الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل الجزء ١٩

الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل11%

الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل مؤلف:
تصنيف: تفسير القرآن
الصفحات: 511

الجزء ١ الجزء ٢ الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥ الجزء ٦ الجزء ٧ الجزء ٨ الجزء ٩ الجزء ١٠ الجزء ١١ الجزء ١٢ الجزء ١٣ الجزء ١٤ الجزء ١٥ الجزء ١٦ الجزء ١٧ الجزء ١٨ الجزء ١٩ الجزء ٢٠
  • البداية
  • السابق
  • 511 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 140880 / تحميل: 5796
الحجم الحجم الحجم
الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل

الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل الجزء ١٩

مؤلف:
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

قالت:فمَن قاتل الأقوام إذ نكثوا ؟

فقلت:تفسيره في وقعة الجملِ

قالت:فمَن حاربَ الأرجاس إذ قسطوا ؟

فقلت:صفِّين تُبدي صفحة العملِ

قالت:فمَن قارعَ الأنجاس إذ مَرقوا ؟

فقلت:معناه يوم النَّهروان جَلي

قالت:فمَن صاحب الحوض الشريف غداً؟

فقلت:مَن بيته في أشرف الحللِ

قالت:فمَن ذا لواء الحمد يحمله ؟

فقلت:مَن لم يكن في الرَّوع بالوجلِ

قالت:اُكلُّ الذي قد قلتَ في رجلٍ ؟

فقلت:كلُّ الذي قد قلتُ في رجلِ

قالت:فمَن هو هذا الفرد سِمهُ لنا ؟

فقلت:ذاك أمير المؤمنين علي

وله من قصيدة:

يا كفو بنت محمَّد لولاك ما

زُفَّت إلى بشر مدى الأحقابِ

يا أصل عترة أحمد لولاك لم

يك أحمد المبعوث ذا أعقابِ

كان النبيُّ مدينة العلم التي

حوت الكمال و كنتَ أفضل بابِ

رُدَّت عليك الشمس وهي فضيلةُ

بهرت فلم تُستر بلفِّ نقابِ

لم أحك إلّا ما روته نواصبٌ

عادتك فهي مباحة الأسلابِ

عوملت يا تلو النبيِّ وصنوه

بأوابد جاءت بكلّ عجابِ

قد لقَّبوك أبا ترابٍ بعد ما

باعوا شريعتهم بكفِّ تُرابِ

لم تعلموا أنَّ الوصيَّ هو الذي

آتي الزكاة وكان في المحرابِ

لم تعلموا أنَّ الوصيَّ هو الذي

حَكَم الغدير له على الأصحابِ

وله قوله:

وقالوا:عليُّ علا. قلت:لا

فإنَّ العُلا بعليٍّ عُلا

ولكن أقول كقول النبيِّ

وقد جمع الخلق كلّ الملا

: ألا إنَّ مَن كنت مولى له

يُوالي علياً و إلّا فلا

وله من قصيدة قوله:

وكم دعوةٍ للمصطفى فيه حُقِّقت

وآمال من عادى الوصيِّ خوائبُ

فمَن رَمَدٍ آذاه جَلّاه داعياً

لساعته والريح في الحرب عاصبُ

من سطوةٍ للحرِّ والبرد رفِّعت

بدعوته عنه وفيها عجائبُ

٤١

وفي أيِّ يوم لم يكن شمس يومه

إذا قيل هذا يوم تُقضى المآرب ؟

أفي خطبة الزَّهراء لمّا استخصَّه

كفاءاً لها والكلُّ من قبل طالبُ ؟

أفي الطير لمّا قد دعا فأجابه

وقد ردَّه عنه غبيُّ مواربُ ؟

أفي رفعه يوم التباهل قدره ؟

وذلك مجدٌ ما علمت مواظبُ

أفي يوم خمٍّ إذ أشاد بذكره ؟

وقد سمع الايصاء جاء وذاهبُ

أيعسوب دين الله صنو نبيَّه

ومن حبّه فرضٌ من الله واجبُ

مكانك من فوق الفراقد لائحٌ

ومجدك من أعلى السّماك مراقبُ

وسيفك في جيد الأعادي قلائدُ

قلائد لم يعكف عليهنَّ ثاقبُ

( ألشاعر )

ألصاحب كافي الكفاة أبو القاسم إسماعيل بن أبي الحسن عبّاد بن العبّاس بن عبّاد بن أحمد بن إدريس الطالقاني.

قد يرتج القول على صاحبه بالرغم من بلوغه الغاية القصوى من القدرة في تحليل شخصيّات كبيرة أتتهم الفضايل من شتى النواحي، واكتنفتهم المزايا الفاضلة من جهات متفرِّقة، ومن هاتيك النفسيّات الكبيرة التي أعيت البليغ حدودها نفسيَّة - الصاحب - فهي تستدعي الإفاضة في تحليلها من ناحية العلم طوراً، ومن ناحية الأدب تارةً، كما تسترسل القول من وجهة السياسة مرَّة، ومن وجهة العظمة اُخرى، إلى جودٍ هامرٍ، وفضلٍ وافرٍ، وشرفٍ صميم، ومذهبٍ قويم، وفضايل لا تحُصى ومهما هتف المعاجم بشيء من ذلك فإنَّه بعض الحقيقة، ولعلِّ في شهرته بهاتيك المآثر جمعاء غنىً عن الإطناب في وصفه، وإنَّك لا تجد شيئاً من كتب التراجم إلّا وفيه لمعُ من محامده، ومن أشهرها ( يتيمة الدهر ) للثعالبي وهو أبسط مَن كتب فيه من القدماء وقد استوعب فيه ٩١ صحيفة، وإنَّما ألفَّها له ولشعرائه، وأفرد غير واحد من رجال التأليف كتاباً في ترجمته منهم:

١ - مهذّب الدين محمَّد بن علي الحلّي المزبدي المعروف بأبي طالب الخيمي له كتاب [ الديوان المعمور في مدح الصاحب المذكور ].

٤٢

٢ - ألشيخ محمَّد علي بن الشيخ أبي طالب الزاهدي الجيلاني المولود ١١٠٣ و المتوفّى ١١٨١.

٣ - ألسيِّد أبو القاسم أحمد بن محمَّد الحسني الحسيني الإصبهاني، له كتاب [ رسالة الارشاد في أحوال الصاحب بن عباد ] ألفَّها سنة ١٢٥٩.

٤ - ألاُستاذ خليل مردم بك له كتاب في المترجَم طبع في مطبعة الترقّي ٢٥٢ صحيفة بدمشق وهو الجزء الرابع من أئَّمة الأدب الأربعة في أربعة أجزاء.

وبعد هذه الشهرة الطائلة فليس علينا إلّا سرد ترجمة بسيطة هي جُماع ما في هذه الكتب.

وُلد الصاحب في إحدى كور فارس باصطخر أو بطالقان في ١٦ ذي القعدة سنة ٣٢٦، وأخذ العلم والأدب عن والده وأبي الفضل إبن العميد. وأبي الحسين أحمد بن فارس اللغوي، وأبي الفضل العبّاس بن محمّد النحوي الملقَّب بعرام، وأبي سعيد السيرافي وأبي بكر بن مقسم، والقاضي أبي بكر أحمد بن كامل بن شجرة، و عبد الله بن جعفر بن فارس ويروي عن الأخيرين.

قال السمعاني:إنَّه سمع الأحاديث من الإصبهانيِّين والبغداديِّين والرازيِّين وحدَّث، وكان يحثُّ على طلب الحديث وكتابته، وروى عن إبن مردويه انَّه سمع الصاحب يقول:من لم يكتب الحديث لم يجد حلاوة الإسلام.

وكان يُملي الحديث على خلقٍ كثير فكان المستملي الواحد ينضاف إليه الستَّة كلُّ يبلّغ صاحبه، فكتب عنه الناس الكثير الطيِّب منهم:القاضي عبد الجبّار. والشيخ عبد القاهر الجرجاني. وأبو بكر بن المقري. والقاضي أبو الطيِّب الطبري. وأبو بكر بن عليِّ الذكواني. وأبو الفضل محمَّد بن محمَّد بن إبراهيم النسوي الشافعي.

ثمَّ شاع نبوغه في العلوم وتضلّعه في فنون الأدب، واعترف به الشاهد والغائب حتّى عدَّه شيخنا بهاء الملّة والدين في رسالة غسل الرجلين ومسحهما من علماء الشيعة في عداد ثقة الإسلام الكليني. والصَّدوق. والشيخ المفيد. والشيخ الطوسي والشيخ الشهيد ونظرائهم. ووصفه العلّامة المجلسي الأوَّل في حواشي نقد الرجال بكونه من أفقه فقهاء أصحإبنا المتقدِّمين والمتأخِّرين، وعدَّه في مقام آخر:من

٤٣

رؤساء المحدِّثين والمتكلّمين. وأطراه شيخنا الحرُّ العاملي في ( أمل الآمل ) بأنَّه محقِّقُ متكلّمٌ عظيم الشأن جليل القدر في العلم.

كما أنَّ الثعالبي في ( فقه اللغة ) جعله أحد أئمَّتها الذين اعتمد عليهم في كتابه أمثال الليث. والخليل. وسيبويه. وخلف الأحمر. وثعلب الأحمثي. وابن الكلبي. وإبن دريد. وعدَّه الأنباري ايضاً من علماء اللغة فأفرد له ترجمته في كتابه:طبقات الاُدباء النّحاة، وكذلك السيوطي في ( بغية الوعاة ) في طبقات اللغويِّين والنّحاة، ورآه العلّامة المجلسي في مقدِّمة البحار علُماً في اللغة والعروض والعربّيَّة من الإماميّة.

م - وقال إبن الجوزي في ( المنتظم ) ٧ ص ١٨٠:كان يخالط العلماء والأدباء ويقول لهم:نحن بالنهار سلطان وبالليل إخوان، وسمع الحديث وأملى، وروى أبو الحسن علي بن محمّد الطبري المعروف بكيا قال:سمعت أبا الفضل زيد بن صالح الحنفي يقول:لما عزم الصاحب إسماعيل بن عباد على الإملاء وكان حينئذ في الوزارة خرج يوماً متطلساً متحنّكاً بزيِّ أهل العلم فقال:قد علمتمِ قدمي في العلم فأقروا له بذلك.

فقال:وأنا متلبِّسٌ بهذا الأمر وجميع ما أنفقته من صغري إلى وقتي هذا من مال أبي وجدّي، ومع هذا فلا أخلو من تبعات، اُشهد الله و اُشهدكم أنِّي تائبٌ إلى الله من كلِّ ذنب أذنبته.

واتَّخذ لنفسه بيتاً وسمّاه بيت التوبة، ولبث اُسبوعاً على ذلك، ثمَّ أخذ خطوط الفقهاء بصحَّة توبته، ثمَّ خرج فقعد للإملاء وحضر الخلق الكثير وكان المستملي الواحد ينضاف إليه ستَّة كلٌّ يبلِّغ صاحبه، فكتب الناس حتّى القاضي عبد الجبّار، وكان الصاحب ينفذ كلَّ سنة إلى بغداد خمسة آلاف دينار تفرق في الفقهاء وأهل الأدب وكان لا تأخذه في الله لومة لائم ].

وإخباتاً إلى علمه وأدبه ألّف له غير واحد من الأعلام الأفذاذ تآليف قيِّمة منهم.

١ - شيخنا الصّدوق أبو جعفر القمي ألَّف له كتابه [ عيون أخبار الرِّضا ].

م ٢ - ألحسين بن عليّ بن الحسين بن موسى بن بابويه القمي كتابه [ نفي التشبيه ] كذا في لسان الميزان ٢ ص ٣٠٦ نقلاً عن فهرست النجاشي، ويظهر من النجاشي ص ٥ انَّه غيره ولم يسمِّه.

٣ - ألشيخ الحسن بن محمَّد القمي ألّف له كتابه [ تاريخ قم ]

٤٤

٤ - أبو الحسن أحمد بن فارس الرازي اللغوي كتابه [ الصاحبيّ ].

٥ - ألقاضي علّي بن عبد العزيز الجرجاني كتابه [ ألتهذيب ].

م ٦ - أبو جعفر أحمد بن أبي سليمان داود الصّواف المالكي، ألَّف للصاحب كتابه [ الحجر ] ووجَّهه إليه فقال الصاحب:رُدّوا الحجر من حيث جاء. ثمَّ قبله ووصله عليه، ذكره إبن فرحون في ( الديباج المذهَّب ) ص ٣٦ ] وللصاحب آثارٌ خالدةُ في العلم والأدب منها:

١ - كتاب أسماء الله وصفاته.

٢ - كتاب نهج السبيل في الاُصول.

٣ - كتاب ألإمامة في تفضيل أمير المؤمنين.

٤ - كتاب ألوقف والأبتداء.

٥ - كتاب ألمحيط في اللغة في عشر مجلّدات(١)

٦ - كتاب ألزيديَّة.

٧ - كتاب ألمعارف في التاريخ.

٨ - كتاب ألوزراء.

٩ - كتاب ألقضاء والقدر.

١٠ - كتاب ألروزنامجه. ينقل عنه الثعالبي في ( يتيمة الدهر ).

١١ - كتاب أخبار أبي العيناء.

١٢ - كتاب تاريخ الملك واختلاف الدُّول.

١٣ - كتاب الزيديِّين.

١٤ - كتاب جوهرة الجمهرة لإبن درُيد.

١٥ - كتاب الإقناع في العروض.

١٦ - كتاب نقض العروض.

١٧ - كتاب ديوان رسائله في عشر مجلّدات.

١٨ - كتاب ألكافي في الرَّسائل وفنون الكتابة.

____________________

١ - كذا في معجم الأدباء، وفي كشف الظنون:في سبع مجلدات.

٤٥

١٩ - كتاب ألأعياد وفضايل النيروز.

٢٠ - كتاب ديوان شعره.

٢١ - كتاب ألشواهد.

٢٢ - كتاب ألتذكرة.

٢٣ - كتاب ألتعليل.

٢٤ - كتاب الأنوار.

٢٥ - كتاب ألفصول المهذِّبة للعقول.

٢٦ - كتاب رسالة الأبانة عن مذهب أهل العدل.

٢٧ - كتاب في الطبّ.

٢٨ - كتاب في الطبِّ أيضاً.

٢٩ - كتاب الكشف عن مساوي شعر المتنبّي طبعت بمصر في ٢٦ صحيفة قال الثعالبي في ( اليتيمة ):ولَمّا عمل الصاحب هذه الرِّسالة عمل القاضي أبو الحسن عليّ بن عبد العزيز الجرجاني كتابه ( الوساطة ) بين المتنبّي وخصومه في شعره، وقال فيه بعض اُدباء نيسابور:

أيا قاضياً قد دنت كتبه

وإن أصبحت داره شاحطه

كتاب ( الوساطة ) في حسنه

لعقد معاليك كالواسطه

٣٠ - رسالةٌ في فضل سيِّدنا عبد العظيم الحسني المدفون بالري.

٣١ - كتاب السفينة نسبها إليه الثعالبي في تتمَّة اليتيمة.

م ٣٢ - كتابٌ مفرد في ترجمة الشافعي محمَّد بن ادريس إمام الشافعيَّة كما في ( الكواكب الدريَّة ) ص ٢٦٣ ].

م - وشافهني الاستاذ حسين محفوظ الكاظمي بانَّه رأى من تآليف الصاحب ما يلي:

١ - الفصول الأدبيَّة والمراسلات العباديَّة، مرتَّبة على خمسة عشر باباً في كلِّ باب خمسة عشر فصلاً، والنسخة مؤرِّخةٌ بسنة ٦٢٨.

٢ - رسالة في الهداية والضَّلالة، مخطوطةٌ بالخطّ الكوفي، نسخت من نسخة المؤِّلف وعليها خّطه.

٤٦

٣ - الأمثال السائرة من شعر أبي الطيِّب المتنبيّ، وهي ٣٧٢ بيتاً، والنسخة بخّط الباخرزي مؤرّخة بسنة ٤٣٤ ].

والقارئ جِدُّ عليم بأنَّ مؤلِّف هذه الكتب المتنوِّعة أحد أفذاذ العلم الذين لم يعدهم أيُّ مقام منيع من الفنون، فهو فيلسوفٌ متكلّمٌ فقيهٌ محدِّثٌ مؤرِّخٌ لغويُّ نحويٌ أديبٌ كاتبٌ شاعرٌ، فما ظنّك بمثله من نابغة جمع الشوارد، وألَّف بين متفرِّقات العلوم، وهل تجده إلّا في الذروة والسنام من الفضل الظاهر، فحقِّ له هذا الصيت الطاير. والذكر السائر مع الفلك الدائر.

كانت للصاحب مكتبةٌ عامرةٌ وقد نوَّه بها لمّا أرسل إليه صاحب خراسان الملك نوح بن منصور الساماني في السير يستدعيه إلى حضرته، ويرغِّبه في خدمته وبذل البذول السنيَّة، فكان من جملة أعذاره قوله:ثمَّ كيف لي بحمل أموالي مع كثرةً أثقالي ؟ وعندي من كتب العلم خاصَّة ما يُحمل على أربعمائة حمل أو أكثر.

في ( معجم الاُدباء ) قال أبو الحسن البيهقي:وأنا أقول:بيت الكتب الذي بالري دليلٌ على ذلك بعد ما أحرقه السلطان محمود بن سبكتكين فإنِّي طالعت هذا البيت فوجدت فهرست تلك الكتب عشر مجلّدات، فإنَّ السلطان محمودَ لمّا ورد إلى الري قيل له:إنَّ هذه الكتب كتب الروافض وأهل البدع فاستخرج منها كلَّ ما كان في علم الكلام وأمر بحرقه.

يظهر من كلام البيهقي هذا أنَّ عمدة الكتب التي اُحرقت هي خزانة كتب الصاحب، وهكذا كانت تعبث يد الجور بآثار الشيعة وكتبهم ومآثرهم.

وكان خازن تلك المكتبة ومتولّيها أبو بكر محمَّد بن إبراهيم بن عليّ المقري المتوفّى ٣٨١(١) وأبو محمّد عبد الله الخازن بن الحسن الأصبهاني.

وزارته صِلاته مادحوه

قال أبو بكر الخوارزمي:ألصاحب نشأ من الوزارة في حجرها، ودبِّ ودرج من وكرها، ورضع أفاويق درّها، وورثها عن آبائه كما قال أبو سعيد الرستمي في حقِّه:

ورث الوزارة كابراً عن كابر

موصولة الأسناد بالأسنادِ

____________________

١ - توجد ترجمته في الوافي بالوفيات للصفدي ١ ص ٣٤١.

٤٧

يروي عن العبّاس عبّاد وزا

ـرته وإسماعيل عن عبّاد

وهو أوَّل من لُقِّب بالصاحب من الوزراء لأنَّه كان يصحب أبا الفضل بن العميد فقيل له:صاحب إبن العميد، ثمَّ اُطلق عليه هذا اللقب لمّا تولى الوزارة وبقي عَلَما عليه، وذكر الصّابي في كتاب التّاجي:انَّه إنَّما قيل له الصاحب لأنَّه صحب مؤيّد الدولة إبن بويه منذ الصبى وسمّاه الصاحب فأستمرِّ عليه هذا اللقب واشتهر به ثمَّ سُمّي به كلُّ من ولي الوزارة بعده.

إستكتبه مؤيِّد الدولة من ٣٤٧ تقريباً إلى سنة ٣٦٦ وسافر معه إلى بغداد سنة ٣٤٧ حتّى استوزره من سنة ٣٦٦، إلى وفاة مؤيّد الدولة سنة ٣٧٣ ثمَّ استوزره أخوه فخر الدولة، وسافر معه إلى الري عاصمة مملكته، ولم يؤل الصاحب جُهداً في خدمة أميره وتوسيع مملكته قال الحموي:فتح الصاحب خمسين قلعة سلّمها إلى فخر الدولة لم يجتمع عشرٌ منها لأبيه ولا لأخيه.

وله أيّام وزارته عطائه الجزل، وسيب يده المتدفِّق، وبرُّء المتواصل إلى العلماء والشعراء، قال الثعالبي:حدَّثني عون بن الحسين قال:كنت يوماً في خزانة الخلع للصاحب فرأيت في ثبت حسابات كاتبها - وكان صديقي - مبلغ عمائم الخزّ التي صارت تلك الشتوة للعلويِّين والفقهاء والشعراء خاصَّة غير الخدم والحاشية ثمانمائة وعشرين، وكان ينفذ الى بغداد في السنة خمسة آلاف دينار تفرَّق على الفقهاء والاُدباء، وكانت صِلاته وصدقاته وقرباته في شهر رمضان تبلغ مبلغ ما يطلق منها في جميع شهور السنة، فكان لا يدخل عليه في شهر رمضان أحدٌ كائناً من كان فيخرج من داره إلّا بعد الإفطار عنده، وكانت داره لا تخلو في كلِّ ليلة من لياليه من ألف نفس مفطرة فيها [ يتيمة الدهر ٣ ص ١٧٤ ].

كان عهده أخصب عهد للعلم والأدب بتقريبه رجالات الفضيلة وتشويقه إيّاهم وتنشيطهم لنشر بضائعهم الثمينة حتّى نفق سوقها، ورايج أمرها، وكثرت طلّابها، و نبغت روّادها، فكانت قلائد الدرر منها تُقابل بالبدر والصرر فمدحه على فضله المتوِّفر.

وجوده المديد الوافر خمسمائة شاعر، تجد مدايحهم مبثوثةً في الدواوين والمعاجم،

____________________

(١) توجد ترجمه في الوافى بالوفيات للصفدى ١ ص ٣٤٢.

_٣_

٤٨

قال الحموي، حدَّث إبن بابك قال:سمعت الصاحب يقول:مُدحت والعلم عند الله بمائة ألف قصيدة شعراً عربيَّة وفارسيَّة. وقد خلّدت تلك القصائد له على صفحة الدهر ذكراً لا يبلى، وعظمةً لا يخلقها مرُّ الجديدين ومن أولئك الشعراء:

١ - أبو القاسم الزعفراني عمر بن إبراهيم العراقي له قصائد في الصاحب منها نونيَّة مطلعها:

سواك يعدُّ الغنى واقتنى

ويأمره الحرص أن يخزنا

وأنت إبن عبّادٍ نِ المرتجى

تعدُّ نوالك نيل المنى

٢ - أبو القاسم عبد الصمد بن بابك يمدح الصاحب بقصيدة أوَّلها:

خلعت قلايدها عن الجوزاءِ

عذراء رقَّصها لعاب الماءِ

٣ - أبو القاسم عبد العزيز بن يوسف الوزير من آل بويه له قصيدة منها:

أقول وقلبي في ذراك مخيَّمٌ

وجسمي جنيبٌ للصبا والجنائب

يُجاذب نحو الصاحب الشوق مقودي

وقد جاذبتني عنه أيدي الشواذبِ

٤ - ألوزير أبو العبّاس الضبّي المتوفّى ٣٩٨ [ أحد شعراء الغدير الآتي شعره وترجمته ] له قصايد في مدح المترجَم.

٥ - ألكاتب أبو القاسم علي بن القاسم القاشاني كتب إلى الصاحب بقصيدةٍ أوّلها:

إذا الغيوم أرجفنَّ باسقها

وحفِّ أرجاءها بوارقها

٦ - أبو الحسن محمَّد بن عبد الله السلامي العراقي المتوفّى سنة ٣٩٤ له في الصاحب قصيدة أوّلها:

رقى العذَّال أم خدع الرقيبِ

سقت ورد الخدود من القلوبِ

وله فيه اُرجوزةٌ منها:

فما تحلُّ الوزراء ما عقدْ

بجهدهم ما قاله وما اجتهدْ

شتّان ما بين الأسود والنقدْ

هل يستوي البحر الخضَّم والثمدْ

أمنيَّتي من كلِّ خير مُستعدْ

أن يسلم الصاحب لي طول الأبدْ

٧ - ألقاضي أبو الحسن عليّ بن العزيز الجرجاني المتوفّى سنة ٣٩٢ له من قصيدة في الصاحب قوله:

٤٩

أوَ ما أنثنيت عن الوداع بلوعة

ملأت حشاك صبابةً وغليلا؟!

ومدامع تجري فيحسب انَّ في

آما قهنَّ بنان إسماعيلا؟!

يا أيّها القرم الذي بعلوِّه

نال العلاء من الزَّمان السولا

قسمت يداك على الورى أرزاقها

فكنوك قاسم رزقها المسئولا

وله فيه قصايد كثيرة اُخرى.

٨ - أبو الحسن عليّ بن أحمد الجوهري الجرجاني [ أحد شعراء الغدير يأتي شعره وترجمته ] له قصايد كثيرة في الصاحب همزيَّة. رائيَّة. فائية. بائيَّة و غيرها.

٩ - أبو الفياض سعد بن أحمد الطبري، له في الصاحب قصايد منها ميميَّة أوَّلها:

ألدمع يُعرب ما لا يُعرب الكلمُ

والدمع عدلٌ وبعض القول متَّهمُ

١٠ - أبو هاشم محمَّد بن داود بن أحمد بن داود بن أبي تراب علي بن عيسى بن محمَّد البطحائي بن القاسم بن الحسن بن زيد بن الحسن بن عليّ بن أبي طالبعليه‌السلام . المعروف بالعلوي الطبري له شعرٌ كثير في الصاحب وللصاحب فيه كذلك.

١١ - أبو بكر محمَّد بن العبّاس الخوارزمي له قصايد في الصاحب ومن قصيدة يمدحه:

ومَن نصر التوحيد والعدل فعله

وأيقظ نوّام المعالي شمائله

و من ترك الأخيار ينشد أهله

أحل أيّها الربّع الذي خفَّ آهله

١٢ - أبو سعد نصر بن يعقوب له قصيدة في الصاحب مطلعها:

أبي لي أن اُبالي بالليالي

وأخشى صرفها فيمن يُبالي

١٣ - ألسيَّد أبو الحسين عليّ بن الحسين بن عليّ بن الحسين بن القاسم بن محمَّد بن القاسم بن الحسن بن عليّ بن أبي طالبعليه‌السلام صهر الصاحب له قصيدة تربو على الستِّين بيتاً يمدح بها الصاحب خالية من حرف الواو، ذكر الثعالبي في يتيمة الدهر منها ٢٠ بيتاً، ومؤلِّف ( الدرجات الرفيعة ) ١٤ بيتاً أوَّلها.

برقٌ ذكرت به الحبائبْ

لَمّا بدى فالدَّمع ساكبْ

١٤ - أبو عبد الله الحسين بن أحمد الشهير بإبن الحجّاج البغدادي المتوفّى ٣٩١ [ أحد شعراء الغدير يأتي شعره وترجمته ] له فائيَّة يمدح بها الصاحب أوِّلها:

٥٠

أيّها السائل عنّي

أنا في حالٍ طريفه

و اُخرى مطلعها:

ساق على حسن وجهها تَلفي

وسرّها ما رأته العين من دَنفي

وله نونيَّة في مدحه أوَّلها:

يا عذولي أما أنا

فسبيلي إلى العنا

وحديثي من حقِّه

في الزمان أن يُدوَّنا

١٥ - أبو الحسن عليّ بن هارون بن المنجِّم له قصيدةُ في الصاحب يصف بها داره بقوله:

و أبوابها أثوابها من نقوشها

فلا ظلم إلا حين تُرخى ستورها

١٦ - ألشيخ أبو الحسن بن أبي الحسن صاحب البريد ابن عمة الصاحب له قصيدةُ يصف بها داراً بناها المترجم بإصبهان وانتقل إليها:

دارٌ على العزِّ والتأييد مبناها

وللمكارم والعلياء مغناها

١٧ - أبو الطيِّب الكاتب له في وصف دار الصاحب بإصبهان قصيدةٌ مطلعها:

و دار ترى الدنيا عليها مدارها

تحوز السماء أرضها وديارها

١٨ - أبو محمَّد إبن المنجِّم له رائيِّةٌ يصف بها دار الصاحب مستهلّها:

هجرت ولم أنو الصدود ولا الهجرا

ولا أضمرت نفسي الصروف ولا الغدرا

١٩ - أبو عيسى إبن المنجِّم يمدح الصاحب بقصيدة يصف داره ويقول:

هي الدار قد عمَّ الأقاليم نورها

ولو قدرت بغداد كانت تزورها

٢٠ - أبو القاسم عبيد الله بن محمَّد بن المعلّى يصف دار الصاحب بقصيدة أوَّلها:

بي من هواها وإن أظهرت لي جلدا

وجدٌ يُذيب وشوقٌ يصدع الكبدا

٢١ - أبو العلاء الأسدي يمدحه بقصيدة ويصف داره مطلعها:

و أسعد بدارك انَّها الخلدُ

والعيش فيها ناعمٌ رغدُ

٢٢ - أبو الحسن الغويري له قصايد في الصاحب منها قصيدةٌ يصف بها داره بإصبهان أوَّلها:

دارٌ غدت للفضل داره

أفلاك أسعده مداره

٥١

٢٣ - أبو سعيد الرستمي محمَّد بن محمَّد بن الحسن الأصبهاني مدح الصاحب بقصائد منها بائيَّة مستهلّها:

عقَّني بالعقيق ذاك الحبيب

فالحشى حشوه الجوى والنحيب

وله من قصيدة لاميَّة يمدح بها الصاحب قوله:

أفي الحقِّ أن يُعطى ثلاثون شاعراً

ويحرم ما دون الرضى شاعرٌ مثلي؟!

كما اُلحقت واو بعمر وزيادةً

وضويق باسم الله في ألف الوصلِ

٢٤ - أبو محمَّد عبد الله بن أحمد الخازن الإصبهاني له قصايد يمدح بها الصاحب أجودها قصيدةٌ مطلعها:

هذا فؤادك نهبى بين أهواءِ

وذاك رأيك شورى بين آراءِ

٢٥ - أبو الحسن عليّ بن محمَّد البديهي وهو الذي قال فيه صاحبنا المترجَم:

تقول البيت في خمسين عاماً

فلمْ لقَّبت نفسك بالبديهي

له قصايد يمدح بها الصاحب منها لاميَّة أوَّلها:

قد أطعت الغرام فاعص العذولا

ما عسى عائب الهوى أن يقولا

٢٦ - أبو إبراهيم إسمعيل بن أحمد الشاشي العامريُّ، له قصايد صاحبيَّة منها بائيَّةٌ أوَّلها:

سرينا إلى العليا فقيل كواكبُ

وثرنا إلى الجلّي فقيل قواضبُ

٢٧ - أبو طاهر بن أبي الربيع عمرو بن ثابت له صاحبيّات منها جيميَّة أوَّلها:

أما لصحابي بالعذيب معرَّجُ

على دمنٍ أكنافها تتأرَّجُ

٢٨ - أبو الفرج الحسين بن محمَّد بن هند وله صاحبيّات منها قصيدةٌ أوَّلها:

لها من ضلوعي أن يشبّ وقودها

ومن عبراتي أن تفضَّ عقودها

٢٩ - ألعميري قاضي قزوين، أهدى إلى الصاحب كتباً وكتب معها:

ألعميريُّ عبد كافي الكفاة

وإن اعتدَّ في وجوه القضاةِ

خدم المجلس الرفيع بكتبٍ

مفعماتٍ من حسنها مترعاتِ

فوقَّع الصاحب بقوله:

قد قبلنا من الجميع كتاباً

ورددنا لوقتها الباقياتِ

٥٢

لست أستغنم الكثير فطبعي

قول خذ ليس مذهبي قول هاتِ

٣٠ - أبو الرَّجاء الأهوازي مدح الصاحب لمّا ورد الصاحب الأهواز ومن قصيدته:

إلى ابن عبّاد أبي القاسم

ألصاحب إسماعيل كافي الكفاةْ

وتشرب الجند هنيئاً بها

من بعد ماء الريّ ماء الفراتْ(١)

٣١ - أبو منصور أحمد بن محمَّد اللجيمي الدينوري له شعر يمدح به الصاحب.

٣٢ - أبو النجم أحمد الدامغاني المعروف ب‍ ( شصت كلّه ) المتوفّى سنة ٤٣٢ له قصيدةٌ بالفارسيَّة مدح بها الصاحب.

٣٣ - ألشريف الرضي [ أحد شعراء الغدير يأتي شعره وترجمته ] مدح الصاحب بداليَّة سنة ٣٧٥ ولم ينفذها إليه، واُخرى سنة ٣٨٥ قيل وفاة الصاحب بشهر وأنفذها إليه.

٣٤ - ألقاضي أبو بكر عبد الله بن محمّد بن جعفر الأسكي، له شعرٌ في الصاحب ومنه قوله:

كلُّ برٍّ ونوالٍ وصله

واصل منك إلى معتزله

يا بن عبّاد ستلقى ندماً

لفراق الجيرة المرتحله

٣٥ - أبو القاسم غانم بن محمَّد بن أبي العلا الأصبهاني، له صاحبيّات مدحاً ورثاءً قال الثعالبي في تتميم يتيمته:كان يُساير الصاحب يوماً فرسم له وصف فرس كان تحته فقال مرتجلاً:

طرفٌ تحاول شأوه ريح الصَّبا

سفهاً فتعجز أن تشقَّ غباره

بارى بشمس قميصه شمس الضحى

صبغاً ورضَّ حجاره بحجاره

٣٦ - أبو بكر محمّد بن أحمد اليوسفي الزوزني له صاحبيَّة أوَّلها:

أطلع الله للمعالي سعودا

وأعاد الزمان غضّاً جديدا

____________________

١ - أعجب ما رأيت من تعاليق معجم الادباء الطبعة الثانية تعليق هذا البيت في ج ٦ ص ٢٥٤ جعل الاستاذ الرفاعي الشطر الثاني في المتن ( من بعد ماء الري ماء الصراة ) وقال في التعليق:الصراة:نهر بالعراق.

٥٣

ومنها:

بعث الدهر جنده وبعثنا

نحوه دعوة الإ~له جنودا

يا عميد الزَّمان إنَّ الليالي

كدن يتركن كلَّ قلب عميدا

حادثات أردن إحداث هدم

لعلاه فأحدثت تشييدا

وله من اُخرى قوله:

سلامٌ عليها إنَّ عيني عِندما

أشارت بلحظ الطرف تخضبَ عندما

٣٧ - أبو بكر يوسف بن محمّد بن أحمد الجلودي الرازي له قصيدةٌ صاحبيَّةٌ منها قوله:

رياضٌ كأنَّ الصاحب القرم جادها

بأنوائه أو صاغها من طباعه

يجلّي غيابات الخطوب برأيه

كما صدع الصبح الدُّجى بشعائه

ومنها:

سحابٌ كيمناهُ وليلٌ كبأسه

وبرقٌ كماضية وخرقٌ كباعه

٣٨ - أبو طالب عبد السَّلام بن الحسين المأموني، قال فريد وجدي في ( دائرة المعارف ) ٦ ص ٢٠:مدح الصاحب بقصايد فأعجبه نظمه توفّي سنة ٣٨٣.

٣٩ - أبو منصور الجرجاني، كتب إلى الصاحب قوله:

قل للوزير المرتجى

كافي الكفاة الملتجى

إني رزُقت ولداً

كالصبح إذ تبلّجا

لا زال في ظلّك ظ

ـلّ المكرمات والحجى

فسمَّه وكنِّه

مشرَّفا متوَّجا

فوقَّع الصاحب تحتها بقوله:

هنّئته هنّئته

شمس الضحى بدر الدجا

فسمِّه محسِّناً

وكنِّه أبا الرجا

٤٠ - ألأوسي مدح الصاحب ببائيَّة أنشدها بين يديه فلمّا بلغ إلى قوله:

لمَّا ركبت إليك مُهري أنعلت

بدر السماء وسمّرت بكواكب

قال له الصاحب. لِمَ أنّثت المُهر ؟ ولِم شبَّهت النعل بالبدر ولا يشبهه ؟ ولو

٥٤

شبَّهته بالهلال لكان أحسن فإنَّه علي هيئته فقال:الأوسي:أمّا تأنيث المهر فلأنِّي عنيت المهرة ؟ وأمّا تشبيهي النعل ببدر السماء فلأنِّي أردت النعل المطبقة.

٤١ - إبراهيم بن عبد الرَّحمن المعرّي مدح الصاحب بقصيدة منها:

قد ظهر الحقُّ وبان الهُدى

لمن له عينان أو قلبُ

مثل ظهور الشمس في حجبها

إذ رفعت عن نورها الحجبُ

بالمَلك الأعظم مستبشرٌ

شرق بلاد الله والغربُ

٤٢ - محمَّد بن يعقوب أحد أئمَّة النحو كتب إلى الصاحب كما في ( دمية القصر ) ١ ص ٣٠١:

قل للوزير أدام الله نعمته

مُستخدماً لمجاري الدَّهر والقدرِ

أردت عبداً وقد أعطيته ولداً

فسمِّه بأسم مَن بالعرب مفتخرِ

وإن وصلت له تشريف كنيته

جمعت بالطَول بين الروض والمطرِ

لا زال ظلّك ممدوداً ومنتشراً

فإنَّه خير ممدودٍ ومنتشرِ

هنَّيته ابناً يشيع الاُنس في البشر

هنَّيت مَقدم هذا الصارم الذكرِ

٤٣ - محمَّد بن علي بن عمر أحد أعيان الري قرأ على الصاحب ومدحه برائيَّة.

والاُدباء يعبِّرون عن المترجَم وأبي إسحاق الصّابي بالصادين كما وقع في قول الشيخ أحمد البربير المتوفّى سنة ١٢٢٦ في كتابه ( الشرح الجلي ) ص ٢٨٣ يمدح كاتباً مليحاً.

لله كاتباً الذي أنا رقّه

وهو الذي لا زال قرَّة عيني

في ميم مبسمه ولام عذاره

ما بات ينسخ بهجة الصّادين

شعره في المذهب

وللصاحب مراجعات ومراسلات مع مادحيه تجدها في الكتب والمعاجم، وشعره كما سمعت كثيرٌ مدوَّنٌ ونحن نقتصر من نظمه الذهبيِّ بما عقد سمط جمانه في المذهب ذكر له الثعالبي في [ يتيمة الدهر ] ج ٣ ص ٢٤٧:

حبُّ عليّ بن أبي طالب

هو الذي يهدي إلى الجنَّةِ

إن كان تفضيلي له بدعةً

فلعنة الله على السنَّةِ

٥٥

وذكر له في الكتاب:

ناصبٌ قال لي:معاوية خا

لك خير الأعمام والأخوالِ

فهو خالٌ للمؤمنين جميعاً

قلت:خالٌ لكن من الخير خالي

وذكر له فقيه الحرمين الكنجي الشافعي المتوفّى سنة ٦٥٨ في ( كفاية الطالب ) ص ٨١، والخوارزمي في ( المناقب ) ص ٦٩:

يا أمير المؤمنين المرتضى

إنَّ قلبي عندكم قد وقفا

كلّما جدِّدت مدحي فيكمُ

قال ذو النصب:نسيت السلفا(١)

مَن كمولاي عليّ زاهد

طلّق الدنيا ثلاثاً ووفى؟!

مَن دُعي للطير أن يأكله ؟

ولنا في بعض هذا مكتفى

من وصيُّ المصطفى عندكُم ؟

ووصيّ المصطفى من يُصطفى

وذكر الفقيه الكنجي في الكتاب ص ١٩٢، وسبط إبن الجوزي في ( تذكرة خواصّ الاُمَّة ) ص ٨٨، والخوارزمي في ( المناقب ) ص ٦١:

حبُّ النبيِّ وأهل البيت معتمدي(٢)

إنَّ الخطوب أساءت رأيها فينا

أيا إبن عمّ رسول الله أفضل مَن

ساس الأنام وساد الهاشميِّينا

يا نُدرة الدين يا فرد الزمان أصخ

لمدح مولى يرى تفضيلكم دينا

هل مثل سيفك في الإسلام لو عرفوا ؟

وهذه الخصلة الغرّاء تكفينا

هل مثل علمك إذ زالوا وإذ وهنوا

وقد هديت كما أصبحت تهدينا ؟

هل مثل جمعك للقرآن نعرفه

لفظاً ومعنىً وتأويلاً وتبيينا ؟

هل مثل حالك عند الطير تحضره

بدعوةٍ نلتَها دون المصلّينا ؟

هل مثل بذلك للعاني الأسير وللـ

ـطفل الصغير وقد أعطيت مسكينا ؟

هل مثل صبرك إذ خانوا وإذ ختروا

حتّى جرى ما جرى في يوم صفِّينا ؟

هل مثل فتواك إذ قالوا مجاهرةً

: لولا عليٌّ هلكنا في فتاوينا ؟

يا ربّ سهِّل زياراتي مشاهدهم

فإنَّ روحي تهوى ذلك الطينا

____________________

١ - تسب السلفا. الخوارزمي

٢ - هذه الابيات المحكية عن الكتب الثلاث لم توجد في ( أعيان الشيعة ) سوى ثلاثة منها.

٥٦

يا ربّ صيِّر حياتي في محبَّتهم

ومحشري معهم آمين آمينا

وذكر إبن شهر آشوب من هذه القصيدة بعد البيت الثاني من أوَّلها:

أنت الإمام ومنظور الأنام فمن

يردّ ما قلته يقمع براهينا

هل مثل فعلك في ليل الفراش وقد

فديت بالروح ختّام النبيِّينا ؟

هل مثل فاطمة الزَّهراء سيِّدةٌ

زوَّجتها يا جمال الفاطميِّينا ؟

هل مثل برِّك في حال الركوع وما

برُّ كبرِّك برّاً للمزكَينا ؟

هل مثل فعلك عند النعل تخصفها

لو لم يكن جاحدوا التفضيل لاهينا ؟

هل مثل نجليك في مجدٍ وفي كرم

إذ كوّنا من سلال المجد تكوينا ؟

وله في مناقب الخطيب الخوارزمي ص ١٠٥، وكفاية الطالب للكنجي الشافعي ص ٢٤٣، وتذكرة خواصِّ الاُمَّة ص ٣١، ومناقب إبن شهر آشوب، وغيرها قصيدةٌ ولوقوع الإختلاف فيها نجمع بين رواياتها ونشير إلى ما روته رجال العامَّة ب‍ ( ع ):

بلغت نفسي مناها

بالموالي آل طه

برسول الله مَن

حاز المعالي وحواها

وببنت المصطفى مَن

أشبهت فضلاً أباها

ع مَن كمولاي عليٍّ

والوغى تحمي لظاها ؟

ع مَن يصيد الصَّيد فيها

بالظبى حتّى انتظاها ؟

يوم أمضاها عليهم

ثمَّ أمضاها عليهم فارتضاها

ع مَن له في كلِّ يومٍ

وقعاتٌ لا تُضاهي ؟

ع كم وكم حرب ضروس

سدِّ بالمرهف فاها ؟

ع اُذكروا أفعال بدرِ

لستُ أبغي ما سواها

ع اُذكروا غزوة اُحدٍ

إنَّه شمس ضُحاها

ع اذكروا حرب حنينٍ

إنَّه بدر دُجاها

ع اُذكروا الأحزاب قِدماً

إنَّه ليث شراها

ع اُذكروا مهجة عمرو

كيف أفناها شجاها ؟

ع اُذكروا أمر براءه

واخبروني مَن تلاها ؟

٥٧

ع اُذكروا مَن زوّج الـ

ـزهراء قد طاب ثراها(١)

ع اذكروا بكرة طيرٍ

فلقد طار ثناها ؟

ع اُذكروا لي قلل العلم

ومن حلِّ ذراها

ع حاله حالة ها

رون لموسى فافهماها

ع أعلى حبِّ عليٍّ

لامني القوم سفاها ؟!

ع أهملوا قرباه جهلاً

وتخطّوا مُقتضاها

ع أوَّل النَّاس صلاةً

جعل التقوى حُلاها

ع رُدَّت الشَّمس عليه

بعد ما غاب سناها

ع حجَّة الله على الخلق

شقى مَن قد قلاها

وبحبّي الحسن الـ

ـبالغ في العليا مداها

والحسين المرتضى

يوم المساعي إذ حواها

ليس فيهم غير نجم

قد تعالى وتناهى

عترةٌ أصبحت الدُّ

نيا جميعاً في حماها

ما تحدِّث عصب الـ

ـبغي بأنواع عماها

أردت الأكبر بالسـ

ـمِّ وما كان كفاها

وانبرت تبغي حسيناً

وعرته وعراها

منعته شربةً والطَّيـ

ر قد أروت صداها

فأفاتت نفسه

يا ليت روحي قد فداها

بنته تدعوا أباها

اُخته تبكي أخاها

لو رأى أحمدُ ما

كان دهاه ودهاها

لشكا الحال إلى الله

وقد كان شكاها(٢)

وله في مناقبي إبن شهر اشوب والخطيب الخوارزمي ص ٢٣٣ قصيدةٌ نجمع بينهما

____________________

١ - في لفظ أهل السنة:

اذكروا من زوّج

الزهراء كيما تتباهى

٢ - غير واحد من الأبيات لا يوجد في ( أعيان الشيعة ).

٥٨

لاختلافهما في عدد الأبيات ألا وهي:

ما لعليِّ العُلى أشباهُ

لا والّذي لا إ~له إلّا هو

مبناه مبنى النبيِّ تعرفه

وابناه عند التفاخر إبناهُ

إنَّ عليّاً علا إلى شرفٍ

لو رامه الوهم ذلَّ مرقاهُ(١)

أيا غداة الكساء لا تهني

عن شرح علياه إذ تكسّاهُ

يا ضحوة الطير تنبئي شرفاً

فاز به لا يُنال أقصاهُ

براءة استعملي بلاغك مَن

أقعد عنه ومَن توّلاهُ؟!

يا مرحب الكفر قد أذاقك مَن

مِن حدِّ ما قد كرهت ملقاهُ ؟!

يا عمرو مَن ذا الذي أنالك من

حارة الحتف حين تلقاهُ ؟!

لو طلب النجم ذات أخمصه

علاه والفرقدان نعلاهُ

أما عرفتم سموَّ منزله ؟!

أما عرفتم علوَّ مثواهُ ؟!

أما رأيتم محمَّداً حدباً

عليه قد حاطه ورّباهُ ؟!

واختصَّه يافعاً وآثره

واعتامه مخلصاً وآخاهُ

زوَّجه بضعة النبوَّة إذ

رآه خير امرئٍ وأتقاهُ

يا بأبي السيِّد الحسين وقد

جاهد في الدين يوم بلواهُ

يا بأبي أهله وقد قُتلوا

من حوله والعيون ترعاهُ

يا قبَّح الله اُمَّةً خذلت

سيَدها لا تريد مرضاهُ

يا لعن الله جيفةً نجساً

يقرع من بغضه ثناياهُ

وله داليَّة ذكرها الخوارزمي في ( المناقب ) ص ٢٢٣، وإبن شهر آشوب في مناقبه ونجمع بين الرِّوايتين وهي:

هو البدر في هيجاء بدر وغيرهُ

فرايصه من ذكره السيف ترعدُ

عليٌّ له في الطير ما طار ذكره

وقامت به أعداؤه وهي تشهدُ

عليٌّ له في هل أتى ما تلوتمُ

على الرَّغم من آنافكم فتفرّدوا

____________________

١ - هذا البيت وما بعده الى أربعة أبيات لا توجد في مناقب ابن شهر آشوب بل رواها الخوارزمي.

٥٩

وكم خبر في خيبر قد رويتمُ

ولكنَّكم مثل النعام تشرَّدوا

وفي اُحدٍ ولّى رجالٌ وسيفه

يسوِّد وجه الكفر وهو مسوِّدُ

ويوم حنينٍ حنَّ للغلِّ بعضكم

وصارمه عضب الغرار مهنَّدُ

تولىّ اُمور النّاس لم يستغلّهم

ألا ربما يرتاب مَن يتقلّدُ

ولم يك محتاجاً إلى علم غيره

إذا احتاج قومٌ في قضايا تبلّدوا

ولا سدَّ عن خير المساجد بابه

وأبوابهم إذ ذاك عنه تُسدَّدُ

وزوجته الزَّهراء خير كريمةٍ

لخير كريم فضلها ليس يُجحدُ(١)

وبالحسنين المجد مدّ رواقه

ولولاهما لم يبقِ للمجد مشهدُ

تفرّغت الأنوار للأرض منهما

فِللّه أنوارٌ بدت تتجدّدُ

هم الحجج الغرُّ التي قد توضَّحت

وهم سرج الله التي ليس تخمدُ

اُو إليكُم يا آل بيت محمَّدٍ

فكلّكمُ للعلم والدين فرقدُ

وأترك من ناواكمُ وهو هتكه

يُنادى عليه مولدٌ ليس يُحمدُ

وذكر له الحمّوئي صاحب ( فرايد السمطين ) في السمط الثاني في الباب الأوَّل:

منايح الله جاوزت أملي

فليس يدركها شكري ولا عملي

لكنَّ أفضلها عندي وأكملها

محبَّتي لأمير المؤمنين علي

وذكر العلّامة المجلسي في ( البحار ) ج ١٠ ص ٢٦٤ نقلاً عن بعض الكتب القديمة من قصيدةٍ طويلةٍ له:

أجروا دماء أخي النبيِّ محمَّد

فلتجر غزر دموعنا ولتهملِ

ولتصدر اللَّعنات غير مزالة

لعِداه من ماضٍ ومن مُستقبلِ

و تجرَّدوا لبنيه ثمَّ بناته

بعظايم فاسمع حديث المقتلِ

منعوا الحسين الماء وهو مجاهدٌ

في كربلاء فنُح كنوح المعولِ

منعوه أعذب منهلٍ وكذا غداً

يردون في النيران أوخم منهلِ

أيجزُّ رأس إبن النبيِّ وفي الورى

حيُّ أمام ركابه لم يُقتلِ ؟

وبنو السفاح تحكّموا في أهل حيّ

على الفلاح بفرصةٍ وتعجّلِ

____________________

١ - هذا البيت رواه الخوارزمي ولا يوجد فيما جمع له السيد في ( أعيان الشيعة )

٦٠

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

لم يكن جيش فرعون مانعا من العذاب الإلهي ، ولم تكن سعة مملكتهم وأموالهم وثراؤهم سببا لرفع هذا العذاب ، ففي النهاية أغرقوا في أمواج النيل المتلاطمة إذ أنّهم كانوا يتباهون بالنيل ، فبماذا تفكرون لأنفسكم وأنتم أقل عدّة وعددا من فرعون وأتباعه وأضعف؟! وكيف تغترون بأموالكم وأعدادكم القليلة؟!

«الوبيل» : من (الوبل) ويراد به المطر الشديد والثقيل ، وكذا يطلق على كل ما هو شديد وثقيل بالخصوص في العقوبات ، والآية تشير إلى شدّة العذاب النازل كالمطر.

ثمّ وجه الحديث إلى كفّار عصر بنيّ الإسلامصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ويحذرهم بقوله :( فَكَيْفَ تَتَّقُونَ إِنْ كَفَرْتُمْ يَوْماً يَجْعَلُ الْوِلْدانَ شِيباً ) (١) (٢) .

بلى إنّ عذاب ذلك اليوم من الشدّة والثقيل بحيث يجعل الولدان شيبا ، وهذه كناية عن شدّة ذلك اليوم.

هذا بالنسبة لعذاب الآخرة ، وهناك من يقول : إنّ الإنسان يقع أحيانا في شدائد العذاب في الدنيا بحيث يشيب منها الرأس في لحظة واحدة.

على أي حال فإنّ الآية تشير إلى أنّكم على فرض أنّ العذاب الدنيوي لا ينزل عليكم كما حدث للفراعنة؟ فكيف بكم وعذاب يوم القيامة؟

في الآية الاخرى يبيّن وصفا أدقّ لذلك اليوم المهول فيضيف :( السَّماءُ مُنْفَطِرٌ بِهِ كانَ وَعْدُهُ مَفْعُولاً ) .

إنّ الكثير من الآيات الخاصّة بالقيامة وأشراط الساعة تتحدث عن

__________________

(١) يوما مفعول به لتتقون ، و «تتقون» ذلك اليوم يراد به تتقون عذاب ذلك اليوم ، وقيل (يوم) ظرف لـ (تتقون) أو مفعول به لـ (كفرتم) والاثنان بعيدان.

(٢) «شيب» جمع (أشيب) ويراد به المسن ، وهي من أصل مادة شيب ـ على وزن عيب ـ والمشيب يعني تغير لون الشعر إلى البياض.

١٤١

انفجارات عظيمة وزلازل شديدة ومتغيرات سريعة ، والآية أعلاه تشير إلى جانب منها.

فما حيلة الإنسان الضعيف العاجز عند ما يرى تفطر السموات بعظمتها لشدّة ذلك اليوم؟!(١)

وفي النّهاية يشير القرآن إلى جميع التحذيرات والإنذارات السابقة فيقول تعالى :( إِنَّ هذِهِ تَذْكِرَةٌ ) .

إنّكم مخيرون في اختيار السبيل ، فمن شاء اتّخذ إلى ربّه سبيلا ، ولا فضيلة في اتّخاذ الطريق إلى الله بالإجبار والإكراه ، بل الفضيلة أن يختار الإنسان السبيل بنفسه وبمحض إرادته.

والخلاصة أنّ الله تعالى هدى الإنسان إلى النجدين ، وجعلهما واضحين كالشمس المضيئة في وضح النهار ، وترك الإختيار للإنسان نفسه حتى يدخل في طاعته سبحانه بمحض إرادته ، وقد احتملت احتمالات متعددة في سبب الإشارة إلى التذكرة ، فقد قيل أنّها إشارة إلى المواعظ التي وردت في الآيات السابقة ، وقيل هي إشارة إلى السورة بكاملها ، أو إشارة إلى القرآن المجيد.

ولعلها إشارة إلى إقامة الصلاة وقيام الليل كما جاء في الآيات من السورة ، والمخاطب هو النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم والآية تدل على توسعة الخطاب وتعميمه لسائر المسلمين ، ولهذا فإنّ المراد من «السبيل» في الآية هو صلاة الليل ، والتي تعتبر سبيل خاصّ ومهمّة تهدي إلى الله تعالى ، كما ذكرت في الآية (٢٦) من سورة الدهر بعد أن أشير إلى صلاة الليل بقوله تعالى :( وَمِنَ اللَّيْلِ فَاسْجُدْ لَهُ وَسَبِّحْهُ لَيْلاً طَوِيلاً ) .

ويقول بعد فاصلة قصيرة :( إِنَّ هذِهِ تَذْكِرَةٌ فَمَنْ شاءَ اتَّخَذَ إِلى رَبِّهِ سَبِيلاً )

__________________

(١) «المنفطر» : من الانفطار بمعنى الإنشقاق ، والضمير (به) يعود لليوم ، والمعنى السماء منشقة بسبب ذلك اليوم والسماء جائزة للوجهين أي أنّه تذكر وتؤنث.

١٤٢

وهي بعينها الآية التي نحن بصدد البحث فيها(١) .

وبالطبع هذا التّفسير مناسب ، والأنسب منه أن تكون الآية ذات مفهوم أوسع حيث تستوعب هذه السورة جميع مناهج صنع الإنسان وتربيته كما أشرنا إلى ذلك سابقا.

* * *

ملاحظة

المراحل الأربع للعذاب الإلهي

الآيات السابقة تهدد المكذبين المغرورين بأربعة أنواع من العذاب الأليم : النكال ، الجحيم ، الطعام ذو الغصّة ، والعذاب الأليم ، هذه العقوبات في الحقيقة هي تقع في مقابل أحوالهم في هذه الحياة الدنيا.

فمن جهة كانوا يتمتعون بالحرية المطلقة.

الحياة المرفهة ثانيا.

لما لهم من الأطعمة السائغة من جهة ثالثة.

والجهة الرابعة لما لهم من وسائل الراحة ، وهكذا سوف يجزون بهذه العقوبات لما قابلوا هذه النعم بالظلم وسلب الحقوق والكبر والغرور والغفلة عن الله تعالى.

* * *

__________________

(١) تفسير الميزان ، ج ٢٠ ، ص ١٤٧.

١٤٣

الآية

( إِنَّ رَبَّكَ يَعْلَمُ أَنَّكَ تَقُومُ أَدْنى مِنْ ثُلُثَيِ اللَّيْلِ وَنِصْفَهُ وَثُلُثَهُ وَطائِفَةٌ مِنَ الَّذِينَ مَعَكَ وَاللهُ يُقَدِّرُ اللَّيْلَ وَالنَّهارَ عَلِمَ أَنْ لَنْ تُحْصُوهُ فَتابَ عَلَيْكُمْ فَاقْرَؤُا ما تَيَسَّرَ مِنَ الْقُرْآنِ عَلِمَ أَنْ سَيَكُونُ مِنْكُمْ مَرْضى وَآخَرُونَ يَضْرِبُونَ فِي الْأَرْضِ يَبْتَغُونَ مِنْ فَضْلِ اللهِ وَآخَرُونَ يُقاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللهِ فَاقْرَؤُا ما تَيَسَّرَ مِنْهُ وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكاةَ وَأَقْرِضُوا اللهَ قَرْضاً حَسَناً وَما تُقَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُمْ مِنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِنْدَ اللهِ هُوَ خَيْراً وَأَعْظَمَ أَجْراً وَاسْتَغْفِرُوا اللهَ إِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (٢٠) )

التّفسير

فاقرؤوا ما تيسر من القرآن :

هذه الآية هي من أطول آيات هذه السورة وتشتمل على مسائل كثيرة ، وهي مكملة لمحتوى الآيات السابقة ، وهناك أقوال كثيرة للمفسّرين حول ما إذا كانت

١٤٤

هذه الآية ناسخة لحكم صدر السورة أم لا ، وكذلك في مكّيتها أو مدنيتها ، ويتّضح لنا جواب هذه الأسئلة بعد تفسير الآية.

فيقول تعالى :( إِنَّ رَبَّكَ يَعْلَمُ أَنَّكَ تَقُومُ أَدْنى مِنْ ثُلُثَيِ اللَّيْلِ وَنِصْفَهُ وَثُلُثَهُ وَطائِفَةٌ مِنَ الَّذِينَ مَعَكَ وَاللهُ يُقَدِّرُ اللَّيْلَ وَالنَّهارَ ) (١) .

الآية تشير إلى نفس الحكم الذي أمر به الرّسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في صدر السورة من قيام الليل والصلاة فيه ، وما أضيف في هذه الآية هو اشتراك المؤمنين في العبادة مع النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم (بصيغة حكم استحبابي أو باحتمال حكم وجوبي لأنّ ظروف صدر الإسلام كانت تتجاوب مع بناء ذواتهم والاستعداد للتبليغ والدفاع عنه بالدروس العقائدية المقتبسة من القرآن المجيد ، وكذا بالعمل والأخلاق وقيام الليل ، ولكن يستفاد من بعض الرّوايات أنّ المؤمنين كانوا قد وقعوا في إشكالات ضبط الوقت للمدة المذكورة (الثلث والنصف والثلثين) ولذا كانوا يحتاطون في ذلك ، وكان ذلك يستدعي استيقاظهم طول الليل والقيام حتى تتورم أقدامهم ، ولذا بني هذا الحكم على التخفيف ، فقال :( عَلِمَ أَنْ لَنْ تُحْصُوهُ فَتابَ عَلَيْكُمْ فَاقْرَؤُا ما تَيَسَّرَ مِنَ الْقُرْآنِ ) .

«لن تحصوه» : من (الإحصاء) وهو عد الشيء ، أي علم أنّكم لا تستطيعون إحصاء مقدار الليل الذي أمرتم بقيامه والإحاطة بالمقادير الثلاثة.

وقال البعض : إنّ معنى الآية أنّكم لا تتمكنون من المداومة على هذا العمل طيلة أيّام السنة ، ولا يتيسر لعامّة المكلّفين إحصاء ذلك لاختلاف الليالي طولا وقصرا ، مع وجود الوسائل التي توقظ الإنسان.

والمراد بـ( فَتابَ عَلَيْكُمْ ) خفف عليكم التكاليف ، وليس التوبة من الذنب ، ويحتمل أنّه في حال رفع الحكم الوجوبي لا يوجد ذنب من الأساس ، والنتيجة

__________________

(١) يجب الالتفات إلى أنّ (نصفه) و (ثلثه) معطوف على أدنى وليس على (ثلثي الليل) فيكون المعنى أنّه يعلم أنّك تقوم بعض الليالي أدنى من ثلثي الليل أو نصفه أو ثلثه ،. كذا الالتفات إلى أن أدنى تقال لما يقرب من الشيء ، وهنا إشارة إلى الزمن التقريبي.

١٤٥

تكون مثل المغفرة الإلهية.

وأمّا عن معنى الآية :( فَاقْرَؤُا ما تَيَسَّرَ مِنَ الْقُرْآنِ ) فقد قيل في تفسيرها أقوال ، فقال بعضهم : إنّها تعني صلاة الليل التي تتخللها قراءة الآيات القرآنية ، وقال الآخرون : إنّ المراد منها قراءة القرآن ، وإن لم تكن في أثناء الصلاة ، وفسّرها البعض بخمسين آية ، وقيل مائة آية ، وقيل مائتان ، ولا دليل على ذلك ، بل إنّ مفهوم الآية هو قراءة ما يتمكن عليه الإنسان.

وبديهي أنّ المراد من قراءة القرآن هو تعلم الدروس لبناء الذات وتقوية الإيمان والتقوى.

ثمّ يبيّن دليلا آخرا للتخفيف فيضيف تعالى :( عَلِمَ أَنْ سَيَكُونُ مِنْكُمْ مَرْضى وَآخَرُونَ يَضْرِبُونَ فِي الْأَرْضِ يَبْتَغُونَ مِنْ فَضْلِ اللهِ وَآخَرُونَ يُقاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللهِ ) ، وهذا تخفيف آخر كما قلنا في الحكم ، ولذا يكرر قوله «فاقرؤوا ما تيسر منه» ، والواضح أنّ المرض والأسفار والجهاد في سبيل الله ذكرت بعنوان ثلاثة أمثلة للأعذار الموجهة ولا تعني الحصر ، والمعنى هو أنّ الله يعلم أنّكم سوف تلاقون ، كثيرا من المحن والمشاكل الحياتية ، وبالتالي تؤدي إلى قطع المنهج الذي أمرتم به ، فلذا خفف عليكم الحكم.

وهنا يطرح هذا السؤال ، وهو : هل أنّ هذا الحكم ناسخ للحكم الذي ورد في صدر السورة ، أم هو حكم استثنائي؟ طاهر الآيات يدل على النسخ ، وفي الحقيقة أنّ الغرض من الحكم الأوّل في صدر السورة هو إقامة المنهج العبادي ، وهذا ما حصل لمدّة معينة ثمّ نسخ بعد ذلك بهذه الآية ، وأصبح أخف من ذي قبل ، لأنّ ظاهر الآية يدل على وجود معذورين ، فلذا حفف الحكم على الجميع ، وليس للمعذورين فحسب ، ولذا لا يمكن أن يكون حكما استثنائيا بل هو حكم ناسخ.

ويرد سؤال آخر ، هو : هل أنّ الحكم المذكور بقراءة ما تيسّر من القرآن واجب أم مستحب؟ إنّه مستحب ، واحتمل البعض الآخر الوجوب ، لأنّ قراءة القرآن تبعث على معرفة دلائل التوحيد ، وإرسال الرسل ، وواجبات الدين ، وعلى

١٤٦

هذا الأساس تكون القراءة واجبة.

ولكن يجب الالتفات إلى أنّ الإنسان لا يلزم بقراءة القرآن ليلا أثناء صلاة الليل ، بل يجب على المكلّف أن يقرأ بمقدار ما يحتاجه للتعليم والتربية لمعرفة اصول وفروع الإسلام وحفظه وإيصاله إلى الأجيال المقبلة ، ولا يختص ذلك بزمان ومكان معينين ، والحقّ هو وجوب القراءة لما في ظاهر الأمر (فاقرؤا كما هو مبيّن في اصول الفقه) إلّا أن يقال بقيام الإجماع على عدم الوجوب ، فيكون حينها مستحبا ، والنتيجة هي وجوب القراءة في صدر الإسلام لوجود الظروف الخاصّة لذلك ، واعطي التخفيف بالنسبة للمقدار والحكم ، وظهر الاستحباب بالنسبة للمقدار الميسّر ، ولكن صلاة الليل بقيت واجبة على الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم طيلة حياته (بقرينة سائر الآيات والرّوايات).

ونقرأ في حديث ورد عن الإمام الباقرعليه‌السلام حيث يقول : «... متى يكون النصف والثلث نسخت هذه الآية( فَاقْرَؤُا ما تَيَسَّرَ مِنَ الْقُرْآنِ ) واعلموا أنّه لم يأت نبيّ قط إلّا خلا بصلاة الليل ، ولا جاء نبي قط صلاة الليل في أوّل الليل»(١) .

والملاحظ في الآية ذكر ثلاثة نماذج من الأعذار ، أحدها يتعلق بالجسم (المرض) ، والآخر بالمال (السفر) ، والثالث بالدين (الجهاد في سبيل الله) ، ولذا قال البعض : إنّ المستفاد من الآية هو السعي للعيش بمثابة الجهاد في سبيل الله! وقالوا : إنّ هذه الآية مدنيّة بدليل سياقها في وجوب الجهاد ، إلّا أنّ الجهاد لم يكن في مكّة ، ولكن بالالتفات إلى قوله :( سَيَكُونُ ) يمكن أن تكون الآية مخبرة على تشريع الجهاد في المستقبل ، أي بسبب ما لديكم من الأعذار وما سيكون من الأعذار ، لم يكن هذا الحكم دائميا ، وبهذا الصورة يمكن أن تكون الآية مكّية ولا منافاة في ذلك.

ثمّ يشير إلى أربعة أحكام اخرى ، وبهذه الطريقة يكمل البناء الروحي للإنسان فيقول:( وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكاةَ وَأَقْرِضُوا اللهَ قَرْضاً حَسَناً وَما

__________________

(١) تفسير نور الثقلين ، ج ٥ ، ٤٥١.

١٤٧

تُقَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُمْ مِنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِنْدَ اللهِ هُوَ خَيْراً وَأَعْظَمَ أَجْراً وَاسْتَغْفِرُوا اللهَ إِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ ) .

هذه الأوامر الأربعة (الصلاة ، الزكاة ، القروض المستحبة ، الاستغفار) مع الأمر بالقراءة والتدبر في القران الذي ورد من قبل تشكّل بمجموعها منهجا للبناء الروحي ، وهذا مهم للغاية بالخصوص لمن كان في عصر صدر الإسلام.

والمراد من «الصلاة» هنا الصلوات الخمس المفروضة ، والمراد من «الزكاة» الزكاة المفروضة ومن إقراض الله تعالى هو إقراض الناس ، وهذه من أعظم العبارات المتصورة في هذا الباب ، فإنّ مالك الملك يستقرض بمن لا يملك لنفسه شيئا ، ليرغبهم بهذه الطريقة للإنفاق والإيثار واكتساب الفضائل منها وليتربى ويتكامل بهذه الطريقة.

وذكر «الاستغفار» في آخر هذه الأوامر يمكن أن يكون إشارة إلى هذا المعنى وإيّاكم والغرور إذا ما أنجزتم هذه الطاعات ، وبأنّ تتصوروا بأنّ لكم حقّا على الله ، بل اعتبروا أنفسكم مقصرين على الدوام واعتذروا لله.

ويرى البعض أنّ التأكيد على هذه الأوامر هو لئلا يتصور المسلّم أنّ التخفيف سار على جميع المناهج والأوامر الدينية كما هو الحال في التخفيف الذي امر به النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وأصحابه في قيام وقراءة القرآن ، بل إنّ المناهج والأوامر الدينية باقية على متانتها وقوّتها(١) .

وقيل إنّ ذكر الزكاة المفروضة في هذه الآية هو دليل آخر على مدنيّة هذه الآية ، لأنّ حكم الزكاة نزل بالمدينة وليس في مكّة ، ولكن البعض قال : إنّ حكم الزكاة نزل في مكّة من غير تعيين نصاب ومقدار لها ، والذي فرض بالمدينة تعيين الأنصاب والمقادير.

* * *

__________________

(١) تفسير الميزان ، ج ٢٠ ، ص ١٥٦.

١٤٨

ملاحظات

١ ـ ضرورة الاستعداد العقائدي والثقافي

لغرض إيجاد ثورة واسعة في جميع الشؤون الحياتية أو إنجاز عمل اجتماعي ذي أهمية لا بدّ من وجود قوّة عزم بشرية قبل كل شيء ، وذلك مع الإعتقاد الراسخ ، والمعرفة الكاملة ، والتوجيه والفكري والثقافي الضروري والتربوي ، والتربية الأخلاقية ، وهذا ما قام به النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في مكّة في السنوات الاولى للبعثة ، بل في مدّة حياتهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، ولوجود هذا الأساس المتين للبناء أخذ الإسلام بالنمو السريع والرشد الواسع من جميع الجهات.

وما جاء في هذه السورة هو نموذج حي ومنطقي لهذا المنهج المدروس ، فقد خلّف القيام لثلثي الليل أو ثلثه وقراءة القرآن والتمعن فيه أثرا بالغا في أرواح المؤمنين ، وهيأهم لقبول القول الثقيل والسبح الطويل ، وتطبيق هذه الأوامر التي هي أشدّ وطأ وأقوم قيلا كما يعبّر عنه القرآن ، هي التي أعطتهم هذه الموفقية ، وجهزت هذه المجموعة المؤمنة القليلة ، والمستضعفة والمحرومة بحيث أهلتهم لإدارة مناطق واسعة من العالم ، وإذا ما أردنا نحن المسلمين إعادة هذه العظمة والقدرة القديمة علينا أن نسلك هذا الطريق وهذا المنهج ، ولا يجب علينا إزالة حكومة الصهاينة بالاعتماد على أناس عاجزين وضعفاء لم يحصلوا على ثقافة أخلاقية.

٢ ـ قراءة القرآن والتفكر

يستفاد من الرّوايات الإسلامية أنّ فضائل قراءة القرآن ليس بكثرة القراءة ، بل في حسن القراءة والتدبر والتفكر فيها ، ومن الطريف أنّ هناك رواية

وردت عن الإمام الرضاعليه‌السلام في تفسير ذيل الآية :( فَاقْرَؤُا ما تَيَسَّرَ مِنْهُ ) رواها عن

١٤٩

جدّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «ما تيسّر منه لكم فيه خشوع القلب وصفاء السر»(١) ، لم لا يكون كذلك والهدف الأساس للقراءة هو التعليم والتربية.

والرّوايات في هذا المعنى كثيرة.

٣ ـ السعي للعيش كالجهاد في سبيل الله

كما عرفنا من الآية السابقة فإنّ السعي لطلب الرزق جعل مرادفا للجهاد في سبيل الله ، وهذا يشير إلى أنّ الإسلام يعير أهمية بالغه لهذا الأمر ، ولم لا يكون كذلك فلأمّة الفقيرة والجائعة المحتاجة للأجنبي لا يمكن لها أن تحصل على الاستقلال والرفاه ، والمعروف أنّ الجهاد الاقتصادي هو قسم من الجهاد مع الأعداء ، وقد نقل في هذا الصدد قول عن الصحابي المشهور عبد الله بن مسعود : «أيما رجل جلب شيئا إلى مدينة من مدائن المسلمين صابرا محتسبا فباعه بسعر يومه كان عند الله بمنزلة الشهداء» ثمّ قرأ :( وَآخَرُونَ يَضْرِبُونَ فِي الْأَرْضِ ) (٢) .

اللهم! وفقنا للجهاد بكلّ أبعاده.

ربّنا! وفقنا لقيام الليل وقراءة القرآن الكريم وتهذيب أنفسنا بواسطة هذا النور السماوي.

ربّنا! منّ على مجتمعنا الإسلامي بمقام الرفعة والعظمة بالإلهام من هذه السورة العظيمة.

آمين ربّ العالمين

نهاية سورة المزّمل

* * *

__________________

(١) مجمع البيان ، ج ١٠ ، ص ٣٨٢.

(٢) مجمع البيان ، وتفسير أبي الفتوح ، وتفسير القرطبي ، ذيل الآية مورد البحث وقد نقل القرطبي حديثا عن الرّسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يشابه هذه الحديث ، فيستفاد من ذلك أنّ عبد الله بن مسعود قد ذكر الحديث عن النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وليس هو من قوله.

١٥٠
١٥١

سورة

المدّثّر

مكيّة

وعدد آياتها ستّ وخمسون آية

١٥٢

«سورة المدّثّر»

محتوى السورة :

لا شك أنّ هذه السورة هي من السور المكّية ولكن هناك تساؤل عن أنّ هذه السورة هل هي الاولى النازلة على النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أم نزلت بعد سورة العلق؟

يتّضح من التمعن في محتوى سورة العلق والمدثر أنّ سورة العلق نزلت في بدء الدعوة ، وأنّ سورة المدثر نزلت في زمن قد امر النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فيه بالدعوة العلنية ، وانتهاء فترة الدعوة السرّية ، لذا قال البعض أنّ سورة العلق هي أوّل سورة نزلت في صدر البعثة ، والمدثر هي السورة الاولى التي نزلت بعد الدعوة العلنية ، وهذا الجمع هو الصحيح.

ومهما يكن فإنّ سياق السور المكّية التي تشير إلى الدعوة وإلى المبدأ والمعاد ومقارعة الشرك وتهديد المخالفين وإنذارهم بالعذاب الإلهي واضح الوضوح في هذه السورة.

يدور البحث في هذه السورة حول سبعة محاور وهي :

١ ـ يأمر الله تعالى رسولهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بإعلان الدعوة العلنية ، ويأمر أن ينذر المشركين ، وتمسك بالصبر والاستقامة في هذا الطريق والاستعداد الكامل لخوض هذا الطريق.

٢ ـ تشير إلى المعاد وأوصاف أهل النّار الذين واجهوا القرآن بالتكذيب والإعراض عنه.

١٥٣

٣ ـ الإشارة إلى بعض خصوصيات النّار مع إنذار الكافرين.

٤ ـ التأكيد على المعاد بالأقسام المكررة.

٥ ـ ارتباط عاقبة الإنسان بعمله ، ونفي كل أنواع التفكر غير المنطقي في هذا الإطار.

٦ ـ الإشارة إلى قسم من خصوصيات أهل النّار وأهل الجنّة وعواقبهما.

٧ ـ كيفية فرار الجهلة والمغرورين من الحقّ.

فضيلة السورة :

ورد في حديث عن النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال : «من قرأ سورة المدثر اعطي من الأجر عشر حسنات بعدد من صدق بمحمّد وكذب به بمكّة»(١) .

وورد في حديث آخر عن الإمام الباقرعليه‌السلام قال : «من قرأ في الفريضة سورة المدثر كان حقّا على الله أن يجعله مع مجمّد في درجته ، ولا يدركه في حياة الدنيا شقاء أبدا»(٢)

وبديهي أنّ هذه النتائج العظيمة لا تتحقق بمجرّد قراءة الألفاظ فحسب ، بل لا بدّ من التمعن في معانيها وتطبيقها حرفيا.

* * *

__________________

(١) مجمع البيان ، ج ١٠ ، ص ٣٨٣.

(٢) المصدر السابق.

١٥٤

الآيات

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

( يا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ (١) قُمْ فَأَنْذِرْ (٢) وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ (٣) وَثِيابَكَ فَطَهِّرْ (٤) وَالرُّجْزَ فَاهْجُرْ (٥) وَلا تَمْنُنْ تَسْتَكْثِرُ (٦) وَلِرَبِّكَ فَاصْبِرْ (٧) فَإِذا نُقِرَ فِي النَّاقُورِ (٨) فَذلِكَ يَوْمَئِذٍ يَوْمٌ عَسِيرٌ (٩) عَلَى الْكافِرِينَ غَيْرُ يَسِيرٍ (١٠) )

التّفسير

قم وانذر النّاس :

لا شك من أنّ المخاطب في هذه الآيات هو النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وإن لم يصرح باسمه ، ولكن القرائن تشير إلى ذلك ، فيقول أوّلا :( يا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ قُمْ فَأَنْذِرْ ) فلقد ولى زمن النوم الاستراحة ، وحان زمن النهوض والتبليغ ، وورد التصريح هنا بالإنذار مع أنّ النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم مبشر ونذير ، لأنّ الإنذار له أثره العميق في إيقاظ الأرواح النائمة خصوصا في بداية العمل.

وأورد المفسّرون احتمالات كثيرة عن سبب تدثرهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ودعوته إلى القيام والنهوض.

١ ـ اجتمع المشركون من قريش في موسم الحج وتشاور الرؤساء منهم

١٥٥

كأبي جهل وأبي سفيان والوليد بن المغيرة والنضر بن الحارث وغيرهم في ما يجيبون به عن أسئلة القادمين من خارج مكّة وهم يناقشون أمر النّبي الذي قد ظهر بمكّة ، وفكروا في وأن يسمّي كلّ واحد منهم النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم باسم ، ليصدوا الناس عنه ، لكنّهم رأوا في ذلك فساد الأمر لتشتت أقوالهم ، فاتفقوا في أن يسمّوه ساحرا ، لأنّ أحد آثار السحرة الظاهرة هي التفريق بين الحبيب وحبيبه ، وكانت دعوة النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قد أثّرت هذا الأثر بين الناس! فبلغ ذلك النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فتأثر واغتم لذلك ، فأمر بالدثار وتدثر ، فأتاه جبرئيل بهذه الآيات ودعاه إلى النهوض ومقابلة الأعداء.

٢ ـ إنّ هذه الآيات هي الآيات الأولى التي نزلت على النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لما نقله جابر بن عبد الله قال : جاوزت بحراء فلمّا قضيت جواري نوديت يا محمّد ، أنت رسول الله ، فنظرت عن يميني فلم أر شيئا ، ونظرت عن شمالي فلم أر شيئا ، ونظرت خلفي فلم أر شيئا ، فرفعت رأسي فإذا الملك الذي جاءني بحراء جالس على كرسي بين السماء والأرض ، فملئت منه رعبا ، فرجعت إلى خديجة وقلت : «دثروني دثروني ، واسكبوا عليّ الماء البارد» ، فنزل جبرئيل بسورة :( يا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ ) .

ولكن بلحاظ أن آيات هذه السورة نظرت للدعوة العلنية ، فمن المؤكّد أنّها نزلت بعد ثلاث سنوات من الدعوة الخفية ، وهذا لا ينسجم والروية المذكورة ، إلّا أن يقال بأنّ بعض الآيات التي في صدر السورة قد نزلت في بدء الدعوة ، والآيات الأخرى مرتبطة بالسنوات التي تلت الدعوة.

٣ ـ إنّ النّبي كان نائما وهو متدثر بثيابه فنزل عليه جبرائيلعليه‌السلام موقظا إيّاه ، ثمّ قرأ عليه الآيات أن قم واترك النوم واستعد لإبلاغ الرسالة.

٤ ـ ليس المراد بالتدثر التدثر بالثياب الظاهرية ، بل تلبسهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بالنبوّة والرسالة كما قيل في لباس التقوى.

١٥٦

٥ ـ المراد به اعتزالهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وانزواؤه واستعد لإنذار الخلق وهداية العباد(١) والمعني الأوّل هو الأنسب ظاهرا.

ومن الملاحظ أنّ جملة (فانذر) لم يتعين فيها الموضوع الذي ينذر فيه ، وهذا يدل على العمومية ، يعني إنذار الناس من الشرك وعبادة الأصنام والكفر والظلم والفساد ، وحول العذاب الإلهي والحساب المحشر إلخ (ويصطلح على ذلك بأن حذف المتعلق يدل على العموم). ويشمل ضمن ذلك العذاب الدنيوي والعذاب الاخروي والنتائج السيئة لأعمال الإنسان التي سيبتلى بها في المستقبل.

ثم يعطي للنّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم خمسة أوامر مهمّة بعد الدعوة إلى القيام والإنذار ، تعتبر منهاجا يحتذي به الآخرون ، والأمر الأوّل هو في التوحيد ، فيقول :( وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ ) (٢) .

ذلك الربّ الذي هو مالكك مربيك ، وجميع ما عندك فمنه تعالى ، فعليك أن تضع غيره في زاوية النسيان وتشجب على كلّ الآلهة المصطنعة ، وامح كلّ آثار الشرك وعبادة الأصنام.

ذكر كلمة (ربّ) وتقديمها على (كبّر) الذي هو يدل على الحصر ، فليس المراد من جملة «فكبر» هو (الله أكبر) فقط ، مع أنّ هذا القول هو من مصاديق التكبير كما ورد من الرّوايات ، بل المراد منه أنسب ربّك إلى الكبرياء والعظمة اعتقادا وعملا ، قولا فعلا وهو تنزيهه تعالى من كلّ نقص وعيب ، ووصفه

__________________

(١) أورد الفخر الرازي هذه التفاسير الخمسة بالإضافة إلى احتمالات أخرى في تفسيره الكبير ، واقتبس منه البعض الآخر من المفسّرين (تفسير الفخر الرازي ، ج ٣٠ ، ص ١٨٩ ـ ١٩٠).

(٢) الفاء من (فكبر) زائدة للتأكيد بقول البعض ، وقيل لمعنى الشرط ، والمعنى هو : لا تدع التكبير عند كلّ حادثة تقع ، (يتعلق هذا القول بالآيات الاخرى الآتية أيضا).

١٥٧

بأوصاف الجمال ، بل هو أكبر من أن يوصف ، ولذا ورد في الرّوايات عن أئمّة أهل البيت عليهم‌السلام في معنى الله أكبر : «الله أكبر من أن يوصف» ، ولذا فإنّ التكبير له مفهوم أوسع من التسبيح الذي هو تنزيهه من كل عيب ونقص.

ثمّ صدر الأمر الثّاني بعد مسألة التوحيد ، ويدور حول الطهارة من الدنس فيضيف :( وَثِيابَكَ فَطَهِّرْ ) ، التعبير بالثوب قد يكون كناية عن عمل الإنسان ، لأنّ عمل الإنسان بمنزلة لباسه ، وظاهره مبين لباطنه ، وقيل المراد منه القلب والروح ، أي طهر قلبك وروحك من كلّ الأدران ، فإذا وجب تطهير الثوب فصاحبه اولى بالتطهير.

وقيل هو اللباس الظاهر ، لأنّ نظافة اللباس دليل على حسن التربية والثقافة ، خصوصا في عصر الجاهلية حيث كان الاجتناب من النجاسة قليلا وإن ملابسهم وسخة غالبا ، وكان الشائع عندهم تطويل أطراف الملابس (كما هو شائع في هذا العصر أيضا) بحيث كان يسحل على الأرض ، وما ورد عن الإمام الصّادقعليه‌السلام في معنى أنّه : «ثيابك فقصر»(١) ، ناظر إلى هذا المعنى.

وقيل المراد بها الأزواج لقوله تعالى :( هُنَّ لِباسٌ لَكُمْ وَأَنْتُمْ لِباسٌ لَهُنَ ) (٢) ، والجمع بين هذه المعاني ممكن ، والحقيقة أنّ الآية تشير إلى أنّ القادة الإلهيين يمكنهم إبلاغ الرسالة عند طهارة جوانبهم من الأدران وسلامة تقواهم ، ولذا يستتبع أمر إبلاغ الرسالة ولقيام بها أمر آخر ، هو النقاء والطهارة.

ويبيّن تعالى الأمر الثّالث بقوله :( وَالرُّجْزَ فَاهْجُرْ ) المفهوم الواسع للرجز كان سببا لأن تذكر في تفسيره أقوال مختلفة ، فقيل : هو الأصنام ، وقيل : المعاصي ، وقيل : الأخلاق الرّذيلة الذميمة ، وقيل : حبّ الدنيا الذي هو رأس كلّ خطيئة ، وقيل هو العذاب الإلهي النازل بسبب الترك والمعصية ، وقيل : كل ما يلهي

__________________

(١) مجمع البيان ، ج ١٠ ، ص ٣٨٥.

(٢) البقرة ، ١٨٧.

١٥٨

عن ذكر الله.

والأصل أنّ معنى «الرجز» يطلق على الاضطراب والتزلزل(١) ثمّ اطلق على كل أنواع الشرك ، عبادة الأصنام ، والوساوس الشيطانية والأخلاق الذميمة والعذاب الإلهي التي تسبب اضطراب الإنسان ، فسّره البعض بالعذاب(٢) ، وقد اطلق على الشرك والمعصية والأخلاق السيئة وحبّ الدّنيا تجلبه من العذاب.

وما تجدر الإشارة إليه أنّ القرآن الكريم غالبا ما استعمل لفظ «الرجز» بمعنى العذاب(٣) ، ويعتقد البعض أنّ كلمتي الرجز والرجس مرادفان(٤) .

وهذه المعاني الثلاثة ، وإن كانت متفاوتة ، ولكنّها مرتبطة بعضها بالآخر ، وبالتالي فإنّ للآية مفهوما جامعا ، وهو الانحراف والعمل السيء ، وتشمل الأعمال التي لا ترضي اللهعزوجل ، والباعثة على سخر الله في الدنيا والآخرة ، ومن المؤكّد أنّ النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قد هجر واتقى ذلك حتى قبل البعثة ، وتاريخه الذي يعترف به العدو والصديق شاهد على ذلك ، وقد جاء هذا الأمر هنا ليكون العنوان الأساس في مسير الدعوة إلى الله ، وليكون للناس أسوة حسنة.

ويقول تعالى في الأمر الرّابع :( وَلا تَمْنُنْ تَسْتَكْثِرُ ) .

هنا التعلق محذوف أيضا ، ويدل على سعة المفهوم كليته ، ويشمل المنّة على الله والخلائق ، أي فلا تمنن على الله بسعيك واجتهادك ، لأنّ الله تعالى هو الذي منّ عليك بهذا المقام المنيع.

ولا تستكثر عبادتك وطاعتك وأعمالك الصالحة ، بل عليك أن تعتبر نفسك مقصرا وقاصرا ، واستعظم ما وفقت إليه من العبادة.

__________________

(١) مفردات الراغب.

(٢) الميزان ، في ظلال القرآن.

(٣) راجع الآيات ، ١٣٤ ـ ١٣٥ من سورة الأعراف ، والآية ٥ من سورة سبأ ، والآية ١١ من سورة الجاثية ، والآية ٥٩ من سورة البقرة ، والآية ١٦٢ من سورة الأعراف ، والآية ٣٤ من سورة العنكبوت.

(٤) وذكر ذلك في تفسير الفخر الرازي بصورة احتمال ، ج ٣٠ ، ص ١٩٣.

١٥٩

وبعبارة أخرى : لا تمنن على الله بقيامك بالإنذار ودعوتك إلى التوحيد وتعظيمك لله وتطهيرك ثيابك وهجرك الرجز ، ولا تستعظم كل ذلك ، بل أعلم أنّه لو قدمت خدمة للناس سواء في الجوانب المعنوية كالإرشاد والهداية ، أم في الجوانب المادية كالإنفاق والعطاء فلا ينبغي أن تقدمها مقابل منّة ، أو توقع عوض أكبر ممّا أعطيت ، لأنّ المنّة تحبط الأعمال الصالحة :( يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُبْطِلُوا صَدَقاتِكُمْ بِالْمَنِّ وَالْأَذى ) (١) .

«لا تمنن» من مادة «المنّة» وتعني في هذه الموارد الحديث عن تبيان أهمية النعم المعطاة للغير ، وهنا يتّضح لنا العلاقة بينه وبين الاستكثار ، لأنّ من يستصغر عمله لا ينتظر المكافأة ، فكيف إذن بالاستكثار ، فإنّ الامتنان يؤدي دائما إلى الاستكثار ، وهذا ممّا يزيل قيمة النعم ، وما جاء من الرّوايات يشير لهذا المعنى : «لا تعط تلتمس أكثر منها»(٢) كما جاء في حديث آخر عن الإمام الصادقعليه‌السلام في تفسير الآية : «لا تستكثر ما عملت من خير لله»(٣) وهذا فرع من ذلك المفهوم.

ويشير في الآية الأخرى إلى الأمر الأخير في هذا المجال فيقول :( وَلِرَبِّكَ فَاصْبِرْ ) ، ونواجه هنا مفهوما واسعا عن الصبر الذي يشمل كلّ شيء ، أي اصبر في طريق أداء الرسالة ، واصبر على أذى المشركين الجهلاء ، واستقم في طريق عبودية الله وطاعته ، واصبر في جهاد النفس وميدان الحرب مع الأعداء.

ومن المؤكّد أنّ الصبر هو ضمان لإجراء المناهج السابقة ، والمعروف أنّ الصبر هو الثروة الحقيقية لطريق الإبلاغ والهداية ، وهذا ما اعتمده القرآن الكريم

__________________

(١) البقرة ، ٢٦٤.

(٢) نور الثقلين ، ج ٥ ، ص ٤٥٤ ، وتفسير البرهان ، ج ٤ ، ص ٤٠٠.

(٣) المصدر السابق.

١٦٠

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

461

462

463

464

465

466

467

468

469

470

471

472

473

474

475

476

477

478

479

480

481

482

483

484

485

486

487

488

489

490

491

492

493

494

495

496

497

498

499

500

501

502

503

504

505

506

507

508

509

510

511