الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل الجزء ١٧

الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل14%

الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل مؤلف:
تصنيف: تفسير القرآن
الصفحات: 526

الجزء ١ الجزء ٢ الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥ الجزء ٦ الجزء ٧ الجزء ٨ الجزء ٩ الجزء ١٠ الجزء ١١ الجزء ١٢ الجزء ١٣ الجزء ١٤ الجزء ١٥ الجزء ١٦ الجزء ١٧ الجزء ١٨ الجزء ١٩ الجزء ٢٠
  • البداية
  • السابق
  • 526 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 156108 / تحميل: 6073
الحجم الحجم الحجم
الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل

الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل الجزء ١٧

مؤلف:
العربية

١
٢

٣
٤

سورة

ق

مكّية

وعدد آياتها خمس وأربعون آية

٥
٦

سورة ق

محتوى السورة :

إنّ محور بحوث هذه السورة هو موضوع «المعاد» وجميع هذه الآيات ـ تقريبا ـ تدور حول هذا المحور وبعض المسائل الاخرى التي لها تعلّق به أيضا.

ومن المسائل المرتبطة بالمعاد تمت الإشارة في هذه السورة إلى الأمور التالية :

١ ـ إنكار الكافرين مسألة المعاد وتعجّبهم منها «المراد بالمعاد هنا هو المعاد الجسماني».

٢ ـ الاستدلال على مسألة المعاد عن طريق الالتفات إلى مطلق التكوين والخلق وخاصّة إحياء الأرض الميتة بنزول الغيث.

٣ ـ الاستدلال على مسألة المعاد عن طريق الالتفات إلى الخلق الأوّل.

٤ ـ الإشارة إلى مسألة ثبت الأعمال والأقوال ليوم الحساب.

٥ ـ المسائل المتعلّقة بالموت والانتقال من هذه الدنيا إلى الدار الاخرى.

٦ ـ جانب من حوادث يوم القيامة وأوصاف الجنّة والنار.

٧ ـ إشارة إلى حوادث نهاية هذا العالم المذهلة والمثيرة التي تعتبر بدورها بداية العالم الآخر!

وفي الأثناء إشارات (موجزة وذات تأثير بليغ) عن حال الأمم الماضية وطغيانها وعاقبتها الوخيمة أمثال قوم فرعون وعاد وقوم لوط وقوم شعيب وقوم تبع وما ورد من تعليمات للنبي في التوجّه إلى الله تعالى كما وردت في بداية السورة ونهايتها إشارة موجزة إلى عظمة القرآن!.

٧

فضيلة تلاوة سورة «ق» :

يستفاد من الرّوايات الإسلامية أنّ النّبي كان يهتمّ اهتماما كبيرا بسورة «ق» حتّى أنّه كان يقرؤها في خطبة صلاة كلّ يوم جمعة(١) .

كما ورد في حديث آخر أنّه كان يقرؤها في كلّ عيد وجمعة(٢) وإنّما كان ذلك فلأنّ يومي الجمعة والعيد يومان يتيقّظ فيهما الناس وينتهبون ، وفيما تكون العودة إلى الفطرة الاولى ، والتوجّه إلى الله ويوم الحساب ، وحيث أنّ آيات هذه السورة تتحدّث عن مسائل المعاد والموت وحوادث يوم القيامة وأنّ لاسلوبها تأثيرا بالغا في إيقاظ الناس من الغفلة وتربيتهم ، لذلك كانت موضع اهتمام النّبيصلى‌الله‌عليه‌وسلم .

وقد ورد في بعض أحاديث النّبيصلى‌الله‌عليه‌وسلم أنّه قال : «من قرأ سورة (ق) هوّن الله عليه تارات الموت وسكراته»(٣) .

كما ورد عن الباقرعليه‌السلام أنّه قال : «من أدمن في فرائضه ونوافله سورة (ق) وسّع الله في رزقه وأعطاه كتابا بيمينه وحاسبه حسابا يسيرا».

ولا حاجة للتذكير بأنّ كلّ هذه الفضيلة والفخر لا يحصل بقراءة الألفاظ فحسب ، بل القراءة هي بداية لتيقّظ الأفكار ، وهي بدورها مقدّمة للعمل الصالح والانسجام مع محتوى السورة هذه.

* * *

__________________

(١) تفسير القرطبي ، ج ٩ ، ص ٦١٧١.

(٢) تفسير في ظلال القرآن ، ج ٧ ، ص ٥٤٧.

(٣) تفسير مجمع البيان ، ج ٩ ، ص ١٤٠.

٨

الآيات

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

( ق وَالْقُرْآنِ الْمَجِيدِ (١) بَلْ عَجِبُوا أَنْ جاءَهُمْ مُنْذِرٌ مِنْهُمْ فَقالَ الْكافِرُونَ هذا شَيْءٌ عَجِيبٌ (٢) أَإِذا مِتْنا وَكُنَّا تُراباً ذلِكَ رَجْعٌ بَعِيدٌ (٣) قَدْ عَلِمْنا ما تَنْقُصُ الْأَرْضُ مِنْهُمْ وَعِنْدَنا كِتابٌ حَفِيظٌ (٤) بَلْ كَذَّبُوا بِالْحَقِّ لَمَّا جاءَهُمْ فَهُمْ فِي أَمْرٍ مَرِيجٍ (٥)

التّفسير

المنكرون المعاندون في أمر مريج!

مرّة اخرى نواجه هنا بعض الحروف المقطّعة! وهو الحرف «ق» ، وكما قلنا من قبل أنّ واحدا من التفاسير المتينة هو أنّ هذا القرآن على عظمته مؤلّف من حروف بسيطة هي ألف باء إلخ وهذا يدلّ على أنّ مبدع القرآن ومنزله لديه علم لا محدود وقدرة مطلقة بحيث خلق هذا التركيب الرفيع العالي من هذه الوسائل البسيطة المألوفة!

وبالطبع فإنّ هناك تفاسير أخر للحروف المقطّعة ويمكن مراجعتها في بدايات سور «البقرة ، آل عمران ، الأعراف وسور حم أيضا».

٩

قال بعض المفسّرين أنّ «ق» إشارة إلى بعض أسماء الله تعالى «كالقادر والقيّوم» وما إلى ذلك من الأسماء المبدوءة بحرف القاف.

كما ورد في كثير من التفاسير أنّ «ق» اسم لجبل عظيم يحيط بالكرة الأرضية!

ولكن أي جبل هو بحيث يحيط بالكرة الأرضية أو مجموع العالم؟! وما المراد منه؟ ليس هنا محلّ الكلام عنه! لكن ما ينبغي ذكره هنا أنّه من البعيد جدّا أن يكون «ق» في هذه السورة إشارة إلى جبل قاف! لأنّه ليس هذا لا يتناسب مع مواضيع السورة وما ورد فيها فحسب ، بل حرف «القاف» هنا كسائر الحروف المقطّعة الواردة في بدايات السور في القرآن ، أضف إلى ذلك لو كان «ق» إشارة إلى جبل «قاف» لكان ينبغي أن يقترن بواو القسم كقوله تعالى : والطور وأمثال ذلك ، وذكر كلمة ما من دون مبتدأ ولا خبر أو واو القسم لا مفهوم لها.

ثمّ بعد هذا كلّه ، فإنّ الرسم القرآني لجميع المصاحف هو ورود الحرف «ق» مفردا ، في حين أنّ جبل «قاف» يكتب رسمه على هيئة اسمه الكامل «قاف».

ومن جملة الأمور التي تثبت على أنّ هذا الحرف «ق» هو من الحروف المقطّعة المذكورة لبيان عظمة القرآن هو مجيء القسم مباشرة ـ بعد هذا الحرف ـ بالقرآن المجيد إذ يقول سبحانه :( ق وَالْقُرْآنِ الْمَجِيدِ ) .

كلمة «المجيد» مشتقّة من المجد ومعناها الشرف الواسع ، وحيث أنّ القرآن عظمته غير محدودة وشرفه بلا نهاية ، فهو جدير بأن يكون مجيدا من كلّ جهة ، فظاهره رائق ، ومحتواه عظيم ، وتعاليمه عالية ، ومناهجه مدروسة ، تبعث الروح والحياة في نفوس العباد.

ولسائل أن يسأل : ما المراد من ذكر هذا القسم؟ أو ما هو المقسم له؟! هناك بين المفسّرين احتمالات كثيرة ، ولكن مع الالتفات إلى ما بعد القسم من الآيات فإنّه يبدو أنّ المقصود بالقسم أو جواب القسم هو مسألة النبوّة نبوة محمد أو

١٠

نشور الناس وبعضهم بعد موتهم(١) .

ثمّ يبيّن القرآن جانبا من إشكالات الكفّار والمشركين العرب الواهية فيذكر إشكالين منها الأوّل هو حكايته منهم :( بَلْ عَجِبُوا أَنْ جاءَهُمْ مُنْذِرٌ مِنْهُمْ فَقالَ الْكافِرُونَ هذا شَيْءٌ عَجِيبٌ ) .

وهذا إشكال طالما أشار إليه القرآن وردّ عليه ، وتكرار هذا الإشكال يدلّ على أنّه من إشكالات الكفّار الأساسية التي كانوا يكرّروها دائما!.

ولم يكن النّبي محمّدصلى‌الله‌عليه‌وسلم وحده قد أشكلوا عليه بهذا الإشكال ، فالرسل أيضا أشكلوا عليهم أيضا بذلك بقولهم :( إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُنا تُرِيدُونَ أَنْ تَصُدُّونا عَمَّا كانَ يَعْبُدُ آباؤُنا ) (٢)

وكانوا يقولون أحيانا :( ما هذا إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يَأْكُلُ مِمَّا تَأْكُلُونَ مِنْهُ وَيَشْرَبُ مِمَّا تَشْرَبُونَ ) (٣) .

وربّما أضافوا أحيانا( لَوْ لا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مَلَكٌ فَيَكُونَ مَعَهُ نَذِيراً ) .(٤)

إلّا أنّ جميع هذه الأمور كانت حججا واهية وذريعة لعدم التسليم للحقّ.

والقرآن في هذه الآيات محلّ البحث لا يردّ على هذا الإشكال ، لأنّه أجاب عليه مرارا ، وهو إن أردنا أن نرسل ملكا لجعلناه على صورة بشر أي أنّ قادة الناس ينبغي أن يكونوا منهم فحسب ليكونوا قادرين على معرفة همومهم وآلامهم ورغباتهم وحاجاتهم ومسائل حياتهم ، وليكونوا أسوة لهم من الناحية العملية ولئلّا يقولوا لو كانوا أمثالنا لما ظلّوا طاهرين أنقياء!

فمناهج الملائكة تتناسب معهم ولا تتناسب مع طموحات البشر وآلامهم :

__________________

(١) وتقدير الكلام هكذا «ق» والقرآن المجيد إنّك لرسول الله» أو لتبعثنّ أو أنّ البعث حقّ إلخ.

(٢) سورة ابراهيم ، ١٠.

(٣) سورة المؤمنون ، ٣٣.

(٤) سورة الفرقان ، ٧.

١١

وبعد إشكالهم الأوّل على نبوّة النّبي محمّدصلى‌الله‌عليه‌وسلم وهو كيف يكون النّبي بشرا؟! كان لهم إشكال آخر على محتوى دعوته ووضعوا أصابع الدهشة على مسألة اخرى كانت عندهم أمرا غريبا وهي( إِذا مِتْنا وَكُنَّا تُراباً ذلِكَ رَجْعٌ بَعِيدٌ ) (١) .

وعلى كلّ حال ، كانوا يتصوّرون أنّ العودة للحياة مرّة اخرى بعيدة لا يصدّقها العقل ، بل كانوا يرونها محالا ويعدوّن من يقول بها ذا جنّة! كما نقرأ ذلك في الآيتين ٧ و٨ من سورة سبأ إذ :( قالَ الَّذِينَ كَفَرُوا هَلْ نَدُلُّكُمْ عَلى رَجُلٍ يُنَبِّئُكُمْ إِذا مُزِّقْتُمْ كُلَّ مُمَزَّقٍ إِنَّكُمْ لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ أَفْتَرى عَلَى اللهِ كَذِباً أَمْ بِهِ جِنَّةٌ ) .

ولم يكن هذا الإشكال الذي أوردوه على النّبي هنا فحسب ، بل أشكلوا عليه به عدّة مرّات وسمعوا ردّه عليهم ، إلّا أنّهم كرّروا عليه ذلك عنادا.

وعلى كلّ حال ، فإنّ القرآن ، يردّ عليهم بطرق متعدّدة! فتارة يشير إلى علم الله الواسع فيقول :( قَدْ عَلِمْنا ما تَنْقُصُ الْأَرْضُ مِنْهُمْ وَعِنْدَنا كِتابٌ حَفِيظٌ ) .

إذا كان إشكالكم هو أنّه كيف تجتمع عظام الإنسان النخرة ولحمه الذي صار ترابا وذرّاته التي تبدلّت إلى بخار وغازات متفرّقة في الهواء ، ومن يجمعها؟! أو من يعرف عنها شيئا؟! فجواب ذلك معلوم فالله الذي أحاط بكلّ شيء علما يعرف جميع هذه الذرّات ويجمعها متى شاء ، كما أنّ ذرّات الحديد المتناثرة في تلّ من الرمل يمكن جمعها بقطعة من «المغناطيس» فكذلك جمع ذرّات الإنسان أيسر على الله من ذلك.

وإذا كان إشكالهم أنّه من يحفظ أعمال الإنسان ليوم المعاد ، فالجواب على ذلك أنّ جميع أعمال الناس في لوح محفوظ ، ولا يضيع أي شيء في هذا العالم ، وكلّ شيء ـ حتّى أعمالكم ـ سيظلّ باقيا وإن تغيّر شكله.

__________________

(١) جواب إذا محذوف ويعرف من الجملة التالية وتقديرها : «إذا متنا وكنّا ترابا نرجع ونردّ أحياء ذلك رجع بعيد».

١٢

( كِتابٌ حَفِيظٌ ) معناه الكتاب الذي يحفظ جميع أعمال الناس وغيرها ، وهو إشارة إلى «اللوح المحفوظ» الذي بيّنا معناه بتفصيل في ذيل الآية (٣٩) من سورة الرعد.

ثمّ يردّ القرآن عليهم بجواب آخر ، وفيه منحى نفسي أكثر إذ يقول :( بَلْ كَذَّبُوا بِالْحَقِّ لَمَّا جاءَهُمْ ) .

أي إنّهم جحدوا الحقّ مع علمهم به ، وإلّا فإنّه لا غبار على الحقّ ، وكما سيتّضح في الآيات المقبلة فإنّهم يرون صورة مصغّرة للمعاد بأعينهم مرارا في هذه الدنيا وليس عندهم مجال للشّك والتردّد!

لذلك فإنّ القرآن يختتم هذه الآية مضيفا :( فَهُمْ فِي أَمْرٍ مَرِيجٍ ) ! فلأنّهم كذّبوا الرسالة فهم دائما في تناقض في القول وحيرة في العمل واضطراب في السلوك.

فتارة يتّهمون النّبي بأنّه مجنون أو أنّه شاعر أو كاهن.

وتارة يعبّرون عن كلماته بأنّها «أساطير الأوّلين».

وتارة يقولون بأنّه يعلّمه بشر.

وتارة يقولون عنه بأنّه ساحر لنفوذ كلماته في القلوب.

وتارة يقولون بأنّنا نستطيع أن نأتي بمثله.

وهذه الكلمات المتفرّقة والمتناقضة تدلّ على أنّهم فهموا الحقّ ، إلّا أنّهم يتذرّعون بحجج واهية شتّى ، ولذلك لا يقرّون على كلام واحد أبدا.

وكلمة «مريج» مشتقّة من مرج ـ على زنة حرج ـ ومعناها الأمر المختلط والمشتبه والمشوش ، ولذلك فقد أطلقوا على الأرض التي تكثر فيها النباتات المختلفة والمتعدّدة بأنّها «مرج» أو «مرتع».

* * *

١٣

الآيات

( أَفَلَمْ يَنْظُرُوا إِلَى السَّماءِ فَوْقَهُمْ كَيْفَ بَنَيْناها وَزَيَّنَّاها وَما لَها مِنْ فُرُوجٍ (٦) وَالْأَرْضَ مَدَدْناها وَأَلْقَيْنا فِيها رَواسِيَ وَأَنْبَتْنا فِيها مِنْ كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ (٧) تَبْصِرَةً وَذِكْرى لِكُلِّ عَبْدٍ مُنِيبٍ (٨) وَنَزَّلْنا مِنَ السَّماءِ ماءً مُبارَكاً فَأَنْبَتْنا بِهِ جَنَّاتٍ وَحَبَّ الْحَصِيدِ (٩) وَالنَّخْلَ باسِقاتٍ لَها طَلْعٌ نَضِيدٌ (١٠) رِزْقاً لِلْعِبادِ وَأَحْيَيْنا بِهِ بَلْدَةً مَيْتاً كَذلِكَ الْخُرُوجُ (١١) )

التّفسير

انظروا إلى السماء لحظة!

هذه الآيات تواصل البحث عن دلائل المعاد ، فتارة تتحدّث عن قدرة الله المطلقة لإثبات المعاد ، واخرى تستشهد له بوقائع ونماذج تحدث في الدنيا تمثّل حالة المعاد.

فهي تستجلب وتلفت أنظار المنكرين إلى خلق السماوات فتقول :( أَفَلَمْ يَنْظُرُوا إِلَى السَّماءِ فَوْقَهُمْ كَيْفَ بَنَيْناها وَزَيَّنَّاها ) .

١٤

والمراد بالنظر هنا هو النظر المقترن بالتفكير الذي يدعو صاحبه لمعرفة عظمة الخالق الذي خلق السماء الواسعة وما فيها من عجائب مذهلة وتناسق وجمال واستحكام ونظم ودقّة.

جملة( وَما لَها مِنْ فُرُوجٍ ) أي لا انشقاق فيها ، إمّا أن يكون بمعنى عدم وجود النقص والعيب وارتباك كما ذهب إليه بعض المفسّرين ، أو أن يكون معناه عدم الإنشقاق والإنفطار في السماء المحيطة بأطراف الأرض وهي ما يعبّر عنها بالغلاف الجوّي للأرض أو ما يعبّر القرآن عنه بالسقف المحفوظ كما ورد ذلك في سورة الأنبياء الآية (٣٢) إذ توصد الطريق بوجه النيازك والسدم والشهب التي تهوي باستمرار نحو الأرض وبسرعة هائلة وقبل أن تصل إلى الأرض تستحيل إلى شعلة فرماد ، كما أنّها تحجب الأشعّة الضارّة للشمس وغيرها من الأشعّة الكونية ، وإلّا فإنّ السماء معناها الفضاء الواسع الذي تسبح فيه الأجرام الكروية المعروفة بالنجوم.

وهنا احتمال ثالث أيضا ، وهو أنّ الجملة السابقة إشارة إلى نظرية وجود «الأثير» وطبقا لهذه النظرية فإنّ جميع عالم الوجود بما فيه الفواصل التي تقع ما بين النجوم ـ مليء من مادّة عديمة اللون والوزن تدعى بـ «الأثير» وهي تحمل أمواج النور وتنقلها من نقطة لأخرى ، وطبقا لهذه النظرية فإنّه لا وجود لأيّة فرجة ولا فجوة ولا انشقاق في عالم الإيجاد والخلق ، وجميع الأجرام السماوية والكواكب السيارة تموج في الأثير!

وبالطبع فإنّه لا منافاة بين هذه التفاسير الثلاثة وإن كانت النظرية الثالثة التي تعتمد على فرضية الأثير لا يعوّل عليها ولا يمكن الركون إليها ، لأنّ موضوع الأثير ما يزال قيد الدرس ولم يثبت بصورة قطعيّة عند جميع العلماء لحدّ الآن!

ثمّ تشير الآيات إلى عظمة الأرض فتقول :( وَالْأَرْضَ مَدَدْناها وَأَلْقَيْنا فِيها رَواسِيَ وَأَنْبَتْنا فِيها مِنْ كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ ) .

١٥

أجل ، خلق الأرض من جهة ، ثمّ اتّساعها «وخروجها من تحت الماء» من جهة اخرى ، ووجود الجبال «الرواسي» عليها وارتباط بعضها ببعض كأنّها السلاسل التي تشدّ الأرض وتحفظها من الضغوط الداخلية والخارجية والجزر والمدّ الحاصلين من جاذبية الشمس والقمر من جهة ثالثة ووجود أنواع النباتات بما فيها من عجائب واتّساق وجمال من جهة رابعة جميعها تدلّ على قدرته اللّامحدودة(١) .

والتعبير بـ( مِنْ كُلِّ زَوْجٍ ) إشارة إلى مسألة الزوجية في عالم النباتات التي لم تكن معروفة كأصل كلّي حين نزول الآيات محلّ البحث ، وبعد قرون وسنين متطاولة استطاع العلم أن يميط النقاب عنها. أو أنّه إشارة إلى اختلاف النباتات وأنواعها المتعدّدة ، لأنّ التنوّع والاختلاف في عالم النبات عجيب ومذهل.

أمّا الآية التالية فهي بمثابة الاستنتاج إذ تقول :( تَبْصِرَةً وَذِكْرى لِكُلِّ عَبْدٍ مُنِيبٍ ) (٢) .

أجل إنّ من له القدرة على خلق السماوات بما فيها من عظمة وجمال وجلال ، والأرض بما فيها من نعمة وجمال ودقّة ، كيف لا يمكنه أن يلبس الموتى ثوب الحياة مرّة اخرى وأنّ يجعل لهم معادا وحياة اخرى!؟

ترى أليست هذه القدرة المذهلة العظيمة دليلا واضحا على إمكان المعاد؟! أمّا الآية التالية ففيها استدلال آخر على هذا الأمر إذ تقول :( وَنَزَّلْنا مِنَ السَّماءِ ماءً مُبارَكاً فَأَنْبَتْنا بِهِ جَنَّاتٍ وَحَبَّ الْحَصِيدِ ) .

«الجنّات» هنا إشارة إلى بساتين الثمار ، أمّا( حَبَّ الْحَصِيدِ ) فإشارة إلى الحبوب التي تعدّ مادّة أساسيّة لغذاء الإنسان كالحنطة والشعير والذرّة وغيرها.

__________________

(١) كنّا قد بحثنا فوائد إيجاد الجبال واتّساع الأرض ويسطها وزوجية النباتات بحثا مفصّلا في سورة الرعد ذيل الآية(٣).

(٢) يمكن أن تكون تبصرة مفعولا لأجله كما يمكن أن تكون مفعولا مطلقا إلّا أنّ الاحتمال الأوّل أنسب ، ومثل هذا يقع الكلام على كلمة «ذكرى».

١٦

ثمّ تضيف الآية :( وَالنَّخْلَ باسِقاتٍ لَها طَلْعٌ نَضِيدٌ ) كلمة : «باسقات» جمع باسقة بمعنى الشجرة المرتفعة العالية و «الطلع» ثمر النخل وما يكون منه الرطب والتمر بعدئذ ، وكلمة «النضيد» معناها المتراكم بشكل دقيق ، والمعروف أنّ عذق النخل قبل أن ينشقّ ، يحمل داخله طلعا متراكبا متراكما وحين ينشقّ هذا الطلع يكون مذهلا وعجيبا.

والآية الأخيرة من الآيات محلّ البحث تقول :( رِزْقاً لِلْعِبادِ وَأَحْيَيْنا بِهِ بَلْدَةً مَيْتاً كَذلِكَ الْخُرُوجُ ) (١) .

وهكذا فانّ هذه الآيات ضمن بيان النعم العظمى للعباد وتحريك إحساس الشكر فيهم في مسير المعرفة تذكّرهم بأنّهم يرون مثلا للمعاد كلّ سنة في حياتهم في هذه الدنيا ، فالأرض الميتة الخالية واليابسة تهتزّ وتنبت النباتات عليها عند نزول قطرات الغيث وكأنّ أصداء القيامة تترنّم على شفاه النباتات قائلة : «وحده لا شريك له».

فهذه الحركة العظيمة نحو الحياة في عالم النباتات تكشف عن هذه الحقيقة ، وهي أنّ بارئ عالم الموجودات قادر على إحياء الموتى مرّة اخرى ، لأنّ وقوع الشيء أقوى دليل على إمكانه!

* * *

__________________

(١) بحثنا هذا الموضوع في آيات اخرى أيضا فراجع ذيل الآية (٩) من سورة فاطر وذيل الآيات الأخيرة من سورة (يس).

١٧

الآيات

( كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ وَأَصْحابُ الرَّسِّ وَثَمُودُ (١٢) وَعادٌ وَفِرْعَوْنُ وَإِخْوانُ لُوطٍ (١٣) وَأَصْحابُ الْأَيْكَةِ وَقَوْمُ تُبَّعٍ كُلٌّ كَذَّبَ الرُّسُلَ فَحَقَّ وَعِيدِ (١٤) أَفَعَيِينا بِالْخَلْقِ الْأَوَّلِ بَلْ هُمْ فِي لَبْسٍ مِنْ خَلْقٍ جَدِيدٍ (١٥) )

التّفسير

لست وحدك المبتلى بالعدو

تعالج هذه الآيات مسألة المعاد من خلال نوافذ متعدّدة! ففي البداية ومن أجل تثبيت قلب النّبيصلى‌الله‌عليه‌وسلم وتسليته تقول : لست وحدك المرسل الذي كذّبه الكفّار وكذّبوا محتوى دعواته ولا سيّما المعاد فإنّه :( كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ وَأَصْحابُ الرَّسِّ وَثَمُودُ ) !.

وجماعة «ثمود» هم قوم صالح النّبي العظيم إذ كانوا يقطنون منطقة «الحجر» شمال الحجاز.

أمّا «أصحاب الرسّ» فهناك أقوال عند المفسّرين ، فالكثير من المفسّرين يعتقدون أنّهم طائفة كانت تقطن اليمامة ، وكان عندهم نبيّ يدعى حنظلة فكذّبوه.

١٨

وألقوه في البئر في آخر الأمر «من معاني الرسّ هو البئر» والمعنى الآخر الأثر اليسير الباقي من الشيء ، وقد بقي من هؤلاء القوم الشيء اليسير في ذاكرة التاريخ!.

ويرى بعض المفسّرين أنّهم «قوم شعيب» لأنّهم كانوا يحفرون الآبار ، ولكن مع الالتفات إلى أنّ «أصحاب الأيكة» المذكورين في الآيات التالية هم قوم شعيب أنفسهم ينتفي هذا الاحتمال أيضا.

وقال بعض المفسّرين : هم بقايا قوم ـ صالح ـ أي ثمود ، ومع الالتفات إلى ذكر ثمود على حدة في الآية فإنّ هذا الاحتمال يبدو بعيدا أيضا.

فعلى هذا يكون التّفسير الأوّل هو الأنسب ، وهو ما اشتهر على أقلام المفسّرين وألسنتهم!.

ثمّ يضيف القرآن قائلا :( وَعادٌ وَفِرْعَوْنُ وَإِخْوانُ لُوطٍ ) والمراد بإخوان لوط هم قومه ، وقد عبّر القرآن عن لوط بأنّه أخوهم ، وهذا التعبير مستعمل في اللغة العربية بشكل عام.

وكذلك من بعدهم :( وَأَصْحابُ الْأَيْكَةِ وَقَوْمُ تُبَّعٍ ) . والأيكة : معناها الأشجار الكثيرة المتداخلة بعضها ببعض ـ أو الملتفّة أغصانها ـ و «أصحاب الأيكة» هم طائفة من قوم شعيب كانوا يقطنون منطقة غير «مدين» وهي منطقة ذات أشجار كثيرة(١) !

والمراد من «قوم تبّع» طائفة من أهل اليمن ، لأنّ «تبّع» لقب لملوك اليمن ، باعتبار أنّ هؤلاء القوم يتبعون ملوكهم ، وظاهر تعبير القرآن هنا وفي آية اخرى منه (٣٧ ـ الدخان) هو ملك مخصوص من ملوك اليمن اسمه (أسعد أبو كرب) كما نصّت عليه بعض الرّوايات ، ويعتقد جماعة من المفسّرين بأنّه كان رجلا صالحا

__________________

(١) لمزيد الإيضاح يراجع ذيل الآيات (٧٨) من سورة الحجر و (١٧٦) من سورة الشعراء.

١٩

مؤمنا يدعو قومه إلى اتّباع الأنبياء ، إلّا أنّهم خالفوه(١) .

ثمّ إنّ الآية هذه أشارت إلى جميع من ذكرتهم من الأقوام الثمانية فقالت :( كُلٌّ كَذَّبَ الرُّسُلَ فَحَقَّ وَعِيدِ ) .

وما نراه في النصّ من أنّ جميع هؤلاء كذّبوا الرسل والحال أنّ كلّ قوم كذّبوا رسولهم فحسب لأنّ الفعل الصادر منهم جميعا التكذيب نال الأنبياء جميعا وإن كان كلّ قوم قد كذّبوا نبيّهم وحده في زمانهم.

أو لأنّ تكذيب أحد النّبيين والرسل يعدّ تكذيبا لجميع الرسل ، لأنّ محتوى دعوتهم سواء.

وعلى كلّ حال ، فإنّ هؤلاء الأمم كذّبوا أنبياءهم وكذّبوا مسألة المعاد والتوحيد أيضا ، وكانت عاقبة أمرهم نكرا ووبالا عليهم ، فمنهم من ابتلي بالطوفان ، ومنهم من أخذته الصاعقة ، ومنهم من غرق بالنيل ، ومنهم من خسفت به الأرض أو غير ذلك ، وأخيرا فإنّهم ذاقوا ثمرة تكذيبهم المرّة!! فكن مطمئنا يا رسول الله أنّه لو واصل هؤلاء تكذيبهم لك فلن يكونوا أحسن حالا من السابقين.

ثمّ يشير القرآن إلى دليل آخر من دلائل إمكان النشور ويوم القيامة فيقول :( أَفَعَيِينا بِالْخَلْقِ الْأَوَّلِ ) (٢) .

ثمّ يضيف القرآن : إنّهم لا يشكّون ولا يتردّدون في الخلق الأوّل لأنّهم يعلمون أنّ خالق الإنسان هو الله ولكنّهم يشكّون في المعاد مع كلّ تلك الدلائل الواضحة :( بَلْ هُمْ فِي لَبْسٍ مِنْ خَلْقٍ جَدِيدٍ ) .

وفي الحقيقة إنّهم في تناقض بسبب هوى النفس والتعصّب الأعمى ، فمن جهة يعتقدون بأنّ خالق الناس أوّلا هو الله إذ خلقهم من تراب ، إلّا أنّهم من جهة اخرى

__________________

(١) لمزيد الإيضاح يراجع ذيل الآية (٣٧) من سورة الدخان.

(٢) في الجملة الآنفة إيجاز حذف وتقدير الكلام في تماميته أن يقال «أفعيينا بالخلق الأوّل حتّى نعجز عن الثاني».

٢٠

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

المرصد السّادس

في العدل

وفيه مطالب

١٦١

١٦٢

[المطلب] الأوّل

في الحسن والقبح العقليّين

الفعل إن لم يكن له صفةٌ زائدةٌ على حدوثه فهو كحركة السّاهي والنّائم. وإن كان، فهو إمّا حسنٌ لا صفة زائدة له على حسنه، وهو المباح؛ أو له صفةٌ زائدةٌ، فإن أوجبت الذّمّ على التّرك فهو الواجبُ، وإلاّ النّدبُ؛ وإمّا قبيحٌ، وهو ما يستحقّ فاعله العالمُ بحاله الذّمّ.

واتّفقت المعتزلة على أنّ من الأشياء ما يُعلم كونه حسناً وقبيحاً بالضّرورة، كحسن الصّدق النافع والإنصاف والإحسان وشكر المُنعم وقبح الكذب الضّارّ والظلم والفساد وتكليفِ ما لا يُطاق؛ ومنها ما يعلم حسنه وقبحه بنظر العقل، كحُسن الصّدق الضّارّ وقبح الكذب النّافع، ومنها ما يُعلم من جهة الشّرع، لا بمعنى أنّه علّةٌ في الحُسن والقبح، بل إنّه كاشف لجزم من لم يعتقد الشّرعُ به، ولأنّه لولاه لجاز إظهار المعجزة (1) على يد الكاذب، والخُلف في وعده ووعيده. والتّعذيب على الطاعة والإثابة على المعصية، فينتفي فائدةُ التّكليف ولأُفحِمَتِ الأنبياءُ.

____________________

(1) ألف: المعجز.

١٦٣

وقالت الأشاعرة: إنهما شرعيّان، فالحسنُ ما أمر الشّارعُ به، والقبيحُ ما نهى عنه؛ لأنّ العلمُ به ليس نظريّاً إجماعاً ولا ضروريّاً، وإلاّ لساوى العلم بأنّ الكلّ أعظمُ من الجزء. والتّالي باطلٌ قطعاً، فكذا المقدّمُ، ولأنّ الكذبَ قد يحسنُ إذا اشتمل على مصلحة، كتخليص نبيّ من ظالم، أو قال: لأكذبنّ غداً، ولأنّه - تعالى - كلّف من علم عدمَ إيمانه، وخلافُ معلوم الله - تعالى - مُحال، وكلّف أبا لهب بالإيمان بجميع ما أخبر به. ومن جملة ما أخبر (1) أنّه لا يؤمنُ، فقد كلّفه بأن يؤمن بأن لا يؤمن. وهو جمعٌ بينَ النّقيضين؛ ولأنّ أفعال العبد اضطراريّةٌ، فلا حسنَ ولا قبحَ.

والجوابُ: المنعُ من الملازمة فإنّ التّصديقات الضّروريّة تتفاوتُ بتفاوت التّصوّرات في الكمال والنّقصان، ومن بطلان التّالي، والكذب ليس بحسن مطلقاً. ويجب التّوريةُ لتخليص النّبيّ، فينتفي الكذبُ، أو يأتي بصورة الإخبار من غير قصد له، بل للاستفهام. ويجبُ ترك الكذب في الغد، لاشتماله على وجهي حسن، هما ترك الكذب وترك إتمام العزم عليه وإن اشتمل على وجه قبح، وهو أولى من الكذب المشتمل على وجهي قبح هُما الكذب وإتمام العزم عليه، وعلى وجه حَسن وهو الصدق، والعلم تابعٌ، فلا يؤثّرُ في المتبوع.

ونمنع إخباره عن أبي لهب بعدم الإيمان. والسّورةُ اشتملت (2) على

____________________

(1) ج: أجزائه.

(2) ج: إنه اشتملت.

١٦٤

ذمّه، لا على الإخبار بعدم إيمانه. ويُحتَملُ نزولها بعدَ موته. ويؤيّده قوله تعالى: ( مَا أَغْنَى‏ عَنْهُ ) (1) وقوله تعالى: ( سَوَاءٌ عَلَيْهِمْ أأنذرتهم ) (2) يُحتَمل نزولها بعدَ موتهم أو حالَ غفلتهم. والغافل غير مكلّف. وسيأتي بيانُ اختيار العبد.

تذنيبٌ

القبائحُ إنّما قبحت لما هي عليه. وكذا الواجباتُ، فإنّ العقلاء متى علموا الظلمَ، أو منعَ ردّ الوديعة، أو ترك شكر المنعم، (3) ذمّوا فاعل ذلك، ومتى علموا ردّ الوديعة أو شكر النّعمة مدحوا فاعله. فإذا طلب منهم العلّة بادروا إلى ذكر الظّلم أو منع الوديعة أو كفران النّعمة أو فعل الشّكر أو الرّدّ. فلو لا علمهم الضّروريّ بالعلم لما بادروا إليها وللدوران، فإنّ الضّرر متى كان ظلماً كان قبيحاً. وإذا انتفى الظلم انتفى قبحه فكان علّةً.

____________________

(1) المسد: 111/2.

(2) البقرة: 2/6.

(3) ب، ج: النعمة.

١٦٥

المطلب الثاني

في أنّه - تعالى - لا يفعل القبيح ولا يُخلّ بالواجب

يدلّ عليه أنّ له صارفاً عن القبيح، لأنّه غنيٌّ عنه وعالمٌ بقبحه، ولا داعيّ له إليه، لانتفاء داعي الحاجة والحكمة، فلا يصدرُ الفعل عنه قطعاً.

والأشاعرة أسندوا القبائح إليه - تعالى عن ذلك -، لأنّه كلّف الكافر مع علمه بامتناع الإيمان منه، وتكليفُ ما لا يُطاقُ قبيحٌ عندكم، ولأنّه - تعالى - جمع بين الرّجال والنّساء في الدّنيا ومكّن بعضَهم من بعض، وجعل لهم ميلاً إلى الاجتماع وحرّمه، وذلك قبيح، كما يقبح منّا جمع العبيد والإماء،

وقد بيّنا أنّ العلمَ تابعٌ، والغرضُ في التّكليف هو التّعريض على معنى أنّه يجعله بحيثُ يتمكن من الوصول إلى النّفع وقد حصل الغرضُ، والجامع بينَ العبيد والإماء إذا نهاهم عن وصول بعضهم إلى بعض وتوعّدهم عليه بعظيم الضّرر، وفعل بهم ما يُقرّبهم من الامتثال ويُبعّدهم عن المخالفة، ونصب لهم من يؤدّبهم إذا أخلّوا بما أُمروا به عاجلاً ووعدهم على الامتثال بعظيم النّفع الّذي لا يمكن الوصول إليه إلاّ به لم يكن قبيحاً.

١٦٦

المطلب الثّالث

في خلق الأعمال

ذهب جهم بنُ صفوان إلى أن لا فاعل إلاّ الله - تعالى - وقالت الأشاعرةُ والنّجّاريّة، إنّ المُحدِثَ هو الله - تعالى - والعبدَ مكتسبٌ، وأنّه - تعالى - يخلقُ قدرة للعبد والفعل معاً. واختلفوا في الكسب، فقال الأشعريّ: هو إجراء العادة بإيجاد الله - تعالى - الفعل والقدرة معاً عندَ اختيار العبد، ولا أثرَ لقدرة العبد. وقال بعضُ أصحابه، معناه تأثيرُ قدرة العبد في كون الفعل طاعةً أو معصيةً أو عبثاً وغيرها من صفات الفعل الّتي يتناولها التّكليف وبها يستحقّ المدح والذّمّ. وقال آخرون: إنّه غيرُ معلوم.

وذهب أهل العدل إلى أنّ للحيوان أفعالاً تقعُ بقدرتهم (1) واختيارهم، فعندَ أبي الحسين ومن تابعه أنّ العلمَ به ضروريٌّ. وهو الحقّ. وعند باقي مشايخ المعتزلة ومن تابعهم من شيوخ الإماميّة أنّه كسبيٌّ.

لنا أنّ كلّ عاقل يعلمُ بالضّرورة حُسنَ المدح على الإحسان والذّمّ على الإساءة، وهو يتوقفُ على كون الممدوح والمذموم فاعلاً، ولأنّ أفعالنا

____________________

(1) ألف، ب: بقدرهم.

١٦٧

واقعةٌ بحسب قصودنا ومنتفية بحسب صوارفنا. وهو معنى الفاعل. ولأنّ الضّرورة قاضية بالفرق بينَ حركاتنا الاختياريّة والاضطراريّة، ولقبح منه - تعالى - الأمر والنّهي كما يقبح أمرُ الجماد ونهيه؛ وللسّمع.

احتجّ الخصمُ بأنّ العبدَ حالَ الفعل إن لم يمكنه التّرك فهو الجبر؛ وإن أمكنه: فإن لم يتوقّف التّرجيحُ على مرجّح لزم ترجيحُ الممكن من غير مرجّح، وإن توقّف، فإن كان منه عاد البحث، وإلاّ لزم الجبر، لامتناع الفعل من دونه ووجوبه عنده، ولأنّه لو كان موجداً لفعله لكان عالماً بتفاصيله، فإنّ القصد (1) الكلّيّ لا يكفي في حصول الجزئيّ لتساوي نسبته إلى الجميع. والتّالي باطل قطعاً، لعدم العلم بقدر السّكنات المتخلّلة في الحركات البطيئة، ولأنّه لو أراد العبدُ حركةَ جسم وأراد الله - تعالى - تسكينه، فإن وقعا أو لم يقعا لزم المُحال، وإن وقع أحدهما كان ترجيحاً من غير مرجّح، لاستقلال كلّ منهما؛ ولأنّه - تعالى - إن علم الوقوعَ وجب وإلاّ امتنع، فلا قدرةَ.

والجوابُ: أنّه متمكنٌ من التّرك نظراً إلى القدرة وغيرُ متمكّن نظراً إلى الدّاعي ولا يخرجه عن القدرة، لتساوي الطرفين بالنّسبة إلى القدرة وحدَها، وهو آتٍ في حقّ واجب الوجود. والعلم الإجماليّ كافٍ في الإيجاد. والقصد الكلّيّ قد ينبعث عنه الفعل الجزئيّ باعتبار تخصيصه

____________________

(1) ألف: الفصل.

١٦٨

بالمحلّ والوقت لا باعتبار القصد، وقدرته - تعالى - أقوى، فكان صدورُ فعله أولى، والوجوب المستند إلى العلم لاحقٌ. (1)

وكما أنّ فرضَ أحد النّقيضين يقتضي وجوبَه لاحقاً دونَ امتناع الآخر، كذا فرضُ العلم، لأنّه مطابقٌ له. والأصل في هيئة التطابق هو المعلوم، مع أنّه آتٍ في حقّه تعالى. والكسب غيرُ مفيد، لأنّ تجويز صدور الاختيار يقتضي تجويز صدور غيره، لعدم الأولويّة؛ ولانسحاب أدلّتهم عليه، فإنّ اختيار المعصية مغايرٌ لاختيار الطاعة. فحصولُ أحدهما إن لم يكن لمرجّح لزم ترجيح أحد الطرفين لا لمرجّح، وإن كان لمرجّح تسلسل. وكذا باقي الأدلّة.

____________________

(1) ج: اللاحق.

١٦٩

المطلب الرّابع

في أنّه - تعالى - يريدُ الطاعات ويكره المعاصي

هذا مذهبُ العدليّة، خلافاً للأشاعرة، لأنّ له داعياً إلى الطاعة، ولا صارفَ له عنها، وله صارفٌ عن المعصية، ولا داعيَ له إليها، لأنّه حكيمٌ، والحكيمُ له داعٍ إلى الحَسَن، والطاعة حسنة، وله صارفٌ عن القبيح، والمعصية قبيحةٌ؛ ولأنّ إرادة القبيح قبيحةٌ، لاستحسان العقلاء ذمّ مريد القبيح، ولأنّه أمر بالطاعة ونهى عن المعصية. وهما يستلزمان الإرادة والكراهة؛ فإنّ الأمر إنّما هو أمرٌ باعتبار إرادة المأمور به؛ ولقوله تعالى: ( كُلّ ذلِكَ كَانَ سَيّئُهُ عِندَ رَبّكَ مَكْرُوهاً ) (1) وكذب من قال: ( لَوْ شَاءَ اللّهُ مَا أَشْرَكْنَا ) (2) وقوله: ( وَمَا اللّهُ يُرِيدُ ظُلْماً لِلْعَالَمِينَ ) (3) ، ( وَاللّهُ لاَ يُحِبّ الْفَسَادَ ) (4) ، ( وَلاَ يَرْضَى‏ لِعِبَادِهِ الْكُفْرَ ) (5) ، و ( وَمَا خَلَقْتُ الْجِنّ وَالْإِنسَ إِلاّ لِيَعْبُدُونِ ) (6) ، ( وَمَا أُمِرُوا إِلاّ لِيَعْبُدُوا اللّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدّينَ ) (7) .

____________________

(1) الإسراء: 17/38.

(2) الأنعام: 6/148.

(3) آل عمران: 3/108.

(4) البقرة: 2/205.

(5) الزمر: 39/7.

(6) الذاريات: 51/56.

(7) البيّنة: 98/5.

١٧٠

احتجّوا بأنّ إرادةَ الطاعة من الكافر تستلزم وقوعها وكراهةَ المعصية تستلزم عدمها؛ ولأنّ الأمر قد يوجد بدون الإرادة، كطالب العذر عن ضرب (1) عبده بعدم قبوله منه، فيأمره ولا يريد فعلَه، ليظهرَ عذره؛ وقوله تعالى: ( وَلَوْ شَاءَ رَبّكَ لَآمَنَ مَنْ فِي الْأَرْضِ كُلّهُمْ جَميعاً ) (2) .

والجوابُ: أنّه أراد إيقاعَها اختياراً وكره إيقاعَ المعصية اختياراً، لئلاّ يبطلَ التّكليف. والمولى يوجد صورةَ الأمر ولا طلب، كما لا إرادة، والآية يدلّ على القسر (3) .

____________________

(1) ج: بضرب العبد.

(2) يونس: 10/99.

(3) ج: على التخيير.

١٧١

المطلب الخامس

في التكليف

وهو إرادةُ من يجبُ طاعته على جهة الابتداء ما فيه مشقّةٌ بشرط الإعلام. وهو حسنٌ لأنّه من فعلِه تعالى، والله لا يفعل القبيح؛ ولابُدّ من غرضٍ، لقبح العبثِ، وليس عائداً إليه تعالى، لاستغنائه، ولا إلى غير المكلّف، لقبح إلزام المشقّة لنفع (1) الغير، ولا ضرر المكلّف لقبحه ابتداء، ولا نفعه، لانتقاضه بتكليف من علم كفره، ولا تعريضه للضرر لقبحه ولا لنفع يصحّ الابتداء به، لأنّه يصيرُ عبثاً، فهو التّعريضُ لنفع لا يمكن الابتداء به.

والأشاعرة نفوا الغرضَ في أفعاله، وإلاّ لكان ناقصاً في ذاته مستكملاً بذلك الغرض، إذ بحصوله يحصل له ما هو الأولى له. وليس بجيّد، وإلاّ لزم العبثُ وإبطال غايات المصنوعات الظاهرة حِكمها. (2) والاستفادةُ باطلة، كما في الخالقيّة.

وهو واجبٌ عندَ المعتزلة خلافاً للأشاعرة، وإلاّ لكان مغرياً بالقبيح،

____________________

(1) ج: منفعة.

(2) ج: حكمتها.

١٧٢

لأنّ للعاقل ميلاً إلى القبيح ونفوراً عن الحسن.

فلولا التّكليف الزّاجر عن القبيح لزم ارتكابه،

وشرطه كونُ المكلّف عالماً بصفة الفعل لئلاّ يكلّفَ بالقبيح أو المباح، وبقدر المستحقّ عليه من الثّواب ليؤمن انتفاء الظلم، والقدرة على الإيصال، وكونه منزّهاً عن فعل القبيح والإخلال بالواجب، وأن يكون ما كلّف به ممكناً، لقبح التّكليف بالمُحال، وكونه ممّا يستحقّ به الثّواب، كالواجب والنّدب وترك القبيح، وقدرة المكلّف عليه، مميّزاً بينَه وبينَ ما لم يكلّفه متمكناً من الآلة والعلم بما يحتاج إليه، والعلّة فيحسن تكليف المؤمن آتيةٌ في الكافر؛ فإنّ العلم غير مؤثر والتّعريض للنّفع ثابت فيه. واختيار الكفر (1) لا يُخرج الحَسن عن حُسنه.

____________________

(1) ب، ج: اختياره الكفر.

١٧٣

المطلب السّادس

في اللّطف

وهو ما كان المكلّف معه أقرب إلى فعل الطاعة وأبعدَ من فعل القبيح، (1) ولم يكن له حظٌّ في التّمكين ولم يبلغ إلى حدّ الإلجاء، فالآلة ليست لطفاً؛ لأنّ لها مدخلاً في التّمكين. والإلجاء ينافي التّكليف، بخلاف اللّطف وهو واجبٌ خلافاً للأشعريّة، وإلاّ لزم نقض الغرض، فإنّه - تعالى - إذا علم أنّ المكلّف لا يختارُ الطاعة أو لا يكونُ أقرب إليها إلاّ عندَ فعل يفعله به وجب عليه فعلُه، وإلاّ كان مُناقضاً لغرضه، كمن قدّم طعاماً إلى غيره ويعلمُ أنّه لا يأكلُ (2) إلاّ إذا فعل معه نوعاً من التأدّب لا مشقّةَ فيه ولا غضاضةَ، فلو لم يفعله لم يكن مريداً لأكله.

لا يقال: الفعل بدون اللطف إن كان ممكناً لم يتوقّف على اللّطف، وإلاّ صار من جملة التّمكين، كالقدرة، ولأنّ وجه الوجوب غير كافٍ فيه ما لم ينتف عنه وجوه (3) القبح، فلم لا يجوزُ اشتمال اللّطف على وجه قبح، ولأنّ اللطف إن اقتضى رجحاناً مانعاً من النّقيض كان إلجاءً. وإن كان غير مانع لم

____________________

(1) ج: فعل المعصية.

(2) ج: لا يأكله.

(3) ج: وجوب القبح.

١٧٤

يكف في وجود الفعل، وإن لم يقتض رجحاناً البتة انتفت فائدته.

لأنّا نقول: الفعل يتوقّفُ على الدّاعي. واللّطفُ أمّا الدّاعي أو سببه أو مقوّيه، فيتوقّف عليه الفعل وليس تمكيناً. ووجوه القبح محصورة مضبوطة، لأنّا مكلّفون باجتنابها، وهي منفيّةٌ عن اللطف، واقتضاء الرّجحان المانع من النّقيض لا يستلزم الإلجاء، كالدّاعي الّذي يجب الفعل عنده، وإن كان غيرَ مانع كفى مع الدّاعي والقدرة.

واللطف إن كان من فعله - تعالى - وجب عليه فعله، وإن كان من فعل المكلّف وجب عليه - تعالى - أن يُعرّفه إيّاه ويُوجبه عليه، وإن كان من فعل غيرهما لم يجز أن يكلّفه فعلاً متوقّفاً على ذلك اللّطف إلاّ إذا علم أنّ ذلك يفعله قطعاً.

١٧٥

المطلب السّابع

في الآلام والأعواض

الألمُ منه قبيحٌ، وهو صادرٌ عنّا والعوض فيه علينا، ومنه حَسنٌ، فإن كان من فعلنا، مباحاً أو مندوباً أو واجباً فالعوض عليه تعالى، وإن كان من فعله - تعالى - فإمّا على وجه الاستحقاق بالعقاب، (1) وإمّا على جهة الابتداء.

واختلفَ فيه، فنفاه البكريّة، وقالت الأشاعرة لا عوضَ عليه - تعالى - في ما يفعله من الألم ولا في ما يأمر به. وقالت التّناسخيّة، إنّه - تعالى - يؤلمُ على وجه العقوبة لا غير. وعند العدليّة أنّه - تعالى - يؤلم ابتداءً بشرط اشتماله على مصلحة لا تحصل بدونه، وهو اللّطف إمّا للمؤلم أو لغيره. وأن يكونَ في مقابلته عوضٌ للمؤلم يزيد عليه أضعافاً كثيرةً بحيثُ يختارُ المتألمُ العوضَ والألم؛ لأن عراءه عن العوض ظلمٌ وعن اللّطف عبثٌ.

والعوضُ، هو النّفعُ المستحقُّ الخالي من تعظيم وإجلال، فالمستحقّ علينا مساوٍ للألم، والمستحقّ عليه - تعالى - بفعله أو إباحته أو أمره أو تمكينه لغير العاقل زائدٌ عليه. واختلف أهل العدل في الأخير، فقال بعضهم بما

____________________

(1) ب، ج: كالعقاب.

١٧٦

تقدّم، وآخرون بأنّ العوضَ على الحيوان. والباقون قالوا: لا عوضَ هنا.

لنا، أنّه - تعالى - مكّنه وجعل فيه ميلاً شديداً إلى الإيلام ولم يخلق له عقلاً يزجره عن القبيح مع إمكانه.

احتجّ الخصمُ بقوله (عليه السلام): ((يُنتصفُ للجمّاء من القرناء)) (1) وإنّما يكون بأخذ العوض من الجاني وبقوله (عليه السلام): ((جُرحُ العجماء جبارٌ)) (2) والانتصاف بأخذ العوض إمّا من الجاني أو غيره، وصحّ أن يكونَ جباراً لانتفاء القصاص فيه.

والعوض واجبٌ، خلافاً للأشاعرة، وإلاّ لزم الظلمُ، واختلف الشّيوخُ، فقال أبو هاشم والبلخيّ: يجوزُ أن يُمكّن الله - تعالى - من الظلم من لا عوض له في الحال يوازي فعله.

ثمّ قال البلخيّ: يجوز أن يخرج من الدّنيا ولا عوضَ له، ويتفضّل الله - تعالى - عليه بالعوض، فيدفعه إلى المظلوم. ومنعه أبو هاشم وأوجب التّبقيةَ إلى أن يستحقّ عوضاً موازياً، لأنّ الانتصافَ واجبٌ والتّفضّل ليس بواجب، فلا يُعلّقُ عليه الواجبَ. قال المرتضى: التّبقيةُ أيضاً ليست واجبةً، فلا يعلّق عليها الانتصافَ الواجب. بل، يجب أن يكون له في حال ظلمه عوضاً موازياً.

____________________

(1) الاقتصاد: 91؛ كشف المراد: 455.

(2) الموطأ: 2/869؛ بحار الأنوار: 87/267.

١٧٧

المطلب الثّامن

في الآجال والأرزاق والأسعار

ألف - الأجل، هو الوقتُ الّذي يحدث فيه الشّيء. ويعنى بالوقت، الحادثُ الّذي جعل علماً لحدوث غيره. كما يقال: قدم زيدٌ عندَ طلوع الشّمس. وأجلُ الحياة هو الوقت الّذي يحدث فيه، وأجل الموت كذلك. فأيّ ميّتٍ مات على اختلاف أسباب الموت، فإنّ موته في أجله.

واختلف في المقتول لو لم يقتل فقيل: يعيشُ قطعاً، لأنّه لو مات قطعاً لكان ذابحُ غنم غيره محسناً إليه. وقيل: يموتُ قطعاً، وإلاّ لزم انقلابُ علمه - تعالى - جهلاً لو عاش.

والملازمةُ الأولى ممنوعةٌ، لأنّه فوّته العوضَ على الله تعالى. وهو أزيدُ من العوض عليه. (1)

والثّانيةُ أيضاً، لجواز تعلّق علم الموت بالقتل والحياة لولاه.

وأمّا الرّزقُ، فعند العدليّة ما صحّ الانتفاع به ولم يكن لأحد منعه منه،

____________________

(1) قال المصنّف في كشف المراد: 340: إذ لو ماتت الغنم استحق مالكها عوضاً زائداً على الله فقال، فبذبحه فوت عليه الاعواض الزائدة.

١٧٨

لقوله تعالى: ( وَأَنفِقُوا مِن مَا رَزَقْنَاكُم ) (1) والله - تعالى - لا يأمرُ بالحرام.

وعند الأشاعرة، الرّزق ما أكل وإن كان حراماً. ويجوز طلبُه إجماعاً. ولقوله تعالى: ( فَانتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ وَابْتَغُوا مِن فَضْلِ اللّهِ ) (2) .

وأمّا السّعرُ، فهو تقدير البدل فيما يُباع به الأشياء. ولا يقال: هو البدل؛ لأنّ البدل هو الثّمن أو المثمنُ. وليس أحدهما سِعراً. وهو إمّا رخصٌ، وهو السّعرُ المنحطّ عمّا جرت به العادة، والوقت والمكان واحدٌ. وإمّا غلاءٌ، وهو ما يقابله، وكلّ منهما إمّا من الله تعالى أو من العباد.

____________________

(1) المنافقون: 63/10.

(2) الجمعة: 62/10.

١٧٩

١٨٠

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

461

462

463

464

465

466

467

468

469

470

471

472

473

474

475

476

477

478

479

480

481

482

483

484

485

486

487

488

489

490

491

492

493

494

495

496

497

498

499

500

501

502

503

504

505

506

507

508

509

510

511

512

513

514

515

516

517

518

519

520

521

522

523

524

525

526