الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل الجزء ١٩

الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل11%

الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل مؤلف:
تصنيف: تفسير القرآن
الصفحات: 511

الجزء ١ الجزء ٢ الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥ الجزء ٦ الجزء ٧ الجزء ٨ الجزء ٩ الجزء ١٠ الجزء ١١ الجزء ١٢ الجزء ١٣ الجزء ١٤ الجزء ١٥ الجزء ١٦ الجزء ١٧ الجزء ١٨ الجزء ١٩ الجزء ٢٠
  • البداية
  • السابق
  • 511 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 140947 / تحميل: 5804
الحجم الحجم الحجم
الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل

الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل الجزء ١٩

مؤلف:
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

سورة

نوح

مكيّة

وعدد آياتها ثمان وعشرون آية

٤١
٤٢

«سورة نوح»

محتوى سورة :

هذه السورة ، كما هو واضح من اسمها ، تشير إلى قصّة نوحعليه‌السلام ، وأشير إلى قصّة هذا النّبي العظيم كذلك في سورة متعددة في القرآن المجيد ، منها : سورة الشعراء ، والمؤمنون ، والأعراف ، والأنبياء ، وبشكل أوسع في سورة هود ، وتحدثت (٢٥) آية حول هذا النّبي العظيم الذي يعتبر من اولي العزم (من الآية ٢٥ إلى ٤٩).

وما جاء في سورة نوح عن قصّتهعليه‌السلام هو مقطع خاص من حياته ، وهو أقل ممّا ذكر في بقية السور ، وهذا القسم يرتبط بدعوته المستمرة والمتتابعة إلى التوحيد ، وترتبط بكيفيتها وعناصرها ، والتخطيط الدقيق الماهر في هذا الأمر الهام ، وذلك مقابل قوم معاندين ومتكبرين يأنفون من الانقياد إلى الحقّ.

بلحاظ أنّ هذه السورة نزلت في مكة ، وأنّ النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم والمسلمين القلائل في ذلك الزمان كانوا يعيشون ظروفا مشابهة لظروف عصر نوحعليه‌السلام وأعوانه ، فإنّها تعلمهم أمور كثيرة ، وكانت هذه واحدة من أهداف إيراد هذه القصّة ، ومنها :

١ ـ أنّها تذكرهم كيف يبلغون الرسالة للمشركين عن طريق الاستدلال المنطقي المقترن بالمحبّة والمودّة ، واستخدام كلّ طريقة تكون مفيدة ومؤثرة في الدعوة.

٢ ـ أنّها تعلّمهم الثبات والنشاط في طريق الدعوة إلى الله وعدم التكاسل مهما طالت الأعوام ، ومهما وضع الأعداء العوائق.

٣ ـ أنّها تعلّمهم كيف يرغبونهم ويشجعونهم تارة ، وتكون لديهم عوامل

٤٣

الإنذار والرّهبة تارة أخرى والاستفادة من كلا الطريقين في الدعوة إلى الله جلّ وعلا.

٤ ـ الآيات الأخيرة من هذه السورة هي تحذير للمشركين المعاندين ، بأن عاقبتهم وخيمة إذا لم يستسلموا للحق ، وتخلّفوا عن أمر الله.

٥ ـ بالاضافة إلى ذلك ، فإنّ هذا السورة جاءت لتهدئة مشاعر النّبي والمؤمنين الأوائل ومن يعيش مثل ظروفهم ، ليصبروا على الصعوبات ، ويطمئنوا في مسيرهم بلطف من الله.

وبعبارة أخرى فإنّ هذه السورة ترسم أبعاد الكفاح الدائم بين أصحاب الحق وأصحاب الباطل ، ترسم منهج أصحاب الحق الذي يجب عليهم إتّباعه.

فضيلة هذه السورة :

ورد في حديث عن النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنّه قال : «من قرأ سورة نوح كان من المؤمنين الذين تدركهم دعوة نوح».(١)

وفي حديث آخر عن الإمام الصّادقعليه‌السلام قال : «من كان يؤمن بالله واليوم الآخر ويقرأ كتابه فلا يدع أن يقرأ سورة :( إِنَّا أَرْسَلْنا نُوحاً ) فأي عبد قرأها محتسبا صابر في فريضة أو نافلة ، أسكنه الله مساكن الأبرار وأعطاه ثلاث جنان من جنّته كرامة من الله».(٢)

ولا يخفى أنّ الهدف من قراءة السورة هو الاقتباس من منهج وسلوك هذا النّبي العظيم من صبره واستقامته في طريق الدعوة إلى الله تعالى ليدركوا دعوة النّبي ، وليس المراد القراءة الخالية من التفكير ، ولا التفكر الخالي من العمل.

* * *

__________________

(١) مجمع البيان ، ج ١٠ ، ص ٣٥٩.

(٢) المصدر السّابق.

٤٤

الآيات

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

( إِنَّا أَرْسَلْنا نُوحاً إِلى قَوْمِهِ أَنْ أَنْذِرْ قَوْمَكَ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ (١) قالَ يا قَوْمِ إِنِّي لَكُمْ نَذِيرٌ مُبِينٌ (٢) أَنِ اعْبُدُوا اللهَ وَاتَّقُوهُ وَأَطِيعُونِ (٣) يَغْفِرْ لَكُمْ مِنْ ذُنُوبِكُمْ وَيُؤَخِّرْكُمْ إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى إِنَّ أَجَلَ اللهِ إِذا جاءَ لا يُؤَخَّرُ لَوْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (٤) )

التّفسير

رسالة نوح الأولى :

قلنا : إنّ هذه السورة تبيّن من أحوال نوحعليه‌السلام وما يرتبط بأمر دعوته ، وتعلم السائرين في طريق الله تعالى أمورا مهمّة في إطار الدعوة إلى الحق وبالخصوص في قابل الأمم المعاندة ، وتبدأ أوّلا بذكر في بعثتهعليه‌السلام فيقول تعالى :( إِنَّا أَرْسَلْنا نُوحاً إِلى قَوْمِهِ أَنْ أَنْذِرْ قَوْمَكَ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ ) .

من الممكن أن يكون هذا العذاب الأليم هو عذاب الدنيا أو عذاب الآخرة ، والأنسب أن يكون الاثنان معا ، وإن كانت القرائن في آخر آيات هذه السورة تشير إلى أن هذا العذاب هو عذاب الدنيا.

التأكيد على الإنذار والترهيب غالبا ما يؤثر تأثيرا بالغا ، مع أنّ الأنبياء كانوا

٤٥

منذرين تارة ومبشرين تارة أخرى ، كما يتمّ الاعتماد في سائر الدينا على التحذيرات والعقوبات لضمان تطبيق القوانين.

نوحعليه‌السلام الذي كان هو من أولى العزم ، وصاحب أوّل شريعة إلهية ، وله دعوة عالمية ، جاء إلى قومه بعد صدور هذا الأمر إليه قال :( قالَ يا قَوْمِ إِنِّي لَكُمْ نَذِيرٌ مُبِينٌ ) .

الهدف هو أن تعبدوا الله الذي لا إله إلّا هو ، وتتركوا من دونه ، وتتقوا وتطيعوا أمري الذي هو أمر الله :( أَنِ اعْبُدُوا اللهَ وَاتَّقُوهُ وَأَطِيعُونِ ) .

في الحقيقة أنّ نوحاعليه‌السلام قد لخّص مضمون دعوته في ثلاث جمل : عبادة الله الواحد ، والحفاظ على التقوى ، وطاعة القوانين والأوامر التي جاء بها من عند الله والتي تمثل مجموعة من العقائد والأخلاق والأحكام.

ثمّ ذكر النتائج المهمّة المترتبة على استجابتهم الدعوة في جملتين لترغيبهم فقال :( يَغْفِرْ لَكُمْ مِنْ ذُنُوبِكُمْ ) .(١)

في الحقيقة أنّ القاعدة المعروفة «الإسلام يجب ما قبله» هي قانون موجود في كل الأديان الإلهية والتوحيدية وليست منحصرة بالإسلام.

ثمّ يضيف :( وَيُؤَخِّرْكُمْ إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى إِنَّ أَجَلَ اللهِ إِذا جاءَ لا يُؤَخَّرُ لَوْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ ) ، يستفاد جيدا من هذا الآية أنّ «الأجل» وموعد عمر الإنسان قسمان ، هما : الأجل المسمّى ، والأجل النهائي ، أو بعبارة أخرى الأجل الأدنى ، والأجل الأقصى أو الأجل المعلق ، والأجل الحتمي ، القسم الأوّل للأجل قابل للتغير والتبديل ، فقد يتدنى ويقل عمر الفرد كثيرا بسبب الذنوب والأعمال السيئة

__________________

(١) «من» في هذه الجملة زائدة وللتأكيد ، لأنّ الإيمان بالله يبعث على غفران جميع الذنوب السابقة ، هذا ما يرتبط بحق الناس ، وأمّا من باب الذنوب وحكم الحرمة أيضا يكون مشمولا بالمغفرة ، وما احتمل بعض المفسّرين (كالفخر الرازي في التّفسير الكبير والعلّامة الطباطبائي قدس سرّه في الميزان) من أنّ (من) هنا تبعيضية وهي تخص الذنوب السابقة لا الآتية يبدو بعيدا ، لأنّ الذنوب الآتية غير مذكورة في سياق الآية.

٤٦

وهذا نوع من أنواع العذاب الإلهي ، وبالعكس فإنّ التقوى وحسن العمل والتدبير يمكن أن تكون سببا لتأخير الأجل ، ولكن الأجل النهائي لا يتغير بأي حال من الأحوال ، ويمكن توضيح هذا الموضوع بمثال واحد ، وهو أنّه ليس باستطاعة الإنسان أن يبقى خالدا ، وإذا كانت جميع الأجهزة البدنية تعمل جيدا ففي النهاية سوف يصل شيئا فشيئا إلى زمن ينتهي عمره بعجز في القلب ، ولكن تطبيق الأوامر الصحية ومجابهة الأمراض يمكن أن يطيل في عمر الإنسان ، وفي حالة عدم مراعاة هذه الأمور فإنّ من المحتمل أن يقلل ذلك من عمر وينهي عمره بسرعة.(١)

* * *

ملاحظة

العوامل المعنوية لزيادة ونقصان العمر :

النقطة الأخرى التي يمكن استفادتها من هذه الآية هو تأثير الذنوب في تقصير العمر ، لأنّه يقول : «إنّ كنتم تؤمنون بالله وتتقوه يهب لكم عمرا طويلا ويؤخر موتكم» وهذا يعني أنّ الذنوب توجّه ضربات مهولة للجسم والروح بحيث تساعد في القضاء عليه.

وفي الرّوايات الإسلامية أيضا تأكيد كبير على هذا المعنى ، منها ما ورد في حديث غني المحتوى عن الامام الصادقعليه‌السلام قال : «من يموت بالذنوب أكثر ممن يموت بالآجال ، ومن يعيش بالإحسان أكثر ممن يعيش بالأعمار».(٢)

* * *

__________________

(١) كان لنا بحث آخر حول الأجل النهائي والأجل المعلق وذلك في ذيل الآية (٢) من سورة الأنعام.

(٢) سفينة البحار ، ج ١ ، ص ٤٨٨ ، مادة (ذنب).

٤٧

الآيات

( قالَ رَبِّ إِنِّي دَعَوْتُ قَوْمِي لَيْلاً وَنَهاراً (٥) فَلَمْ يَزِدْهُمْ دُعائِي إِلاَّ فِراراً (٦) وَإِنِّي كُلَّما دَعَوْتُهُمْ لِتَغْفِرَ لَهُمْ جَعَلُوا أَصابِعَهُمْ فِي آذانِهِمْ وَاسْتَغْشَوْا ثِيابَهُمْ وَأَصَرُّوا وَاسْتَكْبَرُوا اسْتِكْباراً (٧) ثُمَّ إِنِّي دَعَوْتُهُمْ جِهاراً (٨) ثُمَّ إِنِّي أَعْلَنْتُ لَهُمْ وَأَسْرَرْتُ لَهُمْ إِسْراراً (٩) )

التّفسير

استخدام مختلف الوسائل لهدايتهم ، ولكن!!!

تتحدث هذا الآيات عن استمرار مهمّة نوح في دعوته قومه ولكن هذه المرّة جاء الحديث على لسانه مخاطبا ربّه وشاكيا إليه أمره معهم بعبارة مأثرة بليغة.

خطاب نوحعليه‌السلام في هذا الإطار يمكن أن يعبّد الطريق لكلّ المبلغين الرساليين ، فيقول :( رَبِّ إِنِّي دَعَوْتُ قَوْمِي لَيْلاً وَنَهاراً ) .

وإنّني لم أتوانى لحظة واحدة في إرشادهم وإبلاغ الرسالة لهم ، ثمّ يقول :( فَلَمْ يَزِدْهُمْ دُعائِي إِلَّا فِراراً ) .

ومن العجيب أن تكون الدعوة سببا لفرارهم ، ولكن بما أنّ كلّ دعوة تحتاج

٤٨

إلى نوع من الاستعداد وصفاء القلب والتجاذب المتبادل فليس عجيبا أن يكون هنا أثر معاكس في القلوب الخاملة ، وبمعنى آخر أنّ أعداء الحق المعاندين عند ما يستمعون لدعوة المؤمنين الرساليين يظهرون لهم المقاومة والإصرار على العناد ، وهذا ما يبعدهم عن الله بصورة أكثر ، ويقوي عندهم روح الكفر والنفاق.

وهذا ما أشير إليه في سورة الإسراء (٨٢) :( وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ ما هُوَ شِفاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ وَلا يَزِيدُ الظَّالِمِينَ إِلَّا خَساراً ) .

وما نقرأ كذلك في آيات هذا الكتاب السماوي أنّه سبب لهداية المتقين :( هُدىً لِلْمُتَّقِينَ ) .(١) ولهذا لا بدّ أن يكون هناك مرحلة من التقوى في وجود الإنسان وإن كانت ضعيفة ، حتى يتهيأ لقبول الحقّ ، هذه المرحلة هي مرحلة (الروح الباحثة عن الحقيقة) والاستعداد لتقبل كلمات الحق.

ثمّ إنّ نوحاعليه‌السلام يضيف :( وَإِنِّي كُلَّما دَعَوْتُهُمْ لِتَغْفِرَ لَهُمْ جَعَلُوا أَصابِعَهُمْ فِي آذانِهِمْ وَاسْتَغْشَوْا ثِيابَهُمْ وَأَصَرُّوا وَاسْتَكْبَرُوا اسْتِكْباراً ) .

ولكي لا يسمعوا صوت الحق كانوا يضعون أصابعهم في آذانهم ، ويلفون ثيابهم حول أنفسهم أو يضعونها على رؤوسهم لئلا تصل أمواج الصوت إلى أدمغتهم! وربّما كانوا يتقنعون لئلا تقع أعينهم على الهيئة الملكوتية لهذا النّبي العظيم ، وفي الحقيقة كانوا يصرون على أن تتوقف الآذان عن السماع والعيون عن النظر!

وهذا في الواقع أمر مدهش أن يصل الإنسان إلى هذه المرحلة من العداوة للحق إلى حدّ لا يعطي لنفسه فرصة النظر والسماع والتفكر.

وقد ورد في بعض التفاسير أنّ بعض أولئك المعاندين كان يذهب بابنه إلى نوحعليه‌السلام فيقول له : إحذر هذا لا يغوينك ، فإنّ أبي قد جاء بي إليه وأنا صغير مثلك

__________________

(١) البقرة ، ٣.

٤٩

فحذّرني مثل ما حذّرتك(١) ، (حتى أكون ممّا وفى بحق الوصية وحبّ الخير).

هذا يدل على أنّ نوحاعليه‌السلام كان مستمرا في دعوته الإلهية طوال عمره الشريف ولعدّة أجيال وكان لا يعرف التعب أبدا.

وكذلك تتضمّن الآية الإشارة إلى أحد الأسباب المهمّة لتعاستهم وهو الغرور والتكبر ، لأنّهم كانوا يرون أنفسهم أكبر من أن يتنازلوا لإنسان مثلهم ، وإن كان ممثلا عن الله وتقيّا ، ومهما كان قلبه عامرا بالعلم ، فكان هذا الغرور والكبر أحد الموانع المهمّة والدائمة في طريق الحق ، ونحن نشاهد النتائج المشؤومة لذلك على طول التاريخ في حياة أناس لا إيمان لهم.

واستمر نوحعليه‌السلام في حديثه عند المقام الإلهي ، فيقول :( ثُمَّ إِنِّي دَعَوْتُهُمْ جِهاراً ) .

دعوتهم إلى الإيمان في حلقات عامّة وبصوت جهور ، ثمّ لم اكتفي بهذا :( ثُمَّ إِنِّي أَعْلَنْتُ لَهُمْ وَأَسْرَرْتُ لَهُمْ إِسْراراً ) قال بعض المفسّرين : إنّ نوحاعليه‌السلام اتّبع في دعوته ثلاثة أساليب مختلفة حتى يستطيع من النفوذ في هذا الجمع المعاند والمتكبر : كان يدعو أحيانا في الخفاء فواجه أربعة أنواع من الرفض (وضع الأصابع في الآذان ، تغطية الوجوه بالملابس ، الإصرار على الكفر ، والاستكبار).

وكان يدعو أحيانا بالإعلان ، وأحيانا أخرى يستفيد من طريق التعليم العلني والسري ولكن أيّا من هذه الأمور لم يكن مؤثرا(٢) .

من المعلوم أنّ الإنسان إذا ما نهج طريق الباطل إلى حدّ تتعمق في وجوده جذور الفساد وتنفذ في أعماق وجوده حتى تتحول إلى طبيعة ثانية فيه ، فإنّه سوف لا تؤثر فيه دعوة الصالحين ولا ينفع معه خطابات رسل الله.

* * *

__________________

(١) مجمع البيان ، ج ١٠ ، ص ٣٦١

(٢) تفسير الفخر الرازي ، ج ٣٠ ، ص ١٣٦.

٥٠

ملاحظتان

١ ـ أسلوب الإبلاغ ومنهجه

ما جاء في هذا الآيات حول دعوة نوح يمثل برنامج عام لجميع المبلغين في طريق الله ، وفي نفس الوقت تسلية النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وأصحابه المؤمنين القلائل الذين كانوا قد التفوا حوله في مكّة.

إنّهعليه‌السلام لم يكن يتوقع أن يستجيب الناس لدعوته ، ولم يكونوا يجتمعون في وسط المدينة ليلقي فيهم خطابه الإلهي بهدوء واطمئنان ، والناس يصغون إليه ، ويشخصون إليه أعينهم ، بل يستفاد من سياق الآيات (كما جاء أيضا في بعض الرّوايات) أنّه كان أحيانا يذهب إلى بيوتهم ، أو أنّه يدعوهم في الأزقة والأسواق على انفراد ، ويبلغهم المفاهيم ويتحدّث إليهم بتودد وتحبب وتصبر ، وأحيانا كان يخاطبهم بأوامر الله تعالى علنا وبصوت عال ، وذلك باغتنامه فرص انعقاد المحافل أو مجالس العزاء ، فكان يقابل بالإهانة والاستهزاء وأحيانا بالضرب المبرح ، ولكنّه مع ذلك كان لا ينتهي عن ذلك ويواصل مسيره.

كان صبره عجيبا ، والأعجب ما فيه رأفته ، وكانت همته واستقامته الفريدة رأس ماله في السير في طريق الدعوة إلى دين الحق.

والأعجب من ذلك هو أنّ طيلة دعوته التي دامت (٩٥٠) عاما لم يؤمن به إلّا ثمانون شخصا ، ولو قسمنا هذه المدّة على عدد الأنفار يتّضح لنا أنّ مدّة هدايته لكل فرد دامت اثنتي عشرة سنة تقريبا!!

لو كان المبلّغون يتعاملون بمثل هذه الاستقامة والهمة لأصبح الإسلام عالميا غني المحتوى.

٢ ـ لماذا الفرا من الحقيقة؟

يتعجب الإنسان أحيانا ويتساءل هل يمكن أن يكون هناك أناس يعيشون

٥١

تحت هذه السماء ليس لديهم الاستعداد لسماع كلمة الحق بل يفرون منه؟

والسؤال عن السماع فقط وليس عن قبول الكلمة.

ولكن التاريخ يتحدّث عن كثرة أمثال هؤلاء ، ليس فقط قوم نوح هم الذين وضعوا أصابعهم في آذانهم وغشوا رؤوسهم ووجوههم بثيابهم عند دعوته لهم ، بل هناك فئة في عصر النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وبصريح القرآن كانوا يستعينون بالصفير والتهريج والصراخ العالي ليحولوا بين صوت النّبي وهو يتلو آيات الله وبين الناس :( وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لا تَسْمَعُوا لِهذَا الْقُرْآنِ وَالْغَوْا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَغْلِبُونَ ) (١) .

وجاء في تاريخ كربلاء الدامية كذلك أنّه عند ما كان سيّد الشّهداء الإمام الحسينعليه‌السلام يدعو الأعداء المنحرفين إلى الرشاد ويوقظهم كانوا يستخدمون هذا الأسلوب من الصراخ والتهريج حتى لا يسمع الناس تصوته(٢) ، وهذه الخطة مستمرة إلى يومنا هذا ، ولكن بأشكال وصور أخرى ، فلقد وفّر أصحاب الباطل جوا من المسليات المفسدة كالموسيقى الراقصة والمواد المخدرة وغير ذلك يبغون بذلك الفصل بين الناس ـ بالخصوص الشباب ـ وبين سماع أصوات أهل الله تعليماتهم.

* * *

__________________

(١) فصلت ، ٢٦

(٢) بحار الأنوار ، ج ، ٤٥ ، ص ٨.

٥٢

الآيات

( فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كانَ غَفَّاراً (١٠) يُرْسِلِ السَّماءَ عَلَيْكُمْ مِدْراراً (١١) وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَلْ لَكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَلْ لَكُمْ أَنْهاراً (١٢) ما لَكُمْ لا تَرْجُونَ لِلَّهِ وَقاراً (١٣) وَقَدْ خَلَقَكُمْ أَطْواراً (١٤) )

التّفسير

ثمرة الإيمان في الدنيا :

يستمر نوحعليه‌السلام في تبليغه المؤثر لقومه المعاندين العصاة ، ويعتمد هذه المرّة على عامل الترغيب والتشجيع ، ويوعدهم بانفتاح أبواب الرحمة الإلهية من كل جهة إذا ما تابوا من الشرك والخطايا ، فيقول :( فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كانَ غَفَّاراً ) .

ولا يطهركم من الذنوب فحسب بل :( يُرْسِلِ السَّماءَ عَلَيْكُمْ مِدْراراً ) (١) .

والخلاصة : إنّ الله تعالى يفيض عليكم بأمطار الرحمة المعنوية ، وكذلك

__________________

(١) «مدرارا» : من أصل (درّ) على وزن (جرّ) وتعني في الأصل انسكاب الحليب من ثديي الام ويعطي معنى هطول الأمطار ، ومدرارا صيغة للمبالغة.

٥٣

بالامطار المادية المباركة.

ومن الملاحظ في سياق هذه الآية أنّه يقول «يرسل السماء» فالسماء تكاد أن يهبط من شدّة هطول الأمطار! وبما أنّها أمطار رحمة وليست نقمة ، فلذا لا تسبب خرابا وأضرارا ، بل تبعث على الإعمار والبركة والحياة.

ثمّ يضيف :( وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَلْ لَكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَلْ لَكُمْ أَنْهاراً ) وبهذا فإنّه وعدهم بنعمة معنوية كبيرة ، وبخمس نعم أخرى مادية كبيرة ، والنعمة المعنوية الكبيرة هي غفران الذنوب والتطهير من درن الكفر والعصيان ، وأمّا النعم المادية فهي هطول الأمطار المفيدة والمباركة في حينها ، كثرة الأموال ، كثرة الأولاد (الثروات الإنسانية) ، الحدائق المباركة والأنهار الجارية.

نعم ، إنّ الإيمان والتقوى يبعثان على عمران الدنيا والآخرة بشهادة القرآن المجيد ، وورد في بعض الرّوايات انّ قوم نوح المعاندين لما امتنعوا من قبول دعوته حلّ عليهم القحط وهلك كثير من أولادهم ، وتلفت أموالهم ، وأصاب نساءهم العقم ، وقلّ عندهنّ الإنجاب ، فقال لهم : نوحعليه‌السلام : إن تؤمنوا فسيدفع عنكم كل هذه البلايا والمصائب ، ولكنّهم ما اتعظوا بذلك واستمروا في غيّهم وطغيانهم حتى حلّ العذاب النهائي.

ويعود نوحعليه‌السلام مرّة أخرى لينذرهم ، فيقول :( ما لَكُمْ لا تَرْجُونَ لِلَّهِ وَقاراً ) (١) ، ولا تخافون عقابه وقد خلقكم في مراحل مختلفة : ويقول أيضا :( وَقَدْ خَلَقَكُمْ أَطْواراً ) .

كنتم في البداية نطفة لا قيمة لها ، ثمّ صوركم علقة ثمّ مضغة ، ثمّ وهبكم الشكل الإنساني ، ثمّ ألبسكم لباس الحياة ، فوهب لكم الروح والحواس والحركة ، وهكذا طويتم المراحل الحنينية المختلفة الواحدة بعد أخرى ، حتى

__________________

(١) «الوقار» : الثقل والعظمة ، و «ترجون» من أصل رجاء بمعنى الأمل وهو ملازم للخوف ، ومعنى الآية لماذا لا تخضعون لعظمة الله تعالى.

٥٤

ولدتكم أمهاتكم بهيئة الإنسان الكامل ، وهكذا تستمر المراحل الأخرى والمختلفة للمعيشة في الحياة ، وأنتم خاضعون دائما لربوبيته تعالى ، وتتجددون دائما ، وتخلقون خلقا جديدا ، فكيف لا تطأطئوا رؤوسكم أمام خالقكم؟

ولستم تتخذون أشكالا مختلفة من جهة الجسم ، بل أنّ الروح هي أيضا في تغيّر مستمر ، ولكلّ منكم استعداده الخاص ، ففي كل رأس ذوق خاصّ ، وفي كل قلب جحّ خاصّ ، وكلكم تتغيرون باستمرار ، فتنتقل مشاعر وأحاسيس الطفولة إلى أحاسيس الشبيبة ، وهذه بدورها إلى الكهولة والشيخوخة ، وعلى هذا فإنّه معكم في كلّ مكان هو يهديكم في كل خطوة ويشم لكم بلطفه وعنايته ، فلم كل هذا الكفران والاستهانة؟!

* * *

ملاحظة

الرّابطة بين التقوى والعمران :

نستفيد من الآيات المختلفة في القرآن ، ومنها الآيات التي هي محل بحثنا ، أنّ الإيمان والعدالة سبب لعمران المجتمعات ، والكفر والظلم والخطايا سبب للدمار ، نقرأ في الآية (٩٦) من سورة الأعراف :( وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنا عَلَيْهِمْ بَرَكاتٍ مِنَ السَّماءِ وَالْأَرْضِ ) . وفي الآية (٤١) من سورة الروم نقرأ :( ظَهَرَ الْفَسادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِما كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ ) وفي الآية (٣٠) من سورة الشورى :( وَما أَصابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِما كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ ) وفي الآية (٦٦) من سورة المائدة :( وَلَوْ أَنَّهُمْ أَقامُوا التَّوْراةَ وَالْإِنْجِيلَ وَما أُنْزِلَ إِلَيْهِمْ مِنْ رَبِّهِمْ لَأَكَلُوا مِنْ فَوْقِهِمْ وَمِنْ تَحْتِ أَرْجُلِهِمْ ) .

وآيات أخرى من هذا القبيل.

هذه الرابطة ليست رابطة معنوية ، بل هناك رابطة مادية واضحة في هذا

٥٥

المجال أيضا.

الكفر وعدم الإيمان هو عين الإحساس بالمسؤولية ، وهو الخروج عن القانون ، وتجاهل القيم الأخلاقية ، وهذه الأمور هي التي تسبب فقدان وحدة المجتمعات ، وتزلزل أعمدة الاعتماد والطمأنينة ، وهدر الطاقات البشرية والاقتصادية ، واضطراب العدالة الاجتماعية.

ومن البديهي أنّ المجتمع الذي تسيطر عليه هذه الأمور سوف يتراجع بسرعة ، ويتخذ طريقه إلى السقوط والفناء.

وإذا كنّا نرى أنّ هناك مجتمعات تحظى بتقدم نسبي في الأمور المادية مع كفرهم وانعدام التّقوى فيهم ، فإنّ علينا أن نعرف أيضا أنّه لا بدّ أن يكون ذلك مرهونا بالمحافظة النسبية لبعض الأصول الأخلاقية ، وهذا هو حصيلة ميراث الأنبياء والسابقين ، ونتيجة أتعاب القادة الإلهيين والعلماء على طول القرون ، وبالإضافة إلى الآيات السالفة هناك روايات كثيرة أيضا اعتمدت هذا المعنى ، وهو أنّ الاستغفار وترك المعاصي يبعث على إصلاح المعيشة وازدياد الرّزق.

ففي حديث ورد عن الإمام عليعليه‌السلام : «أكثر الاستغفار تجلب الرّزق»(١) .

ونقل في حديث آخر عن الرّسول الأكرمصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال : «من أنعم الله عليه نعمة فليحمد الله تعالى ومن استبطأ الرّزق فليستغفر الله ، ومن حزنه أمر فيقل : لا حول ولا قوّة إلّا بالله»(٢) .

ونقرأ في نهج البلاغة أيضا(٣) : «وقد جعل الله سبحانه الاستغفار سببا على الرّزق ورحمة الخلق ، فقال سبحانه :( اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كانَ غَفَّاراً يُرْسِلِ السَّماءَ عَلَيْكُمْ مِدْراراً ) .

__________________

(١) تفسير نور الثقلين ، ج ٥ ، ص ٤٢٤.

(٢) المصدر السّابق.

(٣) نهج البلاغة ، الخطبة ١٤٣.

٥٦

والحقيقة أنّ الحرمان في هذا العالم سببه العقوبات على الذنوب ، وفي الوقت الذي يتوب فيه الإنسان ويتخذ طريق الطهارة والتقوى يصرف الله تعالى عنه هذه العقوبات(١) .

* * *

__________________

(١) لنا شرح آخر في هذا الباب تحت عنوان «الذنوب وهدم المجتمعات» في تفسيرنا هذا ، ذيل الآية (٥٢) من سورة هودعليه‌السلام .

٥٧

الآيات

( أَلَمْ تَرَوْا كَيْفَ خَلَقَ اللهُ سَبْعَ سَماواتٍ طِباقاً (١٥) وَجَعَلَ الْقَمَرَ فِيهِنَّ نُوراً وَجَعَلَ الشَّمْسَ سِراجاً (١٦) وَاللهُ أَنْبَتَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ نَباتاً (١٧) ثُمَّ يُعِيدُكُمْ فِيها وَيُخْرِجُكُمْ إِخْراجاً (١٨) وَاللهُ جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ بِساطاً (١٩) لِتَسْلُكُوا مِنْها سُبُلاً فِجاجاً (٢٠) )

التّفسير

خلقكم الله من الأرض كالنبات :

كان نوحعليه‌السلام يبيّن للمشركين المعاندين حقائق عميقة ومستدلة ، إذ كان يأخذ بهم إلى أعماق وجودهم ليرون حقائق هذه الآيات (كما مرّ في الآيات السابقة) ودعاهم إلى ما خلق الله من علامات في هذا العالم الكبير ، فكان يسير بهم إلى تلك الآفاق(١) .

__________________

(١) هذا الخطاب تابع لكلام نوح عليه‌السلام ، أو أنّها جمل مستقلة ومعترضة من الله تعالى إلى المسلمين ، وهو محل بحث بين المفسّرين ، والكثير منهم يرجح أن يكون ذلك تابعا لكلام نوح عليه‌السلام ، وسياق الآيات يشير أيضا إلى ذلك ، وإذا ما وردت جملة : (وقال نوح) بعد هذه الآيات فإنّها تشير إلى أنّ نوح عليه‌السلام قد انتهى من كلامه مع الناس وتوجه بعد ذلك إلى الله تعالى ليشكو من قومه.

٥٨

يبدأ أوّلا بالسماء فيقول :( أَلَمْ تَرَوْا كَيْفَ خَلَقَ اللهُ سَبْعَ سَماواتٍ طِباقاً ) (١) «

طباقا» : مصدر من باب (مفاعلة) بمعنى «مطابقة» ، وأحيانا تأتي بمعنى وضع الشيء فوق شيء آخر ، وتأتي أحيانا أخرى بمعنى مطابقة ومماثلة شيئين أحدهما مع الآخر ، والمعنيان يصدقان هنا.

وما طبق للمعنى الأوّل أنّ السماوات بعضها فوق بعض ، وكما قلنا في سابقا حسب تفسير السموات السبع فإنّ كل ما نراه من الكواكب المتحركة والثابتة بالعين المجرّدة أو غيرها هي من السماء الاولى ، ثمّ تليها السموات الست الأخرى متطابقة بعضها فوق الأخرى ، ولم يصل علم الإنسان إلى هذه المرتبة فعلا ، ولكن يمكن في المستقبل أن يتطور علم الإنسان فيكشف ما في السموات من عجائب الواحدة بعد الأخرى(٢) .

وعلى الاحتمال الثّاني فإنّ القرآن يشير إلى مطابقة وتناسق السماوات السبع في النظم والعظمة والجمال.

ثمّ يضيف :( وَجَعَلَ الْقَمَرَ فِيهِنَّ نُوراً وَجَعَلَ الشَّمْسَ سِراجاً ) (٣) .

صحيح أنّ في السماوات السبع مليارات من الكواكب المضيئة والتي هي أكثر ضياء من الشمس ، ولكن ما يهمنا وما يؤثر في حياتنا هي هذه الشمس وكذلك القمر ، هذه المنظومة الشمسية التي تضيء الشمس فيها بالنهار والقمر بدوره ينير الليل.

التعبير بالسراج للشمس وبالنور للقمر هو أنّ نور الشمس ينشأ من ذاتها كالسراج ، وأمّا نور القمر فإنّه ليس من باطنه بل انعكاس لنور الشمس ، ولهذا فإنّ

__________________

(١) «طباقا» : يحتمل أن يكون مفعول مطلق أو حال.

(٢) أوضحنا الكلام في التفاسير المختلفة للسماوات السبع في ذيل الآية (٢٩) من سورة البقرة.

(٣) من هنا أنّ ضمير «فيهنّ» والذي يرجع في الظاهر إلى «السماوات السبع» لا يثير مشكلة لأنّ الخطاب في النور والضياء هو لنا ، لأجل هذا لا يلزم أن نجعل «في» بمعنى «مع» أو نجعل الضمير «هن» بمعنى «السماء الدنيا» (فتدبّر).

٥٩

كلمة نور ذات المفهوم العام هي المستخدمة في هذا المورد ، ويشاهد اختلاف التعابير في آيات القرآن أيضا ، وقد أوردنا شرحا مفصلا في هذا الباب في ذيل الآية (٥) من سورة يونسعليه‌السلام .

ثمّ يعود ذلك إلى الإنسان فيقول :( وَاللهُ أَنْبَتَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ نَباتاً ) (١) .

التعبير بـ «الإنبات» ، في شأن الإنسان لأسباب ، أوّلا : خلق الإنسان الأوّل من التراب.

ثانيا : إنّ المواد الغذائية التي يتناولها الإنسان وبها ينمو ويحيى هي من الأرض ، فهو إمّا يتناول الخضار والحبوب الغذائية أو الفواكه مباشرة ، أو بطريق غير مباشر كلحوم الحيوانات.

ثالثا : هناك تشابه كثير بين الإنسان والنبات ، وهناك كثير من القوانين التي يسري حكمها على نمو وتغذية النباتات هي سارية أيضا على الإنسان.

وهذا التعبير في شأن الإنسان غني بالمعاني ، ويدل على أنّ التدبير الإلهي في مسألة الهداية ليس فقط كتدبير وعمل المعلم وحسب ، بل هو كعمل الزارع الذي ينثر البذور في محيط جيد يساعدها على النمو ، وفي الآية (٣٧) من سورة آل عمران يقول الله تعالى بشأن مريمعليها‌السلام :( وَأَنْبَتَها نَباتاً حَسَناً ) وكلّ هذا إشارة إلى ذلك المضمون اللطيف.

ثمّ يمضي إلى مسألة المعاد والتي كانت من المسائل المعقدة عند المشركين فيقول :( ثُمَّ يُعِيدُكُمْ فِيها وَيُخْرِجُكُمْ إِخْراجاً ) .

كنتم في البدء ترابا ، ثمّ تعودون إلى التراب ثانية ، ومن كانت له القدرة على أن يخلقكم من التراب هو قادر على أن يحييكم بعد الموت.

هذا الانتقال من التوحيد إلى المعاد الذي جاء في سياق هذه الآيات بصورة

__________________

(١) يجب أن تلفظ هذه الكلمة حسب القاعدة «إنباتا» لكن لهذه الآية تقدير هو : «أنبتكم من الأرض فنبتم نباتا» تفسير (الفخر الرازي وأبو الفتوح الرازي).

٦٠

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

بالشجرة...) و(افسدت علينا...) لامعنى لان يقال فيه انه يدل دلالة صريحة على نفي الحديث، لأنه لا دلالة لفظية فيه على ذلك، وأقصى ما يمكن ادعاؤه انهما يدلان بالدلالة العقلية على نفيه باعتبار انه ترك الاستدلال بحديث الغدير في موقع كان الأولى أن يستدل به، فعدوله عنه دليل على عدم ثبوته وإلا لاستدل به. وهذه الدلالة لاتسمى دلالة صريحة.

ونحن ننكر عليك حتى هذه الدلالة العقلية لأنه لم يكن في موقع الاستدلال بحديث الغدير حتى يكون تركه دليلا على عدم ثبوته في القول الاول، لانه جاء احتجاجا على من احتج باستحقاق الخلافة بالقرابة من الرسول فقال لهم: إذا كان ذلك سببا للاستحقاق فمن كان اكثر قرابة وأقرب فهو أولى بالاستحقاق. والتشبيه بالشجرة والثمرة من التشبيهات البديعة في الباب فانه لبيان أولوية الاستحقاق للأقرب لأنه هو الثمرة التي هي أولى من أصل الشجرة بالاستفادة منها بل الثمرة هي الغاية المقصودة من الشجرة. وليس هذا موردا لذكر النص لأنه من باب النقض على المستدل بحجته.

وأما القول الثاني فعلى تقدير صحة نقله فان قوله: (لم ترع لنا حقا) كلام عام يجوز ان يراد به النص ويجوز ان يراد مطلق الحق الذي صورته في كلامك. وهذا التصوير الذي ذكرته وأطنبت فيه ليس في كلام الامام دلالة عليه وإنما هو من اجتهاد الكاتب حينما تخيل ان الامام لانص عليه فلا بد أن تكون احتجاجاته وشكواه ناشئة من اعتقاده بالأحقية.

٢٠١

٢ - تحدثت عن قصة انصراف الناس عنه بعد موت فاطمة فانه كلام غريب فانه لاربط له بقصة النص وإنما تلك القصة ترتبط بقصة التجاء الامام إلى مسالمة القوم بعد الانصراف عنه.

٣ - تقارن بين قول الامام: (فنظرت فاذا ليس لي معين...) وبين آية( كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ ) لتستدل من الآية على تكذيب نسبة هذا القول اليه. وازيدك انك بهذا الاستدلال تستطيع ان تكذب كثير من الأحاديث النبوية مثل احاديث الحوض ونحوها الدالة على ارتداد أصحابه بعده وتبدلهم ورجوعهم القهقرى والمروية في الصحاح.

غير اني احيلك على كتب التفسير لمعرفة مدى دلالة هذه الآية. وما علينا من كتب التفسير! لننظر بأنفسنا إلى مدى دلالة هذه الآية على المقصود:

ان دلالتها تكمن في كلمة (كنتم) فان كانت على ظاهرها من دلالتها على الماضي المنقطع بمعنى انهم كانوا فيما مضى خير امة ثم لم يستمر ذلك لهم فلا ينافيها أن تكون الامة قد انقلبت بعد الرسول على الاعقاب لأنه قال: كنتم خير امة، ولم يقل انتم خير امة أبد الدهر.

ولكن بعض المفسرين أوّل معنى (كنتم) فقال: انها للماضي الاستمراري مثل قوله تعالى:( وَكَانَ اللَّـهُ غَفُورًا رَّحِيمًا ) وأنا شخصياً كذلك أفهم هذا المعنى من الآية، غير ان الذي يشكل علينا ان المسلمين لم يكونوا في جميع عهودهم على ما تصف الآية الكريمة يأمرون بالمعروف وينهون عن

٢٠٢

المنكر لاسيما في مثل عهودهم الحاضرة التي لم يبق فيها من المعروف حتى رسمه فضلا عن أن يكون كلهم من الآمرين بالمعروف الناهين عن المنكر. هذا هو الواقع المرير الذي لا سبيل لنا من انكاره والمكابرة فيه فكيف نتصور انطباق الآية على عهودنا وامثالها.

وعليه فليس الاشكال يخص الامة الاسلامية في أول عهودها بعد النبي بل في جميع عهودها الغابرة والحاضرة فكيف نستطيع التوفيق بين واقع امتنا المحزن وبين دلالة الآية على امتداح هذه الامة وتفضيلها على سائر الامم لأنها تأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر؟ كيف التوفيق ياترى؟

والذي يخطر في بالي من الجواب على ذلك أحد أمرين( الأول) وهو الأرجح عندي ان الآية قد تقدمتها آيات أٌخر ذكرت وجوب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وإن هذا التشريع كما يبدو منها انه من مختصات المسلمين المخاطبين بهذا الوجوب على أن يتولى بعضهم هذا الأمر ثم ذكرت نهي المؤمنين عن ان يتفرقوا ويختلفوا من بعد ان جاءتهم البينات فتبيض وجوه بعض وتسود وجوه آخرين ثم قال: (كنتم خير امة...) لبيان انه لما كانوا خير الأٌمم لا ينبغي ان يختلفوا وسر انهم خير الأٌمم لأنه قد شرع لهم الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وليس المقصود الأخبار عن انهم كلهم يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر لاسيما ان المخاطب

٢٠٣

بالوجوب بعض المسلمين على نحو الوجوب الكفائي (ولتكن منكم امة يدعون الى الخير ويأمرون بالمعروف...)

(الثاني) ان المراد انكم تأمرون بالمعروف من حيث مجموعكم ولو بامتثال البعض وان كان ذلك البعض قليلا باعتبار ان ذلك البعض من الامة يعمل باسمها كأنه يقول: انكم خير الامم لأن فيكم من يأمر بالمعروف وليس كذلك باقي الامم. وهذا كما نقول مثلا ان الأمة الانكليزية احتلت العراق، وليس المراد ان جميع الامة احتلته بل بعض جيوشها وذلك باعتبار ان ذلك البعض منها وكان عمله باسمها.

في البحث السابع

١ - تسأل عما إذا كان تناقض بين قول الامام: (لو وجدت اربعين ذوي عزم...) وبين قوله: (فأمسكت يدي حتى رأيت راجعة الناس...) فاني لم اعرف وجها للتناقض بين القولين فان الامام في الأول يقول: لو وجدت الأربعين على هذه الصفة لناهضت القوم، ومعنى ذلك انه لم يجد الأربعين فلم يناهضهم يعني انه سالمهم، ثم صرح في الثاني بأنه امسك يده عن نصرتهم غير انه لما رأى راجعة الناس عن الاسلام فرأى ان المصيبة في ذلك اعظم من مصيبة فوت الولاية فالتجأ أن ينصر الأسلام لأجل ذلك، لانصرة للامراء ولا لكونهم عنده أهلاً للنصرة كما هو مدلول كلامه. وأنت

٢٠٤

ترى ان احد الكلامين يتصل بالآخر ويكون متمماً له، فأين التناقض؟

أما انه لو ناهض القوم بالأربعين عندما يجدهم فانك تحتمل ان تدور عليه الدائرة كالحسين فهذا تكهن لم يعترف به الامام وهو من ظاهر كلامه كان جازما بأن الأربعين على هذه الصفة لو وجدهم لكانوا كافين له في النصرةعلى خصومه. أما انه يكون ذلك ثلما للاسلام لو انتصر عليهم، فمن أين نفهمه إذا فرضنا انه انتصر على غاصبي حقه من الخلافة التي هي بنص النبي وبها حينئذ قوام الاسلام لا هدمه إلا إذا كنا لانعترف بالنص فهذا أمر آخر.

وأما كفاية نصرة مالك بن نويرة فعلى تقديره فهو واحد من ذوي العزم إذا كان هو حقيقة من ذوي العزم الذين يشترطهم الامام فكيف تفرض ان الحجة قد قامت عليه بمالك وحده على انه كونه يعترف بحقه شيء وكونه من ذوي العزم شيء آخر.

وأما سؤالك عن اتفاق قوله عليه السلام: (فخشيت ان لم أنصر الاسلام وأهله ان أرى فيه ثلماً أو هدما) مع ما ذهبتُ اليه من تقاعس الامام عن نصرة الخلفاء إلا بمقدار الضرورة فانه واضح الاتفاق لان الامام في صدر كلامه ذكر انه أمسك يده ولكن ضرورة حفظ بيضة الاسلام دعته إلى النصرة. وهذا صريح بأن الضرورة هي التي دعته الى ذلك

٢٠٥

والضرورات تقدر بقدرها لا ان النصرة ابتدائية بدافع نفسي ليناقض ما قلته عنه، بل هذا الكلام مما يؤيد قولي ويؤكده وهو يدل على أن العمل الذي يعلم انه يضر بالاسلام يتركه ويعمل ما يرى عمله ضرورة اسلامية، فكيف كان قوله هذا يدل على انه يحجم عن الفعل أو القول الذي يكون خذلانا للاسلام كما رغبت انت ان تقوله وتتصوره عن هذه الكلمة.

نعم ان الامام اعظم وأجل ان يتقاعس عن عمل يراه واجبا لنصرة الاسلام، ومن اين يدل كلامه المنقول او كلامي المسطور على خلاف ذلك فاذا تباطأ ابو الحسن فانما تباطأ عن شيء يكون فيه نصرة لأبي بكر وعمر ولم يتباطأ عما تدعوه الضرورة الاسلامية الى فعله، وانما لم يشترك في الحروب لأنه حينئذ يكون مأموراً لهم وهذا ما كان يتحاشاه بل يتحاشونه معه. وما ذكرته في السقيفة عن ذلك ففيه الكفاية.

وأما قياسه في الاشتراك في الحروب بعمر وعثمان وطلحة وامثالهم فقياس مع الفارق البعيد، لو كان هناك قياس، وابو الحسن من تعرف في حروبه ايام خلافته ولم يشترك قبله ولا بعده من الخلفاء بنفسه في الحروب، فكيف يقاس غيره به وكيف لا يستغرب عدم اشتراكه في الحروب ايام الخلفاء قبله وكيف لا يدل ذلك على عدم تعاونه معهم معاونة صادقة؟

هذا ما أردت ان اقوله يا قرة العين في جوابات

٢٠٦

اسئلتك واعذرني إذا كنت قد رمزت لك رمزاً في كثير من الأبحاث اقتصاداً في الوقت واستعجالاً في الاجابة للشواغل التي دهمتني في خلال تسجيل هذه الرسالة فعاقتني عن الاسراع إلى اتمامها في الوقت المناسب.

وتقبل التحيات من المخلص

محمد رضا المظفر

١٢ جمادي الاولى سنة ١٣٧٣

٢٠٧

أهم مصادر الكتاب

١ - صحيح البخاري المطبوع بمصر عام ١٣٢٠ هـ

٢ - صحيح مسلم المطبوع بمصر عام١٣٩٠هـ

وما في ص٥٨ رجعنا فيه الى المطبوع عام ١٣٣٤ هـ

٣ - مسند احمد المطبوع بمصر عام١٣١٣ هـ

٤ - العقد الفريد المطبوع بمصر عام ١٣٥٣ هـ

٥ - مستدرك الحاكم

٦ - الجمع بين الصحيحين

٧ - كنز العمال

٨ - تاريخ الطبري

٩ - تاريخ ابن الأثير

١٠ - تاريخ الخميس

١١ - تاريخ اليعقوبي

١٢ - السياسة والامامة لابن قتيبة

١٣ - تاريخ الخلفاء للسيوطي

١٤ - تاريخ ابن خلدون

١٥ - مروج الذهب

١٦ - السيرة الحلبية

١٧ - سيرة ابن هشام

٢٠٨

١٨ - سيرة دحلان

١٩ - طبقات ابن سعد

٢٠ - الاصابة

٢١ - الاستيعاب

٢٢ - اسد الغاية

٢٣ - التهذيب لابن عساكر

٢٤ - ميزان الاعتدال

٢٥ - نهج البلاغة

٢٦ - شرح النهج لابن ابي الحديد

٢٧ - منهاج السنة لابن تيمية

٢٨ - الصواعق المحرقة له

٢٩ - مقالات الاسلاميين لأبي الحسن الأشعري

٣٠ - الملل والنحل للشهر ستاني

٣١ - الفصل في الملل والنحل لابن حزم

٣٢ - البيان والتبين للجاحظ

٣٣ - معجم البلدان

٣٤ - لسان العرب

٣٥ - حياة محمد للدكتور محمد حسين هيكل

٢٠٩

الفهرس

مقدمة ٩

١ - تأثير العقيدة على المؤرخ. ١٦

٢ - اضطراب التاريخ. ١٧

٣ - خطة الكتاب.. ١٩

تمهيد. ٢٣

الفصل الاول: مَوقِفْ النَّبي تجَاه الخَلافَة ٣٠

(١ هل كان يعلم بأمر الخلافة؟) ٣١

٢ - هل وضع حلا للخلاف؟ ٣٣

٣ - ايكال الامر الى اختيار الأمة ٣٥

٤ - لا نص في قاعدة الاختيار ٤٤

٥ - اختلاف امتي رحمة ٤٦

٦ - الاجماع على قاعدة الاختيار ٤٨

٧ - النص على أبي بكر ٥٢

٨ - النص على علي بن أبي طالب.. ٥٩

الفصل الثاني : تدبير النبي لمَنع الخِلاَف ٧٥

(أ - بعث اسامة) ٧٥

ب - ائتوني بكتف ودواة ٨٤

الفصل الثالث : بيعَة السقيفة ٩٦

(١- الدوافع لاجتماع السقيفة) ٩٦

٢ - نفسية الأنصار ٩٩

٣ - الأنصار حزبان. ١٠٣

٤ - هل مات النبي محمد ...؟ ١٠٩

٥ - وصول النبأ باجتماع الأنصار ١٢٠

٢١٠

٦ - تأثير دخول المهاجرين في اجتماع الأنصار ١٢٤

٧ - تأثير خطب أبي بكر على المجتمعين. ١٢٦

٨ - نقاش المهاجرين والأنصار ١٣٣

٩ - المهاجرون يربحون الموقف.. ١٣٧

١٠ - النتيجة ١٤١

الفصل الرابع : عَلي مَع الخلفَاء ١٤٧

(١ - الافتيات على الامام) ١٤٧

٢ - رأيه في بيعة السقيفة ١٤٧

٣ - الموقف الدقيق. ١٥٠

٤ - سلوكه مع الخلفاء ١٥٦

على هامش السَّقيفَة ١٦٥

نص رسالة الاستاذ عبد الله الملاح حول كتاب السقيفة ١٧١

نص رسالة الشيخ المظفر رداًعلى رسالة الاستاذ الملاح. ١٨٣

إلى حضرة الأخ الفاضل عبد الله الملاح المحترم ١٨٣

البحث الأول. ١٨٤

في البحث الثاني. ١٩٣

في البحث الثالث.. ١٩٤

في البحث الرابع. ١٩٦

في البحث الخامس.. ١٩٧

في البحث السادس. ٢٠٠

في البحث السابع. ٢٠٤

أهم مصادر الكتاب.. ٢٠٨

٢١١

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

461

462

463

464

465

466

467

468

469

470

471

472

473

474

475

476

477

478

479

480

481

482

483

484

485

486

487

488

489

490

491

492

493

494

495

496

497

498

499

500

501

502

503

504

505

506

507

508

509

510

511