الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل الجزء ١٨

الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل9%

الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل مؤلف:
تصنيف: تفسير القرآن
الصفحات: 624

الجزء ١ الجزء ٢ الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥ الجزء ٦ الجزء ٧ الجزء ٨ الجزء ٩ الجزء ١٠ الجزء ١١ الجزء ١٢ الجزء ١٣ الجزء ١٤ الجزء ١٥ الجزء ١٦ الجزء ١٧ الجزء ١٨ الجزء ١٩ الجزء ٢٠
  • البداية
  • السابق
  • 624 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 204332 / تحميل: 6105
الحجم الحجم الحجم
الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل

الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل الجزء ١٨

مؤلف:
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

التّفسير

التوبيخ الشديد لبعض زوجات الرّسول :

ممّا لا شكّ فيه أنّ رجلا عظيما كالرّسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لا يمكن أن يهمّه أمره وحده دون غيره ، بل أمره يهمّ المجتمع الإسلامي والبشرية جمعاء ، ولهذا يكون التعامل مع أيّة دسيسة حتّى لو كانت بسيطة تعاملا حازما وقاطعا لا يسمح بتكرّرها ، لكي لا تتعرّض حيثية الرّسول واعتباره إلى أي نوع من التصدّع والخدش والآيات محلّ البحث تعتبر تحذيرا من ارتكاب مثل هذه الأعمال حفاظا على اعتبار الرّسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .

البداية كانت خطابا إلى الرّسول :( يا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ ما أَحَلَّ اللهُ لَكَ تَبْتَغِي مَرْضاتَ أَزْواجِكَ ) .

ومن الواضح أنّ هذا التحريم ليس تحريما شرعيّا ، بل هو ـ كما يستفاد من الآيات اللاحقة ـ قسم من قبل الرّسول الكريم ، ومن المعروف أنّ القسم على ترك بعض المباحات ليس ذنبا.

وبناء على هذا فإنّ جملة( لِمَ تُحَرِّمُ ) لم تأت كتوبيخ وعتاب ، وإنّما هي نوع من الإشفاق والعطف.

تماما كما نقول لمن يجهد نفسه كثيرا لتحصيل فائدة معيّنة من أجل العيش ثمّ لا يحصل عليها ، نقول له : لماذا تتعب نفسك وتجهدها إلى هذا الحدّ دون أن تحصل على نتيجة توازي ذلك التعب؟

ثمّ يضيف في آخر الآية :( وَاللهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ ) .

وهذا العفو والرحمة إنّما هو لمن تاب من زوجات الرّسول اللاتي رتّبن ذلك العمل وأعددناه. أو أنّها إشارة إلى أنّ الرّسول ما كان ينبغي له أن يقسم مثل هذا القسم الذي سيؤدّي ـ احتمالا ـ إلى ـ جرأة وتجاسر بعض زوجاته عليهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .

ويضيف في الآية اللاحقة أنّ الله قد أوضح طريق التخلّص من مثل هذا

٤٤١

القسم :( قَدْ فَرَضَ اللهُ لَكُمْ تَحِلَّةَ أَيْمانِكُمْ ) (١) أي أعط كفّارة القسم وتحرّر منه.

ويذكر أنّ الترك إذا كان راجحا على العمل فيجب الالتزام بالقسم والحنث فيه ذنب تترتّب كفّارة عليه ، أمّا في الموارد التي يكون فيها الترك شيئا مرجوحا مثل «الآية مورد البحث» فإنّه يجوز الحنث في القسم ، ولكن من الأفضل دفع كفّارة من أجل الحفاظ على حرمة القسم واحترامه(٢) .

ثمّ يضيف :( وَاللهُ مَوْلاكُمْ وَهُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ ) .

فقد أنجاكم من مثل هذه الأقسام ووضع لكم طريق التخلّص منها طبقا لعلمه وحكمته.

ويستفاد من بعض الروايات أنّ النبي أعتق رقبة بعد هذا القسم وحلّل ما كان قد حرّمه بالقسم.

وفي الآية اللاحقة يتعرّض لهذا الحادث بشكل أوسع :( وَإِذْ أَسَرَّ النَّبِيُّ إِلى بَعْضِ أَزْواجِهِ حَدِيثاً فَلَمَّا نَبَّأَتْ بِهِ وَأَظْهَرَهُ اللهُ عَلَيْهِ عَرَّفَ بَعْضَهُ وَأَعْرَضَ عَنْ بَعْضٍ ) .

ما هذا السرّ الذي أسرّه النبي لبعض زوجاته ثمّ لم يحفظنه؟

طبقا لما أوردناه في أسباب النزول فإنّ هذا السرّ يتكوّن من أمرين :

الأوّل : تناول العسل عند زوجته (زينب بنت جحش).

والثاني : تحريم العسل على نفسه في المستقبل.

أمّا الزوجة التي أذاعت السرّ ولم تحافظ عليه فهي «حفصة» حيث أنّها نقلت ذلك الحديث الذي سمعت به إلى عائشة.

__________________

(١) «الراغب» في «المفردات» ، يقول : إذا جاءت كلمة «فرض» مع «على» فإنّها تدلّ على الوجوب ، وأمّا إذا جاءت معها «لام» فإنّها تدلّ على عدم المنع وبهذا يكون الفرض في الآية السابقة هو السماح والإباحة وليس الوجوب. وعبارة «تحلّة» ـ مصدر من باب تفعيل ـ بمعنى إباحة والحلّية ، أو بتعبير آخر العمل على فتح عقدة القسم ، وهو الكفّارة.

(٢) كفّارة القسم حسب ما يستفاد من الآية (٨٦) من سورة المائدة عبارة عن إطعام عشرة مساكين ، أو إكساؤهم ، أو تحرير رقبة. وإن كان لا يقدر على شيء من ذلك فصيام ثلاثة أيّام.

٤٤٢

أمّا الرّسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فقد اطّلع على إفشاء هذا السرّ عن طريق الوحي ، وذكر بعضه «لحفصة» ومن أجل عدم إحراجها كثيرا لم يذكر لها القسم الثاني (ولعلّ القسم الأوّل يتعلّق بأصل شرب العسل ، والثاني هو تحريم العسل على نفسه).

وعلى كلّ فإنّه :( فَلَمَّا نَبَّأَها بِهِ قالَتْ مَنْ أَنْبَأَكَ هذا قالَ نَبَّأَنِيَ الْعَلِيمُ الْخَبِيرُ ) .

ويتّضح من مجموع هذه الآيات أنّ بعض زوجات الرّسول لم يكتفين بإيذاء النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بكلامهنّ ، بل لا يحفظن سرّه ، وحفظ السرّ من أهمّ صفات الزوجة الصالحة الوفيّة لزوجها ، وكان تعامل الرّسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم معهنّ على العكس من ذلك تماما إلى الحدّ الذي لم يذكر لها السرّ الذي أفشته كاملا لكي لا يحرجها أكثر ، واكتفى بالإشارة إلى جزء منه.

ولهذا جاء في الحديث عن الإمام عليعليه‌السلام : «ما استقصى كريم قطّ ، لأنّ الله يقول :( عَرَّفَ بَعْضَهُ وَأَعْرَضَ عَنْ بَعْضٍ ) (١) .

ثمّ يتحدّث القرآن مع زوجتي الرّسول اللتين كانتا وراء هذا الحادث بقوله :( إِنْ تَتُوبا إِلَى اللهِ فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُما ) .

وقد اتّفق المفسّرون الشيعة والسنّة على أنّ تلك الزوجتين هما «حفصة بنت عمر» و «عائشة بنت أبي بكر».

«صغت» من مادّة «صغو» على وزن «عفو» بمعنى الميل إلى شيء ما ، لذلك يقال «صغت النجوم» «أي مالت النجوم إلى الغروب» ولهذا جاء اصطلاح «إصغاء» بمعنى الاستماع إلى حديث شخص آخر. والمقصود من «صغت قلوبكما» أي مالت من الحقّ إلى الباطل وارتكاب الذنب(٢) .

__________________

(١) تفسير الميزان ، ج ١٩ ، ص ٣٩٢.

(٢) طبقا للتفسير الذي ذكرناه والذي اختاره أكثر المفسّرين فإنّ هناك شيئا محذوفا في الآية تقديره «إن تتوبا إلى الله كان خير لكما» أو تقدير آخر مشابه ، ولكن احتمل بعض آخر أنّه ليس هناك محذوف في الآية وجملة (صغت قلوبكما) جزاء الشرط (بشرط أن يكون الميل إلى الحقّ وليس العكس).

٤٤٣

ثمّ يضيف تعالى :( وَإِنْ تَظاهَرا عَلَيْهِ فَإِنَّ اللهَ هُوَ مَوْلاهُ وَجِبْرِيلُ وَصالِحُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمَلائِكَةُ بَعْدَ ذلِكَ ظَهِيرٌ ) .

ويتّضح من هذا كم تركت هذه الحادثة من أثر مؤلم في قلب الرّسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وروحه العظيمة ، ورغم قدرة الرّسول المتكاملة نشاهد أنّ الله يدافع عنه إذ يعلن حماية جبرائيل والمؤمنين له.

ومن الجدير بالذكر أنّه ورد في صحيح البخاري (ما مضمونه) عن ابن عبّاس أنّه قال : سألت عمر : من كانت المرأتان اللتان تظاهرتا على النبي من أزواجه ، فقال : تلك حفصة وعائشة ، قال : فقلت والله إن كنت لأريد أن أسألك عن هذا قال : فلا تفعل ما ظننت أنّ عندي من علم فاسألني فإن كان لي علم خبّرتك به ، قال ثمّ قال عمر : والله إن كنّ في الجاهلية ما تعدّ للنساء أمرا حتّى أنزل الله فيهنّ ما أنزل وقسم لهنّ ما قسم ..»(١) .

وفي تفسير الدرّ المنثور ، ورد أيضا عن ابن عبّاس ضمن حديث مفصّل أنّه قال : قال عمر : «.. علمت بعد هذه الحادثة أنّ النبي اعتزل جميع النساء ، وأقام في «مشربة أمّ إبراهيم» ، فأتيته وقلت : يا رسول الله هل طلّقت نساءك؟ قال : لا. قلت : الله أكبر ، كنّا معشر قريش نغلب النساء ، فلما قدمنا المدينة وجدنا قوما تغلبهم نساؤهم ، فطفق نساؤنا يتعلمن من نسائهم ، فغضبت على امرأتي يوما فإذا هي تراجعني فأنكرت أن تراجعني فقالت ما تنكر من ذلك فو الله إنّ أزواج النبي ليراجعنه وتهجره إحداهنّ اليوم إلى الليل فقلت لابنتي حفصة لا تفعلي ذلك أبدا وإن فعلته جارتك (يعني عائشة) لأنّك لست هي ..»(٢) .

__________________

ولكن هذا الاحتمال بعيد جدّا لأنّ الشرط جاء بصيغة الفعل المضارع بينما الجزاء بصيغة الفعل الماضي وهذا غير جائز في عرف أكثر النحويين ، ويذكر أنّ «قلوبكما» جاءت بصيغة الجمع لا المثنى ، وذلك لتلافي اجتماع ألفاظ التثنية بصورة متتالية الذي لا يتناسب مع بلاغة القرآن وفصاحته.

(١) صحيح البخاري ، ج ٦ ، ص ١٩٥.

(٢) الدرّ المنثور ، ج ٦ ، ص ٢٤٣.

٤٤٤

في آخر آية من هذه الآيات يخاطب الله تعالى جميع نساء النبي بلهجة لا تخلو من التهديد :( عَسى رَبُّهُ إِنْ طَلَّقَكُنَّ أَنْ يُبْدِلَهُ أَزْواجاً خَيْراً مِنْكُنَّ مُسْلِماتٍ مُؤْمِناتٍ قانِتاتٍ تائِباتٍ عابِداتٍ سائِحاتٍ ثَيِّباتٍ وَأَبْكاراً ) .

لذا فهو ينذرهنّ ألّا يتصورن أنّ الرّسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم سوف لن يطلّقهن ، أو يتصوّرن أنّ النبي لا يستبدلهنّ بنساء أخريات أفضل منهنّ ، وذلك ليكففن عن التآمر عليه وإلّا فسيحرمن من شرف منزلة «زوجة الرّسول» إلى الأبد ، وستأخذ نساء أخريات أفضل منهنّ هذا اللقب الكريم.

* * *

بحوث

١ ـ صفات الزوجة الصالحة :

يضع القرآن الكريم عدّة صفات للمرأة الصالحة التي يمكنها أن تكون نموذجا يقتدى به في انتخاب الزوجة اللائقة.

الأوّل «الإسلام» ثمّ «الإيمان» أي الإعتقاد الذي ينفذ ويترسّخ في أعماق قلب الإنسان. ثمّ حالة «القنوت» أي التواضع وطاعة الزوج. بعد ذلك «التوبة» ويقصد أنّ الزوجة إذا ما ارتكبت ذنبا بحقّ زوجها فإنّها سرعان ما تتوب وتعتذر عن ذلك. وتأتي بعد ذلك «العبادة» التي جعلها الله سبحانه ليطهّر بها قلب الإنسان وروحه ويصنعها من جديد ، ثمّ «إطاعة أوامر الله» والورع عن محارمه.

وممّا يذكر أنّ جماعة من المفسّرين ـ بل أكثرهم ـ اعتبروا كلمة «سائح» بمعنى «صائم» ولكن طبقا لما أورده «الراغب» في «المفردات» فإنّ الصوم على قسمين : «صوم حكمي» : وهو الامتناع عن تناول الطعام والماء ، و «صوم حقيقي» : وهو امتناع أعضاء الإنسان عن ارتكاب المعاصي.

والمقصود بالصوم هنا هو المعنى الثاني ، «إذ أنّ مناسبات الحال والمقام تقوّي

٤٤٥

قول الراغب وتجعله مناسبا ، غير أنّه يجب أن يعلم أنّ السائح فسّر أيضا بمعنى السائر في طريق طاعة الله»(١) .

ومن الجدير بالذكر أنّ القرآن لم يعط أهميّة تذكر للباكر وغير الباكر ، فإنّه عند ما ذكر الصفات المعنوية للزوجة الصالحة ذكر هذه المسألة بصورة عابرة ودون أي تركيز.

٢ ـ من هم (صالح المؤمنين)؟

ممّا لا شكّ فيه أنّ صالح المؤمنين ، لها معان واسعة تشمل جميع المؤمنين الصالحين الأتقياء الذين كمل إيمانهم ، ورغم أنّ كلمة (صالح) وردت هنا بصيغة المفرد ، ولكن يمكن أن يستفاد منها العموم لأنّها تتضمّن معنى الجنس(٢) .

ولكن ما هو المصداق الأكمل والأتمّ لهذا المصطلح؟

يستفاد من روايات عديدة أنّ المقصود هو الإمام علي أمير المؤمنينعليه‌السلام .

في حديث عن الإمام الباقرعليه‌السلام يقول : «لقد عرّف رسول الله عليا أصحابه مرّتين : أمّا مرّة فحيث قال : «من كنت مولاه فعلي مولاه» وأمّا الثانية فحيث نزلت هذه الآية :( فَإِنَّ اللهَ هُوَ مَوْلاهُ وَجِبْرِيلُ وَصالِحُ الْمُؤْمِنِينَ ) أخذ رسول الله بيد علي فقال : أيّها الناس ، هذا صالح المؤمنين!!؟»

وقد نقل هذا المعنى في كتب عديدة لعلماء أهل السنّة منهم العلّامة «الثعلبي» و «الكنجي» في «كفاية الطالب» و «أبو حيّان الأندلسي» و «السبط ابن الجوزي»

__________________

(١) «سائح» من مادّة «السياحة» وكانت تطلق في الأصل بمعنى الجولان في العالم ، بدون زاد ومتاع ، والعيش اعتمادا على مساعدات الناس ، لذلك فالصائم الذي يمسك عن الطعام حتّى يحين وقت الإفطار ، شبيه بالسائح ، من هذه الناحية ، لذا أطلقت هذه اللفظة «السائح» على «الصائم».

(٢) يرى البعض أنّ كلمة «صالح» هنا ، تأتي بمعنى الجمع ، نظرا لأنّ واو «صالحوا» حذفت للإضافة لذا فإنّها لم تظهر في رسم الخطّ القرآني إلّا أنّ هذا المعنى بعيد في نظرنا.

٤٤٦

وغيرهم(١) .

وقد أورد جمع من المفسّرين منهم «السيوطي» في «الدرّ المنثور» في ذيل الآية مورد البحث و «القرطبي» في تفسيره المعروف ، وكذلك «الآلوسي» في «روح المعاني» في تفسير هذه الآية أوردوا هذه الرواية.

وبعد أن نقل مؤلّف (روح البيان) هذه الرواية عن (مجاهد) قال : ويؤيّد هذه الرواية الحديث المعروف : «حديث المنزلة» الذي وصف فيه الرّسول مكانة عليعليه‌السلام منه بقوله لعلي «أنت منّي بمنزلة هارون من موسى» نظرا لأنّ عنوان الصالحين استعمل في القرآن الكريم للإشارة إلى الأنبياء. منها( وَكُلًّا جَعَلْنا صالِحِينَ ) (سورة الأنبياء الآية ٧٢) و( أَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ ) (٢) . (حيث أطلق في الاولى على مجموع الأنبياء وفي الثانية على يوسف).

ولكون علي بمنزلة هارون فإنّه سيكون كذلك مصداقا لـ (الصالح) (فتأمّل)! خلاصة القول : أنّ هناك عددا كثيرا من الأحاديث وردت في هذا المجال ، فبعد أن نقل المفسّر المعروف (المحدّث البحراني) في تفسير البرهان رواية في هذا المجال عن محمد بن عبّاس(٣) أنّه جمع ٥٢ حديثا تتناول هذا الموضوع من طريق الشيعة والسنّة ثم قام هو بنقل بعضها(٤) .

٣ ـ عدم رضا الرّسول عن بعض زوجاته

هناك على طول التاريخ عظماء كثيرون لم يحظوا بزوجات تناسب شأنهم واهتماماتهم ، ونتيجة لعدم توفّر الشروط اللازمة بزوجاتهم ، فقد ظلّوا يعانون من

__________________

(١) تفسير مجمع البيان ، ج ١٠ ، ص ٣١٦.

(٢) يوسف ، الآية ١٠١.

(٣) يبدو أنّ محمّد بن عبّاس هنا هو (أبو عبد الله المعروف بـ «ابن الحجّام» مؤلّف كتاب «ما أنزل من القرآن في أهل البيت» الذي قال جمع من العلماء : إنّه لم يؤلّف كتاب مثله إلى الآن) جامع الرواة ، ج ٢ ، ص ١٣٤.

(٤) تفسير البرهان ، ج ٤ ، ص ٣٥٣ ، ذيل الحديث ٢.

٤٤٧

ذلك كثيرا ، وقد ذكر لنا القرآن الكريم نماذج من هذه المعاناة وقعت للأنبياء العظام.

وربّما توضّح الآيات السابقة أنّ معاناة الرّسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من بعض أزواجه كانت من هذا القبيل ، فنظرا لوجود الغيرة والتسابق فيما بينهنّ كنّ يسبّبن متاعب للنبي الكريم. فقد كنّ أحيانا يعترضن عليه أو يفشين سرّه ، الأمر الذي جعل القرآن الكريم يوجّه لهنّ خطابا مباشرا بالتوبيخ وأصدر أقوى البيانات في هذا المجال ، حتّى أنّه هدّدهنّ بالطلاق. وقد لا حظنا الرّسول قد غضب على زوجاته وأظهر عدم رضاه لمدّة شهر تقريبا بعد نزول هذه الآيات أملا في إصلاحهنّ.

ويمكن أن نلاحظ بشكل واضح ـ من خلال حياة الرّسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ـ أنّ بعض زوجاته لم يدركن مقام النبوّة فحسب ، بل قد يتعاملن معه كإنسان عادي ، وأحيانا يتعرضنّ له بالإهانة.

وبناء على هذا فإنّه لا معنى للإصرار على أنّ جميع زوجات الرّسول كنّ على قدر عال من الكمال واللياقة ، خصوصا مع الأخذ بالاعتبار صراحة الآيات السابقة.

ولم يكن هذا المعنى مقتصرا على حياة الرّسول فقط ، فبعد وفاته نقل لنا التاريخ أمثلة مشابهة ، خاصّة في قصّة حرب الجمل والموقف من خليفة رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وما جرى من امور ليس هنا مجال الخوض فيها.

ومن الواضح أنّ الآيات السابقة تقول بشكل صريح : إنّ الله سيعطي النبي زوجات صالحات تتوفّر فيهنّ الصفات المذكورة في الآيات إذا طلّقكن وسرحكن ، وهذا يكشف عن أنّ هناك من زوجات الرّسول ممّن لا تتوفّر فيهنّ تلك الصفات والشروط.

ويؤيّد ذلك ما جاء في سورة الأحزاب حول زوجات الرّسول.

٤٤٨

٤ ـ إفشاء السرّ

إنّ حفظ السرّ والمحافظة عليه وعدم إفشائه ، ليس فقط من صفات المؤمنين ، بل هي صفة ينبغي توفّرها بكلّ إنسان ذي شخصية قويّة محترمة ، وتتجلّى أهميّة هذه الصفة أكثر مع الأصدقاء والأقرباء وبالأخصّ بين الزوج والزوجة. وقد لا حظنا في الآيات السابقة كيف أنّ القرآن لام أزواج النبي بشدّة ووبّخهنّ على إفشائهنّ للسرّ وعدم محافظتهنّ عليه.

ورد عن أمير المؤمنين قوله : «جمع خير الدنيا والآخرة في كتمان السرّ ومصادقة الأخيار ، وجمع الشرّ في الإذاعة ومؤاخاة الأشرار»(١) .

٥ ـ لا تحرّموا على أنفسكم ما أحلّه الله لكم

من المؤكّد أنّ الله لم يحلّل أو يحرّم شيئا إلّا طبقا لحسابات ومصالح دقيقة ، وبناء على هذا فلا مجال لأن يقوم الإنسان بتحليل الحرام أو تحريم الحلال حتّى مع القسم ، فإنّ الحنث جائز في مثل هذه الموارد.

نعم ، إذا كان مورد القسم من المباحات التي يكره عملها أو الأولى تركها ، يجب الالتزام بالقسم حينئذ.

* * *

__________________

(١) سفينة البحار ، ج ٢ ، ص ٤٦٩ ، مادّة الكتمان.

٤٤٩

الآيات

( يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ ناراً وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجارَةُ عَلَيْها مَلائِكَةٌ غِلاظٌ شِدادٌ لا يَعْصُونَ اللهَ ما أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ ما يُؤْمَرُونَ (٦) يا أَيُّهَا الَّذِينَ كَفَرُوا لا تَعْتَذِرُوا الْيَوْمَ إِنَّما تُجْزَوْنَ ما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (٧) يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللهِ تَوْبَةً نَصُوحاً عَسى رَبُّكُمْ أَنْ يُكَفِّرَ عَنْكُمْ سَيِّئاتِكُمْ وَيُدْخِلَكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ يَوْمَ لا يُخْزِي اللهُ النَّبِيَّ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ نُورُهُمْ يَسْعى بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمانِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنا أَتْمِمْ لَنا نُورَنا وَاغْفِرْ لَنا إِنَّكَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (٨) )

التّفسير

قوا أنفسكم وأهليكم النار :

تخاطب الآيات السابقة جميع المؤمنين ، وترسم لهم المنهج الصالح لتربية الزوجات والأولاد والأسرة بشكل عامّ ، فهي تقول أوّلا :( يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا

٤٥٠

أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ ناراً وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجارَةُ ) .

وذلك بحفظ النفس من الذنوب وعدم الاستسلام للشهوات والأهواء ، وحفظ العائلة من الانحراف بالتعليم والتربية والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، وتهيئة الأجواء الصالحة والمحيط الطاهر من كلّ رذيلة ونقص.

وينبغي مراعاة هذا البرنامج الإلهي منذ اللحظات الاولى لبناء العائلة ، أي منذ أوّل مقدّمات الزواج ، ثمّ مع أوّل لحظة لولادة الأولاد ، ويراعى ويلاحظ بدقّة حتّى النهاية.

وبعبارة اخرى : إنّ حقوق الزوجة والأولاد لا تقتصر على توفير المسكن والمأكل ، بل الأهمّ تربية نفوسهم وتغذيتها بالأصول والتعاليم الإسلامية وتنشئتها نشأة تربوية صحيحة.

والتعبير بـ «قوا» إشارة إلى أنّ ترك الأطفال والزوجات دون أيّة متابعة أو إرشاد سيؤدّي إلى هلاكهم ودخولهم النار شئنا أم أبينا. لذا عليكم أن تقوهم وتحذّروهم من ذلك.

«الوقود» هو المادّة القابلة للاشتعال مثل (الحطب) وهو بمعنى المعطي لشرارة النار كالكبريت ـ مثلا ـ فإنّ العرب يطلقون عليه (الزناد).

وبناء على هذا فإنّ نار جهنّم ليس كنيران هذا العالم ، لأنّها تشتعل من داخل البشر أنفسهم ومن داخل الصخور وليس فقط صخور الكبريت التي أشار إليها بعض المفسّرين ، فإنّ لفظ الآية مطلق يشمل جميع أنواع الصخور.

وقد اتّضح في هذا العصر أنّ كلّ قطعة من الصخور تحتوي على مليارات المليارات من الذرّات التي إذا ما تحرّرت الطاقة الكافية فيها فسينتج عن ذلك نار هائلة يصعب على الإنسان تصوّرها.

وقال بعض المفسّرين : إنّ «الحجارة» عبارة عن تلك الأصنام التي كانوا يعبدونها.

٤٥١

ويضيف القرآن قائلا :( عَلَيْها مَلائِكَةٌ غِلاظٌ شِدادٌ لا يَعْصُونَ اللهَ ما أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ ما يُؤْمَرُونَ ) .

وبهذا لا يبقى طريق للخلاص والهروب ، ولن يؤثّر البكاء والالتماس والجزع والفزع.

ومن الواضح أنّ أصحاب الأعمال والمكلّفين بتنفيذها ، ينبغي أن تكون معنوياتهم وروحيّتهم تنسجم مع تلك المهام المكلّفين بتنفيذها. ولهذا يجب أن يتّصف مسئولو العذاب والمشرفون عليه بالغلظة والخشونة ، لأنّ جهنّم ليست مكانا للرحمة والشفقة ، وإنّما هي مكان الغضب الإلهي ومحلّ النقمة والسخط الإلهيين. ولكن هذه الغلظة والخشونة لا تخرج هؤلاء عن حدّ العدالة والأوامر الإلهية. إنّما :( يَفْعَلُونَ ما يُؤْمَرُونَ ) دون أيّة زيادة أو نقصان.

وتساءل بعض المفسّرين حول تعبير (لا يعصون) الذي ينسجم مع القول بعدم وجود تكليف يوم القيامة. ولكن يجب الانتباه إلى أنّ الطاعة وعدم العصيان من الأمور التكوينية لدى الملائكة لا التشريعية.

بتعبير آخر : إنّ الملائكة مجبولون على الطاعة غير مختارين ، إذ لا رغبة ولا ميل لهم إلى سواها.

في الآية اللاحقة يخاطب الكفّار ويصف وضعهم في ذلك اليوم العصيب بقوله :( يا أَيُّهَا الَّذِينَ كَفَرُوا لا تَعْتَذِرُوا الْيَوْمَ إِنَّما تُجْزَوْنَ ما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ ) .

قد جاءت هذه الآية بعد الآية السابقة التي خاطب بها المؤمنين ، ليكون واضحا أنّ عدم الالتزام بأوامر الله وعدم الاهتمام بالنساء والأولاد والأهل قد تكون نتيجته وعاقبته كعاقبة الكفّار يوم القيامة.

والتعبير بـ( إِنَّما تُجْزَوْنَ ما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ ) يؤيّد هذه الحقيقة مرّة اخرى ، وهي أنّ جزاء المؤمنين يوم القيامة إنّما هو أعمالهم نفسها التي تظهر أمامهم وترافقهم.

وممّا يؤيّد ذلك أيضا التعبير الذي ورد في الآية السابقة الذي يقول إنّ نار جهنّم :

٤٥٢

( وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجارَةُ ) .

وممّا يجدر ذكره أنّ عدم قبول الاعتذار ناتج عن كونه نوعا من التوبة ، والتوبة لا تقبل في غير هذا العالم ، سواء كان قبل دخول النار أو بعد دخولها.

ويلقي القرآن الضوء في الآية اللاحقة على طريق النجاة من النار حيث يقول :( يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللهِ تَوْبَةً نَصُوحاً ) .

نعم. إنّ أوّل خطوة على طريق النجاة هي التوبة والإقلاع عن الذنب ، التوبة التي يكون هدفها رضا الله والخوف منه. التوبة الخالصة من أي هدف آخر كالخوف من الآثار الاجتماعية والآثار الدنيوية للذنوب. وأخيرا التوبة التي يفارق بها الإنسان الذنب ويتركه إلى الأبد.

ومن المعلوم أنّ حقيقة التوبة هي الندم على الذنب ، وشرطها التصميم على الترك في المستقبل. وأمّا إذا كان العمل قابلا لأن يجبر ويعوّض فلا بدّ من الجبران والتعويض ، والتعبير بـ( يُكَفِّرَ عَنْكُمْ ) إشارة إلى هذا المعنى. وبناء على هذا يمكننا تلخيص أركان التوبة بخمسة امور (ترك الذنب ، الندم ، التصميم على الاجتناب في المستقبل ، جبران ما مضى ، الاستغفار).

«نصوح» من مادّة نصح ، بمعنى طلب الخير بإخلاص ، ولذلك يقال للعسل الخالص بأنّه (ناصح) وبما أنّ من يريد الخير واقعا يجب أن يكون عمله توأما للإتقان جاءت كلمة «نصح» أحيانا بهذا المعنى ، ولذا يقال للبناء المتين بأنّه «نصاح» ـ على وزن كتاب ـ ويقال للخيّاط «ناصح» ، وكلا المعنيين ـ أي الخلوص والمتانة ـ يجب توفّرهما في التوبة النصوح(١) .

وأمّا حول المعنى الحقيقي للتوبة النصوح؟ فقد وردت تفاسير مختلفة

__________________

(١) يتصوّر البعض أنّ «نصوح» اسم شخص معيّن ، وذكروا له قصّة مفصّلة ، ولكن يجب الالتفات إلى أنّ «نصوح» ليس اسما لشخص ، بل يعطي معنى وصفيّا رغم أنّه لا يبعد صحّة القصّة المذكورة.

٤٥٣

ومتعدّدة حتّى أوصلها البعض إلى ٢٣ تفسيرا(١) .

غير أنّ جميع هذه التفاسير تعود إلى حقيقة واحدة وفروعها والأمور المتعلّقة بها وشرائطها المختلفة.

ومن هذه التفاسير القول بأنّ التوبة (النصوح) يجب أن تتوفّر فيها أربعة شروط : الندم الداخلي ، الاستغفار باللسان ، ترك الذنب ، والتصميم على الاجتناب في المستقبل.

وقال البعض الآخر بأنّها (أي التوبة النصوح) ذات شروط ثلاثة (الخوف من عدم قبولها ، والأمل بقبولها ، والاستمرار على طاعة الله.

أو أنّ التوبة «النصوح» التي تجعل الذنوب دائما أمام أعين أصحابها ، ليشعر الإنسان بالخجل منها.

أو أنّها تعني إرجاع المظالم والحقوق إلى أصحابها ، وطلب التحليل وبراءة الذمّة من المظلومين ، والمداومة على طاعة الله.

أو هي التي تشتمل على امور ثلاثة : قلّة الأكل ، قلّة القول ، قلّة النوم.

أو التوبة النصوح هي التي يرافقها بكاء العين ، واشمئزاز القلب من الذنوب وما إلى ذلك من فروع التوبة الواقعية وهي التوبة الخالصة التامّة الكاملة.

جاء في حديث عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عند ما سأله معاذ بن جبل عن «التوبة النصوح» أجابه قائلا : «أن يتوب التائب ثمّ لا يرجع في الذنب كما لا يعود اللبن إلى الضرع»(٢) .

وبهذا التعبير اللطيف يتّضح أنّ التوبة يجب أن تحدث انقلابا في داخل النفس الإنسانية ، وتسدّ عليها أي طريق للعودة إلى الذنب ، وتجعل من الرجوع أمرا مستحيلا كما يستحيل إرجاع اللبن إلى الضرع والثدي.

__________________

(١) تفسير القرطبي ، ج ١٠ ، ص ٦٦ و٦٧.

(٢) مجمع البيان ، ج ١٠ ، ص ٣١٨.

٤٥٤

وقد جاء هذا المعنى في روايات اخرى ، وكلّها توضّح الدرجة العالية للتوبة النصوح ، فإنّ الرجوع ممكن في المراتب الدنيا من التوبة ، وتتكرّر التوبة حتّى يصل الإنسان إلى المرحلة التي لا يعود بعدها إلى الذنب.

ثمّ يشير القرآن الكريم إلى آثار التوبة الصادقة النصوح بقوله :( عَسى رَبُّكُمْ أَنْ يُكَفِّرَ عَنْكُمْ سَيِّئاتِكُمْ ) .

( وَيُدْخِلَكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ ) .

( يَوْمَ لا يُخْزِي اللهُ النَّبِيَّ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ ) .

( نُورُهُمْ يَسْعى بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمانِهِمْ ) ويضيء لهم طريقهم في المحشر ويوصلهم إلى الجنّة.

وهنا يتوجّهون إلى الله بطلب العفو :( يَقُولُونَ رَبَّنا أَتْمِمْ لَنا نُورَنا وَاغْفِرْ لَنا إِنَّكَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ) .

وبذلك تكون التوبة (النصوح) لها خمس ثمرات مهمّة :

الاولى : غفران الذنوب والسيّئات.

الثانية : دخول الجنّة المملوءة بنعم الله.

الثالثة : عدم الفضيحة في ذلك اليوم العصيب الذي ترتفع فيه الحجب وتظهر فيه حقائق الأشياء ، ويفتضح الكاذبون الفجّار. نعم في ذلك اليوم سيكون للرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم والمؤمنين شأن عظيم ، لأنّهم لم ولن يقولوا إلّا ما هو واقع.

الرابع : أنّ نور إيمانهم وعملهم يتحرّك بين أيديهم فيضيء طريقهم إلى الجنّة.

(واعتبر بعض المفسّرين أنّ «النور» الذي يتحرّك أمامهم إنّما هو نور العمل ، وكان لنا تفسير آخر أوردناه في ذيل الآية ١٢ من سورة الحديد).

الخامس : يتجهون إلى الباري أكثر من ذي قبل ، ويرجونه تكميل نورهم والغفران الكامل لذنوبهم.

* * *

٤٥٥

بحثان

١ ـ تعليم وتربية العائلة

من الواضح أنّ الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فريضة عامّة على جميع الناس ولا تخصّ بعضا دون آخر. غير أنّ مسئولية الإنسان تجاه زوجته وأبنائه أكد من غيرها وأشدّ إلزاما ، كما يتجلّى ذلك بشكل واضح من الروايات الواردة في مصادر عديدة ، وكذلك الآيات السابقة التي تدعو الإنسان لأن يبذل أقصى جهده لتربية أهله وتعليمهم ، ونهيهم عن ارتكاب الذنوب وحثّهم على اكتساب الخيرات ، ولا ينبغي عليه أن يقنع ويكتفي بتوفير الغذاء الجسمي لهم.

وبما أنّ المجتمع عبارة عن عدد معيّن من وحدات صغيرة تدعى «العائلة» فإنّ الاهتمام بالعائلة وتربيتها تربية إسلامية صحيحة سيجعل أمر إصلاح المجتمع أسهل وأيسر.

وتبرز هذه المسؤولية أكثر وتكتسب أهميّة خاصّة في العصر الراهن ، حيث تجتاح المجتمع موجات من الفساد والضلال الخطرة ، وتحتاج إلى وضع برنامج دقيق ومدروس لتربية العائلة لمواجهة هذه الموجات دون التأثّر بها والانجراف مع تيارها.

فنار الآخرة ليست هي النار الوحيدة التي يكون مصدرها الإنسان نفسه ومن داخله ، بل نار الدنيا هي الاخرى تستمدّ وجودها من هذا الإنسان ، لهذا يجب على كلّ إنسان أن يقي نفسه وعائلته من هذه النار.

جاء في الحديث أنّ أحد الصحابة سأل النبي بعد نزول الآية السابقة : كيف أقي أهلي ونفسي من نار جهنّم ، فأجابهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «تأمرهم بما أمر الله ، وتنهاهم عمّا نهاهم الله ، إن أطاعوك كنت قد وقيتهم ، وإن عصوك كنت قد قضيت ما عليك»(١) .

__________________

(١) نور الثقلين ، ج ٥ ، ص ٣٧٢.

٤٥٦

وفي حديث آخر جامع ولطيف عن الرّسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنّه قال : «ألا كلّكم راع وكلّكم مسئول عن رعيته ، فالأمير على الناس راع وهو مسئول عن رعيته ، والرجل راع على أهل بيته وهو مسئول عنهم ، والمرأة راعية على أهل بيت بعلها وولده وهي مسئولة عنهم ، ألا فكلّكم راع وكلّكم مسئول عن رعيته»(١) .

ونختم هذا البحث بحديث عن أمير المؤمنينعليه‌السلام في تفسير هذه الآية قال فيه :

«علّموا أنفسكم وأهليكم الخير وأدّبوهم»(٢) .

٢ ـ التوبة باب إلى رحمة الله

كثيرا ما تهجم على الإنسان الذنوب واللوابس ـ خاصّة في بدايات توجّهه وسلوكه إلى الله ـ وإذا أغلقت جميع أبواب العودة والرجوع بوجهه ، فإنّه سيبقى في نهجه هذا إلى الأبد ، ولهذا نجد الإسلام قد فتح بابا للعودة وسمّاه «التوبة» ، ودعا جميع المذنبين والمقصّرين إلى دخول هذا الباب لتعويض وجبران الماضي.

يقول الإمام علي بن الحسينعليه‌السلام في مناجاة التائبين : «إلهي أنت الذي فتحت لعبادك بابا إلى عفوك سمّيته التوبة ، فقلت( تُوبُوا إِلَى اللهِ تَوْبَةً نَصُوحاً ) فما عذر من أغفل دخول الباب بعد فتحه!!»(٣) .

وقد شدّدت الروايات على أهميّة التوبة إلى الحدّ الذي نقرأ في الحديث عن الإمام الباقرعليه‌السلام أنّه قال : «إنّ الله تعالى أشدّ فرحا بتوبة عبده من رجل أضلّ راحلته وزاده في ليلة ظلماء فوجدها»(٤) .

__________________

(١) (مجموعة ورام) ، ج ١ ، ص ٦.

(٢) (الدرّ المنثور) ، ج ٦ ، ص ٢٤٤.

(٣) المناجاة الخامسة عشر.

(٤) اصول الكافي ، ج ٢ ، باب التوبة ، الحديث ٨.

٤٥٧

كلّ هذه الروايات العظيمة تحثّ وتؤكّد على هذا الأمر الحياتي المهمّ.

لكن ينبغي التأكيد على أنّ التوبة ليست مجرّد (لقلقة لسان) وتكرار قول (استغفر الله) وإنّما للتوبة شروط وأركان مرّت الإشارة إليها في تفسير التوبة النصوح في الآيات السابقة.

وكلّما تحقّقت التوبة بتلك الشروط والأركان فإنّها ستؤتي ثمارها وتعفي آثار الذنب من قلب وروح الإنسان تماما ، ولذا ورد في الحديث عن الإمام الباقرعليه‌السلام : «التائب من الذنب كمن لا ذنب له ، والمقيم على الذنب وهو مستغفر منه كالمستهزئ»(١) .

وقد وردت بحوث اخرى عن التوبة في ذيل الآية (١٧) من سورة النساء وفي ذيل الآية (٥٣) من سورة الزمر.

* * *

__________________

(١) اصول الكافي ، ج ٢ ، باب التوبة ، الحديث ١٠.

٤٥٨

الآيات

( يا أَيُّهَا النَّبِيُّ جاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنافِقِينَ وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ وَمَأْواهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ (٩) ضَرَبَ اللهُ مَثَلاً لِلَّذِينَ كَفَرُوا امْرَأَتَ نُوحٍ وَامْرَأَتَ لُوطٍ كانَتا تَحْتَ عَبْدَيْنِ مِنْ عِبادِنا صالِحَيْنِ فَخانَتاهُما فَلَمْ يُغْنِيا عَنْهُما مِنَ اللهِ شَيْئاً وَقِيلَ ادْخُلا النَّارَ مَعَ الدَّاخِلِينَ (١٠) وَضَرَبَ اللهُ مَثَلاً لِلَّذِينَ آمَنُوا امْرَأَتَ فِرْعَوْنَ إِذْ قالَتْ رَبِّ ابْنِ لِي عِنْدَكَ بَيْتاً فِي الْجَنَّةِ وَنَجِّنِي مِنْ فِرْعَوْنَ وَعَمَلِهِ وَنَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ (١١) وَمَرْيَمَ ابْنَتَ عِمْرانَ الَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَها فَنَفَخْنا فِيهِ مِنْ رُوحِنا وَصَدَّقَتْ بِكَلِماتِ رَبِّها وَكُتُبِهِ وَكانَتْ مِنَ الْقانِتِينَ (١٢) )

التّفسير

نماذج من النساء المؤمنات والكافرات :

بما أنّ المنافقين يفرحون لإفشاء أسرار الرّسول وإذاعة الأخبار الداخلية عن بيته ، ويرحبون ببروز المشاجرات والاختلافات بين زوجاته ـ التي مضت

٤٥٩

الإشارة إليها في الآيات السابقة ـ بل إنّهم كانوا يساهمون في إشاعة تلك الأخبار وإذاعتها بشكل أوسع ، نظرا لكلّ ذلك فقد خاطب القرآن الكريم الرّسول بأن يشدّد على المنافقين والكافرين ويغلّظ عليهم. حيث يقول :( يا أَيُّهَا النَّبِيُّ جاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنافِقِينَ وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ وَمَأْواهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ ) .

الجهاد ضدّ الكفّار قد يكون مسلّحا أو غير مسلّح ، أمّا الجهاد ضدّ المنافقين فإنّه بدون شكّ جهاد غير مسلّح ، لأنّ التاريخ لم يحدّثنا أبدا عن أنّ الرّسول خاض مرّة معركة مسلّحة ضدّ المنافقين. لهذا ورد في الحديث عن الإمام الصادقعليه‌السلام : «إنّ رسول الله لم يقاتل منافقا قطّ إنّما يتألّفهم»(١) .

وبناء على ذلك فإنّ المراد من الجهاد ضدّ المنافقين إنّما هو توبيخهم وإنذارهم وتحذيرهم ، بل وتهديدهم وفضحهم ، أو تأليف قلوبهم في بعض الأحيان. فللجهاد معنى واسع يشمل جميع ذلك. والتعبير بـ «أغلظ عليهم» إشارة إلى معاملتهم بخشونة وفضحهم وتهديدهم ، وما إلى ذلك.

ويبقى هذا التعامل الخاصّ مع المنافقين ، أي عدم الصدام المسلّح معهم ، ما داموا لم يحملوا السلاح ضدّ الإسلام وذلك بسبب أنّهم مسلمون في الظاهر ، وتربطهم بالمسلمين روابط كثيرة لا يمكن معها محاربتهم كالكفّار ، أمّا إذا حملوا السلاح فيجب أن يقابلوا بالمثل ، لأنّهم سوف يتحوّلون إلى (محاربين).

ولم يحدث مثل ذلك أيّام حياة الرّسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لكنّه حدث في خلافة أمير المؤمنين عليعليه‌السلام حيث خاض ضدّهم معركة مسلّحة.

وذهب بعض المفسّرين إلى أنّ المقصود من «الجهاد ضدّ المنافقين» الذي ورد ذكره في الآية السابقة هو إجراء الحدود الشرعية بحقّهم ، فإنّ أكثر الذين كانوا تجرى عليهم الحدود هم من المنافقين. ولكن لا دليل على ذلك ، كما لا دليل على

__________________

(١) مجمع البيان ، ج ١٠ ، ص ٣٣١.

٤٦٠

461

462

463

464

465

466

467

468

469

470

471

472

473

474

475

476

477

478

479

480

481

482

483

484

485

486

487

488

489

490

491

492

493

494

495

496

497

498

499

500

501

502

503

504

505

506

507

508

509

510

511

512

513

514

515

516

517

518

519

520

521

522

523

524

525

526

527

528

529

530

531

532

533

534

535

536

537

538

539

540

541

542

543

544

545

546

547

548

549

550

551

552

553

554

555

556

557

558

559

560

٣ ـ إنّ كاظم الرشتي هو نائب الأحسائي ، وذلك رآه الكرماني في المنام « الطيف ».

٤ ـ إنّ كاظم الرشتي لو ادّعى النبوّة لصدّقه الكرماني بلا حاجة إلى معجزة!! وأرى أنّ هذا الكلام لا يحتاج إلى تعليق ; لأنّه فاسد وباطل بأوضح البديهيات ، لكن النقطة الأخيرة منه خطيرة جدّاً ، حيث أنّ المعتقد بها يخرج عن الملّة لكونه غير معتقداً بختم النبوّة بمحمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله وحشرنا مع محبّيه ، وهو خلاف البديهي من الدين الإسلامي.

وإذا انتقلنا مع الكرماني في كتابه « إرشاد العوام» ـ باللغة الفارسية ـ نجده يصرّح بكلام خطير جدّاً لا يمكن لأيّ مسلم قبوله ، وخلاصة كلامه المثبت في الجزء الرابع هو : إنّ صاحب الزمان أو المهدي المنتظرعليه‌السلام قد مضى إلى حال سبيله ، وانتفى موضوعه إن بالموت وإن بالغيبة ، ولم يعد صالحاً للاستفادة من الوجه من الوجوه ، وعلينا أن نسعى لمعرفة الإمام الناطق الحيّ الذي يجب أن يكون بيننا لنراه ونحادثه ، ونعرض عليه ما يحدث لنا من مشاكل ونطلب منه تلافيها ، وإيجاد الحلول لها ».

وقال : « فكيف أستطيع مع لساني الكليل ويدي القاصرة ونفسي الضعيفة ، أن أحمل هذا الأمر على رقاب هؤلاء الناس المنكوبين ، الذين عاشوا في جاهلية الغيبة ألفاً وعشر سنين ، ونشؤا على الهدى والخيالات ».

وقال : « إنّ حاكماً ـ يقصد الإمام المهديعليه‌السلام ـ كان قبل ألف سنة لا يصلح اليوم ، ولا يمكن ضبط العالم والسيطرة عليه بحاكم قد ودّع الدنيا» !! فهنا يؤمن بأنّ المهديعليه‌السلام قد ودّع الدنيا!!

وقال : « إنّ وجود الحاكم بين الخلق ضروري لكي يروه ويسمعوا منه ، وإذا كان في الإمكان أن لا يروه فالأجدر بهم أن يكتفوا بالله الذي لا يرونه ، وعليه فقد اختفت ثمرة الحكومة وفائدتها إذا لم يروه ويستمعوه ويشكوا إليه

٥٦١

داؤهم ، ويطلبوا منه العلاج لها ، فما هو الفرق بين الإمام الغائب والله؟ فكلاهما غير مدرك.

وإذا استطاع الخلق اليوم أن يكتفوا بالله فقد استطاعوا الاكتفاء بالإمام الغائب ; لأنّه يتصرّف في الملك وراء الستار وفي ظهر الغيب ، والله كذلك فما الفرق بينهما؟

وإذا كان الحجّة على الخلق تتمّ بالإمام الغائب؟ فما هي الحاجة إلى إرسال الرسل وتعرّضهم للمشّاق؟ فليبقوا وراء الغيب ويتصرّفوا في العالم!! وقد علمت بأنّ الحجّة على الخلق لا تتمّ إلاّ بمشاهدة من يقيم عليهم الحجّة ، وأيّ حجّة تمكن إقامتها ، والإمام غائب في الوقت الذي يولد فيه الناس ويموتون والإمام غائب؟

وإذا كان التاريخ والخبر كافيين كان وجود النبيّ وحده كافياً ، ولم تكن هناك حاجة إلى أوصيائه الذين تحمّلوا في سبيل تأدية رسالته وحفظها ما لا يطاق من المصائب ، ومن هذا يظهر أنّ الأحاديث والكتب السالفة لا تكفي ».

وقال : « وقد اتّضح من هذا الفصل أنّ قوام بقاء هذا العالم ومداره هو الحاكم والمحكوم ، إذ لا يمكن أن يخلو إن ظاهراً وإن باطناً من حاكم إلهي يقوم مقامه تعالى وينوب عنه ، على أن يكون مشهوداً مرئياً ، وكان نابهاً للغاية وذكياً ، والتفت إلى أنّنا نوزّع المطالب في هذا الكتاب ونفرّقها على عدّة أماكن ، ونقول في كُلّ موضع شيئاً لئلا يحرم أهل الحكمة ، ولئلا يلتفت فاقدوا الأهلية ، وينتبهوا إلى جواهر وأسرار الحكمة الإلهية ، ويجدوا طريقاً إليها ، ولا قوّة إلاّ بالله ».

وقال : « وبديهي أنّ الأُستاذ الغائب والأُستاذ الميّت لا يعلم ولا يقبل تلاميذه ، وهم لا يستطيعون أن يحصلوا منه على معرفة شيء ، كما لم تجر عادة الله بأنّ يتعلّم أحد بهذا الشكل ، وإذن فالواجب أن يكون في كُلّ عصر أُستاذ حاضر موجود ».

٥٦٢

وقال : « ولم يكن من طبيعة هذا العالم ولا جرى العادة فيه أن يحصل الإنسان على العلم من الأموات ، وأن يقنع بهم ويكتفي في التعليم ».

وقد صرّح في موطن بعدم ضرورة عصمة الإمام ، بينما يصرّح في مكان بأنّ الركن الرابع معصوم!!

قال مصرّحاً بعدم ضرورة عصمة الإمام : « وإذا لم يكن معصوماً فهو كأحد الناس ، ويجب أن يكون معصوماً في حفظ الدين على الأقلّ ، ولو بمساعدة الغير ، إذا لم يكن معصوماً في كُلّ شيء ».

وقال مصرّحاً بعصمة الركن الرابع : « وإذن فالإمام الغائب لا يجدي الناس نفعاً ، وهم يريدون إماماً حيّاً حاضراً معصوماً ».

وهذا الكلام لا يمكن أن يقرّ به إنسان مسلم شهد الشاهدتين ، وآمن بالله ورسوله وأئمّة أهل البيتعليهم‌السلام ، إذ إنّ هذه المسألة ـ وهي القول بالركن الرابع ، واتباعها يسمّون الركنية وهي مختصّة بشيخية كرمان الموجودين في إيران والعراق في البصرة وكربلاء ـ لم يرد بها دليل ، ولم تقم عليها حجّة ، بل الدليل على خلافها ; لأنّه لا حاكمية لأحد بعد الله ورسوله ، ومن نصّبه الله ورسوله وجعله هادياً ومعتمداً ، ولم ينطق بها لسان الشرع أبداً ، فضلاً عن جعل الركن هو الباب إلى الله ورسوله وأئمّته ، بحيث من لم يعرفه فهو لم يعرف التوحيد ولا النبوّة ولا الإمامة ، فإنّ في ذلك رمي للقائلين بشهادة أن لا إله إلاّ الله ، وأنّ محمّداً رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله بالجهل وعدم الإيمان ; لأنّهم أخلّوا بالتوحيد ، وبالتالي هو إدخال شرط في التوحيد ، وأنّ المسلم لا يصحّ منه توحيده ما لم يقرّ بالركن الرابع ، ويعترف له بالوجيه والبابية وغير ذلك ، ويكون فاقداً للشهادة ما لم يقرّ بذلك!!

وهذا تحميل لشريعة السماء بما لم تجئ به أصلاً ، وإدخال شيء فيها لم يقله الله ورسوله ، وهذا يدخل ضمن المغالاة في الدين ، والانحراف عن المسار الحقيقي الذي رسمته شريعة السماء ، والتي بيّنته في تعاليمها من لزوم الإيمان

٥٦٣

بالله والاعتقاد بوحدانيته ، وأنّه لا إله إلاّ هو وحده لا شريك له ، وأنّه أرسل رسله بالهدى مبشّرين ومنذرين ، وإنّ آخرهم النبيّ محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله مبعوث للبشر كافّة ، يحمل تعاليم السماء المتمثّلة بالقرآن الكريم.

وقد شرح الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله ما خفي منه وما أجمل وبيّنه للناس ، وعلى الناس اتباعه واقتفاء أثره ، وقد نصب لهم إماماً بعده ، وأنّه الذي يرشد الناس على الخير والصلاح ، ويحافظ على شريعة السماء من الانحراف ، ويوضّح ما خفي منهما وما أُجمل ، وعلى المسلم القيام بتعاليم الإسلام من واجبات ومحرّمات ، فمن التزم بذلك بالإيمان بالله ورسوله وعمل ما فرض عليه ، وانتهى عمّا نهي عنه ، عند ذلك يكون إنساناً مسلماً مؤمناً مستحقّاً لدخول الجنّة.

وبقية الأُمور مسائل مصطنعة لا تمتّ بصلة إلى الإسلام أصلاً ، كالإيمان بالركن الرابع ، وكالإيمان بأنّ الأئمّة هم وجه الله ، وأنّهم حملة العرش ، وأنّهم يوجّه إليهم المسلم في صلاته ، وأنّهم يرزقون ويخلقون وإلى غير ذلك من المسائل ، التي لا ارتباط لها بتعاليم الإسلام الحنيف ، وهي مسائل خارجة خروجاً تامّاً عن جوهر الإسلام وحقيقته.

هذا هو الذي ينبغي للإنسان المسلم الالتزام به والاعتقاد به ، وأن يعيش الإسلام حقيقة واقعية تمارس حياته العملية اليومية ، بحيث يراها يجري معه في العبادة الخاصّة ، وفي المصنع والمعمل وفي الشارع وفي الدائرة ، يراه يتعايش مع كافّة جوانب الحياة التي هي كنهر جار لا يقف عند حدّ ، فعليه جعل الإسلام كذلك بحراً عذباً جارياً لا يقف عند حدّ وحدود ، ولا يجعلوه طقوس كهنوتية تتعايش بالرموز أو الألغاز أو المنامات الليلة ، والأحلام الخيالية ، وحصر الإسلام العظيم الذي فيه الخير للبشرية دنياً وآخرة حصره بمفاهيم وألغاز أقرب للشعوذة منها إلى الواقعية ، والتعامل معه كدين يعالج الروح أو يتعامل بعوالم الملكوت واللاهوت ، وما شابه ذلك من كلام لم ينزل به سلطاناً.

٥٦٤

الإسلام دين الفطرة السليمة والوجدان الصافي ، والروح المعتدلة التي تعرف حقّها ، وحقّ الجسد الذي هويّتها التي تعيش فيه ; جاء الإسلام ورسالته لخير الاثنين معاً لا واحداً منها.

وأيضاً جاء بتعاليم كُلّها سمحاء ، كما قال النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله : «بعثت بالشريعة السهلة السمحاء »(١) ، التي تعاليمها واضحة لكُلّ أحد ، لا تتاح إلى عناء وتكلّف ، وتعاليمها فيها مرونة كاملة بحيث تسهّل الأمر على العاجز والضعيف وصاحب الحاجة ، لا تكلّف الإنسان ما هو فوق طاقته( لاَ يُكَلِّفُ اللهُ نَفْسًا إِلاَّ وُسْعَهَا ) (٢) ، ولا يحمل الجريرة والتبعة على غير مرتكبها( كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ رَهِينَةٌ ) (٣) ، ولها حقوق وكيان واحترام ، وعليها حقوق وأُمور يجب أن تؤدّيها حفظاً لكيانها ، وحفظاً للكيان الاجتماعي الذي تعيش فيه ، ليتعايش المسلمون فيما بينهم بودّ واحترام وكينونة ، ذات بناء محكم وشامخ ; فلأجل ذلك جاءت تعاليم تنسجم مع الفطرة ، وتنسجم مع العقل الإنساني هذا الكيان العظيم ، فمن الظلم بعد ذلك تحميل رسالة السماء مسائل وأشياء لم ينزل الله بها سلطاناً ، أو حصرها بيد أُناس هم بشر يخطؤون ويصيبون ، ولا عصمة لهم بقول أو بفعل ، وجعلهم مقياساً يقاس به تعاليم السماء ، بدل عكس الأُمور ومقايسة أفعالهم إلى الشرع المبين.

ومن الأُمور المهمّة التي تفتقدها الشيخية بقسميها مسألة التقليد ؛ حيث إنّهم لا يرجعون في الفروع إلى فقيه يقلّدونه ويأخذون منه أحكام دينهم ، وإنّما يرجعون إلى أُناس ليس لهم أهلية الفتوى.

وفي الواقع أنّ هناك تلاعباً عند زعماء الشيخية يريدون الإقرار به الآن ، وإنّما أقرّ به الكرماني سابقاً حيث شجب مسألة التقليد ، واعتقد بأنّ الإنسان

____________

١ ـ الحبل المتين : ٩٠.

٢ ـ البقرة : ٢٨٦.

٣ ـ المدّثّر : ٣٨.

٥٦٥

يرجع مباشرة إلى روايات أهل البيتعليهم‌السلام من دون حاجة إلى تقليد فقيه أو مجتهد ، وكانت الأدلّة عند الحاج محمّد كريم خان تقتصر على الكتاب والسنّة ويقول : « فالواجب تقليد آل محمّد »(١) .

وكان يقول : « ليس ثمّة حاجة إلى الرسائل العملية ، فإنّ رسائل المشايخ الموجودة لديهم كافية ، وهي عين متون أخبار آل محمّد »(٢) .

وقال : « ينبغي أن يقلّص تجديد الرسائل والفتاوى المختلفة ; لأنّ الدنيا يجب أنّ تسير نحو الوحدة والتكامل وتوحيد الكلمة »(٣) .

____________

١ ـ فصل الخطاب للكرماني : ٣.

٢ ـ فهرست كتب مرحوم شيخ أحمد احسائي ١ / ٢٤.

٣ ـ المصدر السابق ١ / ٥.

٥٦٦

الفرقة الناجية :

( صلاح ـ ـ سنّي )

الشيعة الإمامية هم الفرقة الناجية :

س : الملاحظ أنّكم تبذلون جهوداً جبّارة في إثبات أنّ مذهب الشيعة هو المذهب الحقّ ، لكن لديّ بعض الملاحظات : ما مدى مصداقية ما تنقلونه من نقائص في أهل السنّة ، ومنهم السلفية ، ولماذا لا يكون الدافع هو التعصّب؟

وما رأيكم في من يقول من علمائكم : أنّ الشيعة الإمامية هي الفرقة الناجية ، وأن ماعداها كفّار من أهل النار؟

ج : إنّ مدى مصداقية ما ننقله من النقائص عن أهل السنّة والسلفية ، إذا كان غير معتمدٍ على دليل ، ومن كتب أهل السنّة ، فذلك يعدّ افتراءً وبهتاناً ، أمّا إذا كان كلامنا معتمداً على دليل من نفس كتب أهل السنّة ، فأظنّ ذلك أجدر أن يكون حجّة نحتجّ بها أمام ربّنا تعالى ، ولك الحقّ أن تذكر مورداً واحداً لا يعتمد على دليل ، ومن نفس كتب أهل السنّة ، لكي نقول : نعم هذا دافعه التعصّب.

أمّا دليلنا على أنّ الفرقة الناجية هم الشيعة الإمامية ، فذلك يستند إلى دليلين ، نقلي وعقلي.

٥٦٧

أمّا الدليل العقلي ، فيستند إلى مقدّمتين ، المقدّمة الأُولى : أنّ قول رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : «وستفترق أُمّتي إلى ثلاث وسبعين فرقة كُلّها في النار إلاّ واحدة »(١) .

ومعنى ذلك : أنّ النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله قد أشار إلى حدوث اختلاف من بعده ، تفترق فيه أُمّته إلى ثلاث وسبعين فرقة ، فرقة منها ناجية.

أمّا المقدّمة الثانية : لابدّ من تشخيص الفرقة الناجية ، وتشخيصها هكذا : لمّا كان المسلمون قد افترقوا إلى عدّة مذاهب ، كُلّها تقول بإمامة أبي بكر ، وكونه هو الخليفة من بعد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، واختلفوا فيما بينهم بالجزئيات ، عدا الفرقة الإمامية الاثني عشرية ، فإنّها اختلفت معهم في تقديم عليعليه‌السلام ، ويتلوه أحد عشر إماماً ، يتبيّن لنا اتفاق جميع الفرق على مشتركٍ واحد ، وهو تقديم أبي بكر على عليعليه‌السلام ، في حين أنّ الإمامية الاثني عشرية تختلف مع الجميع في تقديم عليعليه‌السلام ، فقد تبيّن لنا تمييز فرقة واحدة تختلف مع بقية الفرق ، وهو نتيجة قول رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : أنّ هناك فرقة واحدة لابدّ أن تختلف مع الجميع ، وهي الفرقة الناجية ، فثبت أنّ الإمامية الاثني عشرية هي المختلفة مع الجميع ، وبذلك ستكون هي المشار إليها في قولهصلى‌الله‌عليه‌وآله .

أمّا بقية الفرق الشيعية ، فتلك أكثرها منقرضة غير موجودة ، فهي ليست داخلة في مصداق الحديث الشريف ، وما بقي منها ـ كالإسماعيلية والزيدية ـ فهي غير متّفقة مع الاثني عشرية ، أمّا الزيدية فتقول بإمامة أبي بكر ، وأمّا الإسماعيلية فلا تقول بإمامة اثني عشر إمام ، فثبت أنّ المذهب الإمامي هو الذي يختلف عن بقية المذاهب الإسلامية الأُخرى ، وليس له معها أيّ مشترك آخر في الإمامة ، وهي الحقيقة التي تشاهدها الآن ، فإنّ جميع الفرق تقول بمشروعية غيرها ، وجميع الفرق في نفس الوقت تتّفق على عدم مشروعية الإمامية الاثني عشرية.

____________

١ ـ سنن الدارمي ٢ / ٢٤١ ، سنن ابن ماجة ٢ / ١٣٢٢ ، سنن أبي داود ٢ / ٣٩٠ ، الجامع الكبير ٤ / ١٣٥ ، المستدرك ١ / ١٢٨ ، المعجم الكبير ٨ / ٢٧٣.

٥٦٨

فثبت أنّ الفرقة التي أشار إليها النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله والمختلفة مع غيرها مطلقاً ، هي الاثنا عشرية ، فهي الفرقة الناجية إذاً.

أمّا الدليل النقلي : فقد روي عن النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله بألفاظ متعدّدة ، ومضمونها أنّ شيعة علي هم الفائزون ، أي الناجون ، وشيعة علي هم الذين يقولون بإمامته ، وإمامة ولده الأحد عشر إماماً ، وهم الاثنا عشرية.

أضف إلى ذلك حديث الثقلين ، المروي متواتراً في مصادر الفريقين ، الذي يعتبر بمثابة وصية النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله لأُمّته ، وهو قولهصلى‌الله‌عليه‌وآله : « إنّي تارك فيكم الثقلين : كتاب الله وعترتي أهل بيتي ، ما إن تمسّكتم بهما فلن تضلّوا بعدي أبداً» ، والمتمسّك بهذه الوصية بحذافيرها هم الشيعة.

وكذلك الحديث المشهور المروي في مصادر الفريقين عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : « يكون بعدي اثنا عشر أميراً أو خليفة كُلّهم من قريش» ، والفرقة الوحيدة التي تعتقد بإثني عشر خليفة أو أمير هم الشيعة ، الذين عُرفوا بالاثني عشرية ، فثبت أنّ الفرقة الناجية هم الاثنا عشرية ، بالدليلين العقلي والنقلي.

( أحمد ـ باكستان ـ سنّي )

هي التي تمسّكت بأهل البيت :

س : قال الرسول محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله فيما معناه : « تنقسم أُمّتي إلى بضع وسبعين شعبة ، كُلّها في النار إلاّ واحدة » ، وهي التي اتبعت سنّة الرسول محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله ، جعلني الله من متّبعي سنّة نبيّه ، وأسال الله العليّ القدير لكم الهداية والصلاح.

ج : لقد أخبر رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله بأنّ أُمّته سوف تفترق إلى ثلاث وسبعين فرقة ، حيث قال : «وستفترق أُمّتي إلى ثلاث وسبعين فرقة كُلّها في النار إلاّ واحدة ».

٥٦٩

والفرقة الناجية هي الفرقة التي تمسّكت بحبل ولاء آل بيت النبيّ المصطفىصلى‌الله‌عليه‌وآله ، ورجعت إليهمعليهم‌السلام في عقائدها ، وعباداتها ، وأحكامها ، وأخلاقها ، وتلك الفرقة هم الشيعة الاثنا عشرية.

وعلى هذا ، فإنّ المقياس لمعرفة وتشخيص الفرقة الناجية ، هو الرجوع إلى أهل البيتعليهم‌السلام في الولاء ، وفي أُصول الدين وفروعه ، وذلك للأدلّة الكثيرة القرآنية والروائية التي أكّدت وأوجبت الرجوع والولاء إليهمعليهم‌السلام .

( محبّة أهل البيت ـ ـ )

من هي؟

س : هناك حديث للرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله يقول : « تنقسم أُمّتي من بعدي ٧٣ فرقة ، واحدة من هذه الفرق هي الناجية » ، فمن هي الفرقة الناجية وما الدلائل؟!

ج : روى علماء الحديث من الشيعة والسنّة أنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله قال في عدّة مواطن : « إنّي تارك فيكم الثقلين : كتاب الله وعترتي أهل بيتي ، ما إن تمسّكتم بهما فلن تضلّوا بعدي أبداً » ، وهذا الحديث هو المعروف بحديث الثقلين ، بلغ حدّ التواتر ، وهو يعدّ وصية من رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله إلى أُمّته ، فمن عمل بهذه الوصية يكون من الفرقة الناجية ، ومن تركها فليس منها.

وربما قال قائل : بأنّ الحديث روي بلفظ : «كتاب الله وسنّتي ».

فنقول : إنّ الحديث المروي بلفظ «كتاب الله وسنّتي » ضعيف ضعّفه علماء الحديث ، وعلى فرض صحّته ، فما هي سنّة رسول الله؟ ولماذا قال عمر : حسبنا كتاب الله؟

والجمع بين الحديثين أولى من طرح أحدهما ، حيث يكون الجمع في علم الحديث بقبول اللفظين ، وحمل لفظ : « وسنّتي » على كون النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله يوصينا بالتمسّك بالسنّة الحقيقية المتمثّلة بعترتهعليهم‌السلام .

٥٧٠

ونعلمكم بأنّ حديث الثقلين بلفظ : « كتاب الله وعترتي» ، رواه أكثر من ثمانية عشر صحابياً ، منهم : الإمام علي ، والإمام الحسنعليهما‌السلام ، وأبو ذر ، وسلمان ، وجابر ، وكذلك من رواته : فاطمة الزهراءعليها‌السلام ، وأُمّ سلمة ، وأُمّ هاني أُخت الإمام عليعليه‌السلام ، وكذلك رواه المئات من مشاهير الأئمّة في مختلف القرون.

قال المنّاوي : « في هذا الحديث تصريح بأنّهما ـ أي : القرآن والعترة ـ كتوأمين خلّفهما ، وأوصى أُمّته بحسن معاملتهما ، وإيثار حقّهما على أنفسهم ، والاستمساك بهما في الدين »(١) .

( أبو روح الله المنامي ـ البحرين ـ ٢١ سنة ـ طالب حوزة )

لا يمكن إعطاء ضابطة تحدّد الفرق الإسلامية :

س : سؤالي الأوّل يتعلّق بحديث الافتراق : « ستفترق أُمّتي إلى ثلاثة وسبعين فرقة ، كُلّهم في النار سوى واحدة » ، هل هذا الحديث صحيح عندنا نحن الإمامية؟ ومن صحّحه من علمائنا؟

الثاني : ما هي الضابطة والقاعدة لكي نقول : بأنّ هذه المجموعة فرقة إسلامية؟ وفّقكم الله لكُلّ خير وصلاح.

ج : الحديث من المشهورات ، وقد رواه الفريقان مع اختلاف في النصوص.

ولقد اختلفت الآراء في صحّة سند الحديث : والذي يجبر ضعف السند هو تضافر نقله ، واستضافة روايته في كتب الفريقين : الشيعة والسنّة بأسانيد مختلفة ، ربما تجلب الاعتماد وتوجب ثقة الإنسان به.

وقد صرّحت أكثر الروايات على وجود فرقة ناجية من بين تلك الفرق الهالكة ، ولذلك كثرت عبارات العلماء في البحث عن تلك الفرقة الناجية.

____________

١ ـ فيض القدير ٣ / ٢٠.

٥٧١

ولا يمكن إعطاء ضابطة تحدّد الفرق الإسلامية ، وقد اختلفت الآراء في ذلك ، فهل الفرق تتحقّق إذا اختلفت الأُصول فقط؟ أم أنّ الفرق تتحقّق حتّى في الاختلاف في الفروع؟

ثمّ إنّه هل الاختلاف يتحقّق ـ وتنشأ الفرق ـ بالاختلاف في الأُصول والمعارف ، التي ليست مداراً للهداية والضلالة؟ أم أنّ الاختلاف يحصل إذا اختلفت العقائد الإسلامية ، التي يدور عليها فلك الهلاك والنجاة؟ وإذا افترضنا أنّ الأخيرة هي الضابطة ، وربطنا بينها وبين الحديث المتقدّم ، لابدّ أن تكون الفرق المذمومة في الإسلام هي أصحاب الأهواء الضالّة ، الذين خالفوا الفرقة الناجية في مواقع تعدّ من صميم الدين ، كالتوحيد بأقسامه ، والعدل والقضاء والقدر ، والتجسيم والتنزيه ، والجبر والاختيار ، والهداية والضلالة ، ورؤية الله سبحانه ، وإدراك البشر له تعالى ، والإمامة والخلافة ونظائرها.

ولكن إذا رجعنا إلى الفرق الإسلامية الواقعة حالياً نجد : أنّ كثيراً يرجع اختلافهم إلى أُمور عقلية أو كونية ، ممّا لا يرتبط بالدين ، أو ما لا يسأل عنه الإنسان في حياته وبعدها ، ولا يجب الاعتقاد به.

٥٧٢

الفهرس

السبئية وعبد الله بن سبأ : ٧

ابن سبأ بين الأسطورة والواقع :٧

طعن علماء السنّة بابن سبأ :٨

تعليق على الجواب السابق وجوابه :١٠

وجود ابن سبأ محلّ نظر :١٣

السجود على التربة :١٥

أدلّة وضع الجبهة على الأرض :١٧

حكمته :١٩

أمر مستحبّ لا واجب :٢٠

يوجب الاطمئنان من طهارتها :٢١

السجود على الثوب مع العذر :٢٢

سجود الشيعة على التربة الحسينية :٢٢

لا يقاس بالتيمّم :٢٥

سرية أُسامة :٢٧

ثبوت اللعن عقلاً ونقلاً لمن تخلّف عنها :٢٧

عدم خروج علي فيها :٢٩

الكفاءات لا تحسب بالسنّ والوجاهات :٣٠

خروج جميع الصحابة فيها :٣٠

السقيفة :٣٣

كما في الاحتجاج للطبرسي :٣٣

الشطرنج :٣٧

سبب تحريمها :٣٧

٥٧٣

مصادر حرمتها :٣٨

حكم اللعب بها وبالنرد :٣٩

القائلون بحرمتها من أهل السنّة :٤١

الشفاعة :٤٣

لا يستحقّها الظالم لأهل البيت :٤٣

رواياتها في كتب العامّة :٤٤

في الكتاب والسنّة :٤٦

لا تنال شفاعتنا من استخف بصلاته :٤٧

تكون للأنبياء والأئمّة والشهداء و... :٤٨

شفاعة المعصوم تحقق إرادة الله :٤٩

تشمل أهل المعاصي لا النواصب :٥٠

الشهادة الثالثة في الأذان :٥٣

الأدلّة على جوازها :٥٣

أذان الشيعة من مصادر أهل السنّة :٥٥

تعقيب على الجواب السابق :٥٨

الشورى :٥٩

معنى ( وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ ) :٥٩

ليست مشروعة في تعيين الخليفة :٦٠

ليست أساس الحكم والخلافة :٦٢

الشيعة :٦٣

دفع تهم عنهم :٦٣

تعقيب على الجواب السابق :٦٦

تعقيب ثاني على الجواب السابق :٦٩

الأئمّة لم يذمّوا شيعتهم :٧٦

موقفهم من أهل السنّة :٨٠

٥٧٤

كيفية انتشارها في إيران :٨٠

يعتمدون على الكتاب والعترة في إثبات مذهبهم :٨٢

الفرق بينهم وبين السنّة :٨٣

من علامات الشيعي التختم باليمين :٨٤

الفرق بينهم وبين العلويين :٨٥

منها الإخبارية والشيخية والأُصولية :٨٥

لو ميّزت شيعتي ما أجدهم إلاّ واصفة :٨٦

الفرق بينهم وبين الصوفية :٨٧

لا تألّه غير الله تعالى :٨٨

اعتمدوا على القرآن والسنّة والعقل :٨٨

ما كانت في عهد الرسول سنّة ولا شيعة :٨٩

أحاديث في فضلهم من مصادر السنّة :٩٠

نصيحة في جواب رسالة النصح :٩٢

توضيح المذهب الشيعي :١٠٠

بالمعنى الأعم والأخص :١٠١

يدخّنون في المساجد :١٠٢

تكفير ابن باز لهم :١٠٣

تأسيسهم للعلوم المختلفة :١٠٥

يتأثّرون بالقرآن ويخشونه :١٠٩

ليسوا هم قتلة الحسين عليه‌السلام :١١٠

لغة واصطلاحاً وتاريخاً :١١٦

لا توجد فيها المفضّلة :١١٨

لا يتجاوزون على غيرهم مع القدرة :١١٩

الاستبصار عمل يثاب عليه :١٢٠

هم اتباع أهل البيت :١٢١

عقائدهم تثبت بالعقل والنقل :١٢٤

٥٧٥

الصحابة :١٢٧

بين الجرح والتعديل :١٢٧

ليس كُلّهم عدول :١٢٧

تعقيب على الجواب السابق :١٢٩

آية البيعة لا تدل على عدالتهم :١٢٩

تعقيب على الجواب السابق :١٣١

منهم المؤمن ومنهم المنافق :١٣٢

عدم ثبوت عدالتهم في نقل الحديث :١٣٤

أحدثوا بعد الرسول بنص حديث الحوض :١٣٥

الآيات النازلة في حقّهم لا تعمّ الجميع :١٣٨

من التزم منهم بوصية الرسول فهو ممدوح :١٤١

حديث لا تسبّوا أصحابي :١٤٢

تساؤلات؟١٤٢

حديث خير القرون قرني :١٤٤

الرسول لم يصلحهم :١٤٦

تفسير آية ( محمّد رَّسُولُ اللهِ ) ١٤٩

حقيقة الخلاف حولهم بين الشيعة والسنّة :١٥٦

عدم ثبوت توبة طلحة والزبير :١٥٨

لا يصحّ الترضي على جميعهم :١٥٩

نكثوا البيعة :١٦١

نبحث حولهم لضمان سلامة ديننا :١٦٢

كمال بعضهم نسبي لا مطلق :١٦٤

في بيعة الرضوان :١٦٦

الصلاة :١٦٩

كيفية صلاة المعصومين :١٦٩

٥٧٦

كيفية السلام في صلاة الشيعة :١٧٠

التخيير بين الحمد والتسبيحات الأربعة :١٧٢

حكم صلاة الجمعة في عصر الغيبة :١٧٣

ما يقرأ في القنوت والركعتين الأخيرتين :١٧٤

التكبيرات الثلاث بعدها :١٧٤

طهارة المولد شرط في إمامة الجماعة :١٧٥

كيفية المواظبة على صلاة الصبح :١٧٦

أهمّيتها عند المؤمن :١٧٧

حول صلاة الجمعة :١٨١

لا تصحّ خلف الفاجر :١٨٢

كراهة لبس السواد فيها :١٨٤

وجوب صلاة الجمعة تخييري :١٨٤

الأدلّة على رفع اليدين بالتكبير :١٨٦

صلاة التراويح :١٩١

هي من سنّة عمر لا من سنّة الرسول :١٩١

صلاة ابتدعها عمر :١٩٢

أدلّة مشروعيتها عند أهل السنّة :١٩٣

تعقيب على الجواب السابق :١٩٥

نهى عنها الإمام علي عليه‌السلام :٢٠٠

وفرقها مع صلاة جعفر الطيّار :٢٠١

الصلاة عند القبور :٢٠٣

ليست محرّمة :٢٠٣

الأدلّة على جوازها :٢٠٤

لا ينافي قول : اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد :٢٠٦

الصوم :٢٠٩

الإفطار في السفر واجب :٢٠٩

٥٧٧

انغماس الرأس بالماء مبطل له :٢١٣

أكل ما لا يعتاد أكله يفسده :٢١٤

صوم يوم عاشوراء :٢١٥

صومه في مصادر أهل السنّة :٢١٥

صيامه من مبتدعات الأُمويين :٢١٦

تعقيب على الجواب السابق :٢١٨

الطهارة والنجاسة :٢٢٣

الكلب نجس :٢٢٣

الكافر نجس :٢٢٤

النجاسات عشرة :٢٢٥

عائشة بنت أبي بكر :٢٢٧

زواج النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله منها :٢٢٧

عدم تأثير وشايتها على الرسول :٢٣١

معنى الطلاق في وصية الرسول :٢٣٢

منزّهة عن الفحشاء ومتّهمة بالإفك :٢٣٣

خروجها على الإمام علي يوم الجمل :٢٣٥

آيات نزلت فيها :٢٣٦

وفاتها ومدفنها والصلاة عليها :٢٣٧

قولها : ما وجدتَ إلاّ فخذي! :٢٣٧

وما ترويه من خُلق النبيّ :٢٤٠

حكمها في الدنيا الإسلام :٢٤١

خلاصة حرب الجمل :٢٤١

تفسير القمّي في قوله تعالى : ( فَخَانَتَاهُمَا ) ٢٤٣

القمّي والبرسي والمجلسي واتهامهم لها بالفاحشة :٢٤٤

موقفها من دفن الحسن :٢٤٦

٥٧٨

كانت مخطئة ومخالفة لأمر الله ورسوله :٢٥٠

كانت تعلم بمبايعة الناس لعلي عليه‌السلام :٢٥٢

عالم الذرّ :٢٥٧

بحث مفصّل للعلاّمة الطباطبائي حوله :٢٥٧

تأثيره في وجود الإنسان :٢٨٨

آراء المفسّرين حوله :٢٨٩

عثمان بن عفّان :٢٩٣

زواجه من بنات النبيّ :٢٩٣

مخالفته للنصوص والسنن :٢٩٤

رأي الصحابة فيه :٢٩٤

العصمة :٣٠٣

عصمة الأئمّة في كتب أهل السنّة :٣٠٣

حدودها :٣٠٥

رأي الإمامية في عصمة الأنبياء :٣٠٥

عصمة الأئمّة في القرآن :٣٠٩

الأدلّة على عصمة الأنبياء :٣١١

عصمة الأئمّة في التشريع وغيره :٣١٣

تفسير قوله : ( هَمَّتْ بِهِ هَمَّ بِهَا ) ٣١٤

عصمة الأئمّة ليست جبرية :٣١٥

الأدلّة العقلية عليها :٣١٦

لا تشمل الصحابة٣١٨

عصمة الأنبياء في رأي الفريقين :٣١٨

تعليق على الجواب السابق وجوابه :٣١٩

الإمام معصوم منذ الولادة :٣٢١

النبيّ والأئمّة خلّص عباد الله فعصمهم :٣٢١

٥٧٩

تعليق على الجواب السابق وجوابه :٣٢٢

الجبر والاختيار فيها :٣٢٣

آية ابتلاء إبراهيم :٣٢٣

التوفيق بين ترك الأُولى لآدم وتوبته :٣٢٥

مسألة خروج آدم من الجنّة :٣٢٦

الفرق بين اختيار المعصوم بالإمكان الذاتي وحتمية العصمة بالإمكان الوقوعي :٣٢٩

آية التطهير تدلّ على عصمة أهل البيت :٣٣٠

غير واجبة في حقّ العلماء :٣٣١

صلح الحسن وقتال الحسين لا ينفي عصمتهما :٣٣٣

ردّ توهّمات أهل السنّة في عصمة النبيّ :٣٣٥

النبيّ لم يكن مخاطباً في قوله : ( وَلاَ تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ ) :٣٣٩

معالجة الآيات الواردة خلافها :٣٤٠

نسيان موسى ليس حقيقياً :٣٤٧

الفرق بين الأمر المولوي والإرشادي :٣٤٨

تأويل ما يوحي نسيان المعصوم :٣٥٠

تحصل بسبب علم المعصوم الحضوري :٣٥٢

تأويل نسيان موسى :٣٥٤

طلب المعصوم تخفيف سكرات الموت لا يدلّ على ارتكابه للمعصية :٣٥٦

عصمة الملائكة واجبة :٣٥٧

علم المعصوم :٣٥٩

علمه بالطعام المسموم :٣٥٩

يشمل الموضوعات الخارجية :٣٦٣

علمه بيوم موته :٣٦٣

وظيفة المعصوم العمل بالظاهر :٣٦٥

وظيفة المعصوم ترتيب الأثر على الظاهر :٣٦٥

٥٨٠

581

582

583

584

585

586

587

588

589

590

591

592

593

594

595

596

597

598

599

600

601

602

603

604

605

606

607

608

609

610

611

612

613

614

615

616

617

618

619

620

621

622

623

624