الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل الجزء ١٩

الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل11%

الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل مؤلف:
تصنيف: تفسير القرآن
الصفحات: 511

الجزء ١ الجزء ٢ الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥ الجزء ٦ الجزء ٧ الجزء ٨ الجزء ٩ الجزء ١٠ الجزء ١١ الجزء ١٢ الجزء ١٣ الجزء ١٤ الجزء ١٥ الجزء ١٦ الجزء ١٧ الجزء ١٨ الجزء ١٩ الجزء ٢٠
  • البداية
  • السابق
  • 511 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 141363 / تحميل: 5832
الحجم الحجم الحجم
الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل

الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل الجزء ١٩

مؤلف:
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

( أبو جعفر ـ ـ )

الإمام معصوم منذ الولادة :

س : هل المعصوم يكون معصوماً من أوّل ولادته ، أم يكون معصوماً عندما يستلم إمامة المسلمين؟ وشكراً.

ج : إنّ الأئمّةعليهم‌السلام معصومون منذ الولادة ، ولا يكون إماماً إلاّ إذا كان معصوماً ، فالعصمة إذاً تحقّق موضوع الإمامة.

ثمّ إنّ معنى العصمة هو الانكشاف التامّ واليقين القطعي بملاكات الأحكام ، وبالمصالح والمفاسد وراء الأحكام الشرعية ، فإذا علم الإنسان علماً قطعياً بالضرر الكبير المترتّب على الفعل المعيّن فلا يمكن أن يقدم عليه ، وهذا هو معنى العصمة.

إذاً ، فأهل البيتعليهم‌السلام لمّا كانوا يعلمون حقائق الأُمور ، وملاكات الأحكام من قبل تسلّم الإمامة ومن بعدها ، فهم معصومون منذ الولادة.

هذا مضافاً إلى آية التطهير :( إِنَّمَا يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا ) (١) الدالّة على العصمة ، مع عدم اشتراط سنّ معيّن ، أو حالة معيّنة كالإمامة مثلاً ، فهي عامّة شاملة لجميع الأعمار ، وسواء حصلت الإمامة أم لم تحصل ، كما في فاطمة الزهراءعليها‌السلام ، وكما في أمير المؤمنين والحسن والحسينعليهم‌السلام ، حيث كانوا معصومين بنصّ آية التطهير قبل تسلّم الإمامة.

( أبو العياط نور الدين ـ الجزائر ـ )

النبيّ والأئمّة خلّص عباد الله فعصمهم :

س : هل عصمة النبيّ والأئمّة عليهم‌السلام بأمر من الله؟ أي أنّ الله خلقهم من غير أن يخطأوا ، أم أن تكوينهم الذاتي والنفسي وارتباطهم الدائم بالله جعلهم رساليين ، فعصمتهم من عمق رسالتهم؟ والسلام على محمّد وآل محمّد.

____________

١ ـ الأحزاب : ٣٣.

٣٢١

ج : العصمة تارة تكون من الذنب ، فهي من مجاهدتهمعليهم‌السلام ، إذ بإرادتهم لم يذنبوا مع مقدرتهم على الذنب ، ويكون حال الذنب وابتعادهم عنه ، كحال ابتعاد أحدنا عن أكل العذرة مع قدرته على الأكل.

وتارة تكون العصمة عن السهو والنسيان والخطأ ، فهي عصمة إلهية بأمر من الله تعالى ، أي : أنّ الله خلقهم كذلك ، وذلك لسبق علم الله بأنّ هؤلاء خلّص عباده فعصمهم ، فمقدّمات العصمة في هذا القسم كسبية ، وكانت النتيجة إلهية وهبها لعباده المخلصين.

( كميل ـ عمان ـ ٢٢ سنة ـ طالب جامعة )

تعليق على الجواب السابق وجوابه :

س : معنى كلامكم : أنّ الله تعالى اختارهم أئمّة لعلمه المسبق بأنّهم لا يعصونه بإرادتهم ، وهنا أطرح سؤالين :

الأوّل : كيف نفسّر بأنّ أهل البيتعليهم‌السلام قد وجدوا أنواراً حول العرش قبل خلق آدم؟

الثاني : كيف نفسّر قول الإمام عليعليه‌السلام للمسلمين : « ألا وإنّكم لا تقدرون على ذلك ، ولكن أعينوني بورع واجتهاد »؟(١) .

هل يمكنكم إعطاء توضيح أكثر في التوفيق بين العصمة وبين الاختيار؟

ج : قلنا أنّ العصمة عن الذنب هي عن مجاهدةٍ منهم ، وأنّهم يستطيعون أن يذنبوا ، ولكن لا يذنبون بإرادة منهم ، وأمّا العصمة عن السهو والنسيان والخطأ ، فإنّ الله خلقهم كذلك ، وذلك لسبق علم الله ، ومقصودنا من سبق علم الله قبل أن يوجدهم أنواراً حول العرش ، إذ لم يقل أحد بقدم هذه الأنوار.

وأمّا عن السؤال الثاني فنقول : ما هو مقصود أمير المؤمنينعليه‌السلام بقوله : « لا تقدرون على ذلك » ؟ فإذا كان قصده لا تقدرون على ما يقدر عليه أهل

____________

١ ـ شرح نهج البلاغة ١٦ / ٢٠٥.

٣٢٢

البيتعليهم‌السلام المعصومون بالعصمة الإلهية ، والعصمة التي هي بإرادتهم ، فإنّه لا يرد عليه أيّ إشكال.

( أنيس مهدي ـ الجزائر ـ )

الجبر والاختيار فيها :

س : هل الأئمّة المعصومون عليهم‌السلام مجبرين في عصمتهم؟ أم وارد احتمال الخطأ منهم ، وهم يمتنعون لسموّ أرواحهم الطاهرة؟

ج : العصمة تارة تكون من الذنب فهي باختيار المعصوم ، يتجنّبها المعصوم بإرادته ، ويكون الذنب أمام المعصوم واجتنابه عنه ، كما ينظر أحدنا للعذرة ويتجنّب عن أكلها ، مع قدرته على أكلها.

وتارة تكون عن السهو والنسيان فإنّها جبرية ، متعلّقة بعلم الله بأنّ هؤلاء سيكونون من أفضل البشر ، فاصطفاهم وطهّرهم تطهيراً.

( ابتسام ـ البحرين ـ )

آية ابتلاء إبراهيم :

س : السادة الأفاضل الرجاء التكرّم بالإجابة على سؤالي : من الأدلّة العقلية الدالّة على عصمة الإمام : آية ابتلاء إبراهيمعليه‌السلام في قوله تعالى :( وَإِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا قَالَ وَمِن ذُرِّيَّتِي قَالَ لاَ يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ ) (١) .

١ ـ إنّ الإمامة في الآية غير النبوّة ، لماذا؟

٢ ـ ما المراد من الظالمين؟

٣ ـ هناك شبهة تقول : إنّ الآية تشمل من كان مقيماً على الظلم ، وأمّا التائب فلا يتعلّق به الحكم ، لأنّ الحكم إذا كان معلّقاً على صفة وزالت الصفة زال الحكم ، فكيف نردّ على هذه الشبهة؟

____________

١ ـ البقرة : ١٢٤.

٣٢٣

ج : بالنسبة إلى السؤال الأوّل فنقول :

الإمامة أعلى شأناً من النبوّة ، إذ النبوّة هي مقام تلقّي الوحي فقط ، ولكن الإمامة رتبة التصدّي لقيادة الأُمّة على ضوء تعاليم الوحي ، فالإمام هو خليفة الله على الأرض لعظم المسؤولية التي تقع على عاتقه.

ومن هنا نعلم أنّ المناسب للرتبة التي منحت لإبراهيمعليه‌السلام بعد ابتلائه هو الإمامة ، مضافاً إلى أنّ ظهور كلمة :( إِمَامًا ) في الآية تدلّ بالصراحة على منصب الإمامة لا النبوّة ، فصرفها إلى النبوّة تكلّف بلا حجّة ولا دليل.

على أنّ المعنى واضح من خلال الآية ، فإبراهيمعليه‌السلام في أوان نبوّته كان لا يعلم بحصول ذرّية له في المستقبل ، بل وفي قصّة تبشير الملائكة بإسماعيل وإسحاق ما يلوح منه آثار اليأس والقنوط من الحصول على الأولاد ، فكيف والحال هذه يستدعي إبراهيمعليه‌السلام من الله تبارك وتعالى إعطاء رتبة الإمامة لذرّيته؟

فيظهر لنا أنّ هذا الدعاء كان بعد ولادة بعض ذرّيته على الأقل ، أي بعد حصوله على رتبة النبوّة.

ثمّ إنّ هنا أيضاً نقطة هامّة لابأس بالإشارة إليها ، وهي أنّ( جَاعِلُكَ ) اسم فاعل ، ولا يعمل إلاّ في الحال أو الاستقبال ، أي قوله تعالى :( إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا ) يدلّ على إعطاء الإمامة فيما بعد ، مع أنّ هذا القول هو وحي ، فلا يمكن وصوله إلاّ مع نبوّة ، فثبت أنّهعليه‌السلام كان نبيّاً قبل تقلّده الإمامة.

وبالنسبة إلى السؤال الثاني فنقول :

المقصود من الظالمين ، مطلق من صدر منه ظلم ، ولو في مقطع من الزمن ، وحتّى ولو تاب فيما بعد ، والآية بهذه الصراحة تريد أن تركّز على صفة العصمة في الإمام ، فمن لم تكن فيه هذه الميزة ـ ولو في برهة من عمره ـ لا يليق بهذا المقام.

وبالنسبة إلى السؤال الثالث فنقول :

٣٢٤

بداهة العقل تردّ هذه الشبهة ، فهل يعقل أنّ إبراهيمعليه‌السلام الذي عرف منزلة الإمامة وشأنها ـ بعد الابتلاءات العصيبة التي مرّ بها ـ يسأل هذه الرتبة للمقيم على الظلم؟! ألا يعلم هوعليه‌السلام أنّ هذه المكانة السامية لا تجتمع مع الشرك أو المعاصي؟! فمنه يظهر أنّ استدعائهعليه‌السلام الإمامة كان لمن لم يعص أبداً من ذرّيته أو عصى ثمّ تاب ، ونفى الله تعالى إعطائها لغير المعصوم من نسله ، فبقي المعصوم هو الذي يكون مشمولاً للآية.

ثمّ حتّى على فرض الأخذ بظهور الآية ، فإن كلمة :( الظَّالِمِينَ ) مطلقة ، وتشمل جميع من صدر منهم الظلم ـ سواء تابوا بعد أم لا ـ ولا دليل لتخصيصها بقسم دون آخر.

( محمّد أنور اللواتي ـ أمريكا ـ )

التوفيق بين ترك الأُولى لآدم وتوبته :

س : يقول علماؤنا الإجلاّء : إنّ النبيّ آدم عليه‌السلام ترك الأولى ولم يقترف ذنباً ، لعدم إمكانية ذلك في المعصوم ، ولكن القرآن الكريم يبيّن أنّ آدم عليه‌السلام تاب ، والتوبة لا تكون إلاّ من المذنب ، كيف نتمكّن من التوفيق بين الأمرين؟

ج : نلفت انتباهكم إلى الأُمور التالية :

١ ـ إنّ الأدلّة القائمة على العصمة أدلّة عقلية ونقلية قطعية ومسلّمة ، وقد ثبت في محلّه أنّ هذه الأدلّة هي مستقلّة عن الأمثلة ، أي أنّها لا يعتمد في إثباتها على الأمثلة ، وعليه فلا تقاس صحّة هذه الأدلّة بالأمثلة النقضية ، إذ أنّ النقوض تأتي فقط على الأدلّة التي تثبت عن طريق الاستقراء والتمثيل ، وبما أنّ المقام ليس كذلك ، فلا يرد عليه أيّ نقض تمثيلي ، بل يجب أن يفسّر كُلّ مورد ومثال على ضوء تلك القاعدة العامّة.

٢ ـ التوبة في اللغة هي في الأصل الرجوع عن الشيء والإقلاع عنه ، ولم يؤخذ في معنى الكلمة الرجوع عن المعصية بالذات ، ويؤيّد ما قلنا استعمال مادّة التوبة

٣٢٥

لله تعالى في القرآن الكريم ، نعم ، كثرة استعمالها في الرجوع عن المعاصي في العباد صرفت الكلمة إلى هذا المعنى.

ثمّ بناءً على ما ذكرناه آنفاً ، يتحتّم علينا أن نفسّر توبة آدمعليه‌السلام بما لا ينافي قاعدة العصمة ، فإنّ توبته كانت إقلاعاً ورجوعاً عن علمه السابق ، وإظهار الندم عليه ، ولكن لا دليل على أنّ ذلك العمل كان معصيةً ، بل نلتزم بأنّه كان تركاً للأولى ، حفظاً لقاعدة العصمة ، مع عدم منافاته لظهور الكلمة.

( حفيظ بلخيرية ـ تونس ـ )

مسألة خروج آدم من الجنّة :

س : إنّني من المعتقدين بعصمة الأنبياءعليهم‌السلام ، ولكن المرء يجد في القرآن الكريم عدّة آيات لا يجد لها تفسيراً واضحاً للردّ على الشبهات ، ومن بينها مسألة خروج آدمعليه‌السلام من الجنّة ، فإن كان غير مكلّف في الجنّة ـ كما جاء في تفسيركم ـ فالحال يشمل إبليس عليه اللعنة ، إذ أنّه خالف الله في مسألة السجود لآدم فلعنه الله.

أمّا فيما يخصّ اصطفاء آدم ، فما هو تفسير الآية :( فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِّنَفْسِهِ ) (١) .

ج : إنّ موضوع عصمة الأنبياءعليهم‌السلام يعتمد على أدلّة عقلية ونقلية ثابتة ومسلّمة ـ كما ذكر في محلّه ـ ومع النظر إلى هذه الأدلّة نعرف أنّها لا تعتمد في إثباتها على أمثلة وشواهد ، أي أنّها مستقلّة عنها ، وبعبارة أُخرى : لا يستفاد في إثبات أدلّة العصمة من القياس التمثيلي.

وعليه ، فلا ترد عليها ـ أي العصمة ـ نقوض من باب الموارد والأمثلة ، بل وبحسب القواعد العلمية يجب تفسير تلك الموارد غير الواضحة على ضوء أدلّة

____________

١ ـ فاطر : ٣٢.

٣٢٦

العصمة ، فإنّه من تفسير وتوضيح المشكوك بالقطعي ، وهذا ممّا يدلّ عليه الوجدان بالضرورة.

وممّا ذكرنا يظهر وجه الدلالة على عصمة آدمعليه‌السلام ، فيجب علينا أن نفسّر الأحداث والقضايا التي مرّت بهعليه‌السلام بعد الفراغ والتسليم لعصمته ، فلا معنى لورود النقض عليها ، هذا أوّلاً.

وثانياً : عدم تكليف آدمعليه‌السلام في الجنّة هو أحد الآراء في المسألة ، وهناك أقوال أُخرى ، وعلى سبيل المثال يرى بعضهم : أنّ النهي المتوجّه لآدمعليه‌السلام من قبل الله تعالى كان نهياً إرشادياً لا مولوياً ، ومعناه عدم صدور معصية منهعليه‌السلام في صورة ارتكابه للمنهي ، بل مجرد تعرّضه لبعض المتاعب والمصاعب تكويناً ، وهذا ما قد حدث ، فإنّهعليه‌السلام قد هبط إلى الأرض ومارس هو وولده الحياة الصعبة على وجهها إلى يوم القيامة ، بعدما كان قد تنعّم في الجنّة بدون تعب ومشقّة.

وأمّا إبليس ، فإنّه كان مكلّفاً بالأوامر والنواهي التكليفية ، كما يظهر من الأمر بالسجود المتوجّه إليه ، ومؤاخذته من قبل الله تعالى على عدم انصياعه لذلك الأمر.

فبالنتيجة : كان إبليس في عالم التكليف ، بخلاف آدمعليه‌السلام الذي لم يتوجّه إليه التكليف ـ عموماً أو في خصوص التناول من الشجرة المعينة ـ أو كان الأمر المتوجّه إليه إرشادياً ، أو أنّهعليه‌السلام كان قد ترك الأولى والأفضل.

وبالجملة : فصدور المعصية من إبليس أمر مسلّم ، لمخالفته الصريحة في مسألة السجود ، لكن الذي صدر من آدمعليه‌السلام لم تكن مخالفة مولوية ، بقرينة عدم مؤاخذته من قبل الله تعالى.

وأمّا بالنسبة لتفسير آية :( ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ ) (١) فملخّص القول فيه :

____________

١ ـ فاطر : ٣٢.

٣٢٧

أوّلاً : إنّ الكتاب المذكور هو القرآن ، بدليل أنّ الآية السابقة تصرّح بهذا المطلب :( وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ مِنَ الْكِتَابِ ) (١) ، فبدلالة السياق نعرف أنّ المقصود هو القرآن ، فاللام في( الْكِتَابِ ) للعهد دون الجنس.

ثانياً : اصطفاء آدمعليه‌السلام ثابت بحسب النصّ القرآني :( إِنَّ اللهَ اصْطَفَى آدَمَ وَنُوحًا ) (٢) .

ثالثاً : هذا الاصطفاء كان بعد هبوط آدمعليه‌السلام وتوبته ، وجعله خليفة الله في الأرض ، لا عند إسكانه في تلك الجنّة المعيّنة ، أو عند أكله للشجرة الممنوعة.

رابعاً : الضمير في( فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ ) فيه احتمالان :

الأوّل : أن يرجع إلى( عِبَادِنَا ) باعتبار قاعدة رجوع الضمير إلى الأقرب ، وعليه فالمعنى يكون واضحاً بلا شكّ وريب ، إذ لا يكون الظالم ـ حينئذٍ ـ مشمولاً للاصطفاء.

الثاني : أن يرجع إلى( الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا ) ، ولا مانع منه وتصحّ هذه النسبة ـ نسبة الوراثة ـ إلى الكلّ مع قيام البعض بها حقيقةً ، كما جاء في القرآن( وَأَوْرَثْنَا بَنِي إِسْرَائِيلَ الْكِتَابَ ) (٣) ، والحال نعلم أنّ المؤدّين لحقّ الكتاب والقائمين بأمره آنذاك بعض بني إسرائيل لا جميعهم.

خامساً : كما ذكرنا في مقدّمة الجواب ، فإنّ ظلم آدمعليه‌السلام لنفسه لم يكن ظلماً تشريعياً ، أي لم يخالف الله تعالى في أمر تكليفي مولوي يستحقّ العقاب والمؤاخذة ، بل ظلم نفسه بإلقائها في المتاعب والمشاكل الدنيوية ، وإن استدركه بالتوبة والاستغفار والإنابة.

سادساً : الظاهر من الآية المذكورة :( ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ ) أنّها بصدد تعريف المصطفين بعد النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله ، بدلالة سبقها بآية( وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ مِنَ

____________

١ ـ فاطر : ٣١.

٢ ـ آل عمران : ٣٣.

٣ ـ غافر : ٥٣.

٣٢٨

الْكِتَابِ ) ، وبقرينة الروايات الواردة عن المعصومينعليهم‌السلام ، فلا تشمل المصطفين من الأُمم السابقة ، وإن سلّمنا باصطفائهم بأدلّة عقلية ونقلية أُخرى.

( أبو أحمد البحراني ـ البحرين ـ ٣١ سنة ـ طالب علم )

الفرق بين اختيار المعصوم بالإمكان الذاتي وحتمية العصمة بالإمكان الوقوعي :

س : أرجو منكم توضيح الفارق : بين اختيار المعصوم بالإمكان الذاتي ، وحتمية العصمة بالإمكان الوقوعي؟

وببيان آخر : إنّ المعصوم في ذاته يمكن أن يصدر منه الخطأ ، فعدم ارتكابه للمعصية هو عن اختيار ، وذلك يرجع لانكشاف الواقع له كما هو ، أمّا بالإمكان الوقوعي فهو لا يمكن أن يعصي ، وذلك للزوم المحال في صدور المعصية منه خارجاً.

أرجو من سماحتكم بيان وجه المحالية بالشرح والتوضيح مع ضرب الأمثلة ، وهل يلزم من القول بمحالية وقوع المعصية منه خارجاً على نحو الإمكان الوقوعي كون الإمام مجبوراً وغير قادر على فعل المعصية خارجاً؟

هذا هو سؤالي ، أرجو التوضيح التامّ للمسألة يخرج منه اللبس والإيهام ، ودمتم مسدّدين.

ج : العصمة هي مناعة وصيانة عن الوقوع في الخطأ والمعصية ، ولكن ليست هذه الحصانة تنفي قدرة واختيار المعصومعليه‌السلام ، بل صدور الخطأ ممكن منهعليه‌السلام من حيث الفرض ، ولكن لا يقع عملاً ، وهذا ما يسمّى بالإمكان الوقوعي ، أي أنّ الزلل ممكن منهعليه‌السلام وقوعاً ـ وليس ممتنع ذاتاً ـ ولكن لا يرتكب المعصية ، وذلك وفقاً لأدلّة العصمة.

والمقصود من الاستحالة في المقام هي الاستحالة الوقوعية لا الذاتية ، وهذه الاستحالة الوقوعية هي نتيجة الاعتماد على أدلّة العصمة.

٣٢٩

فالترتيب المنطقي للموضوع هكذا : إنّ صدور السلبيات من المعصومعليه‌السلام ممكن نظرياً بالإمكان الوقوعي ، ولكن نظراً إلى أدلّة العصمة نلتزم باستحالة ذلك بالاستحالة الوقوعية.

فترى أنّ هذه الاستحالة لا تفرض حالة جبرية على المعصومعليه‌السلام ، بل هي نتيجة الأخذ بأدلّة العصمة.

وإن شئت عبّرت عن الموضوع : بأنّ المعصومعليه‌السلام لا يصدر منه الخطأ والمعصية في الخارج ، وإن كان صدورها منهعليه‌السلام ممكن الوقوع عقلاً.

( كميل ـ عمان ـ ٢٢ سنة ـ طالب جامعة )

آية التطهير تدلّ على عصمة أهل البيت :

س : يشكّك البعض في آية التطهير ، قائلين بأن لو كان بالفعل تدلّ على العصمة ، فلم حكم شريح القاضي على أمير المؤمنين لصالح ذاك اليهودي؟ ولم يفعل مثل ذو الشهادتين؟ فإن كان الإمام عليه‌السلام معصوماً وجب على شريح تصديقه.

ج : إنّ القواعد العلمية في كُلّ مجال تقتضي أن يفسّر المردّد أو المشكوك على ضوء المقطوع والمتيقّن ؛ وفي المقام : فإنّ دلالة آية التطهير لا يشوبها شكّ ولا ريب في إفادتها العصمة لأهل البيتعليهم‌السلام ، وأمّا ما توهّم كنقض في هذا المجال فجوابه من وجوه :

١ ـ إنّ الأدلّة القائمة على لزوم العصمة في الأنبياء والأئمّةعليهم‌السلام ليست منحصرة في آية التطهير فحسب ، بل وإنّ لها دلائل كثيرة عقلية ونقلية من الكتاب والسنّة ـ كما هو مقرّر في علم الكلام ـ.

٢ ـ إنّ في مسألة خزيمة ، كان طرف النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله أعرابياً مسلماً ، وبحسب الظاهر كان يجب على هذا الأعرابي الإيمان بالنبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله وعصمته وأقواله ، فلا يحقّ له أن يعارض قول النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله أو أن يحاججه ، وشهادة خزيمة كانت من

٣٣٠

باب حفظ الظواهر والموازين ، وإلاّ لم تكن هناك حاجة إلى شهادة شاهد أساساً.

وأمّا في موضوع حكم شريح ، كانت الدعوى بين أمير المؤمنينعليه‌السلام ويهودي ، فحينئذ لا مجال لفرض قبول عصمة أمير المؤمنينعليه‌السلام في أقواله وأفعاله من جانب ذلك اليهودي ، وعليه فلابدّ وأن تكون الحكومة والقضاء بينهما بالطريقة المألوفة من الأيمان والبيّنات ، فنفذّ شريح الأسلوب القضائي المتعارف بين الناس ، مع غضّ النظر عن مقام الإمامة ، حتّى لا يتوجّه إشكال مبنائي بينهعليه‌السلام وبين اليهودي.

٣ ـ ليس لنا علم ويقين بأنّ أشخاصاً ـ كشريح ـ كانت لهم تلك المعرفة الحقيقية بمقام الإمامعليه‌السلام وعصمته ، حتّى تكون تصرّفاتهم على ضوء تلك العقيدة الصحيحة ؛ بل وإنّ البعض منهم كانوا يرون الإمامعليه‌السلام كخليفة ليس إلاّ ، وعليه فيمكن أن يكون أسلوب شريح في هذا الموضوع على ضوء هذا الاحتمال.

بقي أن نعلم بأنّ الإمامعليه‌السلام خوفاً من إثارة الفتن ، وحفظاً لمصالح عليا ، رجّح إبقاء أمثال شريح ـ مع ما كانوا عليه ـ في منصبه القضائي ، ريثما تتهيّأ الأرضية المناسبة لتبديله أو إقصائه.

( عبد الكريم ـ المغرب ـ ٤٥ سنة ـ دكتوراه في الطبّ )

غير واجبة في حقّ العلماء :

س : لدّي إشكال في قضية انتفاء عصمة المرجعية عند الشيعة في عصرنا ؛ إذ أنّ تقليد غير المعصوم يفضي إلى إمكانية الخطأ ؛ والله تعالى يقول : ( وَلاَ

٣٣١

تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى) (١) ، وقوله : ( إِذْ تَبَرَّأَ الَّذِينَ اتُّبِعُواْ مِنَ الَّذِينَ اتَّبَعُواْ وَرَأَوُاْ الْعَذَابَ وَتَقَطَّعَتْ بِهِمُ الأَسْبَابُ ) (٢) .

ج : إنّ عقيدة الإمامية هي عصمة الإمامعليه‌السلام لا غيره ـ كما هو واضح ومبرهن بالأدلّة العقلية والنقلية ـ لأنّ العصمة في كُلّ شخص على خلاف الأصل ، إذ القاعدة الأوّلية في كُلّ إنسان السهو والغفلة والخطأ والنسيان ، إلاّ ما أخرجه دليل العصمة من شمول هذه القاعدة.

ومن جانب آخر نعلم بأنّ دليل العصمة لا يتولّى إثبات عصمة ما عدا المعصومين المعنيينعليهم‌السلام .

بقيت هنا نقطة فيها من الإبهام وهي : أنّه قد يتساءل البعض كيف نفرّق بين مقام الإمامعليه‌السلام والمجتهد؟ ونلتزم بالعصمة في الأوّل دون الثاني ، إذ أنّهما كليهما يتولّيان زعامة الدين والطائفة ، فلماذا هذا التمييز؟

والجواب يكمن في نحوية الزعامة والمسؤولية ، فالإمام المعصومعليه‌السلام يلقى على عاتقه بيان الأحكام الواقعية المتلقّاة من مصادر الوحي والنبوّة ، وعليه فالعصمة شرط لازم في نطاق وظيفته ؛ وإلاّ فلا يمكن الاعتماد على أيّ حكم صادر منهمعليهم‌السلام بأنّه حكم إلهي.

وأمّا المجتهد فحوزة مسؤوليّته تقع في مجال السعي لحصول تلك الأحكام الواقعية ، فربّما يظفر على الحكم الواقعي ، وأحياناً يطبّق الحكم الظاهري ، وعلى أيّ حال فهو معرّض للخطأ في اجتهاده.

ثمّ إنّ الحكمة في هذا الاختلاف هي أنّ طروّ الخطأ والسهو في مجال وظيفة المجتهد ، لا يؤثّر في أركان العقيدة ، والمباني الأساسية للدين والمذهب ، إذ أنّ نطاق الاجتهاد هو بنفسه مضيّق ومحدود ، فمثلاً لا يجتهد المجتهد في أُصول الدين والمذهب ، والضروريات والموضوعات ، فلا تمسّ أخطاؤه المبدأ والعقيدة ،

____________

١ ـ الأنعام : ١٦٤.

٢ ـ البقرة : ١٦٦.

٣٣٢

بخلاف احتمال خطأ الإمامعليه‌السلام ، فإنّه يضعضع أوامر السماء من الأساس ، فيتحتّم على المولى الحكيم أن يعصمه من الخطأ والزلل حذراً من تضييع الدين ؛ وهذا هو الفارق بين المقامين.

وأمّا مسألة اختلاف الأنظار والفتاوى ، فإنّه ممّا لابدّ منه بعد قبول أصل الاجتهاد ، ولكن هذا لا يصطدم مع أصل الدين والمذهب ، فإنّ الدين يبقى في كماله ، ولو أنّ فهم المجتهدين قد يختلف في تلقّيهم داخل ذلك النطاق المعترف به.

( السعودية ـ سنّي ـ ٢٥ سنة ـ طالب )

صلح الحسن وقتال الحسين لا ينفي عصمتهما :

س : يزعم الرافضة أنّ الأئمّة معصومون ، فكيف تنازل الإمام الحسن المعصوم لمعاوية؟ هل يعني هذا أنّ خلافة معاوية شرعية؟ أم أنّ الحسن أخطأ؟ وإذا كان مخطئاً كيف يتوافق هذا مع عقيدة العصمة؟ ثمّ كيف تنازل عن الخلافة وقد نالها بنصّ إلهي كما تزعمون؟

ولماذا خرج الحسين لمقاتلة الأُمويين؟ وهو مخالف لما فعله الحسن من قبل ، فأيّهما كان مصيباً ، وأيّهما كان مخطئاً؟

ج : إنّ الشيعة لا تعتقد شيئاً إلاّ على أساس الأدلّة والبراهين العقلية أو النقلية ، وتلتزم بأيّ مطلب يستدلّ عليه بالأدلّة الواضحة والجلية ، ولا تخشى أيّ مانع في هذا المجال ؛ ولكن في نفس الوقت تتوقّع من الضمائر الحيّة والحرّة أن تنصف فيما تقول ، ثمّ لها الخيار في الحكم في المقام.

وأمّا ما طرحته من مسألة العصمة ، فإنّها مورد اتفاق الشيعة ، بما أنّها مستخرجة من الأدلّة القطعية من الكتاب والسنّة والعقل والإجماع ، وبعبارة أُخرى : إنّ دليل العصمة لم يكن دليلاً استقرائياً أو تمثيلياً ، بل هو دليل منتج من العقل والنقل.

٣٣٣

وعليه فلا يتوهّم ورود النقض عليه ، إذ النقض لا يمكن وروده على الدليل القطعي ، فنستنتج أنّ النقوض المتوهّمة ليست على ما هي ، بل إنّها توهّمات خالية من الدلالة ، ثمّ بعد الفحص عنها نرى ماهية هذه التوهّمات كما يلي :

١ ـ إنّ صلح الإمام الحسنعليه‌السلام لم يكن تنازلاً منه عن الإمامة الإلهية ، بل كان عملاً مرحلياً لكشف زيف معاوية في المجتمع الإسلامي ، فهو شبه مهادنة ، أو مصالحة مؤقّتة ، لأجل مصالح عامّة ـ قد ذكرت في مظانّها ـ ومعاوية لا يستحقّ الإمارة ، فكيف يستحقّ الخلافة؟

ثمّ لا غرابة لهذا الموقف في سيرة المعصومينعليهم‌السلام ، فمثلاً بأيّ تفسير يجب أن نقتنع بصلح الحدبيية؟ أليس النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله كان معصوماً في أفعاله وتصرّفاته؟ وهل أنّ الصلح المذكور يقلّل ـ والعياذ بالله ـ من مرتبة النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله ؟ أو أنّه يعتبر تنازلاً؟! فالصحيح أنّ أمثال هذه الموارد بأسرها هي من شؤون الإمام المعصومعليه‌السلام ، وليس فيها أيّ إشعار أو إشارة بتنازل أو عدول عن الخطّ المستقيم.

٢ ـ إنّ موقف الحسينعليه‌السلام يختلف مع موقف أخيه الإمام الحسنعليه‌السلام في الظروف التي واجهها ، وذلك باختلاف معاوية عن يزيد في تصرّفاته ، فإنّ معاوية كان يتظاهر بالشعائر والالتزمات الدينية بحدّ وسعه ، لتغطية أفعاله الشرّيرة ، وهذا كان يسبّب ـ إلى حدّ كبير ـ التمويه على المسلمين ، فهم كانوا لا يعرفونه حقّ المعرفة ، إلى أن عرّفه الإمام الحسنعليه‌السلام بتخليه الساحة له مؤقّتاً ، حتّى يراه المسلمون كما هو ، ويتّضح لهم ما كان وما يريد.

وعلى العكس فإنّ يزيد لم يكن يرى أيّ إحراج في إعلانه الفسوق والعصيان ، وإظهاره شعائر الكفر والشرك علانية ، فلا يبقى فرض مدّة أو طريقة لتعريفه لدى المسلمين ، بل أنّ الواجب كان يلزم على الإمام الحسينعليه‌السلام أن يقوم في وجهه حفظاً لدين جدّه المصطفىصلى‌الله‌عليه‌وآله من التلاعب بيد الطغمة الظالمة ، المتمثّلة في كيان الخلافة آنذاك.

٣٣٤

وبعد ذلك ألسنا نرى التمايز في ظروف زمانهما الذي ولّد اختلاف موقف أحدهما عن الآخرعليهما‌السلام .

( علي ـ المغرب ـ سنّي ـ ٢٨ سنة ـ طالب جامعة )

ردّ توهّمات أهل السنّة في عصمة النبيّ :

س : تعتقد الشيعة على خلاف أهل السنّة العصمة التامّة والكاملة للرسول محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله ، حتّى في الشؤون المتعلّقة بالحياة المعيشية ، فما قولكم في المسألة؟

خاصّة وأنّ الكثير من النصوص القرآنية والشواهد التاريخية تثبت ـ بما لا يدع مجالاً للشكّ ـ ما يذهب إليه أهل السنّة ، فما قولكم في واقعة أسرى بدر؟ وترخيصه لبعض من تخلّف من المقاتلين في عدم المشاركة في الجهاد ، أو النزول عند الموقع المحدّد في واقعة بدر الكبرى ، وكذلك تأبير النخل في الحديث المشهور عنهصلى‌الله‌عليه‌وآله : « أنتم أعلم بشؤون دنياكم » حين بدا له عدم صواب رأيه؟

المرجو إيفادنا بالشرح المستفيض والدقيق ، معزّزاً بالأدلّة الشرعية من مصادر أهل السنّة ، وكذلك الشيعة ما أمكن ، لكُلّ حادثة من الحوادث المذكورة أعلاه ، ولكم جزيل الشكر والامتنان.

ج : إنّ الأدلّة القائمة على العصمة التامّة ـ للأنبياءعليهم‌السلام عموماً ، ولنبيّنا محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله خصوصاً ـ أدلّة عقلية ونقلية لا يعتريها الشكّ والريب ـ كما قرّر في محلّه ـ وعليه فلابدّ من تأويل ما جاء خلافه ـ إن صحّ سنده ـ فإنّ ما يوهم خلاف تلك القاعدة مردود ، إذ أنّ القاعدة المذكورة لم تبتن على الأمثلة حتّى يرد عليها النقض ، بل يجب أن يفسّر كُلّ حادث على ضوء تلك القاعدة.

ثمّ إنّ ما ذكرتموه في المقام ، لا يصلح لأن يكون مورداً للنقض لما يلي :

أوّلاً : إنّ ما ذكر في بعض كتب السير والتاريخ ـ من أنّ النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله قد نزل أدنى ماء ببدر أوّلاً ، وثمّ بعد ما أشار عليه الحباب بن المنذر بأن ينزل أدنى ماء

٣٣٥

من القوم ، ويصنع أحواضاً ويمنع المشركين من الماء ، صوّب الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله رأيه وأمر بتنفيذه ـ لم يصحّ لوجوه :

منها : إنّ المشركين هم الذين سبقوا بالنزول في بدر ، ولا يعقل أن ينزلوا في مكان لا ماء فيه ، ويتركوا الماء لغيرهم من المسلمين.

ومنها : إنّ العدوة القصوى التي نزلها المشركون كان فيها الماء ، وكانت أرضاً لابأس بها ، على العكس ممّا نزلها المسلمون ، وهي العدوة الدنيا ، إذ كانت غبار تسوخ فيها الأرجل ، ولم يوجد فيها الماء(١) .

ومنها : إنّ ابن الأثير ـ من أصحاب السير ـ ينصّ على أنّ المشركين وردوا الحوض ، فأمر النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله أن لا يعترضوهم(٢) .

ومنها : إنّ المنع من الماء لا ينسجم مع أخلاقيات ومبادئ الإسلام ونبيّه الأعظمصلى‌الله‌عليه‌وآله .

فإذاً ، الصحيح هو الرواية التي تقول بأنّ المسلمين لم يكونوا على الماء ، فأرسل الله السماء عليهم ليلاً حتّى سال الوادي ، فاتخذوا الحياض كما جاء في الذكر الحكيم :( إِذْ يُغَشِّيكُمُ النُّعَاسَ أَمَنَةً مِّنْهُ وَيُنَزِّلُ عَلَيْكُم مِّن السَّمَاء مَاء لِّيُطَهِّرَكُم بِهِ وَيُذْهِبَ عَنكُمْ رِجْزَ الشَّيْطَانِ وَلِيَرْبِطَ عَلَى قُلُوبِكُمْ وَيُثَبِّتَ بِهِ الأَقْدَامَ ) (٣) ، وهذا هو سرّ بناء الأحواض لا ما ذكروه.

ثانياً : إنّ البعض قد ذكروا : أنّ الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله رخّص طلحة بن عبيد الله وسعيد بن زيد وعثمان في عدم المشاركة في بدر ، ثمّ ضرب لهم سهامهم من الغنائم.

____________

١ ـ فتح القدير ٢ / ٣١١ ، شرح نهج البلاغة ١٤ / ١١٨ ، جامع البيان ١٠ / ١٤ ، زاد المسير ٣ / ٢٤٦ ، الجامع لأحكام القرآن ٨ / ٢١ ، تفسير القرآن العظيم ٢ / ٣٢٦ ، الدرّ المنثور ٣ / ١٦٦ ، الطبقات الكبرى ٢ / ٢٧.

٢ ـ الكامل في التاريخ ٢ / ١٢٣.

٣ ـ الأنفال : ١١.

٣٣٦

وهذا أيضاً من الموضوعات ، إذ جاء في بعض الكتب : أنّ العلّة للتخلّف في الأوّليين ـ طلحة وسعيد ـ هو التجسّس لخبر العير بأمر النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله (١) ، وجاء في بعضها الآخر : أنّهما كانا في تجارة إلى الشام(٢) ؛ فإذا كانت العلّة هذه ، هل يعقل أن يضرب لهما سهامهما من الغنائم؟! خصوصاً أنّ السيوطي وغيره ينكران هذه الفضيلة لغير عثمان(٣) .

وأمّا في مورد عثمان ، فإنّ الرواية التي تذكر علّة تخلّفه ـ أنّها لتمريض زوجته رقية بأمر الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله ـ متعارضة مع الرواية التي تصرّح بأنّ العلّة هي إصابة عثمان نفسه بالجدري(٤) .

وأيضاً كان بعض المسلمين يعيّرون عثمان بعدم حضوره في بدر ، وهذا لا ينسجم مع رخصته فيه ، إذ كيف خفي هذا العذر على مثل عبد الرحمن بن عوف ، وابن مسعود(٥) .

وأخيراً : لقد جاء في حديث مناشدة عليعليه‌السلام لأصحاب الشورى ـ وفيهم طلحة وعثمان ـ قوله : « أفيكم أحد كان له سهم في الحاضر وسهم في الغائب »؟ قالوا : لا(٦) ، وهذا يفنّد كلام القوم من الأساس!!

ثالثاً : إنّ ما يذكر من خطأ اجتهاد النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله ـ والعياذ بالله ـ في موضوع أُسرى بدر لا أساس له من الصحّة ، فالآية التي يشير إليها البعض في المقام( مَا

____________

١ ـ السيرة الحلبية ٢ / ٢٠٣ ، أُسد الغابة ٢ / ٣٠٧ ، تاريخ المدينة ١ / ٢١٩ ، سبل الهدى والرشاد ٤ / ١٩.

٢ ـ التنبيه والإشراف : ٢٠٥ ، المستدرك ٣ / ٣٦٨ ، الاستيعاب لابن عبد البر ٢ / ٧٦٥ ، المعجم الكبير ١ / ١١٠.

٣ ـ السيرة الحلبية ٢ / ٢٥٤.

٤ ـ المصدر السابق ٢ / ٢٥٣.

٥ ـ مسند أحمد ١ / ٦٨ و ٧٥ ، مجمع الزوائد ٧ / ٢٢٦ ، الدرّ المنثور ٢ / ٨٩ ، تفسير القرآن العظيم ١ / ٤٢٨ ، تاريخ مدينة دمشق ٣٩ / ٢٥٨ ، البداية والنهاية ٧ / ٢٣١.

٦ ـ كنز العمّال ٥ / ٧٢٥ ، تاريخ مدينة دمشق ٤٢ / ٤٣٥.

٣٣٧

كَانَ لِنَبِيٍّ أَن يَكُونَ له أَسْرَى ) (١) في وزان إيّاك أعني واسمعي يا جارة ، فالمقصود من الآية المسلمون لا النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله ، إذ أنّ الالتزام به يكون بمعنى مخالفة النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله لأوامر الوحي ، وهذا محالّ.

ولكنّ المعنى أنّ الصحيح في المقام هو الحكم الأوّلي في شأن الأسرى ببدرٍ كان القتل ، وهو حكم خاصّ بهم ، لا أنّ الفداء لا يحلّ أبداً في الأسرى ، إذ قد عمل به ـ الفداء ـ في واقعة عبد الله بن جحش قبل بدر بأزيد من عام ، ولم ينكره الله تعالى(٢) ، وبعدما أصرّ المسلمون على مخالفة ذلك الحكم الأوّلي ، عاتبهم الله تعالى فاستحقّوا العذاب ثمّ عفا عنهم.

ويدلّ عليه أنّه جاء في بعض النصوص : أنّ جبرائيلعليه‌السلام أخبر النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله بكراهة ما صنعه قومه من أخذ الفداء ، وأخبره بأنّ الله أمره أن يخيّرهم بين قتل الأسرى وأخذ الفداء ، على أن يقتل منهم في المستقبل بعددهم ، فرضوا بالفداء والشهادة(٣) ، وعلى الأخصّ فقد نصّ البعض على أنّ النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله مال إلى القتل(٤) .

رابعاً : إنّ حديث تأبير النخل ـ بالشكل الذي نقلوه ـ لا يوافق العقل والنقل ، لوجوه :

منها : إنّ النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله كان يعيش في منطقة تغصّ بالنخل ، فهل يعقل أنّه لم يكن يعرف تأثير تأبير النخل وفائدته؟ وأنّ النخل لا ينتج بدونه؟! والحال نرى أنّ الرواية المزعومة تقول : بأنّ الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله نفى لزوم التأبير فتركوه.

ومنها : كيف نصدّق بأنّ النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله يرضى بإدخال ذلك الضرر الجسيم عليهم ـ عدم نتاج نخلهم ـ بتصرّفه فيما ليس من اختصاصه؟!

____________

١ ـ الأنفال : ٦٧.

٢ ـ السيرة الحلبية ٢ / ٢٦٣.

٣ ـ المصنّف للصنعاني ٥ / ٢٠٩ ، الطبقات الكبرى ٢ / ٢٢ ، عيون الأثر ١ / ٣٧٣ ، الدرّ المنثور ٣ / ٢٠٢.

٤ ـ الكامل في التاريخ ٢ / ١٣٦.

٣٣٨

ومنها : إنّهصلى‌الله‌عليه‌وآله كيف يقول لهم ـ حسب الرواية المذكورة ـ أنّ العملية كانت من ظنونه ـ والعياذ بالله ـ وليس لهم أن يؤاخذوه بالظنّ ، في الوقت الذي كان يحثّ الناس على كتابة ورواية ما يصدر عنه(١) .

وصفوة القول : أنّ العصمة لها أدلّتها القيّمة من العقل والنقل ، فلا تنثلم بما نقل بخلافها مع وهن السند والدلالة.

( أحمد الأسدي ـ اندونيسيا ـ ٢٦ سنة ـ خرّيج ثانوية )

النبيّ لم يكن مخاطباً في قوله :( وَلاَ تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ ) :

س : قال تعالى :( وَلاَ تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ إِنِّي فَاعِلٌ ذَلِكَ غَدًا إِلاَّ أَن يَشَاء اللهُ ) (٢) .

كيف يخاطب القرآن النبيّ هكذا؟ ونحن نعرف عصمة النبيّ عن الخطأ ، هل النبيّ نسي أن يقول أن شاء الله؟ أجيبوا جزاكم الله.

ج : الآية الكريمة لا تنافي العصمة عند النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله ، إذ الخطاب موجّه للمكلّفين ، والقرآن نزل بإيّاك أعني واسمعي يا جارة ، وليس هو خطاب للنبيصلى‌الله‌عليه‌وآله .

ثمّ على قول من قال أنّه خطاب للنبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ، فليس فيه ما يسيء إلى عصمتهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، إذ ذلك من الله تعالى تذكير لهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، بأنّ كُلّ أمر موقوف على إرادته واشائته ، فإن شاء كان ، وإن لم يشأ لم يكن ، وهوصلى‌الله‌عليه‌وآله غيرُ غافلٍ عن ذلك ، وقد شهد الله تعالى له بذلك ، فقال :( وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ ) (٣) ، وقالصلى‌الله‌عليه‌وآله : « أدّبني ربّي فأحسن تأديبي »(٤) .

____________

١ ـ مجمع الزوائد ١ / ١٣٩ ، ١٥١ ، الجامع الصغير ١ / ٤٠٤ ، كنز العمّال ١٠ / ٢٢٤ و ٢٢٩.

٢ ـ الكهف : ٢٣ ـ ٢٤.

٣ ـ القلم : ٤.

٤ ـ شرح نهج البلاغة ١١ / ٢٣٣ ، الجامع الصغير ١ / ٥١ ، كشف الخفاء ١ / ٧٠.

٣٣٩

وقد كانت سنّة الأنبياء تعليق كُلّ شيء على إرادته تعالى ، فقال تعالى حكاية عن موسى :( قَالَ سَتَجِدُنِي إِن شَاء اللهُ صَابِرًا وَلاَ أَعْصِي لَكَ أَمْرًا ) (١) ، وقال حكاية عن شعيب :( وَمَا أُرِيدُ أَنْ أَشُقَّ عَلَيْكَ سَتَجِدُنِي إِن شَاء اللهُ مِنَ الصَّالِحِينَ ) (٢) ، وقال حكاية عن إسماعيل :( قَالَ يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِي إِن شَاء اللهُ مِنَ الصَّابِرِينَ ) (٣) .

وهكذا هي سنّة الأنبياء في مخاطباتهم ، بل تعليق الفعل على إرادته سيرة الصالحين ، فكيف بخيرة الصالحين وخاتم الأنبياء والمرسلين يصدر منه خلاف إرادته تعالى ، ومن ثمّ يعاتب عليه؟ فثبت أنّ ذلك خطاب للمكلّفين دونهصلى‌الله‌عليه‌وآله .

( حبيب ـ الدانمارك ـ سنّي حنفي ـ ٢٠ سنة )

معالجة الآيات الواردة خلافها :

س : قال العلاّمة الحلّي : « إنّه لو جاز عليه ـ أي الإمام ـ السهو والخطأ ، لجاز ذلك في جميع أفعاله ، ولم يبق وثوق بإخباراته عن الله تعالى ، ولا بالشرائع والأديان ، جواز أن يزيد فيها وينقص سهواً ، فتنتفي فائدة البعثة.

ومن المعلوم بالضرورة : أنّ وصف النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله بالعصمة ، أكمل وأحسن من وصفه بضدّها ، فيجب المصير إليه ، لما فيه من الاحتراز عن الضرر المظنون ؛ بل المعلوم »(٤) .

كُلّ ما سبق من كلامه يردّه كتاب الله ، الذي أشار إلى وقوع بعض الأنبياء في المعاصي والتوبة ، منها : قوله تعالى عن موسىعليه‌السلام : ( لاَ تُؤَاخِذْنِي بِمَا نَسِيتُ وَلاَ تُرْهِقْنِي مِنْ أَمْرِي عُسْرًا ) (٥) ، لماذا يعتذر موسى عليه‌السلام كُلّما سأل

____________

١ ـ الكهف : ٦٩.

٢ ـ القصص : ٢٧.

٣ ـ الصافات : ١٠٢.

٤ ـ الرسالة السعدية : ٧٥.

٥ ـ الكهف : ٧٣.

٣٤٠

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

سلوك ذلك الطريق.

وتشير الآية التالية إلى الأمر الحتمي الذي به تطوى آخر صفحات مشوار الحياة الدنيا :( ثُمَّ أَماتَهُ فَأَقْبَرَهُ ) .

ومن المعلوم أنّ «الإماتة» من الله تعالى والدفن على ظاهره من عمل الإنسان ، ولمّا كانت عملية الدفن تحتاج إلى نسبة من الذكاء والعقل بالإضافة إلى توفر بعض المستلزمات الضرورية لذلك ، فقد نسب الدفن «فأقبره» إلى الله تعالى.

وقيل : نسب الله ذلك إليه ، باعتبار تهيئة الأرض قبرا للإنسان.

قيل : تمثل الآية حكما شرعيا ، وأمرا إلهيا في دفن الأموات.

وعلى أيّة حال ، فالدفن من عناية ولطف وتكريم الله للإنسان ، فلولا أمره سبحانه بالدفن لبقيت أجساد الإنسان الميتة على الأرض وتكون عرضة للتعفن والتفسخ وطعما للحيوانات الضارية والطيور الجارحة ، فيكون الإنسان والحال هذه في موضع الذّلة والمهانة ، ولكنّ لطف الباريعزوجل على الإنسان في حياته وبعد مماته أوسع ممّا يلتفت فيه الإنسان لنفسه أيضا.

وحكم دفن الأموات (بعد الغسل والتكفين والصلاة) ، يبيّن لنا إنّه ينبغي على الإنسان أن يكون طاهرا محترما في موته ، فكيف به يا ترى وهو حيّ؟!

وذكر الموت في الآية باعتباره نعمة ربّانية ، أضفى بها الباري على الإنسان

وبنظرة تأملية فاحصة سنجد حقيقة ذلك ، فالموت في حقيقة عبارة عن :

أوّلا : مقدمة للخلاص من أتعاب وصعاب هذا العالم ، والانتقال إلى عالم أوسع.

ثانيا : فسح المجال لتعاقب الأجيال على الحياة الدنيا لمتابعة مشوار التكامل البشري بصورة عامّة ، ولولا الموت لضاقت الأرض بأهلها ، ولما كان ممكنا أن تستمر عجلة الحياة على الأرض.

٤٢١

وأشارت الآيات (٢٦ ـ ٢٨) من سورة الرحمن إلى نعمة الموت ، بالقول :( كُلُّ مَنْ عَلَيْها فانٍ وَيَبْقى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلالِ وَالْإِكْرامِ فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ ) ؟!

فالموت على ضوء الآية المباركة من مفردات النعم الكبيرة للباري جلّ شأنه على البشرية.

نعم فالدنيا وجميع ما تحويه من نعم ربّانية لا تتعدى كونها سجن المؤمن ، والخروج منها إطلاق سراح من هذا السجن الكئيب.

وإذا كانت النعم سببا لوقوع الإنسان في غفلة عن الله ، فالموت خير رادع لا يقاظه وتحذيره من الوقوع في ذلك الشرك ، فهو والحال هذه نعمة جليلة الشأن.

أضف إلى ذلك كلّه ، إنّ الحياة لو دامت فسوف لا يجني الإنسان منها سوى الملل والتعب ، فهي ليست كالآخرة التي تحمل بين ثناياها النشاط والسعادة الأبدية.

وينتقل البيان القرآني إلى يوم القيامة :( ثُمَّ إِذا شاءَ أَنْشَرَهُ ) .

«أنشره» : من (النشر) ، بمعنى الانبساط بعد الجمع ، فالكلمة تشير بأسلوب بلاغي رائع إلى جمع كلّ حياة الإنسان عند الموت لتنشر في محيط أكبر وأعلى (يوم القيامة).

ومع أنّ الآية السابقة لم تشر إلى مشيئة الله في عمليتي الموت والإقبار( ثُمَّ أَماتَهُ فَأَقْبَرَهُ ) ، إلّا أنّ «النشر» قد اقترن بمشيئته سبحانه في الآية المبحوثة( ثُمَّ إِذا شاءَ أَنْشَرَهُ ) يمكن حمل ذلك على كون إشارة لعدم معرفة أيّ مخلوق بوقت حدوث يوم القيامة ، وأمّا الموت فهو معروف إجمالا ، حيث كلّ إنسان يموت بعد عمر طبيعي.

وتأتي الآية الأخيرة من الآيات المبحوثة لتبيّن لنا ما يؤول إليه الإنسان من ضياع في حال عدم اعتباره بكلّ ما أعطاه الله من المواهب ، فالرغم من حتمية

٤٢٢

تسلسل حياة الإنسان من نطفة حقيرة ، مرورا بما يطويه من صفحات الزمن العابرة ، حتى يموت ويقبر ، لكنّه( كَلَّا لَمَّا يَقْضِ ما أَمَرَهُ ) (١) .

جاءت «لمّا» ، ـ التي عادة ما يستعمل للنفي المصاحب لما ينتظر ويتوقع ـ كإشارة إلى ما وضع تحت اختيار وعين الإنسان من نعم إلهية وهداية ربّانية وأسباب التذكير ، لأجل أن يرجع الإنسان إلى ما فطر عليه ويؤدي ما عليه من مسئولية وتكاليف ، ولكنّه مع كلّ ذلك فلا زال غير مؤد لما عليه!

وثمّة احتمالات فيمن عنتهم الآية :

الأوّل : إنّهم السائرون في طريق الكفر والنفاق ، إنكار الحق ، الظلم والعصيان ، بقرينة الآية (٣٤) من سورة إبراهيم :( إِنَّ الْإِنْسانَ لَظَلُومٌ كَفَّارٌ ) .

الثّاني : إنّهم جميع البشر لأنّ المؤمن والكافر يلتقون معا في عدم بلوغهما لدرجة العبودية الحقة والطاعة الكاملة التي تليق بجلالة وعظمة ولطف الباري جلّ شأنه.

* * *

__________________

(١) قيل : أتت «كلّا» هنا بمعنى (حقّا) إلّا أنّ سياق الآية وظاهر الكلمة لا يؤيدان ذلك ولعل المعنى المشهور (الردع) هو المطلوب ، لوجود الكثير ممن يعتقد مغرورا ومدعيّا بأنّه قد أدّى وظائفه الشرعية على أتمّ أداء ، فتأتي الآية لتقول رادعة بأنّه لم يؤد وظائفه بعد.

٤٢٣

الآيات

( فَلْيَنْظُرِ الْإِنْسانُ إِلى طَعامِهِ (٢٤) أَنَّا صَبَبْنَا الْماءَ صَبًّا (٢٥) ثُمَّ شَقَقْنَا الْأَرْضَ شَقًّا (٢٦) فَأَنْبَتْنا فِيها حَبًّا (٢٧) وَعِنَباً وَقَضْباً (٢٨) وَزَيْتُوناً وَنَخْلاً (٢٩) وَحَدائِقَ غُلْباً (٣٠) وَفاكِهَةً وَأَبًّا (٣١) مَتاعاً لَكُمْ وَلِأَنْعامِكُمْ (٣٢) )

التّفسير

فلينظر الإنسان إلى طعامه :

تحدثت الآيات السابقة حول مسألة المعاد ، والآيات القادمة تتناول نفس الموضوع بشكل أوضح ، ويبدو أنّ الآيات المبحوثة ـ وانسياقا مع ما قبلها وما بعدها ـ تتطرق لذات لبحث تبيّن مفردات قدرة الباري جلّ شأنه على كلّ شيء كدليل على إمكان تحقق المعاد ، فما يقرّب إمكانية القيامة إلى الأذهان هو إحياء الأراضي الميتة بإنزال المطر عليها ، العملية تمثل إحياء بعد موت مختصة في عالم النبات.

ثمّ إنّ البيان القرآني في الآيات أعلاه قد طرح بعض مفردات الأغذية التي جعلها الله تحت تصرف الإنسان والحيوان ، لتثير عند الإنسان الإحساس

٤٢٤

بضرورة شكر المنعم الواهب ، وهذا الإحساس بدوره سيدفع الإنسان ليتقرب في معرفة بارئه ومصوّره.

وشرعت الآيات بقولها :( فَلْيَنْظُرِ الْإِنْسانُ إِلى طَعامِهِ ) (١) كيف خلقه الله تعالى؟!

الغذاء من أقرب الأشياء الخارجية من الإنسان وأحد العوامل الرئيسية في بناء بدنه ، ولولاه لتقطّعت أنفاس الإنسان وأسدلت ستارة نصيبه من الحياة ، ولذلك جاء التأكيد القرآني على الغذاء وبالذات النباتي منه من دون بقية العوامل المسخرة لخدمة هذا المخلوق الصغير في حجمه.

ومن الجلي أنّ «النظر» المأمور به في الآية جاء بصيغة المجاز ، وأريد به التأمل والتفكير في بناء هذه المواد الغذائية ، وما تحويه من تركيبات حياتية ، وما لها من تأثيرات مهمّة وفاعلة في وجود الإنسان ، وصولا إلى حال التأمل في أمر خالقها جلّ وعلا.

أمّا ما احتمله البعض ، من كون «النظر» في الآية هو النظر الظاهري (أي المعنى الحقيقي للكلمة) ، وعلى أساس طبي ، حيث أنّ النظر إلى الغذاء يثير إلى الغدد الموجودة في الفم لإفراز موادها كي تساعد عملية هضمه في المعدة ، فيبدو هذا الاحتمال بعيدا جدّا ، لأنّ سياق الآية وبربطها بما قبلها وما بعدها من الآيات لا ينسجم مع هذا الاحتمال.

وبطبيعة الحال إنّ الذين يميلون إلى هذا الاحتمال هم علماء التغذية الذين ينظرون إلى القرآن الكريم من زاوية تخصصهم لا غير.

وقيل أيضا : نظر الإنسان إلى غذاءه في حال جلوسه حول مائدة الطعام ، النظر إلى كيفية حصوله فهل كان من حلال أم من حرام؟ هل هو مشروع أم غير

__________________

(١) يمكن اعتبار جملة «فلينظر» : جزاء شرط مقدّر ، والتقدير : (إن كان الإنسان في شك من ربّه ومن البعث فلينظر إلى طعامه).

٤٢٥

مشروع؟ أي ينظر إلى طعامه من جانبيه الأخلاقي والتشريعي.

وقد ذكر في بعض روايات أهل البيتعليهم‌السلام ، إنّ المراد بـ «الطعام» في الآية هو (العلم) لأنّه غذاء الروح الإنسانية.

ومن هذه الروايات ما روي عن الإمام الباقرعليه‌السلام في تفسير الآية ، إنّه قال : «علمه الذي يأخذه عمن يأخذه»(١) .

وقد روي عن الإمام الصادقعليه‌السلام ما يشابه معنى الرواية أعلاه(٢) .

وإذا كان المستفاد من ظاهر الآية هو الطعام الذي يدخل في عملية بناء الجسم ، فلا يمنع من تعميمه ليشمل الغذاء الروحي أيضا ، لأنّ الإنسان في تركيبته مكوّن من جسم وروح ، فكما أنّ الجسم يحتاج إلى الغذاء المادي فكذا الروح بحاجة إلى الغذاء المعنوي.

وفي الوقت الذي ينبغي على الإنسان أن يكون فيه دقيقا متابعا لأمر غذائه وباحثا عن منبعه : وهو المطر المحيي الأرض بعد موتها (كما سيأتي في الآيات التالية) ، فعليه أيضا أن يهتم في أمر غذاءه الروحي وباحثا في منشئه ، وهو غيث الوحي الإلهي النازل على قلب الحبيب المصطفىصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، والذي خزن في صدور المعصومينعليه‌السلام من بعده ، حيث ينبع من صفحات قلوبهم الطاهرة ليسقي الموات عسى أن تثمر ألوان الثمار الإيمانية اللذيذة من فضائل أخلاقية وعقائدية.

نعم ينبغي على الإنسان أن يكون دقيقا في متابعة مصدر ومنبع علمه ليطمئن لغذائه الروحي ، وليأمن بالنتيجة من مدلهمات الخطوب التي تؤدي لمرض الروح أو هلاكها.

وبواسطة الدلالة الالتزامية ، يستفاد من الآية المباركة ضرورة النظر في حليّة وحرمة الغذاء ، وذلك عن طريق قياس الأولوية.

__________________

(١) تفسير البرهان ، ج ٤ ، ص ٤٢٩.

(٢) المصدر السابق.

٤٢٦

وثمّة من يقول : إنّ المعنى كلّ من «الطعام» و «النظر» من الوسع بحيث يشمل كلّ ما ذكره أعلاه ، ولكن من المخاطب في الآية؟

الجميع مخاطبون ، سواء كانوا مؤمنين أو كافرين ، فعلى كلّ إنسان أن ينظر إلى طعامه ويتفكر فيما أودع فيه من أسرار وعجائب كما وكيفية ، وعسى الضال ـ والحال هذه ـ أن يجد ضالته فيترك طريق الضلال ويسلك طريق الحقّ ، ولكي يزداد المؤمنون إيمانا.

فالأغذية بما تحمل وتقدم تعتبر عالما مضيئا وآيات باهرة تنير درب الباحثين عن الحق في لجج الضياع والجهالة ، وتوصل الباحثين عن الأمان إلى شاطئ النجاة.

ثمّ يدخل القرآن في شرح تفصيلي لماهية الغذاء ومصدر تشكيله ، فيقول( أَنَّا صَبَبْنَا الْماءَ صَبًّا ) .

«الصب» : إراقة الماء من أعلى ، وجاء هنا بمعنى هطول المطر.

و «صبأ» : تأكيد ، وللإشارة إلى غزارة الماء.

نعم فالماء مصدر رئيسي للحياة ، وهو على الدوام ينزل من السماء وبغزارة ليجسد لطف الله تعالى على خلقه.

كيف لا ، وكلّ العيون والآبار والقنوات والأنهار قد استمدت أساس وجودها من الأمطار.

وعليه فلا بدّ للإنسان حين ينظر إلى طعامه أن يربط ذلك بنظام المطر ، ويدقق النظر في عملية تكوين الغيوم وكيفية حدوث الأمطار.

فالماء المتبخر من سطح البحار ، يتجمع في الفضاء على شكل غيوم ، وتتحرك تلك الغيوم بفعل الرياح إلى طبقات الجو الباردة ، فتبدأ بعملية التكاثف حتى تصل لدرجة الهطول ، فترى ذلك البخار ، وقد تحول إلى قطرات ماء زلال خال من أيّ أملاح مضرة وقد تطهر عن كلّ قذارة ، وليستقر في آخر مطافه على

٤٢٧

الأرض ليعطيها القوّة والحركة والحياة.

وبعد ذكر نعمة الماء وما له من أثر حيوي ومهم في نمو النباتات ، ينتقل البيان القرآني إلى الأرض ، فيقول :( ثُمَّ شَقَقْنَا الْأَرْضَ شَقًّا ) .

يذهب أكثر المفسّرين إلى أنّ الآية تشير إلى عملية شقّ الأرض بواسطة النباتات التي تبدأ بالظهور على سطح الأرض بعد عملية بذر الحبوب ، والعلمية بحدّ ذاتها مدعاة للتأمل ، إذ كيف يمكن لهذا العشب الصغير الناعم أن يفتت سطح التربة مع مالها من صلابة وخشونة! بل ونرى في المناطق الجبلية أنّ سويقات نباتاتها وقد ظهرت من بين حافات صخورها الصلدة! فأيّة قدرة هائلة قد أودعت فيها ، سبحانك يا ربّ وأنت الخلاق العليم.

وقيل : تشير الآية إلى شقّ الأرض بالآيات الزرّاعة من قبل الإنسان ، أو تشير إلى ما تقوم به الديدان من حرث الأرض وتشقيقها من خلال ممارساتها لنشاطاتها الحياتية المختصة بها.

صحيح أنّ الإنسان هو الذي يقوم بعملية الحرث ، ولكنّ جميع أسبابه ووسائله من اللهعزوجل ، لذا فقد نسبت عملية شقّ الأرض إلى الباري جلّ اسمه.

وثمّة تفسير ثالث يقول : إنّ شقّ الأرض في الآية إشارة إلى تفتت الصخور التي كانت على سطح الأرض.

ولهذا التفسير مرجحات عديدة

وتوضيح ذلك : كان سطح الكرة الأرضية مغطى بطبقة عظيمة من الصخور ، وقد تشققت تلك الطبقة الصخرية بفعل غزارة هطول الأمطار المتتالية عليها ، ممّا جعلتها علس شكل ذرات منتشرة على معظم سطح الأرض ، فتحولت إلى تربة صالحة للزراعة.

وحتى يومنا المعاش نلاحظ قسما كبيرا من الأتربة التي تحملها مياه

٤٢٨

الأنهار أو المصحوبة مع السيول ، نلاحظها وقد كونت طبقات من التربة الصالحة للزراعة بعد أن تستقر على الأرض يتبخر الماء عنها أو تمتصه الأرض.

فالآية تمثل إحدى مفردات الإعجاز العلمي للقرآن ، لأنّها تناولت موضوع الأمطار وتشقق الأرض وتهيئها للزراعة ، بشكل علمي دقيق ، والآية لم تتحدث عن شيء قد حدث ، بل حدث ولا زال ، يبدو أنّ هذا التفسير ينسجم مع ما تطرحه الآية التالية بخصوص عملية الإنبات مع ذلك ، فلا ضير من قبول التفاسير الثلاثة للآية ومن جهات مختلفة.

وبعد ذكر ركنين أساسيين في عملية الإنبات ـ أي الماء والتراب ـ ينتقل القرآن بالإشارة إلى ثمانية مصادر لغذاء الإنسان أو الحيوان :( فَأَنْبَتْنا فِيها حَبًّا ) .

تعتبر الحبوب من الأغذية الرئيسية للإنسان والحيوان معا ، وتتوضح أهميتها فيما لو عمّ الجفاف ـ على سبيل المثال ـ فمدّة عام واحد ، حيث يعمّ القحط وتنتشر المجاعة في كلّ مكان.

«حبّا» : جاءت في الآية نكرة ، لتعظيم شأنها ، أو لتشير إلى تنوع أصناف الحبوب ، وذهب البعض إلى أنّ الحنطة الشعير هما المرادان دون بقية الحبوب ، ولكن ليس هناك من دليل على هذا التخصيص ، وإطلاق الكلمة يدل على شمول كلّ المحبوب.

ثمّ يضيف :( وَعِنَباً وَقَضْباً ) .

وقد اختارت الآية العنب دون البقية لما أودع فيه من مواد غذائية غنية بالمقويات ، حتى قيل عنه بأنّه غذاء كامل.

ومع أنّ «العنب» يطلق على الشجرة والثمرة ، وبالرغم من ورود كلا الاستعمالين في الآيات القرآنية ، لكنّ المناسب هنا الثمرة دون الشجرة.

«قضبا» : هو الخضروات التي تحصد بين فترة اخرى ، وما أريد منها بالذات ، تلك الخضراوات التي تؤكل من غير طبخ (تؤكل طرية) ، وقد جاء ذكرها بعد

٤٢٩

العنب لأهميتها الغذائية ، وقد أكّد هذا المعنى علم التغذية الحديث.

وتستعمل كلمة (القضيب) بمعنى القطف والقطع أيضا ، و (القضيب) : غصن الشجرة ، و (سيف قاضب) بمعنى : قاطع.

وروي عن ابن عباس قوله : إن «القضيب» في هذه الآية هو (الرطب) ، ولكنّ هذا المعنى بعيد جدّا للإشارة إلى الرطب في الآية التالية.

وقيل أيضا : «القضب» الوارد في الآية ، بمعنى ثمار النباتات الزاحفة (كالخيار والبطيخ وما شابهه) ، أو النباتات الأرضية (كالبصل والجزر إلخ).

ولا يبعد من إرادة كلّ الخضروات التي تؤكل طريقة والنباتات الزاحفة وكذا الأرضية في معنى «القضب» المشار إليه في الآية.

ثمّ يضيف( وَزَيْتُوناً وَنَخْلاً ) ومن الواضح أنّ ذكر هاتين الفاكهتين لما لهما من الأهمية الغذائية للإنسان ، حيث يعتبر الزيتون والثمر من أهم الأغذية المقوية والصحية والمفيدة للإنسان.

وتأتي المرحلة التالية :( وَحَدائِقَ غُلْباً ) .

«الحدائق» : جمع (حديقة) ، وهي الأرض المزروعة والمحاطة بسور يحفظها ، وهي الأصل بمعنى : قطعة الأرض التي تحتوي على الماء ، وسميّت حديقة تشبيها بحدقة العين من حيث الهيئة وحصول الماء فيها.

ويحتمل إشارة الآية إلى أنواع الفواكه ، باعتبار أنّ الحدائق غالبا ما تزرع بأشجار الفاكهة.

«غلب» : على وزن (قفل) ، جمع (أغلب) و (غلباء) ، بمعنى غليظ الرقبة ، فلآية إذن ترمز إلى الأشجار الشاهقة المتينة.

ثمّ يضيف :( وَفاكِهَةً وَأَبًّا ) .

«الأبّ» : (بتشديد الباء) : هو المرعى المهيأ للرعي والحصد ، وهو في الأصل بمعنى «التهيؤ» ، اطلق على المرعى لما فيه من أعشاب يكون بها مهيئا لاستفادة

٤٣٠

الحيوانات منه.

وذكر جمع من المفسّرين ـ من كلا الفريقين ـ في ذيل الآية : إنّ عمر بن الخطاب قرأ يوما على المنبر :( فَأَنْبَتْنا فِيها حَبًّا وَعِنَباً وَقَضْباً ) إلى قوله تعالى :( وَأَبًّا ) قال : كلّ هذا قد عرفناه ، فما الأبّ! ثمّ رمى عصا كانت في يده ، فقال : هذا لعمر الله هو التكلف ، فما عليك أن لا تدري ما الأبّ!! اتّبعوا ما تبيّن لكم هداه من الكتاب فاعملوا به ، وما لم تعرفوه فكلوه إلى ربّه!(١) .

وأغرب من ذلك ، ما ورد في (الدر المنثور) عن أبي بكر حينما سئل عن ذلك ، أنّه قال : (أيّ سماء تظلني وأيّ أرض تقلني إذا قلت في كتاب الله ما لا أعلم)!

وقد اتّخذ كثير من علماء السنّة من الحديثين المذكورين على أنّه : لا ينبغي لأحد التكلم فيما لا يعلم ، وعلى الأخص في كتاب الله.

ولكن ، يبقى في الذهن إشكال إذ كيف يكون لخليفة المسلمين أن لا يفقه كلمة وردت في القرآن الكريم ، مع كونها ليست من معضلات اللغة؟!! وهذا ما يوصلنا إلى ضرورة وجود قائد الإلهي في كلّ عصر ، وأن يكون عارفا بجميع المسائل الشرعية ، ومنزّها عن الخطأ (معصوما).

ولذلك ، روي عن أمير المؤمنينعليه‌السلام ، إنّه حينما سمع بما قاله الخليفة قال : «سبحان الله أما علم أنّ الأبّ هو الكلأ والمرعى ، وأنّ قوله تعالى :( وَفاكِهَةً وَأَبًّا ) اعتداد من الله بإنعامه على خلقه ، فيما غذّاهم به ، وخلقه لهم ولأنعامهم ، ممّا تحيى به أنفسهم وتقوم به أجسادهم»(٢) .

ويواجهنا سؤال : إذا كانت الآيات السابقة ذكرت بعض أنواع الفاكهة ، والآية المبحوثة تناولت الفاكهة بشكل عام ، هذا بالإضافة إلى ذكر لـ «حدائق» في الآية

__________________

(١) تفسير الآية المذكورة في : تفسير روح المعاني ، تفسير القرطبي ، تفسير في ظلال القرآن ، الدر المنثور ، وتفسير الميزان.

(٢) إرشاد المفيد ، ص ١٠٧ ، وعنه تفسير الميزان ، ج ٢٠ ، ص ٣١٩.

٤٣١

السابقة والتي قيل أنّ ظاهرها يشير إلى الفاكهة فلم هذا التكرار؟

الجواب : إنّ تخصيص ذكر العنب والزيتون والتمر (بقرينة ذكر النخل) ، إنّما جاء ذكرها لأهميتها المميزة على بقية الفاكهة(١) .

أمّا لماذا ذكرت بشكل منفصل عن الفاكهة؟ فيمكن حمله على ما للحدائق من منافع خاصّة بها ، ولا تشترك الفاكهة فيها ، كجمالية منظرها وعذوبة نسيمها وما شابه ذلك ، بالإضافة إلى استعمال أوراق الأشجار وجذورها وقشور جذوعها كمواد غذائية (كالشاي والزنجبيل وأمثالها) ، أمّا بالنسبة للحيوانات ، فأوراق الأشجار المختلفة من أفضل أغذيتها عموما فالآيات إذن كانت في صدد الحديث عن غذاء الإنسان والحيوان.

ولذلك جاءت الآية التالية لتوضيح هذا المعنى :( مَتاعاً لَكُمْ وَلِأَنْعامِكُمْ ) .

«والمتاع» : هو كلّ ما يستفيد منه الإنسان ويتمتع به.

* * *

بحث

الغذاء النافع :

ذكرت الآيات المبحوثة ثمانية أنواع من المواد الغذائية النباتية لسد احتياجات الإنسان والحيوانات ، وهذا التأكيد على الأغذية النباتية يعطي ما للنباتات والحبوب والفاكهة من أهمية غذائية تفوق في دورها على الأغذية الحيوانية التي تأتي في نظر القرآن في المرتبة الثّانية من حيث الأهمية.

وقد اهتم علماء التغذية حديثا بما ورد في القرآن الكريم فيما يخصّ مجال عملهم ، ويكشف هذا الاهتمام بدوره عن عظمة القرآن وقوّة ما فيه

__________________

(١) بحثنا مفصّلا موضوع الأهمية الغذائية للزيتون والعنب والتمر في هذا التفسير ضمن تفسير الآية (١١) من سورة النحل ـ فراجع.

٤٣٢

وعلى أيّة حال ، فالتأمل في هذه الأمور يزيد الإنسان معرفة بعظمة ولطف الخالق جلّ شأنه ، ويوسّع اطلاعه في تحسس نعم الباري جلّ اسمه على الخلائق أجمعين.

نعم فالاهتمام في مسألة غذاء الإنسان (الجسمي والروحي) من حيث النوعية وطريقة كسبه ، يدفع الإنسان للتقرب أكثر من جادة معرفة الله وسلوك طريق رضوانه سبحانه ، كما ويدفع إلى تهذيب وتزكية النفس من أدران الشرك وقذارة الذنوب.

نعم( فَلْيَنْظُرِ الْإِنْسانُ إِلى طَعامِهِ ) ، تمثل الآية المباركة : أقصر تعبير لمعنى واسع ومتشعب.

* * *

٤٣٣

الآيات

( فَإِذا جاءَتِ الصَّاخَّةُ (٣٣) يَوْمَ يَفِرُّ الْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ (٣٤) وَأُمِّهِ وَأَبِيهِ (٣٥) وَصاحِبَتِهِ وَبَنِيهِ (٣٦) لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ يَوْمَئِذٍ شَأْنٌ يُغْنِيهِ (٣٧) وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ مُسْفِرَةٌ (٣٨) ضاحِكَةٌ مُسْتَبْشِرَةٌ (٣٩) وَوُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ عَلَيْها غَبَرَةٌ (٤٠) تَرْهَقُها قَتَرَةٌ (٤١) أُولئِكَ هُمُ الْكَفَرَةُ الْفَجَرَةُ (٤٢) )

التّفسير

صيحة البعث

وينتقل الحديث في هذه الآيات إلى يوم القيامة وتصوير حوادثه ، وما سيؤول فيه من أحوال المؤمنين الكافرين ، كلّ بما كسبت يداه وقدّم.

فمتاع الحياة الدنيا وإنّ طال فهو قليل جدّا في حساب حقيقة الزمن ، وأنّ خالق كلّ شيء لعظيم في خلقه وشأنه ، وأنّ المعاد حق ولا بدّ من حتمية وقوعه.

ويقول القرآن الكريم :( فَإِذا جاءَتِ الصَّاخَّةُ ) (١)

__________________

(١) ثمّة احتمالات كثيرة في تعيين جزاء الشرط لهذه الجملة الشرطية الأوّل : إنّه محذوف بدلالة الآيات التالية ، التقدير : (فإذا

٤٣٤

«الصّاخة» : من (صخّ) ، وهو الصوت الشديد الذي يكاد أن يأخذ بسمع الإنسان ، ويشير في الآية إلى نفخة الصور الثّانية ، وهي الصيحة الرهيبة التي تعيد الحياة إلى الموجودات بعد موتها جميعا ليبدأ منها يوم الحشر.

نعم ، فالصيحة من الشدّة بحيث تذهله عن كلّ ما كان مرتبطا به ، سوى نفسه وأعماله.

ولذا ، تأتي الآية التالية ، ولتقول مباشرة :( يَوْمَ يَفِرُّ الْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ ) .

ذلك الأخ الذي ما كان يفارقه وقد ارتبط به بوشائج الاخوة الحقة!

وكذلك :( أُمِّهِ وَأَبِيهِ ) .

حتى :( وَصاحِبَتِهِ وَبَنِيهِ ) .

فوحشة ورهبة يوم القيامة لا تنسي الأخ والام والأب والزوجة والأولاد فحسب ، بل وتتعدى إلى الفرار منهم ، وعند ما ستتقطع كلّ روابط وعلاقات الإنسان الفرد مع الآخرين فحينها سوف لا يهتم إلّا نفسه وما قدّم ، وسينسى :

امّه التي كانت تحبّه وتفديه

وأبو الذي ربّاه واحترمه

وزوجته التي لا تعرف غيره

وأولاده ثمرة كبده وقرة عينه

وقيل : إنّما يكون الفرار للتهرب من الحقوق التي لهم عليه ، وهو عاجز عن أدائها.

وقيل أيضا : إنّما يفر المؤمنون خاصّة من أقربائهم من غير المؤمنين وغير المتقين ، خوفا من الإصابة بما سيصيب أولئك من عقاب.

__________________

جاءت الصاخة فما أعظم أسف لكافرين) ـ تفسير المراعي. والثاني : وفي (مجمع البيان) قيل : إنّه( لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ يَوْمَئِذٍ شَأْنٌ يُغْنِيهِ ) . والثالث : أمّا في (روح المعاني) ، فقد احتمل : إنّه مستفاد من جملة( يَوْمَ يَفِرُّ الْمَرْءُ ) ، والتقدير : (فإذا جاءت الصاخة يفر المرء من أخيه).

٤٣٥

ويبدو أنّ التفسير الأوّل أنسب ولا مانع من الجمع بينهما.

ولكن ما سرّ تسلسل ذكر الأخ ، ثمّ الامّ ، فالأب من بعدها ، ومن ثمّ الزوجة والأولاد؟

يعتقد بعض بأنّ التسلسل قد لوحظ فيه شدّة العلاقة ما بين الفار ومن يرتبط بهم ، وقد تسلسل الذكر من الأدنى حتى الأعلى ، ليعطي لهذا التصوير بعدا بلاغيا ، فهو من أخيه ، ثمّ من أمّه وأبيه ، ثمّ من زوجته وبنيه.

ولكن : يصعب الخروج بقاعدة كلية تختص في ترتيب العلائق بين الناس ، فالناس ليسوا سواسية في هذا الجانب ، فقد نجد من يكون مرتبطا بأخيه أكثر من أيّ إنسان الآخر ، ونجد ممن لا يقرّب على علاقته بامّه شيء ، وثمّة من تكون زوجته رمز حياته ، أو من يفضل ابنه حتى على نفسه إلخ.

وثمّة عوامل اخرى تدخل في التأثير على علاقة الإنسان بأخيه وأبيه وزوجته وبنيه ، وعلى ضوئها لا يمكننا ترجيح أفضلية أيّ منهم على الآخر من جميع الجهات ، وعليه فلا يمكن القطع بأنّ التسلسل الوارد في الآية قد جاء على أثر أهمية وشدة العلاقة.

ولكن لم الفرار؟( ... لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ يَوْمَئِذٍ شَأْنٌ يُغْنِيهِ ) .

«يغنيه» : كناية لطيفة عن شدّة انشغال الإنسان بنفسه في ذلك اليوم ، ولما سيرى من حوادث مذهلة ، تأخذه كاملا ، فكرا وقلبا.

وقد سئل رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عن الحميم ، وهل يذكره الرجل يوم القيامة؟ فقال : «ثلاثة مواطن لا يذكر (فيها) أحد أحدا : عند الميزان ، حتى ينظر أيثقل ميزانه أم يخف؟ وعند الصراط ، حتى ينظر أيجوزه أم لا؟ وعند الصحف ، حتى ينظر بيمينه يأخذ الصحف أم بشمال؟ فهذه ثالثة مواطن لا يذكر فيها أحد حميمه ولا حبيبه ولا قريبه ولا صديقه ، ولا بنيه ولا والديه ، ذلك قوله تعالى :( لِكُلِّ امْرِئٍ

٤٣٦

مِنْهُمْ يَوْمَئِذٍ شَأْنٌ يُغْنِيهِ ) (١) .

وينقل البيان القرآني ليصور لنا حال العباد بقسميهم في ذلك اليوم ، فتقول :( وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ مُسْفِرَةٌ ) أي مشرقة وصبيحة.

( ضاحِكَةٌ مُسْتَبْشِرَةٌ ) .

( وَوُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ عَلَيْها غَبَرَةٌ ) .

( تَرْهَقُها قَتَرَةٌ ) أي تغطيها ظلمات ودخان.

( أُولئِكَ هُمُ الْكَفَرَةُ الْفَجَرَةُ ) .

«مسفرة» : من (الأسفار) ، بمعنى الظهور بياض الصبح بعد ظلام الليل.

«غبرة» : على وزن (غلبة) ، من (الغبار).

«قترة» : من (القتار) ، وهو شبه دخان يغشي من الكذب ، وقد فسّره بعض أهل اللغة بـ (الغبار) أيضا ، ولكن ذكرهما في آيتين «الغبرة والقترة» متتاليتين منفصلتين يشير إلى اختلافهما في المعنى.

«الكفرة» : جمع (كافر) ، والوصف يشير إلى فاسدي العقيدة.

«الفجر» : جمع (فاجر) ، والوصف يشير إلى فاسدي العمل.

ونستخلص من كلّ ما تقدّم ، إنّ آثار فساد العقيدة لدى الإنسان وأعماله السيئة ستظهر على وجهه يوم القيامة.

وقد اختير الوجه ، لأنّه أكثر أجزاء الإنسان تعبيرا عمّا يخالجه من حالات الغبطة والسرور أو الحزن والكآبة ، فبإمكانك وبكلّ وضوح أن تعرف أنّ فلانا مسرورا أم حزينا من خلال رؤيتك لما انطبع على وجهه ، وحالات : السرور ، والحزن ، والخوف ، والغضب ، والخجل وما شابه ، لها بصمات خاصّة على ملامح وتقاسيم الوجه.

__________________

(١) تفسير البرهان ، ج ٤ ، ص ٤٢٩.

٤٣٧

وعلى أيّة حال فالوجوه الضاحكة المستبشرة ، تحكي عن : الإيمان وطهارة القلب وصلاح الأعمال.

وبعكس الوجوه المقابلة والدالة على : ظلام الكفر ، قبح الأعمال ، وكأنّ وجوههم قد غطاها الغبار ، تراها مسودة ، وتحيط بها هالة من الدخان

وترى معاني الغم والألم والأسف قد تجسدت على الوجوه ، كما تشير إلى ذلك الآية (٤١) من وسورة الرحمن :( يُعْرَفُ الْمُجْرِمُونَ بِسِيماهُمْ ) فيكفي لمعرفة حال الإنسان في يوم القيامة من خلال النظر إلى وجهه.

* * *

بحث

أسس البناء الذاتي :

لقد حملت السورة المباركة بين طياتها برنامجا تربويا جامعا لنباء النفس وتزكيتها :

١ ـ فقد أمرت بكسر حاجز الغرور والتكبر ، والتحلي بالتأمل في بدء خلق الإنسان ، فهذا الذي ابتدأ وجوده من نطفة قذرة ، لا ينبغي عليه أن يتطاول ويرى نفسه أكبر من حجمها الطبيعي.

٢ ـ التمسك بطرق الهداية الرّبانية (هداية الوحي ، تعاليم الأنبياء وبرامج الأولياء الصالحين ، وكذا الهداية الحاصلة عن العقل بدراسة قوانين وأنظمة عالم التكوين) ، فهو أفضل زاد في مشوار طريق البناء.

٣ ـ وتأمر بالإنسان للتفكر في طعامه ـ من أين جاء كيف صار ، وما سرّ اختلاف ألوانه وأنواعه ـ ليصل إلى عظمة الخلاق ومدى لطفه ورحمته على عباده ، ولا بدّ للإنسان من السعي في كسب لقمة الحلال والتي تعتبر من أهم أركان التربية السليمة ، وذلك لما لها من آثار نفسية وشرعية.

٤٣٨

٤ ـ وإذا ما أعطت السورة كلّ هذه الأهمية لغذاء البدن ، فهي تدفع الإنسان للتحري عن سلامة غذاءه الروحي ، لأنّ فعل التعليمات المنحرفة والتوجيهات الفاسدة الباطلة كفعل الغذاء المسموم ، فهي تنخر في البناء الروحي وتعرض حياة الإنسان للخطر.

وممّا يحزّ في نفوس المؤمنين أن يروا قسما من الناس وقد تكالبوا على غذاء البدن بكلّ دقة واعتناء ، وأهملوا الغذاء الروحي فترى (مثلا) من يقرأ أيّ كتاب وإن كان فاسد ومفسّد ، ويستمع لأيّ حديث وإن كان ضالا مضلا ، دون أن يضع لتوجيهاته أيّ ضابط بقيد أو شرط!

وقد جسّد أمير المؤمنينعليه‌السلام هذا المعنى بقوله : «ما لي أرى الناس إذا قرب إليهم الطعام ليلا تكلفوا إنارة المصابيح ، ليبصروا ما يدخلون بطونهم ، ولا يهتمون بغذاء النفس ، بأن ينيروا مصابيح ألبابهم بالعلم ، ليسلموا من لواحق الجهالة والذنوب ، في اعتقاداتهم وأعمالهم»(١) .

وروي شبيه هذا القول عن الإمام الحسن المجتبىعليه‌السلام : «عجبت لمن يتفكر في مأكوله ، كيف لا يتفكر في معقوله ، فيجنب بطنه ما يؤذيه ، ويودع صدره ما يرديه»(٢) .

٥ ـ ثمّ تذكّر السورة بصيحة البعث الرهيبة التي تضع الإنسان وجها لوجه أمام ما قدّمت يداه من أعمال في الحياة الدنيا

فعلى الإنسان أن يتفكر في أمر آخرته ، وعليه أن يعمل ليكون ضاحك الوجه مستبشرا في ذلك اليوم المحتوم ، وأن يجهد بكلّ ما أمكنه للتخلص ممّا يؤدي به لأن يكون عبوسا حزينا.

اللهمّ ، وفقنا لتربية وتزكية وأنفسنا

__________________

(١) سفينة البحار ، ج ٢ ، ص ٨٤.

(٢) المصدر السابق.

٤٣٩

اللهم ، لا تحرمنا من نعمة التوجه الصحيح الشاخص لساحة رضوانك

اللهم ، أيقظنا من غفلتنا واجعل عاقبتنا على خير

آمين ربّ العالمين

نهاية سورة عبس

* * *

٤٤٠

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

461

462

463

464

465

466

467

468

469

470

471

472

473

474

475

476

477

478

479

480

481

482

483

484

485

486

487

488

489

490

491

492

493

494

495

496

497

498

499

500

501

502

503

504

505

506

507

508

509

510

511