الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل الجزء ١٦

الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل6%

الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل مؤلف:
تصنيف: تفسير القرآن
الصفحات: 592

الجزء ١ الجزء ٢ الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥ الجزء ٦ الجزء ٧ الجزء ٨ الجزء ٩ الجزء ١٠ الجزء ١١ الجزء ١٢ الجزء ١٣ الجزء ١٤ الجزء ١٥ الجزء ١٦ الجزء ١٧ الجزء ١٨ الجزء ١٩ الجزء ٢٠
  • البداية
  • السابق
  • 592 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 183945 / تحميل: 6192
الحجم الحجم الحجم
الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل

الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل الجزء ١٦

مؤلف:
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

لتعذره فيه ، وتحريم الاجتياز بغير طهارة ، ولقول الباقرعليه‌السلام : « إذا كان الرجل نائما في المسجد الحرام أو مسجد الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فاحتلم وأصابه جنابة ، فليتيمم ولا يمرّ في المسجد إلّا متيمماً »(1) ولا بأس أن يمرّ في سائر المساجد ، ولا يجلس في شيء من المساجد ، ويجب عليه القصد إلى أقرب الابواب إليه.

الرابع : لو كان في المسجد ماءً كثير ، فالأقرب عندي جواز الدخول إليه والاغتسال فيه ما لم يلوّث المسجد بالنجاسة.

الخامس : لا يجوز للجنب وضع شيء في المساجد مطلقاًً على الاشهر خلافاً لسلار(2) ، ويجوز له الاخذ منها لقول الصادقعليه‌السلام وقد سئل عن الجنب والحائض يتناولان من المسجد المتاع يكون فيه ، قال : « نعم ، ولكن لا يضعان في المسجد شيئاً »(3) .

مسألة 71 : يكره للجنب أشياء :

ا لأول : حمل المصحف ومس أوراقه ، وتحرم الكتابة ، ومنع منه أكثر الجمهور(4) وقد تقدم(5) وقول الكاظمعليه‌السلام : « المصحف لا يمسه على غير طهر ولا جنباً ولا يعلّقه ، إنّ الله تعالى يقول :( لا يمسه إلاالمطهرون ) (6) »(7) محمول على الكراهية.

____________

1 ـ الكافي 3 : 73 / 14 ، التهذيب 1 : 407 / 1280.

2 ـ المراسم : 42.

3 ـ الكافي 3 : 51 / 8 ، التهذيب 1 : 125 / 339.

4 ـ المجموع 2 : 67 ، المغني 1 : 169 ، الشرح الكبير 1 : 229 ، كفاية الأخيار 1 : 50 ، مغني المحتاج 1 : 36 ، تفسير القرطبي 17 : 227 ، المحلى 1 : 84.

5 ـ تقدم في مسألة 69.

6 ـ الواقعة : 79.

7 ـ التهذيب 1 : 127 / 344 ، الاستبصار 1 : 113 / 378.

٢٤١

ا لثاني : النوم إلّا أن يتوضأ ، ذهب إليه علماؤنا ، وبه قال عليعليها‌السلام وعبد الله بن عمر وأحمد(1) ، لأنّ ابن عمر سأل النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أيرقد أحدنا وهو جنب؟ قال : ( نعم اذا توضأ )(2) .

ومن طريق الخاصة قول الصادقعليه‌السلام وقد سئل عن الرجل ينبغي له أن ينام وهو جنب : « يكره ذلك حتى يتوضأ »(3) .

وقال ابن المسيب وأصحاب الرأي : ينام من غير وضوء(4) ، لأنّ عائشة قالت : كان رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يجنب ثم ينام ، ولا يمس ماء‌ا حتى يقوم بعد ذلك ، فيغتسل(5) ، ولأنّه حدث يوجب الغُسل ، فلا يستحب به الوضوء مع بقائه كالحيض.

وتحمل الرواية على الغُسل أو الجواز ، وحدث الحائض ملازم.

الثالث : الأكل والشرب ما لم يتمضمض ويستنشق ، ذهب إليه علماؤنا لقول الباقرعليه‌السلام : « الجنب اذا أراد أن يأكل ويشرب غسل يده وتمضمض ، وغسل وجهه وأكل وشرب »(6) .

وقال أحمد : يغسل فرجه ويتوضأ ، وهو مروي عن عليعليه‌السلام ، وعبد الله بن عمر(7) لرواية عائشة أنّ النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كان إذا أراد أن يأكل أو ينام توضأ(8) ، يعني وهو جنب ، وبه رواية عن الباقر عليه

____________

1 ـ المجموع 2 : 158 ، المغني 1 : 261 ، الشرح الكبير 1 : 259 ، عمدة القارئ 3 : 243.

2 ـ صحيح البخاري 1 : 80 ، صحيح مسلم : 248 / 306 ، سنن ابن ماجة 1 : 193 / 585.

3 ـ الفقيه 1 : 47 / 179.

4 ـ المجموع 2 : 158 ، المغني 1 : 261 ، الشرح الكبير 1 : 259 ، عمدة القارئ 3 : 243.

5 ـ سنن ابن ماجة 1 : 192 / 581 ، سنن الترمذي 1 : 202 / 118 ، سنن البيهقي 1 : 201.

6 ـ الكافي 3 : 50 / 1 ، التهذيب 1 : 129 / 354.

7 ـ المغني 1 : 261 ، الشرح الكبير 1 : 259 ، عمدة القارئ 3 : 243 ، الإنصاف 1 : 260.

8 ـ صحيح مسلم 1 : 248 / 305 ، سنن أبي داود 1 : 57 / 224 ، سنن ابن ماجة 1 : 194 / 591.

٢٤٢

السلام(1) .

و عن أحمد رواية أنّه يغسل كفيه ، ويتمضمض ـ وبه قال إسحاق وأصحاب الرأي(2) ـ وعليه دلت الرواية الاُولى عن الباقر عليه السام(3) ، وقال مجاهد : يغسل كفيه ، وبه قال مالك إن كان أصابهما أذى(4) .

الرابع : الخضاب وهو قول أكثر علمائنا(5) ـ خلافاً لابن بابويه(6) ـ لقول الصادقعليه‌السلام : « لا يختضب الرجل وهو جنب »(7) .

قال المفيد : ولا حرج لو أجنب بعد الخضاب(8) ، ولو قيل بالكراهية كان وجها لأنّه علل الكراهة ـ مع سبق الجنابة ـ بمنع وصول الماء إلى ظاهر المختضب ، لقول الكاظمعليه‌السلام وقد سئل أيختضب الرجل وهو جنب؟ قال : « لا » قلت : فيجنب وهو مختضب؟ قال : « لا »(9) .

الخامس : الجماع للمحتلم خاصة قبل أن يغتسل ، ولا بأس بتكرار الجماع من غير غسل يتخللها ، لأنّهعليه‌السلام كان يطوف على نسائه بغسل واحد(10) .

____________

1 ـ الكافى 3 : 50 / 1 ، التهذيب 1 : 129 / 354.

2 ـ المغني 1 : 261 ، الشرح الكبير 1 : 259 ، الإنصاف 1 : 261 ، عمدة القارئ 3 : 243.

3 ـ الكافي 3 : 50 / 1 ، التهذيب 1 : 129 / 354.

4 ـ المدونة الكبرى 1 : 30 ، المغني 1 : 261 ، الشرح الكبير 1 : 259 ، عمدة القارئ 3 : 243 ، المنتقى 1 : 98.

5 ـ منهم الشيخ الطوسي في المبسوط 1 : 29 ، وابن حمزة في الوسيلة : 55 ، والمحقق في المعتبر : 51 ، ويحيى بن سعيد في الجامع للشرائع : 39.

6 ـ الفقيه 1 : 48.

7 ـ التهذيب 1 : 181 / 518 ، الاستبصار 1 : 116 / 387.

8 ـ المقنعة : 7.

9 ـ التهذيب 1 : 181 / 517 ، الاستبصار 1 : 116 / 386.

10 ـ صحيح البخاري 1 : 75 ، سنن أبي داود 1 : 56 / 218 ، سنن ابن ماجة 1 : 194 / 588 ، سنن الدارمي 1 : 192.

٢٤٣

مسألة 72 : قد بيّنا وجوب الاستيعاب ، فلو أهمل لمعة فإن كان مرتبا غسلها وغسل الجانب المتأخر عما هي فيه ليحصل الترتيب ، ولا يجب غسل الجانب الذي هي فيه ، وإن كان أسفل منها لاجزاء النكس هنا ، بخلاف الوضوء ، وإن كان مرتمسا احتمل ذلك لمساواته المرتب فيساويه في الحكم ، والاكتفاء بغسلها والإعادة ، وإذا جرى الماء تحت قدم الجنب أجزأه ، وإلا وجب غسله.

ولا تنقض المرأة شعرها مع وصول الماء إلى أصله ، لقول الصادقعليها‌السلام : « لا تنقض المرأة شعرها إذا اغتسلت من الجنابة »(1) ولو لم يصل إلا بالحل وجب ، وبه قال الشافعي(2) ، وقال النخعي : يجب نقضه بكل حال(3) ، وقال مالك : لا يجب نقضه بكل حال(4) .

ولو كان في رأسها حشو ، فإن كان رقيقاً كالدهن لا يمنع من وصول الماء اكتف بالصب ، وإلّا وجب إزالته.

مسألة 73 : يجزي غسل الجنابة عن الوضوء بإجماع أهل البيتعليهم‌السلام سواء جامعه حدث أصغر أو أكبر ، وأطبق العلماء على عدم إيجاب الوضوء إلّا ما حكي عن داود وأبي ثور ، فإنهما أوجباهما معاً ، وهو وجه للشافعية(5) لقوله تعالى :( حتى تغتسلوا ) (6) وقالت عائشة : كان

__________________

1 ـ الكافي 3 : 45 / 16 ، التهذيب 1 : 162 / 466.

2 ـ الاُم 1 : 40 ، المجموع 2 : 187 ، كفاية الأخيار 1 : 25 ، مغني المحتاج 1 : 73 ، فتح العزيز 2 : 167.

3 ـ المجموع 2 : 187 ، الشرح الكبير 1 : 251.

4 ـ بُلغة السالك 1 : 64 ، فتح العزيز 2 : 168.

5 ـ المجموع 2 : 186 و 195 ، مغني المحتاج 1 : 76 ، المغني 1 : 250 ، الشرح الكبير 1 : 257 ، عمدة القارئ 3 : 191 ، نيل الأوطار 1 : 306 ـ 307.

6 ـ النساء : 43.

٢٤٤

رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لا يتوضأ بعد الغُسل من الجنابة(1) .

ومن طريق الخاصة قول الباقرعليه‌السلام وقد قال له محمد بن مسلم : إنّ أهل الكوفة يروون عن عليعليه‌السلام أنّه كان يأتي بالوضوء قبل الغُسل من الجنابة : « كذبوا على عليعليه‌السلام ما وجدوا ذلك في كتاب عليعليه‌السلام ، قال الله تعالى :( وإن كُنتم جنباً فاطّهّروا ) (2) »(3) ، وقول الكاظمعليه‌السلام : « ولا وضوء عليه »(4) .

ولأنّ العبادتين إذا كانتا من جنس واحد ، وإحداهما صغرى والاُخرى كبرى جاز أن يدخل الصغرى في الكبرى ، كالحج والعمرة عندهم(5) .

فروع :

الأول : لو توضأ معتقداً أن الغُسل لا يجزيه كان مبدعاً وصح غسله.

الثاني : قال بعض الشافعية : يجب عليه غسل واحد عنهما ، لكن يترتب فيه أعضاء الوضوء ، لأنّ الترتيب واجب في الوضوء(6) ، وهو حق عندنا ، لأنّ الترتيب واجب في الغُسل إلّا مع الارتماس.

الثالث : اختلف علماؤنا في غير غسل الجنابة ، فقال المرتضى : إنّه كاف عن الوضوء وإن كان الغُسل مندوباً(7) ، لقول الباقرعليه‌السلام :

__________________

1 ـ سنن ابن ماجة 1 : 191 / 579 ، سنن الترمذي 1 : 179 / 107 ، سنن النسائي 1 : 137.

2 ـ المائدة : 6.

3 ـ التهذيب 1 : 142 / 400 ، الاستبصار 1 : 125 / 426.

4 ـ التهذيب 1 : 142 / 402.

5 ـ المجموع 2 : 195 ـ 196.

6 ـ المجموع 2 : 193.

7 ـ حكاه المحقق في المعتبر : 52.

٢٤٥

« الغُسل يجزي عن الوضوء ، وأي وضوء أطهر من الغُسل »(1) ، وقول الصادقعليه‌السلام : « الوضوء بعد الغُسل بدعة »(2) ويحمل على غسل الجنابة.

وقال الشيخان : لا يكفي(3) ، وهو الأقوى لعموم «فاغسلوا »(4) ولقولالصادقعليه‌السلام : « كلّ غسل قبله وضوء إلّا غسل الجنابة »(5) وقولهعليه‌السلام : « كلّ غسل فيه وضوء إلّا الجنابة »(6) ولأنّهما معلولا علتين اجتمعتا ، فيثبتان لعدم التنافي بينهما.

مسألة 74 : إذا أحدث حدثاً أصغر في أثناء الغُسل قال الشيخ ، وابنا بابويه : يعيد الغُسل(7) ـ وهو الأقوى عندي ـ لأنّ الاصغر يدخل في الاكبر وقد انتقض ما فعله من الاكبر ، فيجب الغُسل من رأس.

وقال المرتضى : يتمّ ويتوضأ(8) ، لأنّ الاصغر يوجب الوضوء لا الغُسل ، ولا ينقضه ، فيسقط وجوب الإعادة ، ولا يسقط حكم الحدث بما بقي من الغسل.

وقال ابن البراج : يتمّ ولا شيء عليه(9) ، لأنّه قبل إكمال الغُسل جنب ، والأصغر يدخل تحت الأكبر.

وقال الشافعي : لو غسل الجنب جميع بدنه إلّا رجليه ، ثم أحدث لم

__________________

1 ـ التهذيب 1 : 139 /390 ، الاستبصار 1 : 126 / 427 ، وذيله في الكافي 3 : 45 ذيل الحديث 13.

2 ـ الكافي 3 : 45 / 12 ، التهذيب 1 : 140 / 395.

3 ـ المقنعة : 6 ، المبسوط للطوسي 1 : 30.

4 ـ المائدة : 6.

5 ـ الكافي 3 : 45 / 13 ، التهذيب 1 : 139 / 391 ، الاستبصار 1 : 126 / 428.

6 ـ التهذيب 1 : 143 / 403 و 303 / 881.

7 ـ المبسوط للطوسي 1 : 29 ـ 30 ، الفقيه 1 : 49.

8 ـ حكاه المحقق في المعتبر : 52.

9 ـ حكاه أيضاً المحقق في المعتبر : 52.

٢٤٦

يتعلق حكم الحدث بالرجلين ، لوجود حدث الجنابة فيهما ويغسلهما عن الجنابة ثم يتوضأ في أعضاء وضوئه سوى رجليه فهذا وضوء ليس فيه غسل الرجلين ، أو يقال وضوء يبدأ فيه بغسل الرجلين.

ولو غسل الجنب أعضاء وضوئه دون بقية بدنه ثم أحدث لزمه أن يتوضأ ، لأنّ حدثه صادف أعضاء الوضوء وقد زال حكم الجنابة فيها ، فلزمه الوضوء مرتباً ، وإن غسل جميع بدنه إلّا أعضاء الوضوء ثم أحدث لم يلزمه الوضوء ، لأنّ حكم الجنابة باق فيها ، فلا يؤثر فيه الحدث ، ويغسل أعضاءوضوئه للجنابة من غير ترتيب ويجزيه(1) .

مسألة 75 : لو أجنب الكافر وجب عليه الغُسل ، ولم يصح منه إلّا بعد الإسلام ، لاشتراط النيّة وهي منفية عنه ، فلو اغتسل حال كفره لم يصح ، وبه قال الشافعي وله قول آخر : عدم الإعادة ، كالذمية إذا اغتسلت من الحيض لإباحة وطء المسلم(2) ، والأصل ممنوع مع قيام الفرق ، لأنّ غسلها لحق الآدمي دون حقه تعالى ، بخلاف الكافر.

فروع :

الأول : المرتد كالكافر لا يصح غسله إلّا بعد رجوعه.

الثاني : لو ارتدّ المسلم بعد غسله لم يبطل ، وكذا بعد الوضوء والتيمم.

وللشافعي ثلاثة أوجه في الوضوء والتيمم ، أحدها : لا يفسدان ، والثاني :

__________________

1 ـ المجموع 1 : 449 ـ 450.

2 ـ المجموع 2 : 152 ، كفاية الأخيار 1 : 27 ، المغني 1 : 240 ، الشرح الكبير 1 : 238 ، نيل الأوطار 1 : 281.

٢٤٧

يفسدان ، وبه قال أحمد(1) ، والثالث : يفسد التيمم دون الوضوء(2) .

الثالث : لو أسلم ولم يكن مجنباً لم يجب عليه الغُسل ، بل يستحب ـ وبه قال الشافعي(3) ـ للأصل ، ولأن العدد الكثير أسلم على عهدرسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ولم يأمرهم بالغسل ، ولأن الإسلام عبادة ليس من شرطها الغُسل ، فلم يجب كالجمعة.

وقال أحمد ، وأبو ثور ، وابن المنذر : يجب(4) ، لأنّ قيس بن عاصم ، وثمامة بن اثال أسلما فأمرهما النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بالاغتسال(5) . ويحمل على الاستحباب.

مسألة 76 : لا يفسد الماء لو أدخل الجنب أو الحائض أيديهما في الإناء مع عدم النجاسة ـ وبه قال الشافعي(6) ـ لأنّ بدنهما طاهر ، وروى أبو هريرة قال : لقيني رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وأنا جنب فأخذ بيدي فمشيت معه حتى قعد ، ثم انسللت فأتيت الرحل فاغتسلت ، ثم جئت وهو قاعد ، فقال : ( أين كنت يا أبا هريرة؟ ) فقلت له : [ يا رسول الله لقيتني وأنا جنب ، فكرهت أن اجالسك حتى اغتسل ](7) فقال : ( سبحان الله إنّ المؤمن ليس

__________________

1 ـ المغني 1 : 200 ، الشرح الكبير 1 : 225.

2 ـ المجموع 2 : 5 ، المغني 1 : 200 ، الشرح الكبير 1 : 225 ـ 226.

3 ـ الاُم 1 : 38 ، المجموع 2 : 153 ، كفاية الأخيار 1 : 27 ، المغني 1 : 239 ، الشرح الكبير 1 : 237.

4 ـ المغني 1 : 239 ، الشرح الكبير 1 : 237 ، المجموع 2 : 153 ، سبل السلام 1 : 140 ، نيل الاوطار 1 : 281.

5 ـ صحيح البخاري 1 : 125 ، سنن النسائي 1 : 109 ، مسند أحمد 5 : 61.

6 ـ حلية العلماء 1 : 178.

7 ـ الزيادة من المصدر.

٢٤٨

بنجس )(1) .

وقال أبو يوسف : إنّ أدخل يده لم يفسد الماء ، وإن أدخل رجله فسد ، لأنّ الجنب نجس ، وعفي عن يده للحاجة(2) . وهو غلط لما تقدم.

ويكره للجنب أن يغتسل في الماء الراكد وإن كثر ـ وبه قال الشافعي(3) ـ لقولهعليه‌السلام : ( لا يبولن أحدكم في الماء الدائم ، ولا يغتسل فيه من الجنابة )(4) ، ويكره في البئر أيضاً ، وهو قول الشافعي(5) وعند أكثر علمائنا أنها تنجس(6) .

مسألة 77 : الموالاة ليست واجبة هنا للأصل ، وهو مذهب علمائنا ، وعند الشافعي أنها واجبة(7) .

وتكره الاستعانة ، ويحرم التولية ، وقد تقدم البحث في ذلك كله في الوضوء.

وهل تستحب التسمية؟ للشافعي وجهان : الثبوت لأنّها طهارة عن حدث ، والعدم لأنّ نظمها نظم القرآن(8) ، ولو أخل بالمضمضة والاستنشاق

__________________

1 ـ صحيح البخاري 1 : 79 ، صحيح مسلم 1 : 282 / 371 ، سنن أبي داود 1 : 59 / 231 ، سنن ابن ماجة 1 : 178 / 534 ، سنن الترمذي 1 : 207 / 121 ، سنن النسائي 1 : 145 ، مسند أحمد 2 : 235 و 382 و 471.

2 ـ المبسوط للسرخسي 1 : 53 ، المغني 1 : 246 ، الشرح الكبير 1 : 262 ، حلية العلماء 1 : 178.

3 ـ المجموع 2 : 196 ، كفاية الأخيار 1 : 26 ، المحلى 1 : 211.

4 ـ صحيح البخاري 1 : 68 ، صحيح مسلم 1 : 235 / 282 ، سنن النسائي 1 : 197 ، سنن أبي داود 1 : 18 / 70 ، سنن الدارمي 1 : 186 ، سنن ابن ماجة 1 : 124 / 344.

5 ـ المجموع 2 : 196.

6 ـ منهم الشيخ الطوسي في المبسوط 1 : 12 ، وسلار في المراسم : 36 ، وابن البراج في المهذب 1 : 22 ، ويحيى بن سعيد في الجامع للشرايع : 19 ، وابن إدريس في السرائر : 12.

7 ـ المجموع 1 : 453.

8 ـ المجموع 2 : 181 ، كفاية الأخيار 1 : 25.

٢٤٩

قال الشافعي : يستحب إعادة الغُسل(1) وليس بمعتمد.

ومقطوع الأنف والشفتين يجب عليه غسل ما ظهر بالقطع في الجنابة والوضوء ، لتغير الموضع عما كان ، وزوال الحائل فصار ظاهراً كما لو تقشرالجلد ، وهو أحد وجهي الشافعي ، والثاني : لا يجب ، لأنّه باطن بأصل الخلقة(2) .

وغير المختون إن كان مرتتقا لم يجب كشف البشرة معاً وإلّا وجب ، ويغسل الباطن والظاهر أيضاً ، وللشافعي وجهان ، أحدهما : الوجوب لأنّ الجلدة مستحقة الإزالة شرعاً ، ولهذا لو أزالها إنسان لم يضمن(3) .

مسألة 78 : المرأة كالرجل في الغُسل وكيفيته ، نعم ينبغي لها الاستظهار في الايصال إلى اصول الشعر ، ولا يجب على البكر إيصال الماء إلى باطن فرجها ، وكذا الثيب ، وللشافعي في غسل باطنه في الحيض وجهان ، وفي الجنابة كذلك إنّ قال بنجاسة رطوبة الفرج(4) .

وهل يجب على السيد شراء الماء للوضوء والغسل؟ يحتمل ذلك كالفطرة ، والعدم كدم التمتع ، والمائية لها بدل وهو التيمم ، فينتقل إليه كماينتقل إلى الصوم ، وللشافعي كالوجهين ، وكذا الوجهان في المرأة(5) .

وقيل : لا يلزم شراء ماءً غسل الحيض والنفاس ، لأنّه من جملة مؤونة التمكين الواجب عليها.

__________________

1 ـ قال النووي في المجموع 2 : 197 نقلاً عن الشافعي : إنّ ترك الوضوء والمضمضة والاستنشاق فقد أساء ويستأنف المضمضة والاستنشاق.

2 ـ المجموع 1 : 382 و 2 : 199 ، فتح العزيز 2 : 165 ، كفاية الأخيار 1 : 25.

3 ـ المجموع 2 : 199 ، فتح العزيز 2 : 165 ، كفاية الأخيار 1 : 25.

4 ـ المجموع 2 : 186 ، فتح العزيز 2 : 165 ـ 166 ، كفاية الأخيار 1 : 25.

5 ـ المجموع 2 : 200.

٢٥٠

الفصل الثاني : في الحيض.

و فيه مطالب :

الأول : في ماهيته ، وهو لغة السيل ، وشرعاً الدم الذي له تعلق بانقضاء العدة إمّا بظهوره ، أو بانقطاعه على الخلاف ، وهو دم يرجئه الرحم إذا بلغت المرأة ، ثم يعتادها في أوقات معلومة ، لحكمة تربية الولد ، فإذاحملت انصرف ذلك الدم بإذن الله تعالى إلى تغذيته ، ولهذا قل أن تحيض الحامل ، فإذا وضعت الولد خلع الله تعالى عنه صورة الدم ، وكساه صورة اللبن ليغتذي به الطفل ، فإذا خلت المرأة من حمل ورضاع بقي ذلك الدم لامصرف له ، فيستقر في مكان ثم يخرج في الغالب في كلّ شهر ستة أيام ، أوسبعة ، وقد يزيد ويقلّ على حسب اختلاف الامزجة.

و هو في الأغلب أسود ، أو أحمر غليظ حار ، له دفع ، قال الصادقعليه‌السلام : « دم الحيض حار عبيط أسود »(1) والعبيط : الطري ، وقال الباقرعليه‌السلام : « إذا رأت الدم البحراني فلتدع الصلاة »(2) والبحراني : الأحمر الشديد الحمرة والسواد.

فإن اشتبه بدم العُذرة أدخلت المرأة قطنة ، فإن خرجت مطوقة فهو

____________

1 ـ الكافي 3 : 91 / 1 ، التهذيب 1 : 151 / 429.

2 ـ الكافي 3 : 86 / 1 ، التهذيب 1 : 383 / 1183.

٢٥١

لعذرة ، وإن خرجت منغمسة فهو حيض ، لقول الباقرعليه‌السلام والكاظمعليه‌السلام : « فإن خرجت مطوقة فهو من العذرة ، وإن خرجت منتقعة بالدم فهو من الطمث »(1) .

وان اشتبه بدم القرح أدخلت إصبعها ، فإن كان خارجاً من الأيمن فهو دم قرح ، وإن كان من الأيسر فهو حيض ، وهو الاشهر ، ورواه الشيخ في التهذيب عن الصادقعليه‌السلام (2) ، وأما ابن يعقوب فإنه روى عن الصادقعليه‌السلام العكس(3) ، وبه قال ابن الجنيد(4) .

مسألة 79 : لا حيض مع سن الصغر ، وهي من لم تكمل تسع سنين ، فلو رأت قبلها وإن كان بشيء يسير ما هو بصفة الحيض لم يكن حيضاً ، وهذا تحديد تحقيق لا تقريب ، وللشافعي قولان(5) .

وله ثلاثة أقوال في أول وقت إمكانه : أول التاسعة ، وبعد ستة أشهر منها ، وأول العاشرة(6) .

ولا حيض أيضاً مع اليأس ، وهو بلوغ خمسين سنة في غير القرشية والنبطية ، وبلوغ ستين فيهما ، لقول الصادقعليه‌السلام : « إذا بلغت المرأة خمسين سنة لم ترَ حمرة ، إلّا أن تكون امرأة من قريش »(7) ورويت روايتان مطلقتان : إحداهما بخمسين(8) ، والاُخرى بستين(9) ، وهما محمولتان على

__________________

1 ـ الكافي 3 : 94 / 2 و 1 ، التهذيب 1 : 152 / 432 و 385 / 1184 ، المحاسن : 307 / 21 و 308 / 22.

2 ـ التهذيب 1 : 385 / 1185.

3 ـ الكافي 3 : 94 / 3.

4 ـ حكاه المحقق في المعتبر : 52.

5 ـ المجموع 2 : 373.

6 ـ الوجيز 1 : 25 ، المجموع 2 : 373 ، فتح العزيز 2 : 410.

7 ـ الكافي 3 : 107 / 3 ، الفقيه 1 : 51 / 198 ، التهذيب 1 : 397 / 1236.

8 ـ الكافي 3 : 107 / 4 ، التهذيب 1 : 397 / 1237.

9 ـ الكافي 3 : 107 / 2 ، التهذيب 7 : 469 / 1881.

٢٥٢

هذا التفصيل ، فاذا بلغت المرأة هذا السن كان الدم استحاضة.

وعن أحمد روايتان ، إحداهما : خمسون ، والثانية : ستون(1) ، وبالفرق قال أهل المدينة(2) .

مسألة 80 : الصفرة والكدرة في أيام الحيض حيض وفي أيام الطُهر طهر ، كما أن الأسود العبيط في أيام الطُهر دم فساد ، وروي عن الصادقعليه‌السلام : « أن الصفرة حيض إن كان قبل الحيض بيومين ، وإن كان بعده بيومين فليس منه »(3) .

وللشافعية كالأول واختلفوا ، فقال بعضهم : الصفرة والكدرة في أيام الإمكان حيض ، وقال آخرون : في أيام العادة ، وقال بعضهم : إنّ تقدمها دم أسود وإن كان بعض يوم(4) ، وبالأول قال ربيعة ، ومالك ، وسفين ، والأوزاعي ، وأحمد ، وإسحاق ، وأبو حنيفة ، ومحمد(5) ، لقوله تعالى :( ويسألونك عن المحيض قل هو أذى ) (6) وهو يتناول الصفرة والكدرة ، ولأنّه دم في زمان الإمكان لم يجاوزه فكان حيضاً كالاسود.

وقال أبو يوسف : الصفرة حيض والكدرة ليست حيضاً إلّا أن يتقدمها دم أسود(7) ، وقال أبو ثور : إنّ تقدمهما دم أسود فهما حيض ، واختاره ابن

__________________

1 ـ المغني 1 : 406 ، الشرح الكبير 1 : 352 ، المحرر في الفقه 1 : 26 ، الإنصاف 1 : 356.

2 ـ المغني 1 : 406 ، الشرح الكبير 1 : 353.

3 ـ الكافي 3 : 78 / 2 ، الفقيه 1 : 51 / 196 ، التهذيب 1 : 396 / 1231.

4 ـ المجموع 2 : 392 ، مختصر المزني : 11 ، المغني 1 : 383 ، الشرح الكبير 1 : 383 ، بداية المجتهد 1 : 53 ، عمدة القارئ 3 : 309 ـ 310 ، المحلى 2 : 168 ـ 169.

5 ـ المغني 1 : 383 ، الشرح الكبير 1 : 383 ، مسائل أحمد : 24 ، بداية المجتهد 1 : 53 ، اللباب 1 : 42 ، بُلغة السالك 1 : 78 ، المجموع 2 : 395 ، المبسوط للسرخسي 2 : 18 ، المحلى 2 : 168 ـ 169 ، عمدة القارئ 3 : 309 ـ 310.

6 ـ البقرة : 222.

7 ـ الهداية للمرغيناني 1 : 30 ، بدائع الصنائع 1 : 39 ، المجموع 2 : 395 و 396 ، المغني

٢٥٣

المنذر(1) .

وقال داود : ليس بحيض(2) لأنّ اُم عطية ـ وكانت بايعت رسول الله صلي الله عليه وآله ـ قالت : كنا لا نعتد بالصفرة والكدرة بعد الغُسل شيئاً(3) .

مسألة 81 : والأقوى إمكان اجتماع الحيض والحبل ـ وبه قال مالك ، والشافعي ، والليث ، والزهري ، وقتادة ، وإسحاق(4) ـ لأنّ عائشة قالت : إذا رأت الدم لا تصلّي(5) والظاهر إنّه توفيق.

ومن طريق الخاصة قول الصادقعليه‌السلام وقد سئل عن الحبلى ترى الدم أتترك الصلاة؟ : « نعم ، إنّ الحبلى ربما قذفت بالدم(6) وكذا عن الكاظمعليه‌السلام »(7) .

وقال شيء خنا المفيد وابن الجنيد : لا يمكن(8) ، وبه قال جمهور التابعين ، كسعيد بن المسيب ، وعطاء ، والحسن ، وجابر بن زيد ، وعكرمة ، ومحمد بن المنكدر ، والشعبي ، ومكحول ، وحماد ، والثوري ، والأوزاعي ، وأبو حنيفة ، وابن المنذر ، وأبو عبيد ، وأبو ثور ، وأحمد(9) لأنّ

__________________

1 : 383 ، الشرح الكبير 1 : 383 ، المحلى 2 : 169 ، حلية العلماء 1 : 220.

1 ـ المجموع 2 : 396 ، المغني 1 : 383 ، الشرح الكبير 1 : 383 ، المحلى 2 : 169 ، حلية العلماء 1 : 220.

2 ـ بداية المجتهد 1 : 53 ، حلية العلماء 1 : 221.

3 ـ صحيح البخاري 1 : 89 ، سنن أبي داود 1 : 83 / 307 ، سنن ابن ماجة 1 : 212 / 647 ، سنن الدارمي 1 : 215 ، سنن النسائي 1 : 186 و 187.

4 ـ المجموع 2 : 386 ، بداية المجتهد 1 : 53 ، بُلغة السالك 1 : 78 ، المغني 1 : 405 ، الشرح الكبير 1 : 353 ، المبسوط للسرخسي 2 : 20.

5 ـ المغني 1 : 405 ، الشرح الكبير 1 : 353.

6 ـ الكافي 3 : 97 / 5 ، التهذيب 1 : 386 / 1187 ، الاستبصار 1 : 138 / 474.

7 ـ الكافي 3 : 97 / 4 ، التهذيب 1 : 386 / 1189 ، الاستبصار 1 : 139 / 476.

8 ـ أحكام النساء : 11 ، وحكى قول ابن الجنيد المحقق في المعتبر : 53.

9 ـ المجموع 2 : 386 ، المغني 1 : 405 ، بداية المجتهد 1 : 53 ، بُلغة السالك 1 : 78 ، شرح العناية 1 : 143 ، المبسوط للسرخسي 2 : 20 ، الشرح الكبير 1 : 353.

٢٥٤

النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال : ( لا توطأ حامل حتى تضع ، ولا حائل حتى تستبرئ بحيضة )(1) . جعل وجود الحيض علماً على براء‌ة الرحم ، فدل على عدم الاجتماع.

ومن طريق الخاصة قول زين العابدينعليه‌السلام : « قال النبيّ صلي الله عليه وآله : ما جمع الله بين حيض وحبل »(2) .

وللشيخ قول آخر : إنّ رأته في زمان عادتها فهو حيض ، وإن تأخر بعشرين يوماً فليس بحيض(3) ، لقول الصادقعليه‌السلام : « إذا رأت الحامل بعدما يمضي عشرون يوماً من الوقت الذي كانت ترى الدم فيه من الشهر الذي كانت تقعد فيه ، فإن ذلك ليس من الرحم ولا من الطمث فلتتوضأ »(4) الحديث.

قال الشيخ في الخلاف : إجماع الفرقة على أن الحامل المستبين حملها لا تحيض ، وإنّما الخلاف قبل أن يستبين(5) .

مسألة 82 : أقل الحيض ثلاثة أيام بلياليها بلا خلاف بين فقهاء أهل البيتعليهم‌السلام ـ وبه قال أبو حنيفة والثوري(6) ـ لأنّ النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم

__________________

1 ـ سنن أبي داود 2 : 248 / 2157 ، سنن الدارمي 2 : 171 ، مسند أحمد 3 : 87.

2 ـ التهذيب 1 : 387 / 1196 ، الاستبصار 1 : 140 / 481 « وروي فيهما عن الامام الباقرعليه‌السلام ».

3 ـ النهاية : 25.

4 ـ الكافي 3 : 95 / 1 ، التهذيب 1 : 388 / 1197 ، الاستبصار 1 : 140 / 482.

5 ـ حكاه المحقق في المعتبر : 53 ، واُنظر الخلاف 1 : 239 مسألة 205.

6 ـ الهداية للمرغيناني 1 : 30 ، اللباب 1 : 42 ، بدائع الصنائع 1 : 40 ، عمدة القارئ 3 : 307 ، المجموع 2 ، 380 ، فتح العزيز 2 : 412 ، المغني 1 : 354 ، بداية المجتهد 1 : 50 ، الشرح الكبير 1 : 354

٢٥٥

قال : ( أقل الحيض ثلاثة أيام )(1) .

ومن طريق الخاصة قول الصادقعليه‌السلام : « أقل ما يكون الحيض ثلاثة أيام »(2) ولأن الأصل ثبوت العبادة ، فيستصحب ، إلّا مع تعيين المسقط.

وقال أبو يوسف : يومان وأكثر الثالث(3) . وقال مالك : ليس لاقله حدّ يجوز أن يكون ساعة ، لأنّه لو كان أقلّه يوماً لكانت المرأة لا تدع الصلاةحتى يمضي يوم كامل(4) ، وقال أحمد ، وأبو ثور : أقلّه يوم وليلة ـ وهو أحد قولي الشافعي ، والثاني : يوم ، وبه قال داود(5) ـ لدلالة الوجود عليه(6) ، وهو ممنوع.

مسألة 83 : وأكثره عشرة أيام بلا خلاف بين علمائنا ـ وبه قال أبو حنيفة والثوري(7) ـ لقول النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : ( وأكثره عشرة أيام )(8) ، ومن طريق الخاصة قول الرضاعليه‌السلام : « وأبعده عشرة أيام »(9) .

__________________

1 ـ سنن الدارقطني 1 : 219 / 61.

2 ـ الكافي 3 : 75 / 2.

3 ـ بدائع الصنائع 1 : 40 ، الهداية 1 : 143 ، عمدة القارئ 3 : 307 ، المجموع 2 : 380.

4 ـ بداية المجتهد 1 : 50 ، بُلغة السالك 1 : 78 ، المغني 1 : 354 ، الشرح الكبير 1 : 354 ، المجموع 2 : 380 ، شرح العناية 1 : 142 ، فتح العزيز 2 : 412.

5 ـ المجموع 2 : 375 و 376 ، كفاية الأخيار 1 : 47 ، المغني 1 : 353 ، الشرح الكبير 1 : 354 ، مغني المحتاج 1 : 109 ، بدائع الصنائع 1 : 40 ، حلية العلماء 1 : 218.

6 ـ المغني 1 : 352 و 354 ، الشرح الكبير 1 : 354 ـ 355 ، عمدة القارئ 3 : 306 ، المجموع 2 : 380 ، حلية العلماء 1 : 218 ، المحلى 2 : 193.

7 ـ بدائع الصنائع 1 : 40 ، اللباب 1 : 42 ، شرح فتح القدير 1 : 143 ، عمدة القارئ 3 : 307 ، المجموع 2 : 380 ، المحلى 2 : 198 ، المغني 1 : 354 ، الشرح الكبير 1 : 354 ، بداية المجتهد 1 : 50 ، فتح العزيز 2 : 412.

8 ـ سنن الدارقطني 1 : 219 / 61 ، الجامع الصغير 1 : 202 / 1357 ، مجمع الزوائد 1 : 280.

9 ـ الكافي 3 : 76 / 3 ، التهذيب 1 : 156 / 446 ، الاستبصار 1 : 130 / 44.

٢٥٦

وقال الشافعي : خمسة عشر يوماً ، وبه قال مالك ، وأبو ثور ، وداود ، ورواه الجمهور عن عليعليه‌السلام ، وعطاء بن أبي رباح ، وأحمد فيإحدى الروايتين لدلالة الوجود عليه(1) ، وهو ممنوع.

وفي رواية عن أحمد : سبعة عشر يوماً(2) ، وقال سعيد بن جبير : ثلاثة عشر يوماً(3) .

فروع :

الأول : اختلف علماؤنا في الثلاثة ، فالأكثر اشترط التوالي فيها(4) ، وقيل : يكفي كونها في جملة العشرة(5) ، والرواية به مقطوعة(6) ، وبها أفتى في النهاية(7) ، والمعتمد الأول احتياطاًً للعبادة.

الثاني : ما تراه بين الثلاثة والعشرة مما يمكن أن يكون حيضاً حيض ، بأي لون كان ما لم يعلم غيره.

الثالث : أقل الطُهر بين الحيضتين عشرة أيام ، ذهب إليه علماؤنا أجمع لقولهعليه‌السلام عن النساء : ( إنهنَّ ناقصات عقل ودين ) فقيل : يا رسول الله

__________________

1 ـ الاُم 1 : 67 ، المجموع 2 : 376 و 380 ، مختصر المزني : 11 ، كفاية الأخيار 1 : 47 ، مغني المحتاج 1 : 109 ، فتح العزيز 2 : 412 ، المدونة الكبرى 1 : 49 ، بداية المجتهد 1 : 50 ، المحلى 2 : 198 ، الشرح الكبير 1 : 354 ، مسائل أحمد : 22.

2 ـ المغني 1 : 352 و 353 ، الشرح الكبير 1 : 354 ـ 355.

3 ـ المغني 1 : 353 ، شرح فتح القدير 1 : 143 ، المحلى 2 : 198.

4 ـ منهم ابنا بابويه في الفقيه 1 : 50 ، والسيد المرتضى كما حكاه عنه المحقق في المعتبر : 53 ، والشيخ الطوسي في المبسوط 1 : 42 ، والجمل : 163 ، وابن حمزة في الوسيلة : 56 ، وابن إدريس في السرائر : 28 ، والمحقق في شرائع الإسلام 1 : 29.

5 ـ قال به القاضي ابن البراج في المهذب 1 : 34.

6 ـ الكافي 3 : 76 / 5 ، التهذيب : 157 / 452.

7 ـ النهاية : 26.

٢٥٧

وما نقصان دينهنَّ؟ فقال : ( تلبث إحداهن في قعر بيتها شطر دهرها لا تصوم ولا تصلّي )(1) والشطر : النصف ، وقد ثبت أن أكثر الحيض عشرة أيام ، فأقل الطُهر مثله.

وعن عليعليه‌السلام : انَّ امرأة طلّقت فزعمت أنها حاضت في شهر ثلاث حِيَض طهرت عند كلّ قُرء وصلّت ، فقال لشريح : « قل فيها » فقال : إنّ جاء‌ت ببينة من بطانة أهلها ، وإلّا فهي كاذبة ، فقالعليه‌السلام : « قالون »(2) وهو بالرومية جيد.

ولقول الباقرعليه‌السلام : « أقل ما يكون عشرة من حين تطهر إلى أن ترى الدم »(3) وقول الصادقعليه‌السلام : « لا يكون الطُهر أقل من عشرة أيام »(4) .

وقال مالك ، والشافعي ، والثوري ، وأبو حنيفة : أقل الطُهر خمسة عشر يوماً(5) لما تقدم(6) في الحديث. وعندهم أكثر الحيض خمسة عشر يوما ـ الا أبا حنيفة ـ للوجود(7) ، وهو ممنوع.

__________________

1 ـ ورد نحوه في صحيح مسلم 1 : 86 / 132 ، سنن ابن ماجة 2 : 1326 / 4003 ، قال أبو إسحاق الشيرازي في المهذب 1 : 46 : لم أجده بهذا اللفظ إلّا في كتب الفقه.

2 ـ صحيح البخاري 1 : 89 ، سنن الدارمي 1 : 212 ـ 213.

3 ـ الكافي 3 : 76 / 4 ، التهذيب 1 : 157 / 451 ، الاستبصار 1 : 131 / 452.

4 ـ الكافي 3 : 76 / 5 ، التهذيب 1 : 157 / 452.

5 ـ الاُم 1 : 67 ، المجموع 2 : 376 ، كفاية الأخيار 1 : 47 ، مغني المحتاج 1 : 109 ، المغني1 : 356 ، الشرح الكبير 1 : 356 ، بداية المجتهد 1 : 50 ، بُلغة السالك 1 : 78 ، بدائع الصنائع 1 : 40 ، شرح فتح القدير 1 : 155 ، عمدة القارئ 3 : 314 ، المحلى 2 : 200.

6 ـ تقدم في الهامش (1).

7 ـ الاُم 1 : 67 ، المجموع 2 : 376 و 380 ، كفاية الأخيار 1 : 47 ، المغني 1 : 354 ، الشرح الكبير 1 : 354 ، المدونة الكبرى 1 : 49 ، بداية المجتهد 1 : 50 ، بدائع الصنائع 1 : 40 ، المحلى 2 : 198.

٢٥٨

وقال يحيى بن أكثم : أقل الطُهر تسعة عشر يوماً(1) (2) ، وقال أحمد : أقلّه ثلاثة عشر يوماً(3) . وعن مالك أنّه قال : لا أعلم بين الحيضتين وقتاً يعتمد عليه(4) ، وعن بعض أصحابه عشرة أيام(5) .

الرابع : لا حدّ لأكثر الطُهر بالإجماع ، وقول أبي الصلاح : أكثره ثلاثة أشهر(6) بناء على غالب العادات.

الخامس : أغلب مقادير الحيض ست أو سبع ، وأغلب الظهر باقي الشهر.

مسألة 84 : ذهب علماؤنا أجمع إلى أن العادة إنّما تثبت بالمرتين ، ترى المرأة الدم فيهما بالسواء عدداً ووقتاً فترد في الثالثة اليهما ، ولا يكفي المرة الواحدة ، وبه قال أبو حنيفة وبعض الشافعية وأحمد في رواية(7) ، لأنّها مأخوذة من العود ، ولا تتحقق بالمرة.

وقال الشافعي : تثبت بالمرة الواحدة ، وبه رواية عن أحمد(8) ، لأنّ النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال : ( لتنظر عدد الايام والليالي التي كانت تحيضهن من الشهر قبل أن يصيبها الذي أصابها ، فلتدع الصلاة قدر

__________________

1 ـ المجموع 2 : 382.

2 ـ في مخطوطة « م » زيادة لفظها : لأنّ أكثر الحيض عشرة أيام ، وقد جعل الله تعالى مدة الحيض والطهر شهراً ، وقد يكون تسعة وعشرين يوماً.

3 ـ المغني 1 : 356 ، الشرح الكبير 1 : 356 ، المجموع 2 : 382 ، فتح العزيز 2 : 412.

4 ـ المدونة الكبرى 1 : 51 ، فتح العزيز 2 : 412 ، الكفاية 1 : 155 ، حلية العلماء 1 : 123.

5 ـ المنتقى للباجي 1 : 123 ، فتح العزيز 2 : 412 ، عمدة القارئ 3 : 314 ، الكافي في فقه أهل المدينة : 31.

6 ـ الكافي في الفقه : 128.

7 ـ المجموع 2 : 418 و 419 ، بدائع الصنائع 1 : 42 ، المغني 1 : 363 ، الشرح الكبير 1 : 364.

8 ـ المجموع 2 : 417 ، المغني 1 : 363 ، حلية العلماء 1 : 225.

٢٥٩

ذلك )(1) ولم يعتبر التكرار ، وهو لنا ، إذ لفظة « كان » تدل على الكثرة.

وعن أحمد رواية : أنّه لا يكفي المرتان بل الثلاث ، إذ العادة إنّما تقال لما كثر وأقل الكثير ثلاثة(2) ، وليس بجيد ، لقول الصادقعليه‌السلام : فإن انقطع الدم لوقته من الشهر الأول حتى توالت عليها حيضتان أو ثلاث ، فقد علم أن ذلك صار لها وقتاً وخلقاً معروفاً(3) .

فروع :

أ ـ لا يشترط في استقرار العادة استقرار عادة الطُهر ، فلو رأت في شهر خمسة لا غير ، ثم في آخر خمسة مرتين استقرت العادة.

وكذا لا يشترط الوقت ، فلو رأت خمسة في أول الشهر ، ثم في أوسط الثاني ، ثم في آخر من آخره استقرت عادتها عدداً ، فإن اتفق الوقت مع العدداستقرا عادة.

ب ـ العادة إمّا متفقة كخمسة في كلّ شهر ، أو مختلفة كالمترتبة أدوارا ، كثلاثة من الأول ، وأربعة من الثاني ، وخمسة من الثالث ، ثم ثلاثة من الرابع ، وأربعة من الخامس ، وخمسة من السادس وهكذا ، وكلاهما معتبر.

ج ـ لا يشترط في العادة تعدد الشهر ، بل يكفي مرور حيضتين عددا سواء وإن كانتا في شهر واحد.

د ـ قد تحصل العادة من التمييز ، كمبتدأة استحيضت وتميز لها الدم

__________________

1 ـ سنن ابي داود 1 : 71 / 274 ، سنن النسائي 1 : 182 ، الموطأ 1 : 62 / 105 ، سنن الدارقطني 1 : 207 / 7.

2 ـ المغني 1 : 363 ، الشرح الكبير 1 : 364 ، المجموع 2 : 419.

3 ـ الكافي 3 : 88 / 1 ، التهذيب 1 : 384 / 1183.

٢٦٠

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

461

462

463

464

465

466

467

468

469

470

471

472

473

474

475

476

477

478

479

480

481

482

483

484

485

486

487

488

489

490

491

492

493

494

495

496

497

498

499

500

501

502

503

504

505

506

507

508

509

510

511

512

513

514

515

516

517

518

519

520

521

522

523

524

525

526

527

528

529

530

531

532

533

534

535

536

537

538

539

540

541

542

543

544

545

546

547

548

549

550

551

552

553

554

555

556

557

558

559

560

أخرى من حيث النسب ، وإذا كان الله سبحانه قد خلق كلّ قبيلة وأولاها خصائص ووظائف معيّنة فإنّما ذلك لحفظ نظم حياة الناس الاجتماعية! لأنّ هذه الاختلافات مدعاة لمعرفة الناس ، فلو ، كانوا على شاكلة واحدة ومتشابهين لساد الهرج والمرج في المجتمع البشري أجمع.

وقد اختلف المفسّرون في بيان الفرق بين «الشعوب» جمع شعب ـ على زنة صعب ـ (الطائفة الكبيرة من الناس) و «القبائل» جمع قبيلة فاحتملوا احتمالات متعدّدة:

قال جماعة إنّ دائرة الشعب أوسع من دائرة القبيلة ، كما هو المعروف في العصر الحاضر أن يطلق الشعب على أهل الوطن الواحد.

وقال بعضهم : كلمة «شعوب» إشارة إلى طوائف العجم ، وأمّا «القبائل» فإشارة طوائف العرب.

وأخيرا فإنّ بعضهم قال بأنّ «الشعوب» اشارة إلى انتساب الناس إلى المناطق «الجغرافية» و «القبائل» إشارة إلى انتسابهم إلى العرق والدم.

لكنّ التّفسير الأوّل أنسب من الجميع كما يبدو! وعلى كلّ حال فإنّ القرآن بعد أن ينبذ أكبر معيار للمفاخرة والمباهات في العصر الجاهلي ويلغي التفاضل بالأنساب والقبائل يتّجه نحو المعيار الواقعي القيم فيضيف قائلا :( إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللهِ أَتْقاكُمْ ) .

وهكذا فإنّ القرآن يشطب بالقلم الأحمر على جميع الامتيازات الظاهرية والمادية ، ويعطي الأصالة والواقعية لمسألة التقوى والخوف من الله ، ويقول إنّه لا شيء أفضل من التقوى في سبيل التقرّب إلى الله وساحة قدسه.

وحيث أنّ «التقوى» صفة روحانية وباطنية ينبغي أن تكون قبل كلّ شيء مستقرّة في القلب والروح ، وربّما يوجد مدّعون للتقوى كثيرون والمتّصفون بها قلة منهم ، فإنّ القرآن يضيف في نهاية الآية قائلا :( إِنَّ اللهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ ) .

٥٦١

فالله يعرف المتّقين حقّا وهو مطلع على درجات تقواهم وخلوص نيّاتهم وطهارتهم وصفائهم ، فهو يكرمهم طبقا لعلمه ويثيبهم ، وأمّا المدّعون الكذبة فإنّه يحاسبهم ويجازيهم على كذبهم أيضا.

* * *

بحثان

١ ـ القيم الحقّة والقيم الباطلة

لا شكّ أنّ كلّ إنسان يرغب بفطرته أن يكون ذا قيمة وافتخار ، ولذلك فهو يسعى بجميع وجوده لكسب القيم

إلّا معرفة معيار القيم يختلف باختلاف الثقافات تماما ، وربّما أخذت القيم الكاذبة مكانا بارزا ولم تبق للقيم الحقة مكان في قاموس الثقافة للفرد.

فجماعة ترى بأن قيمتها الواقعية في الانتساب إلى القبيلة المعروفة ، ولذلك فإنّهم من أجل أن تعلو سمعة قبيلتهم وطائفتهم ويظهرون نشاطات وفعاليات عامة ليكونوا برفعة القبيلة وسمّوها كبراء أيضا.

وكان الاهتمام بالقبيلة والافتخار بالانتساب إليها من أكثر الأمور الوهميّة رواجا في الجاهلية إلى درجة كانت كلّ قبيلة تعدّ نفسها أشرف من القبيلة الأخرى ، ومن المؤسف أن نجد رواسب هذه الجاهلية في أعماق نفوس الكثيرين من الأفراد والمجتمعات!! وجماعة أخرى تعوّل على مسألة المال والثروة وامتلاكها للقصور والخدم والحشم وأمثال هذه الأمور ، فتعدّها دليلا على القيمة الشخصيّة وتسعى من أجل كلّ ذلك دائما.

وجماعة تعتبر (المقامات) السياسية والاجتماعية العليا معيارا للشخصية والقيم الاجتماعية!

وهكذا تخطو كلّ جماعة في طريق خاص وتنشدّ قلوبها إلى قيمة معينة

٥٦٢

وتعدّها معيارها الشخصي!

وحيث أنّ هذه الأمور جميعها أمور متزلزلة ومسائل ذاتية ومادية وعابرة فإنّ مبدأ سماويا كمبدأ الإسلام لا يمكنه أن يوافق عليها أبدا لذلك يشطب عليها بعلامة البطلان ويعتبر القيمة الحقيقية للإنسان في صفاته الذاتية وخاصة تقواه وطهارة قلبه والتزامه الديني.

حتى أنّه لا يكترث بموضوعات مهمّة كالعلم والثقافة إذا لم تكن في خطّ «الإيمان والتقوى والقيم الأخلاقية»

ومن العجيب أن يظهر القرآن في محيط يهتمّ بالقيمة القبلية أكثر من اهتمامه بالقيم الأخرى ، إلّا أنّ القرآن حطّم هذه الوثنية وحرّر الإنسان من أسر العرق والدم والقبيلة واللون والمال والمقام والثروة وقاده إلى معرفة نفسه والعثور على ضالّته داخل نفسه وصفاتها العليا.

الطريف أنّ في ما ذكر في شأن نزول الآية محل البحث لطائف ودقائق تحكي عن عمق هذا الدستور الإسلامي.

منها : إنّ النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أمر «بلالا» بعد فتح مكّة أن يؤذّن ، فصعد بلال وأذّن على ظهر الكعبة ، فقال «عتّاب بن أسيد» الذي كان من الأحرار : أشكر الله أن مضى أبي من هذه الدنيا ولم ير مثل هذا اليوم وقال «الحارث بن هشام» : ألم يجد رسول الله غير هذا الغراب الأسود للأذان؟! «فنزلت الآية الآنفة وبيّنت معيار القيم الواقعية»(١) .

وقال بعضهم : نزلت الآية عند ما أمر الرّسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بتزويج بعض الموالي من بنات العرب «والموالي تطلق على العبيد الذين عتقوا من ربقة أسيادهم أو على غير العرب (المسلمين)». فتعجّبوا وقالوا : يا رسول الله أتأمرنا أن نزوّج بناتنا من

__________________

(١) روح البيان ، ج ٩ ، ص ٩٠ ، كما ورد في تفسير القرطبي ص ٦١٦٠ ج ٩.

٥٦٣

الموالي «فنزلت الآية وأبطلت هذه الأفكار الخرافية»(١) .

ونقرأ في بعض الروايات الإسلامية أنّ النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم خطب يوما في مكّة فقال :«يا أيّها الناس إنّ الله قد أذهب عنكم عيبة الجاهلية وتعاظمها بآبائها فالناس رجلان رجل برّ تقي كريم على الله وفاجر شقي هيّن على الله والناس بنو آدم وخلق الله آدم من تراب قال الله تعالى :( يا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْناكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثى وَجَعَلْناكُمْ شُعُوباً وَقَبائِلَ لِتَعارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللهِ أَتْقاكُمْ إِنَّ اللهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ ) (٢) .

وقد جاء في كتاب «آداب النفوس» للطبري أنّ النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم التفت إلى الناس وهو راكب على بعيره في أيّام التشريق بمنى «وهي اليوم الحادي عشر والثّاني عشر والثّالث عشر» من ذي الحجة فقال : «يا أيّها الناس! ألا إنّ ربّكم واحد وإنّ أباكم واحد ألا لا فضل لعربي على عجمي ولا لعجمي على عربي ولا لأسود على أحمر ولا لأحمر على أسود إلّا بالتقوى ألا هل بلّغت : قالوا نعم! قال : ليبلغ الشاهد الغائب»(٣) .

كما ورد في حديث آخر بهذا المعنى ضمن كلمات قصيرة ذات معاني غزيرة أنّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال : «إنّ الله لا ينظر إلى أحسابكم ولا إلى أنسابكم ولا الى أجسامكم ولا إلى أموالكم ولكن ينظر إلى قلوبكم ، فمن كان له قلب صالح تحنّن الله عليه وإنّما أنتم بنو آدم وأحبّكم إليه أتقاكم»(٤) .

إلّا أنّ العجيب أنّه مع هذه التعليمات الواسعة الغنية ذات المغزى الكبير ما يزال بين المسلمين من يعوّل على الدم والنسب واللسان ويقدّمون وحدة الدم واللغة على الأخوة الإسلامية والوحدة الدينية ويحيون العصبية الجاهلية مرّة أخرى ،

__________________

(١) المصدر السابق.

(٢) تفسير القرطبي ، ج ٩ ، ص ٦١٦١.

(٣) المصدر السابق ، ص ٦١٦٢ ، والتعبير «بالأحمر» في هذه الرواية لا يعني من بشرته حمراء بل من بشرته حنطيّة لأنّ أغلب الناس في ذلك المحيط كانوا بهذه الصفة ومن الطريف أن يطلق الأحمر على الحنطة أيضا

(٤) المصدر السابق.

٥٦٤

وبالرغم من الضربات الشديدة التي يتلقّونها من جراء ذلك ، إلّا أنّهم حسب الظاهر لا يريدون أن يتيقّظوا ويعودوا إلى حكم الإسلام وحظيرة قدسه!

حفظ الله الجميع من شر العصبية الجاهلية.

إنّ الإسلام حارب العصبية الجاهلية في أي شكل كانت وفي أيّة صورة ليجمع المسلمين في العالم من أي قوم وقبيلة وعرق تحت لواء واحد! ـ لواء القومية ولا سواه ـ لأنّ الإسلام لا يوافق على هذه النظريات المحدودة ويعدّ جميع هذه الأمور وهمية ولا أساس لها حتى أنّه ورد في حديث عن النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنّه قال : «دعوها فإنّها منتنة»(١) .

ولكنّ لماذا بقيت هذه الفكرة المنتنة مترسّخة في عقول الكثيرين ممّن يدّعون أنّهم مسلمون ويتّبعون القرآن والأخوة الإسلامية ظاهرا؟! لا ندري!!

وما أحسن أن يبنى المجتمع على أساس معيار القيم الإسلامي( إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللهِ أَتْقاكُمْ ) وإن تطوى القيم الكاذبة من قوميّة ومال وثروة ومناطق جغرافية وطبقية عن هذا المجتمع.

أجل ، التقوى الإلهية والإحساس بالمسؤولية الداخلية والوقوف بوجه الشهوات والالتزام بالحق والصدق والطهارة والعدل ، هي وحدها معيار القيم الإنسانية لا غير ، بالرغم من أنّ هذه القيم الأصيلة نسيت وأهملت في سوق المجتمعات المعاصرة وحلّت محلها القيم الكاذبة.

في نظام القيم الجاهلية الذي كان يدور حول محور «التفاخر بالآباء والأموال والأولاد» لم ينتج سوى حفنة سرّاق وناهبين ، غير أنّه بتبدّل هذا النظام وإحياء أصل( إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللهِ أَتْقاكُمْ ) الكبير كان من ثمراته أناس أمثال سلمان وأبو ذر وعمّار وياسر والمقداد. والمهم في ثورات المجتمعات الإنسانية هو الثورة على القيم» وإحياء هذا الأصل الإسلامي الأصيل!

__________________

(١) صحيح مسلم طبقا لما نقل في ظلال الإسلام ، ج ٧ ، ص ٥٣٨.

٥٦٥

ونختتم كلامنا هذا بحديث للنبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إذ قال : «كلكم بنو آدم وآدم خلق من تراب ولينتهين قوم يفخرون بآبائهم أو ليكونن أهون على الله من الجعلان»(١) .

٢ ـ حقيقة التقوى

كما رأينا من قبل ، فإنّ القرآن جعل أكبر امتياز للقوى ، وعدّها معيارا لمعرفة القيم الإنسانية فحسب!

وفي مكان آخر عدّها خير الزاد والشراب إذ يقول :( وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوى ) (٢) .

أمّا في سورة الأعراف فقد عبّر عنها باللباس :( وَلِباسُ التَّقْوى ذلِكَ خَيْرٌ ) (٣) .

كما أنه عبّر عنها في آيات أخر بأنّها واحدة من أول أسس دعوة الأنبياء ، ويسمو بها في بعض الآيات إلى أن يعبّر عن الله بأنه أهل التقوى فيقول :( هُوَ أَهْلُ التَّقْوى وَأَهْلُ الْمَغْفِرَةِ ) (٤) .

والقرآن يعدّ التقوى نورا من الله ، فحيثما رسخت التقوى كان العلم والمعرفة إذ يقول :( وَاتَّقُوا اللهَ وَيُعَلِّمُكُمُ اللهُ ) (٥) .

ويقرن التقوى بالبرّ في بعض آياته فيقول :( وَتَعاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوى ) .

أو يقرن العدالة بالتقوى فيقول :( اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوى ) .

والآن ينبغي أن نرى ما هي «حقيقة التقوى» التي هي أعظم رأس مال معنوي وافتخار للإنسان.

أشار القرآن إشارات تكشف أستارا عن حقيقة التقوى ، فيذكر في آيات متعدّدة

__________________

(١) في ظلال القرآن ، ج ٧ ، ص ٥٣٨.

(٢) البقرة ، الآية ١٩٧.

(٣) الأعراف ، الآية ٢٦.

(٤) المدّثر ، الآية ٥٦.

(٥) البقرة ، الآية ٢٨٢.

٥٦٦

«القلب» مكانا للتقوى ، ومن ضمنها قوله تعالى :( أُولئِكَ الَّذِينَ امْتَحَنَ اللهُ قُلُوبَهُمْ لِلتَّقْوى ) (١) .

ويجعل القرآن «التقوى» في مقابل «الفجور» كما نقرأ ذلك في الآية (٨) من سورة الشمس :( فَأَلْهَمَها فُجُورَها وَتَقْواها ) .

ويعدّ القرآن كلّ عمل ينبع من روح الإيمان والإخلاص والنية الصادقة أساسه التقوى ، كما جاء في وصفه في شأن «مسجد قبا» (في المدينة) حيث بنى المنافقون في قباله «مسجد ضرار» فيقول :( لَمَسْجِدٌ أُسِّسَ عَلَى التَّقْوى مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ أَحَقُّ أَنْ تَقُومَ فِيهِ ) (٢) .

ويستفاد من مجموع هذه الآيات أنّ التقوى هي الإحساس بالمسؤولية والتعهّد الذي يحكم وجود الإنسان وذلك نتيجة لرسوخ إيمانه في قلبه حيث يصدّه عن الفجور والذنب ويدعوه إلى العمل الصالح والبر ويغسل أعمال الإنسان من التلوّثات ويجعل فكره ونيّته في خلوص من أية شائبة.

وحين نعود إلى الجذر اللغوي لهذه الكلمة نصل إلى هذه النتيجة أيضا لأنّ «التقوى» مشتقّة من «الوقاية» ومعناها المواظبة والسعي على حفظ الشيء ، والمراد في هذه الموارد حفظ النفس من التلوّث بشكل عام ، وجعل القوى تتمركز في أمور يكون رضا الله فيها :

وقد ذكر بعض الأعاظم للتقوى ثلاث مراحل :

١ ـ حفظ النفس من (العذاب الخالد) عن طريق تحصيل الإعتقادات الصحيحة.

٢ ـ تجنّب كلّ إثم وهو أعم من أن يكون تركا لواجب أو فعلا لمعصية.

٣ ـ التجلّد والاصطبار عن كلّ ما يشغل القلب ويصرفه عن الحق ، وهذه تقوى

__________________

(١) الحجرات ، الآية ٣.

(٢) سورة التوبة : ١٠٨.

٥٦٧

الخواص بل خاص الخاص(١) .

وفي نهج البلاغة للإمام أمير المؤمنين عليعليه‌السلام تعابير حيّة وبليغة في شأن التقوى ، حيث ذكرت التقوى في كثير من خطب الإمام وكلماته القصار!

ففي بعض كلماته يقارنعليه‌السلام بين التقوى والذنب فيقول : «ألا وإنّ الخطايا خيل شمس حمل عليها أهلها وخلعت لجمها فتقحّمت بهم في النّار ألا وإنّ التقوى مطايا ذلل حمل عليها أهلها وأعطوا أزمّتها فأوردتهم الجنّة»(٢) .

وطبقا لهذا التشبيه اللطيف فإنّ التقوى هي حالة ضبط النفس والتسلّط على الشهوات ، في حين أنّ عدم التقوى هو الاستسلام للشهوات وعدم التسلّط عليها.

ويقول الإمام علي في مكان آخر : «اعلموا عباد الله أنّ التقوى دار حصن عزيز والفجور دار حصن ذليل لا يمنع أهله ولا يحرز من لجأ إليه ألا وبالتقوى تقطع حمة الخطايا»(٣) .

ويضيف في مكان آخر أيضا : «فاعتصموا بتقوى الله فإنّ لها حبلا وثيقا عروته ومعقلا منيعا ذروته»(٤) .

وتتّضح حقيقة التقوى وروحها من خلال مجموع التعبيرات آنفة الذكر.

وينبغي الالتفات إلى هذه «اللطيفة» وهي أنّ التقوى ثمرة شجرة الإيمان ، ومن أجل الحصول على هذه الثمرة النادرة والغالية ينبغي أن تكون قاعدة الإيمان راسخة ومحكمة!

وبالطبع فإنّ ممارسة الطاعة وتجنّب المعصية والالتفات إلى المناهج الأخلاقية تجعل التقوى راسخة في النفس ، ونتيجتها ظهور نور اليقين والإيمان في نفس الإنسان ، وكلّما إزداد نور التقوى إزداد نور اليقين أيضا ، ولذلك نجد التقوى في

__________________

(١) بحار الأنوار ج ٧٠ ، ص ١٢٦.

(٢) نهج البلاغة الخطبة رقم ١٦.

(٣) نهج البلاغة الخطبة ١٥٧.

(٤) نهج البلاغة الخطبة ١٩٠.

٥٦٨

بعض الروايات الإسلامية على أنّها درجة أعلى من الإيمان وأدنى من اليقين!

يقول الإمام علي بن موسى الرضاعليه‌السلام : «الإيمان فوق الإسلام بدرجة والتقوى فوق الإيمان بدرجة واليقين فوق التقوى بدرجة وما قسم في الناس شيء أقلّ من اليقين».

ونختتم بحثنا بأبيات تجسّد حقيقة التقوى ضمن مثال جلي :

خل الذنوب صغيرها

وكبيرها فهو التقى

واصنع كماش فوق أرض

الشوك يحذر ما يرى

لا تحقرنّ صغيرة

إنّ الجبال من الحصى

٥٦٩

الآيتان

( قالَتِ الْأَعْرابُ آمَنَّا قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنا وَلَمَّا يَدْخُلِ الْإِيمانُ فِي قُلُوبِكُمْ وَإِنْ تُطِيعُوا اللهَ وَرَسُولَهُ لا يَلِتْكُمْ مِنْ أَعْمالِكُمْ شَيْئاً إِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (١٤) إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْتابُوا وَجاهَدُوا بِأَمْوالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللهِ أُولئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ (١٥) )

سبب النّزول

ذكر كثير من المفسّرين شأنا لنزول الآيتين وخلاصته ما يلي

ورد المدينة جماعة من «بني أسد» في بعض سنين الجدب والقحط وأظهروا الشهادتين على ألسنتهم أملا في الحصول على المساعدة من النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وقالوا للرسول أنّ قبائل العرب ركبت الخيول وحاربتكم إلّا أنّنا جئناك بأطفالنا ونسائنا دون أن نحاربك ، وأرادوا أن يمنّوا على النّبي عن هذا الطريق!

فنزلت الآيتان آنفتا الذكر وكشفتا أنّ إسلامهم ظاهري ولم يتغلغل الإيمان في أعماق قلوبهم ، ثمّ إذا كانوا مؤمنين فما ينبغي عليهم أن يمنّوا على الرّسول

٥٧٠

بالإيمان بل الله يمن عليهم أن هداهم للإيمان(١) .

ولكنّ وجود شأن النزول هذا لا يمنع من عمومية مفهوم الآية.

التّفسير

الفرق بين الإسلام والإيمان :

كان الكلام في الآية المتقدّمة على معيار القيم الإنسانية أي التقوى ، وحيث أنّ التقوى ثمرة لشجرة الإيمان الإيمان النافذ في أعماق القلوب ، ففي الآيتين الآنفتين بيان لحقيقة الإيمان إذ تقول الآية الأولى :( قالَتِ الْأَعْرابُ آمَنَّا قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنا وَلَمَّا يَدْخُلِ الْإِيمانُ فِي قُلُوبِكُمْ ) .

وطبقا لمنطوق الآية فإنّ الفرق بين «الإسلام» و «الإيمان» في أنّ : الإسلام له شكل ظاهري قانوني ، فمن تشهد بالشهادتين بلسانه فهو في زمرة المسلمين وتجري عليه أحكام المسلمين.

أمّا الإيمان فهو أمر واقعي وباطني ، ومكانه قلب الإنسان لا ما يجري على اللسان أو ما يبدو ظاهرا!

الإسلام ربّما كان عن دوافع متعدّدة ومختلفة بما فيها الدوافع الماديّة والمنافع الشخصية ، إلّا أنّ الإيمان ينطلق من دافع معنوي ، ويسترفد من منبع العلم ، وهو الذي تظهر ثمرة التقوى اليانعة على غصن شجرته الباسقة!

وهذا ما أشار إليه الرّسول الأكرمصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في تعبيره البليغ الرائع : «الإسلام علانية والإيمان في القلب»(٢) .

كما إنّا نقرأ حديثا آخر عن الإمام الصادق يقول فيه : الإسلام يحقن الدم

__________________

(١) تفسير الميزان وروح البيان وفي ظلال القرآن ، ذيل الآيات محل البحث.

(٢) مجمع البيان ، ج ٩ ، ص ١٣٨.

٥٧١

وتؤدّى به الأمانة وتستحل به الفروج والثواب على الإيمان(١) .

وربما كان لهذا السبب أنّ بعض الروايات تحصر مفهوم الإسلام بالإقرار اللفظي ، في حين أنّ الإيمان إقرار باللسان وعمل بالأركان ، إذ تقول الرواية «الإيمان إقرار وعمل ، والإسلام إقرار بلا عمل»(٢) .

وهذا المعنى نفسه وارد في تعبير آخر في بحث الإسلام والإيمان ، يقول «فضيل بن يسار» سمعت الإمام الصادقعليه‌السلام

يقول : إنّ الإيمان يشارك الإسلام ولا يشاركه الإسلام ، إنّ الإيمان ما وقر في القلوب والإسلام ما عليه المناكح والمواريث وحقن الدماء(٣) .

وهذا التفاوت في المفهومين فيما إذا اجتمع اللفظان معا ، إلّا أنّه إذا انفصل كل عن الآخر فربما أطلق الإسلام على ما يطلق عليه بالإيمان ، أي أنّ اللفظين قد يستعملان في معنى واحد أحيانا.

ثمّ تضيف الآية محل البحث فتقول :( وَإِنْ تُطِيعُوا اللهَ وَرَسُولَهُ لا يَلِتْكُمْ مِنْ أَعْمالِكُمْ شَيْئاً ) وسيوفّيكم ثواب أعمالكم بشكل كامل ولا ينقص منها شيئا.

وذلك لـ( إِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ)

لا يَلِتْكُمْ) مشتق من «ليت» على زنة (ريب) ومعناه الإنقاص من الحق(٤) .

والعبارات الأخيرة في الحقيقة إشارات إلى أصل قرآني مسلّم به وهو أنّ شرط قبول الأعمال «الإيمان» ، إذ مضمون الآية أنّه إذ كنتم مؤمنين بالله ورسوله إيمانا قلبيا وعلامته طاعتكم لله والرّسول فإنّ أعمالكم مقبولة ، ولا ينقص من أجركم شيء ، ويثيبكم الله ، وببركة هذه الأعمال يغفر ذنوبكم لأنّ الله غفور رحيم.

وحيث أنّ الحصول على هذا الأمر الباطني أي الإيمان ليس سهلا ، فإنّ الآية التالية تتحدّث عن علائمه ، العلائم التي تميّز المؤمن حقّا عن المسلم والصادق

__________________

(١) الكافي ، ج ٢ ، باب أنّ الإسلام يحقن به الدم ، الحديثان ١ ، ٢.

(٢) المصدر السابق.

(٣) أصول الكافي ، ج ٢ ، باب أنّ الإيمان يشرّك الإسلام ، الحديث ٣.

(٤) فعلى هذا يكون الفعل ليت أجوف يائيا وإن كان الفعل ولت بهذا المعنى أيضا.

٥٧٢

عن الكاذب ، وأولئك الذين استجابوا لله وللرسول رغبة وشوقا منهم عن أولئك الذين استجابوا طمعا أو للوصول إلى المال والدنيا فتقول :( إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْتابُوا وَجاهَدُوا بِأَمْوالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللهِ ) !

أجل ، إنّ أوّل علامة للإيمان هي عدم التردّد في مسير الإسلام ، والعلامة الثانية الجهاد بالأموال ، والعلامة الثالثة التي هي أهم من الجميع الجهاد بالنفس.

وهكذا فإنّ الإسلام يستهدف في الإنسان أجلى العلائم «ثبات القدم وعدم الشك والتردّد من جهة ، والإيثار بالمال والنفس من جهة أخرى».

فكيف لا يرسخ الإيمان في القلب والإنسان لا يقصّر عن بذل المال والروح في سبيل المحبوب!؟

ولذلك فإنّ الآية تختتم بالقول مؤكّدة :( أُولئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ ) .

هذا هو المعيار الذي حدّده الإسلام لمعرفة المؤمنين الحق وتمييزهم عن الكاذبين المدّعين بالإسلام تظاهرا ، وليس هذا المعيار منحصرا بفقراء جماعة بني أسد ، بل هو معيار واضح وجلي ويصلح لكلّ عصر وزمان لفصل المؤمنين عن المتظاهرين بالإسلام ، ولبيان قيمة أولئك الذين يمنّون بأنّ أسلموا على النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وذلك بحسب الظاهر فحسب ، إلّا أنّه عند التطبيق والعمل لا يوجد فيهم أقلّ علامة من الإيمان أو الإسلام.

وفي قبال أولئك رجال لا يدّعون شيئا ولا يمنّون ، بل يرون أنفسهم مقصّرين دائما ، وفي الوقت ذاته هم في طليعة المضحّين والمؤثرين بأموالهم وأنفسهم في سبيل الله.

ولو أنّا اتخذنا معيار القرآن لمعرفة المؤمنين الواقعيين وتمييزهم عن سواهم لما كان معلوما من خلال هذا العدد الهائل من آلاف الآلاف و «الملايين» ممن يدّعون الإسلام كم هم المؤمنون حقّا؟! وكم هم المسلمون في الظاهر فحسب؟!

* * *

٥٧٣

الآيات

( قُلْ أَتُعَلِّمُونَ اللهَ بِدِينِكُمْ وَاللهُ يَعْلَمُ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ وَاللهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (١٦) يَمُنُّونَ عَلَيْكَ أَنْ أَسْلَمُوا قُلْ لا تَمُنُّوا عَلَيَّ إِسْلامَكُمْ بَلِ اللهُ يَمُنُّ عَلَيْكُمْ أَنْ هَداكُمْ لِلْإِيمانِ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ (١٧) إِنَّ اللهَ يَعْلَمُ غَيْبَ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَاللهُ بَصِيرٌ بِما تَعْمَلُونَ (١٨) )

سبب النزول

قال جماعة من المفسّرين إنّه بعد نزول ما تقدّم من الآيات آنفا جاء النّبي طائفة من الأعراب وحلفوا أنّهم صادقون في ادّعائهم بأنّهم المؤمنون وظاهرهم وباطنهم سواء ، فنزلت الآية الأولى من الآيات محل البحث وأنذرتهم أن لا يحلفوا ، فالله يعرف باطنهم وظاهرهم ، ولا يخفى عليه خافية في السماوات ولا في الأرض(١) .

__________________

(١) مجمع البيان ، الميزان ، روح البيان ، وتفسير القرطبي.

٥٧٤

التّفسير

( لا تَمُنُّوا عَلَيَّ إِسْلامَكُمْ ) :

كانت الآيات السابقة قد بيّنت علائم المؤمنين الصادقين ، وحيث أنّا ذكرنا في شأن النّزول أنّ جماعة جاؤوا النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وقالوا إنّ ادّعاءهم كان حقيقة وإنّ الإيمان مستقر في قلوبهم ، فإنّ هذه الآيات تنذرهم وتبيّن لهم أنّه لا حاجة إلى الإصرار والقسم ، كما أنّ هذا البيان والإنذار هو لجميع الذين على شاكلة تلك الجماعة ، فمسألة (الكفر والإيمان) إنّما يطّلع عليها الله الخبير بكل شيء!

ولحن الآيات فيه عتاب وملامة ، إذ تقول الآية الأولى من الآيات محل البحث :( قُلْ أَتُعَلِّمُونَ اللهَ بِدِينِكُمْ وَاللهُ يَعْلَمُ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ ) .

ولمزيد التأكيد تقول الآية أيضا :( وَاللهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ ) . فذاته المقدّسة هي علمه بعينه وعلمه هو ذاته بعينها(١) ولذلك فإنّ علمه أزلي أبدي!

ذاته المقدّسة في كلّ مكان حاضرة ، وهو أقرب إليكم من حبل الوريد ، ويحول بين المرء وقلبه ، فمع هذه الحال لا حاجة لادّعائكم ، وهو يعرف الصادقين من الكاذبين ومطّلع على أعماق أنفسهم حتى درجات إيمانهم المتفاوتة ضعفا وقوّة ، وقد تنطلي عليهم أنفسهم ، إلّا أنّه يعرفها بجلاء ، فعلام تصرون أن تعلّموا الله بدينكم؟!

ثمّ يعود القرآن لكلمات الأعراب من أهل البادية الذين يمنّون على النّبي بأنّهم أسلموا وأنّهم أذعنوا لدينه في الوقت الذي حاربته القبائل العربية الأخرى.

فيقول القرآن جوابا على كلماتهم هذه :( يَمُنُّونَ عَلَيْكَ أَنْ أَسْلَمُوا قُلْ لا تَمُنُّوا عَلَيَّ إِسْلامَكُمْ بَلِ اللهُ يَمُنُّ عَلَيْكُمْ أَنْ هَداكُمْ لِلْإِيمانِ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ ) .

__________________

(١) يشيع على ألسنة بعضهم التعبير بـ «صفاته عين ذاته وذاته عين صفاته» وما أشبه ذلك وهذا التعبير ركيك والصحيح ما ورد في المتن (المصحّح).

٥٧٥

«المنة» كما بيّنا سابقا من مادة «المن» ومعناه الوزن الخاص الذي يوزن به ، ثمّ استعمل هذا اللفظ على كلّ نعمة غالية وثمينة ، والمنّة على نوعين : فإذا كان فيها جانب عملي كعطاء النعمة والهبة فهي ممدوحة ، ومنن الله من هذا القبيل ، وإذا كان فيها جانب لفظي ، كمن كثير من الناس بالقول بعد العمل ، فهي قبيحة وغير محبوبة! الطريف أن صدر الآية يقول «يمنّون عليك أن أسلموا» وهذا تأكيد آخر على أنّهم غير صادقين في إيمانهم.

وفي ذيل الآية يأتي التعبير قائلا :( بَلِ اللهُ يَمُنُّ عَلَيْكُمْ أَنْ هَداكُمْ لِلْإِيمانِ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ ) .

وعلى كلّ حال فهذه مسألة مهمّة أن يتصوّر قاصر والتفكير غالبا أنّهم بقبول الإيمان وأداء العبادات والطاعات يقدمون خدمة لساحة قدس الله أو للنبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وأوصيائه ، ولذلك فهم ينتظرون الثواب والأجر.

في حين أنّه لو أشرق نور الإيمان في قلب أحد ، ونال هذا التوفيق بأن كان في زمرة المؤمنين ، فقد شمله لطف عظيم من اللهعزوجل .

فالإيمان وقبل كلّ شيء يمنح الإنسان إدراكا جديدا عن عالم الوجود ، ويكشف عنه حجب الأنانية والغرور ، ويوسع عليه أفق نظرته ، ويجسّد له عظمة خلقه في نظره!

انّه يلقي على عواطفه النور والضياء ويربّيها ويحيي في نفسه القيم الإنسانية ، وينمّي استعداداته العالية فيه ، ويمنحه العلم والقوة والشهامة والإيثار والتضحية والعفو والتسامح والإخلاص ، ويجعل منه إنسانا قويا ذا عطاء وثمر بعد أن كان موجودا ضعيفا.

إنّه يأخذ بيده ويصعد به في مدارج الكمال إلى قمة الفخر ، ويجعله منسجما مع عالم الوجود ، ويسخّر عالم الوجود طوع أمره!

٥٧٦

أهذه النعمة التي أنعمها الله على الإنسان ذات قيمة ، أم ما يمنّه الإنسان على النبي؟!!

كذلك كلّ عبادة وطاعة هي خطوة نحن التكامل ، إذ تمنح القلب صفاء وتسيطر على الشهوات ، وتقوّي فيه روح الإخلاص ، وتمنح المجتمع الإسلامي الوحدة والقوّة والعظمة فكأنّه نسيج واحد!

فكل واحدة منها درس كبير في التربية ، ومرحلة من المراحل التكاملية!

ومن هنا كان على الإنسان أن يؤدّي شكر نعمة الله صباح مساء ، وأن يهودي إلى السجود بعد كلّ صلاة وعبادة ، وأن يشكر الله على جميع هذه الأمور!

فإذا كانت نظرة الإنسان ـ في هذا المستوى ـ من الإيمان والطاعة فإنه لا يرى نفسه متفضلا ، بل يجد نفسه مدينا لله ولنبيّه وغريق إحسانه. ويؤدّي عبادته بلهفة ، ويسعى في سبيل طاعته على الرأس لا على القدم وإذا ما أثابه الله أجرا فهو تفضّل آخر منه ولطف ، وإلّا فإنّ أداء الأعمال الصالحة يكون بنفع الإنسان ، والحقيقة أنّه بهذا التوفيق يضاف على ميزانه عند الله.

فهداية الله ـ بناء على ما بيّنا ـ لطف ، ودعوة النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لطف آخر ، والتوفيق للطاعة مضاعف ، والثواب لطف فوق لطف!

وفي آخر آية من الآيات محل البحث التي هي آخر سورة الحجرات تأكيد آخر على ما ورد في الآية الآنفة إذ تقول :( إِنَّ اللهَ يَعْلَمُ غَيْبَ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَاللهُ بَصِيرٌ بِما تَعْمَلُونَ ) فلا تصرّوا على أنّكم مؤمنون حتما ولا حاجة للقسم فهو حاضر في أعماق قلوبكم ، وهو عليم بما يجري في غيب السماوات والأرض جميعا ، فكيف لا يعلم ما في قلوبكم وما تنطوي عليه صدوركم؟!

اللهم : مننت علينا بنور الإيمان ، فنقسم عليك بعظيم نعمة الهداية أن تثبّت أقدامنا في هذا الطريق وتقودنا في سبيل الكمال

٥٧٧

إلهنا ، أنت عالم بما في قلوبنا ، وتعلم نيّاتنا ودوافعنا ، فاستر عيوبنا عن أنظار عبادك ، وأصلح ما فسد منّا بكرمك.

ربّنا ، وفّقنا للتحلّي بجميل الصفات ومحاسن الأخلاق التي ذكرتها في هذه السورة حتى تتجذّر في وجودنا وتتعمّق في أرواحنا وأفكارنا

آمين ربّ العالمين

انتهاء سورة الحجرات

ونهاية المجلد السادس عشر

٥٧٨

الفهرس

سورة الزّخرف ٧

محتوى سورة الزّخرف ٧

فضل تلاوة السّورة ٨

تفسیر الآيات : ١ ـ ٨ ١٠

ذنوبكم لا تمنع رحمتنا ١٠

تفسیر الآيات : ٩ ـ ١٤ ١٦

بعض أدلّة التوحيد ١٦

ملاحظة

ذكر الله عند الانتفاع بالنعم ٢٢

تفسیر الآيات : ١٥ ـ ١٩ ٢٥

كيف تزعمون أنّ الملائكة بنات الله ٢٥

تفسیر الآيات : ٢٠ ـ٢٢ ٣٠

لا دليل لهم سوى تقليد الآباء الجاهلين ٣٠

تفسیر الآيات : ٢٣ ـ ٢٥ ٣٤

عاقبة هؤلاء المقلدين ٣٤

تفسیر الآيات : ٢٦ ـ ٣٠ ٣٧

التوحيد كلمة الأنبياء الخالدة ٣٧

تفسیر الآيات : ٣١ ـ ٣٢ ٤٢

٥٧٩

لم لم ينزل القرآن على أحد الأغنياء ٤٢

سؤالين مهمّين ٤٤

تفسير الآيات : ٣٣ ـ ٣٥ ٤٨

قصور فخمة سقفها من فضة؟ (قيم كاذبة) ٤٨

ملاحظتان

١ ـ الإسلام يحطم القيم الخاطئة ٥٠

٢ ـ جواب عن سؤال ٥٢

تفسير الآيات : ٣٦ ـ ٤٠ ٥٤

أقران الشياطين ٥٤

تفسير الآيات : ٤١ ـ ٤٥ ٦٠

استمسك بالذي اوحي إليك ٦٠

ملاحظة

من هم قوم النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ٦٥

تفسير الآيات : ٤٦ ـ ٥٠ ٦٦

الفراعنة المغرورون ونقض العهد ٦٦

تفسير الآيات : ٥١ ـ ٥٦ ٧٠

إذا كان نبيا فلم لا يملك أسورة من ذهب ٧٠

تفسير الآيات : ٥٧ ـ ٦٢ ٧٧

سبب النّزول ٧٧

أي الالهة في جهنم ٧٨

تفسير الآيات : ٦٣ ـ ٦٥ ٨٤

الذين غالوا في المسيح ٨٤

تفسير الآيات : ٦٦ ـ ٦٩ ٨٨

ماذا تنتظرون غير عذاب الآخرة ٨٨

٥٨٠

581

582

583

584

585

586

587

588

589

590

591

592