة بنت أسد رضي الله تعالى عنها من المؤمنات السابقات، فإنها لم تزل تحت أبي طالب حتى مات أبو طالب رضي الله عنه».

راجع(١) : ما مر (ص ٣٨٠)، وكتاب الحجة (ص ٢٤)، والدرجات الرفيعة، ضياء العالمين فقال: قيل: إنها متواترة عندنا.

١٦ - عن أبي بصير ليث المرادي قال: قلت لأبي جعفر عليه السلام: سيدي إن الناس يقولون: إن أبا طالب في ضحضاح من نار يغلي منه دماغه. فقال عليه السلام: «كذبوا والله إن إيمان أبي طالب لو وضع في كفة ميزان وإيمان هذا الخلق في كفة ميزان لرجح إيمان أبي طالب على إيمانهم». إلى آخر ما مر (ص ٣٨٠). رواه(٢) السيد في كتاب الحجة (ص ١٨) من طريق شيخ الطائفة عن الصدوق، والسيد الشيرازي في الدرجات الرفيعة، والفتوني في ضياء العالمين.

وروى السيد ابن معد في كتاب الحجة (ص ٢٧) من طريق آخر عن الإمام الباقر عليه السلام إنه قال: مات أبو طالب بن عبد المطلب مسلماً مؤمناً. إلى آخره.

١٧ - عن الإمام الصادق أبي عبد الله جعفر بن محمد عليه السلام قال: «إن مثل أبي

____________

(١) الحجة على الذاهب إلى تكفير أبي طالب: ص ١٢٣، الدرجات الرفيعة: ص ٥٠.

(٢) الحجة على الذاهب إلى تكفير أبي طالب: ص ٨٥، الدرجات الرفيعة: ص ٤٩.

٨٢

طالب مثل أصحاب الكهف أسروا الإيمان وأظهروا الشرك فآتاهم الله أجرهم مرتين».

راجع(١) : الافي لثقة الإسلام الكليني (ص ٢٤٤)، أمالي الصدوق (ص ٣٦٦)، روضة الواعظين (ص ١٢١)، كتاب الحجة (ص ١١٥)، وفي (ص ١٧) ولفظه من طريق الحسين بن أحمد المالكي:

قال عبد الرحمن بن كثير: قلت لأبي عبد الله عليه السلام: ان الناس يزعمون أن أبا طلب في ضحضاح من نار. فقال: «كذبوا، ما بهذا نزل جبريل على النبي صلى الله عليه وآله وسلم»، قلت: وبما نزل؟ قال: «أتى جبرائيل في بعض ما كان عليه فقال: يا محمد إن ربك يقرئك السلام ويقول لك: إن أصحاب الكهف اسروا الإيمان وأظهروا الشرك فآتاهم الله أجرهم مرتين، وإن أبا طالب أسر الإيمان وأظهر الشرك فآتاه الله أجره مرتين، وما خرج من الدنيا حتى أتته البشارة من الله تعالى بالجنة، ثم قال كيف يصفونه بهذا وقد نزل جبرائيل ليلة مات أبو طالب فقال: يا محمد أخرج من مكة فما لك بها ناصر بعد أبي طالب؟».

وذكره(٢) العلامة المجلسي في البحار (٩ / ٢٤) والسيد في الدرجات الرفيعة، والفتوني في ضياء العالمين، وروى شيخنا أبو الفتوح الرازي هذا الحديث في تفسيره (٤ / ٢١٢).

١٨ - أخرج ثقة الإسلم الكليني في الكافي(٣) (ص ٢٤٤)؛ بالإسناد عن إسحاق بن جعفر عن أبيه عليه السلام قال: قيل له: إنهم يزعمون أن أبا طالب كان كافراً، فقال: «كذبوا، كيف وهو يقول:

____________

(١) أصول الكافي: ١ / ٤٤٨، أمالي الصدوق: ٤٩٢، روضة الواعظين: ١ / ١٣٩، الحجة علىالذاهب إلى تكفير أبي طالب: ص ٣٦٢، ص ٨٣.

(٢) بحار الأنوار: ٣٥ / ٧٢، الدرجات الرفيعة: ص ٤٩ تفسير أبي الفتوح: ٨ / ٤٧٤.

(٣) أصول الكافي: ١ / ٤٤٨.

٨٣

ألم تعلموا أنا وجدنا محمداً

نبياً كموسى خط في أول الكتب

وذكره غير واحد من ائمة الحديث في تآليفهم رضوان الله عليهم أجميعين.

١٩ - أخرج ثقة الإسلام الكليني في أصول الكافي(١) (٢٤٤)، عن الإمام الطادق قال «كيف يكون أبو طالب كافراً وهو يقول:

لقـد علموا أن ابننا لا مكذب

لدينا ولا يعبا بقيــل الأباطل

وأبيض يستسقى الغمام بوجهه

ثمال اليتامى عصمـة للأرامل

وذكره السيد في البرهان(٢) (٣ / ٧٩٥)، وكذلك غير واحد من أعلام الطائفة أخذاً عن الكليني.

٢٠ - روى شيخنا أبو علي الفتال في روضة الواعظين(٣) (ص ١٢١) عن الإمام الصادق عليه السلام قال: لما حضر أبا طالب رضي الله عنه الوفاة جمع وجوه قريش فوصاهم فقال: يا معشر قريش أنتم صفوة الله من خلقه، وقلب العرب، وأنتم خزنة الله في أرضه وأهل حرمه، فيكم السيد المطاع، الطويل الذراع، وفيكم المقدام الشجاع، الواسع الباع، إعلموا أنكم لم تتركوا للعرب في المفاخر نصيباً إلا حزتموه، ولاشرفاً لا أورثتموه فلكم على الناس بذلك الفضيلة، ولهم به إليكم الوسيلة، والناس لكم حرب إلى آخر مر في (ص ٣٦٦) من مواقف سيدنا أبي طالب المشكورة المروية من طرق أهل السنة، وذكر هذه الوصية شيخنا العلامة المجلسي في البحار(٤) (٩ / ٢٣).

٢١ - حدث شيخنا أبو جعفر الصدوق في إكمال الدين(٥) (ص ١٠٣)، بالإسناد

____________

(١) أصول الكافي: ١ / ٤٤٩.

(٢) تفسير البرهان: ٣ / ٢٣١.

(٣) روضة لواعظين: ١ / ١٣٩.

(٤) بحار الأنوار: ٣٥ / ١٠٦.

(٥) إكمال الدين ١ / ١٧٤.

٨٤

عن محمد بن مروان عن الإمام الصادق عليه السلام «إن أبا طالب أظهر الكفر وأسر الإيمان، فلما حضرته الوفاة أوحى الله عز وجل إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: أخرج منها فليس لك بها ناصر. فهاجر الى المدينة».

وذكره سيدنا الشريف المرتضى في الفصول المختارة(١) (ص ٨٠) فقال: هذا يبرهن عن إيمانه لتحقيقه بنصرة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وتقوية أمره.

وذيل الحديث رواه السيد الحجة ابن معد في كتابه الحجة(٢) (ص ٣٠) وقال في (ص ١٠٣): لما قبض أبو طالب اتفق المسلمون على أن جبرئيل عليه السلام نزل على النبي صلى الله عليه وآله وسلم وقال له: ربك يقرئك السلام ويقول لك: ان قومك قد عولوا على أن يبيتوك وقد مات ناصرك فاخرج عنهم. وأمره بالمهاجرة. فتأمل إضافة الله تعالى أبا طالب رحمه الله إلى النبي علية السلام وشهادته له أنه ناصره، فإن في ذلك لأبي طالب أوفى فخر وأعظم منزلة، وقريش رضيت من أبي طالب بكونه مخالطاً لهم مع ما سمعوا من شعره وتوحيده وتصديقه للنبي صلى الله عليه وآله وسلم، ولم يمكنهم قتله والمنابذة له لأن قومه من بني هاشم وإخوانهم من بني المطلب بن عبد مناف وأحلافهم ومواليهم وأتباعهم، كافرهم ومؤمنهم كانوا معه، ولو كان نابذ قومه لكانوا عليه كافة، ولذلك قال أبو لهب لما سمع قريشاً يتحدثون في شأنه ويفيضون في أمره: دعوا عنكم هذا الشيخ فإنه مغرم بابن أخيه، والله لا يقتل محمد حتى يقتل أبو طالب، ولا يقتل أبو طالب حتى تقتل بنو هاشم كافة، ولا تقتل بنو هاشم حتى تقتل بنو عبد مناف، ولا تقتل بنو عبد مناف حتى تقتل أهل البطحاء؛ فأمسكوا عنه وإلا ملنا معه. فخاف القوم أن يفعل فكفوا. فلما بلغت أبا طالب مقالته طمع في نصرته فقال يستعطفه ويرققه:

عجبت لحلم يا بن شيبة حادثٍ

وأحلام أقوامٍ لديك ضعاف

____________

(١) القصول المختارة: ص ٢٢٩.

(٢) الحجة على الذاهب الى تكفير أبي طالب: ص ٨٤ن ص ٣٤١.

٨٥

إلى آخر أبيات ذكرها أبن أبي الحديد في شرحه(١) ( ٣ / ٣٠٧) مع زيادة خمسة أبيات لم يذكرها السيد في الحجة. وذكرها ابن الشجري في حماسته (ص ١٦).

فقال السيد: فلما أبطأ عنه ما أراد منه قال يستعطفه أيضاً:

وإن امراً من قومه ابو معتب

لفي منعة من أن يسام المظالما

أقول لـه وأين منه نصيحتي

أبا معتب(٢) ثبت سوادك قائما

إلى بيات خمسة. وقد ذكرها ابن هشام في سيرته(٣) (١ / ٣٩٤) مع زيادة أربعة بيات، غير ان البيت الأول فيه:

وإن امــراً أبو عتيبة عمه

لفي روضة ما إن يسام المظالما

وذكرها(٤) ابن أبي الحديد في الشرح (٣ / ٣٠٧)؛ وابن كثير في تاريخه (٣ / ٩٣).

٢٢ - عن يونس بن نباتة عن الإمام الصادق عليه السلام قال: «يا يونس ما يقول الناس في أبي طالب؟» قلت: جعلت فداك يقولون: هو في ضحضاح من نار يغلي منها أم رأسه فقال: « كذب أعداء الله، إن أبا طالب من رفقاء النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقا».

كنز الفوائد لشيخنا الكراجكي (ص ٨٠)، كتاب الحجة (ص ١٧)، ضياء العالمين.

٢٣ - روى الشريف الحجة ابن معد في كتابه الحجة(٥) (ص ٢٢) من طريق

____________

(١) شرح نهج البلاغة ١٤ / ٥٧ كتاب ٩ الحجة على الذاهب إلى تكفير أبي طالب: ص ٣٤٢.

(٢) يعني أبا لهب. (الؤلف)

(٣) السيرة النبوية: ٢ / ١٠.

(٤) شرح نهج البلاغة: ١٤ / ٥٧ كتاب ٩، البداية والنهاية: ٣ / ١١٦.

(٥) الحجة على الذاهب إلى تكفير أبي طالب: ص ١٠٤.

٨٦

شيخنا أبي جعفر الصدوق عن دواد الرقي قال: دخلت على ابي عبد الله عليه السلام ولي على رجل دين وقد خفت تواه(١) فشكوت ذلك إليه فقال عليه السلام: إذا مررت بمكة فطف عن عبد المطلب طوافاً وصل عنه ركعتين، وطف عن أبي طالب طوافا وصل عنه ركعتين وطف عن عبد الله طوافا وصل عنه ركعتين وطف عن آمنة طوافاً وصل عنها ركعتين، وعن فاطمة بنت أسد طوافاً وصل عنها ركعتين. ثم ادع الله عز وجل أن يرد عليك مالك. قال: ففعلت ذلك ثم خرجت من باب الصفا فإذا غريمي واقف يقول: يا داود جئني هناك فاقبض حقك.

وذكره العلامة المجلسي في البحار(٢) (٩ / ٢٤).

٢٤ - أخرج ثقة الإسلام الكليني في الكافي(٣) (ص ٢٤٤)؛ بالإسناد عن الإمام الصادق عليه السلام قال: بينا النبي صلى الله عليه وآله وسلم في السجد الحرام وعليه ثياب له جدد فألقى المشركون عليه سلا(٤) ناقة فملؤوا ثيابه بها فدخله من ذلك ما شاء الله، فذهب إلى أبي طالب فقال له: «يا عم، كيف ترى حسبي فيكم؟» فقال له: وما ذاك يابن أخي؟ فأخبره الخبر، فدعا أبو طالب حمزة وأخذ السيف وقال لحمزة: خذ السلا ثم توجه إلى القوم والنبي صلى الله عليه وآله وسلم معه. فأتى قريشاً وهم حول الكعبة. فلما رأوه عرفوا الشر في وجهة ثم قال لحمزة: أمر السلا على أسبلتهم(٥) ففعل ذلك حى أتى على آخرهم ثم التفت أبو طالب إلى النبي فقال: يا بن أخي هذا حسبك فينا.

وذكره جمع من الأعلام وأئمة الحديث في تآليفهم.

____________

(١) التوى: الخسارة والضياع.

(٢) بحار الأنوار: ٣٥ / ١٢٢.

(٣) أصول الكافي: ١ / ٤٤٩.

(٤) السلا: الجلدة التي يكون فيها الولد.

(٥) وفي بعض النسخ: سبالهم جمع السبلة: مقدمة اللحية وما على الشارب من الشعر. (المؤلف)

٨٧

٢٥ - أخرج أبو الفرج الأصبهاني؛ بإسناده عن الإمام الصادق عليه السلام قال: «كان أمير المؤمنين عليه السلام يعجبه أن يروى شعر أبي طالب عليه السلام وأن يدون وقال: تعلموه وعلموه أولادكم فإنه على دين الله وفيه علم كثير».

كتاب الحجة (ص ٢٥)، بحار الأنوار (٩ / ٢٤)، ضياء العالمين للفتوني(١) .

٢٦ - روى شيخنا الصدوق في أماليه(٢) (ص ٣٠٤)، بالإسناد عن الإمام الصادق عليه السلام قال: «أول جماعة كانت أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كان يصلي وأمير المؤمنين علي بن أبي طالب معه، إذ مر أبو طالب به وجعفر معه قال: يا بني صل جناح ابن عمك، فلما أحسه رسول الله تقدمهما، وانصرف ابو طالب مسروراً وهو يقول:

إن علياً وجعفراً ثقتي

عند ملم الزمان والكرب

إلى آخر أبيات مرت صحيفة (٣٥٦) وتأتي في (ص٣٩٧)، والحديث رواه الشيخ أبو الفتوح في تفسيره(٣) (٤ / ٢١١).

٢٧ - أخرج ثقة الإسلام الكليني في الكافي(٤) (ص ٢٤٢)، بإسناده عن درست بن أبي منصور؛ أنه سأل أبا الحسن الأول - الإمام الكاظم - عليه السلام: أكان رسول الله صلى الله عليه وآله سلم محجوجاً بأبي طالب؟ فقال: «لا، ولكنه كان مستودعاً للوصايا فدفعها إليه»، فقال: قلت: فدفع إليه الوصايا على أنه محجوج به؟ فقال: «لو كان محجوجاً به ما دفع إليه الوصية»، قال: قلت: فما كان حال أبي طالب؟ قال: «أقر بالنبي وبما جاء ودفع إليه الوصايا ومات من يومه».

____________

(١) الحجة على الذاهب إلى تكفير أبي طالب: ص ١٣٠، بحار الأنوار: ٣٥ / ١١٥.

(٢) أمالي الصدوق: ص ٤١٠.

(٣) تفسير أبي الفتوح: ٨ / ٤٧٢.

(٤) أصول الكافي: ١ / ٤٤٥.

٨٨

قال الأميني: هذه مرتبة فوق مرتبة الايمان، فإنها مشفوعة بما سبق عن مولانا أمير المؤمنين عليه السلام تثبت لأبي طالب مرتبة الوصاية والحجية في وقته فضلاً عن بسيط الايمان، وقد بلغ ذلك من الثبوت إلى حد ظن السئل أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم كان محجوجاً به قبل بعثته، فنفى الإمام عليه السلام ذلك، وأثبت ما ثبت له من الوصاية وأنه كان خاضعاً للابراهيمية الحنيفية، ثم رضخ للمحمدية البيضاء، فسلم الوصايا للصادع بها، وقد سبق إيمانه بالولاية العلوية الناهض بها ولده البار صلوات الله وسلامة عليه.

٢٨ - أخرج شيخنا أبو الفتح الكراجكي(١) (ص ٨٠)؛ بإسناده عن بن بن محمد، قال: كتبت إلى الإمام الرضا علي بن موسي الرضا عليهما السلام: جعلت فداك. إلى آخر ما مر في (ص ٣٨١)(٢) .

وذكره(٣) السيد في كتاب الحجة (ص ١٦)، والسيد الشيرازي في الدرجات الرفيعة، والعلامة المجلسي في بحار الأنوار (ص ٣٣)، وشيخنا الفتوني في ضياء العالمين.

٢٩ - روى شيخنا المفسر الكبير بو الفتوح في تفسيره(٤) (٤ / ٢١١)؛ عن الإمام الرضا سلام الله عليه، وقال: روى عن آبائه بعدة طرق: أن نقش خاتم أبي طالب عليه السلام كان: رضيت بالله رباً، وبابن أخي محمد نبياً، وبابني علي له وصياً.

ورواه(٥) : السيد الشيرازي في الدرجات الرفيعة، والإشكوري في محبوب القلوب.

____________

(١) كنز الفوائد: ١ / ١٨٢.

(٢) مر ذكره هناك باسم أبان بن محمود كما في شرح ابن أبي الحديد، وفي كنز الفوائد: أبان بن محمد.

(٣) الحجة على الذاهب إلى تكفير أبي طالب: ص ٧٦، الدرجات الرفيعة: ص ٥٠، بحار الأنوار: ٣٥ / ١١٠.

(٤) تفسير أبي الفتوح: ٨ / ٤٧١.

(٥) الدرجات الرفيعة: ص ٦٠، محبوب القلوب: ٢ / ٣١٩.

٨٩

٣٠ - أخرج الشيخ ابو جعفر الصدوق بإسناد له: أن عبد العظيم بن عبد الله العلوي الحسني المدفون بالري كان مريضاً فكتب إلى أبي الحسن الرضا عليه السلام عرفني يا بن رسول الله عن الخبر المروي أن أبا طالب في ضحضاح من نار يغلي منه دماغه. فكتب إليه الرضا عليه السلام:

«بسم الله الرحمن الرحيم، أما بعد: فإنك إن شككت في إيمان أبي طالب كان مصيرك إلى النار».

كتاب الحجة(١) (ص ١٦)، ضياء العلمين لأبي الحسن الشريف.

٣١ - أخرج شيخنا الفقيه أبو جعفر الصدوق، بالإسناد عن الإمام الحسن بن علي العسكري، عن آبائه عليهم السلام في حديث طويل: «إن الله تبارك وتعالى أوحى إلى رسوله صلى الله عليه وآله وسلم إني قد أيدتك بشيعتين: شيعة تنصرك سراً، وشيعة تنصرك علانية فأما التي تنصرك سرا فسيدهم وأفضلهم عمك أبو طالب، وأما التي تنصرك علانية فسيدهم وأفضلهم ابنه علي بن أبي طالب. ثم قال: وإن أبا طالب كؤمن آل فرعون يكتم إيمانه».

كتب الحجة(٢) (ص ١١٥): ضياء العالمين لأبي الحسن الشريف.

٣٢ - أخرج شيخنا الصدوق في أماليه(٣) (ص ٣٦٥) من طريق الأعمش عن عبد الله بن عباس عن أبيه قال: قال أبو طالب لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يابن أخي الله أرسلك؟ قال: «نعم». قال: فأرني آية. قال ادع لي تلك الشجرة. فدعاها فأقبلت حتى سجدت بين يديه ثم أنصرفت، فقال أبو طالب: أشهد أنك صادق، يا علي صل جناح ابن عمك.

____________

(١) الحجة علىالذاهب إلى تكفير أبي طالب: ص ٨٢.

(٢) المصدر السابق: ص ٣٦٢.

(٣) أمالي الصدوق: ص ٤٩١.

٩٠

ورواه أبو عي الفتال في روضة الواعظين(١) (ص ١٢١)، ورواه السيد ابن معد في الحجة(٢) (ص ٢٥) ولفظه: قال أبو طالب النبي صلى الله عليه وآله وسلم بمحضر من قريش ليريهم فضله: يا بن أخي الله أرسلك؟ قال: نعم. قال: إن للأنبياء معجزاً وخرق عادة فأرنا آية قال: «ادع تلك الشجرة وقل لها: يقول لك محمد بن عبد الله: أقبلي بإذن الله». فدعاها فأقبلت حتى سجدت بين يديه ثم أمرها بالانصراف فانصرفت، فقال أبو طالب: أشهد أنك صادق. ثم قال لابنه علي عليه السلام: يا بني الزم ابن عمك.

وذكره غير واحد من أعلام الطائفة.

٣٣ - أخرج أبو جعفر الصدوق قدس الله سره في الأمالي(٣) (ص ٣٦٦) بإسناده عن سعيد بن جبير عن عبد الله بن عباس أنه سأله رجل فقال له: يا بن عم رسول الله أخبرني عن أبي طالب هل كان مسلماً؟ قال: وكيف لم يكن مسلماً وهو القائل:

وقد علموا أن ابننا لا مكذب

لدينا ولا يعبا بقيل الأ باطل

إن أبا طالب كان مثله كمثل أصحاب الكهف حين أسروا الإيمان وأظهروا الشرك فآتاهم الله أجرهم مرتين.

ورواه السيد ابن معد في الحجة(٤) (ص ٩٤، ١١٥)، وذكره غير واحد من أئمة الحديث.

٣٤ - أخرج شيخنا أبو علي الفتال النيسابوري في روضة الواعظين(٥)

____________

(١) روضة الواعظين: ١ / ١٣٩.

(٢) الحجة على الذاهب إلى تكفير أبي طالب: ص ١٢٨.

(٣) أمالي الصدوق: ص ٤٩١.

(٤) الحجة على الذاهب إلى تكفير أبي طالب: ص ٣١٩ - ٣٢٢.

(٥) روضة الواعظين: ١ / ١٤٠.

٩١

(ص ١٢٣) عن ابن عباس قال: مر أبو طالب ومعه جعفر ابنه برسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وهو في المسجد الحرام يصلي صلاة الظهر وعلي عليه السلام عن يمينه، فقال أبو طالب لجعفر: صل جناح ابن عمك، فتقدم جعفر وتأخر علي واصطفا خلف رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم حتى قضى الصلاة، وفي ذلك يقول أبو طالب:

إن علياً وجعفـــراً ثقتي

عند ملم الزمــان و النوب(١)

أجعلهمـا عرضة العداء إذا

أترك ميتاً وأنتمي إلى حسبي

لا تخذلا وانصرا ابن عمكما

أخي لأمي من بينهــم وأبي

واللــه لا أخذل النبي ولا

يخذله من بنــي ذو حسب(٢)

وأخرج سيدنا ابن معد في كتاب بالحجة(٣) (ص ٥٩)، بإسناده عن عمران بن الحصين الخزاعي قال: كان والله إسلام جعفر بأمر أبيه، ولذلك: مر أبو طالب ومعه ابنه جعفر برسول الله وهو يصلي وعلي عليه السلام عن يمينه، فقال أبو طالب لجعفر: صل جناح اين عملك فجاء جعفر فصلى مع النبي صلى الله عليه وآله وسلم، فلما قضى صلاته قال له النبي صلىالله عليه وآله وسلم: «يا جعفر وصلت جناح ابن عمك، إن الله يعوضك من ذلك جناحين تطير بهما في الجنة». فأنشأ أبو طالب رضوان الله عليه يقول:

إن عليا ً وجعفـــراً ثقتي

عند ملــم الزمان والنوب

لا تخذلا وانصرا ابن عمكما

أخي لأمي مـن بينهم وأبي

إن أبا معتب قــد أسلمنا

ليس أبـو معتب بذي حدب(٤)

والله لا أخذل النبــي ولا

يخذله من بنــي ذو حسب

____________

(١) وفي نسخة: عند احتدام الهموم والكرب. (المؤلف)

(٢) راجع فيما أسلفناه: ص ٣٩٤. (المؤلف)

(٣) الحجة على الذاهب إلى تكفير أبي طالب: ص ٢٤٩.

(٤) أبو معتب كنية أبي لهب كما مر. ذي حدب: ذي تعطف. (المؤلف)

٩٢

حتى ترون الرؤوس طائحة

منـا ومنكــم هناك بالقضب

نحــن وهذا النبي أسرته

نضرب عنـه الأعداء كالشهب

إن نلتمــوه بكل جمعكم

فنحن فــي الناس ألأم العرب

ورواه شيخنا أبو الفتح الكرجكي(١) بطريق آخر عن أبي ضوء بن صلصال قال: كنت أنصر النبي صلى الله عليه وآله وسلم مع أبي طالب قبل إسلامي، فإني يوماً لجالس بالقرب من منزل أبي طالب في شدة القيظ إذ خرج أبو طالب إلي شبيهاً بالملهوف، فقال لي: يا أبي الغضنفر هل رأيت هذين الغلامين؟ يعني النبي وعلياً عليهما السلام فقلت: ما رأيتهما مذ جلست، فقال: قم بنا في الطلب لهما فلست آمن قريشاً أن تكون اغتالتهما، قال: فمضينا حتى خرجنا من أبيات مكة ثم صرنا إلى جبل من جبالها فاسترقيناه إلى قلته، فإذا النبي صلى الله عليه وآله وسلم وعلي عن يمينه وهما قائمان بإزاء عين الشمس يركعان ويسجدان، فقال أبو طالب لجعفر ابنه وكان معنا: صل جناح ابن عمك. فقام إلى جنب علي فأحس بهما النبي صلى الله عليه وآله وسلم فتقدمهما وأقبلوا على أمرهم حتى فرغوا مما كانوا فيه، ثم أقبلوا نحونا فرأيت السرور يتردد في وجه أبي طالب ثم نبعث يقول الابيات.

٣٥ - عن عكرمة عن أبن عباس قال: أخبرني أبي أن أبا طالب رضي الله عنه شهد عند الموت أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله. ضياء العالمين.

٣٦ - في تفسير وكيع(٢) من طريق أبي ذر الغفاري؛ أنه قال: والله الذي لا إله إلا هو ما مات أبو طالب رضي الله عنه حتى أسلم بلسان الحبشة، قال لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: أتفقه الحبشة؟ قال: يا عم إن الله علمني جميع الكلام. قال: يا محمد اسدن لمصاقا قاطا لاها يعني أشهد مخلصاً لا إله إلا الله، فبكى رسول الله صلى الله علي وآله وسلم وقال: إن الله أقر

____________

(١) كنز الفوائد: ١ / ١٨١.

(٢) هو وكيع بن الجراح الرؤاسي، توفي سنة ١٩٧هـ كان حافظاً للحديث، له عدة تصانيف، منها تفسير القرآن، والمعرفة، والتاريخ.

٩٣

عيني بأبي طالب. ضياء العالمين لشيخنا أبي الحسن الشريف.

أحب سيد الأبطح الشهادة بلغة الحبشة في موقفه هذا بعد ما أكثرها بلغة الضاد وبغيرها، كما فصل القول فيها شيخنا الحجة أبو الحسن الشريف الفتوني المتوفى (١١٣٨) في كتابه القيم الضخم ضياء العالمين، وهو أثمن كتاب ألف في الإمامة.

٣٧ - روى شيخنا أبو الحسن قطب الدين الراوندي في كتابه الخرائج والجرائح(١) عن فاطمة بنت أسد أنها قالت: لما توفي عبد المطلب أخذ أبو طالب النبي صلى الله عليه وأله وسلم عنده لوصية أبيه به، وكنت أخدمه، وكان في بستان دارنا نخلات، وكان أول إدراك الرطب، وكنت كل يوم ألتقط له حفنة من الرطب فما فوقها وكذلك جاريتي، فاتفق يوماً أن نسيت أن التقط له شيئاً ونسيت جارتي أيضاً، وكان محمد نائماً ودخل الصبيان وأخذوا كل ما سقط من الرطب وانصرفوا، فنمت ووضعت الكم على وجهي حياءً من محمد صلى الله علية وآله وسلم إذاانتبه، فانتبه محمد صلى الله عليه وآله وسلم ودخل البستان فلم ير رطبةً على وجه الأرض فأشار إلى نخلة وقال: أيتها الشجرة أنا جائع. فرأيت النخلة قد وضعت أغصانها التي عليها الرطب حتى أكل منها ما أراد ثم ارتفعت إلى موضعها، فتعجبت من ذلك وكان أبو طالب رضي الله عنه غائبا فلما أتى وقرع الباب عدوت إليه حافية وفتحت الباب وحكيت له ما رأيت فقال هو: إنما يكون نبياً وأنت تلدين له وزيراً بعد يأس. فولدت علياً عليه السلام كما قال.

٣٨ - روى شيخنا الفقيه الأكبر ابن بابويه الصدوق في أمامليه(٢) (ص ١٥٨)، بالإسناد عن أبي طالب سلام الله عليه قال: قال عبد المطلب: بينا أنا نائم في الحجر إذ رأيت رؤيا هالتني فأتيت كاهنة قريش وعلي مطرف خز وجمتي تضرب منكبي، فلما نظرت إلي عرفت في وجهي التغير، فاستوت وأنا يومئذ سيد قومي، فقالت: ما شأن

____________

(١) الخرائج والجرائح: ١ / ١٣٨.

(٢) أمالي الصدوق: ص ٢١٦.

٩٤

سيد العرب متغير اللون؟ هل رابه من حدثان الدهر ريب؟ فقلت لها: بلى إني رأيت الليلة وأنا نائم في الحجر كأن شجرة قد نبتت عل ظهري قد نال رأسها السماء وضربت بأعضانها الشرق والغرب، ورأيت نوراً يظهر منها أعظم من نور الشمس سبعين ضعفاً، ورأيت العرب والنجم ساجدة لها، وهي كل يوم تزداد عظماً ونوراً، ورأيت رهطاً من قريش يريدون قطعها فإذا دنوا أخذهم شاب من أحسن الناس وجهاً وأنظفهم ثيابا فيأخذهم شاب من أحسن الناس وجهاً وأنظفهم ثياباً فيأخذهم ويكسر ظهورهم ويقلع أعينهم، فرفعت يدي لأتناول غصناً من أغصانها فصاح بي الشاب وقال: مهلاً ليس لك منها نصيب، فقلت: لمن النصيب والشجرة مني؟ فقال: النصيب لهؤلاء الذين قد تعلقوا بها وسيعود إليها، فانتبهت مذعوراً فزعاً متغير اللون، فرأيت لون الكاهنة قد تغير ثم قالت: لئن صدقت ليخرجن من صلبك ولد يملك الشرق والغرب وينبأ في الناس. فتسرى عني غمي، فانظر أبا طالب لعلك تكون أنت، وكان أبو طالب يحدث بهذا الحديث والنبي صلى الله عليه وآله وسلم قد خرج ويقول: كانت الشجرة والله أب القاسم الأمين.

٣٩ - قال السيد الحجة في كتابه الحجة(١) (ص ٦٨): ذكر الشريف النسابة العلوي العمري المعروف بالموضح، بإسناده: أن أبا طالب لما مات لم تكن نزلت الصلاة على الموتى، فما صلى النبي عليه ولا على خديجة، وإنما اجتازت جنازة أبي طالب والنبي صلى الله عليه وآله وسلم وعلي وجعفر وحمزة جلوس، فقاموا وشيعوا جنازته واستغفروا له فقال قوم: نحن نستغفر لمو تانا وأقاربنا المشركين أيضاً ظناً منهم أن أبا طالب مات مشركاً لأنه كان يكتم إيمانه، فنفى الله عن أبي طالب الشرك ونزه نبيه صلى الله عليه وآله وسلم والثلاثة المذكورين عليهم السلام عن الخطأ في قوله:( مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَن يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كَانُوا أُولِي قُرْبَىٰ ) (٢) ، فمن قال بكفر أبي طالب فقد حكم على النبي

____________

(١) الحجة على الذاهب إلى تكفير أبي طالب: ص ٢٦٨.

(٢) التوبة: ١١٣.

٩٥

بالخطأ والله تعالى قد نزهه عنه في أقواله وأفعاله. إلى آخره.

وأخرج أبو الفرج الأصبهاني؛ بالإسناد عن محمد بن حميد قال: حدثني أبي قال: سئل أبو الجهم بن حذيفة: أصلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم على أبي طالب؟ فقال: وأين الصلاة يومئذ؟ إنما فرضت الصلاة بعد موته، ولقد حزن عليه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وأمر علياً بالقيام بمره وحضر جنازته، وشهد له العباس وأبو بكر بالإيمان وأشهد على صدقهما لأنه كان يكتم إيمانه ولو عاش إلى ظهور الإسلام لأظهر إيمانه.

٤٠ - عن مقاتل: لما رأت قريش يعلو أمر النبي صلى الله عليه وآله وسلم قالوا: لا نرى محمداً يزداد إلا كبراً وإن هو إلا ساحر أو مجنون، فتعاقدوا لئن مات أبو طالب رضي الله عنه ليجمعن كلها عن قتله فبلغ ذلك ابا طالب فجمع بني هاشم واحلافهم من قريش فوصاهم بالنبي صلى الله عليه وآله وسلم وقال: ابن أخي كل ما يقول أخبرنا بذلك آباؤنا وعلماؤنا، وإن محمدا نبي صادق، وأمين ناطق، وأن شأنه أعظم شأن، ومكانه من ربه أعلى مكان، فأجيبوا دعوته واجتمعوا على نصرته، وراموا عدوه من وراء حوضته، فإنه الشرف الباقي لكم طول الدهر، ثم أنشأ يقول:

أوصي بنصر النبي الخير مشهده

علياً أبني وعم الخيـــر عباسا

وحمـزة الأسد المخشي صولته

وجعفراً أن يذودا دونـــه الناسا

وهاشماً كلهــا أوصي بنصرته

أن يأخذوا دون حرب القوم أمراسا(١)

كونوا فداءً لكـم أمي وما ولدت

من دون أحمد عند الروع أتـراسا

بكل أبيض مصقـول ٍ عوارضه

تخاله في سواد الليل مقباســـا(٢)

قال الأميني هذه جملة مما أوقفنا السير عليه من أحاديث رواة الحق والحقيقة وصفحنا عما يربو على الأربعين روماً للاختصار، فأنت ذا أضفت إليها ما أسلفناه مما

____________

(١) أمراس: جمع مرس، وهو الحبل.

(٢) ضياء العالمين لشيخنا الفتوني. (المؤلف)

٩٦

يروى عن آل أبي طالب وذويه، وأشفعتها بما مر من أحاديث مواقف سيد الأباطح، وجمعتها مع ما جاء من الشهادات الصريحة في شعره تربو الأدلة على إيمانه الخالص وإسلامه القويم على مائة دليل، فهل من مساغ لذي مسكة أن يصفح عن هذه كلها؟ وكل واحد منها يحق أن يستند له في إسلام أي أحد، نعم، إن في أبي طالب سراً لا يثبت إيمانه بألف دليل، وإيمان غيره يثبت بقيل مجهول ودعوى مجردة! إقرأ واحكم.

وقد فصل القول في هذه الأدلة جمع من أعلام الطائفة؛ كشيخنا العلامة الحجة المجلسي في بحار لأنوار(١) (٩ / ١٤ - ٣٣)، وشيخنا العلم القدوة أبي الحسن الشريف الفتوني في الجزء الثاني من كتابه القيم الضخم ضياء العالمين - والكتاب موجود عندنا - وهو أحسن ما كتب في الموضوع، كما أن ما ألفه السيد البرزنجي ولخصه السيد أحمد زيني دحلان أحسن ما ألف في الموضوع بقلم أعلام أهل السنة، وأفرد ذلك بالتأليف آخرون منهم:

١ - سعد بن عبد الله أبو القاسم الأشعري القمي: المتوفى (٢٩٩، ٣٠١)، له كتاب فضل أبي طالب وعبد المطلب وعبد الله أبي النبي صلى الله عليه وآله وسلم. رجال النجاشي(٢) (ص ١٢٦).

٢ - أبو علي الكوفي أحمد بن محمد بن عمار: المتوفى (٣٤٦)، له كتاب إيمان أبي طالب كما في فهرست الشيخ (ص ٢٩)، ورجال النجاشي(٣) (ص ٧٠).

٣ - أبو محمد سهل بن أحمد بن عبد الله الديباجي، سمع منه التلعكبري سنة (٣٧٠) له كتاب إيمان أبي طالب، ذكره النجاشي في فهرسته(٤) (ص ١٣٣).

____________

(١) بحار الأنوار: ٣٥ / ٧٤ - ١٣١.

(٢) رجال النجاشي: ص ١٧٧ رقم ٤٦٧.

(٣) المصدر السابق: ص ٩٥ رقم ٢٣٦.

(٤) المصدر السابق: ص ١٨٦ رقم ٤٩٣.

٩٧

٤ - أبو نعيم علي بن حمزة البصري التميمي اللغوي: المتوفى (٣٧٥)، له كتاب إيمان أبي طالب، توجد نسخته عند شيخنا الحجة ميرزا محمد الطهراني(١) في سامراء المشرفة، نقل عنه بعض فصوله الحافظ ابن حجر في الإصابة(٢) في ترجمة أبي طالب واتهم مؤلفه بالرفض.

٥ - أبو سعيد محمد بن أحمد بن الحسين الخزاعي النيسابوري جد المفسر الكبير الشيخ أبي الفتوح الخزاعي لأمه، له كتاب منى الطالب في إيمان أبي طالب. رواه الشيخ منتجب الدين كما في فهرسته(٣) (ص ١٠) عن سبطه الشيخ أبي الفتوح عن ابيه عنه.

٦ - أبو الحسن علي بن بلال بن أبي معاوية المهلبي الأزدي، له كتاب البيان عن خيرة الرحمن في إيمان ابي طالب وآباء النبي صلى الله عليه وآاله وسلم، ذكره له الشيخ في فهرسته (ص ٩٦) والنجاشي(٤) (ص ١٨٨).

٧ - أحمد بن القاسم، له كتاب إيمان أبي طالب، رآه النجاشي كما في فهرسته(٥) (ص ٦٩) بخط الحسين بن عبيد لله الغضائري.

٨ - أبو الحسين أحمد بن محمد بن أحمد بن طرخان الكندي الجرجاني صديق النجاشي: المتوفى (٤٥٠)، ذكر له النجاشي في فهرسته(٦) (ص ٦٣) كتاب إيمان أبي طالب.

____________

(١) توفي قدس الله سره وأبقى له آثاراً ومآثر تذكر مع الأبد وتشكر. (المؤلف)

(٢) الإصابة: ٤ / ١١٥ - ١١٩ رقم ٦٨٥.

(٣) فهرس منتجب الدين: ص ١٥٧.

(٤) رجال النجاشي: ص ٢٦٥ رقم ٦٩٠.

(٥) المصدر السابق: ص ٩٥ رقم ٢٣٤.

(٦) المصدر السابق: ص ٨٧ رقم ٢١٠ وقيه: الجرجراني.

٩٨

٩ - شيخنا الأكبر أبو عبد اللله المفيد محمد بن النعمان: المتوفى (٤١٣) له كتاب إيمان أبي طالب، كما في فهرست النجاشي(١) (ص ٢٨٤).

١٠ - أبو علي شمس الدين السيد فخار بن معد الموسوي: المتوفى (٦٣٠)، له كتاب الحجة على الذاهب إلى تكفير أبي طالب، قرظه العلامة السيد محمد صادق بحر العلوم بقوله:

بشراك فخار بما أولا

ك الخالق في يوم المحشر

نـزهت بحجتك الغرا

شيخ البطحاء أبا حيــدر

عما نسبوه إليه من الـ

ـكفر المردود دعاة الشر

أنـى وبه قام الإسلام

م فنال بعلياه المفخـــر

قسماً بولاء أبي حسنٍ

لولاه الدين لما أزهــر

فعليه من الله الرضوا

ن وللعـــدا نارٌ تسعر

١١ - سيدنا الحجة أبو الفضائل أحمد بن طاووس الحسيني: المتوفى (٦٧٣)، له كتاب إيمان أبي طالب، ذكره في كتابه بناء المقالة العلوية لنقض الرسالة العثمانية، وهو كتاب في الإمامة ألفه في الرد على رسالة أبي عثمان الجاحظ.

١٢ - السيد الحسين الطباطبائي اليزدي الحائري الشهير بالواعظ: المتوفى (١٣٠٦)، له كتاب بغية الطالب في إيمان أبي طالب، فارسي مطبوع.

١٣ - المفتي الشريف السيد محمد عباس التستري الهندي: المتوفى (١٣٠٦)، له كتاب بغية الطالب في إيمان أبي طالب، أحد شعراء الغدير، تأتي ترجمته في القرن الرابع عشر إ ن شاء الله تعالى.

١٤ - شمس العلماء ميرزا محمد حسين الكركاني، له كتاب مقصد الطالب في

____________

(١) رجال النجاشي: ص ٣٩٩ رقم ١٠٦٧.

٩٩

إيمان آباء النبي وعمه أبي طالب، فارسي طبع في بمبي سنة (١٣١١).

١٥ - الشيخ محمد علي بن ميرزا جعفر علي الفصيح الهندي نزيل مكة المعظمة، له كتاب القول الواجب في إيمان أبي طالب.

١٦ - شيخنا الحجة الحاج ميرزا محسن ابن العلامة الحجة ميرزا محمد التبريزي(١) .

١٧ - السيد محمد علي آل شرف الدين العاملي(٢) ، له كتاب شيخ الأبطح و أبو طالب، طبع في بغداد سنة (١٣٤٩) في (٩٦) صفحة وقد جمع فيه فأوعى، ولم يبق في القوس منزعاً.

١٨ - الشيخ ميرزا نجم الدين ابن شيخنا الحجة ميرزا محمد الطهراني، له كتاب الشهاب الثاقب لرجم مكفر أبي طالب.

١٩ - الشيخ جعفر بن الحاج محمد النقدي المرحوم، له كتاب مواهب الواهب في فضائل أبي طالب، طبع في النجف الأشرف سنة (١٣٤١ في (١٥٤) صفحة، فيه فوائد جمة وطرائف ونوادر.

وقد نظم ذلك كثيرون من أعاظم الشيعة في قريضهم، ومما يسعنا إثباته هاهنا قول السيد أبي محمد عبد الله بن حمزة الحسني الزيدي من قصيدة:

حماه أبونا أبـــــو طالب

وأسلم والناس لــم تسلــــم

وقــــد كــان يكتم إيمانه

وأما الولاء فلــــم يكتــــم

____________

(١) له كتاب إيمان أبي طالب وأحوله وأشعاره. راجع الذريعة الى تصانيف الشيعة: ٢ / ٥١٣ رقم ٢٠١٥.

(٢) انتقل إلى دار البقاء سنة ١٣٧٢ وأبقى لهفةً وجوىً في قلوب أمة كبيرة كانت تعرفه بفضائله وفواضله. (المؤلف)

١٠٠

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

( فَدَعا رَبَّهُ أَنَّ هؤُلاءِ قَوْمٌ مُجْرِمُونَ. فَأَسْرِ بِعِبادِي لَيْلاً إِنَّكُمْ مُتَّبَعُونَ ، وَاتْرُكِ الْبَحْرَ رَهْواً إِنَّهُمْ جُنْدٌ مُغْرَقُونَ ) .

إنّ التعبير بـ «مغرقون» مع أنّهم لم يكونوا قد غرقوا بعد إشارة إلى أنّ هذا الأمر الإلهي حتمي وقطعي.

ولنر الآن ماذا جرى من الحوادث التي تدعو إلى الاعتبار بها ، بعد غرق فرعون والفراعنة.

يبيّن القرآن الكريم في الآيات التالية تركة الفراعنة العظيمة التي ورثها بنو إسرائيل ، ضمن خمسة مواضيع تكن الفهرس العام لكلّ حياة الفراعنة ، فيقول أوّلا :( كَمْ تَرَكُوا مِنْ جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ ) .

لقد كانت البساتين والعيون ثروتين من أهم وأروع ثروات هؤلاء ، لأنّ مصر كانت أرضا خصبة مليئة بالبساتين بوجود نهر النيل. وهذه العيون يمكن أن تكون إشارة الى العيون التي كانت تنبع هنا وهناك ، أو أنّها جداول كانت تستمد مياهها من النيل ، وتمر في بساتين أولئك وحدائقهم الغناء الخضراء ، وليس بعيدا إطلاق العين على هذه الجداول.

ثمّ يضيف القرآن الكريم( وَزُرُوعٍ وَمَقامٍ كَرِيمٍ ) وكانت هاتان ثروتين مهمتين أخريين ، فمن جهة كانت الزراعة العظيمة التي تعتمد على النيل ، حيث أنواع المواد الزراعية الغذائية وغيرها ، والمحصولات التي امتدت في جميع أنحاء مصر ، وكانوا يستخدمونها غذاء لهم ويصدرون الفائض منها إلى الخارج ، ومن جهة أخرى كانت القصور والمساكن العامرة ، حيث أنّ من أهم مستلزمات حياة الإنسان هو المسكن المناسب.

لا شك أنّ هذه القصور كريمة من الناحية الظاهرية ، ومن وجهة نظر هؤلاء أنفسهم ، وإلّا فإنّ مساكن الطواغيت المزينة هذه ، والتي تسبب الغفلة عن الله ، لا قيمة لها في منطق القرآن.

١٤١

واحتمل البعض أن يكون المراد من المقام الكريم مجالس الأنس والطرب ، أو المنابر التي كان يرتقيها المدّاحون والشعراء للثناء على فرعون.

لكن ، الظاهر أنّ المعنى الأوّل أنسب من الجميع.

ولما كان هؤلاء يمتلكون وسائل رفاه كثيرة غير الأمور الأربعة المهمّة التي مرّ ذكرها ، فقد أشار القرآن إليها جميعا في جملة مقتضبة ، فقال :( وَنَعْمَةٍ كانُوا فِيها فاكِهِينَ ) (١) (٢) .

ثمّ يضيف( كَذلِكَ وَأَوْرَثْناها قَوْماً آخَرِينَ ) (٣) .

والمراد من( قَوْماً آخَرِينَ ) هم بنو إسرائيل ، حيث صرّح بذلك في الآية (٩٥) من سورة الشعراء. والتعبير بالإرث إشارة إلى أنّهم حصلوا على كلّ هذه الأموال والثروات من دون أن يبذلوا أدنى جهد ، أو يتحملوا أقل تعب ومشقّة ، كما يحصل الإنسان على الإرث دون أن يشقى ويجهد في تحصيله.

والجدير بالانتباه أنّ الآية المذكورة ونظيرتها في سورة الشعراء توحيان بأنّ بني إسرائيل قد عادوا إلى مصر بعد غرق الفراعنة وورثوا ميراثهم ، وحكموا هناك ، وسير الحوادث يقتضي ـ أيضا ـ أنّ لا يدع موسىعليه‌السلام مصر تعيش فراغا سياسيا بعد انهيار دعائم حكومة الفراعنة فيها.

لكن هذا الكلام لا ينافي ما ورد في آيات القرآن الكريم من أنّ بني إسرائيل قد ساروا إلى الأرض الموعودة ، أرض فلسطين ، بعد خلاصهم من قبضة الفراعنة ، والذي جاء مفصلا في القرآن ، فمن الممكن أن تكون جماعة منهم قد أقاموا في

__________________

(١) «نعمة» بفتح النون تعني التنعم ، وبكسرها تعني الإنعام ، وقد صرح جماعة من المفسّرين وأرباب اللغة بهذا المعنى ، في حين يعتقد جمع آخر أنّ للإثنين معنى واحدا يشمل كلّ المنافع التي تستحق الالتفات والنظر.

(٢) فسّرت كلمة «فاكهين» بالاستمتاع بالفواكه تارة ، وأخر بالأحاديث الفكاهية السارة ، وثالثة بالتنعم والتلذذ ، والمعنى الأخير أجمع من الجميع.

(٣) «كذلك» خبر لمبتدأ محذوف والتقدير : الأمر كذلك ، ويستعمل هذا التعبير للتأكيد. واحتمل البعض احتمالات أخرى في تركيبها.

١٤٢

مصر بعد استيلائهم عليها كوكلاء لموسىعليه‌السلام ، وسار القسم الأعظم إلى فلسطين.

ولمزيد من الإيضاح حول هذا الكلام انظر ذيل الآية (٥٩) من سورة الشعراء.

وتقول الآية الأخيرة من هذه الآيات( فَما بَكَتْ عَلَيْهِمُ السَّماءُ وَالْأَرْضُ وَما كانُوا مُنْظَرِينَ ) .

إنّ عدم بكاء السماء والأرض ربّما كان كناية عن حقارتهم ، وعدم وجود ولي ولا نصير لهم ليحزن عليهم ويبكيهم ، ومن المتعارف بين العرب أنّهم إذا أرادوا تبيان أهمية مكانة الميت ، يقولون : بكت عليه السماء والأرض ، وأظلمت الشمس والقمر لفقده.

واحتمل أيضا أنّ المراد بكاء أهل السماوات والأرض ، لأنّهم يبكون المؤمنين المقربين عند الله ، لا الجبابرة والطواغيت وأمثاله.

وقال البعض : إنّ بكاء السماء والأرض بكاء حقيقي ، حيث تظهر احمرارا خاصا غير احمرار الغروب والطلوع ، كما نقرأ في رواية : «لما قتل الحسين بن علي بن أبي طالبعليه‌السلام بكت السماء عليه ، وبكاؤها حمرة أطرافها»(١) .

وفي رواية أخرى عن الإمام الصادقعليه‌السلام : «بكت السماء على يحيى بن زكريا وعلى الحسين بن علي (عليهما‌السلام) أربعين صباحا ، ولم تبك إلّا عليهما» قلت : وما بكاؤها؟ قال : «كانت تطلع حمراء ، وتغيب حمراء»(٢) .

غير أننا نقرأ في حديث روي عن النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «ما من مؤمن إلّا وله باب يصعد منه عمله ، وباب ينزل منه رزقه ، فإذا مات بكيا عليه»(٣) .

ولا منافاة بين هذه الرّوايات ، حيث كان لشهادة الحسينعليه‌السلام ويحيى بن زكرياعليه‌السلام صفة العموم في كلّ السماء ، ولما ورد في الرّوايات الأخيرة صفة

__________________

(١) مجمع البيان ، المجلد ٩ ، صفحة ٦٥ ذيل الآية مورد البحث.

(٢) المصدر السابق.

(٣) المصدر السابق.

١٤٣

الخصوص(١) .

على أي حال ، فلا تضاد بين هذه التفاسير ، ويمكن جمعها في معنى الآية.

نعم لم تبك السماء لموت هؤلاء الضالين الظالمين ، ولم تحزن عليهم الأرض ، فقد كانوا موجودات خبيثة ، وكأنّما لم تكن لهم أدنى علاقة بعالم الوجود ودنيا البشرية ، فلما طرد هؤلاء الأجانب من العالم لم يحس أحد بخلو مكانهم منهم ، ولم يشعر أحد بفقدهم ، لا على وجه الأرض ، ولا في أطراف السماء ، ولا في أعماق قلوب البشر ، ولذلك لم تذرف عين أحد دمعة لموتهم.

وننهي الكلام في هذه الآيات بذكر رواية عن أمير المؤمنينعليه‌السلام .

فقد ورد في رواية أنّ أمير المؤمنين علياعليه‌السلام لما مرّ على المدائن ، ورأى آثار كسرى مشرفة على السقوط والانهيار ، أنشد أحد أصحابه الذين كانوا معه :

جرت الرياح على رسومهم

فكأنّهم كانوا على ميعاد!

فقال أمير المؤمنين عليعليه‌السلام : «أفلا قلت( كَمْ تَرَكُوا مِنْ جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ وَزُرُوعٍ وَمَقامٍ كَرِيمٍ وَنَعْمَةٍ كانُوا فِيها فاكِهِينَ فَما بَكَتْ عَلَيْهِمُ السَّماءُ وَالْأَرْضُ وَما كانُوا مُنْظَرِينَ ) (٢) .

* * *

__________________

(١) روي في الدر المنثور حديث في باب الجمع بين هذه الروايات. الدر المنثور ، طبقا لنقل الميزان ، المجلد ١٨ ، صفحة ١٥١.

(٢) سفينة البحار ، ج ٢ ، ص ٥٣١ (مادة مدن).

١٤٤

الآيات

( وَلَقَدْ نَجَّيْنا بَنِي إِسْرائِيلَ مِنَ الْعَذابِ الْمُهِينِ (٣٠) مِنْ فِرْعَوْنَ إِنَّهُ كانَ عالِياً مِنَ الْمُسْرِفِينَ (٣١) وَلَقَدِ اخْتَرْناهُمْ عَلى عِلْمٍ عَلَى الْعالَمِينَ (٣٢) وَآتَيْناهُمْ مِنَ الْآياتِ ما فِيهِ بَلؤُا مُبِينٌ (٣٣) )

التّفسير

بنو إسرائيل في بوتقة الاختبار :

كان الكلام في الآيات السابقة عن غرق الفراعنة وهلاكهم ، وانكسار شوكتهم وانتهاء حكومتهم ، وانتقالها إلى الآخرين. وتتحدث هذه الآيات في النقطة المقابلة لذلك أي نجاة بني إسرائيل وخلاصهم ، فتقول :( وَلَقَدْ نَجَّيْنا بَنِي إِسْرائِيلَ مِنَ الْعَذابِ الْمُهِينِ ) من العذاب الجسمي والروحي والشاق ، والذي نفذ إلى أعماق أرواحهم من ذبح الأطفال الذكور ، واستحياء البنات لخدمة وقضاء المآرب ، من السخرة والأعمال الشاقة جدّا ، وأمثال ذلك.

فكم هو مؤلم أن يكون مصير أمة بيد هكذا عدوّ دموي شيطاني ، وأن تبتلى بهكذا ظلمة لا يعرفون الرحمة ولا الانسانية؟

نعم ، لقد نجّى الله سبحانه هذه الأمّة المظلومة من قبضة هؤلاء الظالمين ، أعظم

١٤٥

سفاكي الدماء في التأريخ ، في ظل ثورة موسى بن عمرانعليه‌السلام ، الرّبانية ، لذلك تضيف الآية( مِنْ فِرْعَوْنَ إِنَّهُ كانَ عالِياً مِنَ الْمُسْرِفِينَ ) .

ليس المراد من «عاليا» هنا علو المنزلة ، بل هو إشارة إلى استشعاره العلو ، وإنّما علوه في الإسراف والتعدي ، كما جاء ذلك أيضا في الآية (٤) من سورة القصص( إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلا فِي الْأَرْضِ ) حتى أنّه ادعى الألوهية ، وسمى نفسه الرب الأعلى.

و «المسرف» من مادة «إسراف» ، أي كلّ تجاوز للحدود ، سواء في الأقوال أم الأفعال ، ولذلك استعملت كلمة المسرف في آيات القرآن المختلفة في شأن المجرمين الذين يتعدون الحدود في ظلمهم وفسادهم ، وكذلك أطلقت على العصاة المسرفين ، كما نقرأ ذلك في الآية (٥٣) من سورة الزمر( قُلْ يا عِبادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللهِ ) .

وتشير الآية التالية إلى نعمة أخرى من نعم الله سبحانه على بني إسرائيل ، فتقول :( وَلَقَدِ اخْتَرْناهُمْ عَلى عِلْمٍ عَلَى الْعالَمِينَ ) إلّا أنّهم لم يعرفوا قدر هذه النعمة ، فكفروا وعوقبوا.

وعلى هذا فإنّهم كانوا الأمة المختارة في عصرهم ، لأنّ المراد من العالمين البشر في ذلك العصر والزمان لا في كلّ القرون والأعصار ، لأنّ القرآن يخاطب الأمة الإسلامية بصراحة في الآية (١١٠) من سورة آل عمران ويقول :( كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ ) .

وكذلك الحال بالنسبة إلى الأراضي التي ورثها بنو إسرائيل ، إذ يقول القرآن الكريم في الآية (١٣٧) من سورة الأعراف( وَأَوْرَثْنَا الْقَوْمَ الَّذِينَ كانُوا يُسْتَضْعَفُونَ مَشارِقَ الْأَرْضِ وَمَغارِبَهَا الَّتِي بارَكْنا فِيها ) في حين أنّ بني إسرائيل لم يرثوا كلّ الأرض ، والمراد شرق منطقتهم وغربها.

ويعتقد بعض المفسّرين أنّه كان لبني إسرائيل بعض الميزات التي كانت منحصرة فيهم على مرّ التأريخ ، ومن جملتها كثرة الأنبياء ، إذ لم يظهر في أي قوم

١٤٦

هذا العدد من الأنبياء.

إلّا أنّ هذا الكلام ، إضافة إلى أنّه لا يثبت مزيتهم المطلقة هذه ، فإنّه يدل على أنّها ليست مزية أساسا ، فربّما كانت كثرة الأنبياء فيهم دليلا على غاية تمرد هؤلاء القوم وقمة عصيانهم ، كما بيّنت الحوادث المختلفة بعد ظهور موسىعليه‌السلام أنّهم لم يتركوا شيئا سيئا لم يفعلوه ضد هذا النّبي العظيم.

وعلى أية حال ، فإنّ ما ذكرناه أعلاه في تفسير الآية ، هو المقبول من قبل كثير من المفسّرين في شأن أهلية بني إسرائيل النسبية.

غير أنّ هؤلاء القوم المعاندين كانوا يؤذون أنبياءهم دائما ـ حسب ما يذكره القرآن ـ وكانوا يقفون أمام أحكام الله سبحانه بكلّ تصلب وعناد ، بل إنّهم بمجرّد أنّ نجوا من النيل وأهواله طلبوا من موسى أن يجعل لهم آلهة يعبدونها! وهذا يدلنا على إمكانية أن يكون الهدف من الآية ليس بيان خصيصة لبني إسرائيل ، بل بيان حقيقة أخرى. وعليه يصبح معنى الآية : مع أننا نعلم أنّ هؤلاء سيسيئون استغلال نعم الله ومواهبه ، فقد منحناهم التفوق لنختبرهم.

كما يستفاد من الآية التالية ـ أيضا ـ أنّ الله سبحانه قد منحهم مواهب اخرى ليبلوهم.

ولذا فإنّ هذا الاختبار الإلهي لا يدل على كونه مزية لهؤلاء ، وليس هذا وحسب ، بل هو ذم ضمني أيضا ، لأنّهم لم يشكروا هذه النعمة ، ولم يؤدّوا حقها ، ولم ينجحوا في الامتحان.

وتشير آخر آية من هذه الآيات إلى بعض المواهب الأخرى التي منحهم الله إيّاها ، فتقول :( وَآتَيْناهُمْ مِنَ الْآياتِ ما فِيهِ بَلؤُا مُبِينٌ ) فمرة ظللنا عليهم الغمام في صحراء سيناء ، وفي وادي التيه وأخرى أنزلنا عليهم مائدة خاصة من المن والسلوى ، وثالثة أجرينا لهم العيون من الصخور الصماء ، ومنحناهم أحيانا نعما مادية ومعنوية أخرى. إلّا أنّ كلّ ذلك كان لغرض الابتلاء والامتحان ، لأنّ الله

١٤٧

سبحانه يختبر قوما بالمصيبة ، وآخرين بالنعمة ، كما نقرأ ذلك في الآية (١٦٨) من سورة الأعراف :( وَبَلَوْناهُمْ بِالْحَسَناتِ وَالسَّيِّئاتِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ ) .

وربّما كان الهدف من ذكر قصة بني إسرائيل للمسلمين الأوائل ، هو أنّ لا يخافوا من كثرة الأعداء ، وتعاظم قوّتهم ، وليطمئنوا بأنّ الله الذي أهلك الفراعنة ودمرهم ، وأورثت بني إسرائيل ملكهم وحكومتهم ، سيمنّ عليهم في القريب العاجل بمثل هذا النصر ، وكما اختبر أولئك بهذه المواهب ، فإنّكم ستوضعون أيضا في بوتقة الامتحان والاختبار ، ليتّضح ماذا ستفعلون بعد الانتصار وتقلد الحكم؟

وهذا تحذير لكلّ الأمم والأقوام فيما يتعلق بالانتصارات والمواهب التي يحصلون عليها بفضل الله ولطفه ، فإنّ الامتحان عندئذ عسير.

* * *

١٤٨

الآيات

( إِنَّ هؤُلاءِ لَيَقُولُونَ (٣٤) إِنْ هِيَ إِلاَّ مَوْتَتُنَا الْأُولى وَما نَحْنُ بِمُنْشَرِينَ (٣٥) فَأْتُوا بِآبائِنا إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ (٣٦) )

التّفسير

لا شيء بعد الموت!

بعد أنّ جسدت الآيات السابقة مشهدا من حياة فرعون والفراعنة ، وعاقبة كفرهم وإنكارهم ، تكرر الكلام عن المشركين مرّة أخرى ، وأعادت هذه الآيات مسألة شكهم في مسألة المعاد ـ والتي مرّت في بداية السورة ـ بصورة أخرى ، فقالت :( إِنَّ هؤُلاءِ لَيَقُولُونَ إِنْ هِيَ إِلَّا مَوْتَتُنَا الْأُولى ) وسوف لا نعود إلى الحياة إطلاقا(١) وما يقوله محمّد عن المعاد والحياة بعد الموت والثواب والعقاب ، والجنّة والنّار لا حقيقة له ، فلا حشر ولا نشر أبدا! وهنا سؤال يطرح نفسه ، وهو : لماذا يؤكّد المشركون على الموتة الأولى فقط ،

__________________

(١) هنا اختلاف في مرجع ضمير (هي) فأرجعه بعض المفسّرين الى (الموتة) ، وهو المستفاد من سياق الكلام ، وبناء على هذا يكون المعنى : ما الموتة إلّا موتتنا الأولى (تفسير التبيان ومجمع البيان والكشاف). في حين اعتبر البعض الآخر مرجع الضمير هو العاقبة والنهاية ، وعلى هذا يكون المعنى : ما عاقبة أمرنا إلّا الموتة الأولى (روح المعاني والميزان) وليس بينهما من تفاوت كثير من ناحية النتيجة.

١٤٩

والتي تعني عدم وجود موت آخر بعد هذا الموت ، في حين أنّ مرادهم نفي الحياة بعد الموت ، لا إنكار الموت الثاني وبتعبير آخر فإنّ الأنبياء كانوا يخبرون بالحياة بعد الموت ، لا بالموت مرة ثانية.

ونقول في الإجابة : إنّ مرادهم عدم وجود حالة أخرى بعد الموت ، أي إنّنا نموت مرّة واحدة وينتهي كلّ شيء ، وبعد ذلك لا توجد هناك حياة أخرى ولا موت آخر ، فكل ما هو موجود هذا الموت لا غير. (فتأمل!)(١) .

وهذا يشبه كثيرا ما ورد في الآية (٢٩) من سورة الأنعام ، حيث تقول :( وَقالُوا إِنْ هِيَ إِلَّا حَياتُنَا الدُّنْيا وَما نَحْنُ بِمَبْعُوثِينَ ) !

ثمّ تنقل كلام هؤلاء الذين تشبثوا بدليل واه لإثبات مدعاهم ، إذا قالوا :( فَأْتُوا بِآبائِنا إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ ) .

قال البعض : إنّ هذا كان كلام أبي جهل ، حيث أنّه التفت إلى النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وقال : إن كنت صادقا فابعث جدك قصي بن كلاب ، فإنّه كان رجلا صادقا لنسأله عمّا يكون بعد الموت(٢) .

من البديهي أنّ كلّ ذلك كان تذرعا ، ومع أنّ سنّة الله لم تقم على أن يحيي الأموات في هذه الدنيا ليأتوا بأخبار ذلك العالم إلى هذا العالم ، لكن على فرض أن يتمّ هذا العمل من قبل الرّسول الأعظمصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فسيعزف هؤلاء المتذرعون نغمة جديدة ، ويضربون على وتر آخر ، فيسمون ذلك الفعل سحرا مثلا ، كما طلبوا المعاجز عدّة مرات ، فلما أتاهم النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بها أنكروها أشد إنكار.

* * *

__________________

(١) ذكر المفسّرون احتمالات أخرى في تفسير هذه الجملة ، وتبدو جميعا بعيدة ، ومن جملتها : أنّهم فسّروا الموتة الأولى بالموت قبل الحياة في هذه الدنيا ، وبناء على هذا يكون معنى الآية : إنّ الموت الذي تكون بعده حياة هو الموت الذي متنا من قبل ، أمّا الموت الثّاني فلا حياة بعده أبدا.

(٢) مجمع البيان ، المجلد ٩ ، صفحة ٦٦ ، وبعض التفاسير الأخرى.

١٥٠

ملاحظة

عقيدة المشركين في المعاد :

لم يكن للمشركين بعامة ـ ومشركي العرب بخاصة ـ مسلك متحد في مسائلهم العقائدية ، بل إنّهم كانوا متفاوتين فيما بينهم مع أنّهم يشتركون في الأصل في عقيدة الشرك.

فبعضهم لم يكن يعترف بالله ولا بالمعاد ، وهم الذين يتحدث القرآن عنهم بأنّهم كانوا يقولون :( ما هِيَ إِلَّا حَياتُنَا الدُّنْيا نَمُوتُ وَنَحْيا وَما يُهْلِكُنا إِلَّا الدَّهْرُ ) (١)

وبعضهم الآخر كانوا يعتقدون باللهعزوجل ، ويعتقدون أيضا أنّ الأصنام شفعاؤهم عند الله ، إلّا أنّهم كانوا ينكرون المعاد ، وهم الذين كانوا يقولون :( مَنْ يُحْيِ الْعِظامَ وَهِيَ رَمِيمٌ ) (٢) ، فأولئك كانوا يحجون إلى الأصنام ، ويقدمون القرابين لها ، وكانوا يعتقدون بالحلال والحرام ، وكان أكثر مشركي العرب من هذه الفئة.

لكن هناك شواهد تدل على أنّ هؤلاء كانوا يعتقدون ببقاء الروح بشكل ما ، سواء على هيئة التناسخ وانتقال الأرواح إلى الأبدان جديدة أم بشكل آخر(٣) .

واعتقادهم بطير اسمه (هامة) معروف ، فقد ورد في قصص العرب أنّه كان من بين العرب من يعتقد بأنّ روح الإنسان طائر انبسط في جسمه ، وعند ما يرحل الإنسان عن هذه الدنيا أو يقتل ، يخرج هذا الطائر من جسمه ويدور حول جسده بصورة مرعبة ، وينوح عند قبره.

وكانوا يعتقدون ـ أيضا ـ أنّ هذا الطائر يكون صغيرا في البداية ثمّ يكبر حتى يصبح بحجم البوم ، وهو يعيش دائما في خوف واضطراب ، ويسكن الديار الخالية ، والخرائب ، والقبور ومصارع القتلى!

__________________

(١) الجاثية ، الآية ٢٤.

(٢) سورة يس ، الآية ٧٨.

(٣) شرح نهج البلاغة ، لابن أبي الحديد المعتزلي ، المجلد ١ ، صفحة ١١٧.

١٥١

وكذلك كانوا يعتقدون أنّ شخصا إذا قتل ستصيح هامة على قبره : اسقوني فإني صدية أي عطشانة(١) .

لقد أبطل الإسلام كلّ هذه المعتقدات الخرافية ، ولذلك روي عن النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنّه قال : «لا هامة»(٢) .

وعلى أية حال ، فيبدو أنّ هؤلاء وإن لم يكونوا يعتقدون بالمعاد وحياة الإنسان بعد موته ، إلّا أنّهم كانوا يقولون بالتناسخ وبقاء الأرواح بشكل ما.

أمّا المعاد الجسماني على الهيئة التي يذكرها القرآن الكريم ، بأنّ تراب الإنسان يجمع مرة أخرى ، ويعود إلى الحياة من جديد ، وأن لكلا الجسم والروح معادا مشتركا ، فإنّهم كانوا ينكرونه تماما ، ولا ينكرونه فحسب ، بل كانوا يخافونه. وقد أوضحه لهم القرآن بأساليب مختلفة وأثبته لهم.

* * *

__________________

(١) بلوغ الأرب ، المجلد ٢ ، صفحة ٣١١.

(٢) المصدر السابق.

١٥٢

الآيات

( أَهُمْ خَيْرٌ أَمْ قَوْمُ تُبَّعٍ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ أَهْلَكْناهُمْ إِنَّهُمْ كانُوا مُجْرِمِينَ (٣٧) وَما خَلَقْنَا السَّماواتِ وَالْأَرْضَ وَما بَيْنَهُما لاعِبِينَ (٣٨) ما خَلَقْناهُما إِلاَّ بِالْحَقِّ وَلكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ (٣٩) )

التّفسير

قوم تبع :

لقد كانت أرض اليمن ـ الواقعة في جنوب الجزيرة العربية ـ من الأراضي العامرة الغنية ، وكانت في الماضي مهد الحضارة والتمدن ، وكان يحكمها ملوك يسمّون «تبّعا» ـ وجمعها تبابعة ـ لأنّ قومهم كانوا يتبعونهم ، أو لأنّ أحدهم كان يخلف الآخر ويتبعه في الحكم.

ومهما يكن ، فقد كان قوم تبع يشكلون مجتمعا قويا في عدته وعدده ، ولهم حكومتهم الواسعة المترامية الأطراف.

وهذه الآيات تواصل البحث الذي ورد حول مشركي مكّة وعنادهم وإنكارهم

١٥٣

للمعاد ـ فتهدد أولئك المشركين من خلال الإشارة إلى قصة قوم تبع ، بأنّ ما ينتظركم ليس العذاب الإلهي في القيامة وحسب ، بل سوف تلاقون في هذه الدنيا أيضا مصيرا كمصير قوم تبّع المجرمين الكافرين ، فتقول :( أَهُمْ خَيْرٌ أَمْ قَوْمُ تُبَّعٍ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ أَهْلَكْناهُمْ إِنَّهُمْ كانُوا مُجْرِمِينَ ) .

من المعلوم أنّ سكان الحجاز كانوا مطلعين على قصة قوم تبع الذين كانوا يعيشون في جوارهم ، ولذلك لم تفصل الآية كثيرا في أحوالهم ، بل اكتفت بالقول : أنّ احذروا أن تلاقوا نفس المصير الذي لاقاه أولئك الأقوام الآخرون الذين كانوا يعيشون قربكم وحواليكم ، وفي مسيركم إلى الشام ، وفي أرض مصر. فعلى فرض أن بإمكانكم إنكار القيامة ، فهل تستطيعون أن تنكروا العذاب الذي نزل بساحة هؤلاء القوم المجرمين العاصين؟

والمراد من( الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ ) أمثال قوم نوح وعاد وثمود.

وسنبحث المراد من قوم تبع ، في ما يأتي ، إن شاء الله تعالى.

ثمّ تعود الآية التي بعدها إلى مسألة المعاد مرّة أخرى ، وتثبت هذه الحقيقة باستدلال رائع ، فتقول :( وَما خَلَقْنَا السَّماواتِ وَالْأَرْضَ وَما بَيْنَهُما لاعِبِينَ ) (١) .

نعم ، فإنّ لهذا الخلق العظيم الواسع هدفا ، فإذا كان الموت بزعمكم نقطة النهاية بعد أيام من المأكل والمشرب والمنام وقضاء الشهوات الحيوانية ، وبعد ذلك ينتهي كلّ شيء بالموت ، فسيكون هذا الخلق لعبا ولهوا وعبثا ، لا فائدة من ورائه ولا هدف.

ولا يمكن التصديق بأنّ الله القادر الحكيم قد خلق هذا النظام والخلق العظيم من أجل عدّة أيّام سريعة الانقضاء لا هدف من ورائها ، مع ما تقترن به أيّام الحياة هذه من أنواع الآلام والمصائب والمصاعب ، أفينتهي كلّ شيء بانتهائها!؟ إنّ هذا

__________________

(١) «لاعب» من مادة (لعب) ، ويقول الراغب في المفردات : لعب فلان إذا كان فعله غير قاصد به مقصدا صحيحا. والتثنية في (ما بينهما) من أجل أنّ المراد جنس السماء والأرض.

١٥٤

الأمر لا ينسجم مطلقا مع حكمة الله.

بناء على هذا ، فإنّ مشاهدة وضع هذا العالم وتنظيمه ، تلزمنا التصديق بأنّه مدخل وممر إلى عالم أعظم أبدي ، فلما ذا لا تتفكرون في ذلك؟

لقد ذكر القرآن الكريم هذه الحقيقة مرارا في سور المختلفة ، فيقول في الآية (١٦) من سورة الأنبياء :( وَما خَلَقْنَا السَّماواتِ وَالْأَرْضَ وَما بَيْنَهُما لاعِبِينَ ) .

ويقول في الآية (٦٢) من سورة الواقعة :( وَلَقَدْ عَلِمْتُمُ النَّشْأَةَ الْأُولى فَلَوْ لا تَذَكَّرُونَ ) .

وعلى أية حال ، فإنّ هنالك غاية وراء خلق هذا العالم ، وهناك عالما آخر يتبعه ، في حين أنّ المذاهب الإلحادية والمنكرة للمعاد ترى بأنّ هذا الخلق عبث لا فائدة من ورائه ولا هدف.

ثمّ تضيف الآية التي بعدها لتأكيد الكلام :( ما خَلَقْناهُما إِلَّا بِالْحَقِ ) .

إن كون هذا الخلق حقا يوجب أن يكون له هدف عقلائي ، وذلك الهدف لا يتحقق إلّا بوجود عالم آخر. إضافة إلى أنّ كونه حقا يقضي بأنّ لا يتساوى المحسنون والمسيئون ، ولما كنا نرى كل واحد من هاتين الفئتين قلّما يرى جزاء عمله في هذه الدنيا ، فلا بد من وجود عالم آخر يجري فيه الحساب والثواب والعقاب ، ليتلقى كل إنسان جزاء عمله ، خيرا أم شرا.

وخلاصة القول ، فإنّ الحق في هذه الآية إشارة إلى الهدفية في الخلق ، واختبار البشر وقانون التكامل ، وكذلك تنفيذ أصول العدالة :( وَلكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ ) لأنّهم لا يعملون الفكر في التوصل إلى الحقائق ، وإلّا فإنّ أدلة المبدأ والمعاد واضحة بينة.

* * *

١٥٥

بحث

من هم قوم تبّع؟

لقد وردت كلمة (تبّع) في القرآن الكريم مرتين فقط : مرة في الآيات مورد البحث ، وأخرى في الآية ١٤ من سورة (ق) حيث تقول :( وَأَصْحابُ الْأَيْكَةِ وَقَوْمُ تُبَّعٍ كُلٌّ كَذَّبَ الرُّسُلَ فَحَقَّ وَعِيدِ ) .

وكما أشرنا من قبل ، فإنّ «تبعا» كان لقبا عاما لملوك اليمن ، ككسرى لسلاطين إيران ، وخاقان لملوك الترك ، وفرعون لملوك مصر ، وقيصر لسلاطين الروم.

وكانت كلمة (تبع) تطلق على ملوك اليمن من جهة أنّهم كانوا يدعون الناس إلى اتباعهم ، أو لأنّ أحدهم كان يتبع الآخر في الحكم.

لكن يبدو أنّ القرآن الكريم يتحدث عن أحد ملوك اليمن خاصة ـ كما أنّ فرعون المعاصر لموسىعليه‌السلام ، والذي يتحدث عنه القرآن كان معينا ومحددا ـ وورد في بعض الرّوايات أنّ اسمه «أسعد أبا كرب».

ويعتقد بعض المفسّرين أنّه كان رجلا مؤمنا ، واعتبروا تعبير «قوم تبّع» الذي ورد في آيتين من القرآن دليلا على ذلك ، حيث أنّه لم يذمّ في هاتين الآيتين ، بل ذم قومه ، والرّواية المروية عن النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم شاهدة على ذلك ، ففي هذه الرواية أنّه قال : لا تسبوا تبعا فإنه كان قد أسلم(١) .

وجاء في حديث عن الإمام الصادقعليه‌السلام : «إنّ تبّعا قال للأوس والخزرج : كونوا هاهنا حتى يخرج هذا النبي ، أمّا لو أدركته لخدمته وخرجت معه»(٢) .

وورد في رواية أخرى : إنّ تبعا لما قدم المدينة ـ من أحد أسفاره ـ ونزل بفنائها ، بعث إلى أحبار اليهود الذين كانوا يسكنونها فقال : إنّي مخرب هذا البلد

__________________

(١) مجمع البيان ، المجلد ٩ ، صفحة ٦٦ ذيل الآية مورد البحث ، وأورد نظير هذا المعنى في تفسير الدر المنثور ، وكذلك ورد في روح المعاني ، المجلد ٢٥ ، صفحة ١١٦.

(٢) مجمع البيان ذيل الآية مورد البحث.

١٥٦

حتى لا تقوم به يهودية ، ويرجع الأمر إلى دين العرب.

فقال له شامول اليهودي ـ وهو يومئذ أعلمهم ـ أيها الملك إنّ هذا بلد يكون إليه مهاجر نبي من بني إسماعيل ، مولده بمكّة اسمه أحمد. ثمّ ذكروا له بعض شمائل نبيّ الإسلامصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فقال تبّع ـ وكأنّه كان عالما بالأمر ـ ما إلى هذا البلد من سبيل ، وما كان ليكون خرابها على يدي(١) .

بل ورد في رواية في ذيل تلك القصة أنّه قال لمن كان معه من الأوس والخزرج : أقيموا بهذا البلد ، فإنّ خرج النّبي الموعود فآزروه وانصروه ، وأوصوا بذلك أولادكم ، حتى أنّه كتب رسالة أودعهم إياها ذكر فيها إيمانه بالرّسول الأعظمصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم (٢) .

ويروي صاحب أعلام القرآن أنّ تبّعا كان أحد ملوك اليمن الذين فتحوا العالم ، فقد سار بجيشه إلى الهند واستولى على بلدان تلك المنطقة. وقاد جيشا إلى مكّة ، وكان يريد هدم الكعبة ، فأصابه مرض عضال عجز الأطباء عن علاجه.

وكان من بين حاشيته جمع من العلماء ، كان رئيسهم حكيما يدعى شامول ، فقال له : إنّ مرضك بسبب سوء نيتك في شأن الكعبة ، وستشفى إذا صرفت ذهنك عن هذه الفكرة واستغفرت ، فرجع تبع عما أراد ونذر أن يحترم الكعبة ، فلما تحسن حاله كسا الكعبة ببرد يماني.

وقد وردت قصّة كسوة الكعبة في تواريخ أخرى حتى بلغت حد التواتر. وكان تحرك الجيش هذا ، ومسألة كسوة الكعبة في القرن الخامس الميلادي ، ويوجد اليوم في مكّة مكان يسمى «دار التابعة»(٣) .

وعلى أية حال ، فإنّ القسم الأعظم من تأريخ ملوك التبابعة في اليمن لا يخلو

__________________

(١) روح المعاني ، المجلد الأوّل ٢٥ ، صفحة ١١٨.

(٢) المصدر السابق.

(٣) أعلام القرآن ، ص ٢٥٧ ـ ٢٥٩ (بتلخيص).

١٥٧

من الغموض من الناحية التاريخية ، حيث لا نعلم كثيرا عن عددهم ، ومدّة حكومتهم ، وربّما نواجه في هذا الباب روايات متناقضة ، وأكثر ما ورد في الكتب الإسلامية ـ سواء كتب التّفسير أو التأريخ أو الحديث ـ يتعلق بذلك الملك الذي أشار إليه القرآن في موضعين.

* * *

١٥٨

الآيات

( إِنَّ يَوْمَ الْفَصْلِ مِيقاتُهُمْ أَجْمَعِينَ (٤٠) يَوْمَ لا يُغْنِي مَوْلًى عَنْ مَوْلًى شَيْئاً وَلا هُمْ يُنْصَرُونَ (٤١) إِلاَّ مَنْ رَحِمَ اللهُ إِنَّهُ هُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ (٤٢) )

التّفسير

يوم الفصل!

تمثل هذه الآيات في الحقيقة نتيجة الآيات السابقة التي بحثت مسألة المعاد ، والتي استدل بها عن طريق حكمة خلق هذا العالم على وجود البعث والحياة الأخرى.

فتستنتج الآية الأولى من هذا الاستدلال :( إِنَّ يَوْمَ الْفَصْلِ مِيقاتُهُمْ أَجْمَعِينَ ) .

كم هو جميل هذا التعبير عن يوم القيامة بيوم الفصل! ذلك اليوم الذي فصل فيه الحق عن الباطل ، وتمتاز صفوف المحسنين عن المسيئين ، ويعتزل فيه الإنسان أعزّ أصدقائه ، وأقرب أخلائه نعم ، إنّه موعد كلّ المجرمين(١) .

__________________

(١) احتمل المفسّرون احتمالات عديدة في مرجع الضمير في (ميقاتهم) فالبعض أرجعه إلى كلّ البشر ، والبعض خصوص الأقوام الذين أشير إليهم في الآيات السابقة ، أي قوم تبع والعصاة من قبلهم. غير أنّ المعنى الأوّل هو الأصح.

١٥٩

ثمّ ذكرت الآية التالية شرحا موجزا ليوم الفصل هذا ، فقالت :( يَوْمَ لا يُغْنِي مَوْلًى عَنْ مَوْلًى شَيْئاً وَلا هُمْ يُنْصَرُونَ ) .

أجل ، ذلك اليوم هو يوم الفصل والافتراق ، يوم يفارق الإنسان فيه كلّ شيء إلّا عمله ، ولا يملك المولى ـ بأي معنى كان ، الصاحب ، الولي ، ولي النعمة ، القريب ، الجار ، الناصر وأمثال ذلك ـ القدرة على حل أصغر مشكلة من مشاكل القيامة.

«المولى» من مادة ولاء ، وهي في الأصل تعني الاتصال بين شيئين بحيث لا يوجد بينهما حاجز ، وله مصاديق كثيرة وردت في كتب اللغة كمعان مختلفة ، تشترك جميعا في معناها الأصلي وجذرها(١) .

في ذلك اليوم لا يجيب الرفيق رفيقه ، وترى الأقارب لا يحل بعضهم مشكلة بعض ، بل وتتبخر كلّ الخطط وتتقطع جميع الأواصر الدنيوية كما نقرأ هذه الصورة في الآية (٤٦) من سورة الطور :( يَوْمَ لا يُغْنِي عَنْهُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئاً وَلا هُمْ يُنْصَرُونَ ) .

أمّا ما هو الفرق بين «لا يغني» وبين «لا هم ينصرون»؟ فإنّ أحسن ما يقال هو : أنّ الأوّل إشارة إلى أنّ أي فرد لا يقدر في ذلك اليوم على حل مشكلة فرد آخر بصورة انفرادية مستقلة ، والثّاني إشارة إلى أنّهم عاجزون عن حل المشاكل حتى وإن تعاونوا فيما بينهم ، لأنّ النصرة تقال في موضع يهبّ فيه شخص لمعونة آخر ومساندته حتى ينصره على المشاكل.

لكن هناك جماعة واحدة مستثناة فقط ، وهي التي أشارت إليها الآية التالية ، فقالت :( إِلَّا مَنْ رَحِمَ اللهُ إِنَّهُ هُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ ) .

لا شك أنّ هذه الرحمة الإلهية لا تمنح اعتباطا ، بل تشمل الذين آمنوا وعملوا الصالحات فقط ، وإذا كانوا قد بدر منهم زلل ومعصية ، فإنّها لا تبلغ حدّا تقطع فيه

__________________

(١) لقد ذكرت للمولى معان كثيرة في اللغة ، وعدها البعض سبعة وعشرين معنى : ١ ـ الرب ٢ ـ العم ٣ ـ ابن العم ٤ ـ الابن ٥ ـ ابن الأخت ٦ ـ المعتق ٧ ـ المعتق ٨ ـ العبد ٩ ـ المالك ١٠ ـ التابع ١١ ـ المنعم عليه ١٢ ـ الشريك ١٣ ـ الحليف ١٤ ـ الصاحب ١٥ ـ الجار ١٦ ـ النزيل ١٧ ـ الصهر ١٨ ـ القريب ١٩ ـ المنعم ٢٠ ـ الفقيد ٢١ ـ الولي ٢٢ ـ الأولى بالشيء ٢٣ ـ السيد غير المالك والمعتق ٢٤ ـ المحبّ ٢٥ ـ الناصر ٢٦ ـ المتصرف في الأمر ٢٧ ـ المتولي في الأمر. (الغدير ، المجلد ١ ، صفحة ٣٦٢).

١٦٠

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

461

462

463

464

465

466

467

468

469

470

471

472

473

474

475

476

477

478

479

480

481

482

483

484

485

486

487

488

489

490

491

492

493

494

495

496

497

498

499

500

501

502

503

504

505

506

507

508

509

510

511

512

513

514

515

516

517

518

519

520

521

522

523

524

525

526

527

528

529

530

531

532

533

534

535

536

537

538

539

540

541

542

543

544

545

546

547

548

549

550

551

552

553

554

555

556

557

558

559

560

561

562

563

564

565

566

567

568

569

570

571

572

573

574

575

576

577

578

579

580

581

582

583

584

585

586

587

588

589

590

591

592