الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل الجزء ١٩

الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل7%

الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل مؤلف:
تصنيف: تفسير القرآن
الصفحات: 511

الجزء ١ الجزء ٢ الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥ الجزء ٦ الجزء ٧ الجزء ٨ الجزء ٩ الجزء ١٠ الجزء ١١ الجزء ١٢ الجزء ١٣ الجزء ١٤ الجزء ١٥ الجزء ١٦ الجزء ١٧ الجزء ١٨ الجزء ١٩ الجزء ٢٠
  • البداية
  • السابق
  • 511 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 141018 / تحميل: 5812
الحجم الحجم الحجم
الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل

الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل الجزء ١٩

مؤلف:
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

المرادي(١) عن الصادق عليه السلام أن المقام بها أفضل من الطواف تطوعا.

ومنع الحلبي(٢) الصرورة من النفر في الاول، والمشهور الجواز، ويجب كونه بعد الزوال إلا لضرورة، ويجوز تقديم رحله قبل الزوال، ولو قدم رحله في النفر الاول وبقي هو إلى الاخير فهو ممن تعجل في يومين على الرواية(٣) ، أما النفر الثاني فيجوز قبله إذا رمى الجمار الثلاث، وعلى القول بأن وقت الرمي عند الزوال لا يجوز النفر إلا بعد الزوال، ولا فرق في جواز النفر في الاول بين المكي وغيره، فيجوز التعجيل له وللمجاور كما يجوز لغيرهما.

ويستحب إعلام الامام الناس في خطبته يوم النفر الاول جواز التعجيل والتأخير، وكيفية النفر والتوديع، ويردعهم، ويحثهم على طاعة الله تعالى، وعلى أن يختموا حجهم بالاستقامة والثبات على طاعة الله، وأن يكونوا بعد الحج خيرا منهم قبله، وأن يذكروا ما عاهدوا الله عليه من خير.

فروع:

لو اشتغل بالتأهب فغربت الشمس تعين المبيت والرمي، ولو ارتحل فغربت الشمس قبل تجاوز الحدود، فالاشبه المقام، أما لو انفصل برحله ثم عاد بعد الغروب لحاجة أو لغيرها فلا مبيت عليه، فلو بات ففي وجوب الرمي نظر، لانه خرج عن اسم الحاج، ومن أنه صاحب النسك، وقرب الفاضل(٤) الوجوب، ولو عاد قبل الغروب فغربت الشمس عليه بمنى ففي وجوب المبيت هنا والرمي وجهان، ولو رجع لتدارك واجب عليه، فالاقرب وجوبهما.

____________________

(١) وسائل الشيعة: ب ٢ من أبواب العود إلى منى ح ٥ ج ١٠ ص ٢١١.

(٢) الكافي في الفقه: ص ١٩٨.

(٣) وسائل الشيعة: ب ٩ من أبواب العود إلى منى ح ٧ ج ١٠ ص ٢٢٣.

(٤) التحرير: ج ١ ص ١١١.

٤٦١

ويستحب للامام النفر في الثاني مؤكدا، ويستحب له الخروج قبل الزوال ليصلي الظهرين بمكة، ويعلمهم كيفية الوداع. ويستحب للمقيم بمنى أن يجعل صلاته في مسجد الخيف فرضها ونفلها، وأفضله في مسجد رسول الله صلى الله عليه وآله، وهو من المنارة إلى نحو من ثلاثين ذراعا إلى جهة القبلة، وعن يمينها ويسارها كذلك، فقد صلى فيه ألف نبي، ويستحب صلاة ست ركعات به إذا نفر في أصل الصومعة، كما روي عن الصادق عليه السلام(١) .

وروي(٢) من صلى بمسجد منى مائة ركعة عدلت عبادة سبعين عاما، ومن سبح الله فيه مائة تسبيحة كتب الله له أجر عتق رقبة، ومن هلل الله فيه مائة عدلت إحياء نسمة، ومن حمد الله عزوجل فيه مائة عدلت أجر خراج العراقين ينفق في سبيل الله. والتكبير بمنى مستحب، وقال السيد(٣) : يجب وقد سلف، ولا يكبر عقيب النوافل ولا في الطرقات ولا قبل يوم النحر في أيام العشر عندنا. وأسماء أيام منى على الراء، فالعاشر النحر، والحادي عشر القر، والثاني عشر النفر، والثالث عشر الصدر، وليلته تسمى ليلة التحصيب، وفي المبسوط(٤) : هي ليلة الرابع عشر.

فوائد: روى حماد(٥) عن الصادق عليه السلام أن من نفر في الاول فليس له أن

____________________

(١) الكافي: باب الصلاة في مسجد منى ح ٦ ج ٤ ص ٥١٩.

(٢) من لا يحضره الفقيه: باب فضائل الحج ح ٢١٧٧ ج ٢ ص ٢١٠.

(٣) لم نعثر عليه في كتب السيد مرتضى المتوفرة لدينا ونقله العلامة في المختلف ج ١ ص ٣١١.

(٤) المبسوط: ج ١ ص ٣٦٥.

(٥) وسائل الشيعة: ب ١١ من أبواب العود إلى منى ح ٣ ج ١٠ ص ٢٢٥.

٤٦٢

يصيب الصيد حتى ينفر الناس، لقوله تعالى: " لمن اتقى "(١) أي الصيد، وفي رواية معاوية بن عمار(٢) عنه عليه السلام يحل للنافر في الاول الصيد إذا زالت الشمس من اليوم الثالث.

وروى غيلان(٣) عن أبي الحسن عليه السلام أن التكبير بالامصار يوم عرفة من صلاة الغداة إلى الظهر من النفر الاول، قال الشيخ(٤) : هذا موافق للعامة لا عمل عليه، وروى عمار(٥) عنه عليه السلام التكبير بمنى واجب في دبر كل صلاة واجبة فريضة أو نافلة، وروى علي بن جعفر(٦) عن أخيه عليهما السلام النساء يكبرن ولا يجهرن، وروى محمد بن مسلم(٧) عن أحدهما عليهما السلام وسأله عن التكبير أيام التشريق بعد كم صلاة؟ فقال: كم شئت، إنه ليس بموقت أي في الكلام، كذا فسر في الرواية، وروى عمار(٨) عن الصادق عليه السلام إذا نسي التكبير حتى قام من موضعه فلا شئ عليه.

وروى اسحاق بن عمار(٩) عن أبي الحسن عليه السلام إتمام أهل مكة الصلاة إذا زاروا، والمقيم بمكة إلى شهر بمنزلتهم، وفي صحيح زرارة(١٠) عن الباقر عليه السلام من قدم قبل يوم التروية بعشرة أيام فهو بمنزلة أهل مكة، يقصر إذا

____________________

(١) سورة البقرة: الآية ٢٠٣.

(٢) وسائل الشيعة: ب ١١ من أبواب العود إلى منى ح ٤ ج ١٠ ص ٢٢٦.

(٣) وسائل الشيعة: ب ٢١ من أبواب صلاة العيد ح ١٣ ج ٥ ص ١٢٦.

(٤) التهذيب: ج ٥ ص ٤٩٣.

(٥) وسائل الشيعة: ب ٢١ من أبواب صلاة العيد ح ١٢ ج ٥ ص ١٢٦.

(٦) وسائل الشيعة: ب ٢٢ من أبواب صلاة العيد ح ١ ج ٥ ص ١٢٧.

(٧) وسائل الشيعة: ب ٢٤ من أبواب صلاة العيد ح ١ ج ٥ ص ١٢٩.

(٨) وسائل الشيعة: ب ٢٣ من أبواب صلاة العيد ح ٢ ج ٥ ص ١٢٩.

(٩) تهذيب الاحكام: ب ٢٦ من الزيادات في فقه الحج ح ٣٨٧ ج ٥ ص ٤٨٧.

(١٠) تهذيب الاحكام: ب ٢٦ من الزيادات في فقه الحج ح ٣٨٨ ج ٥ ص ٤٨٨.

٤٦٣

خرج إلى منى، ويتم إذا زار البيت، ثم يتم بمنى حتى ينفر.

وروى عمار(١) عن الصادق عليه السلام في ناسي طواف النساء حتى يرجع إلى أهله عليه بدنة ينحرها بين الصفا والمروة، ويمكن حملها على من واقع ويكون وقاعه بعد الذكر.

وروى جميل(٢) عنه عليه السلام لا بأس أن يأتي الرجل مكة فيطوف أيام منى ولا يبيت بها، وروى العيص(٣) عنه النهي عن الزيارة في أيام التشريق، والجمع بينهما بالحمل على أفضلية المقام بمنى.

(١١٧) درس

يستحب العود إلى مكة بعد النفر من منى لطواف الوداع، وليس واجبا عندنا، ولو كان قد بقي عليه نسك أو بعضه وجب العود له، ويطوف بعده طواف الوداع.

ويستحب للنافر في الاخير التحصيب، تأسيا برسول الله صلى الله عليه وآله، وهو النزول بمسجد الحصبة بالابطح الذي نزل به رسول الله صلى الله عليه وآله، ويستريح فيه قليلا ويستلقي على قفاه، وروي(٤) أن النبي صلى الله عليه وآله صلى فيه الظهرين والعشاء‌ين وهجع هجعة ثم دخل مكة وطاف. وليس التحصيب من سنن الحج ومناسكه، وإنما هو فعل مستحب اقتداء برسول الله صلى الله عليه وآله.

____________________

(١) وسائل الشيعة: ب ٥٨ من أبواب الطواف ح ٥ ج ٩ ص ٤٦٨.

(٢) وسائل الشيعة: ب ٢ من أبواب العود إلى منىح ١ ج ١٠ ص ٢١١.

(٣) وسائل الشيعة: ب ٢ من أبواب العود إلى منى ح ٦ ج ١٠ ص ٢١٢.

(٤) سنن البيهقي: باب الصلاة بالمحصب والنزول بها ج ٥ ص ١٦٠.

٤٦٤

قال ابن ادريس(١) : وليس للمسجد أثر الآن، فتتأدى هذه السنة بالنزول بالمحصب من الابطح، قال(٢) : وهو ما بين العقبة وبين مكة، وقيل: هو ما بين الجبل الذي عنده مقابر مكة والجبل الذي يقابله مصعدا في الشق الايمن للقاصد مكة، وليست المقبرة منه، واشتقاقه من الحصباء وهي الحصى المحمولة بالسيل.

وقال السيد ضياء الدين ابن الفاخر(٣) شارح الرسالة: ما شاهدت أحدا يعلمني به في زماني، وإنما وقفني واحد على أثر مسجد بقرب منى على يمين قاصد مكة في مسيل واد، قال: وذكر آخرون أنه عند مخرج الابطح إلى مكة.

وروى الصدوق(٤) أن الباقر عليه السلام كان ينزل بالابطح قليلا ثم يدخل البيوت، وأكثر الروايات(٥) ليس فيها تعيين مسجد.

فإذا أتى مكة يستحب له أمور: أحدها: الغسل لدخولها ودخول مسجدها، والدخول من باب بني شيبة، والدعاء.

وثانيها: دخول الكعبة وخصوصا الصرورة بعد الغسل، وليكن حافيا بسكينة ووقار، ويأخذ بحلقتي الباب عند الدخول، ثم يقصد الرخامة الحمراء بين الاسطوانتين اللتين تليان الباب، ويصلي ركعتين، يقرأ في الاولى بعد الحمد حم السجدة، وفي الثانية بعدد آيها وهي ثلاث أو أربع وخمسون، والدعاء والصلاة في الزوايا الاربع كل زاوية ركعتين، تأسيا برسول الله(٦) صلى الله عليه وآله(٧) .

____________________

(١) السرائر: ج ١ ص ٦١٣.

(٢) السرائر: ج ١ ص ٥٩٢.

(٣) لا يوجد لدينا كتابه.

(٤) الفقيه: باب نزول الحصبة ح ٣٠٢٧ ج ٢ ص ٤٨٢.

(٥) وسائل الشيعة: ب ١٥ من أبواب العود إلى منى ج ١٠ ص ٢٢٩.

(٦) في باقي النسخ: بالنبي.

(٧) وسائل الشيعة: ب ٣٦ من أبواب مقدمات الطواف ح ٢ ج ٩ ص ٣٧٣.

٤٦٥

والقيام بين الركن الغربي واليماني رافعا يديه ملصقا به والدعاء، ثم كذلك في الركن اليماني، ثم الغربي، ثم الركنين الآخرين، ثم يعود إلى الرخامة الحمراء، فيقف عليها ويرفع رأسه إلى السماء ويطيل الدعاء، وليبالغ في الخضوع والخشوع وحضور القلب في دعائه، وليحذر البصاق والامتخاط، ولا يشغل بصره بما يشغل قلبه، روي(١) أن رسول الله صلى الله عليه وآله لما دخلها لم يجاوز بصره موضع سجوده حتى خرج منها، وذلك إعظام وإجلال لله ولرسوله صلى الله عليه وآله.

ويستحب أن يصلي ركعتين بعد خروجه منها عن يمين الباب، رواه يونس(٢) عن الصادق عليه السلام، وهو موضع المقام في عهد رسول الله صلى الله عليه وآله، وهو الآن منخفض عن المطاف، ويستحب التكبير ثلاثا عند الخروج من الكعبة.

والدخول إلى الكعبة لا يتأكد في حق النساء وخصوصا مع الزحام، ويجوز للمستحاضة الدخول على كراهية، وروى(٣) أنه لا يجوز لها، وهو فتوى المبسوط(٤) .

وتكره الفريضة فيها على ما مر في الاقوى وخصوصا الجماعة، ولو وقعت الجماعة فيها انعقدت، ولهم في موقفهم أحوال خمسة: الاول: أن يكونوا صفا واحدا أو صفوفا والامام في سمتهم.

الثاني: أن يتقدم الامام عليهم. ولا ريب في جواز هذين.

الثالث: أن يكون وجه المأموم إلى وجه الامام، وفيه وجهان، والاشبه الجواز.

____________________

(١) لم نعثر عليه.

(٢) وسائل الشيعة: ب ٤٠ من أبواب مقدمات الطواف ح ٢ ج ٩ ص ٣٧٨.

(٣) وسائل الشيعة: ب ٩١ من أبواب الطواف ح ٢ ج ٩ ص ٥٠٧.

(٤) المبسوط: ج ١ ص ٣٣١ ٣٣٢.

٤٦٦

الرابع: أن يكون ظهر المأموم إلى ظهر الامام، وفيه وجهان مرتبان، وأولى بالمنع، والاشبه الجواز مع المشاهدة المعتبرة.

الخامس: أن يكون ظهر المأموم إلى وجه الامام، وهذا غير جائز على الاقوى.

وروي(١) أن يونس سأل الكاظم عليه السلام عن صلاة الفريضة بالكعبة إذا لم يمكنه الخروج يستلقي على قفاه ويصلي إيماء، والرواية مهجورة.

وثالثها: إتيان الحطيم، وهو ما بين الباب والحجر الاسود، وهو أشرف البقاع، والصلاة عنده، والدعاء، والتعلق بأستار الكعبة عنده وعند المستجار، ويلي الحطيم في الفضل عند المقام ثم الحجر ثم كل ما دنا من البيت.

ورابعها: الشرب من زمزم، والاكثار منه، والتضلع منه أي الامتلاء، فقد قال النبي صلى الله عليه وآله(٢) : ماء زمزم لما شرب له، وقد روي(٣) أن جماعة من العلماء شربوا منه لمطالب مهمة ما بين تحصيل علم وقضاء حاجة وشفاء من علة وغير ذلك فنالوها، والاهم طلب المغفرة من الله تعالى، فليسم ولينو بشربه طلب المغفرة والفوز بالجنة والنجاة من النار وغير ذلك، ويستحب حمله وإهداؤه.

وفي رواية معاوية(٤) أسماء زمزم: ركضة جبرئيل، وسقيا اسماعيل، وحفرة عبدالمطلب، وزمزم، والمصونة، والسقيا، وطعام طعم، وشفاء سقم.

وخامسها: الاكثار من الطواف مهما استطاع.

وسادسها: ختم القرآن بها، إما في زمان الوداع أو غيره، فقد روى

____________________

(١) وسائل الشيعة: ب ١٧ من أبواب القبلة ح ٧ ج ٣ ص ٢٤٦.

(٢) مستدرك الوسائل: ب ١٤ من أبواب مقدمات الطواف ح ٢ ج ٩ ص ٣٤٨.

(٣) لم نعثر عليه.

(٤) وسائل الشيعة: ب ٢٠ من أبواب مقدمات الطواف ح ٦ ج ٩ ص ٣٥١.

٤٦٧

الشيخ(١) عن زين العابدين عليه السلام من ختم القرآن بمكة لم يمت حتى يرى رسول الله صلى الله عليه وآله ويرى منزله في الجنة. وكذا يكثر من ذكر الله تعالى، فعن زين العابدين عليه السلام(٢) أيضا تسبيحة بمكة أفضل من خراج العراقين ينفق في سبيل الله.

وسابعها: أنه إذا جلس في المسجد جلس قبالة الميزاب مستقبلا للبيت، قاله الجعفي(٣) .

وثامنها: الصلاة في موضع المقام قديما وخلف المقام الآن، وأفضل منهما عند الحطيم، وهو الموضع الذي تاب الله على آدم عليه السلام فيه.

وتاسعها: زيارة المواضع الشريفة بمكة، فمنها: إتيان مولد رسول الله صلى الله عليه وآله، وهو الآن مسجد في زقاق يسمى زقاق المولد.

ومنها إتيان منزل خديجة الذي كان رسول الله صلى الله عليه وآله يسكنه وخديجة به، وفيه ولدت أولادها منه صلى الله عليه وآله وفيه توفيت، ولم يزل رسول الله صلى الله عليه وآله مقيما به حتى هاجر، وهو الآن مسجد.

ويستحب أن يزور خديجة عليها السلام بالحجون، وقبرها معروف هناك قريب من سفح الجبل.

ومنها: إتيان مسجد الارقم، ويقال للدار التي هو فيها: دار الخيزران، فيه استتر رسول الله(٤) صلى الله عليه وآله في أول الاسلام.

ومنها: إتيان الغار الذي بجبل حراء، الذي كان رسول الله صلى عليه وآله في ابتداء الوحي يتعبد فيه، وإتيان الغار الذي بجبل ثور، واستتر فيه النبي

____________________

(١) وسائل الشيعة: ب ٤٥ من أبواب مقدمات الطواف ح ١ ج ٩ ص ٣٨٢.

(٢) نفس المصدر.

(٣) لا يوجد عندنا كتابه.

(٤) في " ز " و " ق ": النبي.

٤٦٨

صلى الله عليه وآله من المشركين، وهو المذكور في الكتاب العزيز.

ومنها: طواف الوداع، وليكن آخر أعماله بحيث يخرج بعده بلا فصل، وكيفيته كما تقدم، ويستلم فيه الاركان والمستجار، ويدعوا بالمأثور فيه وبعده، ويصلي ركعتيه.

وروي(١) وداع البيت بعد طواف الوداع من المستجار بين الحجر والباب ثم الشرب من زمزم، وروى(٢) قثم بن كعب عن الصادق عليه السلام جعل آخر عهده وضع يده على الباب.

ويقول في خروجه من المسجد وتوجهه إلى أهله: آئبون تائبون عابدون، لربنا حامدون، إلى ربنا راغبون، إلى ربنا راجعون.

ومنها: أن يشتري بدرهم شرعي تمرا ويتصدق به قبضة قبضة، ليكون كفارة لما عساه لحقه في إحرامه من حك أو سقوط قملة أو شعرة ونحوه، وقال الجعفي(٣) : يتصدق بدرهم، فلو تصدق ثم ظهر له موجب يتأدى بالصدقة أجزأ على الاقرب.

ومنها: الخروج من باب الحناطين، وهو بابا بني جمح بإزاء الركن الشامي، والسجود عند الباب مستقبل الكعبة ويطيل سجوده، والدعاء، وليكن آخر كلامه وهو قائم مستقبل الكعبة: اللهم إني انقلب على لا إله إلا الله.

فروع في طواف الوداع: من أراد المجاورة بمكة فلا وداع في حقه، فإذا أراد الخروج ودع، ويودع من كان منزله في الحرم. ولا رمل في هذا الطواف ولا اضطباع، ولا يجب بتركه دم.

ولا طواف على الحائض والنفساء للوداع، وكذا المستحاضة إذا خافت

____________________

(١) وسائل الشيعة: ب ١٨ من أبواب العود إلى منى ح ١ ج ١٠ ص ٢٣١.

(٢) وسائل الشيعة: ب ١٨ من أبواب العود إلى منى ح ٤ ج ١٠ ص ٢٣٣ وفيه المسكين على بابك فتصدق عليه بالجنة.

(٣) لا يوجد لدينا كتابه.

٤٦٩

التلويث، بل يودعن من باب المسجد الادنى إلى الكعبة.

ولو خرج من مكة بغير وداع استحب له العود مع الامكان، سواء بلغ مسافة القصر أو لا، ولا يحتاج إلى إحرام إذا لم يكن مضى له شهر وإلا احتاج، وأطلق الفاضل(١) أنه يحرم إذا رجع، وروي(٢) أن طواف الوداع كاف لمن نسي طواف النساء.

ولو طهرت الحائض والنفساء بعد مفارقة مكة لم يستحب لهما العود وإلا استحب.

ولو مكث بعد الطواف بمكة غير مشغول بأسباب الخروج، فالاشبه استحباب إعادته، ولو كان لاشتغاله بها كالتزود فلا، ولا يعيد(٣) للدعاء الواقع بعده ولا للصلاة بعده بالمسجد، سواء كانت فريضة أو نافلة، ولكن الافضل أن يكون آخر عهده الطواف.

ومنها: العزم على العود ما بقي، فإنه من المنشئات في العمر، وليسأل الله تعالى ذلك عند انصرافه، رزقنا الله تعالى العود إلى بيته الحرام وتكراره في كل عام بمنه وكرمه.

(١١٨) درس

مكة أفضل بقاع الارض ما عدا موضع قبر رسول الله صلى الله عليه وآله، وروي(٤) في كربلاء على ساكنها(٥) السلام مرجحات، والاقرب أن مواضع قبور الائمة عليهم السلام كذلك، أما البلدان التى هم بها فمكة أفضل منها حتى من المدينة.

وروى صامت(٦) عن الصادق عليه السلام أن الصلاة في المسجد

____________________

(١) تذكرة الفقهاء: ج ١ ص ٣٩٥.

(٢) وسائل الشيعة: ب ٢ من أبواب الطواف ح ٣ ج ٩ ص ٣٨٩.

(٣) في باقي النسخ: ولا يعيده.

(٤) وسائل الشيعة: انظر ب ٦٨ من أبواب المزار ج ١٠ ص ٤٠٢.

(٥) في " ز ": ساكنيها.

(٦) وسائل الشيعة: ب ٥٢ من أبواب أحكام المساجد ح ٨ ج ٣ ص ٥٣٧.

٤٧٠

الحرام تعدل مائة ألف صلاة، ومثله رواه السكوني(١) عنه عن آبائه عليهم السلام.

واختلفت الرواية(٢) في كراهية المجاورة بها واستحبابها، والمشهور الكراهية، إما لخوف الملالة وقلة الاحترام، وإما لخوف ملابسة الذنوب، فإن الذنب بها أعظم، قال الصادق عليه السلام(٣) : كل الظلم فيها إلحاد حتى ضرب الخادم، قال: ولذلك كره الفقهاء سكنى مكة، وإما ليدوم شوقه إليها إذا أسرع خروجه منها، ولهذا ينبغي الخروج منها عند قضاء المناسك، وروي(٤) أن المقام بها يقسي القلب.

والاصح استحباب المجاورة للواثق من نفسه لعدم(٥) هذه المحذورات، لما رواه ابن بابويه(٦) عن الباقر عليه السلام من جاور بمكة سنة غفر الله له ذنبه ولاهل بيته ولكل من استغفر له ولعشيرته ولجيرته ذنوب تسع سنين قد مضت.

وعصموا من كل سوء أربعين ومائة سنة، وروي(٧) أن الطاعم بمكة كالصائم فيما سواها، وصيام يوم بمكة يعدل صيام سنة فيما سواها(٨) ، ومن ختم القرآن بمكة من جمعة إلى جمعة أو أقل أو أكثر كتب الله له من الاجر والحسنات من أول جمعة كانت في الدنيا إلى آخر جمعة تكون، وكذا في سائر الايام(٩) .

____________________

(١) وسائل الشيعة: ب ٥٢ من أبواب أحكام المساجد ح ٧ ج ٣ ص ٥٣٧.

(٢) وسائل الشيعة: ب ١٦ من أبواب مقدمات الطواف ح ٢ و ٥ ج ٩ ص ٣٤١ و ٣٤٢.

(٣) وسائل الشيعة: ب ١٦ من أبواب مقدمات الطواف ح ١ ج ٩ ص ٣٤٠.

(٤) وسائل الشيعة: ب ١٦ من أبواب مقدمات الطواف ح ٨ ج ٩ ص ٣٤٢.

(٥) في بعض النسخ: بعد.

(٦) وسائل الشيعة: ب ١٥ من أبواب مقدمات الطواف ح ٢ ج ٩ ص ٣٤٠.

(٧) وسائل الشيعة: ب ١٥ من أبواب مقدمات الطواف ح ١ ج ٩ ص ٣٤٠.

(٨) وسائل الشيعة: ب ٤٥ من أبواب مقدمات الطواف ذيل ح ٢ ج ٩ ص ٣٨٢.

(٩) وسائل الشيعة: ب ١٨ من أبواب قراء‌ة القرآن ح ١ ج ٤ ص ٨٥٢.

٤٧١

وقال بعض الاصحاب: إن جاور للعبادة استحب، وإن كان للتجارة ونحوها كره، جمعا بين الروايات(١) .

وروى محمد بن مسلم(٢) عن الباقر عليه السلام لا ينبغي للرجل أن يقيم بمكة سنة، وفيها إشارة إلى التعليل بالملل، لانه لا يكره أقل من سنة.

ويكره منع الحاج دور(٣) مكة، ولا يجعل أهلها على دورهم أبوابا لينزل الحاج ساحة الدار، وأن يرفع بناء فوق الكعبة، وأن يخرج من الحرمين بعد ارتفاع النهار قبل أن يصلي الظهرين، وروي(٤) جواز استعمال ستارة الكعبة في المصاحف والوسائد وللصبيان عن الصادق عليه السلام.

والطواف للمجاور بمكة أفضل من الصلاة، والمقيم بالعكس، وتحصل الاقامة بالثالثة.

والمعتصم بالحرم من الجناة لا يستوفى منه فيه، بل يضيق عليه في المطعم والمشرب ولا يبايع حتى يخرج منه، ولو جنى في الحرم قوبل بجنايته.

ولا يجوز أخذ شئ من تربة المسجد وحصاه، فلو فعل وجب رده إلى موضعه في رواية محمد بن مسلم(٥) ، وإلى مسجد في رواية زيد الشحام(٦) ، وهي أشبه، والاولى على الافضلية.

ويحرم الالتقاط في الحرم فيعرفه سنة، فإن وجد مالكه وإلا تصدق به وضمن في رواية محمد بن مسلم(٧) وعلي بن أبي حمزة(٨) ، وفي باب اللقطة من

____________________

(١) لم نعثر عليه.

(٢) وسائل الشيعة: ب ١٦ من أبواب مقدمات الطواف ح ٥ ج ٩ ص ٣٤٢.

(٣) في " م ": من دور.

(٤) وسائل الشيعة: ب ٢٦ من أبواب مقدمات الطواف ح ١ ج ٩ ص ٣٥٩.

(٥) وسائل الشيعة: ب ١٢ من أبواب مقدمات الطواف ح ٢ ج ٩ ص ٣٣٣.

(٦) وسائل الشيعة: ب ١٢ من أبواب مقدمات الطواف ح ٥ ج ٩ ص ٣٣٤.

(٧) تهذيب الاحكام: ب ٩٤ في اللقطة والضاله ح ١١٦٥ ج ٦ ص ٣٩٠.

(٨) وسائل الشيعة: ب ٢٨ من أبواب مقدمات الطواف ح ٣ ج ٩ ص ٣٦١.

٤٧٢

النهاية(١) : لا يضمن، وهو قول المفيد(٢) وسلار(٣) والقاضي(٤) وابن حمزة(٥) ، ونقله الفاضل(٦) عن والده، ولم نظفر بمأخذه من الحديث، والامر بالصدقة لا ينافي الضمان، وفي رواية الفضيل بن يسار(٧) عن الباقر عليه السلام تلويح بأن للثقة أخذها ويعرفها.

ويجبر الامام الناس على الحج وزيارة النبي صلى الله عليه وآله لو تركوهما، وعلى المقام بالحرمين لو تركوه، فلو لم يكن لهم مال أنفق عليهم من بيت المال، وروي(٨) لو عطلوه سنة لم يناظروا، وروي(٩) لنزل عليهم العذاب، وروي(١٠) ما تخلف رجل عن الحج إلا بذنب وما يعفو الله عنه أكثر.

ولا يعرف أصحابنا كراهة أن يسمى من لم يحج صرورة، ولا أن يقال: حجة الوداع، ولا استحباب شرب نبيذ السقاية، ولا تحريم إخراج حصى الحرم وترابه، إلا ابن الجنيد(١١) فإنه حرم أخذ حجارة الحرم وتكسيرها وأخذ ترابه وتفريقه، فإن أخذه وجب رده إلى الحرم، فإن كان جاهلا وتعذر رده إلى الحرم جعله في أعظم المساجد التي يقدر عليها حرمة، وجوز أخذ الصمغ وورق الطلح

____________________

(١) النهاية: ص ٣٢٠.

(٢) المقنعة: ص ٦٤٦.

(٣) المراسم: ص ٢٠٦.

(٤) المهذب: ج ٢ ص ٥٦٧.

(٥) الوسيلة: ص ٢٧٨.

(٦) المختلف: ج ١ ص ٤٤٨.

(٧) وسائل الشيعة: ب ٢٨ من أبواب مقدمات الطواف ح ٥ ج ٩ ص ٣٦٢.

(٨) وسائل الشيعة: ب ٤ من أبواب وجوب الحج وشرائطه ح ٣ ج ٨ ص ١٣.

(٩) وسائل الشيعة: ب ٤ من أبواب وجوب الحج وشرائطه ح ٤ و ٧ ج ٨ ص ١٤.

(١٠) وسائل الشيعة: ب ٤٧ من أبواب وجوب الحج وشرائطه ح ٢ ج ٨ ص ٩٧.

(١١) لا يوجد لدينا كتابه.

٤٧٣

كماء زمزم، لانه لا يتغير أصله بتغير فرعه.

ويكره الاحتباء قبالة البيت واستدباره، والحج والعمرة على الابل الجلالة وعلى الزاملة، وترك الحج للموسر أكثر من خمس سنين، وترك العزم على العود لانه من قواطع الاجل، وإظهار السلاح بمكة، بل يغيب في جوالق أو يلف عليه شئ.

ويستحب الطواف عن النبي صلى الله عليه وآله والائمة عليهم السلام وعن الابوين والاهل والاخوان، يقول في ابتدائه: بسم الله اللهم تقبل من فلان، وأن يقال للقادم من الحاج: الحمد الله الذي يسر سبيلك وهدى دليلك، وأقدمك بحال عافية وقد قضى الحج، وأعان على السعة، تقبل الله منك، وأخلف عليك نفقتك، وجعلها حجة مبرورة ولذنوبك طهورا.

وانتظار أصحاب الحائض طهرها إلا أن تأذن لهم، ودعاؤها في مقام جبرئيل عليه السلام بعد الغسل ليذهب الحيض.

وصرف المال الموصى به في الحج الواجب متعين، ولو خير الموصي بينه وبين الصرف في الفاطميين صرفه(١) في الحج، ولو كان الحج ندبا وخير فمفهوم الرواية(٢) أفضلية الصرف فيهم.

ويستحب إقلال النفقة في الحج لينشط له، والاستدانة له فإنه أقضى للدين.

وروى عمر بن يزيد(٣) عن الصادق عليه السلام أن النبي صلى الله عليه وآله حج عشرين حجة، وفي خبر آخر(٤) عشر، وما كانت حجة الوداع إلا وقد حج قبل ذلك، ولا خلاف أنه لم يحج بعد قدوم المدينة سواها، وروي(٥) أنه

____________________

(١) في باقى النسخ: صرف.

(٢) وسائل الشيعة: ب ٤٢ من أبواب وجوب الحج وشرائطه ح ٤ ج ٨ ص ٨٠.

(٣) وسائل الشيعة: ب ٤٥ من أبواب وجوب الحج وشرائطه ح ٧ ج ٨ ص ٨٨.

(٤) وسائل الشيعة: ب ٤٥ من أبواب وجوب الحج وشرائطه ح ١١ ج ٨ ص ٨٩.

(٥) وسائل الشيعة: ب ٤٥ من أبواب وجوب الحج وشرائطه ح ٥ ج ٨ ص ٨٨.

٤٧٤

صلى الله عليه وآله حج عشر حجج مستترا في كل واحدة ينزل فيبول بالمأزمين، رواه في موضعين من التهذيب.

وكان على بدن رسول الله صلى الله عليه وآله في حجة الوداع ناجية بن جندب الخزاعي، وحالق رأسه معمر بن عبدالله بن حارثة القرشي العدوي، وكانت بدنه ستا وستين، وروي(١) سبع وستون، وبدن علي عليه السلام تمام المائة، وشركه رسول الله صلى الله عليه وآله في الجميع، فأخذا من كل بدنة جذوة، ثم طبخت فتحسيا من المرق، ليكونا قد أكلا من الجميع.

ويستحب البدأة للعراقي بالمدينة قبل مكة خوفا من عدم العود، وروي(٢) عن الباقر عليه السلام ابدأ بمكة واختم بالمدينة، وحمل على غير العراقي كالشامي واليمني.

ومن جعل جاريته هديا للكعبة صرفت قيمتها في معونة المحتاج إلى المعونة من الحاج.

ويكره الاشارة بترك الحج على المتبرع به وإن كان المستشير ضعيفا، حذرا من أن يمرض المشير سنة، كما وقع لاسحاق بن عمار(٣) وقد أنذره الصادق عليه السلام بذلك قبله.

وروى عبدالله بن ميمون(٤) عن الصادق عليه السلام أن المقام كان لاصقا بالبيت فحوله الثاني.

وروى الحسين بن نعيم(٥) عنه عليه السلام أن حد المسجد ما بين الصفا والمروة، وروى عبدالله بن سنان(٦) عنه عليه السلام أن

____________________

(١) لم نعثر عليه.

(٢) الكافي: انظر باب فضل الرجوع إلى المدينة ج ٤ ص ٥٥٠.

(٣) وسائل الشيعة: ب ٤٨ من أبواب وجوب الحج وشرائطه ح ١ ج ٨ ص ٩٧.

(٤) التهذيب: ب ٢٦ في الزيادات في فقه الحج ح ١٥٨٦ ج ٥ ص ٤٥٤.

(٥) و(٦) وسائل الشيعة: ب ٥٥ من أبواب أحكام المساجد ح ٤ و ٣ ج ٣ ص ٥٤١.

٤٧٥

خط ابراهيم عليه السلام يعني المسجد ما بين الحزورة إلى المسعى، وروى جميل(١) أن الصادق عليه السلام سئل عما زيد في المسجد أمن المسجد؟ قال: نعم إنهم لم يبلغوا مسجد ابراهيم واسماعيل، وقال(٢) : الحرم كله مسجد.

وروى زرارة(٣) عن الباقر عليه السلام أن المرتد إذا عاد إلى الاسلام حسب له عمله في إيمانه.

وروى عبدالرحمن بن الحجاج(٤) عن أبي الحسن عليه السلام عليكم بالاحتياط، يعني فيما يرد مما لا تعلمونه من الاحكام.

وروى هشام بن الحكم(٥) عن الصادق عليه السلام أن الحرم أفضل من عرفة.

وروى علي بن يقطين(٦) عن أبي الحسن عليه السلام أنه لاشئ على الناظر في فرج المحللة بعد الحلق قبل الطواف، وعن الصادق عليه السلام(٧) في محرم أكل لحم صيد لا يدري ما هو عليه شاة.

(١١٩) درس

إذا أحصر المحرم بالمرض عن مكة أو الموقفين، بعث هديه المسوق إلى مكة إن كان معتمرا، ومنى إن كان حاجا، ويواعد نائبه وقتا معينا، فإذا بلغ محله قصر وتحلل بنيته إلا من النساء، حتى يحج في القابل أو يعتمر مع وجوب الحج أو العمرة، أو يطاف عنه طواف النساء مع ندبهما، قيل: أو مع عجزه في الواجب، ولو أحصر في عمرة التمتع فالظاهر حل النساء له، إذ لا طواف لاجل

____________________

(١) وسائل الشيعة: ب ٥٥ من أبواب أحكام المساجد ح ١ ج ٣ ص ٥٤١.

(٢) لم نعثر عليه.

(٣) وسائل الشيعة: ب ٣٠ من أبواب مقدمة العبادات ح ١ ج ١ ص ٩٦.

(٤) وسائل الشيعة: ب ١٢ من أبواب صفات القاضي ح ١ ج ١٨ ص ١١٢.

(٥) وسائل الشيعة: ب ٤٤ من أبواب مقدمات الطواف ح ٣ ج ٩ ص ٣٨١.

(٦) وسائل الشيعة: ب ١٧ من أبواب كفارات الاستمتاع ح ٤ ج ٩ ص ٢٧٥.

(٧) وسائل الشيعة: ب ٥٤ من أبواب كفارات الصيد ح ٢ ج ٩ ص ٢٥٠.

٤٧٦

النساء فيها.

وخير ابن الجنيد(١) بين البعث والذبح(٢) حيث أحصر، والجعفي(٣) يذبحه مكانه ما لم يكن ساق، وروى المفيد(٤) مرسلا أن المتطوع ينحر مكانه ويتحلل حتى من النساء، والمفترض يبعث ولا يتحلل من النساء، واختاره سلار(٥) لتحلل الحسين عليه السلام من العمرة المفردة بالحلق والنحر مكانه في حياة أبيه عليهما السلام، وربما قيل بجواز النحر مكانه إذا أضربه التأخير، وهو في موضع المنع، لجواز التعجيل مع البعث. ولو لم يكن ساق بعث هديا أو ثمنه.

وقال ابنا بابويه(٦) : لا يجزئ هدي السياق عن هدي التحلل، وبه قال ابن الجنيد(٧) إذا كان قد أوجبه الله بإشعار أو غيره وإلا أجزأ، والظاهر أنه مرادهما، لانه قبل الاشعار والتقليد لا يدخل في حكم المسوق إلا أن يكون منذورا بعينه أو معينا عن نذره، وقيل: يتداخلان إذا لم يكن السوق واجبا بنذر أو كفارة وشبهها، وأطلق المعظم التداخل.

ولو كان مشترطا أنفذ ما ساق إجماعا، وإلا سقط عند المرتضى(٨) وابن ادريس(٩) وتحلل في الحال، وقال المحقق(١٠) بتعجيل التحلل، وظاهر الاكثر

____________________

(١) المختلف: ج ١ ص ٣١٧.

(٢) في باقي النسخ: وبين الذبح.

(٣) لا يوجد لدينا كتابه.

(٤) المقنعة: ص ٤٤٦.

(٥) المراسم: ص ١١٨.

(٦) المختلف: ج ١ ص ٣١٧، من لا يحضره الفقيه: ج ٢ ص ٥١٤.

(٧) المختلف: ج ١ ص ٣١٧.

(٨) الانتصار: ص ١٠٤.

(٩) السرائر: ج ١ ص ٦٤٠.

(١٠) شرائع الاسلام: ج ١ ص ٢٥٥.

٤٧٧

مساواته لغير المشترط في وجوب الهدي والتربص، وهو المروي(١) .

ثم القضاء يساوي الاداء، فإن كان متعينا بنوع فعله وإلا تخير، وقال الاكثر: يأتي بمثل ما خرج منه، لصحيحة محمد بن مسلم(٢) ورفاعة(٣) عن الصادقين عليهما السلام القارن يدخل بمثل ما خرج منه ويبعث وإن اشترط. ولو لم يجد هديا ولا ثمنه بقي محرما ولا بدل له، قاله الشيخ(٤) ، وقال ابن الجنيد(٥) : يحل لانه لم يستيسر له هدي. ولو ظهر أن هديه لم يذبح لم يبطل تحلله وبعث به القابل، وهل يمسك عن المحرمات إذا بعث؟ المشهور ذلك لصحيحة معاوية بن عمار(٦) .

فروع سبعة: لو خف التحق، فإن أدرك الوقوف المجزئ وإلا تحلل بعمرة وإن نحر هديه على الاقرب.

الثاني: لو ظن الخف فله الانفاذ والتربص، فإن أدرك وإلا تحلل بعمرة مع الفوات وبالهدي لا معه.

الثالث: المحصر قبل التحلل باق على إحرامه، فلو جنى جناية فكغيره، وكذا لو حلق رأسه لاذى، ولو رفض إحرامه وفعل فعل المحل لم يتحلل ولا كفارة على الرفض وإن أثم، ويكفر عن جنايته.

____________________

(١) وسائل الشيعة: ب ٢ من أبواب الاحصار والصد ج ٩ ص ٣٠٥.

(٢) وسائل الشيعة: ب ٤ من أبواب الاحصار والصد ح ١ ج ٩ ص ٣٠٧.

(٣) وسائل الشيعة: ب ٤ من أبواب الاحصار والصد ح ٢ ج ٩ ص ٣٠٨.

(٤) المبسوط: ج ١ ص ٣٣٣.

(٥) المختلف: ج ١ ص ٣١٩.

(٦) وسائل الشيعة: ب ٢ من أبواب الاحصار والصد ج ٩ ص ٣٠٥.

٤٧٨

الرابع: لو أخر التحلل حتى تحقق الفوات فله ذلك، وحينئذ يتحلل بالعمرة، ويتحلل بالهدي منها لو تعذرت، ولو كان قد ذبح هديه وقت المواعدة ففي الاجتزاء به أو التحلل بالعمرة وجهان، اعتبارا بحالة البعث أو حالة التحلل.

الخامس: المعتمر إفرادا يقضي عمرته في زمان يصح فيه الاعتمار ثانيا فيبنى على الخلاف، ولو كان متمتعا قضاها مع الحج، ولو اتسع الزمان لقضائهما في عامه وجب.

السادس: يجوز اشتراط التحلل عند وجود مانع من الاتمام، كعدم النفقة وفوات الوقت أو ضيقه أو ضلال عن الطريق فيتحلل عنده، وفي إلحاق أحكامه بالمصدود أو بالمحصر أو استقلاله تردد، ويحتمل جواز التحلل وإن لم يشترط كما ثبت فيهما، لقول الصادق عليه السلام(١) : هو حل حيث حبسه قال أو لم يقل، فعلى هذا لا ينحصر أسباب التحلل الضروري في الصد والاحصار والفوات.

السابع: لو شرط التحلل عند أحد هذه العوارض بغير هدي أمكن الصحة عملا بالشرط، فيتحلل بالحلق أو التقصير مع النية، ولو شرط أن يكون حلالا بنفس العارض أمكن صحته فلا يحتاج إلى تحلل، ولو شرط التحلل عند فوات الحج بغير العمرة ففي اتباع شرطه احتمال، والاقرب لغو الجميع.

(١٢٠) درس

إذا منع المحرم عدو من إتمام نسكه كما مر في المحصر، ولا طريق غير موضع العدو، أو وجد ولا نفقة، ذبح هديه أو نحره مكان الصد بنية التحلل فيحل على الاطلاق، وفي وجوب التقصير أو الحلق قولان، أقربهما الوجوب، ولا فرق في جواز

____________________

(١) وسائل الشيعة: ب ٢٣ من أبواب الاحرام ح ١ و ٢ ج ٩ ص ٣٣.

٤٧٩

التحلل بين المشترط وغيره، صرح به في التهذيب(١) ، لرواية زرارة(٢) وحمزة بن حمران(٣) عن الصادق عليه السلام، وقول ابن حمزة(٤) والمحقق(٥) هنا بعيد، ولا بين العمرة المفردة وغيرها، ولو كان سائغا ففي التداخل ما مر.

وأوجب الحلبي(٦) بعث المصدود كالمحصر، وجعله الشيخ في الخلاف(٧) أفضل، وفصل ابن الجنيد(٨) بإمكان البعث فيجب وعدمه فينحر مكانه، وأسقط ابن ادريس(٩) الهدي عن المصدود، ويدفعه صحيحة معاوية بن عمار(١٠) أن النبي صلى الله عليه وآله حين صده المشركون يوم الحديبية نحر وأحل، والمرتضى(١١) أسقطه مع الاشتراط.

ولا بدل لهدي التحلل، والخلاف فيه مع التعذر كالمحصر.

ويجوز التحلل في الحل والحرم بل في بلده، إذ لا زمان ولا مكان مخصوصين فيه.

ويتحقق الصد بالمنع عن مكة في إحرام العمرة وبالمنع عن الموقفين أو أحدهما مع فوات الآخر في إحرام الحج، ولايتحقق بالمنع عن مناسك منى، وفي تحققه بالمنع عن مكة بعد الموقفين والتحلل أو قبله نظر، أقربه عدم تحققه في

____________________

(١) التهذيب: ب ٧ في صفة الاحرام ج ٥ ص ٨٠.

(٢) التهذيب: ب ٧ في صفة الاحرام ح ٢٦٧ ج ٥ ص ٨٠.

(٣) التهذيب: ب ٧ في صفة الاحرام ح ٢٦٦ ج ٥ ص ٨٠.

(٤) الوسيلة: ص ١٩٤.

(٥) شرائع الاسلام: ج ١ ص ٢٥٥.

(٦) الكافي في الفقه: ص ٢١٨.

(٧) الخلاف: ج ١ ص ٤٤٣.

(٨) المختلف: ج ١ ص ٣١٨.

(٩) السرائر: ج ١ ص ٦٤١.

(١٠) وسائل الشيعة: ب ٩ من أبواب الاحصار والصد ح ٥ ج ٩ ص ٣١٣.

(١١) الانتصار: ص ١٠٤.

٤٨٠

بحث

ما يخلفه الإنسان بعد موته :

المستفاد من الرّوايات الشريفة ، بالإضافة لما ورد في الآيات المباركة أعلاه ، إنّه ثمّة أعمال وآثار يخلفها الإنسان بعد موته ، وما ينجسم من تلك الأعمال والآثار حتى يوم القيامة يبقى مرتبطا بذات الفاعل الأصلي ، فإن كانت الأعمال حيّرة فستصله حسنات تتمة العمل واستمراره ، وإن كانت شريرة فلا يجني منها سوى الهون والعذاب.

فعن الإمام الصادق ٧ ، أنّه قال : «ليس يتبع الرجل بعد موته من الأجر إلّا ثالث خصال : صدقة أجراها في حياته ، فهي تجري بعد موته ، وسنّة هدى سنّها ، فهي تعمل بها بعد موته ، وولد صالح يستغفر له»(١) .

وفي رواية اخرى : «ست خصال يتنفع بها المؤمن بعد موته : ولد صالح يستغفر له ، مصحف يقرأ منه ، وقليب (بئر) يحفره ، وغرس يغرسه ، وصدقة ماء يجربه ، وسنة حسنة يؤخذ بها بعده»(٢) .

فيما أكّدت بعض الرّوايات على (العلم) الذي يخلّفه بعده.(٣) وقد حذّرت كثير من الرّوايات من أن يسنّ الإنسان سنّة سيئة ، لأنّ الفاعل الأوّل ستتابع عليه آثام تلك السنة إلى يوم القيامة.

وكذلك حثت وشوقت على استنان السنن الحسنة ، لينتفع الفاعل الأوّل لها بثوابها الجاري إلى يوم القيامة.

وذكر العلّامة الطبرسي حديثا في هذا المضمار إنّ سائلا قام على عهد النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فسأل ، فسكت القوم ، ثمّ أنّ رجلا أعطاه ، فأعطاه القوم فقال

__________________

(١) بحار الأنوار ، ج ٧١ ، ص ٢٥٧.

(٢) المصدر السابق.

(٣) منية المريد ، ص ١١.

٤٨١

النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «من استن خيرا فاستن به فله أجره ، ومثل أجور من اتبعه ، غير منتقص من أجورهم ، ومن استن شرّا فاستن به فعليه وزره ، مثل أوزار من اتبعه غير منتقص من أوزارهم» فتلا حذيفة بن اليمان قوله تعالى :( عَلِمَتْ نَفْسٌ ما قَدَّمَتْ وَأَخَّرَتْ ) (١) .

وعن أمير المؤمنينعليه‌السلام ، أنّه قال : «فكيف بكم لو تناهت بكم الأمور وبعثرت القبور ، هناك تبلو كلّ نفس ما أسلفت ، وردّوا إلى الله مولاهم الحق ، وضل عنهم ما كانوا يفترون»(٢) .

فتعكس هذه الآيات والرّوايات أبعاد مسئولية الإنسان أمام أعماله ، وتبيّن عظم المسؤولية ، فأثار فعل الخيرات أو المنكرات يتصل إليه وإن امتدت الآلاف السنين بعد موته!(٣) .

* * *

__________________

(١) مجمع البيان ، ج ١٠ ، ص ٤٤٩.

(٢) نهج البلاغة ، الخطبة ٢٢٦.

(٣) لمزيد من التفصيل. راجع تفسير الآية (٢٥) من سورة النحل.

٤٨٢

الآيات

( يا أَيُّهَا الْإِنْسانُ ما غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ (٦) الَّذِي خَلَقَكَ فَسَوَّاكَ فَعَدَلَكَ (٧) فِي أَيِّ صُورَةٍ ما شاءَ رَكَّبَكَ (٨) كَلاَّ بَلْ تُكَذِّبُونَ بِالدِّينِ (٩) وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحافِظِينَ (١٠) كِراماً كاتِبِينَ (١١) يَعْلَمُونَ ما تَفْعَلُونَ (١٢) )

التّفسير

لا داعي للغرور :

تنتقل الآيات أعلاه من المعاد إلى الإنسان ، ببيان إيقاظي عسى أن ينتبه الإنسان من غفلة ما في عنقه من حقّ وما على عاتقه من مسئوليات جسام أمام خالقه سبحانه وتعالى ، فتخاطب الآية الاولى الإنسان باستفهام توبيخي محاط بالحنان والرأفة الرّبانية :( يا أَيُّهَا الْإِنْسانُ ما غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ ) .

فالقرآن يذكّر الإنسان بإنسانيته ، وما لها من إكرام وأفضلية ، ثمّ جعله أمام «ربّ» «كريم» ، فالرّب وبمقتضى ربوبيته هو الحامي والمدبّر لأمر تربية وتكامل الإنسان ، وبمقتضى كرمه أجلس الإنسان على مائدة رحمته ، ورعاه بما أنعم عليه ماديا ومعنويا ودون أن يطلب منه أيّ مقابل ، بل ويعفو عن كثير من ذنوب

٤٨٣

الإنسان لفضل كرمه

فهل من الحكمة أن يتمرد هذا الموجود المكرّم على هكذا ربّ رحيم كريم؟!

وهل يحقّ لعاقل أن يغفل عن ذكر ربّه ولو للحظة واحدة ، ولا يطيع أمر مولاه الذي يتضمن سعادته وفوزه؟!

ولهذا فقد ورد عن النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عند تلاوته للآية المباركة أنّه قال : «غرّه جهله»(١) .

ومن هنا ، يتقرّب لنا هدف الآية ، فهي تدعو الإنسان لكسر حاجز غروره وتجاوز حالة الغفلة ، وذلك بالاستناد على مسألة الربوبية والكرم الإلهي ، وليس كما يحلو للبعض من أن يصور هدف الآية ، على أنّه تلقين الإنسان عذره ، فيقول : غرّني كرمك! أو كما قيل للفضيل بن عياض : «لو أقامك الله ويوم القيامة بين يديه ، فقال :( ما غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ ) ، ماذا كنت تقول له؟ قال : أقول : غرّني ستورك المرخاة»(٢) .

فهذا ما يخالف تماما ، لأنّها في صدد كسر حالة غرور الإنسان وإيقاظه من غفلته ، وليست في صدد إضافة حجاب آخر على حجب الغفلة!

فلا ينبغي لنا أن نذهب بالآية بما يحلو لنا ونوجهها في خلاف ما تهدف إليه! «غرّك» : من (الغرور) ، و «الغرّة» : غفلة في اليقظة ، وبعبارة اخرى : غفلة في وقت لا ينبغي فيه الغفلة ، ولما كانت الغفلة أحيانا مصدرا للاستعلاء والطغيان فقد استعملت (الغرور) بهذه المعاني.

والغرور) : كلّ ما يغرّ الإنسان من مال ، جاه ، شهوة وشيطان ، وقد فسّر الغرور بالشيطان ، لأنّه أخبث من يقوم بهذا الدور الدنيء في الدّنيا.

__________________

(١) مجمع البيان ، ج ١٠ ، ص ٤٤٩ ؛ والدر المنثور ، وروح المعاني ، وروح البيان ، والقرطبي ، عند تفسير الآية المبحوثة.

(٢) المصدر السابق.

٤٨٤

وذكر في تفسير «الكريم» آراء كثيرة ، منها : إنّه المنعم الذي تكون جميع أفعاله إحسان ، وهو لا ينتظر منها أيّ نفع أو دفع ضرر.

ومنها : هو الذي يعطي ما يلزمه وما لا يلزمه.

ومنها : هو من يعطي الكثير بالقليل.

ولو جمعنا كلّ ما ذكر وبأعلى صورة لدخل في كرم اللهعزوجل ، فيكفي كرم الله جلالا أنّه لا يكتفي عن المذنبين ، بل يبدل (لمن يستحق) سيئاتهم حسنات.

وروي عن أمير المؤمنينعليه‌السلام عند تلاوته لهذه الآية ، أنّه قال : (إن الإنسان) «أدحض مسئول حجّة ، وأقطع مغترّ معذرة ، لقد أبرح (أي اغتر) جهالة بنفسه.

يا أيّها الإنسان ، ما جرّأك على ذنبك ، وما غرّك بربّك ، وما أنسك بهلكة نفسك؟

أمّا من دائك بلول (أي شفاء) ، أم ليس من نومتك يقظة؟ أما ترحم نفسك ما ترحم من غيرك؟ فلربّما ترى الضاحي من حرّ الشمس فتظلّه ، أو ترى المبتلى بألم يمض جسده فتبكي رحمة له! فما صبرك على دائك ، وجلدك على مصابك ، وعزاك عن البكاء على نفسك وهي أعزّ الأنفس عليك ، وكيف لا يوقظك خوف بيات نقمة (أي تبيت بنقمة من الله) وقد تورطت بمعاصيه مدارج سطواته! فتداو من داء الفترة في قلبك بعزيمة ، ومن كرى (أي النوم) الغفلة في ناظرك بيقظة ، وكن لله مطيعا وبذكره آنسا ، وتمثل (أي تصور) في حال توليك عنه إقباله عليك ، يدعوك إلى عفوه ويتغمدك بفضله وأنت متول عنه إلى غيره ، فتعالى من قوي ما أكرمه! وتواضعت من ضعيف ما أجرأك على معصيته! ...»(١) .

وتعرض لنا الآية التالية جانبا من كرم الله ولطفه على الإنسان :( الَّذِي

__________________

(١) نهج البلاغة ، الخطبة ٢٢٣.

٤٨٥

خَلَقَكَ فَسَوَّاكَ فَعَدَلَكَ فِي أَيِّ صُورَةٍ ما (١) شاءَ رَكَّبَكَ ) .

فالآية قد طرحت مراحل خلق الإنسان الأربعة أصل الخلقة ، التسوية ، التعديل ، ومن ثمّ التركيب.

ففي مرحلة الاولى : يبدأ خلق الإنسان ومن نطفة في ظلمات رحم الام.

وفي مرحلة الثّانية : مرحلة «التسوية والتنظيم» وفيها يقدر الباري سبحانه خلق كلّ عضو من أعضاء الإنسان بميزان متناهي الدّقة.

فلو أمعن الإنسان النظر في تكوين عينه اذنه أو قلبه ، عروقه وسائر أعضاءه ، وما أودع فيها من ألطاف ومواهب وقدرات إلهية ، لتجسم أمامه عالما من العلم والقدرة واللطف والكرم الإلهي.

عطاء ربّاني قد شغل العلماء آلاف السنين بالتفكير والبحث والتأليف ، ولا زالوا في أوّل الطريق

وفي المرحلة الثّالثة : يكون التعديل بين «القوى» و «الأعضاء» وتحكيم الارتباط فيما بينها.

وبدن الإنسان قد بني على هذين القسمين المتقاربين ، فـ اليدين ، الرجلين ، العينين ، الأذنين ، العظام ، العروق ، الأعصاب والعضلات قد توزعت جميعها على هذين القسمين متجانس ومترابط.

هذا بالإضافة إلى أنّ الأعضاء في عملها يكمل بعضها للبعض الآخر ، فجهاز التنفس مثلا يساعد في عمل الدورة الدموية بدورها تقدم يد العون إلى عملية التنفس ، ولأجل ابتلاع لقمة غذاء ، لا تصل إلى الجهاز الهضمي إلّا بعد أن يؤدّي كلّ من : الأسنان ، اللسان ، الغدد وعضلات الفم دوره الموكل به ، ومن ثمّ تتعاضد أجزاء الجهاز الهضمي على إتمام عملية الهضم وامتصاص الغذاء ، لينتج منه القوّة

__________________

(١) «ما» : زائدة ، واحتملها البعض (شرطية) ، ولكنّ الرأي الأوّل أقرب للصواب.

٤٨٦

اللازمة للحركة والفعالية

وكلّ ما ذكر ، وغيره كثير ، قد جمع قصيرة رائعة( ... فَعَدَلَكَ ) .

وقيل : «عدلك» إشارة إلى اعتدال قامة الإنسان ، وهو ما يمتاز به عن بقية الحيوانات ، وهذا المعنى أقرب للمرحلة القادمة ولكن المعنى الأوّل أجمع.

وفي المرحلة الرابعة : تكون عملية «التركيب» وإعطاء الصورة النهائية للإنسن نسبة إلى بقية الموجودات.

نعم ، فقد تكرم الباري بإعطاء النوع الإنساني صورة موزونة عليها مسحة جمالية بديعة قياسا مع بقية الحيوانات ، وأعطى الإنسان فطرة سليمة ، وركّبه بشكلّ يكون فيه مستعدا لتلقي كلّ علم وتربية.

ومن حكمة الباري أن جعل الصور الإنسانية مختلفة متباينة ، كما أشارت إلى ذلك الآية (٢٢) من سورة الروم :( وَمِنْ آياتِهِ خَلْقُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلافُ أَلْسِنَتِكُمْ وَأَلْوانِكُمْ ) ، ولولا الاختلاف المذكور لاختل توازن النظام الاجتماعي البشري.

ومع الاختلاف في المظهر فإنّ الباري جلّ شأنه قدّر الاختلاف والتفاوت في القابليات والاستعدادات والأذواق والرغبات ، وجاء هذا النظم بمقتضى حكمته ، وبه يمكن تشكيل مجتمع متكامل سليم وكلّ حوائجه ستكون مؤمّنة.

وتلخص الآية (٤) من سورة التين خلق الله للإنسان بصورة إجمالية :( لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ ) .

والخلاصة : فالآيات المبحوثة ، إضافة لآيات أخر كثيرة تهدف وبشكلّ دقيق إلى تعريف الإنسان المغرور بحقيقته ، منذ كان نطفة قذرة ، مرورا بتصويره وتكامله في رحم امّه ، حتى أشدّ حالات نموه وتكامله ، وتؤكّد على أنّ حياة الإنسان في حقيقتها مرهونة بنعم الله ، وكلّ حيّ يفعم برحمة الله في كل لحظات حياته ، ولا بدّ لكلّ حي ذي لبّ وبصيرة من أن يترحل من مطية غروره وغفلته ،

٤٨٧

ويضع طوق عبودية المعبود الأحد في رقبته ، وإلّا فالهلاك الحتمي.

وتتناول الآية التالية منشأ الغرور والغفلة :( كَلَّا بَلْ تُكَذِّبُونَ بِالدِّينِ ) .

فالكرم الإلهي ، ولطف الباري منعمه ليست بمحفز لغروركم ، ولكنكم آليتم على عدم إيمانكم بالقيامة ، فوقعتم بتلك الهاوية الموهمة.(١)

ولو دققنا النظر في حال المغرورين والغافلين ، لرأينا أنّ الشك بيوم القيامة أو إنكاره هو الذي استحوذ على قلوبهم وما دونه مجرّد مبررات واهية ، ومن هنا يأتي لتشديد على أصل المعاد ، فلو قوي الإيمان بالمعاد في القلوب لارتفع الغرور وانقشعت الغفلة عن النفوس.

«الدين» : يراد به هنا ، الجزاء يوم الجزاء ، وما احتمله البعض من أنّه (دين الإسلام) فبعيد عن سياق حديث الآيات ، لأنّها تتحدث عن «المعاد».

وتأتي الآيات التالية لتوضح أنّ حركات وسكنات الإنسان كلّها مراقبة ومحسوبة ولا بدّ الإيمان بالمعاد وإزالة عوامل الغفلة والغرور ، فتقول( وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحافِظِينَ ) (٢) .

وهؤلاء الحفظة لهم مقام كريم عند الله تعالى ودائبين على كتابة أعمالكم :( كِراماً كاتِبِينَ ) .

( يَعْلَمُونَ ما تَفْعَلُونَ ) .

و «الحافظين» : هم الملائكة المكلفون بحفظ وتسجيل أعمال الإنسان من خير أو شرّ ، كما سمّتهم الآية (١٧) من سورة (ق) بالرقيب العتيد :( ما يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ ) ، كما وذكرتهم الآية (١٦) من نفس السورة :( إِذْ يَتَلَقَّى

__________________

(١) «كلا» حرف ردع لإنكار شيء ذكر وتوهم ، لكن أي إنكار قصدته الآية؟ ثمة احتمالات عديدة للمفسرين في ذلك ، وأهمها ما ذكر أعلاه ، أي أن «كلا» جاءت لتنفي كل أسباب ومنابع الغرور والغفلة وتجعلها في إنكار القيامة والتكذيب به فقط. وهو ما ورد بعد «بل» وهذا ما اختاره الراغب في مفردات (في مادة : بل) ، وقال بعد ذكره للآية : قيل ليس هاهنا ما يقتضي أن يغرهم به تعالى ولكن تكذيبهم هو الذي حملهم على ما ارتكبوه.

(٢) قيل : إن «الواو» هنا حالية ، كما في روح المعاني وروح البيان ، ولكن احتمال كونها (استئنافية) أقرب للحال.

٤٨٨

الْمُتَلَقِّيانِ عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمالِ قَعِيدٌ ) .

وثمّة آيات قرآنية اخرى تشير إلى رقابة الملائكة لما يفعله الإنسان في حياته.

إنّ نظر وشهادة اللهعزوجل على أعمال الإنسان ، ممّا لا شك فيه ، فهو الناظر لما يبدر من الإنسان قبل أيّ أحد ، وأدق من كلّ شيء ، ولكنّه سبحانه ولزيادة التأكيد ولتحسيس الإنسان بعظم مسئولية ما يؤديه ، فقد وضع مراقبين يشهدون على الإنسان يوم الحساب ، ومنهم هؤلاء الملائكة الكرام.

وقد فصّلنا أقسام المراقبين الذين يحفون بالإنسان من كلّ جهة ، وذلك ذيل الآيتين (٢٠ و٢١) من سورة فصّلت ، ونوردها هنا إجمالا ، وهي على سبعة أقسام.

أوّلا : ذات الله المقدّسة ، كما في قوله تعالى :( وَلا تَعْمَلُونَ مِنْ عَمَلٍ إِلَّا كُنَّا عَلَيْكُمْ شُهُوداً إِذْ تُفِيضُونَ فِيهِ ) (١) .

ثانيا : الأنبياء والأوصياءعليهم‌السلام ، بدلالة قوله تعالى :( فَكَيْفَ إِذا جِئْنا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنا بِكَ عَلى هؤُلاءِ شَهِيداً ) (٢) .

ثالثا : أعضاء بدن الإنسان ، بدلالة قوله تعالى :( يَوْمَ تَشْهَدُ عَلَيْهِمْ أَلْسِنَتُهُمْ وَأَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ بِما كانُوا يَعْمَلُونَ ) (٣) .

رابعا : جلد الإنسان وسمعه وبصره ، بدلالة قوله تعالى :( حَتَّى إِذا ما جاؤُها شَهِدَ عَلَيْهِمْ سَمْعُهُمْ وَأَبْصارُهُمْ وَجُلُودُهُمْ بِما كانُوا يَعْمَلُونَ ) (٤) .

خامسا : الملائكة ، بدلالة قوله تعالى :( وَجاءَتْ كُلُّ نَفْسٍ مَعَها سائِقٌ

__________________

(١) يونس ، الآية ٦١.

(٢) النساء ، الآية ٤١.

(٣) النور ، الآية ٢٤.

(٤) فصلت ، الآية ٢١.

٤٨٩

وَشَهِيدٌ ) (١) ، وبدلالة الآية المبحوثة أيضا.

سادسا : الأرض المكان الذي يعيش عليه الإنسان ، بدلالة قوله تعالى :( يَوْمَئِذٍ تُحَدِّثُ أَخْبارَها ) (٢) .

سابعا : الزمان الذي تجري فيه أعمال الإنسان ، بدلالة ما روي عن الإمام عليعليه‌السلام في وقوله : «ما من يوم يمرّ على ابن آدم إلّا قال له ذلك اليوم : يا ابن آدم أنا يوم جديد وأنا عليك شهيد»(٣) .

وفي كتاب الإحتجاج للشيخ الطبرسي : إنّ شخصا سأل الإمام الصادقعليه‌السلام عن علّة وضع الملائكة لتسجيل أعمال الإنسان في حين أنّ اللهعزوجل عالم السرّ وأخفى؟

فقال الإمامعليه‌السلام : «استعبدهم بذلك ، وجعلهم شهودا على خلقه ، ليكون العباد لملازمتهم إيّاهم أشدّ على طاعة الله مواظبة ، وعن معصيته أشدّ انقباضا ، وكم من عبد يهم بمعصية فذكر مكانهما فارعوى وكفّ ، فيقول ربّي يراني ، وحفظتي عليّ بذلك يشهد ، وأنّ برأفته ولطفه وكّلهم بعباده ، يذبّون عنهم مردة الشياطين ، وهوام الأرض ، وآفات كثيرة من حيث لا يرون بإذن الله ، إلى أن يجيء أمر اللهعزوجل »(٤) .

ويستفاد من هذه الرواية أنّ للملائكة وظائف اخرى إضافة لتسجيلهم لأعمال الإنسان كحفظ الإنسان من الحوادث والآفات ووساوس الشيطان.

(وقد بحثنا موضوع وظائف ومهام الملائكة بتفصيل في ذيل الآية (١) من سورة فاطر ـ فراجع).

__________________

(١) سورة ق ، الآية ٢١.

(٢) الزلزال ، الآية ٤.

(٣) سفينة البحار ، ج ٢ ، ص ٧٣٩ (مادة : يوم).

(٤) نور الثقلين ، ج ٥ ، ص ٥٢٢.

٤٩٠

وقد وصفت الآيات المبحوثة هؤلاء الملائكة بأنّهم «كرام» ، ليكون الإنسان أكثر دقّة في مراقبة نفسه وأعماله ، لأنّ الناظر كلّما كان ذا شأن كبير ، تحفظ الإنسان منه أكثر وأكثر واستحى من فعل المعاصي أمامه.

وعلّة ذكر «كاتبين» للتأكيد على إنّهم لا يكتفون بالمراقبة والحفظ دون تسجيل ذلك بدقّة متناهية.

وذكر :( يَعْلَمُونَ ما تَفْعَلُونَ ) تأكيد آخر على كونهم مطلعين على كلّ الأعمال وبشكل تام ، واستنادا إلى اطلاعهم ومعرفتهم يسجلون ما يكتبونه.

فالآيات تشير إلى حرية إرادة الإنسان ، وتشير إلى كونه مختارا ، وإلّا فما قيمة تسجيل الأعمال؟ وهل سيبقى للتحذير والإنذار من معنى؟

وتشير أيضا إلى جدّية ودقّة الحساب والجزاء والإلهي.

ويكفي فهم واستيعاب هذه الإشارات البيانية الرّبانية لإنقاذ الإنسان من وقوعه في هاوية المعاصي ، وتكفيه الإشارات عظة ليزكي ويعرف مسئوليته ويعمل بدروه.

* * *

بحث

كتبة صحائف الأعمال :

لم تكن الآيات المبحوثة الدليل الوحيد على وجود المراقبين لأعمال الإنسان ، والكاتبين لها بخيرها وشرّها ، بل ثمّة آيات كثيرة وروايات عديدة تناولت ذلك ومن جملة ما ورد من الأحاديث بهذا الشأن.

١ ـ سؤال عبد الله بن موسى بن جعفرعليه‌السلام لأبيه عن الملكين هل يعلمان بالذنب إذا أراد العبد أن يفعله ، أو الحسنة؟

فقال الإمامعليه‌السلام : «ريح الكنيف وريح الطيب سواء؟».

٤٩١

قال : لا.

قال : «إنّ العبد إذا همّ بالحسنة خرج نفسه طيّب الريح ، فيقول صاحب اليمين لصاحب الشمال : قم فإنّه قد همّ بالحسنة ، فإذا فعلها كان لسانه قلمه وريقه مداده ، فأثبتها له ، وإذا همّ بالسيئة خرج نفسه منتن الريح ، فيقول صاحب الشمال لصاحب اليمين ، قف فإنّه قد همّ بالسيئة ، فإذا هو فعلها كان لسانه قلمه وريقه مداده ، وأثبتها عليه»(١) .

فالرواية تبيّن ما للنيّة من أثر على كامل وجود الإنسان ، وأنّ الملائكة يسجلون ما وقع من فعل من الإنسان ولكنّهم مطلعين على فعل الواقع قبل وقوعه ، وعليه فتسجيلهم لأعمال الإنسان دقيق جدّا ، ولا يفوتهم شيئا إلّا وكتبوه في صحيفته.

والرواية أيضا ، تأتي في سياق الحديث النبوي الشريف : «إنّما الأعمال بالنيات» للتأكيد على ما لنيّة الإنسان من أثر على فعله الحسن أو السيء.

وتبيّن أيضا ، بأنّ وسائل الكتابة هي جوارح الإنسان الناوي للفعل ، فلسانه القلم وريقه المداد!

٢ ـ وثمّة روايات تؤكّد على أنّ الملائكة مأمورة بتسجيل النوايا الحسنة دون النوايا السيئة ، ومنها : «إنّ تبارك وتعالى جعل لآدم في ذريته من همّ بحسنة ولم يعملها كتبت له حسنة ، ومن همّ بحسنة وعملها كتبت له بها عشرا ، ومن همّ بسيئة ولم يعملها لم تكتب له ، ومن همّ بها وعملها كتبت عليه سيئة».(٢)

فالرواية تبيّن منتهى اللطف الرّباني الفصل الإلهي على الإنسان ، وتحث الإنسان على الأعمال الصالحة فنيّته السيئة لا تسجل عليه ، وفعله السيء يكتب عليه وفق موازين العدل ، في حين أنّ نيّته الحسنة وفعله الحسن يسجلان

__________________

(١) اصول الكافي ، ج ٢ ، ص ٤٢٩ ، باب «من يهمّ بالحسنة أو السيئة» الحديث ٣.

(٢) المصدر السابق ، الحديث ١ ـ ٢.

٤٩٢

له وفق اللطف والتفضل الإلهي

٣ – وروي عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، أنّه قال : «يهمّ العبد بالحسنة فيعملها ، فإن هو لم يعملها كتب الله له حسنة بحسن نيّته ، وإن هو عملها كتب الله له عشرا ، ويهمّ بالسيئة أن يعملها ، فإن لم يعملها لم يكتب عليه شيء وإن عملها اجّل سبع ساعات ، وقال صاحب الحسنات لصاحب السيئات وهو صاحب الشمال : لا تعجل عسى أن يتبعها بحسنة تمحوها ، فإن اللهعزوجل يقول :( إِنَّ الْحَسَناتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئاتِ ) ، أو الاستغفار فإنّ هو قال : استغفر الله الذي لا إله إلّا هو ، عالم الغيب والشهادة ، العزيز الحكيم ، الغفور الرحيم ، ذو الجلال والإكرام وأتوب إليه ، لم يكتب عليه شيء ، وإن مضت سبع ساعات ولم يتبعها بحسنة أو استغفار قال صاحب الحسنات لصاحب السيئات : اكتب على الشقي المحروم»(١) .

٤ – وروي عن الإمام الصادقعليه‌السلام : «إنّ المؤمنين إذا أقبلا على المساءلة قالت الملائكة بعضها لبعض : تنحوا عنهما فإنّ لهما سرّا وقد ستر الله عليهما»!(٢)

٥ – وفي خطبة لأمير المؤمنينعليه‌السلام ، قال فيها بعد أن دعى الناس فيها لتقوى الله : «اعلموا عباد الله ، إنّ عليكم رصدا من أنفسكم ، وعيونا من جوارحكم ، وحفّاظ صدق يحفظون أعمالكم ، وعدد أنفاسكم ، لا تستركم منهم ظلمة ليل داج ولا يكنّكم منهم باب ذو رتاج «أي إحكام» ، وإنّ غدا من اليوم قريب»(٣) .

* * *

__________________

(١) المصدر السابق ، الحديث ٤.

(٢) اصول الكافي ، ج ٢ ، ص ١٨٤ ، الحديث ٢ ؛ وعنه نور الثقلين ، ج ٥ ، ص ١١٠.

(٣) نهج البلاغة ، الخطبة ١٥٧.

٤٩٣

الآيات

( إِنَّ الْأَبْرارَ لَفِي نَعِيمٍ (١٣) وَإِنَّ الْفُجَّارَ لَفِي جَحِيمٍ (١٤) يَصْلَوْنَها يَوْمَ الدِّينِ (١٥) وَما هُمْ عَنْها بِغائِبِينَ (١٦) وَما أَدْراكَ ما يَوْمُ الدِّينِ (١٧) ثُمَّ ما أَدْراكَ ما يَوْمُ الدِّينِ (١٨) يَوْمَ لا تَمْلِكُ نَفْسٌ لِنَفْسٍ شَيْئاً وَالْأَمْرُ يَوْمَئِذٍ لِلَّهِ (١٩) )

التّفسير

«يوم لا تملك نفس لنفس شيئا» :

بعد ذكر الآيات السابقة لتسجيل أعمال الإنسان من قبل الملائكة ، تأتي الآيات أعلاه لتتطرق إلى نتائج تلك الرقابة ، وما سيصل إليه كلّ من المحسن والمسيء من عاقبة ، فتقول الآية الاولى :( إِنَّ الْأَبْرارَ لَفِي نَعِيمٍ ) .

والثّانية :( وَإِنَّ الْفُجَّارَ لَفِي جَحِيمٍ ) .

«الأبرار» : جمع (بار) و «برّ» على وزن (حق) ، بمعنى : المحسن ، و (البرّ) بكسر الراء ـ كلّ عمل صالح والآية تريد العقائد السليمة ، والنيات والأعمال الصالحة.

«نعيم» : وهي مفرد بمعنى النعمة ، ويراد به هنا «الجنّة» ، وجاءت بصيغة

٤٩٤

النكرة لبيان أهمية وعظمة هذه النعمة ، التي لا يصل لإدراك حقيقتها إلّا الله سبحانه وتعالى ، واختيرت كلمة «نعيم» بصيغة الصفة المشبهة ، للتأكيد على بقاء واستمرار هذه النعمة ، لأنّ الصفة المشبهة عادة ما تتضمّن ذلك.

«الفجّار» : جمع (فاجر) من (فجر) ، وهو الشقّ الواسع ، وقيل للصبح فجر لكونه فجر الليل ، أيّ شقّه بنور الصباح ، و (الفخور) : شقّ ستر الديانة والعفة ، والسير في طريق الذنوب.

«جحيم» : من (الجحمة) ، وهي تأجج النّار ، وتطلق الآيات القرآنية (الحجيم) على جهنّم عادة.

ويمكن أن يراد بقوله تعالى :( إِنَّ الْأَبْرارَ لَفِي نَعِيمٍ وَإِنَّ الْفُجَّارَ لَفِي جَحِيمٍ ) الحال الحاضر ، أيّ : إنّ الأبرار يعيشون في نعيم الجنّة حاليّا ، وإنّ الفجّار قابعون في أودية النّار ، كما يفهم من إشارة الآية (٥٤) من سورة العنكبوت :( إِنَّ جَهَنَّمَ لَمُحِيطَةٌ بِالْكافِرِينَ ) .

وقال بعض : المراد من الآيتين هو حتمية الوقوع المستقبلي ، لأنّ المستقبل الحتمي والمضارع المتحقق الوقوع يأتي بصيغة الحال في اللغة العربية ، وأحيانا يأتي بصيغة الماضي.

فالمعنى الأوّل أكثر انسجاما مع ظاهر الآية ، إلّا أنّ المعنى الثّاني أنسب للحال ، والله العالم.

وتدخل الآية التالية في تفصيل أكثر لمصير الفجّار :( يَصْلَوْنَها يَوْمَ الدِّينِ ) .

فإذا كانت الآية السابقة تشير إلى أنّ الفجّار هم في جهنّم حاليا ، فسيكون إشارة هذه الآية ، إلى أنّ دخولهم جهنّم سيتعمق ، وسيحسون بعذاب نارها ، بشكل أشدّ.

«يصلون» : من (المصلى) على وزن (سعي) ، و «صلى النّار» : دخل فيها ، ولكون الفعل في الآية قد جاء بصيغة المضارع ، فإنّه يدل على الاستمرار

٤٩٥

والملازمة في ذلك الدخول.

ولزيادة التفصيل ، تقول الآية التالية :( وَما هُمْ عَنْها بِغائِبِينَ ) .

اعتبر كثير من المفسّرين كون الآية دليلا على خلود الفجّار في العذاب ، وخلصوا إلى أنّ المراد بـ «الفجّار» هم «الكفّار» ، لكون الخلود في العذاب يختص بهم دون غيرهم.

ف «الفجّار» : إذن : هم الذين يشقون ستر التقوى والعفة بعدم إيمانهم وتكذيبهم بيوم الدين ، ولا يقصد بهم ـ في هذه الآيات ـ أولئك الذي يشقّون الستر المذكور بغلبة هوى النفس مع وجود حالة الإيمان عندهم.

وإتيان الآية بصيغة زمان الحال تأكيدا لما أشرنا إليه سابقا ، من كون هؤلاء يعيشون جهنّم حتّى في حياتهم الدنيا (الحالية) أيضا( ... وَما هُمْ عَنْها بِغائِبِينَ ) ، فحياتهم بحدّ ذاتها جهنّما ، وقبورهم حفرة من حفر النيران (كما ورد في الحديث الشريف) ، وعليه فجهنّم القبر والبرزخ وجهنّم الآخرة كلّها مهيأة لهم.

كما وتبيّن الآية أيضا : إنّ عذاب أهل جهنّم عذاب دائم ليس له انقطاع ، ولا يغيب عنهم ولو للحظة واحدة.

ولأهمية خطب ذلك اليوم العظيم ، تقول الآية التالية :( وَما أَدْراكَ ما يَوْمُ الدِّينِ ) .

( ثُمَّ ما أَدْراكَ ما يَوْمُ الدِّينِ ) .

فإذا كانت وحشة وأهوال ذلك اليوم قد أخفيت عن النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ـ وهو المخاطب في الآية ـ مع كلّ ما له من علم بـ القيامة ، المبدأ ، المعاد فكيف يا ترى حال الآخرين؟!!

والآيات قد بيّنت ما لأبعاد يوم القيامة من سعة وعظمة ، بحيث لا يصل لحدّها أيّ وصف أو بيان ، وكما نحن (السجناء في عالم المادة) لا نتمكن من إدراك حقيقة النعم الإلهية المودعة في الجنّة ، فكذا هو حال إدراكنا بالنسبة

٤٩٦

لحقيقة عذاب جهنّم ، وعموما لا يمكننا إدراك ما سيجري من حوادث في ذلك اليوم الرهيب المحتوم.

وينتقل البيان القرآني للتعبير عن إحدى خصائص ذلك اليوم ، وبجملة وجيزة ، لكنها متضمّنة لحقائق ومعان كثيرة :( يَوْمَ لا تَمْلِكُ نَفْسٌ لِنَفْسٍ شَيْئاً وَالْأَمْرُ يَوْمَئِذٍ لِلَّهِ ) .

فستتجلّى حقيقة أنّ كلّ شيء في هذا العالم هو بيد الله العزيز القهّار ، وستبان حقيقة حاكمية الله المطلقة ومالكيته على كلّ من تنكر لهذه الحقيقة الحقّة ، وستنعدم تلك التصورات الساذجة التي حكمت أذهان المغفلين بكون فلان أميرا ورئيسا أو حاكما ، وسينهار أولئك البسطاء الذين اعتبروا أن قدراتهم مستقلة بعد أن أكل الغرور نفوسهم وتكالب التكبر على تصرفاتهم في الحياة الدنيا الفانية.

وتشهد على الحقيقة ـ بالإضافة إلى الآية المذكورة ـ الآية (١٦) من سورة المؤمن حيث تقول :( لِمَنِ الْمُلْكُ الْيَوْمَ لِلَّهِ الْواحِدِ الْقَهَّارِ ) .

وتشير الآية (٣٧) من سورة عبس إلى انشغال الإنسان بنفسه في ذلك اليوم دون كلّ الأشياء الاخرى ، ولو قدّر أن يمنح قدرا معينا من القدرة ، لما نفع بها أحد دون نفسه! ، حيث تقول الآية :( لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ يَوْمَئِذٍ شَأْنٌ يُغْنِيهِ ) .

حتّى روي عن الإمام الباقرعليه‌السلام ، أنّه تناول ذلك الموقف بقوله : (إن الأمر يومئذ واليوم كله لله ، ...) وإذا كان يوم القيامة بادت الحكام فلم يبق حاكم إلّا الله»(١)

وهنا يواجهنا السؤال التالي : هل يعني ذلك ، إنّ الآية تتعارض وشفاعة الأنبياء والأوصياء والملائكة؟

ويتّضح جواب السؤال المذكور من خلال البحوث التي قدمناها بخصوص موضوع (الشفاعة) فقد صرّح الحكيم في بيانه الكريم ، إنّ الشّفاعة لن تكون إلّا

__________________

(١) مجمع البيان ، ج ١٠ ، ص ٤٥٠.

٤٩٧

بإذنه ، وإنّ الشّفاعة غير مطلقة ، حسب ما تشير إليه الآية (٢٨) من سورة الأنبياء( لا يَشْفَعُونَ إِلَّا لِمَنِ ارْتَضى ) اللهم! إنّ الخلائق تنتظر رحمتك ولطفك في ذلك اليوم الرهيب ، ونحن الآن نتوقع لطفك.

إلهنا! لا تحرمنا من الطافك وعناياتك في هذا العالم والعالم الآخر.

ربّنا! أنت الحاكم المطلق في كلّ مكان وزمان ، فاحفظنا من التورط في شباك الذنوب والسقوط في وادي الشرك واللجوء الى الغير

آمين يا ربّ العالمين

نهاية سورة الإنفطار

انتهى المجلد التاسع عشر

* * *

٤٩٨

الفهرس

سورة المعارج

محتوى السورة ٥

فضيلة هذه السورة ٦

تفسير الآيات : ١ ـ ٣ ٧

سبب النّزول ٧

العذاب العاجل ٩

ملاحظة

إشكالات المعاندين الواهية ١٠

تفسير الآيات : ٤ ـ ٧ ١٤

يوم مقداره خمسين ألف سنة ١٤

تفسير الآيات : ٨ ـ ١٨ ١٧

تفسير الآيات : ١٩ ـ ٢٨ ٢١

أوصاف المؤمنين ٢١

تفسير الآيات : ٢٩ ـ ٣٥ ٢٧

القسم الآخر من صفات أهل الجنّة ٢٧

تفسير الآيات : ٣٦ ـ ٤١ ٣٢

الطمع الواهي في الجنّة ٣٢

٤٩٩

ملاحظة

ربّ المشارق والمغارب ٣٥

تفسير الآيات : ٤٢ ـ ٤٤ ٣٧

كأنّهم يهرعون إلى الأصنام ٣٧

«سورة نوح»

محتوى سورة ٤٣

فضيلة هذه السورة ٤٤

تفسير الآيات : ١ ـ ٤ ٤٥

رسالة نوح الأولى ٤٥

ملاحظة

العوامل المعنوية لزيادة ونقصان العمر ٤٧

تفسير الآيات : ٥ ـ ٩ ٤٨

استخدام مختلف الوسائل لهدايتهم ، ولكن ٤٨

ملاحظتان

١ ـ أسلوب الإبلاغ ومنهجه ٥١

٢ ـ لماذا الفرا من الحقيقة ٥١

تفسير الآيات : ١٠ ـ ١٤ ٥٣

ثمرة الإيمان في الدنيا ٥٣

ملاحظة

الرّابطة بين التقوى والعمران ٥٥

تفسير الآيات : ١٥ ـ ٢٠ ٥٨

٥٠٠

501

502

503

504

505

506

507

508

509

510

511