الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل الجزء ١٦

الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل10%

الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل مؤلف:
تصنيف: تفسير القرآن
الصفحات: 592

الجزء ١ الجزء ٢ الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥ الجزء ٦ الجزء ٧ الجزء ٨ الجزء ٩ الجزء ١٠ الجزء ١١ الجزء ١٢ الجزء ١٣ الجزء ١٤ الجزء ١٥ الجزء ١٦ الجزء ١٧ الجزء ١٨ الجزء ١٩ الجزء ٢٠
  • البداية
  • السابق
  • 592 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 184404 / تحميل: 6212
الحجم الحجم الحجم
الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل

الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل الجزء ١٦

مؤلف:
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

باب الاستيذان :

فإذا أردت الاستيذان فقم عند باب القبة وارم بطرفك نحو القبروقل :

يا مولاي يا أبا عبد الله يا بن رسول الله ، عبدك وابن أمتك ، الذليلبين يديك ، والمصغر في علو قدرك ، والمعترف بحقك ، جاءكمستجيرا بك ، قاصدا إلى حرمك ، متوجها إلى مقامك ، متوسلا إلى اللهتعالى بك ، أأدخل يا مولاي ، أأدخل يا ولي الله ، أأدخل يا ملائكة اللهالمحدقين بهذا الحرم المقيمين في هذا المشهد.

فان خشع قلبك ودمعت عيناك ، فهو علامة القبول والاذن ،وادخل رجلك اليمنى واخر اليسرى وقل :

بسم الله وبالله وفي سبيل الله وعلى ملة رسول الله ، اللهمأنزلني منزلا مباركا وأنت خير المنزلين.

ثم قل :

الله أكبر كبيرا ، والحمد لله كثيرا ، وسبحان الله بكرة وأصيلا ،والحمد لله الفرد الصمد ، الماجد الاحد ، المتفضل المنان ، المتطولالحنان ، الذي من بطوله ، وسهل لي زيارة مولاي باحسانه ، ولم يجعلنيعن زيارته ممنوعا ، ولا عن ذمته مدفوعا ، بل تطول ومنح.

ثم ادخل ، فإذا توسطت وصبرت فقم حذاء القبر بخشوع وبكاء

٤٢١

وتضرع وقل :

السلام عليك يا وارث ادم صفوة الله ، السلام عليك يا وارث نوحنبي الله ، السلام عليك يا وارث إبراهيم خليل الله ، السلام عليك ياوارث موسى كليم الله ، السلام عليك يا وارث عيسى روح الله ، السلامعليك يا وارث محمد حبيب الله.

السلام عليك يا وارث علي ولي الله ، السلام عليك أيها الوصيالبر التقي ، السلام عليك يا ثار الله وابن ثاره والوتر الموتور.

اشهد انك قد أقمت الصلاة ، واتيت الزكاة ، وأمرت بالمعروف ،ونهيت عن المنكر ، وجاهدت في الله حق جهاده حتى استبيح حرمك وقتلت مظلوما.

ثم قم عند رأسه خاشعا قلبك ، دامعة عينيك ، ثم قل :

السلام عليك يا أبا عبد الله ، السلام عليك يا بن رسول الله ، السلامعليك يا بن سيد الوصيين ، السلام عليك يا بن فاطمة سيدة نساءالعالمين ، السلام عليك يا بطل المسلمين.

يا مولاي ، اشهد انك كنت نورا في الأصلاب الشامخة والأرحامالمطهرة ، لم تنجسك الجاهلية بأنجاسها ، ولم تلبسك من مدلهماتثيابها(1) ، واشهد انك من دعائم الدين وأركان المسلمين ومعقلالمؤمنين.

__________________

(1) أدلهم الظلام : كثف واسود ، ومدلهم مبالغة.

٤٢٢

واشهد انك الامام البر التقي الرضي ، الزكي الهادي المهديواشهد ان الأئمة من ولدك كلمة التقوى ، واعلام الهدى ، والعروةالوثقى ، والحجة على أهل الدنيا.

ثم تنكب على القبر وتقول :

انا لله وانا إليه راجعون ، يا مولاي انا موال لوليكم ومعاد لعدوكم ،وانا بكم مؤمن ، وبإيابكم موقن ، بشرائع ديني وخواتيم عملي ، وقلبيلقلبكم سلم ، وامري لامركم متبع ، يا مولاي اتيتك خائفا فامني ،واتيتك مستجيرا فاجرني ، واتيتك فقيرا فاغنني.

سيدي ومولاي أنت مولاي حجة الله على الخلق أجمعين ، امنتبسركم وعلانيتكم ، وبظاهركم وباطنكم ، وأولكم وآخركم ، واشهدانك التالي لكتاب الله ، وامين الله ، الداعي إلى الله بالحكمة والموعظةالحسنة ، لعن الله أمة ظلمتك ، ولعن الله أمة سمعت بذلك فرضيت به.

ثم صل عند الرأس أربع ركعات ، فإذا سلمت فقل :

اللهم إني لك صليت ، ولك ركعت ، ولك سجدت ، وحدكلا شريك لك ، لأنه لا تجوز الصلاة والركوع والسجود الا لك ، لأنك أنتالله الذي لا إله إلا أنت ، اللهم صل على محمد وال محمد وأبلغهم عنيأفضل السلام والتحية ، واردد علي منهم السلام.

اللهم وهاتان الركعتان هدية مني إلى سيدي الحسين بن عليعليهما‌السلام ، اللهم صل على محمد وعليه وتقبلها مني ، وأجرني

٤٢٣

عليهما أفضل املي ورجائي فيك وفي أوليائك ، يا ولي المؤمنين.

ثم تنكب على القبر وتقبله وتقول :

السلام على الحسين بن علي المظلوم الشهيد ، قتيل العبراتوأسير الكربات ، اللهم إني اشهد أنه وليك وابن نبيك ، الثائر بحقك ،أكرمته بكرامتك ، وختمت له بالشهادة ، وجعلته سيدا من السادة ،وقائدا من القادة ، وأكرمته بطيب الولادة ، وأعطيته مواريث الأنبياء ،وجعلته حجتك على خلقك من الأوصياء.

فاعذر في الدعاء ، ومنح النصيحة ، وبذل مهجته فيك حتىاستنقذ عبادك من الجهالة وحيرة الضلالة ، وقد توازر عليه من غرتهالدنيا ، وباع حظه بالأرذل الأدنى ، وتردى(1) في هواه ، وأسخطكوأسخط نبيك ، وأطاع من عبادك اولي الشقاق والنفاق وحملة الأوزاروالمستوجبين للنار.

فجاهدهم فيك صابرا محتسبا ، مقبلا غير مدبر ، لا تأخذه في اللهلومة لائم ، حتى سفك في طاعتك دمه ، واستبيح حريمه ، اللهم العنهملعنا وبيلا ، وعذبهم عذابا أليما.

ثم اعطف على علي بن الحسينعليهما‌السلام ، وهو عند رجل الحسينعليه‌السلام وقل :

السلام عليك يا ولي الله ، السلام عليك يا بن رسول الله ، السلام

__________________

(1) تردى في البئر : سقط.

٤٢٤

عليك يا بن خاتم النبيين ، السلام عليك يا بن فاطمة سيدة نساء العالمين ،السلام عليك يا بن أمير المؤمنين ، السلام عليك أيها المظلوم الشهيد ،بابي أنت وأمي عشت سعيدا وقتلت مظلوما شهيدا.

زيارة الشهداء رضوان الله عليهم :

ثم انحرف إلى قبور الشهداء وقل :

السلام عليكم أيها الذابون عن توحيد الله ، السلام عليكم بما صبرتم [ فنعم عقبى الدار ، بابي أنتم وأمي فزتم فوزا عظيما ](1) .

باب زيارة العباس بن عليعليه‌السلام :

تقف عليه وتقول :

السلام عليك أيها الولي الصالح والصديق المواسي ، اشهد انكامنت بالله ، ونصرت ابن رسول الله ، ودعوت إلى سبيل الله ، وواسيتبنفسك ، وبذلت مهجتك ، فعليك من الله أفضل التحية والسلام.

ثم تنكب على القبر وتقول :

بابي أنت وأمي يا ناصر دين الله ، السلام عليك يا ناصر الحسينالصديق ، السلام عليك يا ناصر الحسين الشهيد ، عليك مني السلام مابقيت وبقي الليل والنهار.

__________________

(1) زيادة من مصباح الزائر.

٤٢٥

ثم تصلي عند رأسه ركعتين وتقول ما قلت عند رأس الحسين ،وترجع إلى مشهد الحسينعليه‌السلام وتقيم عنده ما أحببت ، الا انه يستحبالا تجعله موضع مبيتك.

باب الوداع :

فإذا أردت وداعه فقم عند الرأس وأنت تبكي وتقول :

السلام عليك يا مولاي سلام مودع ، لا قال ولا سئم ، فان انصرففلا عن ملالة ، وان أقم فلا عن سوء ظن بما وعد الله الصابرين ، يا مولايلا جعله الله اخر العهد مني لزيارتك ، ورزقني العود إليك ، والمقام فيحرمك ، والكون في مشهدك ، امين رب العالمين.

ثم قبله وامر سائر وجهك عليه ، وامسح على سائر بدنك ، فإنهأمان وحرز ، واخرج من عنده القهقرى ، لا توله دبرك وقل :

السلام عليك يا باب المقام ، السلام عليك يا شريك القران ، السلامعليك يا حجة الخصام ، السلام عليك يا سفينة النجاة ، السلام عليكم ياملائكة ربي المقيمين في هذا الحرم ، السلام عليك ابدا ما بقيت وبقيالليل والنهار.

وتقول :

انا لله وانا إليه راجعون ، لا حول ولا قوة الا بالله العلي العظيم.

٤٢٦

إلى أن تغيب عن القبر ، فإذا فعلت ذلك كنت كمن زار الله في عرشه(1)

3 ـ زيارة سيدنا أبي عبد الله الحسين بن عليعليهما‌السلام ، وهي زيارةصفوان.

روى صفوان الجمال أنه قال : قال لي مولاي جعفر بن محمدالصادقعليهما‌السلام : إذا أردت زيارة الحسين بن علي صلوات الله عليه فصمقبل ذلك ثلاثة أيام ، واغتسل في اليوم الرابع(2) ، واجمع إليك أهلكوولدك وقل قبل مسيرك :

اللهم إني استودعك اليوم نفسي وأهلي ومالي وولدي ، ومن كانمني بسبيل ، الشاهد منهم والغائب.

اللهم اجعلنا من الفائزين واحفظنا بحفظ الايمان واحفظ علينا ،اللهم اجعلنا في جوارك وحفظك وحرزك ، ولا تغير ما بنا من نعمتك ،وزدنا من فضلك انا إليك راغبون.

اللهم إني أعوذ بك من وعثاء السفر وكآبة المنقلب ، وسوء المنظرفي المال والاهل والولد ، اللهم ارزقنا حلاوة الايمان وبرد المغفرة ،وأمانا من عذابك ، وآتنا من لدنك رحمة انه لا يملك ذلك غيرك.

__________________

(1) رواه السيد في مصباح الزائر : 172 ، والشهيد في مزاره ، عنهما البحار 101 : 350 ـ 355.

(2) في المصادر : اليوم الثالث.

٤٢٧

فإذا اتيت الفرات ، فكبر الله مائة مرة ، وهلل مائة مرة ، وصل علىالنبيصلى‌الله‌عليه‌وآله مائة مرة ، ثم قل بعد ذلك :

اللهم أنت خير من وفد إليه الرجال ، وشدت إليه الرحال ، وأنتسيدي خير مقصود ، وقد جعلت لكل زائر كرامة ، ولكل وافد تحفة ،فاسالك ان تجعل تحفتك إياي فكاك رقبتي من النار ، واشكر سعيي ،وارحم مسيري إليك ، من غير من مني عليك بل لك المن علي ، إذجعلت لي السبيل إلى زيارته ، وعرفتني فضله وشرفه.

اللهم فاحفظني بالليل والنهار حتى تبلغني هذا المكان ، فقدرجوتك فلا تقطع رجائي ، وقد أملتك فلا تخيب املي ، واجعل مسيريهذا كفارة لذنوبي ، يا رب العالمين.

فإذا أردت الغسل ندبا فقل :

بسم الله وبالله ، ولا حول ولا قوة الا بالله ، وعلى ملة رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله وعلى الأئمة الصادقين ، اللهم طهر به قلبي ،واشرح به صدري ، ونور به بصري ، اللهم اجعله لي نورا وطهوراوخيرا ، وشفاء من كل داء وسقم ، وعافني من كل ما أخاف واحذر.

اللهم اجعله لي شاهدا يوم حاجتي وفقري وفاقتي إليك يا ربالعالمين ، انك على كل شئ قدير.

فإذا فرغت من غسلك فالبس ثوبين طاهرين أو ثوبا ، وصل ركعتينندبا خارج المشرعة ، وهو المكان الذي قال الله جل وعز :( وفي

٤٢٨

الأرض قطع متجاورات وجنات من أعناب وزرع ونخيل صنوان وغيرصنوان يسقى بماء واحد ونفضل بعضها على بعض في الاكل ) (1) .

واقرأ في الركعة الأولى فاتحة الكتاب و( قل هو الله أحد ) ، وفيالثانية فاتحة الكتاب و( قل يا أيها الكافرون ) .

فإذا سلمت فكبر الله ما استطعت وقل :

الحمد لله الواحد المتوحد في الأمور كلها ، الرحمن الرحيم ،والحمد لله الذي هدانا لهذا وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله ، لقدجاءت رسل ربنا بالحق.

اللهم لك الحمد حمدا كثيرا دائما سرمدا ، لا ينقطع ولا يفنى ،حمدا ترضى به عنا ، حمدا يتصل أوله ولا ينفد اخره ، حمدا يزيدولا يبيد ، وصلى الله على محمد وآله وسلم.

فإذا توجهت إلى الحائر فقل :

اللهم إليك قصدت ، ولبابك قرعت ، وبفنائك نزلت ، وبكاعتصمت ، ولرحمتك تعرضت ، وبوليك الحسينعليه‌السلام توسلت ،اللهم صل على محمد واله واجعل زيارتي مبرورة ودعائي مقبولا.

فإذا اتيت الباب فقف خارج القبة وارم بطرفك نحو القبر وقل :

يا مولاي يا أبا عبد الله يا بن رسول الله ، عبدك وابن عبدك ، وابنأمتك ، الذليل بين يديك ، المقصر في علو قدرك ، المعترف بحقك ،

__________________

(1) الرعد : 4.

٤٢٩

جاءك مستجيرا بذمتك ، قاصدا إلى حرمك ، متوجها إلى الله تباركوتعالى بك.

ء فأدخل يا حجة الله ، أأدخل يا أمير المؤمنين ، أأدخل يا وليالله ، أأدخل يا باب الله ، أأدخل يا ملائكة الله ، أأدخل أيها الملائكةالمحدقون بهذا الحرم ، المقيمون بهذا المشهد.

ثم ادخل رجلك اليمنى القبة واخر اليسرى وقل :

الله أكبر كبيرا ، وسبحان الله بكرة وأصيلا ، والحمد لله الفردالاحد الصمد الواحد ، المتفضل المتطول الجبار ، الذي من بطوله ،وسهل زيارة مولاي ، ولم يجعلني عن زيارته ممنوعا ، وعن ذمتهمدفوعا ، بل تطول ومنح ، فله الحمد.

ثم ادخل الحائر وقم بحذائه بخشوع ، وقل :

السلام عليك يا وارث ادم صفوة الله ، السلام عليك يا وارث نوحنبي الله ، السلام عليك يا وارث إبراهيم خليل الله ، السلام عليك ياوارث موسى كليم الله ، السلام عليك يا وارث عيسى روح الله ، السلامعليك يا وارث محمد حبيب الله ، السلام عليك يا وارث علي حجة الله ،السلام عليك يا وارث الحسن الداعي إلى الله ، السلام عليك يا وارثنبي الله.

السلام عليك أيها الصديق الشهيد ، السلام عليك أيها البر الرضي ،السلام عليك يا ثار الله وابن ثاره والوتر الموتور.

٤٣٠

اشهد انك قد أقمت الصلاة ، واتيت الزكاة ، وأمرت بالمعروف ،ونهيت عن المنكر ، وعبدت الله مخلصا حتى اتاك اليقين.

ثم ادخل عند القبر وقم عند الرأس خاشعا قلبك ، وقل :

السلام عليك يا بن رسول الله ، السلام عليك يا بن أمير المؤمنينسيد الوصيين ، السلام عليك يا بن فاطمة الزهراء سيدة نساء العالمين ،السلام عليك يا وعاء النور ورحمة الله وبركاته.

السلام عليك يا خازن الكتاب المشهور ، السلام عليك يا أسالاسلام الناصر لدين الله ، السلام عليك يا نظام المسلمين.

يا مولاي ، اشهد انك كنت نورا في الأصلاب الشامخة والأرحامالمطهرة ، لم تنجسك الجاهلية بأنجاسها ، اشهد انك يا مولاي من دعائمالدين وأركان المسلمين ومعقل المؤمنين.

واشهد انك الامام البر التقي ، المطهر الزكي الهادي المهدي ،واشهد ان الأئمة من ولدك كلمة التقوى ، واعلام الهدى ، والعروةالوثقى ، والحجة على أهل الدنيا من أوليائك.

ثم انكب على القبر وقل :

انا لله وانا إليه راجعون ، يا مولاي انا موال لوليكم معاد لعدوكم ،وانا بكم مؤمن ، وبإيابكم موقن ، بشرائع ديني وخواتيم عملي ، وقلبيلقلوبكم سلم ، وامري لامركم متبع.

يا مولاي امنت بسركم وعلانيتكم ، وظاهركم وباطنكم ، وأولكم

٤٣١

وآخركم ، يا مولاي اتيتك خائفا فامني ، واتيتك مستجيرا فاجرني.

يا سيدي أنت وليي ومولاي وحجة الله على الخلق أجمعين ،امنت بسركم وعلانيتكم ، وبظاهركم وباطنكم ، يا مولاي أنت السفيربيننا وبين الله ، والداعي إلى الله بالحكمة والموعظة الحسنة ، لعن اللهأمة ظلمتك ، ولعن الله أمة سمعت بذلك فرضيت به.

ثم صل عند الرأس ركعتين زيارة ندبا ، فإذا سلمت فقل بعد ذلك :

اللهم إني صليت وركعت وسجدت لك ، وحدك لا شريك لك ،اللهم صل على محمد واله وبلغهم عني السلام كثيرا وأفضل التحيةوالسلام ، واردد علي منهم السلام كثيرا.

ثم تقول :

اللهم هاتان الركعتان هدية مني وكرامة إلى سيدي ومولايأبي عبد الله الحسين بن علي أمير المؤمنين صلوات الله عليهما ، اللهمصل على محمد وال محمد وتقبل مني ، وبلغني أفضل املي ورجائيفيك وفي وليك أمير المؤمنينعليه‌السلام .

ثم انكب على القبر ثانية وقل :

يا مولاي ، اشهد ان اللهعزوجل منجز لك ما وعدك ومعذب منقتلك عليه اللعنة إلى يوم الدين.

ثم تأتي إلى قبر علي بن الحسينعليهما‌السلام فتقبله وتقول :

السلام عليك يا ولي الله وابن وليه ، السلام عليك يا حبيب الله

٤٣٢

وابن حبيبه ، السلام عليك يا خليل الله وابن خليله ، عشت سعيداومت فقيدا وقتلت مظلوما ، يا شهيد ابن الشهيد عليك من الله السلام.

ثم تصلي ركعتين وتكبر بعدهما من الصلاة على النبي وآله وتسألحاجتك.

ثم تأتي إلى قبر العباس بن عليعليه‌السلام وتقول :

السلام عليك أيها الولي الصالح الناصح الصديق ، اشهد انك امنتبالله ونصرت ابن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ودعوت إلى سبيلالله ، وواسيت بنفسك ، وبذلت مهجتك ، فعليك من الله السلام التام.

ثم تنكب على القبر وتقبله وتقول :

بابي أنت وأمي يا ناصر دين الله ، السلام عليك يا بن أمير المؤمنين ،السلام عليك يا ناصر الحسين الصديق ، السلام عليك يا شهيد ابنالشهيد ، السلام عليك مني ابدا ما بقيت وصلى الله على محمد والهوسلم.

وتخرج من عنده فترجع إلى قبر سيدنا الحسينعليه‌السلام فتقيم عنده ماأحببت ، ولا أحب لك ان تجعله مبيتك.

فإذا أردت الوداع فقم عند الرأس وأنت تبكي وتقول :

يا مولاي السلام عليك سلام مودع ، لا قال ولا سئم ، فان انصرف يامولاي فلا عن ملالة ، وان أقم فلا عن سوء ظن بما وعد الله الصابرين.

يا مولاي لا جعله الله اخر العهد مني من زيارتك ، وتقبل مني ،

٤٣٣

ورزقني العود إليك ، والمقام في حرمك ، والكون في مشهدك ، امينرب العالمين.

ثم تقبله وتمر سائر بدنك ووجهك على القبر ، فإنه أمان وحرز منكل ما تخاف وتحذر بإذن الله ، وتمشي القهقرى وتقول :السلام عليك يا حجة الله ، السلام عليك يا باب المقام ، السلامعليك يا سفينة النجاة ، السلام عليكم يا ملائكة ربي المقيمين في هذاالحرم ، السلام عليك يا مولاي وعلى الملائكة المحدقين بك ، السلامعليك وعلى الأرواح التي حلت بفنائك ، السلام عليك ابدا مني مابقيت وبقي الليل والنهار.

وتقول :

انا لله وانا إليه راجعون ، ولا حول ولا قوة الا بالله العلي العظيم ،وصلى الله على محمد واله وسلم كثيرا(1) .

4 ـ زيارة أخرى لهعليه‌السلام زار بها جابررحمه‌الله .

اخبرني بها الشيخ الفقيه العالم أبو البقاء هبة الله بن نمارضي‌الله‌عنه في شهر رمضان بداره في الحلة بلد الجامعين سنة تسع وستين

__________________

(1) عنه البحار 101 : 257.

رواه الشيخ في مصباحه : 660 ، باسناده عن جماعة ، عن أبي عبد الله محمد بن أحمد بنقضاعة بن صفوان بن مهران ، عن أبيه ، عن جده ، عن الصادق عليه‌السلام ، عنه البحار 101 : 197.

أخرجه الشهيد في مزاره : 117 ، عن صفوان بن مهران الجمال ، عن الصادق عليه‌السلام .

٤٣٤

وخمسمائة ، قال : أخبرنا الشيخ الأمين العالم أبو عبد الله الحسين بنأحمد بن طحال المقدادي المجاور بمشهد مولانا أمير المؤمنين علي بنأبي طالب صلوات الله عليه في شهور سنة عشرين وخمسمائة ، قال :حدثنا الرئيس الاجل السيد أبو البقاء هبة الله بن ناصر بن الحسين بن نصربمشهد مولانا أمير المؤمنين علي بن أبي طالبعليه‌السلام في شهر ربيع الأولسنة ثمان وثمانين وأربعمائة ، قال : حدثنا الشيخ أبو القاسم سعد بن وهبابن أحمد بن علي بن الحسين بن سلمان الدهقان ، قال : حدثنا أبو جعفرمحمد بن علي بن خلف بن الجعد بن سنان البزاز ، قال : حدثنا علي بنالحسين بن كعب ، قال : حدثنا إسماعيل بن صبيح ، عن الحسن بن سعيدالأعمش ، عن جابر الجعفي ، عن أبي عبد الله جعفر بن محمدعليهما‌السلام أنه قاللجابر :

كم بينكم وبين قبر الحسينعليه‌السلام ، قال : قلت : يوم وبعض اخر ،قال : فقال : أفلا أفرحك الا أسرك بثوابه ، قال : قلت : بلى جعلت فداءك ،قال : ان الرجل منكم ليتهيأ فيتباشر به أهل السماء ، فإذا خرج من بابمنزله راكبا أو ماشيا وكل الله به الف ملك من الملائكة يصلون عليه حتىيوافي قبر الحسينعليه‌السلام .

فإذا اتيت قبر الحسينعليه‌السلام قمت على الباب وقلت هذه الكلمات ،فان لك بكل كلمة منهن كفلا من رحمة الله ، قال : قلت : وما هن جعلتفداك ، قال : تقول :

٤٣٥

السلام عليك يا وارث ادم صفوة الله ، السلام عليك يا وارث نوحنبي الله ، السلام عليك يا وارث إبراهيم خليل الله ، السلام عليك ياوارث موسى كليم الله ، السلام عليك يا وارث عيسى روح الله ، السلامعليك يا وارث محمد سيد رسل الله.

السلام عليك يا وارث علي أمير المؤمنين وخير الوصيين ، السلامعليك يا وارث الحسن الزكي الطاهر الرضي المرتضي ، السلام عليكأيها الصديق ، السلام عليك أيها الوصي البر التقي ، السلام عليك وعلىالأرواح التي حلت بفنائك ، وأناخت برحلك ، السلام على الملائكةالحافين بك.

اشهد أنك قد أقمت الصلاة ، واتيت الزكاة ، وأمرت بالمعروف ،ونهيت عن المنكر ، وجاهدت الملحدين ، وعبدت الله حتى أتاكاليقين ، السلام عليك ورحمة الله وبركاته.

ثم تمشي إليه ، فلك بكل قدم ترفعها وتضعها كثواب المشحطبدمه في سبيل الله.

فإذا مشيت ووقفت على القبر فاستلمه بيدك وقل :

السلام عليك يا حجة الله في ارضه.

ثم انهض إلى صلواتك ، فلك بكل ركعة ركعتها عنده كثواب منحج الف حجة ، واعتمر الف عمرة ، واعتق الف رقبة ، وكمن وقف الفمرة مع نبي مرسل.

٤٣٦

قال : فإذا أنت قمت من عند قبر الحسين صلوات الله عليه ناداكمناد لو سمعت مقالته لأفنيت عمرك عند الحسينعليه‌السلام ، وهو يقول :طوبى لك أيها العبد لقد غنمت وسلمت ، وقد غفر لك ما سلففاستأنف العمل.

قال : فان مات في عامه أو من ليلته أو من يومه لم يتول قبض روحهالا اللهعزوجل ، وتقيم معه الملائكة يسبحون ويصلون عليه حتىيوافي منزله ، وتقول الملائكة : يا ربنا عبدك قد وافى قبر وليك وقدوافى منزله فأين نذهب ، فيأتيهم النداء : يا ملائكتي قوموا بباب عبدي ،فسبحوني وقدسوني وهللوني ، واكتبوا ذلك في حسناته إلى يوميتوفى ، فإذا توفى ذلك العبد شهدوا غسله وكفنه والصلاة عليه ، ثميقولون : ربنا وكلتنا بباب عبدك وقد توفي فأين نذهب ، فيأتيهم النداء : ياملائكتي قفوا بقبر عبدي فسبحوا وقدسوا إلى يوم القيامة واكتبوا ذلكفي حسناته(1) .

__________________

(1) عنه البحار 101 : 165.

رواه ابن قولويه في الكامل : 374 ، باسناده عن أبيه ، عن سعد بن عبد الله ، عن أبي عبد اللهالرازي ، عن الحسن بن علي بن أبي حمزة ، عن الحسن بن محمد ، عن المفضل بن عمر ، عنجابر الجعفي ، عن الصادق عليه‌السلام ، وأيضا عن حكيم بن داود ، عن سلمة بن الخطاب ، عنأبي عبد الله الجاموراني ، عن الحسن بن علي بن أبي حمزة ، عن الحسن بن محمد ، عن المفضل بنعمر ، عن جابر الجعفي ، عن الصادق عليه‌السلام ، عنه البحار 101 : 163 ، المستدرك 10 : 299.

ذكره السيد في مصباح الزائر : 134 عنه عليه‌السلام ، عنه البحار 101 : 229.

٤٣٧

5 ـ وبالاسناد عن حنان بن سدير قال : قال أبو عبد اللهعليه‌السلام : ياسدير تزور قبر الحسينعليه‌السلام في كل يوم ، قلت : لا ، قال : ما أجفاكم ،فتزوره في كل سنة ، قلت : قد يكون ذلك ، قال : يا سدير ما أجفاكمللحسين اما علمت أن لله الف ملك شعث غبر يبكون ويزورونولا يفترون ، وما عليك يا سدير ان تزور قبر الحسين في الجمعة خمسمرات وفي كل يوم مرة.

قلت : جعلت فداك بيننا وبينه فراسخ كثيرة ، فقال لي : تصعد فوقسطحك ثم تلتفت يمنة ويسرة ، ثم ترفع رأسك إلى السماء ، ثم تنحونحو القبر وتقول :

السلام عليك يا أبا عبد الله ، السلام عليك يا بن رسول الله ، السلامعليك ورحمة الله وبركاته.

يكتب لك زورة ، والزورة حجة وعمرة ، قال سدير : ربما فعلتفي الشهر أكثر من عشرين مرة(1) .

__________________

أخرجه الكفعمي في مصباحه : 499 ، البلد الأمين : 280 ، عنهم البحار 101 : 164 ، المستدرك10 : 302.

(1) رواه ابن قولويه في الكامل : 481 ، باسناده عن محمد بن عبد الله بن جعفر الحميري ،عن أبيه ، عن أحمد بن أبي عبد الله البرقي ، عن أبيه ، رفعه عن حنان بن سدير الصيرفي ، عنالصادقعليه‌السلام ، عنه البحار 101 : 367 ، وفي البحار : عن حنان عن سدير ، وهو تصحيفلا محالة.

٤٣٨

الباب (17)

ذكر ما يقول الزائر النائب عن غيره

اللهم ان فلان بن فلان قد أوفدني إلى مولاه ومولاي لأزور عنه ،رجاء لجزيل الثواب ، وفرارا من سوء الحساب ، اللهم انه يتوجه إليكبأوليائك الدالين عليك في غفرانك ذنوبه وحط سيئاته ، ويتوسل إليكبهم ، عند مشهد امامه صلوات الله عليه.

اللهم فتقبل منه واقبل شفاعة أوليائه صلوات الله عليهم فيه ،اللهم جازه على حسن نيته وصحيح عقيدته وصحة موالاته ، أحسن ماجازيت أحدا من عبيدك المؤمنين ، وادم له ما خولته ، واستعمله صالحافيما اتيته ، ولا تجعلني اخر وافد له يوفده ، اللهم أعتق رقبته من النار ،وأوسع عليه من رزقك الحلال الطيب ، واجعله من رفقاء محمد والمحمد ، وبارك له في ولده وماله وأهله وما ملكت يمينه.

اللهم صل على محمد وال محمد وحل بينه وبين معاصيك حتىلا يعصيك ، واعنه على طاعتك وطاعة أوليائك ، حتى لا تفقده حيث امرته ،ولا تراه حيث نهيته ، اللهم صل على محمد وال محمد واغفر له وارحمه ،واعف عنه وعن جميع المؤمنين والمؤمنات ، اللهم صل على محمد وال محمد وأعذه من هول المطلع ، ومن فزع يوم القيامة وسوء المنقلب ،ومن ظلمة القبر ووحشته ، ومن مواقف الخزي في الدنيا والآخرة.

٤٣٩

اللهم صل على محمد وال محمد واجعل جائزته في موقفي هذاغفرانك ، وتحفته في مقامي هذا عند امامي صلى الله عليه ان تقيلعثرته ، وتقبل معذرته ، وتتجاوز عن خطيئته ، وتجعل التقوى زاده ، وماعندك خيرا له في معاده ، وتحشره في زمرة محمد وال محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وتغفر له ولوالديه ، فإنك خير مرغوب رغب إليه ، وأكرممسؤول اعتمد العباد عليه.

اللهم ولكل موفد جائزة ، ولكل زائر كرامة ، فاجعل جائزته فيموقفي هذا غفرانك والجنة ، لي ولجميع المؤمنين والمؤمنات ، اللهموانا عبدك الخاطئ المذنب المقر بذنوبه ، فأسألك يا الله بحق محمدوال محمد ان لا تحرمني بعد ذلك الاجر والثواب من فضل عطائكوكرم تفضلك.

ثم ترفع يديك إلى السماء مستقبل القبلة عند المشهد وتقول :

يا مولاي يا امامي عبدك ـ فلان بن فلان ـ أوفدني زائرا لمشهدكمتقربا إلى اللهعزوجل بذلك والى رسوله واليك ، يرجو بذلك فكاكرقبته من النار ، فاغفر له ولجميع المؤمنين والمؤمنات ، يا الله يا الله ، ياالله يا الله ، يا الله يا الله ، لا إله إلا الله الحليم الكريم ، لا إله إلا الله العليالعظيم ، أسألك ان تصلي على محمد وال محمد وتستجيب لي فيه وفي جميع إخواني وولدي وأهلي ، بجودك وكرمك يا ارحم الراحمين(1) .

__________________

(1) رواه الشيخ في التهذيب 6 : 116 مقطوعا ، عنه البحار 102 : 256.

٤٤٠

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

461

462

463

464

465

466

467

468

469

470

471

472

473

474

475

476

477

478

479

480

481

482

483

484

485

486

487

488

489

490

491

492

493

494

495

496

497

498

499

500

501

502

503

504

505

506

507

508

509

510

511

512

513

514

515

516

517

518

519

520

521

522

523

524

525

526

527

528

529

530

531

532

533

534

535

536

537

538

539

540

معنى غزير

إنّ الآخرين حين يريدون إظهار مزيد من العلاقة بمن يشاركهم في المنهج والعمل ، يعبّرون عنهم بالرفاق ، «أو الرفيق للمفرد» إلّا أنّ الإسلام رفع مستوى الارتباط والحب بين المسلمين إلى درجة جعلها بمستوى أقرب العلائق بين شخصين وهي علاقة الأخوين التي تقوم العلاقة بينهما على أساس المساواة والتكافؤ.

فعلى هذا الأصل الإسلامي المهم فإنّ المسلمين على اختلاف قبائلهم وقوميّاتهم ولغاتهم وأعمارهم يشعرون فيما بينهم بالأخوّة وإن عاش بعضهم في الشرق والآخر في الغرب

ففي مناسك الحج مثلا حيث يجتمع المسلمون من نقاط العالم كافة في مركز التوحيد تبدو هذه العلاقة والارتباط والانسجام والوشائج محسوسة وميدانا للتحقق العيني لهذا القانون الإسلامي المهم

وبتعبير آخر إنّ الإسلام يرى المسلمين جميعا بحكم الأسرة الواحدة ويخاطبهم جميعا بالإخوان والأخوات ليس ذلك في اللفظ والشعار ، بل في العمل والتعهدات المتماثلة أيضا ، جميعهم (أخوة وأخوات).

وفي الروايات الإسلامية تأكيد على هذه المسألة أيضا ولا سيما في ما يخص الجوانب العملية ونحن نذكر هنا على سبيل المثال بعضا من الأحاديث التالية :

١ ـ ورد عن النّبي الأكرمصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنّه قال : «المسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يخذله ولا يسلمه»(١) .

٢ ـ وورد عنهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنّه قال : «مثل الأخوين مثل اليدين تغسل إحداهما الأخرى»(٢) .

__________________

(١) المحجّة البيضاء ، ج ٣ ، ص ٣٣٢ (كتاب الصحبة والمعاشرة) الباب الثاني.

(٢) المصدر السابق.

٥٤١

٣ ـ ويقول الإمام الصادقعليه‌السلام : «المؤمن أخو المؤمن كالجسد الواحد إذا اشتكى شيئا منه وجد ألم ذلك في سائر جسده وأرواحهما من روح واحدة»(١) .

٤ ـ كما نقرأ حديثا آخر عنهعليه‌السلام يقول فيه : «المؤمن أخو المؤمن عينه ودليله لا يخونه ولا يظلمه ولا يغشّه ولا يعده عدة فيخلفه»(٢) .

وهناك روايات كثيرة في مصادر الحديث الإسلامية المعروفة في ما يتعلّق بحق المؤمن على أخيه المسلم وأنواع حقوق المؤمنين بعضهم على بعض وثواب زيارة الإخوان المؤمنين «والمصافحة والمعانقة» وذكرهم وإدخال السرور على قلوبهم وخاصة قضاء حاجاتهم والسعي في إنجازها وإذهاب الهم والغم عن القلوب وإطعام الطعام وإكسائهم الثياب وإكرامهم واحترامهم ، ويمكن مطالعتها في أصول الكافي في أبواب مختلفة تحت العناوين الآنفة.

٥ ـ وفي ختام هذا المطاف نشير إلى رواية هي من أكثر الروايات «جمعا» في شأن حقوق المؤمن على أخيه المؤمن التي تبلغ ثلاثين حقّا!

قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «للمسلم على أخيه ثلاثون حقّا ، لا براءة له منها إلّا بالأداء أو العفو!

يغفر زلّته ، ويرحم عبرته ، ويستر عورته ، ويقيل عثرته ، ويقبل معذرته ، ويرد غيبته ، ويديم نصيحته ، ويحفظ خلّته ويرعى ذمّته ، ويعود مرضه ، ويشهد ميّته ، ويجيب دعوته ، ويقبل هديته ، ويكافئ صلته ، ويشكر نعمته ، ويحسن نصرته ، ويحفظ حليلته ، ويقضي حاجته ، ويشفع مسألته ، ويسمّت عطسته ، ويرشد ضالّته ، ويردّ سلامه ، ويطيب كلامه ، ويبرّ أنعامه ، ويصدق أقسامه ، ويوالي وليّه ، ولا يعاديه ، وينصره ظالما ومظلوما ، فأمّا نصرته ظالما فيردّه عن ظلمه ، وأمّا نصرته مظلوما فيعينه على أخذ حقّه ، ولا يسلمه ولا يخذله ، ويحب له من الخير

__________________

(١ ، ٢) ـ أصول الكافي ، ج ٢ ، ص ١٣٣ (باب أخوة المؤمنين بعضهم لبعض الحديث ٣ و٤).

٥٤٢

ما يحبّ لنفسه ، ويكره له من الشر ما يكره لنفسه»(١) .

وعلى كلّ حال فإنّ واحدا من حقوق المسلمين بعضهم على بعض هو مسألة الإعانة وإصلاح ذات البين كما ورد في الآيات المتقدّمة والروايات الآنفة «وكان لنا في التفسير الأمثل بحث في «إصلاح ذات البين» ذيل الآية الأولى من سورة الأنفال»

* * *

__________________

(١) بحار الأنوار ، ج ٧٤ ، ص ٢٣٦.

٥٤٣

الآيتان

( يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا يَسْخَرْ قَوْمٌ مِنْ قَوْمٍ عَسى أَنْ يَكُونُوا خَيْراً مِنْهُمْ وَلا نِساءٌ مِنْ نِساءٍ عَسى أَنْ يَكُنَّ خَيْراً مِنْهُنَّ وَلا تَلْمِزُوا أَنْفُسَكُمْ وَلا تَنابَزُوا بِالْأَلْقابِ بِئْسَ الاسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الْإِيمانِ وَمَنْ لَمْ يَتُبْ فَأُولئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ (١١) يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيراً مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ وَلا تَجَسَّسُوا وَلا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضاً أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتاً فَكَرِهْتُمُوهُ وَاتَّقُوا اللهَ إِنَّ اللهَ تَوَّابٌ رَحِيمٌ (١٢) )

سبب النّزول

ذكر المفسّرون لهاتين الآيتين شأنا «في نزولهما» بل شؤونا مختلفة ، منها أنّ جملة( لا يَسْخَرْ قَوْمٌ مِنْ قَوْمٍ ) نزلت في «ثابت بن قيس» خطيب النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم الذي كان ثقيل السمع وكان حين يدخل المسجد يجلس إلى جنب النّبي ويوّفر له المكان عنده ليسمع حديث النبي ، وذات مرّة دخل المسجد والمسلمون كانوا قد

٥٤٤

فرغوا من صلاتهم وجلسوا في أماكنهم ، فكان يشقّ الرجوع ويقول : تفسّحوا ، تفسّحوا حتى وصل إلى رجل من المسلمين فقال له : اجلس (مكانك هنا) فجلس خلفه مغضبا حتى انكشفت العتمة فقال ثابت لذلك الرجل : من أنت فقال : أنا فلان فقال له ثابت : ابن فلانة؟! وذكر اسم أمّه بما يكره من لقبها وكانت تعرف به في زمان الجاهلية فاستحيى ذلك الرجل وطأطأ برأسه إلى الأرض ، فنزلت الآية ونهت المسلمين عن مثل هذا العمل

وقيل إنّ جملة( وَلا نِساءٌ مِنْ نِساءٍ ) نزلت في أم سلمة إحدى أزواج النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لأنّها كانت تلبس لبوسا خاصا أو لأنّها كانت قصير فكانت النساء يسخرن منها ، فنزلت الآية ونهت عن مثل هذه الأعمال!.

وقالوا إنّ جملة( وَلا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضاً ) نزلت في نفرين من الصحابة اغتابا صاحبهما «سلمان» لأنّهما كانا قد بعثاه نحو النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ليأتيهما بطعام منه ، فأرسل النّبي سلمان نحو «أسامة بن زيد» الذي كان مسئول بيت المال فقال أسامة ليس عندي شيء الآن فاغتابا أسامة وقالا إنّه بخيل وقالا في شأن سلمان : لو كنّا أرسلناه إلى بئر سميحة لغاض ماؤها «وكانت بئرا غزيرة الماء» ثمّ انطلقا ليأتيا أسامة وليتجسّسا عليه ، فقال لهما النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إنّي أرى آثار أكل اللحم على أفواهكما : فقالا يا رسول الله لم نأكل اللحم هذا اليوم فقال رسول الله : أجل تأكلون لحم سلمان وأسامة. فنزلت الآية ونهت المسلمين عن الاغتياب(١) .

* * *

التّفسير

الاستهزاء وسوء الظنّ والغيبة والتجسّس والألقاب السيئة حرام!

حيث أنّ القرآن المجيد اهتمّ ببناء المجتمع الإسلامي على أساس المعايير

__________________

(١) راجع تفسير مجمع البيان ، ج ٩ ، ص ١٣٥ ، والقرطبي في تفسيره ، إذ ذكر هذا الشأن مع شيء من التفاوت.

٥٤٥

الأخلاقية فإنّه بعد البحث عن وظائف المسلمين في مورد النزاع والمخاصمة بين طوائف المسلمين المختلفة بين في الآيتين محل البحث قسما من جذور هذه الاختلافات ليزول الاختلاف (بقطعها) ويحسم النزاع!

ففي كلّ من الآيتين الآنفتين تعبير صريح وبليغ عن ثلاثة أمور يمكن أن يكون كلّ منها شرارة لاشتعال الحرب والاختلاف ، إذ تقول الآية الأولى من الآيتين محل البحث أوّلا :( يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا يَسْخَرْ قَوْمٌ مِنْ قَوْمٍ ) .

لأنّه( عَسى أَنْ يَكُونُوا خَيْراً مِنْهُمْ ) .

( وَلا نِساءٌ مِنْ نِساءٍ عَسى أَنْ يَكُنَّ خَيْراً مِنْهُنَ ) .

والخطاب موجّه هنا إلى المؤمنين كافة فهو يعم الرجال والنساء وينذر الجميع أن يجتنبوا هذا الأمر القبيح ، لأنّ أساس السخرية والاستهزاء هو الإحساس بالاستعلاء والغرور والكبر وأمثال ذلك إذ كانت تبعث على كثير من الحروب الدامية على امتداد التاريخ!

وهذا الاستعلاء أو التكبّر غالبا ما يكون أساسه القيم المادية والظواهر المادية فمثلا ، فلان يرى نفسه أكثر مالا من الآخر أو يرى نفسه أجمل من غيره أو أنّه يعد من القبيلة المشهورة والمعروفة أكثر من سواها ، وربما يسوقه تصوّره بأنّه أفضل من الجماعة الفلانية علما وعبادة ومعنوية إلى السخرية منهم ، في حين أنّ المعيار الواقعي عند الله هو «التقوى» التي تنسجم مع طهارة القلب وخلوص النيّة والتواضع والأخلاق والأدب!.

ولا يصحّ لأي أحد أن يقول أنا أفضل عند الله من سواي ، ولذلك عد تحقير الآخرين والتعالي بالنفس من أسوأ الأمور وأقبح العيوب الأخلاقية التي يمكن أن تكون لها انعكاسات سلبية في حياة الناس جميعا.

ثمّ تقول الآية في المرحلة الثانية :( وَلا تَلْمِزُوا أَنْفُسَكُمْ ) .

كلمة «تلمزوا» هي من مادة «لمز» على زنة «طنز» ومعناها تتّبع العيوب

٥٤٦

والطعن في الآخرين ، وفسّر بعضهم الفرق بين «الهمز» و «اللمز» بأنّ «اللمز» عدّ عيوب الناس بحضورهم ، و «الهمز» ذكر عيوبهم في غيابهم ، كما قيل أنّ «اللمز» تتبّع العيوب بالعين والإشارة في حين أنّ «الهمز» هو ذكر العيوب باللسان «وسيأتي تفصل هذا الموضوع بإذن الله في تفسير سورة الهمزة»

الطريف أنّ القرآن في تعبير «بأنفسكم» يشير إلى وحدة المؤمنين وأنّهم نسيج واحد ، ويبيّن هنا بأنّ جميع المؤمنين بمثابة النفس الواحدة فمن عاب غيره فإنما عاب نفسه في الواقع!.

وتضيف الآية في المرحلة الثالثة أيضا قائلة :( وَلا تَنابَزُوا بِالْأَلْقابِ ) .

هناك الكثير من الأفراد الحمقى قديما وحديثا ، ماضيا وحاضرا مولعون بالتراشق بالألفاظ القبيحة ، ومن هذا المنطلق فهم يحقّرون الآخرين ويدمّرون شخصياتهم وربما انتقموا منهم أحيانا عن هذا الطريق وقد يتّفق أنّ شخصا كان يعمل المنكرات سابقا ، ثمّ تاب وأناب وأخلص قلبه لله ، ولكن مع ذلك نراهم يرشقونه بلقب مبتذل كاشف عن ماضيه!

الإسلام نهى عن هذه الأمور بصراحة ومنع من إطلاق أي اسم أو لقب غير مرغوب فيه يكون مدعاة لتحقير المسلم

ونقرأ في بعض الأحاديث أنّ «صفية بنت حيي بن أخطب» المرأة اليهودية التي أسلمت بعد فتح خيبر وأصبحت زوجة النّبي ـ جاءت صفية يوما إلى النّبي وهي باكية العين فسألها النّبي عن سبب بكائها فقالت : إنّ عائشة توبّخني وتقول لي يا ابنة اليهودي ، فقال لها النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : فلم لا قلت لها : أبي هارون وعمّي موسى وزوجي محمّد فكان أن نزلت هذه الآية ـ محل البحث ـ(١) .

ولذلك فإنّ الآية تضيف قائلة :( بِئْسَ الِاسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الْإِيمانِ ) أي قبيح جدّا على من دخل في سلك الإيمان أن يذكر الناس بسمات الكفر.

__________________

(١) مجمع البيان ، ج ٩ ، ص ١٣٦.

٥٤٧

واحتمل بعض المفسّرين احتمالا آخر لهذه الجملة المذكورة آنفا وهي أنّ الله نهى المؤمنين أن يرضوا بأسماء الفسق والجاهلية لأنفسهم بسبب سخرية الناس ولتحاشي استهزائهم.

ولكن مع الالتفات إلى صدر الآية وشأن النّزول المذكور يبدو أنّ التّفسير الأوّل أقرب.

وتختتم الآية لمزيد التأكيد بالقول :( وَمَنْ لَمْ يَتُبْ فَأُولئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ ) .

وأي ظلم أسوأ من أن يؤذي شخص بالكلمات اللاذعة و «اللاسعة» والتحقير واللمز قلوب المؤمنين التي هي «مركز عشق» الله وأن يطعن في شخصياتهم ويبتذل كرامتهم التي هي أساس شخصيتهم.

ماء وجوههم الذي هو أساس حياتهم الأهم.

وقلنا إنّ في كل من الآيتين ـ محل البحث ـ ثلاثة أحكام في مجال الأخلاق الاجتماعية. فالأحكام الثلاثة في الآية الأولى هي «عدم السخرية» و «ترك اللمز» و «ترك التنابز بالألقاب».

والأحكام الثالثة في الآية الثانية هي «اجتناب سوء الظن» و «التجسّس» و «الاغتياب».

في هذه الآية يبدأ القرآن فيقول :( يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيراً مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ ) .

والمراد من «كثيرا من الظن» الظنون السيّئة التي تغلب على الظنون الحسنة بين الناس لذلك عبّر عنها بـ «الكثير» وإلّا فإنّ حسن الظن لا أنّه غير ممنوع فحسب ، بل هو مستحسن كما يقول القرآن في الآية (١٢) من سورة النور :( لَوْ لا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ ظَنَّ الْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِناتُ بِأَنْفُسِهِمْ خَيْراً ) .

وممّا يلفت النظر أنّه قد نهي عن كثير من الظنّ ، إلّا أنّه في مقام التعليل تقول الآية :( إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ ) ولعلّ هذا الاختلاف في التعبير ناشئ من أنّ الظنون

٥٤٨

السيّئة بعضها مطابق للواقع وبعضها مخالف له ، فما خالف الواقع فهو إثم لا محالة ، ولذلك قالت الآية :( إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ ) وعلى هذا فيكفي هذا البعض من الظنون الذي يكون إثما أن نتجنّب سائر الظنون لئلا نقع في الإثم

! وهنا ينقدح هذا السؤال ، وهو أنّ الظنّ السيء أو الظن الحسن ليسا اختياريين (غالبا) وإنّما يكون كل منهما على أثر سلسلة من المقدّمات الخارجة عن اختيار الإنسان والتي تنعكس في ذهنه ، فكيف يصح النهي عن ذلك؟!

وفي مقام الجواب يمكن القول بأنّه :

١ ـ المراد من هذا النهي هو النهي عن ترتيب الآثار ، أي متى ما خطر الظنّ السيء في الذهن عن المسلم فلا ينبغي الاعتناء به عمليّا ، ولا ينبغي تبديل أسلوب التعامل معه ولا تغيير الروابط مع ذلك الطرف ، فعلى هذا الأساس فإنّ الإثم هو إعطاء الأثر وترتّبه عليه.

ولذلك نقرأ في هذا الصدد حديثا عن نبيّ الإسلام يقول فيه : «ثلاث في المؤمن لا يستحسن ، وله منهنّ مخرج فمخرجه من سوء الظن ألّا يحقّقه»(١) إلى آخر الحديث الشريف.

٢ ـ يستطيع الإنسان أن يبعد عن نفسه سوء الظن بالتفكير في المسائل المختلفة ، بأن يفكر في طريق الحمل على الصحة ، وأن يجسّد في ذهنه الاحتمالات الصحيحة الموجودة في ذلك العمل ، وهكذا يتغلب تدريجا على سوء الظنّ!

فبناء على هذا ليس سوء الظن شيئا (ذا بال) بحيث يخرج عن اختيار الإنسان دائما! لذلك

فقد ورد في الروايات أنّه : «ضع أمر أخيك على أحسنه حتى يأتيك ما يقلبك منه ، ولا تظنّنّ بكلمة خرجت من أخيك سوءا وأنت تجد لها في الخير

__________________

(١) المحجّة البيضاء ، ج ٥ ، ص ٢٦٩.

٥٤٩

محملا»(١) .

وعلى كلّ حال فإنّ هذا الأمر واحد من أكثر الأوامر والتعليمات جامعيّة ودقّة في مجال روابط الإنسان الاجتماعية الذي تضمن الأمن في المجتمع بشكل كامل! وسيأتي بيانه وتفصيله في فقرة البحوث.

ثمّ تذكر الآية موضوع «التجسّس» فتنهى عنه بالقول :( وَلا تَجَسَّسُوا ) !.

و «التجسّس» و «التحسّس» كلاهما بمعنى البحث والتقصّي ، إلّا أنّ الكلمة الأولى غالبا ما تستعمل في البحث عن الأمور غير المطلوبة ، والكلمة الثانية على العكس حيث تستعمل في البحث عن الأمور المطلوبة أو المحبوبة! ومنه ما ورد على لسان يعقوب في وصيته ولده!( يا بَنِيَّ اذْهَبُوا فَتَحَسَّسُوا مِنْ يُوسُفَ وَأَخِيهِ ) (٢) .

وفي الحقيقة إنّ سوء الظن باعث على التجسّس ، والتجسس باعث على كشف الأسرار وما خفي من أمور الناس ، والإسلام لا يبيح أبدا كشف أسرار الناس!

وبتعبير آخر إنّ الإسلام يريد أن يكون الناس في حياتهم الخاصة آمنين من كل الجهات ، وبديهي أنه لو سمح الإسلام لكلّ أحد أن يتجسّس على الآخرين فإنّ كرامة الناس وحيثيّاتهم تتعرض للزوال ، وتتولد من ذلك «حياة جهنمية» يحسّ فيها جميع أفراد المجتمع بالقلق والتمزّق!.

وبالطبع فإنّ هذا الأمر لا ينافي وجود أجهزة «مخابرات» في الحكومة الإسلامية لمواجهة المؤامرات ، ولكنّ هذا لا يعني أنّ لهذه الأجهزة حق التجسّس في حياة الناس الخاصّة «كما سنبيّن ذلك بإذن الله فيما بعد».

وأخيرا فإنّ الآية تضيف في آخر هذه الأوامر والتعليمات ما هو نتيجة الأمرين السابقين ومعلولهما فتقول :( وَلا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضاً ) .

__________________

(١) أصول الكافي ، ج ٢ ، باب التهمة وسوء الظن ، الحديث ٣ ، وقد ورد شبيه هذا المعنى في نهج البلاغة مع شيء من التفاوت في «الكلمات القصار ، رقم ٣٦٠».

(٢) يوسف ، الآية ٨٧.

٥٥٠

وهكذا فإنّ سوء الظن هو أساس التجسس ، والتجسس يستوجب إفشاء العيوب والأسرار ، والاطلاع عليها يستوجب الغيبة ، والإسلام ينهى عن جميعها علة ومعلولا!

ولتقبيح هذا العمل يتناول القرآن مثلا بليغا يجسّد هذا الأمر فيقول :( أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتاً فَكَرِهْتُمُوهُ ) !.

أجل ، إنّ كرامة الأخ المسلم وسمعته كلحم جسده ، وابتذال ماء وجهه بسبب اغتيابه وإفشاء أسراره الخفية كمثل أكل لحمه.

كلمة «ميتا» للتعبير عن أنّ الاغتياب إنّما يقع في غياب الأفراد ، فمثلهم كمثل الموتى الذين لا يستطيعون أن يدافعوا عن أنفسهم ، وهذا الفعل أقبح ظلم يصدر عن الإنسان في حق أخيه!.

أجل ، إنّ هذا التشبيه يبيّن قبح الاغتياب وإثمه العظيم.

وتولي الروايات الإسلامية ـ كما سيأتي بيانها ـ أهمية قصوى لمسألة الاغتياب ، ونادرا ما نجد من الذنوب ما فيه من الإثم إلى هذه الدرجة.

وحيث أنّه من الممكن أن يكون بعض الأفراد ملوّثين بهذه الذنوب الثلاثة ويدفعهم وجدانهم إلى التيقّظ والتنبّه فيلتفتون إلى خطئهم ، فإنّ السبيل تفتحه الآية لهم إذ تختتم بقوله تعالى :( وَاتَّقُوا اللهَ إِنَّ اللهَ تَوَّابٌ رَحِيمٌ ) .

فلا بدّ أن تحيا روح التقوى والخوف من الله أوّلا : وعلى أثر ذلك تكون التوبة والإنابة لتشملهم رحمة الله ولطفه.

* * *

بحوث

١ ـ الأمن الاجتماعي الكامل

! إنّ الأوامر أو التعليمات الستة الواردة في الآيتين آنفتي الذكر (النهي عن السخرية واللمز والتنابز بالألقاب وسوء الظن والتجسس والاغتياب) إذا نفّذت

٥٥١

في المجتمع فإنّ سمعة وكرامة الأفراد في ذلك المجتمع تكون مضمونة من جميع الجهات ، فلا يستطيع أحد أن يسخر من الآخرين ـ على أنه أفضل ـ ولا يمدّ لسانه باللمز ، ولا يستطيع أن يهتك حرمتهم باستعمال الألقاب القبيحة ولا يحقّ له حتى أن يسيء الظن بهم ، ولا يتجسس عن حياة الأفراد الخاصة ولا يكشف عيوبهم الخفية (باغتيابهم).

وبتعبير آخر إنّ للإنسان رؤوس أموال أربعة ويجب أن تحفظ جميعا في حصن هذا القانون وهي : «النفس والمال والناموس وماء الوجه».

والتعابير الواردة في الآيتين محل البحث والروايات الإسلامية تدل على أنّ ماء وجه الأفراد كأنفسهم وأموالهم بل هو أهم من بعض الجهات.

الإسلام يريد أن يحكم المجتمع أمن مطلق ، ولا يكتفي بأن يكفّ الناس عن ضرب بعضهم بعضا فحسب ، بل أسمى من ذلك بأن يكونوا آمنين من ألسنتهم ، بل وأرقى من ذلك أن يكونوا آمنين من تفكيرهم وظنّهم أيضا وأن يحسّ كل منهم أنّ الآخر لا يرشقه بنبال الاتهامات في منطقة أفكاره.

وهذا الأمن في أعلى مستوى ولا يمكن تحقّقه إلّا في مجتمع رسالي مؤمن.

يقول النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في هذا الصدد : «إنّ الله حرّم من المسلم دمه وماله وعرضه وأن يظنّ به السوء»(١) .

إنّ سوء الظن لا أنّه يؤثر على الطرف المقابل ويسقط حيثيّته فحسب ، بل هو بلاء عظيم على صاحبه لأنّه يكون سببا لإبعاده عن التعاون مع الناس ويخلق له عالما من الوحشة والغربة والانزواء كما ورد في حديث عن أمير المؤمنين عليعليه‌السلام أنّه قال : «من لم يحسن ظنّه استوحش من كلّ أحد»(٢) .

وبتعبير آخر ، إنّ ما يفصل حياة الإنسان عن الحيوان ويمنحها الحركة والرونق

__________________

(١) المحجّة البيضاء ، ج ٥ ، ص ٢٦٨.

(٢) غرر الحكم الصفحة ٦٩٧.

٥٥٢

والتكامل هو روح التعاون الجماعي ، ولا يتحقق هذا الأمر إلّا في صورة أن يكون الاعتماد على الناس (وحسن الظن بهم) حاكما في حين أنّ سوء الظن يهدم قواعد هذا الاعتماد ، وتنقطع به روابط التعاون ، وتضعف به الروح الاجتماعية.

وهكذا الحال في التجسس والغيبة أيضا.

إنّ سيئ النظرة والظن يخافون من كلّ شيء ويستوحشون من كلّ أحد وتستولي على أنفسهم نظرة الخوف ، فلا يستطيعون أن يقفوا على ولي ومؤنس يطوي الهموم ، ولا يجدون شريكا للنشاطات الاجتماعية ، ولا معينا ونصيرا ليوم الشدّة!

ولا بأس بالالتفات إلى هذه اللطيفة ، وهي أنّ المراد من «الظن» هنا هو الظن الذي لا يستند إلى دليل ، فعلى هذا إذا كان الظن في بعض الموارد مستندا إلى دليل فهو ظنّ معتبر ، وهو مستثنى من هذا الحكم ، كالظن الحاصل من شهادة نفرين عادلين.

٢ ـ لا تجسّسوا!

رأينا أنّ القرآن يمنع جميع أنواع التجسس بصراحة تامّة ، وحيث إنّه لم يذكر قيدا أو شرطا في الآية فيدل هذا على أنّ التجسس في أعمال الآخرين والسعي إلى إذاعة أسرارهم إثم ، إلّا أنّ القرائن الموجودة داخل الآية وخارجها تدل على أنّ هذا الحكم متعلّق بحياة الأفراد الشخصية والخصوصية.

ويصدق هذا الحكم أيضا في الحياة الاجتماعية في صورة أن لا يؤثر في مصير المجتمع.

لكن من الواضح أنّه إذا كان لهذا الحكم علاقة بمصير المجتمع أو مصير الآخرين فإنّ المسألة تأخذ طابعا آخر ، ومن هنا فإنّ النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كان قد أعدّ أشخاصا وأمرهم أن يكونوا عيونا لجمع الأخبار واستكشاف المجريات

٥٥٣

واستقصائها ليحيطوا بما له علاقة بمصير المجتمع.

ومن هذا المنطلق أيضا يمكن للحكومة الإسلامية أن تتّخذ أشخاصا يكونون عيونا لها أو منظمة واسعة للإحاطة بمجريات الأمور ، وأن يواجهوا المؤامرات ضد المجتمع أو التي يراد بها إرباك الوضع الأمني في البلاد ، فيتجسّسوا للمصلحة العامة حتى لو كان ذلك في إطار الحياة الخاصة للأفراد!

إلّا أنّ هذا الأمر لا ينبغي أن يكون ذريعة لهتك حرمة هذا القانون الإسلامي الأصيل ، وأن يسوّغ بعض الأفراد لأنفسهم أن يتجسّسوا في حياة الأفراد الخاصة بذريعة التآمر والإخلال بالأمن ، فيفتحوا رسائلهم مثلا ، أو يراقبوا الهاتف ويهجموا على بيوتهم بين حين وآخر!!

والخلاصة أنّ الحدّ بين التجسس بمعناه السلبي وبين كسب الأخبار الضرورية لحفظ أمن المجتمع دقيق وظريف جدا ، وينبغي على مسئولي إدارة الأمور الاجتماعية أن يراقبوا هذا الحدّ بدقّة لئلّا تهتك حرمة أسرار الناس ، ولئلّا يتهدّد أمن المجتمع والحكومة الإسلامية!.

٣ ـ الغيبة من أعظم الذنوب وأكبرها!

قلنا إنّ رأس مال الإنسان المهم في حياته ماء وجهه وحيثيّته ، وأي شيء يهدّده فكأنّما يهدّد حياته بالخطر.

وأحيانا يعدّ اغتيال وقتل الشخصية أهم من اغتيال الشخص نفسه ، ومن هنا كان إثمه أكبر من قتل النفس أحيانا.

إنّ واحدة من حكم تحريم الغيبة أن لا يتعرّض هذا الإعتبار العظيم للأشخاص ورأس المال آنف الذكر لخطر التمزّق والتلوّث وأن لا تهتك حرمة الأشخاص ولا تلوّث وحيثيّاتهم ، وهذا مطلب مهم تلقاه الإسلام باهتمام بالغ!

والأمر الآخر إنّ الغيبة تولّد النظرة السيئة وتضعف العلائق الاجتماعية وتوهنها

٥٥٤

وتتلف رأس المال الاعتماد وتزلزل قواعد التعاون «الاجتماعي»!

ونعرف أنّ الإسلام أولى أهمية بالغة من أجل الوحدة والانسجام والتضامن بين أفراد المجتمع ، فكلّ أمر يقوي هذه الوحدة فهو محل قبول الإسلام وتقديره ، وما يؤدّي إلى الإخلال بالأواصر الاجتماعية فهو مرفوض ، والاغتياب هو أحد عوامل الوهن والتضعيف

ثمّ بعد هذا كلّه فإنّ الاغتياب ينثر في القلوب بذور الحقد والعداوة وربّما أدّى أحيانا إلى الاقتتال وسفك الدماء في بعض الأحيان.

والخلاصة أنّنا حين نقف على أنّ الاغتياب يعدّ واحدا من كبائر الذنوب فإنّما هو لآثاره السيئة فردية كانت أم اجتماعية!

وفي الروايات الإسلامية تعابير مثيرة في هذا المجال نورد هنا على سبيل المثال بعضا منها!

قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «إنّ الدرهم يصيبه الرجل من الربا أعظم عند الله في الخطيئة من ست وثلاثين زنية يزنيها الرجل وأربى الربى عرض الرجل المسلم»(١) .

وما ذلك إلّا لأنّ الزنا وإن كان قبيحا وسيئا ، إلّا أنّ فيه جنبة حق الله ، ولكن الربا وما هو أشدّ منه كإراقة ماء وجه الإنسان وما إلى ذلك فيه جنبة حق الناس.

وقد ورد في رواية أخرى أن النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم خطب يوما بصوت عال ونادى : «يا معشر من آمن بلسانه ولم يؤمن بقلبه! تغتابوا المسلمين ولا تتّبعوا عوراتهم فإنّه من تتّبع عورة أخيه تتّبع الله عورته ومن تتّبع الله عورته يفضحه في جوف بيته»(٢) .

كما ورد في حديث ثالث أن الله أوحى لموسىعليه‌السلام قائلا : «من مات تائبا من

__________________

(١) المحجّة البيضاء ج ٥ ، ص ٢٥٣.

(٢) المصدر السابق ، ص ٢٥٢.

٥٥٥

الغيبة فهو آخر من يدخل الجنة ، ومن مات مصرا عليه فهو أوّل من يدخل النّار»(١) .

كما نقرأ حديثا آخر عن النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنّه قال : «الغيبة أسرع في دين الرجل المسلم من الأكلة في جوفه»(٢) .

وهذا التشبيه يدلّ على أن الاغتياب كمثل الجرب الذي يأكل اللحم ، فإنّه يذهب بالإيمان بسرعة.

ومع الالتفات إلى أنّ بواعث الغيبة ودوافعها أمور متعدّدة كالحسد والتكبّر والبخل والحقد والأنانية وأمثالها من صفات دميمة وقبيحة يتّضح السرّ في سبب كون الغيبة وتلويث سمعة المسلمين وهتك حرمتهم لها هذا الأثر المدمّر لإيمان الشخص.

والروايات الإسلامية في هذا الصدد كثيرة ، ونختتم بحثنا هذا بذكر حديث آخرنقل عن الإمام الصادقعليه‌السلام إذ يقول : «من روى على مؤمن رواية يريد بها شينه وهدم مروّته ليسقط من أعين الناس أخرجه الله من ولايته إلى ولاية الشيطان فلا يقبله الشيطان»(٣) .

إنّ جميع هذه التأكيدات والعبارات المثيرة إنما هي للأهمية القصوى التي يوليها الإسلام لصون ماء الوجه وحيثيّة المؤمنين الاجتماعية ، وكذلك للأثر المخرّب ـ الذي تتركه الغيبة ـ في وحدة المجتمع والاعتماد المتبادل في القلوب ، وأسوأ من كل ذلك أنت الغيبة تسوق إلى إشعال نار العداوة والبغضاء والنفاق وإشاعة الفحشاء في المجتمع. لأنّه حين تنكشف عيوب الناس الخفيّة عن طريق الغيبة لا تبقى لها خطورة في أعين الناس ويكون التلوّث بها في غاية البساطة!

__________________

(١) المصدر السابق.

(٢) أصول الكافي ، ج ٢ ، باب الغيبة ، الحديث ١ ـ الآكلة نوع من الأمراض الجلدية.

(٣) وسائل الشيعة ، ج ٨ ، الباب ١٥٧ ، الحديث ٢ ، الصفحة ٦٠٨.

٥٥٦

٤ ـ مفهوم الاغتياب؟

«الغيبة» أو الاغتياب كما هو ظاهر الاسم ما يقال في غياب الشخص ، غاية ما في الأمر أنّه بقوله هذا يكشف عيبا من عيوب الناس. سواء كان عيبا جسديا أو أخلاقيّا أو في الأعمال أو في المقال بل حتى في الأمور المتعلّقة به كاللباس والبيت والزوج والأبناء وما إلى ذلك!

فبناء على هذا ما يقال عن الصفات الظاهرة للشخص ، الآخر لا يعدّ اغتيابا ، إلّا أن يراد منه الذم والعيب فهو في هذه الصورة حرام ، كما لو قيل في مقام الذم أنّ فلانا أعمى أو أعور أو قصير القامة أو شديد الأدمة والسمرة أكوس اللحية إلخ

فيتّضح من هذا أنّ ذكر العيوب الخفية بأي قصد كان يعدّ غيبة وهو حرام أيضا ، وذكر العيوب الظاهرة إذا كان بقصد الذم فهو حرام ، سواء أدخلناه في مفهوم الغيبة أم لا؟! كل هذا في ما لو كانت هذه العيوب في الطرف الآخر واقعية ، أمّا إذا لم تكن أصلا فتدخل تحت عنوان «البهتان» وإثمه أشدّ من الاغتياب بمراتب.

ففي حديث ورد عن الإمام الصادقعليه‌السلام أنّه قال : «الغيبة أن تقول في أخيك ما ستره الله عليه ، وأمّا الأمر الظاهر فيه مثل الحدّة والعجلة فلا ، والبهتان أن تقول ما ليس فيه»(١) .

ومن هنا يتبيّن أنّ ما يتبجّح به العوام من أعذار في الغيبة غير مقبول كأن يقول المغتاب : ليس هذا اغتيابا بل هو صفته ، في حين إذا لم يكن قوله الذي يعيبه فيه صفة له فهو بهتان لا أنّه غيبة.

أو أن يقول : هذا كلام أقوله في حضوره أيضا ، في حين أنّ كلامه أمام الطرف الآخر لا يترتّب عليه إثم الاغتياب فحسب ، بل يتحمّل بسبب الإيذاء إثما أكبر ووزرا أثقل.

__________________

(١) أصول الكافي ، ج ٢ ، باب الغيبة والبهت ، الحديث ٧.

٥٥٧

٥ ـ علاج الغيبة والتوبة منها!

إنّ الغيبة كسائر الصفات الذميمة تتحوّل تدريجا إلى صورة مرض نفسي بحيث يلتذ المغتاب من فعله ويحس بالاغتباط والرضا عند ما يريق ماء وجه فلان ، وهذه مرتبة من مراتب المرض القلبي الخطير جدا.

ومن هنا فينبغي على المغتاب أن يسعى إلى علاج البواعث الداخلية للاغتياب التي تكمن في أعماق روحه وتحضّه على هذا الذنب ، من قبيل البخل والحسد والحقد والعداوة والاستعلاء والأنانية!

فعليه أن يطهّر نفسه عن طريق بناء الشخصية والتفكير في العواقب السيئة لهذه الصفات الذميمة وما ينتج عنها من نتائج مشؤومة ، ويغسل قلبه عن طريق الرياضة النفسية ليستطيع أن يحفظ لسانه من التلوّث بالغيبة.

ثمّ يتوجّه إلى مقام التوبة ، وحيث أنّ التوبة من الغيبة فيها «جنبة» حق الناس ، فإنّ عليه إذا كان ممكنا ولا يحصل له أيّ مشكل أو معضل ـ أن يعتذر ممّن اغتابه حتى ولو بصورة مجملة أو معمّاة كأن يقول : إنّني أغتابك أحيانا لجهلي فسامحني واعف عني ولا يطيل في بيان الغيبة وشرحها لئلّا يحدث عامل آخر للفساد أو الإفساد!

وإذا لم يستطع الوصول إلى الطرف الآخر ، أو لا يعرفه ، أو أنّه مضى إلى ربّه فيستغفر له ويعمل صالحا ، فلعلّ الله يغفر له ببركة العمل الصالح ويرضي عنه الطرف الآخر.

٦ ـ موارد الاستثناء!

وآخر ما ينبغي ذكره في شأن الغيبة أنّ قانون الغيبة كأي قانون آخر له استثناءات ، من جملتها أنّه يتفق أحيانا في مقام «الاستشارة» مثلا لانتخاب الزوج أو الشريك في الكسب وما إلى ذلك أن يسأل إنسان أنسانا آخر ، فالأمانة في

٥٥٨

المشورة التي هي قانون إسلامي مسلّم به توجب أن تبيّن العيوب إن وجدت في الشخص الآخر لئلّا يتورّط المسلم في مشكلة ، فمثل هذا الاغتياب بمثل هذا القصد لا يكون حراما.

وكذلك في الموارد الأخرى التي فيها أهداف مهمّة كهدف المشورة في العمل أو لإحقاق الحق أو التظلّم وما إلى ذلك.

وبالطبع فإنّ «المتجاهر بالفسق» خارج عن موضوع الغيبة ، ولو ذكر إثمه في غيابه فلا إثم على مغتابه ، إلّا أنّه ينبغي الالتفات إلى أنّ هذا الحكم خاص بالذنب الذي يتجاهر به فحسب.

وممّا يسترعي الالتفات أيضا هو أنّ الغيبة ليست حراما فحسب ، فالاستماع إليها حرام أيضا ، والحضور في مجلس الاغتياب حرام ، بل يجب طبقا لبعض الروايات أن يردّ على المغتاب ، يعني أن يدافع عن أخيه المسلم الذي يراد إراقة ماء وجهه ، وما أحسن مجتمعا تراعى فيه هذه الأصول الأخلاقية بدقّة!

* * *

٥٥٩

الآية

( يا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْناكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثى وَجَعَلْناكُمْ شُعُوباً وَقَبائِلَ لِتَعارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللهِ أَتْقاكُمْ إِنَّ اللهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ (١٣) )

التّفسير

التقوى أغلى القيم الإنسانية :

كان الخطاب في الآيات السابقة موجّها للمؤمنين وكان بصيغة :( يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ) وقد نهى الذكر الحكيم في آيات متعدّدة عمّا يوقع المجتمع الإسلامي في خطر ، وتكلّم في جوانب من ذلك.

في حين أنّ الآية محل البحث تخاطب جميع الناس وتبيّن أهم أصل يضمن النظم والثبات ، وتميّز الميزان الواقعي للقيم الإنسانية عن القيم الكاذبة والمغريات الباطلة. فتقول :( يا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْناكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثى وَجَعَلْناكُمْ شُعُوباً وَقَبائِلَ لِتَعارَفُوا ) .

والمراد بـ( خَلَقْناكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثى ) هو أصل الخلقة وعودة أنساب الناس إلى «آدم وحواء» ، فطالما كان الجميع من أصل واحد فلا ينبغي أن تفتخر قبيلة على

٥٦٠

561

562

563

564

565

566

567

568

569

570

571

572

573

574

575

576

577

578

579

580

581

582

583

584

585

586

587

588

589

590

591

592