الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل الجزء ١٦

الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل10%

الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل مؤلف:
تصنيف: تفسير القرآن
الصفحات: 592

الجزء ١ الجزء ٢ الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥ الجزء ٦ الجزء ٧ الجزء ٨ الجزء ٩ الجزء ١٠ الجزء ١١ الجزء ١٢ الجزء ١٣ الجزء ١٤ الجزء ١٥ الجزء ١٦ الجزء ١٧ الجزء ١٨ الجزء ١٩ الجزء ٢٠
  • البداية
  • السابق
  • 592 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 184427 / تحميل: 6215
الحجم الحجم الحجم
الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل

الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل الجزء ١٦

مؤلف:
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

علاقتهم بالله سبحانه ، فهم يرفعون أكفهم إلى الله ويرجون رحمته ، فيتنعمون بها ، ويرتوون منها ، ويتمتعون بشفاعة أوليائه.

من هنا يتّضح أنّ نفي وجود صديق وولي ونصير في ذلك اليوم لا ينافي مسألة الشفاعة ، لأنّ الشفاعة أيضا لا تحصل إلّا بإذن الله تعالى.

والطريف أنّ الآية قرنت وصفه سبحانه بكونه عزيزا ورحيما ، والأوّل إشارة إلى قدرته اللامتناهية التي لا تعرف الهزيمة والضعف ، والثّاني إشارة إلى رحمته التي لا حدود لها ، والمهم أن تكون رحمته عين قدرته.

وقد روي في بعض روايات أهل البيتعليهم‌السلام أنّ المراد من جملة :( إِلَّا مَنْ رَحِمَ اللهُ ) وصي النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أمير المؤمنين عليعليه‌السلام وشيعته(١) .

ولا يخفى أنّ الهدف منها هو بيان المصداق الواضح.

* * *

__________________

(١) نور الثقلين ، المجلد ٤ ، صفحة ٦٢٩.

١٦١

الآيات

( إِنَّ شَجَرَةَ الزَّقُّومِ (٤٣) طَعامُ الْأَثِيمِ (٤٤) كَالْمُهْلِ يَغْلِي فِي الْبُطُونِ (٤٥) كَغَلْيِ الْحَمِيمِ (٤٦) خُذُوهُ فَاعْتِلُوهُ إِلى سَواءِ الْجَحِيمِ (٤٧) ثُمَّ صُبُّوا فَوْقَ رَأْسِهِ مِنْ عَذابِ الْحَمِيمِ (٤٨) ذُقْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْكَرِيمُ (٤٩) إِنَّ هذا ما كُنْتُمْ بِهِ تَمْتَرُونَ (٥٠) )

التّفسير

شجرة الزقوم!

تصف هذه الآيات أنواعا من عذاب الجحيم وصفا مرعبا يهز الأعماق ، وهي تكمل البحث الذي مرّ في الآيات السابقة حول يوم الفصل والقيامة ، فتقول :( إِنَّ شَجَرَةَ الزَّقُّومِ طَعامُ الْأَثِيمِ ) فهؤلاء المجرمون هم الذين يأكلون هذا النبات المر القاتل ، والخبيث الطعام النتن الرائحة.

«الزّقوم» كما قلنا في تفسير الآية (٦٢) من سورة الصافات ـ على قول المفسّرين وأهل اللغة ، اسم شجرة لها أوراق صغيرة وثمرة مرّة خشنة اللمس منتنة الرائحة ، تنبت في أرض تهامة من جزيرة العرب ، كان المشركون يعرفونها ، وهي

١٦٢

شجرة عصيرها مرّ ، وإذا أصابت البدن تورّم(١) .

ويعتقد البعض أنّ الزقوم في الأصل يعني الابتلاع(٢) ، ويقول البعض : إنّها كلّ طعام خبيث في النّار(٣) .

وجاء في حديث أنّ هذه الكلمة لما نزلت في القرآن قال كفار قريش : ما نعرف هذه الشجرة ، فأيّكم يعرف معنى الزقوم؟ وكان هناك رجل من أفريقية قال : هي عندنا التمر والزبد ـ وربّما قال ذلك استهزاء ـ فلما سمع أبو جهل ذلك قال مستهزئا : يا جارية زقمينا ، فأتته الجارية بتمر وزبد ، فقال لأصحابه : تزقموا بهذا الذي يخوفكم به محمّد(٤) .

وينبغي الالتفات إلى أنّ «الشجرة» تأتي في لغة العرب والاستعمالات القرآنية بمعنى الشجرة أحيانا ، وبمعنى مطلق النبات أحيانا.

و «الأثيم» من مادة إثم ، وهو المقيم على الذنب ، والمراد هنا الكفار المعاندون المعتقدون ، المصرون على الذنوب والمعاصي المكثرون منها.

ثمّ تضيف الآية :( كَالْمُهْلِ يَغْلِي فِي الْبُطُونِ كَغَلْيِ الْحَمِيمِ ) .

«المهل» ـ على قول كثير من المفسّرين وأرباب اللغة ـ الفلز المذاب ، وعلى قول آخرين ـ كالراغب في المفردات ـ هو درديّ الزيت ، وهو ما يترسب في الإناء ، وهو شيء مرغوب فيه جدا ، لكن يبدو أنّ المعنى الأوّل هو الأنسب.

«والحميم» هو الماء الحار المغلي ، وتطلق أحيانا على الصديق الوثيق العلاقة والصداقة ، والمراد هنا هو المعنى الأول.

على أي حال ، فعند ما يدخل الزقوم بطون هؤلاء ، فإنّه يولد حرارة عاليه لا تطاق ، ويغلي كما يغلي الماء ، وبدل أن يمنحهم هذا الغذاء القوة والطاقة فإنّه

__________________

(١) مجمع البيان ، تفسير روح البيان ، تفسير روح المعاني.

(٢) لسان العرب مادة «زقم».

(٣) مفردات الراغب مادة (زقم).

(٤) تفسير القرطبي ، المجلد ٨ ، صفحة ٥٥٢٩ ذيل الآية (٦٢) من سورة الصافات.

١٦٣

يهبهم الشقاء والعذاب والألم والمشقة.

ثمّ يخاطب سبحانه خزنة النّار ، فيقول :( خُذُوهُ فَاعْتِلُوهُ إِلى سَواءِ الْجَحِيمِ ) .

«فاعتلوه» من مادة العتل ، وهي الأخذ والسحب والإلقاء. وهو ما يفعله حماة القانون والشرطة مع المجرمين المتمردين ، الذي لا يخضعون لأي قانون ولا يطبقونه.

«سواء» بمعنى الوسط ، لأنّ المسافة إلى جميع الأطراف متساوية ، وأخذ أمثال هؤلاء الأشخاص وإلقاؤهم في وسط جهنم باعتبار أنّ الحرارة أقوى ما تكون في الوسط ، والنّار تحيط بهم من كلّ جانب.

ثمّ تشير الآية التالية إلى نوع آخر من أنواع العقاب الأليم الذي يناله هؤلاء فتقول :( ثُمَّ صُبُّوا فَوْقَ رَأْسِهِ مِنْ عَذابِ الْحَمِيمِ ) (١) وبهذا فإنّهم يحترقون من الداخل ، وتحيط النّار بكلّ وجودهم من الخارج ، وإضافة إلى ذلك يصب على رؤوسهم الماء المغلي في وسط الجحيم.

وقد ورد نظير هذا المعنى في الآية (١٩) من سورة الحج حيث تقول :( يُصَبُّ مِنْ فَوْقِ رُؤُسِهِمُ الْحَمِيمُ ) .

وبعد كلّ أنواع العذاب الجسمي هذه ، تبدأ العقوبات الروحية والنفسية ، فيقال لهذا المجرم المتمرد العاصي الكافر :( ذُقْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْكَرِيمُ ) فأنت الذي كنت قد قيدت البؤساء فباتوا في قبضتك تظلمهم كيف شئت ، وتعذبهم حسبما تشتهي ، وكنت تظن أنّك قوي لا تقهر ، وعزيز لا يمكن أنّ تهان ويجب على الجميع احترامك وتقديرك.

نعم ، أنت الذي ركبك الغرور فلم تدع ذنبا لم ترتكبه ، ولا موبقة لم تأتها ، فذق الآن نتيجة أعمالك التي تجسدت أمامك ، وكما أحرقت أجسام الناس وآلمت

__________________

(١) عذاب الحميم من قبيل الإضافة البيانية ، أي إنّ هذا الماء المحرق عذاب يصب على هؤلاء.

١٦٤

أرواحهم ، فليحترق الآن داخلك وخارجك بنار غضب الله والماء المغلي الذي يصهر ما في بطونهم والجلود.

وجاء في حديث أنّ النّبي الأكرمصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أخذ يوما بيد أبي جهل وقال : «أولى لك فأولى» فغضب أبو جهل وجرّ يده وقال : بأي شيء تهددني؟ ما تستطيع أنت وصاحبك أن تفعلا بي شيئا ، إنّي لمن أعز هذا الوادي وأكرمه.

والآية ناظرة إلى هذا المعنى ، فتقول : عند ما يلقونه في جهنم يقولون له : ذق يا عزيز مكّة وكريمها(١) .

ويضيف القرآن الكريم في آخر آية ـ من الآيات مورد البحث ـ مخاطبا إيّاهم :( إِنَّ هذا ما كُنْتُمْ بِهِ تَمْتَرُونَ ) فكم ذكّرناكم بحقّانية هذا اليوم وحقيقته في مختلف آيات القرآن وبمختلف الأدلة؟!

ألم نقل لكم :( كَذلِكَ الْخُرُوجُ ) ؟(٢) .

ألم نقل :( كَذلِكَ النُّشُورُ ) ؟(٣) .

ألم نقل :( وَذلِكَ عَلَى اللهِ يَسِيرٌ ) ؟(٤) .

ألم نقل :( أَفَعَيِينا بِالْخَلْقِ الْأَوَّلِ ) ؟(٥) .

وخلاصة القول : قد قلنا لكم الحقيقة وأوضحناها بطرق مختلفة ، لكن لم تكن لكم آذان تسمعون بها.

* * *

__________________

(١) تفسير المراغي ، المجلد ٢٥ ، صفحة ١٣٥ ذيل الآيات مورد البحث ، وتفسير روح المعاني ، والتّفسير الكبير للفخر الرازي.

(٢) سورة ق ، الآية ١١.

(٣) سورة فاطر ، الآية ٩.

(٤) سورة التغابن ، الآية ٧.

(٥) سورة ق ، الآية ١٥.

١٦٥

بحث

العقوبات الجسمية والروحية :

نحن نعلم ، وطبقا لصريح القرآن ، أنّ للمعاد جانبا جسميا ، وآخر روحيا ، وعلى ذلك فمن الطبيعي أن تكون العقوبات والمثوبات متصفتين بهما كذلك ، ولذلك أشير في آيات القرآن الكريم والرّوايات الإسلامية إلى كلا القسمين ، غاية ما في الأمر أنّ انتباه الناس وإحساسهم لمّا كان منصبا على الأمور الجسمية غالبا ، لذلك يلاحظ أنّ التفصيل في العقوبات والمثوبات المادية أكثر ، لكن لا يعني هذا أن الإشارة إلى المثوبات والعقوبات المعنوية قليلة.

وقد رأينا في الآيات أعلاه نموذجا لهذا المطلب ، فمع ذكر عدّة أقسام من العقوبات الجسمية الأليمة ، هناك إشارة وجيزة عميقة المحتوى إلى الجزاء الروحي الذي سينال المستكبرين.

وتلاحظ في آيات أخرى من القرآن الإشارة إلى المثوبات الروحية أيضا ، فيقول الله تعالى في موضع :( وَرِضْوانٌ مِنَ اللهِ أَكْبَرُ ) (١) .

ويقول في موضع آخر :( سَلامٌ قَوْلاً مِنْ رَبٍّ رَحِيمٍ ) (٢) .

وأخيرا يقول في موضع ثالث :( وَنَزَعْنا ما فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ إِخْواناً عَلى سُرُرٍ مُتَقابِلِينَ ) (٣) .

ولا يخفى أنّه لا يمكن وصف اللذائذ المعنوية غالبا وخاصّة في ذلك العالم الواسع ، ولذلك فقد أشير إليها في القرآن إشارة غامضة عادة ، أمّا العقوبات الروحية التي تكون بالتحقير والإهانة ، التوبيخ والتقريع ، والأسف والهم والحزن ، فقد وصفتها الآيات وأوضحتها ، وقد قرأنا نماذج منها في الآيات أعلاه.

* * *

__________________

(١) سورة التوبة ، الآية ٧٢.

(٢) سورة يس ، الآية ٥٨.

(٣) سورة الحجر ، الآية ٤٧.

١٦٦

الآيات

( إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي مَقامٍ أَمِينٍ (٥١) فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ (٥٢) يَلْبَسُونَ مِنْ سُندُسٍ وَإِسْتَبْرَقٍ مُتَقابِلِينَ (٥٣) كَذلِكَ وَزَوَّجْناهُمْ بِحُورٍ عِينٍ (٥٤) يَدْعُونَ فِيها بِكُلِّ فاكِهَةٍ آمِنِينَ (٥٥) لا يَذُوقُونَ فِيهَا الْمَوْتَ إِلاَّ الْمَوْتَةَ الْأُولى وَوَقاهُمْ عَذابَ الْجَحِيمِ (٥٦) فَضْلاً مِنْ رَبِّكَ ذلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (٥٧) )

التّفسير

المتقون ومختلف نعم الجنّة :

لما كان الكلام في الآيات السابقة عن العقوبات الأليمة لأهل النّار ، فإنّ هذه الآيات تذكر المواهب والنعم المعدة لأهل الجنّة ، لتتضح أهمية كلّ منهما من خلال المقارنة بينهما.

وقد لخصت هذه المواهب في سبعة أقسام :

الأولى : هي( إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي مَقامٍ أَمِينٍ ) (١) على هذا فلا يصيبهم أي إزعاج أو

__________________

(١) ممّا يستحق الانتباه أنّ (أمين) قد ذكر وصفا للمقام ، فكأن مقام أهل الجنّة أمين بنفسه ولا يخون أهل الجنّة مطلقا ، ومثل هذه التعبيرات تأتي عادة للتأكيد والمبالغة.

١٦٧

خوف ، بل هم في أمن كامل من الآفات والبلايا ، من الغم والأحزان ، ومن الشياطين والطواغيت.

ثمّ تطرقت الآيات إلى النعمة الثانية فقال :( فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ ) .

إن التعبير بالجنات يمكن أن يكون إشارة إلى تعدد الحدائق والبساتين التي يتمتع بها كلّ فرد من أهل الجنّة ، فهي تحت تصرفه ، أو تكون إشارة إلى مقاماتهم المختلفة ودرجاتهم المتفاوتة ، لأنّ حدائق الجنّة وبساتينها غير متساوية ، بل تختلف باختلاف درجات أصحاب الجنّة.

وتشير الثالثة إلى ملابسهم الجميلة ، فتقول :( يَلْبَسُونَ مِنْ سُندُسٍ وَإِسْتَبْرَقٍ مُتَقابِلِينَ ) .

«السندس» يقال للأقمشة الحريرية الناعمة الرقيقة ، وأضاف البعض قيد كونها مذهّبة.

و «الإستبرق» هي الأقمشة الحريرية السميكة ، ويعتقد بعض المفسّرين وأهل اللغة أنها معربة من الكلمة الفارسية (أستبر) أو (ستبر) أي السميك. ويحتمل أن يكون أصلها عربيا مأخوذا من البرق أي التلألؤ ، حيث أنّ لهذه الأقمشة بريقا خاصّا.

طبعا ، ليس في الجنّة حرّ شديد أو برد قارص ليتوقاه أهل الجنّة بارتداء هذا الملابس ، بل هذه إشارة إلى الألبسة المتنوعة المعدة لهم.

وكما قلنا سابقا ، فإنّ كلماتنا وألفاظنا ـ هذه التي وضعت لرفع حاجات الحياة اليومية في دنيانا ـ عاجزة عن وصف مسائل ذلك العالم الكامل العظيم ، بل هي قادرة على الإشارة إليها وحسب.

واعتقد البعض أنّ اختلاف هذه الألبسة إشارة إلى تفاوت مقامات القرب بين أصحاب النعيم.

١٦٨

ثمّ إنّ كون أهل الجنّة متقابلين مع بعضهم البعض ، وزوال أي تفاوت وتكبر لأحد على آخر ، إشارة إلى روح الأنس والأخوة التي تسود مجالسهم ، تلك المجالس والحلقات التي لا يرى فيها إلّا الصفاء والمودّة وتسامي الروح.

وتصل النوبة في النعمة الرابعة إلى أزواجهم ، فتقول :( كَذلِكَ وَزَوَّجْناهُمْ بِحُورٍ عِينٍ ) .

«الحور» جمع حوراء وأحور ، وتقال لمن اشتد سواد عينه ، واشتد بياض بياضها. و «العين» جمع أعين وعيناء ، أي أوسع العين ، ولما كان أكثر جمال الإنسان في عينيه ، فإنّ الآية تصف عيون الحور العين الجميلة الساحرة. وقد ذكرت محاسنهن الأخرى بأسلوب رائع في آيات أخرى من القرآن.

ثمّ تناولت الآية الأخرى النعمة الخامسة لأصحاب الجنّة فقالت :( يَدْعُونَ فِيها بِكُلِّ فاكِهَةٍ آمِنِينَ ) فلا توجد في الجنّة تلك هنا المشكلات والصعوبات التي كانوا يعانونها في تناول فاكهة الدنيا ، فإنّها قريبة منهم وفي متناولهم ، وعلى هذا فليس هناك بذل جهد لاقتطاف الأثمار من الأشجار العالية ، إذ( قُطُوفُها دانِيَةٌ ) (١) .

وإليهم يرجع اختيار الفاكهة التي يشتهونها :( وَفاكِهَةٍ مِمَّا يَتَخَيَّرُونَ ) (٢) .

ولا أثر هنا للأمراض والاضطرابات التي قد تحدث في هذه الدنيا على أثر تناول الفواكه ، وكذلك لا خوف من فسادها وقلتها ، فهم في راحة وأمن واطمئنان من الجهات.

وعلى أية حال ، فإذا كان الزقوم طعام أهل النّار الذي يغلي في بطونهم كغلي الحميم ، فإنّ طعام الجنّة هي الفواكه اللذيذة الخالية من كلّ أذى وإزعاج.

خلود الجنّة ونعمها هي النعمة السادسة من نعم الله سبحانه على المتقين ، لأنّ الذي يقلق فكر الإنسان عند الوصال واللقاء هو خوف الفراق ، ولذلك تقول الآية :

__________________

(١) سورة الحاقة ، الآية ٢٣.

(٢) سورة الواقعة ، الآية ٢٠.

١٦٩

( لا يَذُوقُونَ فِيهَا الْمَوْتَ إِلَّا الْمَوْتَةَ الْأُولى ) .

والطريف أنّ القرآن الكريم قد بيّن كون نعم الجنّة خالدة بتعابير مختلفة ، فيقول تارة :( خالِدِينَ فِيها ) (١) ويقول أخرى :( عَطاءً غَيْرَ مَجْذُوذٍ ) (٢) أمّا لماذا عبر بـ( الْمَوْتَةَ الْأُولى ) فسيأتي بيانه في التأملات ، إن شاء الله تعالى.

وأخيرا يبيّن القرآن الكريم السابع من النعم وآخرها ، فيقول :( وَوَقاهُمْ عَذابَ الْجَحِيمِ ) فإنّ كمال هذه النعم إنما يتم عند ما يخلو فكر أصحاب الجنّة من احتمال العذاب ، وعدم انشغالهم به ، لئلا يقلقوا فيتكدر صفوهم فلا تكمل تلك النعم حينئذ.

وهذا التعبير يشير إلى أنّ المتقين إن كانوا خائفين مما بدر منهم من هفوات ، فإنّ الله سبحانه سيعفو عنها بلطفه وكرمه ، ويطمئنهم بأنّ لا يدعوا للخوف إلى أنفسهم سبيلا. وبتعبير آخر ، فإنّ غير المعصومين مبتلون بالهفوات شاؤوا أم أبوا ، وهم في خوف وقلق منها ما داموا غير مطمئنين بشمول العفو الإلهي لهم ، وهذه الآية تمنحهم الاطمئنان والراحة والأمان من هذه الجهة.

وهنا يطرح سؤال ، وهو : إنّ بعض المؤمنين يقضون مدّة في الجحيم بذنوب اقترفوها ، ليتطهروا منها ، ثمّ يدخلون الجنّة ، فهل تشملهم الآية المذكورة؟

ويمكن القول في معرض الإجابة عن هذا السؤال ، بأنّ الآية تتحدث عن المتقين ذوي الدرجات السامية ، والذين يردون الجنّة من أوّل وهلة ، أما الفئة الأخرى فهي ساكتة عنهم.

ويحتمل أيضا أنّ هؤلاء عند ما يدخلون الجنّة فلن يخشوا بعد ذلك العودة إلى النّار ، بل يبقون من الأمن الدائم ، وهذا يعني أنّ الآية أعلاه ترسم صورة هؤلاء وحالهم بعد دخولهم الجنّة.

وأشارت آخر آية ـ من هذه الآيات ـ إلى جميع النعم السبعة ، وكنتيجة لما مر

__________________

(١) ورد هذا التعبير في آيات كثير من القرآن ، ومن جملتها : آل عمران ـ ١٥ ، ١٣٦ النساء ـ ١٣ ، ١٢٢ ، المائدة ـ ٨٥ ، وغيرها.

(٢) سورة هود ، الآية ١١٠.

١٧٠

تقول :( فَضْلاً مِنْ رَبِّكَ ذلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ ) (١) .

صحيح ، إنّ المتقين قد عملوا الكثير من الصالحات والحسنات ، إلّا أنّ من المسلّم أن تلك الأعمال جميعا لا تستحق كلّ هذه النعم الخالدة ، بل هي فضل من الله سبحانه ، إذ جعل كلّ هذه النعم والعطايا تحت تصرفهم ووهبهم إيّاها.

هذا إضافة إلى أنّ هؤلاء لم يكونوا قادرين على كسب كلّ هذه الحسنات ولا على فعل الحسنات لو لم يشملهم فضل الله وتوفيقه ، ولطفه ، فهو الذي منحهم العقل والعلم ، وهو الذي أرسل الأنبياء والكتب السماوية ، وهو الذي غمرهم بتوفيق الهداية والعمل.

نعم ، إنّ استغلال هذه المنح العظمى ، والوصول إلى كلّ تلك العطايا والثواب ، إنّما تمّ بفضله سبحانه إذ وهبهم إيّاها ، ولم يكن هذا الفوز العظيم ليحصل إلّا في ظل لطفه وكرمه.

* * *

بحث

ما هي الموتة الأولى؟

قرأنا في الآيات المذكورة أعلاه ، أنّ أصحاب الجنة لا يذوقون إلّا الموتة الأولى ، وهنا تطرح أسئلة ثلاثة :

الأول : ما المراد من الموتة الأولى؟ فإنّ كان المراد الموت الذي تنتهي به الحياة الدنيا ، فلما تقول الآية :( لا يَذُوقُونَ )

( فِيهَا الْمَوْتَ إِلَّا الْمَوْتَةَ الْأُولى ) في حين أنّهم قد ذاقوها ، وعليه يجب أن يأتي الفعل بصيغة الماضي لا المضارع؟

وللإجابة عن هذا السؤال اعتبر البعض (إلّا) في جملة( إِلَّا الْمَوْتَةَ الْأُولى )

__________________

(١) احتملت عدّة احتمالات في إعراب (فضلا) : أحدها : إنّها مفعول مطلق لفعل محذوف ، والتقدير : فضلهم فضلا ، والآخر : أنّه مفعول لأجله ، أو أنّها حال.

١٧١

بمعنى (بعد) ، وقالوا : إنّ معنى الآية هو أنّهم لا يذوقون موتا بعد موتتهم الأولى.

وقدّر البعض الآخر تقديرا في الكلام فقالوا : إنّ التقدير هو : إلّا الموتة الأولى التي ذاقوها(١) .

الثاني : هو : لماذا ورد الكلام عن الموتة الأولى فقط ، في حين أننا نعلم أنّ الإنسان يذوق الموت مرّتين : مرّة عند انتهاء حياته ، وأخرى بعد حياة البرزخ؟

وقد ذكروا للإجابة على هذا السؤال عدة إجابات كلها غير مرضية ، فآثرنا عدم ذكرها لعدم استحقاقها الذكر.

والأفضل أن يقال : إنّ الحياة والموت في البرزخ لا يشبهان أبدا الحياة والموت العاديين ، بل إنّ حياة القيامة تشبه الحياة الدنيا من وجوه عديدة بمقتضى المعاد الجسماني ، غاية ما هناك أنّها في مستوى أعلى وأسمى ، ولذلك يقال لأصحاب الجنّة : لا موتة بعد الموتة الأولى التي ذقتموها ، ولما كانت الحياة والموت في البرزخ لا شباهة لهما بحياة الدنيا وموتها لذا لم يرد الكلام حولهما(٢) .

السؤال الثّالث هو : إنّ عدم وجود الموت في القيامة لا ينحصر بأصحاب الجنّة ، بل أصحاب النّار لا يموتون أيضا ، فلما ذا أكّدت الآية على أصحاب الجنّة؟

للمرحوم الطبرسي جواب رائع عن ذلك ، فهو يقول : إنّ ذلك بشارة لأهل الجنّة ، بأن لهم حياة خالدة هنيئة ، أما أصحاب النّار الذين يعتبر كلّ لحظة من لحظات حياتهم موتا ، وكأنّهم يحيون ويموتون دائما ، فلا معنى لهذا الكلام في حقهم.

وعلى أية حال ، فإنّ التعبير هنا بـ( لا يَذُوقُونَ ) إشارة إلى أنّ أصحاب الجنّة لا يرون ولا يعانون أدنى أثر من آثار الموت.

وجميل أنّ نقرأ في حديث عن الإمام الباقرعليه‌السلام أنّ الله تعالى يقول لبعض أهل

__________________

(١) بناء على هذا فإنّ الاستثناء أعلاه منقطع أيضا لأنّ أصحاب الجنّة لا يذوقون مثل هذا الموت ، بل ذاقوه من قبل (فتأمل!).

(٢) الحياة والموت في البرزخ في ذيل الآية (١١) من سورة المؤمن.

١٧٢

الجنّة : «وعزتي وجلالي ، وعلوي وارتفاع مكاني لأنحلنّ لهم اليوم خمسة أشياء : ألا إنّهم شباب لا يهرمون ، وأصحاء لا يسقمون ، وأغنياء لا يفتقرون ، وفرحون لا يحزنون ، وأحياء لا يموتون» ثمّ تلا هذه الآية :( لا يَذُوقُونَ فِيهَا الْمَوْتَ إِلَّا الْمَوْتَةَ الْأُولى ) (١) .

* * *

__________________

(١) أصول الكافي ، طبقا لنقل تفسير نور الثقلين ، المجلد ٤ ، صفحة ٦٣٤.

١٧٣

الآيتان

( فَإِنَّما يَسَّرْناهُ بِلِسانِكَ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ (٥٨) فَارْتَقِبْ إِنَّهُمْ مُرْتَقِبُونَ (٥٩) )

التّفسير

ارتقب فإنهم مرتقبون!

قلنا : إنّ سورة الدخان بدأت ببيان عظمة القرآن وعمقه ، وتنتهي بهذه الآيات التي تبيّن كذلك التأثير العميق لآيات القرآن الكريم ، لتنسجم بذلك بداية السورة مع نهايتها ، وما هو مبيّن أيضا بين البداية والنهاية هو التأكيد على مواعظ القرآن ونصحه.

تقول الآية الأولى :( فَإِنَّما يَسَّرْناهُ بِلِسانِكَ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ ) فمع أنّ محتواه عميق جدا ، وأبعاده مترامية ، لكنه بسيط واضح ، يفهمه الجميع ، وتقتبس من أنواره كلّ الطبقات ، أمثاله جميلة رائعة ، وتشبيهاته واقعية بليغة ، وقصصه حقيقية تربوية ، دلائله واضحة محكمة ، وبيانه مع عمقه بسيط سهل ، مختصر عميق المحتوى ، وهو في الوقت نفسه ذو حلاوة وجاذبية ، ينفذ إلى أعماق قلوب البشر ، فينبه الغافلين ،

١٧٤

ويعلم الجاهلين ، ويذكر من كان له قلب.

وقد ذكر بعض المفسّرين تفسيرا آخر لهذه الآية ، يكون معنى الآية طبقا له : إنّك وإن كنت أميّا لم تدرس وتتعلم ، لكنك تستطيع أن تقرأ بكلّ يسر وسهولة هذه الآيات العميقة الغنية المحتوى ، والتي تبين الوحي والإعجاز الإلهي. غير أنّ التّفسير الأوّل أنسب.

وهذه الآية ـ في الواقع ـ شبيهة بالآية التي تكررت عدّة مرات في سورة القمر :( وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ ) ؟! لكن لما كان هناك جماعة لم يذعنوا لأمر الله ، ولم يسلموا ويستسلموا رغم ذكر كل هذه الأوصاف ، فقد هددتهم الآية الأخيرة وحذرتهم فقالت :( فَارْتَقِبْ إِنَّهُمْ مُرْتَقِبُونَ ) فانتظر ما وعدك الله بالنصر على الكفار ، ولينتظروا الهزيمة والخسران

انتظر نزول عذاب الله الأليم على هؤلاء المعاندين الظالمين ، ودعهم ينتظرون هزيمتك وعدم تحقق أهدافك السامية ، ليعلم أي الانتظارين هو الصحيح؟

بناء على هذا ، ينبغي أنّ لا يستفاد أبدا من الآية أنّ الله سبحانه يأمر نبيّه أن يكف كليا عن إبلاغهم رسالته ، وينهي نشاطه وفعالياته وجهاده ، ويكتفي بأنّ يكون منتظرا للنتيجة ، وإنّما هو نوع تهديد لأولئك المتعصبين عسى أن يستيقظوا من سباتهم ، وينتبهوا من غفلتهم.

* * *

ملاحظات

١ ـ «ارتقب» في الأصل مأخوذة من الرقبة ، ولما كان من ينتظر شيئا يمد رقبته نحوه دائما ، فقد جاءت بمعنى انتظار الشيء ومراقبته.

١٧٥

٢ ـ إنّ الآيات إعلاء تبين بوضوح أنّ القرآن الكريم لا يختص بطبقة خاصّة أو قوم معينين ، بل هو لإفهام الجميع وتذكيرهم وإثارة تفكرهم ، وعلى هذا ، فإنّ أولئك الذين يجعلون القرآن مجموعة من المفاهيم المبهمة الألغاز المحيرة التي لا يفهمها ولا يعلمها إلّا طبقة خاصّة ، بل وحتى هذه الطبقة لا تفهم منه شيئا ولا تدرك أبعاده ، غافلون في الحقيقة عن روح القرآن.

إنّ القرآن يجب أن يحيا بين الناس ويحضر بينهم حيثما كانوا ، في المدينة والقرية ، في الخلاء والملأ ، في المدار الابتدائية والجامعات ، في المسجد وميادين الحرب ، وفي كلّ مكان يوجد فيه إنسان ، لأنّ الله سبحانه قد يسّره ليتذكر الجميع ويقتبسوا من أنواره ما يضيئون به حياتهم.

وكذلك قضت هذه الآية ببطلان أفكار أولئك الذين حبسوا القرآن في إطار طريقة تلاوته وقواعد تجويده وتعقيداتها ، وأصبح همهم الوحيد أداء ألفاظه من مخارجها ، ومراعاة آداب الوقف والوصل فتقول لهم : إنّ كلّ ذلك من أجل التذكر الذي يكون عامل حركة وباعثا على العمل في الحياة ، فإنّ رعاية ظواهر الألفاظ صحيح في محله ، إلّا أنّه ليس الهدف النهائي ، بل الهدف هو فهم معاني القرآن لا ألفاظه.

٣ ـ ورد في حديث عن الإمام الصادقعليه‌السلام : «لولا تيسيره لما قدر أحد من خلقه أن يتلفظ بحرف من القرآن ، وأنى لهم ذلك وهو كلام من لم يزل ولا يزال»(١) .

اللهمّ اجعلنا ممن يتعظ بالقرآن العظيم ، ويتذكر ويتدبر فيه ، ويجعل حياته في جميع أبعادها تبعا لمفاهيمه وأحكامه.

اللهمّ امنحنا من ذلك الأمن الذي وهبته المتقين ، فجعلتهم مطمئنين موقنين

__________________

(١) تفسير روح البيان ، المجلد ٨ ، صفحة ٤٣٣.

١٧٦

أمام عواصف الأحداث والمصاعب الجمة التي تعترضهم.

إلهنا إنّ مواهبك لا تحصى ، ورحمتك لا تحد ، وعذابك أليم ، وليست أعمالنا بالتي تجعلنا مؤهلين لنيل رحمتك والنجاة من عذابك.

اللهمّ فانشر علينا من رحمتك ، وأفض علينا من فضلك الذي وعدت به المتقين من عبادك ، وإلّا فلا سبيل لنا إلى جنتك الخالدة.

آمين ربّ العالمين

نهاية سورة الدخان

* * *

١٧٧
١٧٨
١٧٩

سورة

الجاثية

مكيّة

وعدد آياتها سبع وثلاثون آية

١٨٠

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

.. إلى غير ذلك من الكتاب والسنّة.

وأمّا ما ذكره من أنّ المراد بهذا التجويز نفي وجوب شيء عليه ، فلا يرفع الإشكال ؛ لأنّه إذا لم يجب عليه بعدله وحكمته أن يرسل الرسل بالحكمة والموعظة الحسنة ، فقد جاز أن يرسل رسولا إلى قوم ولا يأمرهم إلّا بسبّه ومدح إبليس ـ إلى غير ذلك ممّا بيّنه المصنّف ـ ، وتجويزهم مثل ذلك على الله سبحانه دليل على عدم معرفتهم به ، وأنّهم ما قدروه حقّ قدره.

ولو جوّزت أشباه هذه الأمور على أحد منهم لعدّها من أكبر النقص عليه ، والذنب إليه ، فكيف تجوز في حقّ الملك الجامع لصفات الكمال؟!

* * *

٣٦١

قال المصنّف ـ قدّس الله سرّه ـ(١) :

وقالت الإمامية : قد أراد الله الطاعات وأحبّها ورضيها واختارها ، ولم يكرهها ولم يسخطها ، وأنّه كره المعاصي والفواحش ولم يحبّها ولا رضيها ولا اختارها(٢) .

وقالت الأشاعرة : قد أراد الله من الكافر أن يسبّه ويعصيه ، واختار ذلك ، وكره أن يمدحه(٣) .

وقال بعضهم : أحبّ وجود الفساد ، ورضي وجود الكفر(٤) .

* * *

__________________

(١) نهج الحقّ : ٧٦.

(٢) النكت الاعتقادية : ٢٦ ـ ٢٧ ، تصحيح الاعتقاد : ٤٩ ـ ٥٠ ، تجريد الاعتقاد : ١٩٩.

(٣) الإبانة في أصول الديانة : ١٢٧ ، تمهيد الأوائل : ٣١٧ ـ ٣١٨ ، الفصل في الملل والأهواء والنحل ٢ / ٩٩ ، المسائل الخمسون : ٦٠ المسألة ٣٥ ، المواقف : ٣٢٠ ـ ٣٢٣ ، شرح المواقف ٨ / ١٧٣ ـ ١٧٤ و ١٧٨ و ١٧٩ ، تحفة المريد على جوهرة التوحيد : ٤٢ ، شرح العقيدة الطحاوية : ١٣٠.

(٤) المواقف : ٣٢٠ ـ ٣٢٣ ، شرح المواقف ٨ / ١٧٣.

٣٦٢

وقال الفضل(١) :

مذهب الأشاعرة ـ كما سبق ـ : إنّ الله تعالى مريد لجميع الكائنات ، فهو يريد الطاعات ويرضى بها للعبد ، ويريد المعاصي بمعنى التقدير ؛ لأنّ الله تعالى مريد للكائنات.

فلا بدّ أن يكون كلّ شيء بتقديره وإرادته ، ولكن لا يرضى بالمعاصي ، والإرادة غير الرضا ، وهذا الرجل يحسب أنّ الإرادة هي عين الرضا ، وهذا باطل.

وأمّا قوله : « كره أن يمدحه » فهذا عين الافتراء.

وكذا قوله : « أحبّ الفساد ورضي بوجود الكفر » ولا عجب هذا من الشيعة ، فإنّ الكذب والافتراء طبيعتهم ، وبه خلقت غريزتهم.

* * *

__________________

(١) إبطال نهج الباطل ـ المطبوع ضمن إحقاق الحقّ ـ ١ / ٣٠٠.

٣٦٣

وأقول :

قوله : « يريد الطاعات ويرضى بها » ليس بصحيح على عمومه ، فإنّ الطاعات التي لم تقع ليست مرادة ولا مرضية له ، وإلّا لوقعت.

وقوله : « ويريد المعاصي بمعنى التقدير » ، ليس بصحيح أيضا ، فإنّ الإرادة سبب التقدير لا نفسه.

ولو سلّم ، فلا بدّ من إرادة المعاصي ؛ لأنّ التقدير بدون إرادة غير ممكن ؛ لأنّها هي المخصّصة.

قوله : « ولكن لا يرضى بالمعاصي » باطل ، إذ لو لم يرض بها فما الذي ألزمه بفعلها.

قوله : « والإرادة غير الرضا » مسلّم ، لكنّ إرادة الفعل تتوقّف على الرضا به ، كما إنّ إرادة الترك تتوقّف على كراهة الفعل ومرجوحيّته من جهة.

وعلى هذا يبتني كلام المصنّف ، لا على إنّ الإرادة نفس الرضا ، كما زعمه الخصم.

وبالجملة : الفعل بالاختيار يستلزم الرضا به ، وتركه بالاختيار يستلزم كراهته ، وإلّا لخرج العمل عن كونه عقلائيا ، فيكون الله سبحانه ـ بناء على تقديره وتكوينه لأفعال العباد ـ راضيا ومحبّا لسبّه والفساد الواقعين ، كارها لمدحه والصلاح المتروكين ؛ وهذا ما قاله المصنّف.

وأمّا ما رمى به الخصم الشيعة من الكذب والافتراء ، فنحن نكله إلى المصنف إذا عرف أحوال رجالنا ورجالهم ، ونظر إلى ما كتبناه في المقدّمة.

٣٦٤

قال المصنّف ـ رفع الله درجته ـ(١) :

وقالت الإمامية : قد أراد النبيّ ٦ من الطاعات ما أراد الله تعالى ، وكره من المعاصي ما كرهه الله تعالى(٢) .

وقالت الأشاعرة : بل أراد النبيّ كثيرا ممّا كرهه الله تعالى ، وكره كثيرا ممّا أراده الله تعالى(٣) .

* * *

__________________

(١) نهج الحقّ : ٧٦.

(٢) إنقاذ البشر من الجبر والقدر ـ المطبوع ضمن رسائل الشريف المرتضى ـ ٢ / ٢٣٦ ، مجمع البيان ٧ / ٣٩٩ ، المنقذ من التقليد ١ / ١٨٥.

(٣) الفصل في الملل والأهواء والنحل ٢ / ٣١٠ ـ ٣١١.

٣٦٥

وقال الفضل(١) :

غرضه من هذا الكلام ـ كما سيأتي ـ أنّ الله تعالى يريد كفر الكافر ، والنبيّ يريد إيمانه وطاعته ، فوقعت المخالفة بين الإرادتين ، وإذا لم يكن أحدهما مريدا لشيء يكون كارها له ؛ هكذا زعم.

وقد علمت أنّ معنى الإرادة من الله ها هنا هو : التقدير ، ومعنى الإرادة من النبيّ : ميله إلى إيمانهم ورضاه به.

والرضا والميل غير الإرادة بمعنى التقدير ، فالله تعالى يريد كفر الكافر بمعنى : يقدّر له في الأزل هكذا ، والنبيّ لا يريد كفره ، بمعنى أنّه لا يرضى به ولا يستحسنه ، فهذا جمع بين إرادة الله وعدم إرادة النبيّ ولا محذور فيه.

نعم ، لو رضي الله بشيء ، ولم يرض رسوله بذلك الشيء وسخطه ، كان ذلك محذورا ، وليس هذا مذهبا لأحد.

* * *

__________________

(١) إبطال نهج الباطل ـ المطبوع ضمن إحقاق الحقّ ـ ١ / ٣٠٥.

٣٦٦

وأقول :

أيصحّ في العقل أن يقال : إنّ الله تعالى يقدّر شيئا ويفعله ، ولا يرضى به النبيّ ولا يستحسنه؟!

مضافا إلى ما عرفت من أنّ تقدير الفعل يستلزم الرضا به ، وتقدير الترك يستلزم الكراهة له.

فيكون الله سبحانه بتقديره للكفر والمعصية ، راضيا بهما وقد كرههما النبيّ

وبتقديره لترك الإيمان والطاعة ، كارها لهما وقد رضي النبيّ بهما وأرادهما ، فاختلف الله ورسوله.

* * *

٣٦٧

قال المصنّف ـ أعزّ الله منزلته ـ(١) :

وقالت الإمامية : قد أراد الله من الطاعات ما أراده أنبياؤه ، وكره ما كرهوه ، وأراد ما كره الشياطين من الطاعات ، وكره ما أرادوه من الفواحش(٢) .

وقالت الأشاعرة : بل قد أراد الله ما أرادته الشياطين من الفواحش ، وكره ما كرهوه من كثير من الطاعات ، ولم يرد ما أرادته الأنبياء من كثير من الطاعات ، بل كره ما أرادته منها(٣) .

* * *

__________________

(١) نهج الحقّ : ٧٧.

(٢) مجمع البيان ٧ / ٣٩٩ ، المنقذ من التقليد ١ / ١٨٢ ـ ١٨٥.

(٣) الإبانة عن أصول الديانة : ١٢٣ ـ ١٢٤ ، تمهيد الأوائل : ٣١٧ ـ ٣٢١ ، المواقف : ٣١٥ ـ ٣١٦.

٣٦٨

وقال الفضل(١) :

هذا يرجع إلى معنى الإرادة التي ذكرناها في الفصل السابق(٢) ، وهذا الرجل لم يفرّق بين الإرادة والرضا ، وجلّ تشنيعاته ناش من عدم هذا الفرق.

وأمّا قوله : « كره الله ما كره الشياطين من الطاعات » فهذا افتراء على الأشاعرة.

* * *

__________________

(١) إبطال نهج الباطل ـ المطبوع ضمن إحقاق الحقّ ـ ١ / ٣٠٦.

(٢) انظر الصفحة ٣٦٣.

٣٦٩

وأقول :

قد عرفت أنّ المختار لا يفعل شيئا إلّا لإرادته له ورضاه به ، ولا يترك أمرا إلّا لكراهته له ، وإلّا لخرج العمل عن كونه عقلائيا.

فإذا فرض أنّ الله تعالى هو الفاعل لأفعال البشر ، فلا بدّ أن يكون مريدا لما يقع من الفواحش كما هو مراد للشياطين ، وأن يكون كارها لما يقع من الطاعات كما هو مكروه للشياطين ؛ فتمّ ما ذكره المصنّف.

* * *

٣٧٠

قال المصنّف ـ أعلى الله مقامه ـ(١) :

وقالت الإمامية : قد أمر الله عزّ وجلّ بما أراده ونهى عمّا كرهه(٢) .

وقالت الأشاعرة : قد أمر الله بكثير ممّا كره ونهى عن كثير ممّا أراد(٣) .

* * *

__________________

(١) نهج الحقّ : ٧٧.

(٢) النكت الاعتقادية : ٢٥ ، شرح جمل العلم والعمل : ٥٦ ، المنقذ من التقليد ١ / ٨٥ و ١٧٩ ـ ١٨٠ ، تجريد الاعتقاد : ١٩٩.

(٣) الإبانة عن أصول الديانة : ١٢٣ ـ ١٢٤ ، تمهيد الأوائل : ٣١٧ ـ ٣٢٠ ، الفصل في الملل والأهواء والنحل ٢ / ١٦٨ ، الملل والنحل ـ للشهرستاني ـ ١ / ٨٣ ، الأربعين في أصول الدين ـ للفخر الرازي ـ ١ / ٣٤٣ وما بعدها ، المسائل الخمسون : ٦٠ و ٦١ ، شرح المقاصد ٤ / ٢٧٤ وما بعدها ، شرح المواقف ٨ / ١٧٣ ـ ١٧٤.

٣٧١

وقال الفضل(١) :

قد عرفت ممّا سلف أنّ الله تعالى لا يجب عليه شيء ، ولا قبيح بالنسبة إليه ، فله أن يأمر بما شاء وينهى عمّا يشاء(٢) .

فأخذ المخالفون من هذا أنّه يلزم على هذا التقدير أن يأمر بما يكرهه وينهى عمّا يريده ؛ وقد عرفت جوابه.

وإنّ المراد بهذا : عدم وجوب شيء عليه ، وهذا التجويز لنفي الوجوب وإن لم يقع شيء من الأمور المذكورة في الوجود.

فالأمر بالمكروه والنهي عن المراد جائز ، ولا يكون واقعا ، فهو محال عادة وإن جاز عقلا بالنسبة إليه ـ كما مرّ غير مرّة ـ ، وسيجيء تفاصيل هذه الأجوبة عند مقالاته في ما سيأتي.

* * *

__________________

(١) إبطال نهج الباطل ـ المطبوع ضمن إحقاق الحقّ ـ ١ / ٣٠٧.

(٢) انظر الصفحة ٣٤٩ من هذا الجزء.

٣٧٢

وأقول :

لم نأخذ ذلك ممّا ذكره وإن كان صالحا للأخذ منه ، بل أخذناه من قولهم : إنّ أفعال العباد مخلوقة لله تعالى(١) ؛ لأنّ خلق الشيء وتقديره يستلزم الإرادة له والرضا به ، وتقدير عدم الشيء يستلزم كراهته ـ كما سبق ـ ، فإذا أمر الله سبحانه بما قدّر عدمه ، فقد أمر بما لا يريده وكرهه ، وإذا نهى عمّا قدّر وجوده ، فقد نهى عمّا أراده ورضيه ـ كما ذكره المصنّف ـ ، وهذا على مذهبهم واقع جار على العادة.

ولو سلّم أنّا أخذناه ممّا ذكره ، فمن أين أحرز عادة الله تعالى في عدم وقوع شيء من الأمور المذكورة وهي غيب؟!

على إنّ تجويز ذلك على الله سبحانه نقص في حقّه وأيّ نقص!! لأنّه من الجهل أو العجز ، تعالى الله عمّا يقول الظالمون.

* * *

__________________

(١) خلق أفعال العباد ـ للبخاري ـ : ٢٥ ، الإبانة عن أصول الديانة : ٤٦ ، الإنصاف ـ للباقلّاني ـ : ٢٨ و ٤٣ ، تمهيد الأوائل : ٣١٨ و ٣٤١ وما بعدها ، الأربعين في أصول الدين ـ للفخر الرازي ـ ١ / ٣١٩ وما بعدها و ٣٤٣ ، المواقف : ٣١١ ـ ٣١٥.

٣٧٣

قال المصنّف ـ شرّف الله قدره ـ(١) :

فهذا خلاصة أقاويل الفريقين في عدل الله عزّ وجلّ.

وقول الإمامية في التوحيد يضاهي قولهم في العدل ، فإنّهم يقولون :

إنّ الله تعالى واحد لا قديم سواه ، ولا إله غيره ، ولا يشبه الأشياء ، ولا يجوز عليه ما يصحّ عليها من التحرّك والسكون ، وإنّه لم يزل ولا يزال حيّا قادرا عالما مدركا ، لا يحتاج إلى أشياء يعلم بها ، ويقدّر ويحيي ، وإنّه لمّا خلق الخلق أمرهم ونهاهم ، ولم يكن آمرا ولا ناهيا قبل خلقه لهم(٢) .

وقالت المشبّهة : إنّه يشبه خلقه ؛ فوصفوه بالأعضاء والجوارح ، وإنّه لم يزل آمرا وناهيا إلى ما بعد خراب العالم وبعد الحشر والنشر ، دائما بدوام ذاته(٣) .

وهذه المقالة في الأمر والنهي ودوامهما مقالة الأشعرية أيضا(٤) .

__________________

(١) نهج الحقّ : ٧٧.

(٢) أوائل المقالات : ٥١ ـ ٥٣ ، شرح جمل العلم والعمل : ٧٨ ـ ٧٩ ، تقريب المعارف : ٨٨ ، الاقتصاد في ما يتعلّق بالاعتقاد : ٧٨ ، المنقذ من التقليد ١ / ١٣١ ، تجريد الاعتقاد : ١٩٣ ـ ١٩٤.

(٣) الملل والنحل ١ / ٩٤ ، شرح المواقف ٨ / ٢٥ ـ ٢٦.

(٤) التقريب والإرشاد ـ للباقلّاني ـ ٢ / ٣٠٦ ، اللمع في الردّ على أهل الزيغ والبدع : ٣٦ ، نهاية الإقدام في علم الكلام : ٣٠٤ ، الأربعين في أصول الدين ـ للفخر الرازي ـ ١ / ٢٥٦ ـ ٢٥٧ ، محصّل أفكار المتقدّمين والمتأخّرين : ٢٦٦ ، إرشاد الفحول : ٣١.

٣٧٤

وقالت الأشاعرة أيضا : إنّه تعالى قادر ، عالم ، حيّ إلى غير ذلك من الصفات بذوات قديمة ، ليست هي الله ولا غيره ولا بعضه ، ولولاها لم يكن قادرا ، عالما ، حيّا(١) .

تعالى الله عن ذلك علوّا كبيرا.

* * *

__________________

(١) اللمع في الردّ على أهل الزيغ والبدع : ٢٥ ـ ٣٢ ، تمهيد الأوائل : ٢٢٧ ـ ٢٢٩ و ٢٩٨ ـ ٢٩٩ ، الإنصاف : ٣٨ ـ ٣٩ ، الملل والنحل ١ / ٨٢ ، المسائل الخمسون : ٤٣ وما بعدها.

٣٧٥

وقال الفضل(١) :

أكثر ما في هذا الفصل قد مرّ جوابه في ما سبق من الفصول على أبلغ الوجوه بحيث لم يبق للمرتاب ريب.

وما لم يذكر جوابه من كلام هذا الفصل ـ في ما سبق ـ هو ما قال في الأمر والنهي ، وأنّ الأشاعرة يقولون : بدوامهما.

فالجواب : إنّهم لمّا قالوا بالكلام النفسي ، وإنّه صفة لذات الله تعالى ، فيلزم أن تكون هذه الصفة أزلية وأبدية

والكلام لمّا اشتمل على الأمر والنهي يكون الأمر في الكلام النفسي أزلا وأبدا ، ولكن لا يلزم أن يكون آمرا وناهيا بالفعل قبل وجود الخطاب والمخاطبين حتّى يلزم السفه ـ كما سبق ـ ، بل الكلام بحيث لو تعلّق الخطاب عند التلفّظ به يكون المتكلّم آمرا وناهيا ، وهذا فرع لإثبات الكلام النفساني ، فأيّ غرابة في هذا الكلام؟!

* * *

__________________

(١) إبطال نهج الباطل ـ المطبوع ضمن إحقاق الحقّ ـ ١ / ٣٠٩.

٣٧٦

وأقول :

قد عرفت بطلان أجوبته ، ومنه تعرف بطلان جوابه هنا ، ولا أدري لم التزم بعدم الخطاب في القدم والأزل ، وقد أجازوا خطاب المعدوم(١) وقالوا : لا يقبح منه شيء؟!(٢) .

نعم ، لمّا علم أنّ خطاب المعدوم سفه بالضرورة ، التزم بعدم الخطاب غفلة عن مذهبه!

ولو التفت لكابر في نفي السفه ، كما كابر في نفي الأمر والنهي الفعليّين ، مع الالتزام بثبوت الأمر والنهي النفسيّين ، والحال أنّ النفسي مدلول الفعلي ، وكابر في ثبوت الأمر والنهي النفسيّين بدون الخطاب ، مع إنّهما لا يحصلان بدونه.

* * *

__________________

(١) التقريب والإرشاد ـ للباقلّاني ـ ٢ / ٢٩٨ وما بعدها ، المستصفى من علم الأصول ١ / ٨٥ ، نهاية الإقدام في علم الكلام : ٣٠٤ ، محصّل أفكار المتقدّمين والمتأخّرين : ٢٦٦.

(٢) انظر : المسائل الخمسون : ٦١ المسألة ٣٦ ، المواقف : ٣٢٨.

٣٧٧

قال المصنّف ١(١) :

وقالت الإمامية : إنّ أنبياء الله وأئمّته منزّهون عن المعاصي ، وعمّا يستخفّ وينفّر(٢) .

ودانوا بتعظيم أهل البيت الّذين أمر الله بمودّتهم وجعلها أجر الرسالة ، فقال تعالى : (قُلْ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلاَّ الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبى )(٣) .

وقال أهل السنّة كافّة : إنّه يجوز عليهم الصغائر(٤) .

وجوّزتالأشاعرة عليهم الكبائر(٥) .

* * *

__________________

(١) نهج الحقّ : ٧٨.

(٢) أوائل المقالات ٤ / ٦٢ و ٦٥ ، تصحيح الاعتقاد : ١٢٩ ، الذخيرة في علم الكلام : ٣٣٧ و ٤٢٩ ، شرح جمل العلم والعمل : ١٩٢ ، تنزيه الأنبياء ـ للشريف المرتضى ـ : ١٥ ، المنقذ من التقليد ١ / ٤٢٤ ، تجريد الاعتقاد : ٢١٣ و ٢٢٢.

(٣) سورة الشورى ٤٢ : ٢٣.

(٤) التقريب والإرشاد ١ / ٤٣٨ ـ ٤٣٩ ، محصّل أفكار المتقدّمين والمتأخّرين : ٣٢١ وقال : « وأمّا أنّه هل يجب كونهم معصومين عن الصغائر قبل البعثة وبعدها؟

فالروافض أوجبوا ذلك ومن عداهم جوّزوا ذلك » ، الأربعين في أصول الدين ـ للفخر الرازي ـ ١ / ٢٧٩ وج ٢ / ١١٦ و ١١٧ ، المواقف : ٣٥٩ ، شرح المواقف ٨ / ٢٦٥ وقال : « أمّا الصغائر عمدا فجوّزه الجمهور إلّا الجبّائي ».

(٥) محصّل أفكار المتقدّمين والمتأخّرين : ٣٢٠ ، المواقف : ٣٥٩ ، شرح المواقف ٨ / ٢٦٤ و ٢٦٥.

٣٧٨

وقال الفضل(١) :

أجمع أهل الملل والشرائع كلّها على وجوب عصمة الأنبياء عن تعمّد الكذب في ما دلّ المعجز القاطع على صدقهم فيه ، كدعوى الرسالة وما يبلّغونه عن الله وأمّا سائر الذنوب فأجمعت الأمّة على عصمتهم من الكفر(٢) .

وجوّز الشيعة إظهار الكفر تقيّة عند خوف الهلاك ؛ لأنّ إظهار الإسلام حينئذ إلقاء للنفس في التهلكة ، وذلك باطل ؛ لأنّه يقضي إلى إخفاء الدعوة بالكلّيّة وترك تبليغ الرسالة ، إذ أولى الأوقات بالتقيّة وقت الدعوة ، للضعف بسبب قلّة الموافق وكثرة المخالفين(٣) .

وأمّا غير الكفر من الكبائر ، فمنعه الجمهور من الأشاعرة والمحقّقين.

وأمّا الصغائر عمدا ، فجوّزه الجمهور إلّا الصغائر الخسيسة كسرقة حبّة أو لقمة(٤) ، للزوم المخالفة لمنصب النبوّة.

هذا مذهبهم ، فنسبة تجويز الكبائر إلى الأشاعرة افتراء محض.

وأمّا ما ذكر من تعظيم أنبياء الله وأهل بيت النبوّة ، فهو شعار أهل السنّة ، والتعظيم ليس عداوة الصحابة ، كما زعمه الشيعة والروافض ، بل

__________________

(١) إبطال نهج الباطل ـ المطبوع ضمن إحقاق الحقّ ـ ١ / ٣١٢.

(٢) شرح المواقف ٨ / ٢٦٣ ـ ٢٦٤.

(٣) شرح المواقف ٨ / ٢٦٤.

(٤) انظر : شرح المواقف ٨ / ٢٦٤.

٣٧٩

التعظيم أداء حقوق عظم قدرهم في المتابعة ، وذكرهم بالتفخيم ، واعتقاد قربهم من الله ورسوله ، وهذه خصلة اتّصف بها أهل السنّة والجماعة.

* * *

٣٨٠

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

461

462

463

464

465

466

467

468

469

470

471

472

473

474

475

476

477

478

479

480

481

482

483

484

485

486

487

488

489

490

491

492

493

494

495

496

497

498

499

500

501

502

503

504

505

506

507

508

509

510

511

512

513

514

515

516

517

518

519

520

521

522

523

524

525

526

527

528

529

530

531

532

533

534

535

536

537

538

539

540

541

542

543

544

545

546

547

548

549

550

551

552

553

554

555

556

557

558

559

560

561

562

563

564

565

566

567

568

569

570

571

572

573

574

575

576

577

578

579

580

581

582

583

584

585

586

587

588

589

590

591

592