الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل الجزء ١٧

الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل11%

الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل مؤلف:
تصنيف: تفسير القرآن
الصفحات: 526

الجزء ١ الجزء ٢ الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥ الجزء ٦ الجزء ٧ الجزء ٨ الجزء ٩ الجزء ١٠ الجزء ١١ الجزء ١٢ الجزء ١٣ الجزء ١٤ الجزء ١٥ الجزء ١٦ الجزء ١٧ الجزء ١٨ الجزء ١٩ الجزء ٢٠
  • البداية
  • السابق
  • 526 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 156601 / تحميل: 6128
الحجم الحجم الحجم
الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل

الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل الجزء ١٧

مؤلف:
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

من شكّ أنّ المرأة التي يأتي ذكرها في الآيات التالية هي سارة زوج إبراهيم وولدها هذا هو إسحاق!

( فَأَقْبَلَتِ امْرَأَتُهُ فِي صَرَّةٍ فَصَكَّتْ وَجْهَها وَقالَتْ عَجُوزٌ عَقِيمٌ ) ونقرأ في الآية (٧٢) من سورة هود قوله تعالى :( قالَتْ يا وَيْلَتى أَأَلِدُ وَأَنَا عَجُوزٌ وَهذا بَعْلِي شَيْخاً )

فبناء على هذا فصراخها كان صراخ تعجّب مقرون بالسرور ، وكلمة «صرّة» مشتقّة من الصرّ على وزن الشرّ ، ومعناه في الأصل الشدّ والارتباط ، كما يطلق على الصوت العالي والصراخ والجماعة المتراكمة لأنّها ذات شدّة وارتباط.

ويطلق على الريح الباردة «صرصر» لأنّها تصرّ الإنسان و «الصرورة» كلمة تطلق على من لم يحجّ رجلا كان أو امرأة! كما تطلق على من لم يرغب في الزواج [منهما] لأنّ في ذلك نوعا من الامتناع أو الارتباط ، والصرّة في الآية محلّ البحث معناها هو الصوت العالي الشديد.

أمّا «صكّت» فمشتقّة من مادّة صكّ على وزن شكّ ـ ومعناها الضرب الشديد أو الضرب ، والمراد منها هنا هو أنّ امرأة إبراهيم حين سمعت بالبشرى ضربت بيدها على وجهها ـ كعادة سائر النساء ـ تعجّبا وحياء!

وطبقا لما يقول بعض المفسّرين وما ورد في سفر التكوين فإنّ امرأة إبراهيم كانت آنئذ في سنّ التسعين وإبراهيم نفسه كان في سنّ المائة عاما أو أكثر.

إلّا أنّ الآية التالية تنقل جواب الملائكة لها فتقول :( قالُوا كَذلِكَ قالَ رَبُّكِ إِنَّهُ هُوَ الْحَكِيمُ الْعَلِيمُ ) .

فبالرغم من كونك امرأة عجوزا وبعلك مثلك شيخا إلّا أنّ أمر الله إذا صدر في شيء ما فلا بدّ أن يتحقّق دون أدنى شكّ!.

حتّى خلق العالم الكبير كعالمنا هذا إنّما هو عليه سهل إذ تمّ بقوله : كن فكان! والتعبير بـ «الحكيم» و «العليم» إشارة إلى أنّه لا يحتاج إلى الإخبار بكونك

١٠١

امرأة عقيما عجوزا وبعلك شيخا ، فالله يعرف كلّ هذه الأمور ، وإذا لم يرزقك حتّى الآن ولدا وأراد أن يهبك في هذه السنّ ولدا فإنّما هو لحكمته!

الطريف أنّنا نقرأ في الآية (٧٣) من سورة هود أنّ الملائكة قالوا لها :( أَتَعْجَبِينَ مِنْ أَمْرِ اللهِ رَحْمَتُ اللهِ وَبَرَكاتُهُ عَلَيْكُمْ أَهْلَ الْبَيْتِ إِنَّهُ حَمِيدٌ مَجِيدٌ ) .

ووجود الفرق بين هذين التعبيرين هو لأنّ الملائكة قالوا كلّ ذلك لسارة منتهى الأمر أنّ قسما منه أشارت إليه سورة هود ، وهنا إشارة إلى القسم الآخر ، ففي سورة هود جاء الكلام عن «رحمة الله وبركاته» وهما يتناسبان مع كونه حميدا مجيدا.

أمّا هنا فالكلام على علمه بعدم استعداد هذين الزوجين للإنجاب والولد ويأس المرأة بحسب الأسباب الطبيعية «الظاهرية» ويتناسب مع هذا الكلام أن يقال أنّه هو العلم ، وإذ سئل لم لم يرزقهما في فترة الشباب ولدا. فيقال : أنّ في ذلك حكمة وهو الحكيم سبحانه.

* * *

ملاحظة

كرم الأنبياء :

كثيرا ما يظنّ الممسكون البخلاء أنّ السخاء والنظرة البعيدة ضرب من الإفراط والإسراف والتبذير ، والتشدّد وضيق النظرة نوع من الزهد والتدبير!! والقرآن يكشف عن هذه الحقيقة في هذه الآيات والآيات التي مرّت في سورة هود ، وهي أنّ الضيافة بسعتها وبشكلها المعقول ليست مخالفة للشرع ، بل طالما قام النّبي بمثل هذا العمل ، فهو دليل على أنّ هذا الأمر محبوب ، وبالطبع فإنّ ضيافة كهذه الضيافة التي تستوعب الآخرين إنّما هي سنّة الكرماء الشرفاء.

والله سبحانه لم يحرّم التمتّع بمواهب الحياة وكون الإنسان ذا مال حلال كما

١٠٢

كان إبراهيم ـ فلا ضير أن يتصرّف بماله كما فعل إبراهيمعليه‌السلام أيضا.

فإبراهيم مع كونه ثريّا ذا مال لم يغفل عن ذكر الله لحظة واحدة ولم يكن قلبه أسير ثروته ولم يجعل منافعه منحصرة به وحده.

يقول القرآن في الآية ٣٢ من سورة الأعراف :( قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبادِهِ وَالطَّيِّباتِ مِنَ الرِّزْقِ قُلْ هِيَ لِلَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَياةِ الدُّنْيا خالِصَةً يَوْمَ الْقِيامَةِ كَذلِكَ نُفَصِّلُ الْآياتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ ) .

وفي هذا الصدد كان لنا بحث مفصّل ذيل الآية ٣٢ من سورة الأعراف «فلا بأس بمراجعته هناك».

* * *

١٠٣

بداية الجزء السابع والعشرون

١٠٤
١٠٥

ب دای ة الجزء السابع والعشرون

من

القرآن الكريم

١٠٦

الآيات

( قالَ فَما خَطْبُكُمْ أَيُّهَا الْمُرْسَلُونَ (٣١) قالُوا إِنَّا أُرْسِلْنا إِلى قَوْمٍ مُجْرِمِينَ (٣٢) لِنُرْسِلَ عَلَيْهِمْ حِجارَةً مِنْ طِينٍ (٣٣) مُسَوَّمَةً عِنْدَ رَبِّكَ لِلْمُسْرِفِينَ (٣٤) فَأَخْرَجْنا مَنْ كانَ فِيها مِنَ الْمُؤْمِنِينَ (٣٥) فَما وَجَدْنا فِيها غَيْرَ بَيْتٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ (٣٦) وَتَرَكْنا فِيها آيَةً لِلَّذِينَ يَخافُونَ الْعَذابَ الْأَلِيمَ (٣٧) )

التّفسير

مدن قوم لوط المدمرة آية وعبرة :

تعقيبا على ما سبق من الحديث عن الملائكة الذين حلّوا ضيفا على إبراهيم وبشارتهم إيّاه في شأن الولد «إسحاق» تتحدّث هذه الآيات عمّا دار بينهم وبين إبراهيم في شأن قوم لوط.

توضيح ذلك أنّ إبراهيم بعد ما ابعد إلى الشام واصل دعوة الناس إلى الله ومواجهته لكلّ أنواع الشرك وعبادة الأصنام وقد عاصر إبراهيم الخليل «لوط» أحد الأنبياء العظام ويحتمل أنّه كان مأمورا من قبله بتبليغ الناس وهداية الضالّين ، فسافر إلى بعض مناطق الشام «أي مدن سدوم» فحلّ في قوم مجرمين ملوّثين

١٠٧

بالشرك والمعاصي الكثيرة ، وكان أقبحها تورّطهم في الانحراف الجنسي واللواط ، وأخيرا فقد أمر رهط من الملائكة بعذابهم وهلاكهم إلّا أنّهم مرّوا بإبراهيم قبل إهلاكهم.

وقد عرف إبراهيم من حال الضيف (الملائكة) أنّهم ماضون لأمر مهمّ ، ولم يكن هدفهم الوحيد البشرى بتولّد إسحاق ، لأنّ واحدا منهم كان كافيا لمهمّة «البشارة». أو لأنّهم كانوا عجلين فأحسّ بأنّ لديهم «مأمورية» مهمّة.

لذلك فإنّ أوّل آية من الآيات محلّ البحث تحكي بداية المحاورة فتقول :( قالَ فَما خَطْبُكُمْ أَيُّهَا الْمُرْسَلُونَ ) (١) .

فأماط الملائكة اللثام عن «وجه الحقيقة» ومأموريتهم فـ( قالُوا إِنَّا أُرْسِلْنا إِلى قَوْمٍ مُجْرِمِينَ ) .

إنّهم قوم متلوّثين ـ إضافة إلى عقيدتهم الفاسدة ـ بأنواع الآثام والذنوب المختلفة المخزية القبيحة(٢) .

ثمّ أضافوا قائلين :( لِنُرْسِلَ عَلَيْهِمْ حِجارَةً مِنْ طِينٍ ) والتعبير بـ «حجارة من طين» هو ما أشارت إليه الآية ٨٢ من سورة هود بالقول من «سجّيل» وسجّيل كلمة فارسية الأصل مأخوذ من (سنگ+ گل) ثمّ صارت في العرب سجّيل ، فهي ليست صلبة كالحجر ولا رخوا كالورد ، ولعلّها في المجموع إشارة إلى هذا المعنى وهو أنّ هلاك قوم لوط المجرمين لم يكن يستلزم إنزال أحجار عظيمة وصخور وجلاميد من السماء ، بل كان يكفي أن يمطروا بأحجار صغيرة ليست صلبة جدّا كأنّها حبّات «المطر».

__________________

(١) ينبغي الالتفات إلى أنّ «خطب» لا يطلق على كلّ عمل ، بل هو خاصّ في الأمور والأعمال المهمّة في حين أنّ كلمات مثل عمل ، شغل ، أمر ، فعل ، لها معان عامّة.

(٢) ينبغي الالتفات إلى أنّه في سورة هود جاء التعبير هكذا : إنّا أرسلنا إلى قوم لوط ، وهذا التفاوت في التعابير بين الآيات محلّ البحث وآيات سورة هود هو لأنّ كلا من الآيات يذكر قسما ممّا جرى وبتعبير آخر هذه المسائل كلّها واقعة ، غاية ما في الأمر أنّ بعضها مذكور في الآيات محلّ البحث وبعضها في الآيات الآنفة من سورة هود.

١٠٨

ثمّ أضاف الملائكة قائلين :( مُسَوَّمَةً عِنْدَ رَبِّكَ لِلْمُسْرِفِينَ ) كلمة مسوّمة تطلق على ما فيه علامة ووسم ، وهناك أقوال بين المفسّرين في كيفية أنّها «مسوّمة»؟!

قال بعضهم إنّها كانت في شكل خاصّ يدلّ على أنّها ليست أحجارا كسائر الأحجار الطبيعية ، بل كانت وسيلة للعذاب.

وقال جماعة كان لكلّ واحدة منها علامة وكانت لشخص معيّن وعلامتها في نقطة خاصّة ليعلم الناس أنّ عقاب الله في منتهى الدقّة بحيث يعلم من هذه الأحجار المسوّمة أنّ أيّ مجرم ينال واحدة منها فيهلك بها.

كلمة «المسرفين» إشارة إلى كثرة ذنوبهم بحيث تجاوزت الحدّ وخرقوا أستار الحياء والخجل ، ولو قدّر لبعض الدارسين أن يتفحّص حالات قوم لوط وأنواع ذنوبهم للاحظ أنّ هذا التعبير في حقّهم ذو مغزى كبير(١) .

وكلّ إنسان من الممكن أن يقع في الذنب أحيانا ، فلو تيقّظ بسرعة وأصلح نفسه يرتفع الخطر ، وإنّما يكون خطيرا حين يبلغ حدّ الإسراف!.

ويكشف هذا التعبير عن مطلب مهمّ آخر ، وهو أنّ هذه الحجارة السماوية التي أعدت لتنزل على قوم لوط لا تختّص بهؤلاء القوم ، بل معدّة لجميع المسرفين والعصاة المجرمين.

والقرآن هنا يكشف عمّا جرى لرسل الله إلى نبيّه لوط على أنّهم حلّوا ضيفا عنده ، وقد تبعهم قوم لوط بلا حياء ولا خجل ظنّا منهم أنّهم غلمان نضرون ليقضوا منهم وطرهم!! إلّا أنّهم سرعان ما أحسّوا بخطئهم فإذا هم عمي العيون ، فيذكر قول الله فيهم(٢) ( فَأَخْرَجْنا مَنْ كانَ فِيها مِنَ الْمُؤْمِنِينَ فَما وَجَدْنا فِيها غَيْرَ بَيْتٍ مِنَ

__________________

(١) يراجع ذيل الآية (٨١) من سورة هود.

(٢) الجدير بالنظر أن في سورة هود بيانا لهذه القصة لكن التعابير فيها تدل بوضوح أن لقاء الملائكة لإبراهيم كان قبل

١٠٩

الْمُسْلِمِينَ ) .

أجل فنحن لا نحرق الأخضر واليابس معا ، وعدالتنا لا تسمح أن يبتلى المؤمن بعاقبة الكافر حتّى ولو كان بين آلاف الآلاف من الكافرين رجل مؤمن طاهر لأنجيناه!

وهذا هو ما أشارت إليه الآيتان ٥٩ و٦٠ من سورة الحجر بالقول :( إِلَّا آلَ لُوطٍ إِنَّا لَمُنَجُّوهُمْ أَجْمَعِينَ إِلَّا امْرَأَتَهُ قَدَّرْنا إِنَّها لَمِنَ الْغابِرِينَ ) .

ونقرأ في سورة هود الآية ٨١ مثله :( فَأَسْرِ بِأَهْلِكَ بِقِطْعٍ مِنَ اللَّيْلِ وَلا يَلْتَفِتْ مِنْكُمْ أَحَدٌ إِلَّا امْرَأَتَكَ إِنَّهُ مُصِيبُها ما أَصابَهُمْ ) .

أمّا في سورة العنكبوت فقد وردت الإشارة في الآية (٣٢) كما يلي :( قالَ إِنَّ فِيها لُوطاً قالُوا نَحْنُ أَعْلَمُ بِمَنْ فِيها لَنُنَجِّيَنَّهُ وَأَهْلَهُ إِلَّا امْرَأَتَهُ كانَتْ مِنَ الْغابِرِينَ ) .

كما أنّ هذا الموضوع ذاته مشار إليه في الآية (٨٣) من سورة الأعراف :( فَأَنْجَيْناهُ وَأَهْلَهُ إِلَّا امْرَأَتَهُ كانَتْ مِنَ الْغابِرِينَ ) .

وكما تلاحظون ، أنّ هذا القسم من قصّة قوم لوط ورد في هذه السور الخمس في عبارات مختلفة وجميعها يتحدّث عن حقيقة واحدة إلّا أنّه حيث يمكن أن ينظر إلى حادثة ما من زوايا متعدّدة وكلّ زاوية لها بعدها الخاصّ فإنّ القرآن ينقل الحوادث التاريخية ـ على هذه الشاكلة ـ غالبا ، والتعابير المختلفة في الآيات المتقدّمة شاهدة على هذا المعنى.

أضف إلى ذلك أنّ القرآن كتاب تربوي وإنساني ـ وفي مقام التربية يلزم أحيانا أن يعول على مسألة مهمّة مرارا لتترك أثرها العميق في ذهن القارئ غاية ما في الأمر ينبغي أن يكون هذا التكرار بتعابير طريفة ومثيرة ومختلفة لئلّا

__________________

معاقبة قوم لوط وهلاكهم مع أنّ الآيات محلّ البحث فيها تعابير تشير إلى أنّ اللقاء تمّ بعد المعاقبة والجزاء ، وطريق الحلّ هو أن نقول أنّ الآيات الوارد ذكرها آنفا إلى قوله : «مسوّمة عند ربّك للمسرفين» هي كلام الملائكة ، وأمّا الآيات الثلاث بعدها فقول الله يخاطب نبيّه والمسلمين يتحدّث عنها على أنّها قصّة وقعت فيما مضى «فلاحظوا بدقّة»!

١١٠

يقع السأم ويملّ الإنسان ، وأن يكون الأسلوب فصيحا بليغا!.

«ولمزيد التوضيح في شأن ضيف إبراهيم وما دار بينهم وبينه ثمّ عاقبة قوم لوط المرّة يراجع ذيل الآيات ٨٣ من سورة الأعراف و٨١ من سورة هود و٥٩ و٦٠ من سورة الحجر و٣٢ من سورة العنكبوت».

وعلى كلّ حال فإنّ الله سبحانه زلزل مدن قوم لوط وقلب عاليها سافلها ثمّ أمطرها بحجارة من سجّيل منضود ولم يبق منها أثرا حتّى أنّ أجسادهم دفنت تحت الأنقاض والحجارة! لتكون عبرة لمن يأتي بعدهم من المجرمين والظالمين غير المؤمنين.

ولذلك فإنّ القرآن يضيف قائلا في آخر آية من الآيات محلّ البحث :( وَتَرَكْنا فِيها آيَةً لِلَّذِينَ يَخافُونَ الْعَذابَ الْأَلِيمَ ) .

وهذا التعبير يدلّ بوضوح أنّ من يعتبر ويتّعظ بهذه الآيات هم الذين لديهم استعداد للقبول في داخل كيانهم ويحسّون بالمسؤولية.

* * *

بحث

أين تقع مدن قوم لوط؟

من المسلّم به أنّ إبراهيم الخليل جاء إلى الشام بعد أن هاجر من العراق و «بابل» ويقال أنّ لوطا كان يقطن معه إلّا أنّه بعد فترة توجّه نحو «سدوم» ليدعو إلى التوحيد ويكافح الفساد.

و «سدوم» واحدة من مدن قوم لوط وأحيائهم التي كانت من بلاد الأردن على مقربة من البحر الميّت وكانت أرضها خصبة كثيرة الأشجار ، إلّا أنّ هذه الأرض بعد نزول العذاب الإلهي على هؤلاء الظالمين من قوم لوط قلب عاليها سافلها وتهدّمت مدنها وسمّين بالمؤتفكات «أي المقلوبات».

١١١

وذهب بعضهم أنّ آثار هذه المدن الخربة غرقت في الماء ويزعمون أنّهم رأوا في زاوية من البحر الميّت أعمدتها وآثارها وخرائبها الاخرى.

وما نقرؤه في بعض التفاسير الإسلامية هو أنّ المراد من جملة «وتركنا فيها آية» هو المياه العفنة والمستنقعات التي غطّت أماكن هذه المدن ، ولعلّه إشارة إلى هذا المعنى وهو أنّه بعد الزلازل الشديدة وانشقاق الأرض انفتح طريق من البحر الميّت نحو هذه الأرض فغرقت جميع آثارها تحت الماء.

في حين أنّ بعضهم يعتقد أنّ مدن لوط لم تغرق بعد وما تزال على مقربة من البحر الميّت منطقة مغطّاة بالصخور السود ويحتمل أن تكون هي محلّ مدن قوم لوط!

وقيل أنّ مركز إبراهيم كان في مدينة «حبرون» على فاصلة غير بعيدة من «سدوم» وحين نزل العذاب والصاعقة من السماء أو الزلزلة في الأرض واحترقت «سدوم» كان إبراهيم واقفا قريبا من حبرون وشاهد دخان تلك المنطقة المتصاعد في الفضاء بامّ عينيه(١) !.

ومن مجموع هذه الكلمات تتّضح الحدود التقريبية لهذه المدن وإن كانت جزئياتها ما تزال وراء ستار الإبهام باقية.

* * *

__________________

(١) مقتبس من كتاب القاموس المقدّس.

١١٢

الآيات

( وَفِي مُوسى إِذْ أَرْسَلْناهُ إِلى فِرْعَوْنَ بِسُلْطانٍ مُبِينٍ (٣٨) فَتَوَلَّى بِرُكْنِهِ وَقالَ ساحِرٌ أَوْ مَجْنُونٌ (٣٩) فَأَخَذْناهُ وَجُنُودَهُ فَنَبَذْناهُمْ فِي الْيَمِّ وَهُوَ مُلِيمٌ (٤٠) وَفِي عادٍ إِذْ أَرْسَلْنا عَلَيْهِمُ الرِّيحَ الْعَقِيمَ (٤١) ما تَذَرُ مِنْ شَيْءٍ أَتَتْ عَلَيْهِ إِلاَّ جَعَلَتْهُ كَالرَّمِيمِ (٤٢) وَفِي ثَمُودَ إِذْ قِيلَ لَهُمْ تَمَتَّعُوا حَتَّى حِينٍ (٤٣) فَعَتَوْا عَنْ أَمْرِ رَبِّهِمْ فَأَخَذَتْهُمُ الصَّاعِقَةُ وَهُمْ يَنْظُرُونَ (٤٤) فَمَا اسْتَطاعُوا مِنْ قِيامٍ وَما كانُوا مُنْتَصِرِينَ (٤٥) وَقَوْمَ نُوحٍ مِنْ قَبْلُ إِنَّهُمْ كانُوا قَوْماً فاسِقِينَ (٤٦) )

التّفسير

دروس العبرة من الأقوام السالفة :

يتحدّث القرآن في هذه الآيات محلّ البحث ـ تعقيبا على قصّة قوم لوط وعاقبتهم الوخيمة ـ عن قصص أقوام آخرين ممّن مضوا في العصور السابقة.

فيقول أوّلا :( وَفِي مُوسى إِذْ أَرْسَلْناهُ إِلى فِرْعَوْنَ بِسُلْطانٍ مُبِينٍ ) .

١١٣

«السلطان» ما يكون به التسلّط ، والمراد به هنا المعجزة أو الدليل والمنطق العقلي القويّ أو كلاهما ، وقد واجه موسى فرعون بهما.

والتعبير بـ( بِسُلْطانٍ مُبِينٍ ) جاء في آيات القرآن المتعدّدة والمختلفة كثيرا وغالبا ما يراد منه الدليل المنطقي البيّن والواضح إلّا أنّ فرعون لم يسلّم لمعجزات موسى الكبرى التي كانت شاهدا على ارتباطه بالله ولم يطأطئ رأسه للدلائل المنطقية بل بقي مصرّا لما كان فيه من غرور وتكبّر( فَتَوَلَّى بِرُكْنِهِ وَقالَ ساحِرٌ أَوْ مَجْنُونٌ ) .

«الركن» في الأصل القاعدة الأساسية أو الاسطوانة(١) والقسم المهمّ من كلّ شيء ، وهو هنا لعلّه إشارة إلى أركان البدن ، أي أنّ فرعون أدار ظهره لموسى تماما!

وقال بعضهم المراد بالركن هنا جيشه ، أي أنّه اعتمد على أركان جيشه وتولّى عن رسالة الحقّ. أو أنّه صرف نفسه عن أمر الله وصرف أركان حكومته ـ وجيشه جميعا عن ذلك أيضا(٢) .

والطريف أنّ الجبابرة المتكبّرين حين كانوا يتّهمون الأنبياء بالكذب والافتراء كانوا يتناقضون تناقضا عجيبا. فتارة يتّهمونهم بأنّهم سحرة ، واخرى بأنّهم مجانين ، مع أنّ الساحر ينبغي أن يكون ذكيّا وأن يعوّل على مسائل دقيقة ويعرف نفوس الناس حتّى يسحرهم ويخدعهم بها والمجنون بخلافه تماما.

إلّا إنّ القرآن يخبر عن فرعون الجبّار وأعوانه بقوله :( فَأَخَذْناهُ وَجُنُودَهُ فَنَبَذْناهُمْ فِي الْيَمِّ وَهُوَ مُلِيمٌ ) .

«اليمّ» : كما هو مذكور في كتب اللغة وكتب الأحاديث يطلق على البحر ، كما

__________________

(١) الأسطوانة معربة عن كلمة ستون الفارسية.

(٢) فتكون الباء في بركنه حسب التّفسير الأوّل للمصاحبة ، وحسب التّفسير الثاني للسببية ، وحسب التّفسير الثالث للتعدية

١١٤

يطلق على الأنهار العظيمة كالنيل مثلا(١)

جملة «فنبذناهم» إشارة إلى أنّ فرعون وجنوده كانوا في درجة من الضعف أمام قدرة الله بحيث ألقاهم في اليمّ كأنّهم موجود لا قيمة ولا مقدار له.

والتعبير بـ( وَهُوَ مُلِيمٌ ) إشارة إلى أنّ العقاب الإلهي لم يمحه فحسب بل التاريخ من بعده يلومه على أعماله المخزية ويذكرها بكلّ ما يشينه ويلعنه ويفضح غروره وتكبّره بإماطة النقاب عنهما.

ثمّ يتناول القرآن عاقبة قوم آخرين بالذكر وهم «قوم عاد» فيقول :( وَفِي عادٍ إِذْ أَرْسَلْنا عَلَيْهِمُ الرِّيحَ الْعَقِيمَ ) .

وكون الريح عقيما هو عند ما تأتي الريح غير حاملة معها السحب الممطرة ، ولا تلقح النباتات ولا تكون فيها أيّة فائدة ولا بركة وليس معها إلّا الدمار والهلاك!

ثمّ يذكر القرآن سرعة الريح المسلّطة على عاد فيقول :( ما تَذَرُ مِنْ شَيْءٍ أَتَتْ عَلَيْهِ إِلَّا جَعَلَتْهُ كَالرَّمِيمِ ) .

«الرميم» مأخوذ من الرمّة على زنة (المنّة) ـ وهي العظام النخرة البالية.

والرمّة ـ على وزن القبّة ـ هي الحبل المتآكل أو الخيط البالي والرّم(٢) على وزن الجنّ ـ ما يسقط من الخشب أو التبن على الأرض و «الترميم» معناه إصلاح الأشياء المتآكلة(٣) !

وهذا التعبير يدلّ على أنّ سرعة الريح المسلّطة على قوم عاد لم تكن سرعة طبيعيّة ، بل إضافة إلى تخريبها البيوت وهدمها المنازل ، فهي محرقة وذات سموم

__________________

(١) المراد بالمليم ذو الملامة ـ فهو اسم فاعل من اللوم وبابه الأفعال [الام يليم] أي هو الشخص الذي يرتكب عملا يكون بنفسه ملامة مثل المغرب الذي يأتي بالعجيب الغريب ولمزيد التوضيح في قصّة موسى وفرعون يراجع ذيل الآية ١٣٦ من سورة الأعراف.

(٢) راجع : المفردات للراغب مادّة رمّ.

(٣) راجع : لسان العرب والمفردات مادّة رمّ.

١١٥

ممّا جعلت كلّ شيء رميما.

أجل ، هذه قدرة الله التي تدمّر القوم الجبّارين بسرعة الريح المذهلة فلا تبقي منهم ومن ضجيجهم وصخبهم وغرورهم إلّا أجسادا تحوّلت رميما.

وهكذا أشارت الآية آنفة الذكر إشارة عابرة عن عاقبة قوم «عاد» الأثرياء الأقوياء الذين كانوا يقطنون الأحقاف وهي منطقة «ما بين عمان وحضرموت» ثمّ تصل النوبة إلى ثمود قوم صالح إذ أمهلهم الله قليلا ليتلقوا العذاب بعد ذلك فيقول الله فيهم :( وَفِي ثَمُودَ إِذْ قِيلَ لَهُمْ تَمَتَّعُوا حَتَّى حِينٍ ) .

والمراد بـ( حَتَّى حِينٍ ) هو الأيّام الثلاثة المشار إليها في الآية (٦٥) من سورة هود إمهالا لهم :( فَعَقَرُوها فَقالَ تَمَتَّعُوا فِي دارِكُمْ ثَلاثَةَ أَيَّامٍ ذلِكَ وَعْدٌ غَيْرُ مَكْذُوبٍ ) .

ومع أنّ الله قد أنذرهم بواسطة نبيّهم «صالح»عليه‌السلام مرارا إلّا أنّه إتماما للحجّة أمهلهم ثلاثة أيّام فلعلّهم يتداركون ما فرطوا في ماضيهم الأسود ويغسلوا صدأ الذنوب ـ بماء التوبة ـ عن قلوبهم وأرواحهم.

بل كما يقول بعض المفسّرين : ظهرت خلال الأيّام الثلاثة بعض التغيّرات في أبدانهم إذ صارت صفراء ثمّ حمرا ثمّ تحوّلت سودا لتكون نذيرا لهؤلاء القوم المعاندين ، إلّا أنّهم وللأسف لم يؤثّر فيهم أي شيء من هذه الأمور ولم ينزلوا عن مركب غرورهم.

أجل :( فَعَتَوْا عَنْ أَمْرِ رَبِّهِمْ فَأَخَذَتْهُمُ الصَّاعِقَةُ وَهُمْ يَنْظُرُونَ ) .

كلمة «عتوا» مشتقّة من العتوّ ـ على وزن غلوّ ـ ومعناه الإعراض «بالوجه» ، والانصراف عن طاعة الله ، والظاهر أنّ هذه الجملة إشارة إلى ما كان منهم من إعراض طوال الفترة التي دعاهم فيها نبيّهم صالح كالشرك وعبادة الأوثان والظلم وعقرهم الناقة التي كانت معجزة نبيّهم ، لا الإعراض الذي كان منهم خلال الأيّام الثلاثة فحسب ، وبدلا من أن يتوبوا وينيبوا غرقوا في غرورهم وغفلتهم.

١١٦

والشاهد على ذلك قوله تعالى في سورة الأعراف :( فَعَقَرُوا النَّاقَةَ وَعَتَوْا عَنْ أَمْرِ رَبِّهِمْ وَقالُوا يا صالِحُ ائْتِنا بِما تَعِدُنا إِنْ كُنْتَ مِنَ الْمُرْسَلِينَ ) (١)

والصاعقة والصاقعة كلّا اللفظين بمعنى واحد تقريبا ، وأصلهما الهوّي المقرون بالصوت الشديد ، مع تفاوت بينهما ، وهو أنّ الصاعقة تطلق على ما يقع في الأشياء السماوية والصاقعة في الأشياء فوق الأرض.

وكما يقول بعض أهل اللغة فإنّ «الصاعقة» تعني الموت حينا أو العذاب أو النار حينا آخر ، وهذه الكلمة تطلق غالبا على الصوت الشديد الذي يسمع في السماء مقرونا بالنار المهلكة.

وقد أشرنا من قبل أنّ السحب ذات الشحنات الموجبة إذا اقتربت من الأرض التي تحتوي على شحنات سالبة ، يحدث وميض كهربائي شديد من هذين مقرونا بصوت مرعب ونار محرقة يهتزلها مكان الحادث.

وفي القرآن الكريم استعملت هذه الكلمة في الآية (١٩) من سورة البقرة بهذا المعنى بجلاء ، لأنّه بعد أن يتحدّث القرآن عن الصيّب والبرق والرعد يضيف قائلا :( يَجْعَلُونَ أَصابِعَهُمْ فِي آذانِهِمْ مِنَ الصَّواعِقِ حَذَرَ الْمَوْتِ ) .

وأخيرا فإنّ آخر جملة تتحدّث عن شأن هؤلاء القوم المعاندين تقول :( فَمَا اسْتَطاعُوا مِنْ قِيامٍ وَما كانُوا مُنْتَصِرِينَ ) .

أجل : هكذا تدمّر الصاعقة حين تقع على الأرض بصورة مفاجئة ، فلا يستطيع الإنسان أن ينهض من الأرض ، ولا يقدر على الصريخ والإستنصار ، وعلى هذه الحال هلك قوم صالح وكانوا عبرة للآخرين.

أجل : إنّ قوم صالح (ثمود) الذين كانوا من القبائل العربية وكانوا يقطنون «الحجر» وهي منطقة تقع شمال الحجاز مع إمكانات مادية هائلة وثروات طائلة

__________________

(١) الأعراف ، الآية ٧٧.

١١٧

وعمّروا طويلا في قصور مشيّدة اهلكوا بسبب إعراضهم عن أمر الله وطغيانهم وعنادهم والشرك والظلم ، وبقيت آثارهم درسا بليغا من العبر للآخرين.

وفي آخر آية من الآيات محلّ البحث إشارة قصيرة إلى عاقبة خامس أمّة من الأمم ، وهي قوم نوح فتقول :( وَقَوْمَ نُوحٍ مِنْ قَبْلُ إِنَّهُمْ كانُوا قَوْماً فاسِقِينَ ) (١) .

و «الفاسق» يطلق على من يخرج على حدود الله وأمره ، ويكون ملوّثا بالكفر أو الظلم أو سائر الذنوب.

والتعبير بـ «من قبل» لعلّه إشارة إلى أنّ قوم فرعون وقوم لوط وعادا وثمود كان قد بلغهم ما انتهى إليه قوم نوح من عاقبة وخيمة ، إلّا أنّهم لم يتنبهوا ، فابتلوا بما ابتلي به من كان قبلهم من قوم نوح!

* * *

تعقيب

١ ـ أوجه عذاب الله!

ممّا ينبغي الالتفات إليه أنّه ورد في الآيات الآنفة الإشارة إلى قصص خمس امم من الأمم المتقدّمة «قوم لوط ، فرعون ، عاد ، ثمود ، وقوم نوح» وقد أشير إلى جزاء أربع من هذه الأمم وما عوقبت به ، إلّا أنّه لم ترد الإشارة في كيفية عقاب قوم نوح.

وحين نلاحظ بدقّة نجد كلّ امّة من الأمم الأربع المتقدّم ذكرها عوقبت بنوع من العناصر الأربعة المعروفة! فقوم لوط عوقبوا بالزلزلة والحجارة (من السماء) أي أنّهم أهلكوا بالتراب ، وقوم فرعون أهلكوا بالماء غرقا ـ وعاد أهلكوا بريح صرصر عاتية (سريعة) وثمود أهلكوا بالصاعقة و «النار».

__________________

(١) هناك حذف في الجملة المتقدّمة وتقديره كما يقول «الزمخشري» في «الكشّاف» وأهلكنا قوم نوح من قبل ، بالرغم من أنّ أهلكنا لم تكن في الآيات المتقدّمة إلّا أنّ هذه الكلمة تستفاد منها بصورة جيّدة.

١١٨

وصحيح أنّ هذه الأشياء الأربعة لا تعدّ اليوم (عنصرا) أي جسما بسيطا ، لأنّ كلّا منها مركب من أجسام أخر ، إلّا أنّه لا يمكن الإنكار أنّها تمثّل أربعة أركان حياة الإنسان المهمّة ، ومتى ما حذف أي منها فلا يمكن أن يواصل الإنسان حياته فكيف بحذف جميعها؟!

أجل إنّ الله سبحانه أهلك هذه الأمم بشيء يعدّ عامل البقاء والحياة الأصيل ولم يستطيعوا بدونه أن يواصلوا الحياة وهذه قدرة (غائية) عجيبة!

وإذا لم نجد بيانا عن ما عوقب به قوم نوحعليه‌السلام خلال السياق ، فلعلّه لأنّهم عوقبوا بمثل ما عوقب به قوم فرعون أي اهلكوا بالغرق (والطوفان) ولم تكن حاجة هنا للتكرار!

٢ ـ الرياح اللواقح والرياح العقيم!

قرأنا في الآيات الآنفة أنّ عادا أهلكوا بالريح العقيم ، ونقرأ في الآية (٢٢) من سورة الحجر( وَأَرْسَلْنَا الرِّياحَ لَواقِحَ فَأَنْزَلْنا مِنَ السَّماءِ ماءً ) ! وبالرغم أنّ هذه الآية ناظرة إلى تلقيح الغيوم واتّصال بعضها ببعض لنزول الغيث إلّا أنّها وبشكل عام تبيّن أثر الرياح في حياة الإنسان أجل إنّ أثرها وعملها التلقيح ، تلقيح الغيوم وتلقيح النباتات ، وحتّى أنّها تؤثّر أحيانا على تهيأة مختلف الحيوانات للتلاقح!

إلّا أنّ هذه الريح حين تحمل الأمر بالعذاب ، فبدلا من أن تهب الحياة تكون عاملا على الهلاك ، وكما يعبّر القرآن في الآية (٢٠) من سورة القمر التي تتكلّم على عاد فتقول :( تَنْزِعُ النَّاسَ كَأَنَّهُمْ أَعْجازُ نَخْلٍ مُنْقَعِرٍ ) !

* * *

١١٩

الآيات

( وَالسَّماءَ بَنَيْناها بِأَيْدٍ وَإِنَّا لَمُوسِعُونَ (٤٧) وَالْأَرْضَ فَرَشْناها فَنِعْمَ الْماهِدُونَ (٤٨) وَمِنْ كُلِّ شَيْءٍ خَلَقْنا زَوْجَيْنِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ (٤٩) فَفِرُّوا إِلَى اللهِ إِنِّي لَكُمْ مِنْهُ نَذِيرٌ مُبِينٌ (٥٠) وَلا تَجْعَلُوا مَعَ اللهِ إِلهاً آخَرَ إِنِّي لَكُمْ مِنْهُ نَذِيرٌ مُبِينٌ (٥١) )

التّفسير

والسماء بنيناها بأيد وإنا لموسعون :

مرّة اخرى تتحدّث هذه الآيات عن موضوع آيات عظمة الله في عالم الخلق ، وهي في الحقيقة تتمّة لما ورد في الآيتين (٢٠) و٢١) من هذه السورة في شأن آياته في الأرض وفي نفس «الإنسان» ووجوده ـ وهي ضمنا دليل على قدرة الله على المعاد والحياة فتقول أوّلا :( وَالسَّماءَ بَنَيْناها بِأَيْدٍ وَإِنَّا لَمُوسِعُونَ وَالْأَرْضَ فَرَشْناها فَنِعْمَ الْماهِدُونَ ) .

«الأيد» على وزن الصيد ، معناه القدرة والقوّة ـ وقد تكرّر هذا المعنى في آيات القرآن المجيد ، وهو هنا بمعنى قدرة الله المطلقة العظيمة في خلق السماوات!

١٢٠

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

[التقي على الاول(١) والاكثرون على الثاني(٢) .

(الرابعة) لو تصدق بها بعد الحول، فكره المالك هل يضمن أم لا؟ الشيخ في الكتابين على الاول(٣) (٤) وبه قال ابن ادريس(٥) وابو علي(٦) واختاره العلامة في المختلف(٧) والمفيد(٨) وتلميذه على الثاني(٩) وبه قال القاضي(١٠) وابن حمزة(١١) واختاره المصنف(١٢) ].

____________________

(١)الكافي: (فصل في اللقطة) ص ٣٥٠ س ١٣ قال: فيجب تعريفه سنة كاملة إلى قوله: والا فلاقطه بالخيار بين ان يتصرف فيه الخ.

(٢)المبسوط: ج ٣ ص ٣٢١ س ٣ قال: ولا يجوز ان يتملكها.

وفي القواعد: ج ١ ص ١٩٧ س ١٨ قال: ولا يحل تملكه وفي السرائر: ص ١٧٨ س ٣٣ قال: وهذا الضرب لا يجوز تملكه ولا يصير بعد السنة كسبيل ماله الخ.

(٣)المبسوط: ج ٣ كتاب اللقطة ص ٣٢١ س ٣ قال: والصدقة بشرط الضمان.

(٤)كتاب الخلاف: كتاب اللقطة مسألة ١٢ قال: بين ان يتصدق بها بشرط الضمان.

(٥)السرائر: باب اللقطة ص ١٧٨ س ٣٤ قال: فان تصدق به ثم جاء صاحبه ولم يرض بصدقته كان ضامنا له.

(٦)و(٧) المختلف: ج ٢ (الفصل الثالث في اللقطة) ص ١٧٠ س ١٢ قال: وبه (أي الضمان) قال ابوعلي إلى قوله: والاقوى الاول (أي الضمان).

(٨)المقنعة: باب اللقطة ص ٩٩ س ٦ قال: ليس عليه بعد السنة والتعريف فيها ضمان لصاحبه.

(٩)المراسم: ذكر اللقطة ص ٢٠٦ س ١٩ قال: فما وجد في الحرم إلى قوله: والا تصدق به عنه ولا ضمان عليه.

(١٠)المهذب: كتاب اللقطة والضوال واللقيط والآبق ص ٥٦٧ س ٨ قال: وان لم يحضر بعد السنة تصدق به عنه ولا يلزم منه بعد ذلك شئ.

(١١)الوسيلة: فصل في بيان اللقطة والضالة ص ٢٧٨ س ٩ قال: والا تصدق به عنه بعد سنة من غير ضمان.

(١٢)لاحظ عبارة النافع.

٢٨١

(مسائل)

(الاولى) ما يوجد في خربة، او فلاة، او تحت الارض فهو لواجده. ولو وجده في ارض لها مالك، او بائع، ولو كان مذفونا عرفه المالك او البائع، فان عرفه فهو احق به، والا كان للواجد، وكذا ما يجده في جوف دابته. ولو وجد في جوف سمكة قال الشيخ: اخذه بلا تعريف.

[وللشيخ في النهاية القولان: فالاول اختياره في باب الحج(١) والثاني في اللقطة(٢) .

احتج الاولون: بعموم ضمان اليد، لقولهعليه‌السلام : على اليد ما اخذت حتى تؤدي(٣) .

ولانه تصرف باتلاف المال بغير اذن صاحبه.

احتج الاخرون: بانها امانة عنده وقد دفعها مشروعا، فلا يتعقبه ضمان، ولان الاصل عدم الضمان.

فالحاصل: ان لقطة الحرم قد امتازت عن غيرها من اللقط بامور.

(أ) تحريم اخذها.

(ب) عدم تملكها وان قلت عن النصاب.

(ج) عدم تملكها بعد الحول.

(د) عدم ضمان المتصدق بها مع كراهية المالك.

وفي الكل شك لكن المحصل ما ذكرناه.

قال طاب ثراه: ولو وجده في جوف سمكة قال الشيخ: اخذه بلا تعريف].

____________________

(١)النهاية: باب اخر من فقه الحج ص ٢٨٤ س ٢٠ قال: والا تصدق به وكان ضامنا.

(٢)النهاية: باب اللقطة والضالة ص ٣٢٠ س ١١ قال: تصدق به عنه وليس عليه شئ.

(٣)عوالي اللئالي: ج ١ ص ٢٢٤ الحديث ١٠٦ وص ٣٨٩ الحديث ٢٢ وج ٢ ص ٣٤٥ الحديث ١٠ وح ٣ ص ٢٤٦ الحديث ٢ وص ٢٥١ الحديث ٣ ولاحظ ما علق عليه.

٢٨٢

(الثانية) ما وجده في صندوقه او داره فهو له. ولو شاركه في التصرف كان كاللقطة اذا انكره.

[أقول: اذا وجد شيئا في جوف سمكة فلا يخلو اما ان يكون مباحا في الاصل كالدرة، أو يعلم سبق الملك عليه. فاذا علم سبق الملك فلا يخلو اما ان يكون ملك مسلم او محتمل كالسبيكة، فالثالث والاول يملكهما الواجد وعليه الخمس، فان كان هو الصائد اعتبر بلوغ قيمته دينارا، وان كان قد ابتاعها اخرج خمسه وحل له الباقي، ولا يعتبر فيه نصاب الغوص، ولا المعدن، ولا مؤنة السنة، ويكون من باب اللقطة، وهذا شأنها وجوب اخراج خمسها من غير مقدر له.

والثاني: وهو ما يعلم سبق ملك المسلم له، بان يكون عليه سكة الاسلام، فيه احتمالان.

احدهما الحاقه بالاول، ليأس المالك منه كالماخوذ في المفاوز. والاخر، وهو الاقوى، وجوب التعريف فيهما، لعصمة مال المسلم.

والاصل في هذا الحكم: ان ما في جوف السمكة باق على اصل الاباحة، لم يدخل في ملك الصائد لعدم علمه به، فيكون باقيا على اصل الاباحة، فتملكه الثاني باثبات يده عليه. ويعلم من هذا افتقار تملك المباح إلى نية التملك، لانه لو كان مجرد امساكه باليد كاف في حصول الملك لملكه الصائد، ولم يكن للمشتري، كما لو كان المبيع غير السمكة كالدابة، فانه يجب على المشتري تعريف البائع اجماعا من غير تفصيل.

وهذا مذهب الشيخرحمه‌الله (١) والمستند اجماع علمائنا، واطلاق سلار(٢) يحمل]

____________________

(١)النهاية: باب اللقطة والضالة ص ٣٢١ س ١٦ قال: ان ابتاع بعيرا إلى قوله: فوجد في جوفه شيئا له قيمة عرفه من ابتاع إلى اخره ثم قال: فان ابتاع سمكة فوجد في جوفها إلى قوله: اخرج منه الخمس وكان له الباقي.

(٢)المراسم: ذكر اللقطة ص ٢٠٦ س ١٥ قال: فما وجده في بطن شئ إلى قوله: او في بحر وماء اخرج خمسه والباقي ملكه، وان انتقل اليه بالشراء عرف ذلك إلى البائع الخ.

٢٨٣

[على التفصيل، ولا عبرة بندور ابن ادريس حيث لم يفرق بين السمكة والدابة واوجب التعريف فيهما(١) واطلق سلار وجوب تعريف ما يجده في بطن حيوان اشتراه دون ما صاده او ملكه بميراث(٢) .

القسم الثاني: ان يعلم سبق ملك مسلم له، كما لو وجد عليه اثر الاسلام، فيكون حكمه حكم ما يوجد في المفاوز والخربان: فالشيخ في النهاية وابن ادريس اطلقا القول بمالك الواجد له(٣)(٤) فان كان الواجد هو الصائد ملك ذلك عندهما، وان كان مبتاعا ملكه عند الشيخ خاصة.

وقال في المبسوط يكون لقطة لدلالته على سبق ملك المسلم له(٥) وهو اختيار العلامة(٦) .

احتج الشيخ على المدعي الاول: بعموم صحيحة محمد بن مسلم عن أحدهما قال: سألته عن الورق يوجد في دار، فقال: ان كانت الدار معمورة فهي لاهلها، وان كانت خربة فانت أحق بما وجدت(٧) ].

____________________

(١)السرائر: باب اللقطة ص ١٧٩ س ٣٦ قال: ان ابتاع بعيرا فوجد في جوفه شيئا عرفه من ابتاع ذلك الحيوان منه إلى قوله: وكذلك حكم من ابتاع سمكة الخ.

(٢)تقدم آنفا.

(٣)النهاية: باب اللقطة والضالة ص ٣٢٠ س ١٤ قال: واما الذي يجده في غير الحرم إلى قوله: وان لم يجئ كان كسبيل ماله.

(٤)السرائر: باب اللقطة ص ١٧٨ س ٢٩ قال: كما اباح الشارع التصرف بعد السنة إلى قوله: او يكون ما يجده في موضع خرب قد باد اهله.

(٥)المبسوط: ج ٣ (فصل في حكم اللقيط وما يوجد معه) ص ٣٣٨ س ٢ قال: فان كان من ضرب الاسلام فانه يكون لقطة.

(٦)المختلف: ج ٢ (الفصل الثالث في اللقطة) ص ١٧٦ س ٧ قال بعد نقل المبسوط: وهو حسن لان اثر الاسلام يدل على سبق تملك المسلم له.

(٧)التهذيب: ج ٦(٩٤) باب اللقطة والضالة ص ٣٩٠ قطعة من حديث ٥.

٢٨٤

[و(ما) في الاستفهام والمجازات للعموم.

واجاب العلامة عنه بحمله على انتفاء اثر الاسلام، او بعد التعريف حولا(١) .

تحصيل اذا وجد شيئا في جوف دابة، فان كان عليه اثر الاسلام فهو لقطة، قاله الشيخ في المبسوط(٢) وهو مذهب الاكثر(٣) وفي النهاية اطلق القول بتملك المشتري له مع عدم معرفة البائع(٤) وتبعه ابن ادريس(٥) . وان لم يكن عليه اثر الاسلام وعرفه البائع فهو احق به، وان لم يعرفه ملكه الواجد وعليه الاصحاب، وصرح به العلامة في التذكرة(٦) .

لصحيحة عبدالله بن جعفر قال: كتبت إلى الرجل أسأله عن رجل اشترى جزورا أو بقرة للاضاحي، فلما ذبحها وجد في جوفها صرة فيها دراهم او دنانير او جوهر، لمن يكون؟ قا ل: فوقععليه‌السلام عرفها البائع فان لم يعرفها فالشي لك رزقك الله اياه(٧) ].

____________________

(١)المختلف: ج ٢ (فصل في حكم اللقيط وما يوجد معه) ص ١٧٦ س ٩ قال: والجواب انه محمول على انتفاء سكة الاسلام.

(٢)لم اظفر على مفروض المسألة غير الذي تقدم آنفا.

(٣)المختلف: ج ٢ (الفصل الثالث في اللقطة) ص ١٧٣ س ٦ قال: مسألة قال الشيخ في النهاية الخ فلاحظ فيها مذهب الاكثر.

(٤)تقدم مختاره آنفا.

(٥)السرائر: باب اللقطة ص ١٧٩ س ٣٦ قال: ان ابتاع بعيرا او بقرة او شاة فوجد في جوفه شيئا إلى قوله: وكان له الباقي.

(٦)التذكرة: ج ٢ (المطلب الثالث في اللواحق) ص ٢٦٥ س ٢٦ قال: مسألة لو وجد شئ في جوف دابة إلى قوله: والا كانت ملكا له.

(٧)التهذيب: ج ٦(٩٤) باب اللقطة والضالة ص ٣٩٢ الحديث ١٤.

٢٨٥

[واحتمل العلامة في التذكرة: ان يكون لقطة يعرفها البائع وغيره، ويبدء بالبائع، قال: لكن علماء‌نا على الاول(١) .

وذهب احمد إلى ان ما يجده في جوف السمكة يكون للصياد، لانه لم يعلم به فلم يدخل في المبيع، كما لو باعا دارا له فيها مال مدفون، ويكون ذلك للصياد ان كان مما يخلق في البحر كالدرة. ولو كان مما لا يكون في البحر كالدراهم والدنانير فهو لقطة، وكذا الدرة لو كان عليها اثر اليد كما لو كانت مثقوبة، او متصلة بذهب او فضة او غيرهما(٢) . وهو في موضع المنع، لان مطلق اليد لا يوجب الاحترام لجواز كونها يد مشرك.

فروع

(أ) يكره اخذ اللقطة من الاموال وان قلت.

(ب) يحرم التقاط نصاب التعريف لا بنية الانشاد، فلو التقطه بنية تملكه فعل حراما، وكانت يده يد ضمان. ولو نوى الحفظ بعد ذلك وعرف حولا لم يزل الضمان. وهل له التملك بعد الحول؟ يحتمل عدمه، لانه اخذ مال الغير على وجه لا يجوز اخذه، فاشبه الغاصب. ويحتمل جوازه لبطلان النية فكان وجودها كعدمها،]

____________________

(١)التذكرة: ج ٢ كتاب اللقطة ص ٢٦٥ س ٢٦ قال: مسألة: لو وجد شيئا في جوف دابة إلى قوله: لكن علمائنا على الاول.

(٢)نقله عن احمد في التذكرة: ج ٢ كتاب اللقطة ص ٢٦٥ س ٣٠ قال: وقال احمد الخ.

وفي كتاب المغني لابن قدامة: ج ٦ كتاب اللقطة ص ٣٧٠ تحت رقم ٤٥١٩ قال: ومن اصطاد سمكة فوجد فيها درة فهي للصياد لان الدر يكون في البحر بدليل قول الله تعالى (وتستخرجوا منه حلية تلبسونها) فيكون لآخذها إلى قوله: او متصلة بذهب أو فضة او غيرهما.

٢٨٦

(الثالثة) لا تملك اللقطة بحول الحول وان عرفها ما لم ينو التملك، وقيل: تملك بمضي الحول.

[واختاره فخر المحققين(١) .

(ج) اخذ الضالة الممتنعة في الفلاة وغيرها في العمران حرام.

واخذ غير الممتنع في الفلاة غير الشاة مكروه، واذا تحقق تلفه كان مباحا.

قال طاب ثراه: لا تملك اللقطة بحول الحول وان عرفها، ما لم ينو التملك، وقيل: تملك بمضي الحول.

أقول: للاصحاب هنا ثلاثة اقوال.

(الاول) دخولها في ملك الملتقط بعد التعريف بغير اختياره، وهو ظاهر الشيخ في النهاية(٢) وابني بابويه(٣) (٤) وابن ادريس(٥) .

(الثاني) لا يدخل الا باختياره، ويكفي فيه النية، ولا يشترط تلفظه، اختاره العلامة في المختلف(٦) وفخر المحققين(٧) ].

____________________

(١)الايضاح: ج ٢ (في احكام اللقطة) ص ١٥٧ س ٩ قال في شرح قول المصنف: (ولو نوى التملك ثم عرف السنة) اقول: لبطلان النية فكان وجودها كعدمها الخ ذ(٢) النهاية: باب اللقطة والضالة ص ٣٢٠ س ١٥ قال: وان لم يجئ كان كسبيل ماله ويجوز له التصرف فيه.

(٣)المختلف: ج ٢ (في اللقطة) ص ١٧١ س ١٩ فبعد نقل قول النهاية كما قدمناه قال: وكذا قال ابنا بابويه.

(٤)المقنع: باب اللقطة ص ١٢٧ س ١٩ قال: فان جاء صاحبها، والا فهي كسبيل مالك.

(٥)السرائر: باب اللقطة ص ١٧٩ س ٢ قال: فان لم يجئ كان كسبيل ماله بعد السنة والتعريف فيها يجوز له التصرف فيها الخ.

(٦)المختلف: ج ٢ في اللقطة ص ١٧١ س ٣٢ قال: والمعتمد ما ذهب اليه الشيخ في الخلاف والمبسوط.

(٧)الايضاح: ج ٢ في احكام اللقطة ص ١٥٧ س ٢٢ قال بعد نقل قول المختلف: وهو الصحيح عندي

٢٨٧

(الثاني) الملتقط من له اهلية الاكتساب.

فلو التقط الصبي او المجنون جاز، ويتولى الولي التعريف.

وفي المملوك تردد، اشبهه: الجواز، وكذلك المدبر المكاتب، وام لولد.

[(الثالث) لا تدخل في ملكه الا باختياره، وبان يقول: اخترت ملكها وهو قول الشيخ في الخلاف(١) وابن حمزة(٢) والتقي(٣) .

احتج الاولون: بعموم قول الصادقعليه‌السلام : يعرفها سنة فان جاء لها طالب والا فهي كسبيل ماله رواه الحلبي(٤) في الصحيح عقيب التعريف وعدم مجئ المالك بكونها كسبيل ماله، لان الفاء للتعقيب من غير تراخ، فلا يكون معلقا على غيره، والا لتراخى عنه.

احتج العلامة: بقول احدهماعليهما‌السلام : والا فاجعلها في عرض مالك(٥) يجري عليها ما يجري على مالك، والفاء للتعقيب، وصيغة افعل للامر، ولا اقل من ان يكون للاباحة، لانه ليس للتهديد قطعا فيستدعي ان يكون المأمور به مقدورا بعد التعريف وعدم مجئ المالك، لانه عقب امره بالجعل بعدم مجئ المالك والتعريف سنة، ولم يذكر اللفظ، فلو شرط لتأخر البيان عن وقت الحاجة، فلا يشترط اللفظ، وهو المطلوب.

احتج ابن حمزة: بان ما قلناه مجمع على تملكه به، وغيره ليس عليه دليل.

قال طاب ثراه: وفي المملوك تردد، اشبهه الجواز].

____________________

(١)كتاب الخلاف: كتاب اللقطة مسألة ١٠ قال: لا تدخل في ملكه الا باختياره، بان يقول: هذا قد اخترت ملكها.

(٢)و(٣) لم اعثر عليهما في كتابي الوسيلة والكافي في باب اللقطة، ولكن قال في المختلف (ج ٢ ص ١٧١ س ٢٢) بعد نقل قول الشيخ في الخلاف والمبسوط: وكذا قال ابن حمزة وابوالصلاح.

(٤)التهذيب: ج ٦(٩٤) باب اللقطة والضالة ص ٣٨٩ الحديث ٣.

وعبارة " رواه..إلى قوله ماله " ساقطة من ل(٥) التهذيب: ج ٦(٩٤) باب اللقطة والضاله ص ٣٩٠ الحديث ٥.

٢٨٨

(الثالث) في الاحكام، وهي ثلاثة.

(الاول) لا يدفع اللقطة الا بالبينة.

ولا يكفي الوصف، وقيل: يكفي في الاموال الباطنة كالذهب والفضة، وهو حسن.

[أقول: منشأ التردد كون العبد أهلا للتملك، واللقطة اكتساب، ويؤول إلى الملك لدخولها بعد التعريف في ملك الملتقط بمضي الحول مطلقا عند الشيخ(١) ومع نية التملك عندنا فلا يصح التقاطه، لعدم تحقق لازم اللقطة فيه.

ولرواية ابي خديجة (سالم بن مكرم الجمال)(٢) عن أبي عبداللهعليه‌السلام قال: سأله ذريح عن المملوك يأخذ اللقطة، فقال: ما للمملوك واللقطة، المملوك لا يملك من نفسه شيئا، فلا يعرض لها المملوك(٣) واختارها فيمن لا يحضره الفقيه(٤) .

وذهب الشيخ في الكتابين إلى الجواز(٥) (٦) عملا بعموم الاخبار، ولان له اهلية الاكتساب.

اما لقطة الحرم فلا تعرض لها، لانها امانة محضة، والمولى مستولى على منافعه، وربما يتوجه على السيد بذلك ضرر، فيكون حراما.

قال طاب ثراه: ولا يكفي الوصف، وقيل: يكفي في الامور الباطنة، وهو حسن.

أقول: وجه حسنه تعسر اطلاع البينة على اعيان الاموال غالبا، فالاقتصار على]

____________________

(١)تقدم مختاره آنفا.

(٢)ليس في التهذيب جملة (سالم بن مكرم الجمال) ولكنه موجود في من لا يحضره الفقيه.

(٣)التهذيب: ج ٦(٩٤) باب اللقطة والضالة ص ٣٩٧ الحديث ٣٧.

(٤)من لا يحضره الفقيه: ج ٣(٩٠) باب اللقطة والضالة ص ١٨٨ الحديث ٨.

(٥)المبسوط ج ٣ كتاب اللقطة ص ٣٢٥ س ٣ قال: هل للعبد ان يلتقط اللقطة؟ قيل فيه قولان احدهما له ان يلتقط، والثاني ليس له ذلك، والاول اقوى لعموم الاخبار.

(٦)كتاب الخلاف: كتاب اللقطة مسألة ٨ قال: العبد اذا وجد لقطة جاز ان يلتقطها.

٢٨٩

[البينة عسر وحرج فيكون منفيا بالآية(١) والرواية(٢) ولانها امارة يغلب معها الظن.

ولما رواه الشيخ في التهذيب عن محمد الحجال عن ثعلبة عن سعيد بن عمرو الخثعمي قال: خرجت إلى مكة وانا من اشد الناس حالا فشكوت إلى أبي عبداللهعليه‌السلام ، فلما خرجت وجدت على بابه كيسا فيه سبعمائة دينار، فرجعت اليه من فوري ذلك فاخبرته، فقال لي: يا سعيد اتق الله عزوجل وعرفه في المشاهد وكنت رجوت ان يرخص لي فيه، فخرجت وانا مغتم، فأتيت منى، فتنحيت عن الناس حتى أتيت الماقوفة(٣) فنزلت في بيت متنحيا عن الناس، ثم قلت: من يعرف الكيس؟ فأول صوت صوت اذا رجل على رأسي يقول: أنا صاحب الكيس، فقلت في نفسي: أنت فلا كنت، قلت: فما علامة الكيس؟ فاخبرني بعلامته، فدفعته اليه قال: فتنحى ناحية فعدها فاذا الدنانير على حالها، ثم عد منها سبعين دينارا فقال: خذها حلالا خير لك من سبعمائة حراما، فاخذتها ثم دخلت على أبي عبداللهعليه‌السلام فاخبرته كيف تنحيت وكيف صنعت فقال: اما انك حين شكوت الي امرنا لك بثلاثين دينارا، يا جارية هاتيها فاخذتها وانا من احسن قومي حالا(٤) .

____________________

(١)قال تعالى (وما جعل عليكم في الدين من حرج) سورة الحج / ٧٨.

(٢)عوالي اللئالي: ج ١ ص ٣٨٣ الحديث ١١ وص ٢٢٠ الحديث ٩٣ وج ٢ ص ٧٤ الحديث ١٩٥ وج ٣ ص ٢١٠ الحديث ٥٤ ولاحظ ما علق عليه.

(٣)الماقوفه: لعله اسم موضع، او اسم لمحل الوقوف بمنى (هكذا في هامش التهذيب وفي ملاذ الاخيار ج ١٠ ص ٤٢٦).

(٤)التهذيب: ج ٦(٩٤) باب اللقطة والضالة ص ٣٩٠ الحديث ١٠.

٢٩٠

(ذكر الجعالة) مقدمة الجعالة: لغة ما يجعل عوضا عن فعل يتوقع ايجاده.

وشرعا: الصيغة الدالة على الاذن في عمل بعوض التزمه بقوله.ولما احتبح إلى هذا العقد لرد الاباق والضلال، ذكره عقيب اللقطة.وغايته صحة الترام الاعواض على الاعمال المجهولة، لا مساس الحاجة اليها.والاصل فيه: الكتاب، والسنة، والاجماع.

اما الكتاب: قوله تعالى (قالوا نفقد صواع الملك ولمن جاء به حمل بعير وانا به زعيم)(١) وفيه دلالة على جواز ضمان الجعالة قبل العمل.

واما السنة: فمن طريق الخاصة ما رواه ابن أبي سيار عن الصادقعليه‌السلام قال: ان النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله جعل في جعل الابق دينارا اذا اخذه في مصره، وان اخذه في غير مصره فاربعة دنانير(٢) .

واجمعت الامة على جواز الجعللا يختلفون فيه، وان اختلفوا في آحاد مسائله.

تنبيه

وقد اختص هذا العقد بخاصيتين.

(أ) جواز وقوعه على عمل مجهول.

(ب) عدم استحقاق العامل الا بتمام العمل، فلو جاء بالضالة او الآبق من مكان بعيد حتى قارب المنزل، فابق العبد او شرد البعير لم يستحق شيئا].

____________________

(١)سورة يوسف / ٧٢.

(٢)التهذيب: ج ٦(٩٤) باب اللقطة والضالة ص ٣٩٨ الحديث ٤٣.

٢٩١

(الثاني) لا بأس بجعل الابق، فان عينه لزم بالرد، وان لم يعينه ففي رد العبد من المصر دينار، ومن خارج البلد اربعة دنانير على رواية ضعيفة يؤيدها الشهرة، والحق الشيخان: البعير، وفي ما عداهما اجرة المثل.

(الثالث) لا يضمن الملتقط في الحول لقطة ولا لقيطا ولا ضالة مالم يفرط.

[ويشاركه في الخاصية الاولى المضاربة، لكن الاجرة فيها مجهولة، وهنا معلومة، فاختصاص هذا العقد بجواز بدل معلوم في مقابلة مجهول.

وهذا العقد جائز من الطرفين قبل الشروع في العمل، وبعده كذلك في طرف العامل، لان الحق له، فجاز له اسقاطه، ولا يجوز للجاعل الا بعد بذل مقابل ما صدر من العمل.

قال طاب ثراه: لا بأس بجعل الابق، فان عينه لزم بالرد، وان لم يعين ففي رد العبد من المصر دينار، ومن خارج البلد اربعة دنانير على رواية ضعيفة يعضدها (يؤيدها خ - ل) الشهرة والحق الشيخان البعير.

أقول: الذي ورد به النص رواية ابن أبي سيار المتقدمة(١) ، وهي خاصة بالابق، ونسبت الالحاق إلى الشيخين(٢)(٣) لسبقهما إلى القول به، وتبعهما على ذلك كثير

____________________

(١)تقدم آنفا.

(٢)المقنعة: باب جعل الابق ص ٩٩ س ٢٤ قال: واذا وجد الانسان عبدا ابقا، او بعيرا شاردا فرده على صاحبه كان له على ذلك جعل ان كان وجده في المصر فدينار إلى قوله: بذلك ثبتت السنة عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله .

(٣)النهاية: باب اللقطة والضالة ص ٣٢٣ س ١٧ قال: ولا بأس للانسان أن ياخذ الجعل إلى قوله: وكان قد وجد عبدا او بغيرا الخ.

٢٩٢

ممن تأخر عن عصرهما(١) وفي طريق الرواية المذكورة سهل بن زياد(٢) وهو ضعيف، لكن تأيدت بشهرتها في عمل الاصحاب بمضمونها.

____________________

(١)لاحظ المختلف: ج ٢ (الفصل الرابع في الجعالة) ص ١٧٦ فيمن وافق الشيخ في الالحاق كابن ادريس وابن البراج وغيرهما.

(٢)سند الحديث كما في التهذيب (محمد بن يعقوب (*) عن محمد بن علي عن أبي سعيد عن سهل بن زياد عن محمد بن الحسن بن شمون البصري عن عبدالله بن عبدالرحمان الاصم عن مسمع بن عبدالملك كرد بن أبي سيار عن إبي عبداللهعليه‌السلام ).

(*)قال في هامش التهذيب ما لفظه (قال في الوافي: هذا الحديث لم نجده في الكافي.

وقد فحصنا عنه نحن فلم نظفر به ايضا).

٢٩٣

كتاب المواريث والنظر في المقدمات، والمقاصد، واللواحق المقدمات المقدمة الاولى في موجبات الارث

وهي نسب وسبب، فالنسب ثلاث مراتب

(مقدمة)

الارث لغة: البقاء قالصلى‌الله‌عليه‌وآله : انكم على ارث من ابيكم ابراهيم(١) اي على بقية، من بقايا شريعته.

والوارث الباقي، ومنه الوارث في اسمائه تعالى: أي الباقي بعد فناء خلقه(٢) ، وسمي الوارث وارثا لبقائه بعد موت المورث.

____________________

(١)سنن النسائي: ج ٥ باب رفع اليدين في الدعاء بعرفة ص ٢٥٥ ولفظ الحديث (يزيد بن شيبان قال: كنا وقوفا بعرفة مكانا بعيدا من الموقف فأتانا ابن مربع الانصاري فقال: إني رسول رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم اليكم يقول: كونوا على مشاعركم فإنكم على ارث من إرث أبيكم ابراهيمعليه‌السلام ).

(٢)الوارث صفة من صفات الله عزوجل، وهو الباقي الدائم الذي يرث الخلائق ويبقى بعد فنائهم (لسان العرب ج ٢ ص ١٩٩).

٢٩٤

(١)الابوان والولد وان نزل.

(٢)والا جداد وان علوا، والاخوة واولادهم وان نزلوا.

(٣)والاعمام والاخوال.

والسبب قسمان: زوجية وولاء.

والولاء ثلاث مراتب: ولاء العتق، ثم ولاء تضمن الجريرة، ثم ولاء الامامة.

وشرعا: انتقال حق الغير بعد الموت على سبيل الخلافة، والوارث: من انتقل اليه حق الميت خلافه، وترادفه الميراث، والجمع المواريث.

فالحق اعم من ان يكون مالا أو غيره كحق الشفعة والقصاص والحد.

ويعبر عنه بالفرائض، وهي جمع فريضة، واشتقاقها من الفرض.

وهي في اللغة: التقدير والقطع والبيان(١) .

وفي الاصطلاح: ما ثبت ذلك بدليل مقطوع به كالكتاب والسنة والاجماع.

وسمي هذا النوع من النفقة فرائض، لانها سهام مقدرة مقطوعة مبينة، ثبتت بدليل مقطوع به فقد اشتمل على المعنى اللغوي والشرعي.

وانما اختص بهذا الاسم، لان الله تعالى سماه به، فقال بعد القسمة: " فريضة من الله "(٢) والنبيصلى‌الله‌عليه‌وآله أيضا سماه به حيث قال: تعلموا الفرائض(٣) ولان الله سبحانه ذكر الصلاة والزكاة وغيرهما من العبادات مجملة ولم

____________________

(١)قال ابن عرفة: الفرض التوقيت.

واصل الفرض القطع، وقوله تعالى: " لاتخذن من عبادك نصيبا مفروضا "، أي موقتا وفي الصحاح: اي مقتطعا محدودا (لسان العرب ج ٧ ص ٢٠٢ و ٢٠٣ و ٢٠٥ لغة فرض).

(٢)النساء ١١.

(٣)السنن الكبرى للبيهقي: ج ٦ ص ٢٠٨ باب الحث على تعليم الفرائض.

وسنن الدارقطني: ج ٤ كتاب الفرائض والسير وغير ذلك الحديث ٤٥ وعوالي اللئالي: ج ٣ باب المواريث ص ٤٩١ قطعة من حديث ٢.

٢٩٥

المقدمة الثانية: في موانع الارث

وهي ثلاث: الكفر، والرق، والقتل.

اما الكفر فانه يمنع في طرف الوارث، فلا يرث الكافر مسلما، حربيا كان الكافر أو ذميا أو مرتدا.

ويرث الكافر اصليا ومرتدا، فميراث المسلم لوارثه المسلم انفرد بالنسب او شاركه الكافر، أو كان اقرب حتى لو كان ضامن جريرة مع ولد كافر فالميراث للضامن. ولو لم يكن وارث مسلم فميراثه للامام. والكافر يرثه المسلم ان اتفق ولا يرثه الكافر الا اذا لم يكن وارث مسلم. ولو كان وارث مسلم كان أحق بالارث وان بعد وقرب الكافر. واذا اسلم الكافر على ميراث قبل قسمته شارك ان كان مساويا في النسب، وحاز الميراث ان كان اولى، سواء كان المورث مسلما أو كافرا. ولو كان الوارث المسلم واحدا لم يزاحمه الكافر وان اسلم، لانه لا تتحقق هنا قسمة يبين مقاديرها وتفاصيلها وذكر هذا النوع وبين مقاديره بقدر لا يحتمل الزيادة والنقصان. والاصل فيه: الكتاب والسنة والاجماع.

أما الكتاب فقوله تعالى: " وورث سليمان داود "(١) وقوله " فهب لي من لدنك وليا يرثني ويرث من ال يعقوب "(٢) وقوله تعالى: " يستفتونك قل الله يفتيكم في الكلالة ان امرو هلك ليس له ولد وله اخت فلها نصف ما ترك وهو يرثها ان لم يكن لها ولد "(٣) وقوله: " وان كان رجل يورث كلالة او امرأة وله اخ او اخت فلكل واحد منهما السدس "(٤) إلى غير ذلك من الايات الدالة على تفصيل الارث.

____________________

(١)النمل: ١٦.

(٢)النساء ١٧٦.

(٤)النساء: ١٢.

٢٩٦

وكان التوارث في الجاهلية بالحلف، وبالمعاهدة والنصرة.

واقروا عليه في صدر الاسلام، قال تعالى: " والذين عقدت ايمانكم فاتوهم نصيبهم "(١) ثم نسخ ذلك وصار التوارث بالهجرة، فروى ان النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله آخى بين المهاجرين واأنصار لما قدم المدينة، فكان يرث المهاجري من الانصاري والانصاري من المهاجري ولا يرث وارثه الذي بمكة وان كان مسلما(٢) ، لقوله تعالى: " إن الذين آمنوا وهاجروا وجاهدوا باموالهم وأنفسهم في سبيل الله والذين آووا ونصروا اولئك بعضهم اولياء بعض والذين آمنوا ولم يهاجروا مالكم من ولايتهم من شئ حتى يهاجروا "(٣) .

ثم نسخت هذه الآية بالرحم والقرابة بقوله تعالى: " واولوا الارحام بعضهم اولى ببعض في كتاب الله " آلاية(٤) فبين أن اولى الارحام أولى من المهاجرين إلا أن تكون وصية. هذا تفصيله في الكتاب.

وأما السنة فمتواترة وأجمعت الامة عليه وان اختلفوا في آحاد مسائله.

تذنيب

يتأكد استحباب التفقه في المواريث، روى عبدالله بن مسعود ان النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله

____________________

(١)النساء: ٣٣.

(٢)عوالي اللئالي: ج ٣ باب المواريث ٤٩٢ الحديث ٤ وقريب منه مافي سنن البيهقي: ج ٦ باب نسخ التوارث بالتحالف وغيره ص ٢٦٢ س ٢٨ فلاحظ.

ونقله بتمامه في المبسوط: ج ٤ كتاب الفرائض والمواريث ص ٦٧ س ٩ قال: فروى ان النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله الخ.

(٣)الانفال: ٧٢.

(٤)الانفال: ٧٥.

٢٩٧

قال: تعلموا القرآن وعلموه الناس، وتعلموا الفرائض وعلموها الناس، فاني امرء مقبوض، وسيقبض العلم وتظهر الفتن حتى يختلف الرجلان في فريضة لا يجدان من يفصل بينهما(١) .

وعنهصلى‌الله‌عليه‌وآله : تعلموا الفرائض وعلموها الناس، فانها نصف العلم، وهو ينسى، وهو اول شئ ينتزع من امتي(٢) .وهذا حض عظيم على تعلم هذا العلم، وذلك من وجوه:

(أ) انهعليه‌السلام أمر بتعلمه وتعليمه، والامر من الحكيم الذي لا ينطق عن الهوى دليل اشتمال الفعل المأمور به على المصلحة الراجحة.

(ب) إعلامهعليه‌السلام : بانه ينسى، وفيه تخويف باهمال التعلم عند امكان الفرصة منه، لجواز ارتفاعه عند ارادته، فلا تجد السبيل إلى معرفته. فاقتضى الجزم والاشتغال، المبادرة اليه على الفور.

(ج) انهعليه‌السلام جعله نصف العلم، وهو قليل الحجم، يسير التناول. وذلك دليل شرفه، لان ما عظمت قيمته وصغر مقداره كان اشرف في الشاهد كالجواهر بالنسبة إلى الحديد.

فان قلت: ما معنى التصنيف المذكور في هذا الحديث؟

____________________

(١)عوالي اللئالي: ج ٣ باب المواريث ص ٤٩١ الحديث ٢ وقريب منه مافي سنن البيهقي: ج ٦ باب الحث على تعليم الفرائض ص ٢٠٨ س ٢١.

(٢)اورده الشيخ في المبسوط: ج ٤ كتاب الفرائض والمواريث ص ٦٧ س ٢ واورده البيهقي في سننه: ج ٦ ص ٢٠٩ س ٣ ثم قال: تفرد به حفص بن عمر وليس بالقوى، وفي الهامش بعد نقل (تفرد به حفص بن عمر) ما لفظه، قلت: لم أر احدا وافقه على هذه العبارة اللينة في حق هذا الرجل، بل اساؤ القول فيه، قال البخاري منكر الحديث رماه يحيى بن يحيى بالكذب، وقال النسائي: ضعيف، وقال ابن حيان: لا يجوز الاحتجاج به بحال الخ.

٢٩٨

قلت: معناه ان الناس لهم حالتان، حالة حيات وحالة وفات، وعلم الفرائض لما كان مختصا بحالة الوفاة كان نصف العلم.

فان قلت: فعلى هذا لو كان علم الفرائض نصف العلم كما ذكرتم، لثبت ذلك في الوصايا، لتعلق احكامها لما بعد الموت، وكذلك الغسل والتكفين والدفن. فالجواب من وجوه:

(أ) ان الوصايا ليست لازمة لكل متوف، فكم ذي مال مات ولم يوص.

(ب) انها متعلقة بفعل العبد، وقد يوصي وقد يترك، وليس كذلك الميراث فانه لا صنع للعبد فيه، فكان ألزم بالوفاة وأخص بها من الوصية.

(ج) ان احكام الوصية لا يختص بما بعد الموت، فان ايجاب الوصية، والرجوع عنها، وحكم زياة الموصى به وهلاكه، واعتبار اهلية الوصي إلى غير ذلك من الاحكام انما يعتبر قبل الموت، بخلاف الميراث.

(د) ان الوصية مذكورة في علم الفرائض أيضا، حيث يجب البدء‌ة بها فبل الميراث ويؤخر عن الدين، فلم يخل علم الفرائض عن ذكرها جملة، وان خلا عن ذكرها تفصيلا، حتى ان بعض الفرضيين جعل بابا للوصايا في كتاب الميراث. ومن هذا الجواب الاخير يعلم الجواب عن فصل الغسل والتكفين والتجهيز اذا كان علم الفرائض مفتتحا بذكره، وهو الحق الذي يبدء به من تركة الميت قبل قسمة الميراث، فكان من مقدمة المواريث، فيندرج تحت علم الفرائض. وانما انفصلت عنها في البحث؟ لانها احكام يجب على الاحياء مباشرتها، وهم المخاطبون بها، والميت محل اثر الفعل المأمور به، فكان لاحقا بقسم احكام الاحياء، ولهذا المعنى ذكرها الفقهاء في كتاب الطهارة.

ووجه آخر، وهو ان التنصيف باعتبار انقسام مؤون الانسان في حالتي حياته وموته إلى قسمين، واحكام المواريث بعد الموت، فكانت احد القسمين، فكان

٢٩٩

(مسائل)

(الاولى) الزوج المسلم أحق بميراث زوجته من ذوى قرابتها الكفار، كافرة كانت أو مسلمة، له النصف بالزوجية والباقي بالرد. وللزوجة المسلمة الربع مع الورثة الكفار، والباقي للامام. ولو اسلموا أو اسلم احدهم قال الشيخ، يرد عليهم مافضل عن سهم الزوجية وفيه تردد. نصف العلم.

قيل: وجه التنصيف: ان دخول المال في ملك الانسان بطريقين: مكتسب كالبيع ونحوه مما للانسان فيه صنع واختيار، وغير مكتسب، وهو الميراث، وهذا العلم لبيان احد الطريقين، فكان نصفا بهذا الاعتبار.

قال طاب ثراه: ولو أسلموا أو احدهم قال الشيخ: ترد عليهم مافضل عن نصيب الزوجية، وفيه تردد.

أقول: اذا كان احد الزوجين مسلما وباقي الورثة كفار، فان كان زوجا فالمال له، النصف بالتسمية والباقي بالرد. وان كان زوجة كان لها الربع والباقي للامام، فان اسلم الورثة أو أحدهم لم يكن لمن اسلم مزاحمة الزوج، لاستقرار ملكه على كل التركة بالموت. وكذا في مسألة الزوجة بعد القسمة مع الامام ولو كان اسلامه قبل القسمة، اخذ مافضل عن نصيب الزوجة، وحجب الامام.

هذا هو مقتضى الاصل، وهو مذهب ابن ادريس(١) واختاره المصنف(٢)

____________________

(١)السرائر: كتاب المواريث ص ٤٠٤ س ٦ قال بعد قول النهاية: قال محمد بن ادريس: إلى قوله: فان اسلم الوارث الكافر قبل قسمة المال بينها وبين الامام اخذ ما كان يأخذه الامام، وان اسلم بعد القسمة فلا شئ له بحال.

(٢)لاحظ عبارة النافع.

٣٠٠

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

461

462

463

464

465

466

467

468

469

470

471

472

473

474

475

476

477

478

479

480

481

482

483

484

485

486

487

488

489

490

491

492

493

494

495

496

497

498

499

500

501

502

503

504

505

506

507

508

509

510

511

512

513

514

515

516

517

518

519

520

521

522

523

524

525

526