الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل الجزء ١٦

الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل10%

الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل مؤلف:
تصنيف: تفسير القرآن
الصفحات: 592

الجزء ١ الجزء ٢ الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥ الجزء ٦ الجزء ٧ الجزء ٨ الجزء ٩ الجزء ١٠ الجزء ١١ الجزء ١٢ الجزء ١٣ الجزء ١٤ الجزء ١٥ الجزء ١٦ الجزء ١٧ الجزء ١٨ الجزء ١٩ الجزء ٢٠
  • البداية
  • السابق
  • 592 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 183780 / تحميل: 6184
الحجم الحجم الحجم
الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل

الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل الجزء ١٦

مؤلف:
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

والقصيدة تزيد على الستين بيتاً. وله قصيدة أيضاً في مجموعة الشيخ لطف الله، وأولها:

إنهض إلى أم القرى ومناتها

وبطيبة طف بي على عرصاتها

وهي أكثر من سبعين بيتاً.

وله أيضاً:

أسير الهوى ما بال ثغرك مفترا

أراك بما أولاك مولاك مغتراً

وتختال في ثوب الشبيبة مائساً

وتطرب في تذكار غادتك الغرا

فدع ذكر من تهوى ولا تطع الهوى

أما سمعت أذناك بالوقعة الكبرى

أيصبح منك السن ياويك باسماً

سروراً وتبكي عين فاطمة الزهراء

ألا اطلق عنان العيس واعنف بسيرها

وإن جئت وادي الطف قف نبك من ذكرى

هناك ترى من نور العرش باسمه

له كبد حرى وفي بردة حمرا

تحتوي على 56 بيتاً نقلنا منها هذا المقطع.

٢١

السيد علي السيد احمد

بكى بقاني دمه والمدمع

صب لذكر دمنة ومريع

لم يبق فيها من يجيب داعياً

ولا يلبي ناشداً ولا يعي

غير اثاف جثم ودونها

نوء وأشلا وتد ومخدع

فما البكا وما العنا وما الشجى

وما الضنا على الذي لم ينفع

هلم هات كلما ادخرته

من مدمع ومن دم وابك معي

على الحسين المستضام والإمام

بن الإمام الألمعي اللوذعي

السيد السميدع ابن السيد

السميدع ابن السيد السميدع

الأروع المبجل المعظم المكرم

الممجد ابن الأروع

واذكر عظيم رزئه فإنه

بمثله كل الورى لم تسمع

قضى ظماً مع صحبه بكربلا

ودون السلسبيل المترع

وفي آخرها:

آل النبي حبكم قد انحنت

عليه - مذ كونت - عوج أضلعي

إذ حبكم وبغضكم بين الورى

علامة للنصب والتشيع

وأنتم يوم الحساب عدتي

لشدتي ومأمني لمفزعي

وهاكم عذراء من نجلكم

بغير وشي الحب لم تلفع

تحجبت من البها ببرقع

وهي لقلب الخصم قلب البرقع

٢٢

ولي وآبائي وللرحم اشفعوا

إذ غيركم يوم القضا لم يشفع

عليكم الرحمن صل ما اكتسى

روض الربيع نسج أيدي الهمع(1)

وفي مجموعة حسينية في مكتبة الامام الصادق العامة في حسينية آل الحيدري بمدينة الكاظمية على مشرفها أفضل التحية، والمجموعة في قسم المخطوطات - رقم 75 تحتوي على جملة قصائد لشعراء قدماء كلهم من القرن الثاني عشر الهجري، أو قبل ذلك. وقد جاء في آخرها:

وقد فرغت من تحرير هذه المجموعة في مراثي سيدنا ومولانا وإمامنا أبي عبدالله الحسينعليه‌السلام . في يوم السابع من شهر جمادي الثانية من شهور سنة 1242. وأنا العبد الجاني محمد شفيع بن محمد بن مير بن عبدالجميل الحسيني غفر الله لهم.

__________________

1 - عن مجموعة المراثي الحسينية بخط محمد شفيع بن محمد بن مير الحسيني سنة 1242 مخطوطة مكتبة الامام الصادق العامة بالكاظمية حسينية آل الحيدري رقم « 7 ».

٢٣

السيد محمد الشاخوري

أهاجك ربع دارس وطلول

ترحل منها للفراق خليل(1)

فبت كئيباً ساهر الطرف باكياً

ودمعك بعد الظاغنين هطول

إذا مر ذكر البان ظلت لبينه

دموعك في صحن الخدود تسيل

وتشتاق آرام النقا ولطالما

عراك لذكراها أسى ونحول

أما قد بدا شيب العذار وإنه

لعمري على قرب الرحيل دليل

أتخدعك الدنيا بريب غرورها

وأنت لثقل الحادثات حمول

وتستعب اللذات فيها وصفوها

قليل وأما خطبها فجليل

فإياك والدنيا الغرور فكم بها

لعمري عزيز صار وهو ذليل

أتاحت لآل المصطفى جمرة الردى

وليس لهم في العالمين مثيل

فهم بين مسجون قضى في حديده

وآخر مسموم وذاك قتيل

وأعظم شيء أورث القلب حسرة

ووجداً مدى الأيام ليس يزول

مصاب بأرض الطف قد جل خطبه

فكم قمر فيه عراه أفول

__________________

1 - عن مجموعة الشيخ لطف الله.

٢٤

غداة قضت من آل احمد عصبة

لدى الطف شبان لهم وكهول

أناخت بأرض الغاضريات بدنهم

لهم في ثراها مضجع ومقيل

قضوا ظمأ ما بردوا غلة الظما

وللوحش من ماء الفرات نهول

ومن بينهم ريحانة الطهر أحمد

عفير على حر التراب جديل

له جسد أودت به شفر الضبا

لقى ودم الأوداج منه يسيل

كست جسمه يوم الطفوف سنابك

بعثيرها في البيد وهي تجول

وحاكت له ريح الصبا بهبوبها

قميص رغام بالدماء غسيل

على لذة الأيام من بعده العفا

فما بعده الصبر الجميل جميل

لحى الله عينا تذخر الدمع بعده

ونفساً إلى قرب السلو تميل

فيا قلب ذب من شدة الوجد والأسى

ويا عين سحي فالمصاب جليل

بنات رسول الله تسبى حواسراً

لهن على فقد الحسين عويل

وتبرز من تلك الخدود لواغبا

وليس لها بعد الحسين كفيل

سوافر لا ستر يغطي رؤوسها

تنوح ودمع المقلتين همول

نوادب من وجد يكاد لنوحها

تذوب الرواسي حرقة وتزول

يسير بها في أعنف السير سائق

ويزجرها حاد هناك عجول

ينادين يا جداه بعدك أظهرت

علينا حقود جمة وذهول

وصالت علينا عصبة أموية

نغول نمتها بالسفاح نغول

أيا جد أضحى السبط ملقى على الثرى

تجر عليه للرياح ذيول

قضى ظمأ والماء جار ودونه

حدود سيوف لمع ونصول

وساقوا إمام العصر يا جد بينهم

أسيراً يقاسي الضر وهو عليل

أضر به السير الشديد وسورة

الحديد وقيد في اليدين ثقيل

أولي الوحي يا من حبهم لوليهم

أمان، وعن حر الجحيم مقيل

فإن لم تقيلوا نجلكم من ذنوبه

فليس اليه في النجاة سبيل

أيشقي ويبقى أحمد في ذنوبه

وأنتم ظلال للأنام ظليل

٢٥

الملا كاظم الأزري

المتوفى 1211

من روائعه في الإمام الحسين (ع):

إن كنت في سنة من غارة الزمن

فانظر لنفسك واستيقظ من الوسن

ليس الزمان بمأمون على أحد

هيهات أن تسكن الدنيا إلى سكن

لا تنفق النفس إلا في بلوغ مني

فبائع النفس فيها غير ذي غبن

ودع مصابحة الدنيا فليس بها

إلا مفارقة السكان للسكن

وكيف يحمد للدنيا صنيع يد

وغاية البشر فيها غاية الحزن

هي الليالي تراها غير خائنة

الا بكل كريم الطبع لم يخن

الا تذكرت اياما بها ظعنت

للفاطميين اظعان عن الوطن

ايام طل من المختار اي دم

وادميت اي عين من أبي حسن

أعزز بناصر دين الله منفردا

في مجمع من بني عبادة الوثن

يوصي الأحبة ان لا تقبضوا أبدا

إلا على الدين في سر وفي علن

وان جرى أحد الأقدار فاصطبروا

فالصبر في القدر الجاري من الفطن

ثم انثنى للأعادي لا يرى حكما

إلا الذي لم يدع رأسا على بدن

سقيا لهمته ما كان أكرمها

في سقي ماضي المواضي من دم هتن

وللظبى نغمات في رؤوسهم

كأنها الطير قد غنت على فنن

٢٦

يا جيرة الغي ان انكرتم شرفي

فإن واعية الهيجاء تعرفني

لا تفخروا بجنود لا عداد لها

ان الفخار بغير السيف لم يكن

ومذرقى نبر الهيجاء اسمعها

مواعظا من فروض الطعن والسنن

لله موعظة الخطي كم وقعت

من آل سفيان في قلب وفي اذن

كأن أسيافه اذ تستهل دماً

صفائح البرق حلت عقدة المزن

لله حملته لو صادفت فلكا

لخر هيكله الأعلى على الذقن

يفري الجيوش بسيف غير ذي ثقة

على النفوس ورمح غير مؤتمن

وعزمة في عرى الأقدار نافذة

لو لاقت الموت قادته بلا رسن

حق إذا لم تصب منه العدى غرضا

رموه بالنبل عن موتورة الضغن

فانقض عن مهره كالشمس عن فلك

فغاب صبح الهدى في الفاحم الدجن

قل للمقادير قد ابدعت حادثة

غريبة الشكل ما كانت ولم تكن

امثل شمر اذل الله جبهته

يلقى حسيناً بذاك الملتقى الخشن

واحسرة الدين والدنيا على قمر

يشكوا الخسوف من العسالة اللدن

يا سيدا كان بدء المكرمات به

والشمس تبدأ بالأعلى من القنن

من يكنز اليوم من علم ومن كرم

كنزا سواك عليه غير مؤتمن

هيهات إن الندى والعلم قد دفنا

ولا مزية بعد الروح للبدن

لقد هوت من نزار كل راسية

كانت لابنية الأمجاد كالركن

لله صخرة وادي الطف ما صدعت

إلا جواهر كانت حلية الزمن

خطب ترى العالم العلوي لان له

ما العذر للعالم السفلي لم يلن

من المعزي حمى الإسلام في ملك

من بعده حرم الإسلام لم يصن

يهينك يا كربلا وشي ظفرت به

من صنعة لامن لايمن صنعة اليمن

لله فخرك ما في جيدة عطل

ولا بمرآته الأدنى من الدرن

كم خر في تربك النوري بدر تقى

لولاه عاطلة الإسلام لم تزن

حي من الشوس معتاد وليدهم

على رضاع دم الأبطال لا اللبن

يجول في مشرق الدنيا ومغربها

نداهم جولان القرط في الأذن

٢٧

من مبلغ سوق ذاك اليوم ان به

جواهر القدس قد بيعت بلا ثمن

قل للمكارم موتي موت ذي ظمأ

فقد تبدل ذاك العذب بالأجن

لقد اطلت على الإسلام نائبة

كقتل هابيل كانت فتنة الفتن

أقول والنفس مرخاة ازمتها

يقودها الوجد من سهل إلى حزن

مهلا فقد قربت أوقاف منتظر

من عهد آدم منصور على الزمن

كشاف مظلمة خواض ملحمة

فياض مكرمة فكاك مرتهن

قرم يقلد حتى الوحش منته

وابن النجابة مطبوع على المنن

صباح مشرقها مصباح مغربها

مزيل محنتها من كل ممتحن

أغر لا يتجلى نور سؤدده

ألا بروض من الدين الحنيف جني

تسعى إلى المرتقى الأعلى به همم

لا تحتذي منه إلا قنة القنن

يسطو بسيفين من بأس ومن كرم

يستأصلان عروق البخل والجبن

يا من نجاة بني الدنيا بحبهم

كأنها البحر لم يركب بلا سفن

طوبى لحظ محبيكم لقد حصلوا

على نصيب بقرن الشمس مقترن

هل تزدري بي آثامي ولي وله

بكم إلى درجات العرش يرفعني

أرجوكم ورجاء الأكرمين عني

حياً وبعد اندراج الجسم في الكفن

يا من بقدرهم الاعلى علت مدحي

والدر يحسن منظوماً على الحسن

فها كم من شجي البال مغرمة

عذراء ترفل في ثوب من الشجن

جاءت تهادى من الأزري حالية

من اجتلى حسنها الفنان يفتتن

ثم الصلاة عليكم ما بدا قمر

فانجاب عنه حجاب الغارب الدجن

٢٨

الملا كاظم الازري

والمشهور بـ ملا كاظم بن محمد بن مهدي الأزري البغدادي يسكن بغداد ومدرسة النجف، صريحاً في الرأي قوي الحجة مهيباً في المطلع، وكان يتمتع بمكانة سامية في كافه الأوساط الأدبية، ولدى جميع الطبقات الشعبية، لم يكن في بغداد أشعر منه منذ نهاية العصر العباسي حتى عهده الذهبي وعاصر من العلماء الأعاظم: السيد مهدي بحر العلوم الطباطبائي، والشيخ جعفر كاشف الغطاء النجفي الكبير، واتصل بالبيوت الشريفة ونادمهم وتروى له نوادر كثيرة منها أن ابن الراوي قال له يوماً في إحدى.

الندوات الأدبية: بلغني عنك انك مجنون، فأجابه الأزري: وبلغني عنك انك مأفون، فان صدق الراوي ففي وفيك، وإن كذب الراوي فلعنة الله على الراوي. ومنها انه قدم النجف الأشرف فاجتمع عليه الأدباء والعلماء ومنهم السيد صادق الفحام واستنشدوه فأنشد من شعره فلم يوفه السيد جعفر حقه بالإستحسان والاجادة، وما زاد على كلمة: موزون - فأنشأ الأزري:

عرضت در نظامي عند من جهلوا

فضيعوا في ضلام الجهل موقعة

فلم أزل لائماً نفسي أعاتبها

من باع دراً على الفحام ضيعه

جاء لقب الأزري من جدهم وهو محمد بن مراد بن المهدي بن إبراهيم بن عبدالصمد بن علي التميمي البغدادي المتوفى في سنة 1162 وهو الذي لقب بالأزري لأنه كان يتعاطى بيع الأزر المنسوجة من القطن والصوف.

٢٩

وقد نبغ من هذه الأسرة في العلم والأدب عدد ليس بالقليل، وأول لامع منهم هو الشيخ كاظم، فالشيخ محمد رضا، فالشيخ يوسف الأول، فالشيخ مسعود، فالشيخ مهدي، فالمترجم له.

قال السيد الأمين في الأعيان ج 43 ص 101: بيت الأزري بيت أدب وعلم وثراء. ويظهر من ورقة الوقف المشهور الآن بوقف بيت الأزري وبعض الحجج الشرعية القديمة أن أسرة هذا البيت كانت تقطن بغداد منذ أكثر من ثلاثة قرون، اما ما قبل ذلك فلا يعلم عنها شيء. وقد اشتهر من بين أفرادها علمان هما الشيخ كاظم والشيخ محمد رضا.

(نشأة المترجم وحياته)

ولد الشيخ كاظم الازري في بغداد سنة 1143 على الأصح ولم تزل داره التي ولد فيها قائمة في محلة ( رأس القرية ) من بغداد وهي من جملة أوقاف والده التي وقفها عليه وعلى إخوته سنة 1159. وبقي في طفولته مقعداً سبع سنوات ثم مشى.

درس العلوم العربية ومقداراً غير قليل من الفقه والأصول على فضلاء عصره ولكنه ولع بالأدب وانقطع عن متابعة الدرس. وأخذ ينظم الشعر ولم يبلغ العشرين عاماً. كان سريع الخاطر حاضر النكتة وقاد الذهن قوي الذاكرة كما كان محترم الجانب لدى العلماء والوجهاء من أبناء عصره حتى ان السيد مهدي بحر العلوم كان يقدمه على كثيرين من العلماء لبراعته في المناظرة ولطول باعه في التفسير والحديث ولاطلاعه الواسع على التاريخ والسير، وكان قصير القامة مع سمنة فيه، لا يفارقه السلاح ليلاً ونهاراً خشية على نفسه من اعدائه. وفي

٣٠

سنة الف وماية ونيف وستين من الهجرة حج بيت الله الحرام. وله في حجه قصيدة مطلعها:

انخ المطي فقد وفدت على الحمى

والثم ثراه محييا ومسلما

ثم عظم بعدئذ اتصاله بالحاج سليمان بك الشاوي الحميري الذي كانت له الرئاسة المطلقة والكلمة النافذة في بغداد.

وكان الحاج سليمان بك يقدر فضله ويأنس بأدبه الجم ولم يزل يحمي جانبه ويدافع عنه إلى أن توفاه الله. وكانت وفاته حسب المشهور في سنة 1212 ودفن في مقبرة أسرته في الكاظمية غير أن الحجر الذي وجد في داخل السرداب يدل على أن تاريخ وفاته سنة 1201 والله أعلم(1) .

(ادبه وشعره)

استقبل الناس شعر الشيخ كاظم الأزري كفصل الربيع من السنة نسيمه المنعش وأزهاره العبقة. جاء بعد شتاء مجهد طويل لأنه جمع بين جزالة اللفظ وجمال الأسلوب ورصانة التركيب وحسن الديباجة. وفيه جاذبية، فالذي يقرأ قصيدة من شعره لا يتركها حتى ينتهي منها وفيه نشوة كالراح تدفع شاربها إلى المزيد منها ليزداد نشوة وسروراً. وأكثر الخبراء بالأدب يعدون الشيخ كاظم الأزري في طليعة شعراء العراق وذلك في بعض مناحيه الشعرية، ومن فحولهم

__________________

1 - قال الشيخ الطهراني في ( الذريعة ) قسم الديوان: كانت وفاة الشيخ كاظم الأزري 1 ج 1 سنة 1211 - والمدفون بالكاظمية تجاه المقبرة المنسوبة الى الشريف المرتضى، كما وجد بها على لوحة قبره.

أقول: المقبرة تسمى بمقبرة المرتضى نسبة الى ابراهيم المرتضى ابن الامام الكاظم (ع).

٣١

البارزين في المناحي الآخرى. ويصعب التمييز بين قصائده من ناحية السلاسة والطلاوة والرقة والانسجام وهو صاحب الهائية التي تنوف على أكثر من خمسمائة بيت ويعرفها الناس بقرآن الشعر وبالملحمة الكبرى وهذه القصيدة الفذة في بابها هي صدى نفسه الكبيرة الخصب الممرع طبعت على حدة مع تخميسها للشيخ جابر الكاظمي(1) . أما ديوانه فقد عني السيد رشيد السعدي بطبعة سنة 1320. وتلاقفته الأيدي بوقته ولا زال الناس يتطلبونه ويستنسخونه. على أن الديوان لم يستوعب شعره كله بل لايزال عند بعض الحريصين على الأدب قسم منه غير مطبوع. وفي تتمة أمل الآمل: كان فاضلاً متكلماً حكيماً أديباً شاعراً مفلقاً تقدم على جميع شعراء عصره وقال في « التتمة » عن القصيدة الهائية: كانت تزيد على ألف بيت أكلت الأرضة جملة منها كانت النسخة موضوعة في دولاب خوفاً عليها ولما أخرجوها وجدوا جملة منها قد تلف فقدموها إلى السيد صدر الدين العاملي فأخرج منها هذا الموجود اليوم الذي خمسه الشيخ جابر.

وإليك نبذة صغيرة من شعره الذي أصبح يدور على الألسن كالأمثال السائرة: منها قوله:

وما أسفي على الدنيا ولكن

على ابل حداها غير حاد

وقوله:

وقد تأتي الخديعة من صديق

كما تأتي النصيحة من معاد

__________________

1 - قال الشيخ محمد محرز الدين في ( معارف الرجال ) جاء في هدية الأحباب، عن شيخ الفقهاء صاحب كتاب ( جواهر الكلام ) انه كان يتمنى أن تكون القصيدة الأزرية في صحيفة أعماله، وكتاب الجواهر في صحيفة أعمال الأزري.

٣٢

وقوله:

إن من كان همه في المعالي

هجر الظل واستظل الهجيرا

وقوله:

لا تعجبا لفساد كل صحيحة

فالناس في زمن كجلد الأجرب

وقوله:

لا تنوحي إلا علي لديهم

ما على كل من يموت يناح

وقوله:

ولسوف يدرك كل باغ بغيه

المرء ينسى والزمان يؤرخ

وقوله:

ذريتي أذق حر الزمان وبرده

فلا خير فيمن عاقة الحر والبرد

وقوله:

فتيقظ إذا رأيت عيون

الحظ يقظى ونم إذا الحظ ناما

وقوله:

ولو كان في الجبن استراحة أهله

لما سهرت عين القطا وغفى الرند

أما ملحمته الشهيرة التي استهلها بقوله:

لمن الشمس في قباب قباها

شف جسم الدجى بروح ضياها

فقد تضمنت كثيراً من الأمثال والروائع وهي من أروع ما قيل في مدح الرسول الأعظم وعترته الطيبين وهي على جانب كبير من الجزالة والبلاغة وقوة

٣٣

الاحتجاج وقد طبعت غير مرة مع تخميسها، بالحروف الحجرية أولاً ثم أعيدت مرة بعد مرة.

أقول وان والديوان المشار إليه فيه اغلاط كثيرة وجملة من الأشعار منسوبة له ولم تصح هذه النسبة كالبيتين الواردتين في ديوانه - حرف الراء ص 125.

قالوا حبيبك ملسوع فقلت لهم

من عقرب الصدغ أم من حية الشعر

قالوا بلى من أفاعي الأرض قلت لهم

فكيف ترقى أفاعي الأرض للقمر

وقد أثبتهما الحافظ الدميري في ( حياة الحيوان ) قبل أن يولد الأزري بقرون وذلك في مادة ( العقرب ) ولا يخفى ان وفاة الدميري كانت لسنة 808 ولم يذكر الدميري صاحبهما بل جاء بهما على سبيل الاستشهاد فقال:

وإليك جملة من روائع الأزري في الإمام الحسين (ع):

هي المعالم ابلتها يد الغير

وصارم الدهر لا ينفك ذا أثر

يا سعد دع عنك دعوى الحب ناحية

وخلني وسؤال الارسم الدثر

أين الأولى كان اشراق الزمان بهم

اشراق ناحية الآكام بالزهر

جار الزمان عليهم غير مكترث

وأي حر عليه الدهر لم يجر

وكم تلاعب بالأمجاد حادثة

كما تلاعبت الغلمان بالأكر

لا حبذا فلك دارت دوائره

على الكرام فلم تترك ولم تذر

وان ينل منك مقدار فلا عجب

هل ابن آدم الا عرضة الخطر

وكيف تأمن من مكر الزمان يدا

خانت بآل علي خيرة الخير

أفدي القروم الأولى سارت ركائبهم

والموت خلفهم يسري على الأثر

ما أبرقت في الوغى يوماً سيوفهم

إلا وفاض سحاب الهام بالمطر

يسطو بكل هلال كل بدر دجى

بجنح ليل من الهيجاء معتكر

هم الاسود ولكن الوغى اجم

ولا مخالب غير البيض والسمر

٣٤

ثاروا ولولا قضاء الله يمسكهم

لم يتركوا لبني سفيان من أثر

أبدوا وقائع تنسي ذكر غيرهم

والوخز بالسمر ينسي الوخز بالأبر

غر المفارق والأخلاق قد رفلوا

من المحامد في أسنى من الحبر

لله من في فيافي كربلاء ثووا

وعندهم علم ما يجري من القدر

سل كربلا كم حوت منهم بدور دجى

كأنها فلك للأنجم الزهر

لم أنس حامية الاسلام منفردا

صفر الأنامل من حام ومنتصر

رأى قنا الدين من بعد استقامتها

مغموزة وعليها صدع منكسر

فقام يجمع شملا غير مجتمع

منها ويجبر كسراً غير منجبر

لم انسه وهو خواض عجاجتها

يشق بالسيف منها سورة السور

كم طعنة تتلظى من أنامله

كالبرق يقدح من عود الحيا النضر

وضربة تتجلى من بوارقه

كالشمس طالعة من جانبي نهر

وواحد الدهر قد نابته واحدة

من النوائب كانت عبرة العبر

من آل أحمد لم تترك سوابقه

في كل آونة فخراً لمفتخر

اذا نضى بردة التشكيل عنه تجد

لاهوت قدس تردى هيكل البشر

ما مسه الخطب الا مس مختبر

فما رأى منه إلا اشرف الخبر

فأقبل النصر يسعى نحوه عجلا

مسعى غلام إلى مولاه مبتدر

فأصدر النصر لم يطمع بمورده

فعاد حيران بين الورد والصدر

يا من تساق المنايا طوع راحته

موقوفة بين قوليه خذي وذري

لله رمحك اذ ناجى نفوسهم

بصادق الطعن دون الكاذب الأشر

يا ابن النبيين ما للعلم من وطن

الا لديك وما للحلم من وطر

يا نيرا راق مرآه ومخبره

فكان للدهر ملء السمع والبصر

لاقاك منفرداً أقصى جموعهم

فكنت أقدر من ليث على حمر

صالوا وصلت ولكن أين منك هم

ألنقش في الرمل غير النقش في الحجر

لم تدع آجالهم إلا وكان لهم

جواب مصغ لأمر السيف مؤتمر

حتى دعتك من الأقدار أشرفها

إلى جوار عزيز الملك مقتدر

٣٥

فكنت أسرع من لبى لدعوته

حاشاك من فشل فيها ومن خور

إن يقتلوك فلا عن فقد معرفة

الشمس معروفة بالعين والأثر

لم يطلبوك بثار أنت صاحبه

ثار لعمرك لو لا الله لم يثر

أي المحاجر لا تبكي عليك دما

ابكيت والله حتى محجر الحجر

لهفي لرأسك والخطار يرفعه

قسرا فيطرق رأس المجد والخطر

قد كنت في مشرق الدنيا ومغربها

كالحمد لم تغن عنها سائر السور

ما انصفتك الظبى يا شمس دارتها

إذ قابلتك بوجه غير مستتر

ولا رعتك القنا يا ليث غابتها

إذ لم تذب لحياء منك أو حذر

كم خضت فيها بيوم الروع معمعة

ينبو بها غرب حد الصارم الذكر

فعاد خصمك والخذلان يتبعه

وعدت ترفل في برد من الظفر

اين الظبي والقنا مما خصصت به

لولا سهام اراشتها يد القدر

أما درى الدهر مذوافاك مقتنصاً

بأن طائره لولاك لم يطر

يا صفقة(1) الدين لم تنفق بضاعتها(2)

في كربلاء ولم تربح سوى الضرر

وموسما للوغى في كربلاء جرى

ببيعة فاز فيها كل متجر

أنظر إلى الدهر قد شلت أنامله

والعلم ذو مقلة مكفوفة البصر

وأصبحت عرصات العلم دارسة

كأنها الشجر الخالي من الثمر

يادهر حسبك ما أبديت من غير(3)

أين الأسود أسود الله من مضر

أمسى الهدى والندى يستصر خان لهم(4)

والقوم لم يصبحوا إلا على سفر

يا دهر مالك ترمي كل ذي خطر

عن المناكب بعد العز في الحفر

جررت آل علي في القيود فهل

للقوم عندك ذنب غير مغتفر

تركت كل كمي من ليوثهم

فرائساً(5) بين ناب الكلب والظفر

__________________

1 - واصفقة خ ل

2 - بضاعته خ ل.

3 - عبر خ ل.

4 - بهم خ ل.

5 - فريسة خ ل.

٣٦

أما ترى علم الاسلام بعدهم

والكفر ما بين مطوي ومنتشر

من ذاكر لبنات المصطفى مقلا

قد ولكتها يد الضراء بالسهر

وكيف أسلو لآل الله أفئدة

يعار منها جناح الطائر الذعر

هذى نجائب للهادي تقلقلها

ايدي النجائب من بدو ومن حضر

وهذه حرمات الله تهتكها

خزر الحواجب هتك النوب والخزر

لم انس من عترة الهادي جحاجحة

يسقون من كدر يكسون من عفر

قد غير الطعن منهم كل جارحة

الا المكارم في أمن من الغير

هم الأشاوس تمضي كل آونة

وذكرهم غرة في جبهة السير

من المعزي نبي الله في ملأ

كانوا بمنزلة الأرواح للصور

أن يتركوا زينة الدنيا فانهم

من حضرة الملك الأعلى على سرر

وان أبوا لذة الأولى مكدرة

فقد صفت لهم الأخرى من الكدر

انى تصيب الليالي بعدهم غرضاً

والقوس خالية من ذلك الوتر

بني أمية لا تسري الظنون بكم

فان للثأر ليثا من بني مضر

سيفا من الله لم تفلل مضاربه

يبري الذي هو من دين الإله بري

كم حرمة هتكت فيكم لفاطمة

وكم دم عندكم للمصطفى هدر

أين المفر بني سفيان من أسد

لو صاح بالفلك الدوار لم يدر

مؤيد العز يستسقى الرشاد به

انواء عز بلطف الله منهمر

وينزل الملأ الأعلى لخدمته

موصولة زمر الأملاك بالزمر

يا غاية الدين والدنيا وبدءهما

وعصمة النفر العاصين من سقر

ليست مصيبتكم هذي التي وردت

كدراء أول مشروب لكم كدر

لقد صبرتم على أمثالها كرماً

والله غير مضيع أجر مصطبر

فهاكم يا غياث الله مرثية

من عبد عبدكم المعروف بالأزري

يرجو الاغاثة منكم يوم محشره

وأنتم خير مدخور لمدخر

سمي كاظمكم اهدى لكم مدحاً

اصفى من الدر بل أنقى من الدرر

حييتم بصلاة الله ما حييت

يذكركم صفحات الصحف والزبر

٣٧

السيد سليمان الكبير

سرت تطوي الوهاد إلى الروابي

ولا تهوى الهشيم ولا الجوابي

نفور من بنات العيس تفري

مهامه دونها شيب الغراب

تعير الريح اخفاقاً خفاقاً

وتغني بالسراب عن الشراب

تريك الجيد قائمة فتلقى

على خمس تسير من الهباب

تلوح على الربي نسراً وتهوي

هوي المصلتات إلى الرقاب

تمر على الحزون كومض برق

تألق بين مركوم السحاب

تخال ذميلها في السهل سرباً

من الكدري فر من العقاب

وإن وخدت بجرعاء وتلع

تلوت بينها مثل الحباب

تسيح على الفيافي القفر تطوي

مفاوز عاريات من ذئاب

تراها إن حدوت لها ظليماً

تذعر بين هاتيك الشعاب

تعير الريم لفتتها وتضوي

بأعضاد من التبر المذاب

فإن تشنق لها خرمت أو أن

لها أسلست تهوى في العذاب

فدعها والمسير فحيث تهوى

طلاب دونه أعلى الطلاب

إلى ظل الإله وسر قدس

تلألأ من ذرى أعلى الحجاب

إلى البطل الكمي وبحر جود

سواحله الندى دون العباب

إلى علم الهدى ومنار فضل

إلى بحر الندى فصل الخطاب

٣٨

إلى نور العلي ومن لديه

علي وهو في أم الكتاب

صراط مسقيم بل حكيم

بأمر الله في يوم الحساب

قسيم النار والجنات بين

الخلائق كلها يوم المئاب

إلى من قال فيه الله بلغ

لأحمد بعد تعظيم العتاب

وإلا لم تكن بلغت عني

ولم تك سامعاً فيه جوابي

فقام له بها بغدير خم

خطيباً معلناً صوت الخطاب

ألا من كنت مولاه فهذا

له مولى ينوب بكم منابي

فوالي من يواليه وعادي

معاديه ومن لعداه صابي

بأمر الله قوموا بايعوه

على نهج الهداية والصواب

فبايعه الجميع وما تأنى

شريف أو دني أو صحابي

فمنهم مؤمن سراً وجهراً

ومنهم من ينافق في ارتياب

ومنهم من أبى ويقول جهراً

نبيكم بها أضحى يحابي

فلما كذبوا المختار فيها

هوى النجمان يا لك من عجاب

فبرهانان ذانك من إلهي

لحيدرة فأيهما المحابي

أمن في داره أمسى منيراً

أم الهاوي لتعجيل العذاب

ومن أفق السما قد خر نجم

على الشيطان يهوي كالشهاب

لذلك أنزل الرحمن فيه

لسورة سائل سوء العذاب

له الآيات في الآيات تتلى

بمحكمها وتأويل الصواب

كيوم أكمل الإسلام فيه

ونعمته تتم بلا ذهاب

معاجز حارت الأوهام فيها

فلا تحصى بعد أو حساب

وأن المصطفى للعلم دار

وحيدر سورها بل خير باب

وكلهم أحمداً جمل وضب

وخاطب حيدراً خرس الذياب

وثعباناً وليثاً ثم موتى

رماماً قد بلوا تحت التراب

وشق البدر للهادي وردت

ذكاء للوصي المستطاب

٣٩

حسام الله خافض كل رفع

من الاشراك من بعد انتصاب

صفاتك معجزات معجزات

ذوي الألباب توقع في ارتياب

متى راموا حقايقها يضلوا

عن التوحيد في تيه التصابي

وان يجهلها أبداً ضلالاً

عن الاسلام بل أي انقلاب

ألا يامحنة الألباب أنى

بحدك ذو ذكاء فيك صابي

فيالك محنة للخلق عظمى

ورحمتها ويالك من عذاب

وصاعقة على الأبطال تهوي

من الآفاق طوراً كالعقاب

وطوراً تحصب الفرسان حصباً

مبيراً في الذهاب وفي الإياب

بذلت لأحمد نفساً تسامت

وحزت ببذلها كل الثواب

جزاك الله عنه كل خير

أبا الحسنين من حصن مهاب

أبا الحسنين يانعم المنادى

إذا دهم المصاب على المصاب

يعز عليك لو تلقى حسيناً

رميلاً فوقه يجثو الضبابي

قتيلاً ظامياً والماء أضحى

مباحاً للذئاب وللكلاب

غسيلاً بالدماء لقاً جريحاً

على الرمضاء ووايلاه كابي

ولو شاهدت يا مولاي لما

دهى نسوانه هول المصاب

برزن من الخيام مهتكات

نوادب بعد صون واحتجاب

تخال نساءه لما تبدت

شموساً قد برزن من الحجاب

وكل نادب واعظم كربي

وواذلاه واطول اكتئابي

ثواكل لا تجف لها دموع

محسرة على حسر الركاب

فذي تنعى عليه بلا قناع

وذي تبكي عليه بلا نقاب

وهذي نادب واطول حزني

ووجدي باحتراق وانتحاب

سبايا بين شر الناس تسري

على قتب مسلبة الثياب

بنات محمد أضحت أسارى

حيارى بعد سبي واستلاب

٤٠

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

بحثان

١ ـ الإجابة على بعض الأسئلة المهمة :

تثار هنا أسئلة كثيرة دأب المفسّرون منذ زمن قديم حتى يومنا هذا بالإجابة على هذه الأسئلة!

ومن هذه الأسئلة ، الأسئلة الثلاثة التالية حول قوله تعالى لنبيّه : ليغفر لك الله ما تقدّم من ذنبك وما تأخّر!.

١ ـ ما المراد من العبارة الآنفة( لِيَغْفِرَ لَكَ اللهُ ) مع أنّ النّبي معصوم من الذنب؟!

٢ ـ وعلى فرض أن نغض النظر عن هذا الإشكال! فما علاقة المغفرة بالفتح وصلح الحديبية؟!

٣ ـ وإذا كان المقصود من قوله تعالى «وما تأخّر» هو الذنوب المستقبلية! فكيف يمكن أن تكون الذنوب الآتية تحت دائرة العفو والمغفرة. أليس مثل هذا التعبير ترخيصا لارتكاب الذنب؟!

وقد أجاب كلّ من المفسّرين بنحو خاص على مثل هذه الإشكالات ، ولكن للحصول على الإجابة «الجامعة» لهذه الإشكالات والتّفسير الدقيق لهذه الآيات لا بدّ من ذكر مقدمة لهذا البحث وهي :

إنّ المهم هو العثور على العلاقة الخفيّة بين فتح الحديبيّة ومغفرة الذنب لأنّها المفتاح الأصيل للإجابة على الأسئلة الثّلاثة المتقدّمة!

وبالتدقيق في الحوادث التاريخية وما تمخّضت عنه نصل إلى هذه النتيجة ، وهي أنّه حين يظهر أيّ مذهب حق ويبرز في عالم الوجود فإنّ أصحاب السنن الخرافية الذين يرون أنفسهم ووجودهم في خطر يكيلون التهم والأمور التافهة إليه ويشيعون الشائعات والأباطيل وينشرون الأراجيف الكاذبة بصدده وينسبون إليه الذنوب العديدة وينتظرون عاقبته وإلى أين ستصل؟!

فإذا واجه هذا المذهب في مسيره الاندحار فإنّ ذلك يكون ذريعة قوية

٤٢١

لإثبات النسب الباطلة ضدّه على أيدي أعدائه ويصرخون : ألم نقل كذا وكذا!!

ولكن حين ينال الانتصار وتحظى مناهجه وخططه بالموفقية فإنّ تلك النسب تمضي كما لو كانوا قد رقموا على الماء!! وتتبدّل جميع أقوالهم إلى حسرات وندامة ويقولون عندئذ لم نكن نعلم!

وخاصّة في شأن النّبي محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كانت هذه التصوّرات والذنوب التي وصموها به كثيرة!! إذ عدّوه باغيا للحرب والقتال ومثيرا لنار الفتنة معتدا بنفسه لا يقبل التفاهم وما إلى ذلك!

وقد كشف صلح الحديبيّة أنّ مذهبه على خلاف ما يزعمه أعداؤه إذ كان مذهبا «تقدّميا» إلهيا وكان آيات قرآنه ضامنة لتربية النفوس الإنسانية وطاوية لصحائف الظلم والاضطهاد والحرب والنزيف الدموي!.

فهو يحترم كعبة الله وبيته العتيق ولا يهاجم أية جماعة أو قبيلة دون سبب ، فهو رجل منطقيّ ويعشقه اتباعه ، ويدعو جميع الناس بحقّ إلى محبوبهم «الله» وإذا لم يضطره أعداؤه إلى الحرب فهو داعية للسلام والصلح والدعة!

وعلى هذا فقد غسل صلح الحديبيّة جميع الذنوب التي كانت قبل الهجرة وبعد الهجرة قد نسبت إلى النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أو جميع الذنوب التي نسبت إليه قبل هذا الحادث أو ستنسب إليه في المستقبل احتمالا وحيث أنّ الله جعل هذا الفتح نصيب النّبي فيمكن أن يقال أن الله غفر للنبي ذنوبه جميعا.

والنتيجة أنّ هذه الذنوب لم تكون ذنوبا حقيقية أو واقعية بل كانت ذنوبا تصورية وفي أفكار الناس وظنّهم فحسب ، وكما نقرأ في الآية (١٤) من سورة الشعراء في قصة موسى قوله مخاطبا ربّه( وَلَهُمْ عَلَيَّ ذَنْبٌ فَأَخافُ أَنْ يَقْتُلُونِ ) في حين أنّ ذنبه لم يكن سوى نصرة المظلوم من بني إسرائيل وسحق ظلم الفراعنة لا غير!.

وبديهي أنّ هذا الفعل لا يعدّ ذنبا ، بل دفاع عن المظلومين ولكنّه كان يعدّ ذنبا

٤٢٢

في نظر الفراعنة وأتباعهم.

وبتعبير آخر أنّ «الذنب» في اللغة يعني الآثار السيئة والتبعات التي تنتج عن العمل غير المطلوب ، فكان ظهور الإسلام في البداية تدميرا لحياة المشركين ، غير أنّ انتصاراته المتلاحقة والمتتابعة كانت سببا لنسيان تلك التبعات.

فمثلا لو كان لدينا بيت قديم يوشك على الخراب ولكنّنا نلتجئ إليه ولنا به علاقة وطيدة فقام أحد الناس بتخريبه فإنّنا نغضب منه ونخطّئه على فعله ولكنّه بعد بنائه من جديد محكما سامقا فإنّ أحكامنا السابقة تمضي أدراج الرياح!

وهكذا بالنسبة لمشركي مكّة سواء قبل هجرة النّبي أم بعدها إذ كانت أفكارهم وأذهانهم مبلبلة عن الإسلام وشخص النّبي بالذات ، غير أنّ انتصارات الإسلام أزالت هذه التصورات والأفكار!

أجل : لو أخذنا مسألة العلاقة بين مغفرة هذه الذنوب وفتح الحديبيّة بنظر الاعتبار لا تضح الموضوع بجلاء ، واستفدنا العلاقة من «اللام» في «ليغفر لك الله» في كونها مفتاح «الرمز» لفتح معنى الآية المغلق!

غير أنّ من لم يلتفت إلى هذه «اللطيفة» جعل عصمة النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم موضع استفهام وقال : «والعياذ بالله» أنّ لديه ذنوبا غفرها الله بفتح «الحديبية» أو حمل الآية على خلاف ظاهر معناها وأنّ المراد (الذنوب عامّة).

وقال بعضهم : بل هي ذنوب الناس التي ارتكبوها في حقّ النّبي كأذاهم والإساءة إليه وقد غفرها الله بفتح «الحديبية» [وفي هذه الصورة يكون الذنب قد أضيف إلى مفعوله معنى لا إلى فاعله].

أو حملوا الذنب على [ترك الأولى].

وبعضهم فسّر ذلك بالفرض فقال : ليغفر لك الذنب الذي لو كنت عملته فرضا أو ستعمله فقد غفر الله كلّ ذلك لك!.

لكن من المعلوم أنّ كلّ هذه التفاسير لا تتجاوز التكلّف والتمحّل ودون أي

٤٢٣

دليل! إذ لو خدشنا في عصمة الأنبياء لأنكرنا فلسفة وجودهم ، لأنّ النّبي ينبغي أن يكون قدوة في كلّ شيء ، فكيف يمكن المذنب أن يفي بهذا المنهج ويؤدّي حقّه؟!

زد على ذلك ، فالمذنب بنفسه يحتاج إلى قائد يرشده ويدلّه ليهتدي به.

وهناك تفاسير أخرى تخالف ظاهر الآية ، والإشكال المهم فيها أنّها تقطع العلاقة ما بين مغفرة الذنب والفتح «صلح الحديبية».

فأحسن التفاسير هو ما ذكرناه آنفا ، وهو ما يجيب على الأسئلة الثلاثة المتقدّمة في مكان واحد! ويبيّن ارتباط الجمل في الآية

كل ذلك هو في شأن الموهبة الأولى من المواهب الأربعة التي وهبها الله نبيّه في صلح الحديبية!.

أمّا «إتمام النعمة» على النّبي وهدايته إيّاه الصراط المستقيم ونصره النصر العزيز بعد الفتح في الحديبيّة فليست هذه الأمور ممّا تخفى على أحد فقد انتشر الإسلام بسرعة وسخّر القلوب المهيّأة! وظهرت عظمة تعليماته للجميع وأبطل السموم (المضادّة) وتمّت نعمة الله على النّبي وعلى المسلمين وهداهم الصراط المستقيم نحو الانتصارات حتى أنّ جيش الإسلام لم يجد أية مقاومة في فتح مكّة وفتح أكبر حصن للمشركين!.

٢ ـ المراد من «ما تقدّم» و «ما تأخّر»

قرأنا في الآية السابقة قوله تعالى :( لِيَغْفِرَ لَكَ اللهُ ما تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَما تَأَخَّرَ ) فما المراد من هذا النص «ما تقدّم وما تأخّر» اختلف المفسّرون في بيان الآية :

فقال بعضهم : المراد بما تقدّم هو عصيان آدم وحواء وترك الأولى من قبلهما ، أمّا المراد بما تأخّر فهو ذنوب أمّة محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .

وقال بعضهم : «ما تقدّم» إشارة إلى المسائل المتعلّقة بما قبل النبوة ، و «ما

٤٢٤

تأخّر» إشارة إلى المسائل المتعلّقة بما بعدها

وقال بعضهم : المراد بما تقدّم هو ما تقدّم على صلح الحديبية ، وما تأخّر أي ما تأخّر عنها من أمور وحوادث!.

ولكن مع ملاحظة التّفسير الذي أوضحناه في أصل معنى الآية وخاصة العلاقة بين مغفرة الذنب مع مسألة فتح الحديبية ، يبدو بجلاء أنّ المراد هو التهم الباطلة التي وصمها المشركون ـ بزعمهم ـ بالنّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في ما سبق وما لحق ولو لم يتحقّق هذا النصر العظيم لكانوا يتصوّرون أنّ جميع هذه الذنوب قطعية

غير أنّ هذا الانتصار الذي تحقّق للنبي طوى جميع الأباطيل والتهم (المتقدّمة) في حقّ النّبي وما سيتّهم به في المستقبل في حال عدم انتصاره!.

والشاهد الآخر على هذا التّفسير هو الحديث المنقول عن الإمام الرضا علي بن موسىعليهما‌السلام إذ سأله المأمون عن تفسير هذه الآية فقال : «لم يكن أحد عند مشركي أهل مكّة أعظم ذنبا من رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لأنّهم كانوا يعبدون من دون الله ثلاثمائة وثلاثين صنما فلمّا جاءهم بالدعوة إلى كلمة الإخلاص «التوحيد» كبر ذلك عليهم وقالوا : أجعل الآلهة إلها واحدا إنّ هذا لشيء عجاب إلى أن قالوا ما سمعنا بهذا في الملّة الآخرة إن هذا إلّا اختلاق(١) .

فلمّا فتح الله تعالى على نبيّه مكّة قال الله تعالى :( إِنَّا فَتَحْنا لَكَ فَتْحاً مُبِيناً لِيَغْفِرَ لَكَ اللهُ ما تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَما تَأَخَّرَ ) عند مشركي أهل مكّة بدعائك إلى توحيد الله فيما تقدّم وما تأخّر لأنّ مشركي مكّة أسلم بعضهم وخرج بعضهم عن مكّة ومن بقي منهم لم يقدر على إنكار التوحيد عليه إذ دعا الناس إليه فصار ذنبه عندهم مغفورا بظهوره عليهم» فلمّا سمع المأمون كلام الرضا قال له : «أحسنت ، بارك الله فيك يا أبا الحسن».

* * *

__________________

(١) راجع في هذا الصدد سورة في الآية ٤ ـ ٧ وتفسير الصافي نقلا عن عيون الأخبار ـ وراجع نور الثقلين الجزء الخامس ، ص ٥٦.

٤٢٥

الآية

( هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ السَّكِينَةَ فِي قُلُوبِ الْمُؤْمِنِينَ لِيَزْدادُوا إِيماناً مَعَ إِيمانِهِمْ وَلِلَّهِ جُنُودُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَكانَ اللهُ عَلِيماً حَكِيماً (٤) )

التّفسير

نزول السكينة على قلوب المؤمنين :

ما قرأناه في الآيات السابقة هو ما أعطاه الله من مواهب عظيمة لنبيّ الإسلامصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بالفتح المبين «صلح الحديبية» ، أمّا في الآية أعلاه فالكلام عن الموهبة العظيمة التي تلطف الله بها على جميع المؤمنين إذ تقول الآية :

( هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ السَّكِينَةَ فِي قُلُوبِ الْمُؤْمِنِينَ لِيَزْدادُوا إِيماناً مَعَ إِيمانِهِمْ ) .

ولم لا تنزل السكينة والاطمئنان على قلوب المؤمنين؟( وَلِلَّهِ جُنُودُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَكانَ اللهُ عَلِيماً حَكِيماً ) .

ماذا كانت هذه السكينة؟!

من الضروري هنا أن نعود إلى قصة «صلح الحديبيّة» وأن نتصوّر أنفسنا في

٤٢٦

فضاء الحديبيّة وفي جوّها لنطّلع على عمق هذه الآية.

لقد كان النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قد رأى رؤيا «رحمانية وإلهية» أنّه دخل المسجد الحرام مع أصحابه ، وعلى أثر رؤياه تحرّك نحو زيارة بيت الله مع أصحابه وكان أغلب أصحابه يتوقّعون أنّ هذه الرؤيا الصالحة سيتحقّق تعبيرها في هذا السفر نفسه ، لكنّ الذي قدّره الله كان شيئا آخر! هذا كلّه من جانب.

ومن جانب آخر كان المسلمون قد أحرموا وجاءوا بالإبل ليهدوها أو ينحروها ، ولكنّهم وعلى خلاف ما توقّعوا لم يوفّقوا لزيارة بيت الله ، وأمر النّبي أن ينحروا الإبل في الحديبيّة التي توقّفوا فيها هناك. وأن يحلّوا من إحرامهم ، وكان ذلك أمرا صعبا عليهم ولا يمكن تصديقه ، لأنّ آدابهم وسننهم وتعليمات الإسلام أيضا تنصّ على عدم الخروج والإحلال من الإحرام ما لم يتمّ أداء المناسك الخاصة بالعمرة.

ومن جانب ثالث كان من مواد معاهدة الصلح في الحديبية ، مادة تقضي بإعادة المسلمين من يلجأ إليهم من قريش ويعلن إسلامه ويدخل المدينة! ولا يلزم العكس ، وكان هذا الموضوع صعبا على المسلمين للغاية.

ومن جانب رابع ، فإنّ قريشا لم ترغب أن تكتب كلمة «رسول الله» التي كان يدعى بها النّبي محمّد وأصرّ ممثلها سهيل بن عمرو على حذف الكلمة من معاهدة الصلح ، ولم يوافق حتى على كتابة بسم الله الرحمن الرحيم ، وأصرّ أن يكتب مكانها «بسمك اللهمّ» ، التي كانت تنسجم مع سنّة أهل مكّة ، فهذه الأمور كلّ واحد منها كان غير مرغوب فيه ، فكيف بجميعها؟ ولذلك تزلزلت قلوب بعض ضعاف الإيمان من أصحاب النّبي إلى درجة أنّه حين نزلت سورة( إِنَّا فَتَحْنا ) قالوا أي فتح هذا؟!

هنا ينبغي أن يشمل لطف الله حال المسلمين وأن ينزل عليهم السكينة والاطمئنان وأن لا يوجد في قلوبهم الضعف والفتور فحسب ، بل( لِيَزْدادُوا إِيماناً

٤٢٧

مَعَ إِيمانِهِمْ ) وتنطبق مصداقية الآية عليهم ، فإنّ الآية نزلت في مثل هذه الظروف.

«السكينة» في الأصل مشتقة من «السكون» ، ومعناها الاطمئنان والدعة وما يزيل كل أنواع الشك والتردّد والوحشة من الإنسان ويجعله ثابت القدم في طوفان الحوادث!

وهذه السكينة يمكن أن يكون لها جانب عقائدي فيزيل ضعف تزلزل العقيدة أو يكون لها جانب عملي بحيث يهب الإنسان ثبات القدم والمقاومة والاستقامة والصبر.

وبالطبع فإنّ البحوث السابقة وتعبيرات الآية نفسها تتناسب مع استعمال السكينة في معناها الأوّل أكثر.

في حين أنّها في الآية (٢٤٨) من سورة البقرة في قصة «طالوت وجالوت» تعوّل على الأسس العملية أكثر! وقد ذكر جماعة من المفسّرين معاني أخر للسكينة وترجع في نهايتها إلى هذا التّفسير أيضا.

الطريف أنّ «السكينة» في بعض الرّوايات فسّرت بالإيمان(١) كما فسّرت في بعضها بنسيم الجنّة الذي يبدو في هيئة الإنسان ويمنح المؤمنين الاطمئنان(٢) ! وكل هذه التفاسير تأييد لما قلناه ، لأنّ السكينة وليدة الإيمان ، وهي تهب الاطمئنان كنسيم الجنّة!

وينبغي الالتفات أيضا إلى هذه اللطيفة في شأن السكينة ، إذ عبّر عنها بالإنزال( هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ السَّكِينَةَ ) ونعلم أنّ هذا التعبير في القرآن قد يعني الخلق والإيجاد وإيلاء النعمة أحيانا وحيث أنّها من عال إلى دان فقد ورد في شأنها التعبير بالإنزال!.

* * *

__________________

(١) تفسير البرهان ، ج ٢ ، ص ١١٤.

(٢) المصدر السابق.

٤٢٨

ملاحظات

١ ـ السكينة التي لا نظير لها!

إذا لم يكن للإيمان أية ثمرة سوى مسألة السكينة لكان على الإنسان أن يتقبّله! فكيف به وهو يرى آثاره وثمراته وبركاته!.

والتحقيق في حال المؤمنين وحال غير المؤمنين يكشف هذه الحقيقة ، وهي أنّ الفئة الثّانية يعانون حالة الاضطراب والقلق الدائم ، في حين أنّ الجماعة الأولى في اطمئنان خاطر عديم النظير

وفي ظل الاطمئنان ، فإنّهم( لا يَخْشَوْنَ أَحَداً إِلَّا اللهَ ) (١) .

كما أنّهم في مواصلة نهجهم لا يؤثر اللوم والتهديد فيهم أبدا( وَلا يَخافُونَ لَوْمَةَ لائِمٍ ) (٢) .

وهم يتمسّكون بأصلين مهمّين في حفظ هذه السكينة ، وهما : عدم الحزن على ما فاتهم ، وعدم التعلّق والفرح بما لديهم ، فهم مصداق لقوله تعالى :( لِكَيْلا تَأْسَوْا عَلى ما فاتَكُمْ وَلا تَفْرَحُوا بِما آتاكُمْ ) (٣) .

وأخيرا فإنّهم لا يضعفوا أبدا أمام الشدائد ، ولا يركعوا مقابل الأعداء ويتحلّون بشعار( وَلا تَهِنُوا وَلا تَحْزَنُوا وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ ) (٤) .

إنّ المؤمن لا يرى نفسه وحيدا في ميدان الخطوب والحوادث بل يحسّ بيد الله على رأسه ويلمس إعانة الملائكة ونصرتهم له ، في حين أنّ غير المؤمنين يحكمهم الاضطراب في أحاديثهم وسلوكهم ولا سيما عند هبوب العواصف وطوفان الأحداث إذ يرى كلّ ذلك منهم بصورة بيّنة!

__________________

(١) الأحزاب ، الآية ٣٩.

(٢) المائدة ، الآية ٥٤.

(٣) الحديد ، الآية ٢٣.

(٤) آل عمران ، الآية ١٣٩.

٤٢٩

٢ ـ سلسلة مراتب الإيمان :

الإيمان ، سواء بمعنى العلم والمعرفة ، أم روح التسليم والإذعان للحق فإنّ له درجات وسلسلة مراتب ، لأنّ العلم له درجات ، والتسليم والإذعان لهما درجات مختلفة أيضا ، حتى العشق والحب الذي هو توأم الإيمان يتفاوت من حالة إلى أخرى!

فالآية محل البحث التي تقول :( لِيَزْدادُوا إِيماناً مَعَ إِيمانِهِمْ ) تأكيد على هذه الحقيقة أيضا وعلى هذا فلا ينبغي للمؤمن أن يتوقّف في مرحلة واحدة من مراحل الإيمان ، بل عليه أن يتسامى إلى درجاته العليا عن طريق بناء شخصيّته والعلم والعمل.

ففي حديث عن الإمام الصادق أنّه قال : «إنّ الإيمان عشر درجات بمنزلة السلم يصعد منه مرقاة بعد مرقاة»(١) .

كما نقرأ عنه حديثا آخر إذ قال : «إنّ اللهعزوجل وضع الإيمان على سبعة أسهم على البر والصدق واليقين والرضا والوفاء والعلم والحلم فمن جعل فيه السبعة الأسهم فهو كامل محتمل وقسّم لبعض الناس السهم والسهمين ولبعض الثلاثة حتى انتهوا إلى (ال) سبعة».

ثمّ يضيف الإمامعليه‌السلام : «لا تحملوا على صاحب السهم سهمين ولا على صاحب السهمين ثلاثة فتبهضوهم» ثمّ قال كذلك حتى انتهى إلى (ال) سبعة(٢) .

ومن هنا يتّضح ما نقل عن بعضهم أنّ الإيمان ليس فيه زيادة ولا نقصان لا أساس له ، لأنّه لا ينسجم مع الثوابت العلميّة ولا مع الرّوايات الإسلامية!.

__________________

(١) بحار الأنوار ، ج ٦٩ ، ص ١٦٥.

(٢) الكافي ، ج ٢ ، باب درجات الإيمان ، حديث ١.

٤٣٠

٣ ـ ركني السكينة :

قرأنا في ذيل الآية محل البحث جملتين ، كلّ منهما تمثّل ركنا من أركان «السكينة» والاطمئنان للمؤمنين.

فالأولى جملة( وَلِلَّهِ جُنُودُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ ) .

والأخرى جملة( وَكانَ اللهُ عَلِيماً حَكِيماً ) .

فالأولى تقول للإنسان : إذا كنت مع الله فإنّ جميع ما في الأرض والسماء معك!.

والأخرى تقول : إنّ الله يعلم حاجاتك ومشاكلك كما يعلم سعيك وطاعتك وعبادتك.

ومع الإيمان بهذين «الأصلين» كيف يمكن أن لا يحكم الاطمئنان وسكينة القلب وجود الإنسان!

* * *

٤٣١

الآيات

( لِيُدْخِلَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِناتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها وَيُكَفِّرَ عَنْهُمْ سَيِّئاتِهِمْ وَكانَ ذلِكَ عِنْدَ اللهِ فَوْزاً عَظِيماً (٥) وَيُعَذِّبَ الْمُنافِقِينَ وَالْمُنافِقاتِ وَالْمُشْرِكِينَ وَالْمُشْرِكاتِ الظَّانِّينَ بِاللهِ ظَنَّ السَّوْءِ عَلَيْهِمْ دائِرَةُ السَّوْءِ وَغَضِبَ اللهُ عَلَيْهِمْ وَلَعَنَهُمْ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَهَنَّمَ وَساءَتْ مَصِيراً (٦) وَلِلَّهِ جُنُودُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَكانَ اللهُ عَزِيزاً حَكِيماً (٧) )

التّفسير

نتيجة أخرى من الفتح المبين :

نقل جماعة من مفسّري الشيعة وأهل السنّة أنّه حين بشّر النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم «بالفتح المبين» و «إتمام النعمة» و «الهداية» و «النصرة» قال بعض المسلمين ممّن كان مستاء من صلح الحديبيّة : هنيئا لك يا رسول الله! لقد بيّن لك الله ماذا يفعل بك!

٤٣٢

فما ذا يفعل بنا فنزلت الآية( لِيُدْخِلَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِناتِ ) (١) .

وعلى كلّ حال ، فإنّ هذه الآيات تتحدّث عن علاقة صلح الحديبيّة وآثاره وردّ الفعل المختلف في أفكار الناس ونتائجه المثمرة ، وكذلك عاقبة كلّ من الفريقين اللذين امتحنا في هذه «البوتقة» والمختبر ـ فتقول الآية الأولى من هذه الآيات محل البحث( لِيُدْخِلَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِناتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها ) . فلا تسلب هذه النعمة الكبرى عنهم أبدا

وإضافة إلى ذلك فإنّ الله يعفو عنهم( وَيُكَفِّرَ عَنْهُمْ سَيِّئاتِهِمْ وَكانَ ذلِكَ عِنْدَ اللهِ فَوْزاً عَظِيماً ) (٢) .

وبهذا فإنّ الله قد وهب المؤمنين بإزاء ما وهب لنبيّه في فتحه المبين من المواهب الأربعة موهبتين عظميين هما «الجنّة خالدين فيها» و «التكفير عن سيّئاتهم» بالإضافة إلى إنزال السكينة على قلوبهم ومجموع هذه المواهب الثلاث يعدّ فوزا عظيما لأولئك الذين خرجوا من الامتحان بنجاح وسلامة!.

وكلمة «الفوز» التي توصف في القرآن غالبا بـ «العظيم» وأحيانا توصف بـ «المبين» أو «الكبير» بناء على ما يقول «الراغب» في «مفرداته» معناها الانتصار ونيل الخيرات المقرون بالسلامة ، وذلك في صورة ما لو كان فيه النجاة في الآخرة وإن اقترن مع زوال بعض المواهب الدنيوية.

وطبقا للرواية المعروفة عن أمير المؤمنين عليعليه‌السلام حين ضربه اللعين عبد الرحمن بن ملجم في محراب العبادة بالسيف على أمّ رأسه قال هاتفا «فزت وربّ الكعبة» وكأنّه يقول فزت بأنّي أمضيت ختم صحيفتي بدم رأسي.

__________________

(١) تفسير المراغي ، ج ٢٦ ، ص ٨٥ وتفسير أبو الفتوح الرازي ، ج ١٠ ، ص ٢٦ وتفسير روح المعاني للآلوسي ، ج ٢٦ ، ص ٨٦.

(٢) طبقا لهذا البيان فإنّ جملتي «ليدخل» وكذلك «ويعذّب» اللتين هما في الآية التالية معطوفان على جملة ليغفر ، وقد اختار جماعة من المفسّرين هذا الرأي كالشيخ الطوسي في «التبيان» والطبرسي في «مجمع البيان» وأبو الفتوح الرازي في تفسيره ، غير أنّ جماعة آخرين قالوا أنّ ما سبق آنفا معطوف على جملة ليزدادوا إيمانا وهذا لا ينسجم مع شأن النّزول ولا مجازاة الكفّار.

٤٣٣

أجل قد تبلغ الامتحانات الإلهية درجة أن تضعضع الإيمان الضعيف وتغيّر القلوب ، وإنّما يثبت المؤمنين الصادقون الذين تحلّوا بالسكينة والاطمئنان وسينعمون في يوم القيامة بنتائجه ، وذلك هو الفوز العظيم حقّا!.

غير أنّ إزاء هذه الجماعة ، جماعة المنافقين والمشركين الذين تتحدّث الآية التالية عن عاقبتهم بهذا الوصف فتقول :( وَيُعَذِّبَ الْمُنافِقِينَ وَالْمُنافِقاتِ وَالْمُشْرِكِينَ وَالْمُشْرِكاتِ الظَّانِّينَ بِاللهِ ظَنَّ السَّوْءِ ) .

أجل ، لقد ظنّ المنافقون حين تحرّك النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ومعه المؤمنون من المدينة أن لا يعودوا نحوها سالمين كما تتحدّث عنهم الآية (١٢) من هذه السورة ذاتها فتقول :( بَلْ ظَنَنْتُمْ أَنْ لَنْ يَنْقَلِبَ الرَّسُولُ وَالْمُؤْمِنُونَ إِلى أَهْلِيهِمْ أَبَداً ) .

كما ظنّ المشركون أيضا أنّ محمّدا لن يعود إلى المدينة سالما مع قلّة العدد والعدد وسيأفل كوكب الإسلام عاجلا ثمّ يفصل القرآن ببيان عذاب هؤلاء وعقابهم ويجعله تحت عناوين أربعة فيقول أوّلا :( عَلَيْهِمْ دائِرَةُ السَّوْءِ ) (١) .

«الدائرة» في اللغة هي الحوادث وما ينجم عنها أو ما يتّفق للإنسان في حياته ، فهي أعم من أن تكون حسنة أو سيئة غير أنّها هنا بقرينة كلمة «السوء» يراد منها الحوادث غير المطلوبة!.

وثانيا :( وَغَضِبَ اللهُ عَلَيْهِمْ ) .

وثالثا :( وَلَعَنَهُمْ ) .

ورابعا وأخيرا : فإنّه بالمرصاد( وَأَعَدَّ لَهُمْ جَهَنَّمَ وَساءَتْ مَصِيراً ) .

والذي يسترعي الانتباء أنّه في الحديبيّة كان أغلب الحاضرين من المسلمين رجالا ، وفي مقابلهم من المنافقين والمشركين رجالا أيضا ، غير أنّ الآيات الآنفة أشركت الرجال والنساء في ذلك الفوز العظيم ، وهذا العذاب الأليم ، وذلك لأنّ

__________________

(١) «سوء» على زنة «نوع» كما يقول صاحب صحاح اللغة فيه معنى مصدري ، والسوء) على وزن (نور) اسم مصدر ، غير أنّ صاحب الكشّاف يقول أنّ كليهما ، بمعنى واحد.

٤٣٤

الرجال المؤمنين أو المنافقين الذين يقاتلون في «ساحات القتال» لا يحقّقون أهدافهم إلّا أن تدعمهم النساء بالدعم اللازم.

وأساسا فإنّ الإسلام ليس دين الرجال فحسب فيهمل شخصيّة المرأة ، بل يهتمّ بها ، في كلّ موطن يوهم الكلام بالاقتصار على الرجل مع عدم ذكر المرأة فيه يصرّح بذكرها ليعلم أنّ الإسلام دين الجميع دون استثناء رجالا ونساء.

وفي آخر آية من الآيات محل البحث إشارة أخرى إلى عظمة قدرة الله فتقول الآية :( وَلِلَّهِ جُنُودُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَكانَ اللهُ عَزِيزاً حَكِيماً ) .

وقد ورد هذا التعبير مرّة في ذيل مقامات أهل الإيمان ومواهبهم ، ومرّة هنا في ذيل الآية التي تحكي عن عقاب المنافقين والمشركين ليتّضح أنّ الله الذي له جنود السماوات والأرض جميعا قادر على الأمرين ، فهو قادر أن تشمل رحمته مستحقيها من عباده الصالحين وناصريه ، كما أنّه قادر على أن ينزل غضبه وانتقامه نارا تحرق المجرمين.

وممّا يستلفت النظر أنّ القرآن حين يذكر المؤمنين يصف الله بالعلم والحكمة ، وهما يناسبان مقام الرحمة ، ولكنّه حين يذكر المنافقين والمشركين يصف الله بالعزة والحكمة ، وهما يناسبان العذاب!

ما المراد من «جنود السماوات والأرض»؟!

هذا التعبير له معنى واسع حيث يشمل الملائكة «وهي من جنود السماء» كما يشمل جنودا أخر كالصواعق والزلازل والطوفانات والسيول والأمواج والقوى الغيبية غير المرئية التي لا نعرف عنها شيئا لأنّ جميع هذه الأشياء هي جنود الله وهي مطيعة لأوامره!.

٤٣٥

من هم الظانّون بالله ظنّ السوء؟!

قد يكون سوء الظن تارة بالنفس ، وقد يكون سوء الظن بالآخرين ، كما قد يكون بالله ، وبهذا التقسيم وعلى منواله يكون «حسن الظن» أيضا.

أمّا سوء الظن بالنفس إذا لم يبلغ درجة الإفراط فهو سلّم إلى التكامل ويدفع الإنسان إلى التدقيق في أعماله والإخلاص فيها ، ويكون حاجزا عن العجب والغرور منه عند قيامه بالأعمال الصالحة.

وبهذا فإنّ الإمام علياعليه‌السلام يصف المتّقين في جوابه لهمّام قائلا : «فهم لأنفسهم متّهمون ، ومن أعمالهم مشفقون ، إذا زكّي أحد منهم خاف ممّا يقال له ، فيقول : أنا أعلم بنفسي من غيري وربّي أعلم بي منّي بنفسي ، اللهمّ لا تؤاخذني بما يقولون واجعلني أفضل ممّا يظنّون واغفر لي ما لا يعلمون»(١) .

وإذا كان سوء الظن بالناس فهو ممنوع إلّا أن يغلب الفساد في المجتمع حيث لا ينبغي هناك حسن الظن «وسيأتي بيان هذا الموضوع بإذن الله ذيل الآية ١٢ من سورة الحجرات».

أمّا سوء الظن بالله أي سوء الظن بوعده أو رحمته وكرمه الذي لا حدّ له فهو قبيح ومذموم ، وقد يدلّ على ضعف الإيمان وربّما دلّ على عدم الإيمان!

ويشير القرآن عدّة مرّات إلى سوء ظنّ ضعاف الإيمان أو عديمي الإيمان وخاصة عند بروز الحوادث الاجتماعية الصعبة وطوفان الابتلاء والامتحان ، وكيف أنّ المؤمنين يبقون ثابتي الأقدام عند هذه الحوادث وهم في كمال حسن الظن والاطمئنان بلطف الله ولكنّ ضعيفي الإيمان يطلقون لسان الشكوى ، كما كان ذلك في قصة الحديبيّة ، حيث إنّ المنافقين ومن على شاكلتهم أساءوا الظنّ ، وقالوا أنّ محمّدا وأصحابه يمضون في سفرهم هذا ولا يعودون بعده ، فكأنّهم نسوا وعود الله أو أنّهم اتهموها.

__________________

(١) نهج البلاغة.

٤٣٦

والنموذج الآخر ما حدث في ساحة يوم الأحزاب حين زلزل المسلمون زلزالا شديدا ووقعوا تحت التأثير والمحنة الصعبة فهناك ذمّ الله المسيئين الظنّ به فقال :( إِذْ جاؤُكُمْ مِنْ فَوْقِكُمْ وَمِنْ أَسْفَلَ مِنْكُمْ وَإِذْ زاغَتِ الْأَبْصارُ وَبَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَناجِرَ وَتَظُنُّونَ بِاللهِ الظُّنُونَا ، هُنالِكَ ابْتُلِيَ الْمُؤْمِنُونَ وَزُلْزِلُوا زِلْزالاً شَدِيداً ) (١) .

وقد عبّرت الآية (١٥٤) من سورة آل عمران عن مثل هذه الظنون بـ «ظنّ الجاهلية».

وعلى كلّ حال ، فطنّ حسن الظن بالله ورحمته ووعده وكرمه ولطفه وعنايته من علائم الإيمان المهمّة ومن الأسباب المؤثّرة في النجاة والسعادة!.

حتى أنّه ورد في بعض أحاديث الرّسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قوله : «ليس من عبد يظنّ بالله خيرا إلّا كان عند ظنّه به»(٢) .

كما ورد عن الإمام علي بن موسى الرضاعليه‌السلام أنّه قال : «أحسن بالله الظن فإنّ اللهعزوجل يقول أنا عند ظنّ عبدي المؤمن بي إن خير فخير وإن شر فشر»(٣) .

وأخيرا فقد ورد حديث آخر عن النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقول فيه : «إنّ حسن الظنّ باللهعزوجل ثمن الجنّة»(٤) !.

فأي قيمة أيسر من هذا وأيّ متاع أعظم قيمة منه!؟

* * *

__________________

(١) الأحزاب ، الآيتان ١٠ ـ ١١.

(٢) بحار الأنوار ، ج ٧٠ ، ص ٣٨٤.

(٣) بحار الأنوار ج ٧٠ ، ص ٣٨٥.

(٤) المصدر السابق.

٤٣٧

الآيات

( إِنَّا أَرْسَلْناكَ شاهِداً وَمُبَشِّراً وَنَذِيراً (٨) لِتُؤْمِنُوا بِاللهِ وَرَسُولِهِ وَتُعَزِّرُوهُ وَتُوَقِّرُوهُ وَتُسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلاً (٩) إِنَّ الَّذِينَ يُبايِعُونَكَ إِنَّما يُبايِعُونَ اللهَ يَدُ اللهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ فَمَنْ نَكَثَ فَإِنَّما يَنْكُثُ عَلى نَفْسِهِ وَمَنْ أَوْفى بِما عاهَدَ عَلَيْهُ اللهَ فَسَيُؤْتِيهِ أَجْراً عَظِيماً (١٠) )

التّفسير

مكانة النّبي وواجب الناس تجاهه!

قلنا إنّ بعض الجهلاء اعترضوا بشدّة على صلح الحديبيّة وحتى أنّ بعض تعبيراتهم لم تخل من عدم الاحترام بالنسبة إلى النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وكان مجموع هذه الأمور يستوجب أن يؤكّد القرآن مرّة أخرى على عظمة النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وجلالة قدره!.

لذلك فإنّ الآية الأولى من الآيات أعلاه تخاطب النّبي فتقول :( إِنَّا أَرْسَلْناكَ شاهِداً وَمُبَشِّراً وَنَذِيراً ) .

وهذه ثلاثة أوصاف بارزة هي من أهم ما يتمتّع به النّبي من صفات ومقام. كونه

٤٣٨

«شاهدا» و «مبشّرا» ، و «نذيرا».

«شاهدا» على جميع الأمّة الإسلامية ، بل هو شاهد على جميع الأمم كما نقرأ هذا التعبير في الآية (٤١) من سورة النساء( فَكَيْفَ إِذا جِئْنا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنا بِكَ عَلى هؤُلاءِ شَهِيداً ) .

ونقرأ في الآية (٥) من سورة التوبة قوله تعالى :( وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ ) .

وأساسا فإنّ لكلّ إنسان شهودا كثيرين!.

أولهم الله الذي هو عالم الغيب والشهادة المطّلع على جميع أعماله ونيّاته!.

ومن بعده الملائكة المأمورون بحفظ أعماله كما ورد التعبير في الآية (٢١) من سورة (ق)( وَجاءَتْ كُلُّ نَفْسٍ مَعَها سائِقٌ وَشَهِيدٌ ) .

ثمّ أعضاء بدن الإنسان وحتى جلده شاهد عليه( ... يَوْمَ تَشْهَدُ عَلَيْهِمْ أَلْسِنَتُهُمْ وَأَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ بِما كانُوا يَعْمَلُونَ ) (١) .

وجاء في الآية ٢١ من سورة فصلت في هذا الصدد أيضا :( وَقالُوا لِجُلُودِهِمْ لِمَ شَهِدْتُمْ عَلَيْنا قالُوا أَنْطَقَنَا اللهُ الَّذِي أَنْطَقَ كُلَّ شَيْءٍ ) .

و «الأرض» أيضا ، من زمرة الشهود وكما جاء في سورة الزلزلة( يَوْمَئِذٍ تُحَدِّثُ أَخْبارَها ) .

وطبقا لبعض الروايات فإنّ «الزمان» أحد الشهود أيضا ، إذ نقرأ في بعض أحاديث الإمام عليعليه‌السلام قوله : «ما من يوم يمرّ على بني آدم إلّا قال له ذلك اليوم أنا يوم جديد وأنا عليك شهيد فافعل فيّ خيرا واعمل فيّ خيرا ، اشهد لك يوم القيامة فإنّك لن تراني بعد هذا أبدا»(٢) ،(٣) .

__________________

(١) النور ، الآية ٢٤.

(٢) نور الثقلين ، ج ٥ ، ص ١١٢.

(٣) مرّ البحث عن الشهود في محكمة القيامة ذيل الآيات ٢٠ ـ ٢٢ من سورة فصلت.

٤٣٩

ولا شك أنّ شهادة الله وحدها كافية ، لكنّ تعدّد الشهود فيه إتمام للحجّة أكثر وله أثر تربويّ ـ أقوى ـ في الناس

وعلى كلّ حال فإنّ القرآن الكريم بيّن هذه الأوصاف الثلاثة وهي الشهادة والبشارة والإنذار التي هي من الأوصاف الأساسية للنبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لتكون مقدمة لما ورد في الآية التي بعدها.

وفي الآية التالية خمسة أوامر مهمّة ـ هي في الحقيقة بمثابة الهدف من سمات النبي المذكورة آنفا : وتشكل أمرين في طاعة الله وتسبيحه وتقديره ، وثلاثة أوامر منها في «طاعة» رسوله و «الدفاع عنه» و «تعظيم مقامه» ، إذ تقول الآية :( لِتُؤْمِنُوا بِاللهِ وَرَسُولِهِ وَتُعَزِّرُوهُ وَتُوَقِّرُوهُ وَتُسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلاً ) .

كلمة «تعزّروه» مشتقة من مادة تعزير ، وهو في الأصل يعني «المنع» ثمّ توسّعوا فيه فأطلق على كلّ دفاع ونصرة وإعانة للشخص في مقابل أعدائه كما يطلق على بعض العقوبات المانعة عن الذنب «التعزير» أيضا.

وكلمة «توقّروه» مشتقة من مادة توقير ، وجذورها «الوقر» ومعناها الثقل فيكون معنى التوقير هنا التعظيم والتكريم.

وطبقا لهذا التّفسير فإنّ الضميرين في «تعزّروه» و «توقّروه» يعودان على شخص النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم والهدف من ذلك هو الدفاع عنه بوجه أعدائه وتعظيمه واحترامه «وقد اختار هذا التّفسير الشيخ الطوسي في «التبيان» و «الطبرسي» في مجمع البيان وغيرهما أيضا».

غير أنّ جماعة من المفسّرين(١) ذهبوا إلى أنّ جميع الضمائر في الآية تعود على الله ، والمراد بالتعزيز والتوقير هنا نصرة دين الله وتعظيمه وتكريمه دينه ودليلهم على هذا التّفسير انسجام جميع الضمائر بعضها مع بعض.

__________________

(١) منهم الزمخشري في «الكشاف» والآلوسي في «روح المعاني» و «الفيض الكاشاني» في تفسير الصافي و «العلّامة الطباطبائي في الميزان».

٤٤٠

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

461

462

463

464

465

466

467

468

469

470

471

472

473

474

475

476

477

478

479

480

481

482

483

484

485

486

487

488

489

490

491

492

493

494

495

496

497

498

499

500

501

502

503

504

505

506

507

508

509

510

511

512

513

514

515

516

517

518

519

520

521

522

523

524

525

526

527

528

529

530

531

532

533

534

535

536

537

538

539

540

541

542

543

544

545

546

547

548

549

550

551

552

553

554

555

556

557

558

559

560

561

562

563

564

565

566

567

568

569

570

571

572

573

574

575

576

577

578

579

580

581

582

583

584

585

586

587

588

589

590

591

592