الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل الجزء ١٩

الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل11%

الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل مؤلف:
تصنيف: تفسير القرآن
الصفحات: 511

الجزء ١ الجزء ٢ الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥ الجزء ٦ الجزء ٧ الجزء ٨ الجزء ٩ الجزء ١٠ الجزء ١١ الجزء ١٢ الجزء ١٣ الجزء ١٤ الجزء ١٥ الجزء ١٦ الجزء ١٧ الجزء ١٨ الجزء ١٩ الجزء ٢٠
  • البداية
  • السابق
  • 511 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 140865 / تحميل: 5795
الحجم الحجم الحجم
الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل

الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل الجزء ١٩

مؤلف:
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

ومنها: ما جاء بلفظ نروي عن العلماء، واعلم أن بعض العلماء

فقد جاء لفظ ( العالم ) بعباراته المختلفة في أكثر من 130 مورداً وورد لفظ ( العلماء ) في بضعة موارد.

ومنها: قوله: ومما نداوم عليه نحن معاشر أهل البيت(1) .

ومنها: ما جاء في باب الأغسال قال: ليلة تسعة عشر من شهر رمضان، هي الليلة التي ضرب فيها جدّنا أميرالمؤمنينعليه‌السلام (2) .

ومنها: ما قال في باب غسل الميت: وكتب أبي في وصيته، أن اكفنه في ثلاثة أثواب - إلى أن قال - وقلت لأبي: لم تكتب هذا؟ فقال: إني أخاف أن يغلبك الناس، يقولون: كفنه بأربعة أثواب أو خمسة، فلا تقبل قولهم، وأمرني أن أجعل ارتفاع قبره أربعة أصابع مفرجات(3) .

وقد جاء هذا اللفظ ( أبي ) في عدة موارد.

قال المحقق النراقي: « ولولا أن أباه هو الإمام المعصوم، لم يكن في نقل قوله فائدة، بل لم تكن وصيته وأمره ماضية، لأن التكفين ورفع القبر تكاليف لغيره بعد موته »(4) .

ومنها: ما ذكره في باب آخر في الصلاة على الميت أيضاً قال: ونروي أن علي بن الحسينعليهما‌السلام لما أن مات قال أبو جعفر: لقد كنت أكره أن أنظر إلى عورتك في حياتك، فما أنا بالذي أنظر اليها بعد موتك، فأدخل يده وغسل جسده، ثم دعا بأم ولد له فأدخلت يدها فغسلت مراقه، وكذلك فعلت أنا بأبي(5) .

وظاهر أنه لولا أنه من المعصوم الذي فعله حجة، لم تكن فائدة في قوله: وكذلك فعلت، بل ذكره بعد نقل فعل أبي جعفرعليه‌السلام بأبيه ادل شاهد على أنه أيضاً من أقرانه وأمثاله(6) .

____________________

(1) الفقه المنسوب: 402.

(2) الفقه المنسوب: 83.

(3) الفقه المنسوب: 183.

(4) عوائد الأيام: 251.

(5) الفقه المنسوب: 188.

(6) عوائد الأيام: 251.

٢١

ومنها: ما جاء في باب الزكاة قال: وإني أروي عن أبي العالم في تقديم الزكاة وتأخيرها أربعة أشهر أو ستة أشهر(1) .

ومنها: ما جاء في باب الصوم قال: وأما صوم السفر والمرض، فإن العامة اختلفت في ذلك، فقال قوم: يصوم، وقال قوم: لا يصوم - إلى أن قال - فأما نحن نقول: يفطر في الحالتين(2) .

فأن قوله: ونحن نقول، دال على أنه ممن قوله حجّة.

ومنها: ما ذكره في باب الربا والدين والعينة، بعد رواية متضمنة لجواز بيع حبة لؤلؤ تقوم بألف درهم بعشرة آلاف درهم أو بعشرين ألفاً: وقد أمرني أبي ففعلت مثل هذا(3) .

والتقريب ما مر.

ومنها: ما في باب البدع والضلالة، قال في آخره: وأروي عن العالم وسألته عن شيء من الصفات... وقال في آخره أيضاً: وأمّا عيون البشر فلا تلحقه، لأنه لا يحد فلا يوصف، هذا ما نحن عليه كلنا(4) .

قال النراقي: وظاهر أن هذه العبارات منها ما ينافي كون الكتاب من ابن بابويه وأمثاله من العلماء(5) ...

ومنها: ما قال في آخر باب النوادر: وأروي أن رجلاً سأله - أي العالمعليه‌السلام - عما يجمع به خير الدنيا والآخرة قال: لا تكذب(6) .

وسألني رجل سني عن ذلك، فقلت: خالف نفسك.

وقوله: أروي ورد في أكثر من 80 مورداً.

وقوله: نروي في أكثر من 90 مورداً.

____________________

(1) الفقه المنسوب: 197.

(2) الفقه المنسوب: 202.

(3) الفقه المنسوب: 258.

(4) الفقه المنسوب: 384.

(5) عوائد الأيام: 252.

(6) الفقه المنسوب: 390.

٢٢

وورد قوله: يروي في موارد عدة

فهذه الأقوال كما ترى:

منها ما هو ظاهر في كون القائل إماماً معصوماً.

ومنها ما هو صريح في كونه مدركاً للإمام الكاظمعليه‌السلام .

ومنها ما هو صريح في كونه ابنه.

ومنها ما هو صريح في كونه من أولاد أمير المؤمنينعليه‌السلام .

وجميع ذلك شهادات ودلالات على أنه ليس مؤلفاً لأحد العلماء، بل هو منسوب إلى الامام.

وأما كونه ربما يحتمل الصدق فظاهر، إذ لا وجه لعدم احتماله، ولا أمارة على كذبه.

وأما توهمه من جهة عدم تداوله بين العلماء المتأخرين، فهو وَهْم فاسد، لما نشاهد مثله في الأصول الأربعمائة وأمثالها، المتروكة بين العلماء لأجل ذكر ما فيها في كتب أحاديث أصحابنا...

* * *

اذهب النافون الى ان:

كثيراً من أحكام ذلك الكتاب مما خالف جملة من ضروريات المذهب وقطعيّاته، و جملة منها مما لا يناسب شيئا من قواعد مذهبنا، ولا شيئا من قواعد المخالفين، وكثير منها مما لا يساعد ما عليه معظم أصحابنا، ولا ما انعقد عليه إجماعهم في سائر الأعصار والأمصار.

واشتماله على نقل أخبار متعارضة في موارد عديدة، من غير إشارة إلى طريق الجمع بينها، ولا إلى ما هو الحق منها والصواب، ولا أنه مما يجوز الأخذ بكل منهما من باب التسليم، فيستفاد منه قاعدة كلية أفيد من بيان ما هو المعتبر في خصوص الواقعة(1) .

ومن الأمور التي تنفي نسبته الى الرضاعليه‌السلام :

1 - من البعيد جداً أن يختفي هذا الفقه، - لو صحت نسبته إلى الإمام الرضا

____________________

(1) الفصول: 313.

٢٣

عليه‌السلام - حدود ألف عام.

فلو كان هذا الكتاب من تأليف الإمام الرضا، لما خفي على الأئمة الأربعة الذين كانوا بعده.

ومن الظاهر أنهم لم يكونوا ليخفوا ذلك عن شيعتهم ومواليهم - ولاسيما عن خواصهم ومعتمديهم - كما أخبروهم بكتاب علي وصحيفة فاطمة ونظائرهما، ولو كانوا مطلعين عليه لكانوا يصرحون به في كثير من أخبارهم.

ولو كان واقعاً لاشتهر بين القدماء، كالرسالة الذهبية المنسوبة للإمام الرضاعليه‌السلام ولكان أولى بالإشتهار بين الخاص والعام، لأن هذه الرسالة تزيد على الرسالة الذهبية وتشمل على أكثر مهمات أحكام الفقه(1) .

مع انهم - رحمهم الله - لم يألوا جهداً في نقل آثار الأئمة الأطهارعليهم‌السلام والحفاظ عليها، فهذه رسالة علي بن جعفر، والتفسير المنسوب إلى مولانا أمير المؤمنينعليه‌السلام برواية النعماني، والصحيفة السجادية الكاملة. ودعاء الصباح

ويؤيد القول بمحافظة الأصحاب على آثار الأئمةعليهم‌السلام ما ذكره العلامة الكبير الشيخ آغا بزرك - رحمه الله - في الذريعة عن دعاء الصباح حيث قال:

صحح الدعاء وقابله السيد جليل المدرس الطارمي في طهران مع نسخة كانت في خزانة السلطان ناصرالدين شاه، وهي بالخط الكوفي المكتوب في آخر الدعاء ما لفظه: كتبه علي بن أبي طالب في آخر نهار الخميس حادي عشر ذي الحجة سنة خمس وعشرين من الهجرة(2) .

فلو كان للإمامعليه‌السلام لاشتهر بين الأعلام الماضين اشتهاراً عظيماً، ولا طلع عليه قدماء الأصحاب من الذين جمعوا الأخبار، ونقبوا عنها في البلاد، وبالغوا في إظهار آثار الأئمة الأطهارعليهم‌السلام ولبذلوا جهدهم في حفظه وإيصاله إلى من بعدهم.

ولما خفي على أكابر محدثي أصحابنا الذين أدركوا عصره - أو قاربوه -

____________________

(1) رسالة الخونساري: 10.

(2) الذريعة 8: 191.

٢٤

كالفضل بن شاذان، ويونس بن عبدالرحمن، وأحمد بن محمد بن عيسى، وأحمد بن أبي عبدالله البرقي، وإبراهيم بن هاشم، ومحمد بن أحمد بن يحيى - صاحب نوادر الحكمة - ومحمد بن الحسن الصفار، وعبدالله بن جعفر الحميري، وأضرابهم.

ولوصل منه - ولو القليل - إلى المحمدين الثلاثة - مصنفي الكتب الأربعة - المشتملة على أكثر ما ورد عنهمعليهم‌السلام في الأحكام(1) .

وأولاهم به الصدوق الذي مر ذكره.

ومن البعيد جداً أن تكون التقية مانعة من ظهور هذا الكتاب، لأن الإمام كان في عصر المأمون في حرية من نشر أفكاره - نوعاً ما -، وخصوصاً في مناظراته مع علماء الأمصار، علماً بأن قم كانت آنذاك منبع الشيعة، وفيها علماء عظام يظهرون رأيهم في كل صغيرة وكبيرة.

فلا يعقل أن يكون إخفاؤه من باب التقية، فتأمل.

بعكس عصر الأئمة الذين سبقوه في الدولة الأموية، وردحاً من زمان العباسيين(2) .

2 - كلام الأئمةعليهم‌السلام وهم شجرة النبوة، وحملة الرسالة، وأعدال القرآن،..

الأئمةعليهم‌السلام بما لهم من العلم الكامل والبيان التام، وبما وصلنا من آثارهم، في حديثهم و أدعيتهم ومناظراتهم ووصاياهم وخطبهم، في أعلى درجات الفصاحة والبلاغة، وما نهج البلاغة والصحيفة السجادية عنا ببعيد.

فالمتتبع لكلام شخص بحيث عرف أن ديدنه في النقل قد استقر على أن يتكلم على نهج خاص وطريقة معهودة، ثم وقف على كتاب منسوب إليه، أو جاءه أحد بخبر منه، وكانت عبائر هذا الكتاب أو ذلك الخبر على منهج آخر وأسلوب مخالف لطريقته في سائر كلماته، اتضح له أن هذا لم يصدر في هذا الشخص، ورده أشد الرد، وهذا أمر معروف بين العقلاء، وقاطبة أولي العرف، ويعبر عنه بالأستقراء...

فلم يعهد عنهمعليهم‌السلام ، ولم يوجد في شيء من أخبارهم التي بين أيدينا رووا بألفاظ تبعدها عن درجة المراسيل المعتبرة، كألفاظ: روي ويروى وأروي و

____________________

(1) رسالة الخوانساري: 9.

(2) رسالة الخوانساري: 12.

٢٥

نروي وقيل ونظائرها مما في معناها، ولا يخفى على من تتبع الأخبار، ولاحظ سياق كلمات الأئمة الأطهار، وخصوص ما صدر عن مولانا الرضاعليه‌السلام ومن تقدمه، أن أمثال ذلك لا تكون صادرة عنهم وما ينبغي لهم(1) .

فأكثر عبارات الكتاب المذكور، مما لا يشبه عبارة الإمام، كما لا يخفى، لمن تأملها.

فالكثير من مطالبه وأحكامه رواها مؤلفه من غيره، ممّا عبر فيها عن قائلها ببعض العلماء أو العالم المطلق.

ففي أوله بعد أسطر ثلاثة: ونروي عن بعض العلماء أنه قال في تفسير هذه الآية(هَلْ جَزَاءُ الْإِحْسَانِ إِلَّا الْإِحْسَانُ) قال: ما جزاء من أنعم الله عليه بالمعرفة إلاّ الجنّة(2) .

وبعد سطرين: أن بعض العلماء سئل عن المعرفة، وهل للعباد فيها صنع؟ فقال: لا(3) .

وفي موضع آخر منه: روي عن العالم، أو روي عن العالم، أو سئل عن العالم، أو سألت العالم(4) .

وقال المحقق صاحب الفصول: وهذا ما لم يعهد في كلامهعليه‌السلام في غير الكتاب المذكور، ولا في كلام غيره من سائر الأئمة(5) .

وقال المحدث النوري:

فتعبير مولانا الرضاعليه‌السلام في خصوص كتاب من كتبه - دون سائر ما وصل إلينا من أخباره - عن بعض آبائهعليهم‌السلام ببعض العلماء أو العالم في غاية البعد، ويؤيده ما وقع في هذا الكتاب من التعبير عن آبائه من رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله إلى سيدنا موسى بن جعفرعليه‌السلام بأساميهم وكناهم الشريفة، ويظهر لك أن

____________________

(1) مستدرك الوسائل 3: 349.

(2) الفقه المنسوب: 65.

(3) الفقه المنسوب:66.

(4) مستدرك الوسائل 3: 349.

(5) الفصول: 312.

٢٦

احتمال وقوع ذلك اللقب في ذلك الكتاب على سبيل التقية في غاية البعد(1) .

والمتتبع لكلامهمعليهم‌السلام يرى أن هذا الفقه المنسوب يختلف اختلافاً بيناً عن الطريقة التي اتبعوهاعليهم‌السلام في نشر الأحكام وفي البيان للناس.

3 - للأئمةعليهم‌السلام خط واضح لا لبس فيه ولا غموض، وكانوا كثيراً ما يؤكدون على التزام هذا الخط، وأنهم لا يتقون فيه أحداً.

ومن خط الأئمةعليهم‌السلام محاربة الغلوفيهم، وتكفير القائل به، ولم يعهد عن أحد منهمعليهم‌السلام إلاّ الإقرار بالعبودية لله، ونهاية الخضوع والخشوع له،الذي فاقوا فيه كل الناس.

وقد جاء في الفقه المنسوب، ممّا هو مخالف بصريح المخالفة لهذا الخط الواضح الذي استمر عليه آل محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله ..

قوله: في باب الاستقبال في الصلاة: واجعل واحداً من الأئمة نصب عينيك..

قال المحقق الدربندي في كتابه قواميس الرجال(2) .

وفيه ( في باب الصلاة ) ما يحتج به أعاظم الصفوية على لزوم استحضار صور المرشد على البال في الصلاة والتوجه إليه، وذلك: إذا قمت إلى الصلاة فانصب بين عينيك واحدا.

فقولنا بعدم حجيته لا لأجل ذلك فقط، فإنه غير ظاهر في موارد المتصوفة وله معنى صحيح.

بل لوجوه واعتبارات اخر.

ومع ذلك كله، يمكن أن نحتج بأخبارهذا الكتاب من باب التأكيد والتسديد والترجيح.

والحال في كتاب الرضاعليه‌السلام كالحال في الفقه الرضوي، إلاّ أن هذا الكتاب انقص درجة من ذلك، لأنه كم من مجتهد ومحدث يدعي ثبوت الفقه الرضوي من المعصوم ولو كان هذا الثبوت على نمط الظن، كما هو الشأن في أكثر الأخبار،

____________________

(1) مستدرك الوسائل 3: 351.

(2) قواميس الرجال: ورقة 86 - ب.

٢٧

وهم مع ذلك لم يدعوا هذا الثبوت في شأن كتاب الطب، نعم ان العلاّمة المجلسي نقل اعتباره في جلد ( السماء والعالم من بحاره ).

ومن النقاط الواضحة المشهورة لهذا الخط مسألة المتعة، وقد جاء في الفقه المنسوب تفصيل في أمر المتعة، مخالف للمعروف عنهمعليهم‌السلام

قال: ونهى عن المتعة في الحضر، ولمن كان له مقدرة على الأزواج والسراري، و إنما المتعة نكاح الضرورة للمظطر الذي لا يقدر على النكاح، منقطع عن أهله وبلده.

ويأتي عن الخلاصة للعلاّمة الحلي، عن المفيد، مخالفة ما في الفقه المنسوب في باب الشهادة لمذهب الأئمةعليهم‌السلام .

4(1) - ومن الأمور الهامة التي تثبت عدم كونه للإمام الرضا، ما وقع في أوائله من الرواية عن المحدثين كأبي بصير وغيره، والرواية عن الأئمة بوسائط متعددة، ففي فضل شعبان وصلته برمضان منه: أحمد بن محمد بن عيسى، عن الحسين بن سعيد، عن عثمان بن عيسى، عن سماعة بن مهران قال: سألت عن أول صيام شعبان عن أبي عبداللهعليه‌السلام .

وفيه: عن فضالة، عن إسماعيل بن زياد، عن أبي عبداللهعليه‌السلام .

وفيه: وعنه عن ابن أبي عمير، عن سلمة صاحب السابري، عن أبي الصباح قال: سمعت أبا عبداللهعليه‌السلام .

وعن علي بن النعمان، عن زرعة، عن محمد بن سماعة قال: سألت أبا عبدالله.

وعن علي بن النعمان، عن زرعة، عن الفضيل، عن أبي عبداللهعليه‌السلام .

وما في باب ما يكره للصائم في صومه: وعنه عن سماعة قال: سألت عن رجل إلى أن قال - وعن النضر بن سويد، عن القاسم بن سليمان، عن جراح المدائني قال: قال أبو عبداللهعليه‌السلام .

وفي ما لا يلزم من النذر والأيمان ولا تجب له الكفارة: صفوان بن يحيى وفضالة بن أيوب جميعاً، عن العلاء بن رزين، عن محمد بن مسلم، عن أحدهما.

____________________

(1) هذه الفقرة مبنية على القول بأن ما ورد في النسخة المختلطة الأوراق مما يشك في انه تابع لنوادر ابن عيسى او للفقه المنسوب.

٢٨

ابن أبي عمير ومحمد بن إسماعيل، عن منصور بن يونس، وعلي بن إسماعيل الميثمي، منصور بن حازم، عن أبي عبداللهعليه‌السلام .

وفي باب الكفارة على المحرم إذا استظل من علة وغيره: محمد بن إسماعيل بن بزيع، عن أبي الحسن(1) .

فيظهر ان كل ذلك ليس من كلام الإمام الثامن، والإمام برئ من أن يتكلم بهذا الشكل، أو يستند في نقله لرواية على عدة طرق، كما نشاهده فيما سلف.

فالمتأمل لسياق الروايات، وسلسلة الاسانيد والوسائط، يقطع بأن ذلك بعيد عن الإمام كل البعد.

يقول الخوانساري: إن من لاحظ ما وقع فيها من الوسائط حصل له القطع بأنها منفية عنهمعليهم‌السلام ، وأيقن أن من نسب أمثالها إلى الإمام الرضاعليه‌السلام فقد أخرجه عن مرتبة الأمام الكبرى، وأدخله في سلك المحدثين الذين أخذوا الاحكام من أفواه الرواة، ونعوذ بالله العظيم من أن نتكلم بمثله في حق مثله، وكيف يرضى من هو عارف بحقهعليه‌السلام بأن يقول انهعليه‌السلام كان يروي عن جمع من الذين قد عدوا من أصحابه وأصحاب ابنه أبي جعفر، كمحمد بن إسماعيل بن بزيع، ومحمد بن أبي عمير الذي عد من مصنفاته كتاب مسائله عن الرضاعليه‌السلام وأحمد بن محمد بن عيسى الذي قد شهد جماعة من الرجاليين بأنه أدرك بعد سيدنا أبي جعفر ابنه أبا الحسن العسكري ايضاً، أم كيف يتفوه عاقل بأن مولانا الرضا كان يروي عن أبيه بالواسطة؟(2) .

فما ادعاه الفاضل المجلسي من أن الظاهر أن الصدوقين وكذا شيخنا المفيد، كانوا على يقين من أنه تصنيف الامامعليه‌السلام ليس بوجيه، وإنما هو أمر يخطر بالبال في أول الامر، ويدفعه التأمل التام في أحوال القدماء وديدنهم، وشدة حرصهم في ضبط الأخبار وإظهارها، وعدم بنائهم على سترها وإخفائها(3) .

5 - طبائع الأمور تقضي أن لو كان هذا الكتاب معلوماً لدى علي بن بابويه،

____________________

(1) رسالة الخوانساري: 25.

(2) رسالة الخوانساري: 26.

(3) رسالة الخوانساري: 28.

٢٩

وكان يعلم أنه من تصنيف الرضاعليه‌السلام لما كان يخفيه عن ولده الصدوق - الناقد البصير - ولكان يطلعه عليه.

ولو اطلع عليه الصدوق - رحمه الله - وهو الذي اعتني بجمع أخبار الرضاعليه‌السلام في كتابه المعروف - عيون أخبار الرضاعليه‌السلام - الذي أدرج فيه عدة مما نص أصحاب الفهارس على أنه كتاب أو رسالة، لنقله في هذا الكتاب الجامع للمأثور عن الرضاعليه‌السلام .

والقول بأن طول الكتاب منعه من نقله، مردود بنقله الكتب والرسائل - كما مر - وبأنه - على الاقل - كان ينبه على وجوده، ويكتفي ببعض أوصافه، أو يذكر شواهد منه(1) .

ثم لو كان من الكتب المعروفة الموثوقة عنده لجاءتنا منه أثارة في كتابه من لا يحضره الفقيه الذي هو أحد الكتب الأربعة الجامعة، والذي جعله حجة بينه وبين الله تعالى.

وقال صاحب الفصول: ومما يبعد كونه تأليفهعليه‌السلام عدم إشارة أحد من علمائنا السلف إليه في شيء من المصنفات التي بلغت إلينا، مع ما يرى من خوضهم في جميع الأخبار، وتوغلهم في ضبط الآثار المروية عن الأئمة الأطهارعليهم‌السلام ، بل العادة قاضية بأنه لو ثبت عندهم هذا الكتاب، لاشتهر بينهم غاية الإشتهار، ولرجحوا العمل به على العمل بسائر الأصول والأخبار(2) .

فلو كان هذا الكتاب من رشحات عيون إفادات هذا المولى، لكان يطلع عليه جملة من قدماء فقهاء الشيعة، وما كان يبقي في زاوية الخمول في مدة تقارب من ألف سنة.

فالذين بذلوا جهدهم في حفظ ما صدر منهم من الأحكام، كجملة من أكابر محدثي فقهائنا الذين أدركوا عصره، أو كانوا قريباً من عصرهعليه‌السلام كالفضل بن شاذان، ويونس بن عبد الرحمن، وأحمد بن محمد بن عيسى، وأحمد بن أبي عبدالله البرقي، وإبراهيم بن هاشم، ومحمد بن أحمد بن يحيى صاحب نوادر الحكمة، وسعد بن عبدالله،

____________________

(1) الفصول: 312.

(2) الفصول: 312، والمستدرك 3: 346.

٣٠

ومحمد بن الحسن الصفار، وعبدالله بن جعفر الحميري، وأضرابهم من أجلاء الفقهاء والمحدثين، ومن الواضح أن هذا الكتاب لو كان معروفاً بين هؤلاء الأعلام، أو كان يعرفه بعضهم، لما كانوا يسكتون عنه، ولما كانوا يتركون روايته لمن تأخر عنهم من نقاد الآثار، وأصحاب الكتب المصنفة في تفصيل الأخبار، ولما كان يخفى على مشايخنا المحمدين الثلاثة، المصنفين للكتب الأربعة المشتملة على أكثر ما ورد عنهم في الأحكام(1) .

فالشيخ الصدوق ألف كتابه - عيون أخبار الرضا - وجمع فيه جل أخبار الرضاعليه‌السلام ولو كان هذا الكتاب عنده لنقل منه، بل لضمنه في كتابه الآنف الذكر.

ولذكره في كتاب من لا يحضره الفقيه الذي قد تصدى فيه لذكر الأحكام المستخرجة من الكتب المشهورة التي عليها المعول وإليها المرجع(2) .

7 - لم يستند كلام المثبتين أنه للإمام على الحس، بل استند على الحدس.

ووجود كلمة علي بن موسى الرضا في أول الكتاب، كان سبب التوهم بكونه مصنفاً للإمام.

فجوزنا أنهم لما رأوا ما في أول أوراق الكتاب من التسمية، وما على ظهره من الكتابات، ظنوه كتاباً واحداً، ولم يلتفتوا إلى انقطاع ذلك وعدم ارتباطه بما بعده، أو أنه ساقط الوسط، كما لم يلتفتوا إلى ما في آخره من النوادر، وبنوا على أنه كتاب واحد، وأنه للإمام الرضاعليه‌السلام لأن أوله علي بن موسى، وعبائره - كما عرفت - توهم أنه للإمام، حتى أوهمت العلماء، وخصوصاً إذا كان على ظهره الخطوط والإجازات المنقولة، فتوهم القميون أنه للإمام الرضاعليه‌السلام وحكوا ذلك للفاضل أمير حسين، فإذا جاز ذلك سقطت الشهادة عن الإعتبار، ولم تدخل في الخبر الواجب العمل(3) .

* * *

وممّا احتج به المثبتون لتصحيح نسبة الكتاب إلى الإمام الرضاعليه‌السلام

1 - قوله في أول الكتاب: يقول علي بن موسى الرضا: أما بعد... إلى آخره(4) .

____________________

(1) مستدرك الوسائل 3: 346.

(2) مستدرك الوسائل 3: 346.

(3) فصل القضاء: 423.

(4) الفقه المنسوب: 65.

٣١

وفيه أنه غير صريح فيما ظن، لجواز أن يكون مؤلف الكتاب قد سمع الحديث المذكور - أي الحديث الأول في المعرفة - منهعليه‌السلام أو وجده بخطه، فنقله عنه محافظاً على نصه حتى كلمة ( أما بعد ) لمناسبتها لأول الكتاب.

ولايلزم التدليس، لذكره بعد ذلك ما يصلح قرينة على عدوله عن ذلك(1) .

ولا يبعد بملاحظة القرائن أن يكون المراد بعلي بن موسى الرضا - المذكور في أوله - غير مولانا الرضاعليه‌السلام فإن هذا مما اتفق كثيراً في كثير من الأسماء والألقاب، التي كان أهل مذهبنا - من فقهائنا وغيرهم - يتبركون بها، باعتبار شرافة من سمي أو لقب بها من ائمتنا في أول الأمر، ولاحظنا نظائره في غير واحد من الرواة والفقهاء(2) .

ومن عادة الرواة في كتب الحديث أن يبدؤوا في أول الكتاب باسم راويه عن جامعه.

أما ترى في أول الكافي والبصائر والمحاسن، وسائر الاصول التي وصلت إلينا، فتوهم السيد القاضي أنه الإمام علي بن موسى، وعند الاستنساخ زاد هو ( والقميان ) لفظ الرضا، وأخبروا بذلك، ثم كتب النساخ على هذا النهج إستناداً إلى ذلك الخبر، وبالجملة فالجواب عدم ثبوت كونه خبراً حسياً حتى يحتج به(3) .

وقد سبق القول في أنه علي بن موسى بن بابويه راوي كتاب التكليف.

وأما قوله: روي أن بعض العلماء سئل عن المعرفة(4) .

ففيه أنه ورد بعض التوقيعات من الناحية المقدسة نظير ذلك، فمنها ما في الاحتجاج للطبرسي، في جوابات مسائل محمد بن عبدالله بن جعفر الحميري الخارجة عن سيدنا الحجةعليه‌السلام .

فالمراد بالعالم والفقيه أحد العسكريين، كما هو المستفاد من جملة من كتب المناقب والسير(5) .

____________________

(1) الفصول: 312.

(2) رسالة الخوانساري: 40.

(3) فصل القضاء: 423.

(4) الفقه المنسوب: 66.

(5) رسالة الخوانساري: 17.

٣٢

2 - أنه ذكر فيه عبارات تخص الآلعليهم‌السلام مثل: ومما نداوم به نحن معاشر أهل البيت: لا إله إلاّ الله... إلى آخره(1) .

وقوله في باب الخمس: فتطول علينا امتنانا ورحمة(2) .

وهو تتمة لحديث: قيل للعالم: ما أيسر ما يدخل به العبد النار؟

وفيه أنه يمكن أن يكون تتمة للرواية السابقة عليه، وليس في سوق العبارة ما ينافيه، ويمكن أن يكون من كلام صاحب الكتاب فلا يدل إلاّ على كونه هاشمي لتحقق التطول أو الإمتنان في حقه أيضاً بالنسبة إلى ما يستحقه من الخمس مع احتمال أن يكون التطول والإمتنان باعتبار الأمر بالإعطاء أيضاً فلا يدل على ذلك أيضاً.

وفي آخر الحديث الأول دعاء للحجة ( عجل الله فرجه ): « وعجل خروجه ».

وفيه إشعار بأن الكتاب كتب في عصر الغيبة.

وقوله: ليلة تسع عشرة من شهر رمضان هي الليلة التي ضرب فيها جدنا أميرالمؤمنين(3) ..

فقوله: جدنا يحتمل أن يكون تتمة لكلام الصادقعليه‌السلام الذي سبق هذه العبارة.

ثم هو كسابقه لا يدل على أكثر من كونه علوياً(4) .

وقوله: روي عن أبي العالم في تقديم الزكاة(5) .

أروي عن أبي العالم...

وفيه احتمال أن تكون الياء من ( أبي ) زائدة، أو أن ( عن ) قبل كلمة ( العالم ) قد سقطت، ومثل هذا كثير الوقوع.

____________________

(1) الفقه المنسوب: 402.

(2) الفقه المنسوب: 293.

(3) الفقه المنسوب: 83.

(4) الفصول: 312، مستدرك الوسائل 3: 344.

(5) الفقه المنسوب: 197.

٣٣

كما يحتمل أن يحمل الأب أو العالم على خلاف ظاهره(1) .

وقوله: أمرني أبي تتمة لكلام روي في خبر آخر مثله.

أو ان اثبات ( أبي ) في مثل هذه الموارد ليس المقصود بها الإمامعليه‌السلام ، بل أراد صاحب الكتاب أن يخرج الحديث بلفظ الراوي السابق، حتى يعرف الناظرالممارس من أي أصل أخذه، ومن أي كتاب أخرجه.

* * *

ومن الاُمور التي تنفي نسبة الكتاب إلى الرضاعليه‌السلام أن هناك كثيراً من العبائر التي ليست من كلامهمعليهم‌السلام مثل أروي. نروي.. قيل.. ونظائرها.

ولا يخفى على المتتبع، أن هذا صريح بعدم صدوره عنهمعليهم‌السلام .

* * *

هذا وقد جاء في الكتاب ما هو مخالف لمذهب أهل البيتعليهم‌السلام في كثير من الموارد:

فمنها: ما وقع في باب مواقيت الصلاة منه، من قوله: وإن غسلت قدميك ونسيت المسح عليهما، فإن ذلك يجزيك، لأنك قد أتيت بأكثر ممّا عليك، وذكر الله الجميع في القرآن المسح والغسل في قوله:(وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ) أراد به الغسل بنصب اللام وقوله:(وَأَرْجُلِكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ) بكسر اللام، أراد به المسح وكلاهما جائزان الغسل والمسح(2) .

ويقول السيد الخوانساري في رسالته: فهو صريح المخالفة لضرورية من ضروريات المذهب، والأنكى هو تعليله ثانياً جوازهما بجواز كل من قراءتي النصب والخفض، وقوله أخيراً وكلاهما جائزان - الغسل والمسح - ممّا لا يحتمل شيئاً من التأويلات الواقعة في بعض ما يضاهيه من الأخبار، من إرادة التنظيف قبل الوضوء أو المسح أو بعدهما وغير

____________________

(1) مستدرك الوسائل 3: 344.

(2) الفقه المنسوب: 89.

٣٤

ذلك، ويعطي جواز كل منهما مطلقاً(1) .

ومنها: ما وقع في تحديد مقدار الكر من الماء، وهو قوله: والعلامة في ذلك أن تأخذ الحجر(2) .

وهو حكم مخالف لما ذهب إليه علماؤنا، وانعقد الإجماع على خلافه، كما صرح به غير واحد من أعلامنا، منهم الشيخ الشهيد القائل: بأنّا لا نعرف قائلاً به عدا الشلمغاني على ما حكاه جماعة، وهو قريب مما حكي عن أبي حنيفة من تحديده إياه(3) .

وذكر المحدث النوري في مستدرك الوسائل(4) - بعد نقله هذا الخبر - قلت هذا التحديد لم ينقل إلاّ من الشلمغاني، وهو قريب من مذهب أبي حنيفة، ولم يقل به أحد من أصحابنا، فهو محمول على التقية، ويحتمل بعيداً ملازمته في أمثال الغدير للتحديدين الأخيرين ويؤيده كلامه في البئر.

ومنها: ما وقع في باب لباس المصلي منه، من جواز الصلاة في جلد الميتة، بتعليل أن دباغته طهارته(5) .

ولا يخفى أن ذلك متروك غير معمول به بين الأصحاب(6) .

ومنها قوله: وقال العالمعليه‌السلام : وإذا سقطت النجاسة في الإناء لم يجز استعماله، وإن لم يتغير لونه أو طعمه أو رائحته، مع وجود غيره، فإن لم يوجد غيره استعمل، اللهم إلاّ أن يكون سقط فيه خمر فيتطهر منه، ولا يشرب الاّ إذا لم يوجد غيره ولا يشرب ولا يستعمل إلاّ في وقت الضرورة والتيمم(7) .

ومنها: ما وقع فيه من أحكام الشك والسهو في أجزاء الفرائض اليومية، حين قال: وإن نسيت الركوع بعد ما سجدت من الركعة الاولى، فاعد صلاتك، لأنه إذا لم

____________________

(1) رسالة الخوانساري: 21.

(2) الفقه المنسوب: 91.

(3) رسالة الخوانساري: 22.

(4) مستدرك الوسائل 1: 27.

(5) الفقه المنسوب: 302.

(6) رسالة الخوانساري: 22.

(7) الفقه المنسوب: 92.

٣٥

تصح لك الركعة الأولى لم تصح صلاتك(1) .

ومنها: ما وقع في باب النكاح، وهو أنه قسمه إلى أربعة أوجه، وجعل الوجه الأول نكاح ميراث، واشترط فيه حضور شاهدين(2) .

وهو مخالف لأصول المذهب(3) .

ومنها قوله: إن المعوذتين من الرقية، وليستا من القرآن أدخلوها في القرآن(4) .

وهو رأي من آراء الجمهور شاذ، مخالف لجميع المسلمين، ينسب إلى ابن مسعود. فقد ذكر العلاّمة المجلسي في البحار(5) بعد نقله هذا الخبر، في البيانات التي عقدها لتوضيح وتفسير بعض الاخبار، قال: وأما النهي عن قراءة المعوذتين في الفريضة، فلعله محمول على التقية، قال في الذكرى(6) : أجمع علماؤنا وأكثر العامة على أن المعوذتين - بكسر الواو - من القرآن العزيز، وأنه يجوز القراءة بهما في فرض الصلاة ونفلها، وعن ابن مسعود أنهما ليستا من القرآن، وإنما نزلتا لتعويذ الحسن والحسينعليهما‌السلام ، وخلافه انقرض، واستقر الإجماع الآن من الخاصة والعامة على ذلك.

ومنها في باب الإستقبال: قوله: واجعل واحداً من الأئمة نصب عينيك(7) .

ومنها: في باب الشهادات، وتجويزه أن يشهد لأخيه المؤمن، اذا كان له شاهد

____________________

(1) الفقه المنسوب: 116.

(2) الفقه المنسوب: 232.

(3) رسالة الخوانساري: 24.

(4) الفقه المنسوب: 113.

(5) بحار الأنوار 85: 42.

(6) الذكرى: 195.

(7) الفقه المنسوب: 105.

٣٦

واحد(1) .

ومنها: توقيته وقت قضاء غسل الجمعة إلى الجمعة، وهو تمام أيام الأسبوع(2) ، والمروي المشهور هو اختصاصه بيوم السبت.

ومنها قوله: لا بأس بتبعيض الغسل(3) .

ومنها قوله بمسح الوجه كله في التيمم، وبمسح اليد إلى أصول الاصابع(4) .

ومثل هذه الموارد موارد أخرى، اكتفينا بما ذكرنا.

ولا غرو فقد غفل قبله المتبحرون لمّا سبقتهم الشبهة، وكم له من نظير، فقد نسبوا كتاب جامع الأخبار للصدوق وهو للشعيري، وكتاب البدع لميثم البحراني وهو لعلي بن أحمد الكوفي، ودعائم الإسلام للصدوق وهو للقاضي نعمان المصري، وكتاب الكشكول في بيان ما جرى على آل الرسول للعلاّمة الحلي وهو للسيد حيدر الآملي، وكتاب عيون المعجزات للسيد المرتضى وهو للحسين بن عبدالوهاب المعاصر للسيد، وكتاب المجموع الرائق للشيخ الصدوق وهو للسيد هبة الله، إلى غير ذلك مما لا يخفى على الخبير بالكتب فتدبر(5) .

2 - القول بأنه كتاب الشرائع

وذهب البعض إلى أنه كتاب الشرائع(6) لشيخ القميين الشيخ أبي الحسن

____________________

(1) الفقه المنسوب: 308.

(2) الفقه المنسوب:129.

(3) الفقه المنسوب: 85.

(4) الفقه المنسوب: 88.

(5) فصل القضاء: 411، والذريعة 5: 33، 2: 28، 8: 197، 18: 82، 15: 383، 20: 55.

(6) قال العلامة الطهراني في الذريعة 13: 46 وتوجد منها نسخة في مكتبة السيد حسن صدرالدين في الكاظمية، وهي بخط السيد محمد بن مطرف تلميذ المحقق الحلي، وقد قرأها على أستاذه المحقق فأجازه على ظهرها، وتاريخ الإجازة سنة 672 هجرية.

٣٧

علي بن الحسين بن موسى بن بابويه القمي. والد الشيخ الصدوق، والمتوفى سنة تناثر النجوم وهي 329 هجرية.

وأدلتهم دائره بين أمور خمسة:

أحدها: أن يكون ذلك الكتاب مأخوذاً من الرسالة.

و ثانيها: أن تكون الرسالة مأخوذة عنه.

و ثالثها: أن يكون كل منهما مأخوذاً من ثالث.

ورابعها: أن يكون الرضوي مأخوذاً مما أُخذ من الرسالة.

وخامسها: عكسه،

وعلى كل من هذه الوجوه، يلزم عدم كونه من تاليفهعليه‌السلام (1) .

قال الشيخ الشهيد في الذكرى: إن الاصحاب كانوا يتمسكون ما يجدونه في شرائع الشيخ أبي الحسن بن بابويه عند اعواز النصوص لحسن ظنهم به، وأن فتواه كروايته، فإن الظاهر أن كتاب الشرائع هي بعينها الرسالة إلى ولده كما قاله النجاشي(2) ، وهو أضبط من شيخ الطائفة في أمثال هذه الأمور، فيما يظهر من الشيخ في فهرسته من تغايرهما - حيث عدّ كلاً منهما من كتب علي(3) ، وعطف أحدهما على الآخر - خلاف التحقيق(4) .

وقدم بعض مضامينها على بعض الأخبار المعتبرة، لأنها مأخوذة من الأخبار المعتمدة الصحيحة لديه ولدى والده، وإنّه ممّا كان قدماء الأصحاب يعتنون بشأنه غاية الإعتناء.

لكن ما نسبه شيخنا الشهيد إليهم، وحكاه عن الشيخ أبي علي من أنهم كانوا يتمسكون بما يجدون فيه عند فقد الأدلة وإعواز النصوص، لا يخلو عن نظر.

وقوله ذلك لأجل أنهم كانوا يرونها أضعف من مجموع سائر النصوص المعتبرة،

____________________

(1) مستدرك الوسائل 3: 359.

(2) رجال النجاشي: 185.

(3) الفهرست: 93 رقم 382.

(4) رسالة الخوانساري: 29.

٣٨

باعتبار عدم صراحتها، وعدم كونها في صورة النص(1) .

وما نقله العلاّمة المجلسي في الإجازات، عن خط شيخنا الشهيد، من أن الشيخ أبا علي بن شيخنا الطوسي ذكر أن أول من ابتكر طرح الأسانيد، وجمع بين النظائر، أتى بالخبر مع قرينه على بن بابويه في رسالته إلى ابنه، وقال: ورأيت جميع من تأخر عنه يحمد طريقه فيها، ويعول عليه في مسائل لا يجدون النص عليها، لثقته وأمانته وموضعه من الدين والعلم. انتهى(2) .

وقد اعتمد الصدوق على رسالة أبيه اعتماداً كلياً، حيث قدم بعض مضامينها على بعض الأخبار المعتبرة، وليس هذا إلاّ لأنها مأخوذة من الأخبار المعتمدة الصحيحة لديه ولدى أبيه، وقد تقدم موافقة أكثر عبائر هذا الكتاب لتلك الرسالة، فينبغي أن يعامل مع هذا الكتاب تلك المعاملة التي عاملها الصدوق مع رسالة أبيه.

وأجاب السيد الصدر في كتابه: ان الصدوق لو انكشف واتضح لديه أن كلها مأخوذة من الأخبار الصحيحة لديه، فهو معذور في تلك المعاملة ولا بأس عليه فيها. وأما نحن فلم تنكشف لنا حقيقة الأمر، ولا اتضح لدينا أن كل ما في هذا الكتاب مأخوذ من روايات صحيحة لدينا ومعتمد عليها عندنا، حتى نعتني بشأنه اعتناء الصدوق بكتاب أبيه(3) .

قال السيد صاحب رياض العلماء بعد ذكره لترجمة السيد أميرحسين، وبعد نقل ما في أول البحار: ثم إنه قد يقال: ان هذا الكتاب بعينه رسالة علي بن بابويه إلى ولده الشيخ الصدوق، وانتسابه إلى الرضاعليه‌السلام غلط نشأ من اشتراك اسمه واسم والده، فظن أنّه لعلي بن موسى الرضاعليه‌السلام ، حتى لقب تلك الرسالة بفقه الرضاعليه‌السلام وكان الأستاذ العلاّمة ( قدس سره ) يميل إلى ذلك، وقد يؤيد ذلك بعد توافقهما في كثير من المسائل، باشتماله على غريب من المسائل، ومن ذلك توقيت وقت قضاء غسل الجمعة إلى الجمعة، هو تمام أيام الاسبوع الأخرى، والمروي المشهور اختصاصه بيوم السبت، ونحو ذلك من المطالب، لكن لو لم يشتبه الحال على هذا السيد

____________________

(1) رسالة الخوانساري: 42.

(2) رسالة الخوانساري: 42.

(3) فصل القضاء: 439.

٣٩

له الدست، وثبت ما اختاره الأستاذ سلمه الله تعالى. انتهى(1) .

والمراد من الاستاذ هو العلاّمة العالم الموفق النحرير الخبير الأميرزا محمد بن الحسن الشيرواني الشهير بملا ميرزا، وبالأستاذ الإستناد العلاّمة المجلسي(2) .

وقال السيد صاحب رياض العلماء: وأما الفقه الرضوي، فقد مرفي ترجمة السيد أميرحسين، أن الحق أنه بعينه كتاب الرسالة المعروفة لعلي بن موسى بن بابويه القمي إلى ولده الصدوق محمد بن علي، وأن الإشتباه نشأ من اشتراك الرضاعليه‌السلام معه في كونهما أبا الحسن علي بن موسى. فتأمل(3) .

وقال السيد الجليل السيد حسين القزويني في شرح الشرائع: كان الوالد العلاّمة يرجح كونه رسالة والد الصدوق، محتملاً كون عنوان الكتاب أولاً هكذا: يقول عبدالله علي بن موسى، وزيد لفظ الرضا بعد ذلك من النساخ، لانصراف المطلق إلى الفرد الكامل الشائع المتعارف. وهذا كلام جيد، ولكن يبعده بعض ما اتفق في تضاعيف هذا الكتاب. انتهى(4) .

ولذا قال العلاّمة المجلسي ما لفظه: وأكثر عباراته موافق لما ذكره الصدوق أبو جعفر بن بابويه، في كتاب من لايحضره الفقيه، من غير سند، وما يذكره والده في رسالته إليه، وكثير من الأحكام التي ذكرها أصحابنا ولا يعلم مستندها مذكورة فيه(5) .

وهذا القول مردود، فالكتاب غير كتاب الشرائع

قال المحقق السيد صاحب مفاتيح الأصول:

وربما زعم بعضهم أنه تصنيف الشيخ الفقيه علي بن الحسين بن بابويه القمي والد الصدوق، ولاريب في فساد هذا الوهم، فإن المغايرة بينه وبين رسالة علي بن بابويه

____________________

(1) رياض العلماء 2: 31.

(2) مستدرك الوسائل 3:338.

(3) رياض العلماء 6: 43.

(4) مستدرك الوسائل 3: 338 - 339.

(5) البحار 1: 12، فصل القضاء: 428.

٤٠

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

لطيفة يشير إلى العلاقة القريبة بينهما ، وهكذا كان نوحعليه‌السلام يوضح لمخالفيه أمر التوحيد بالاستدلال عن طريق نظام الخلقة ويستدل كذلك بها على المعاد.

ثمّ يعود مرّة أخرى إلى آيات الآفاق وعلامات التوحيد في هذا العالم الكبير ، ويتحدث عن نعم وجود الأرض فيقول :( وَاللهُ جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ بِساطاً ) (١) .

ليست هي بتلك الخشونة بحيث لا يمكنكم الانتقال والاستراحة عليها ، وليست بتلك النعومة بحيث تغطسون فيها ، وتفقدون القدرة على الحركة ، ليست حارقة وساخنة بحيث تلقون مشقّة من حرّها ، وليست باردة بحيث تتعسر حياتكم فيها ، مضافا إلى ذلك فهي كالبساط الواسع الجاهز المتوفر فيه جميع متطلباتكم المعيشية.

وليست الأراضي المسطحة كالبساط الواسع فحسب ، بل بما فيها من الجبال والوديان والشقوق المتداخلة بعضها فوق البعض والتي يمكن العبور من خلالها.

( لِتَسْلُكُوا مِنْها سُبُلاً فِجاجاً ) .

«فجاج» على وزن (مزاج) ، وهو جمع فج ، وبمعنى الوادي الفسيح بين الجبلين ، وقيل الطريق الواسعة(٢) .

وبهذا فإنّ نوحعليه‌السلام يشير في خطابه تارة إلى العلامات الإلهية في السماوات والكواكب والسماوية ، وتارة أخرى إلى النعم الإلهية الموجودة في البسيطة ، وثالثة الى وجود الإنسان الذي يعتبر بحدّ ذاته دليل على معرفة الله تعالى وإثبات المعاد ، ولكن لم تؤثر أي من هذه الإنذارات والبشائر والرغائب والاستدلالات المنطقية في قلوب هؤلاء القوم المعاندين الذين استمروا

__________________

(١) بساط من أصل بسط بمعنى وبسط الشيء ، ولهذا فإنّ كلمة «بساط» تطلق على كل شيء واسع وأحد مصاديقها «البساط».

(٢) مفردات الراغب ، مادة (فج).

٦١

مخالفتهم وكفرهم ، وأخذتهم الأنفة عن الانقياد لحميد العاقبة ، وسنرى عاقبة هذا العناد في الآيات القادمة.

* * *

٦٢

الآيات

( قالَ نُوحٌ رَبِّ إِنَّهُمْ عَصَوْنِي وَاتَّبَعُوا مَنْ لَمْ يَزِدْهُ مالُهُ وَوَلَدُهُ إِلاَّ خَساراً (٢١) وَمَكَرُوا مَكْراً كُبَّاراً (٢٢) وَقالُوا لا تَذَرُنَّ آلِهَتَكُمْ وَلا تَذَرُنَّ وَدًّا وَلا سُواعاً وَلا يَغُوثَ وَيَعُوقَ وَنَسْراً (٢٣) وَقَدْ أَضَلُّوا كَثِيراً وَلا تَزِدِ الظَّالِمِينَ إِلاَّ ضَلالاً (٢٤) مِمَّا خَطِيئاتِهِمْ أُغْرِقُوا فَأُدْخِلُوا ناراً فَلَمْ يَجِدُوا لَهُمْ مِنْ دُونِ اللهِ أَنْصاراً (٢٥) )

التّفسير

لطف الله معك :

عند ما رأى نوحعليه‌السلام عناد قومه وقد بذل في سبيل هدايتهم منتهى مساعيه التي طالت مئات السنين ، وما كانوا يزدادون فيها إلّا فسادا وضلالا ، يئس منهم وتوجّه إلى ربّه ليناجيه ويطلب منه أن يعاقب قومه ، كما نقرأ في هذه الآيات محل البحث ،( قالَ نُوحٌ رَبِّ إِنَّهُمْ عَصَوْنِي وَاتَّبَعُوا مَنْ لَمْ يَزِدْهُ مالُهُ وَوَلَدُهُ إِلَّا خَساراً ) .

٦٣

تشير هذه الآية إلى أنّ رؤساء هؤلاء القوم يمتازون بكثرة الأموال والأولاد ، ولكنّها لا تستخدم لخدمة الناس بل للفساد والعدوان ، ولا يخضعون لله تعالى ، وهذه الامتيازات الكثيرة سببت في طغيانهم وغيهم.

وإذا ما نظرنا إلى تاريخ الإنسان لوجدنا أنّ الكثير من رؤساء القبائل هم من هذا القبيل ، من الذين يجمعون المال الحرام ، ولهم ذرّية فاسدة ، ويفرضون في النهاية أفكارهم على المجتمعات المستضعفة ، ويكبّلونهم بقيود الظلم.

ثمّ يضيف في قوله تعالى :( وَمَكَرُوا مَكْراً كُبَّاراً ) .

«كبّار» صيغة مبالغة من الكبر ، وذكر بصيغة النكرة ، ويشير إلى أنّهم كانوا يضعون خططا شيطانية واسعة لتضليل الناس ، ورفض دعوة نوحعليه‌السلام ، ومن المحتمل أن يكون عبادة الأصنام واحدة من هذه الخطط والأساليب ، وذلك طبقا للرّوايات التي تشير إلى عدم وجود عبادة الأصنام قبل عصر نوحعليه‌السلام وأن قوم نوح هم الذين أوجدوها ، وذكر أنّ في المدّة الزمنية بين آدم ونوحعليهما‌السلام كان هناك أناس صالحون أحبّهم الناس ، ولكن الشيطان «أو الأشخاص الشيطانيين» عمد إلى استغلال هذه العلاقة ، وترغّبهم في صنع تماثيل أولئك الصالحين بحجّة تقديسهم وإجلالهم ، وبعد مضي الزمن نسيت الأجيال هذه العلاقة التاريخية ، وتصورت أنّ هذه التماثل هي موجودات محترمة ونافعة يجب عبادتها ، وهكذا شغلوا بعبادة الأصنام ، وعمد الظالمون والمستكبرون إلى إغفال الناس وتكبيلهم بحبائل الغفلة ، وهكذا تحقق المكر الكبير.

وتدل الآية الأخرى على هذا الأمر ، إذ أنّها تضيف بعد الإشارة إلى خفاء هذا المكر في قوله تعالى :( وَقالُوا لا تَذَرُنَّ آلِهَتَكُمْ ) .

ولا تقبلوا دعوة نوح إلى الله الواحد ، وغير المحسوس ، وأكدوا بالخصوص على خمسة أصنام ، وقالوا :( وَلا تَذَرُنَّ وَدًّا وَلا سُواعاً وَلا يَغُوثَ وَيَعُوقَ وَنَسْراً ) .

٦٤

ويستفاد من القرائن أنّ لهذه الأصنام الخمسة مميزات وخصائص ، وأنّها لقيت عناية بالغة من القوم الظالمين ، ولهذا كان رؤسائهم المستغلون لهم يعتمدون على عبادتهم لها.

وهناك روايات متعددة تشير إلى وجود وابتداع هذه الأصنام ، وهي :

١ ـ قال البعض : إنّها أسماء خمسة من الصالحين كانوا قبل نوحعليه‌السلام وعند ما رحلوا من الدنيا اتّخذوا لهم تماثيل لتبقى ذكرى ، وذلك بتحريك وإيحاء من إبليس ، فوقّروها حتى عبدت تدريجيا بمرّ العصور.

٢ ـ قيل أنّها أسماء خمسة أولاد لآدمعليه‌السلام كان كلّما يموت أحدهم يضعون له تمثالا وذلك لتخليد ذكراه ، وبمرور الزمن نسي ذلك الغرض وأخذوا يروجون عبادتها بكثرة في زمن نوحعليه‌السلام .

٣ ـ البعض الآخر يعتقد أنّها أسماء لأصنام في زمن نوحعليه‌السلام ، وذلك لأنّ نوحاعليه‌السلام كان يمنع الناس من الطواف حول قبر آدمعليه‌السلام فاتخذوا مكانه تماثيل بإيعاز من إبليس وشغلوا بعبادتها(١) .

وهكذا انتقلت هذه الأصنام الخمسة إلى الجاهلية العربية ، وانتخبت كل قبيلة واحدة من هذه الأصنام لها ، ومن المستبعد أن تكون الأصنام قد انتقلت إليهم ، بل إنّ الظاهر هو انتقال الأسماء إليهم ثمّ صنعهم التماثيل لها ، ولكن بعض المفسّرين نقلوا عن اين عباس أنّ هذه الأصنام الخمسة قد دفنت في طوفان نوحعليه‌السلام ، ثمّ أخرجها الشيطان في عهد الجاهلية ودعا الناس إلى عبادتها(٢) .

وفي كيفية تقسيم هذه الأصنام على القبائل العربية في الجاهلية ، قال البعض : إنّ الصنم (ود) قد اتّخذته قبيلة بني كلب في أراضي دومة الجندل ، وهي مدينة قريبة من تبوك تدعي اليوم بالجوف ، واتّخذت قبيلة هديل (سواعا) وكانت

__________________

(١) مجمع البيان ، تفسير علي بن ابراهيم ، تفسير أبو الفتوح الرازي ، وتفاسير اخرى ذيل الآيات التي هي مورد البحث.

(٢) تفسير القرطبي ، ج ١٠ ، ص ٦٧٨٧.

٦٥

في بقاع رهاط ، واتّخذت قبيلة بني قطيف أو قبيلة بني مذحج (يغوث) ، وأمّا همدان فاتّخذت (يعوق) ، واتّخذت قبيلة ذي الكلاع (نسرا) ، وهي قبائل حمير(١) .

وعلى كل حال ، فإنّ ثلاثة منها أي (يغوث ويعوق ونسر) وكانت في اليمن ولكنّها اندثرت عند ما سيطر ذو نؤاس على اليمن ، واعتنق أهلها اليهودية(٢) .

يقول المؤرخ الشهير الواقدي : كان الصنم (ود) على صورة رجل ، و (سواع) على صورة امرأة و (يغوث) على صورة أسد و (يعوق) على صورة فرس و (نسر) على صورة نسر (الطائر المعروف).(٣)

وبالطبع أنّ هناك أصنام أخرى كانت لعرب الجاهلية ، منها «هبل» الذي كان من أكبر أصنامها التي وضعوها داخل الكعبة ، وكان طوله ١٨ ذراعا ، والصنم (أساف) المقابل للحجر الأسود ، والصنم (نائلة) الذي كان مقابل الركن اليماني (الزاوية الجنوبية للكعبة) وكذلك كانت (اللات) و (العزى).(٤)

ثمّ يضيف عن لسان نوحعليه‌السلام :( وَقَدْ أَضَلُّوا ) (٥) ( كَثِيراً وَلا تَزِدِ الظَّالِمِينَ إِلَّا ضَلالاً ) المراد من زيادة الضلال للظالمين هو الدعاء بسلب التوفيق الإلهي منهم : ليكون سببا في تعاستهم ، أو أنّه دعاء منه أن يجازيهم الله بكفرهم وظلمهم ويسلبهم نور الإيمان ، ولتحلّ محله ظلمة الكفر.

أو أنّ هذه هي خصوصية أعمالهم التي تنسب إلى الله تعالى ، وذلك لأنّ كل

__________________

(١) مجمع البيان ، ج ١٠ ، ص ٣٦٤ ، وأعلام القرآن ، ص ١٣١.

(٢) المصدر السابق.

(٣) مجمع البيان ، ج ١٠ ، ص ٣٦٤.

(٤) المصدر السابق.

(٥) الضمير في «أضلوا» يعود إلى أكابر قوم نوحعليه‌السلام بقرينة الآية السابقة :( وَقالُوا لا تَذَرُنَّ آلِهَتَكُمْ ) واحتمل بعض المفسّرين أنّ الضمير يعود إلى (الآلهة) لأنّها سببت في ضلالهم وجاء ما يشابه ذلك في الآية (٣٦) من سورة ابراهيمعليه‌السلام وبصورة ضمير جمع المؤنث لا ضمير جمع المذكر ، وهذا الاحتمال بعيد.

٦٦

موجود يؤثر أي تأثير فهو بأمر من الله تعالى ، وليس هناك ما ينافي الحكمة الإلهية في مسألة الإيمان والكفر والهداية والضلالة ولا يسبب سلب الإختيار.

وبالتالي فإنّ الآية الأخيرة في البحث ، يقول الله تعالى فيها :

( مِمَّا خَطِيئاتِهِمْ أُغْرِقُوا فَأُدْخِلُوا ناراً فَلَمْ يَجِدُوا لَهُمْ مِنْ دُونِ اللهِ أَنْصاراً ) .(١)

تشير الآية إلى ورودهم النّار بعد الطوفان ، وممّا يثير العجب هو دخولهم النّار بعد الدخول في الماء! وهذه النّار هي نار البرزخ ، لأنّ بعض الناس يعاقبون بعد الموت ، وذلك في عالم البرزخ كما هو ظاهر في سياق بعض الآيات القرآنية ، وكذا ذكرت الرّوايات أنّ القبر إمّا روضة من رياض الجنّة ، أو حفرة من حفر النيران.

وقيل من المحتمل أن يكون المراد بالنّار هو يوم القيامة ، ولكن بما أنّ وقوع يوم القيامة أمر حتمي وهو غير بعيد ، فإنّها ذكرت بصورة الفعل الماضي.(٢) واحتمل البعض أنّ المراد هي النّار في الدنيا ، حيث يقولون أنّ نارا قد ظهرت بين تلك الأمواج بأمر من الله تعالى وابتلعتهم.(٣)

* * *

__________________

(١) «من» في( خَطِيئاتِهِمْ ) بمعني باء السببية أو (لام التعليل) و (ما) زائدة للتأكيد.

(٢) الفخر الرازي ينقل ذلك في تفسيره بعنوان قول من الأقوال في ج ٣٠ ، ص ١٤٥.

(٣) تفسير أبو الفتوح الرازي ، ج ١١ ، ص ٣٨٠.

٦٧

الآيات

( وَقالَ نُوحٌ رَبِّ لا تَذَرْ عَلَى الْأَرْضِ مِنَ الْكافِرِينَ دَيَّاراً (٢٦) إِنَّكَ إِنْ تَذَرْهُمْ يُضِلُّوا عِبادَكَ وَلا يَلِدُوا إِلاَّ فاجِراً كَفَّاراً (٢٧) رَبِّ اغْفِرْ لِي وَلِوالِدَيَّ وَلِمَنْ دَخَلَ بَيْتِيَ مُؤْمِناً وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِناتِ وَلا تَزِدِ الظَّالِمِينَ إِلاَّ تَباراً (٢٨) )

التّفسير

على الفاسدين والمفسدين أن يرحلوا :

هذه الآيات تشير إلى استمرار نوحعليه‌السلام في حديثه ودعائه عليهم فيقول تبارك وتعالى :( وَقالَ نُوحٌ رَبِّ لا تَذَرْ عَلَى الْأَرْضِ مِنَ الْكافِرِينَ دَيَّاراً ) .

دعا نوحعليه‌السلام بهذا الدعاء عند ما يئس من هدايتهم بعد المشقّة والعناء في دعوته إيّاهم ، فلم يؤمن إلّا قليل منهم.

والتّعبير بـ «على الأرض» يشير إلى أنّ دعوة نوحعليه‌السلام كانت تشمل العالم ، وكذا مجيء الطوفان والعذاب بعده.

«ديار» : على وزن سيار ، من أصل دار ، وتعني من سكن الدّار ، وهذه اللفظة تأتي عادة في موارد النفي المطلق كقول : ما في الدار ديّار ، أي ليس في الدار أحد.(١)

__________________

(١) قال البعض أنّ الأصل كان (ديوار) على وزن حيوان ثمّ بدلت الواو بـ (ياء) وأدغمت في الباء الاولى وصارت ديار (البيان

٦٨

ثمّ يستدل نوحعليه‌السلام للعنه القوم فيقول :( إِنَّكَ إِنْ تَذَرْهُمْ يُضِلُّوا عِبادَكَ وَلا يَلِدُوا إِلَّا فاجِراً كَفَّاراً ) ، وهذا يشير إلى أنّ دعاء الأنبياء ومن بينهم نوحعليه‌السلام لم يكن ناتجا عن الغضب والانتقام والحقد ، بل إنّه على أساس منطقي ، وأنّ نوحاعليه‌السلام ليس ممن يتضجر ويضيق صدره لأوهن الأمور فيفتح فمه بالدعاء عليهم. بل إنّ دعا عليهم بعد تسعمائة وخمسين عاما من الصبر والتألم والدعوة والعمل المضني.

ولكن كيف عرف نوحعليه‌السلام أنّهم لن يؤمنوا أبدا وأنّهم كانوا يضللون من كان على البسيطة ويلدون أولادا فجرة وكفّارا.

قال البعض : إنّ ذلك ممّا أعطاه الله تعالى من الغيب ، واحتمل أنّه أخذ ذلك عن طريق الوحي الإلهي حيث يقول الله تعالى :( وَأُوحِيَ إِلى نُوحٍ أَنَّهُ لَنْ يُؤْمِنَ مِنْ قَوْمِكَ إِلَّا مَنْ قَدْ آمَنَ ) .(١) (٢)

ويمكن أن يكون نوح قد توصل إلى هذه الحقيقة بالطريق الطبيعي والحسابات المتعارفة ، لأنّ القوم الذين بلّغ فيهم نوحعليه‌السلام تسعمائة وخمسين عاما بأفصح الخطب والمواعظ لا أمل في هدايتهم ، ثمّ إنّ الغالبية منهم كانوا من الكفار والأثرياء وهذا ممّا كان يساعدهم على إغواء وتضليل الناس ، مثل أولئك لا يلدون إلّا فاجرا كفّارا ويمكن الجمع بين هذه الاحتمالات الثّلاثة.

«الفاجر» : يراد به من يرتكب ذنبا قبيحا وشنيعا.

«كفّار» : المبالغ في الكفر.

__________________

في غرائب القران ، ج ٢ ، ص ٤٦٥ ، تفسير الفخر الرازي ، ذيل هذه الآيات).

(١) هود ، ٣٦.

(٢) ورد هذا المعنى أيضا في الرّوايات كما في تفسير الثقلين ، ج ٥ ، ص ٤٢٨.

٦٩

والاختلاف بين هذين اللفظين هو أن أحدهما يتعلق بالجوانب العملية ، والآخر بالجوانب العقائدية.

ويستفاد من هذه الآيات أنّ العذاب الإلهي إنّما ينزل بمقتضى الحكمة ، فمن يكن فاسدا ومضللا ولأولاده ونسله لا يستحق الحياة بمقتضى الحكمة الإلهية ، فينزل عليهم البلاء كالطوفان أو الصّاعقة والزلازل ليمحو ذكرهم كما غسل طوفان نوحعليه‌السلام تلك الأرض التي تلوثت بأفعال ومعتقدات تلك الأمة الشريرة ، وبما أنّ هذا القانون الإلهي لا يختصّ بزمان ومكان معينين ، فإنّ العذاب الإلهي لا بدّ أن ينزل إذا ما كان في هذا العصر مفسدون ولهم أولاد فجرة كفّار ، لأنّها سنّة إلهية وليس فيها من تبعيض.

ويمكن أن يكون المراد بـ( يُضِلُّوا عِبادَكَ ) الجماعة القليلة المؤمنة التي كانت مع نوحعليه‌السلام ، ولعل المراد منها عموم الناس المستضعفين الذين يتأثرون بالطواغيت.

ثمّ يدعو نوحعليه‌السلام ، لنفسه ولمن آمن به فيقول :( رَبِّ اغْفِرْ لِي وَلِوالِدَيَّ وَلِمَنْ دَخَلَ بَيْتِيَ مُؤْمِناً وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِناتِ وَلا تَزِدِ الظَّالِمِينَ إِلَّا تَباراً ) .(١)

طلب المغفرة هذا من نوحعليه‌السلام كأنّه يريد أن يقول إنني وإن دعوة قومي مئات السنين ولقيت ما لقيت من العذاب والإهانة ، ولكن يمكن أن يكون قد صدر منّي الترك الأولى ، فلذا أطلب العفو والمغفرة لا أبرئ نفسي أمام الله تعالى.

هذا هو حال أولياء الله ، فإنّهم يجدون أنفسهم مقصرين مع كلّ ما يلاقونه من محن ومصاعب ، ولهذا تجدهم غير مبتلين بآفات الغرور والتكبر ، وليس كالذين يتداخلهم الغرور عند إتمامهم لعمل صغير ما يمنون به على الله تعالى ، ويطلب نوحعليه‌السلام المغفرة لعدّة أشخاص وهم :

__________________

(١) «تبار» : تعني الهلاك ، وقيل الضرر والخسارة.

٧٠

الأوّل : لنفسه ، لئلا يكون قد مرّ على بعض الأمور المهمّة مرورا سريعا ، ولم يعتن بها.

الثّاني : لوالديه ، وذلك تقديرا لما تحمّلاه من متاعب ومشقّة.

الثّالث : لمن آمن به ، وإن كانوا قلائل ، الذين اصطحبوه في سفينته التي كانت بمثابة الدار لهعليه‌السلام .

الرّابع : للمؤمنين والمؤمنات على مرّ العصور ، ومن هنا يوثق نوحعليه‌السلام العلاقة بينه وبين عموم المؤمنين في العالم ، ويؤكّد في النهاية على هلاك الظالمين ، وأنّهم يستحقون هذا العذاب لما ارتكبوه من ظلم.

* * *

بحث

نوحعليه‌السلام أوّل أنبياء أولي العزم

ذكر نوحعليه‌السلام في كثير من الآيات القرآنية ، ومجموع السور التي ذكر فيهاعليه‌السلام (٢٩) سورة ، وأمّا اسمهعليه‌السلام فقد فقد ورد ٤٣ مرّة.

وقد شرح القرآن المجيد أقساما مختلفة من حياتهعليه‌السلام شرحا مفصلا ، وتتعلق أكثرها بالجوانب التعليمية والتربوية والمواعظ ، وذكر المؤرخون أنّ اسمه كان «عبد الغفار» أو «عبد الملك» أو «عبد الأعلى» ، ولقب بـ «نوح» لأنّه كان كثير النياحة على نفسه أو على قومه ، وكان اسم أبيه «لمك» أو «لامك» ، وفي مدّة عمرهعليه‌السلام اختلاف ، فقال البعض : ١٤٩٠ عاما ، وجاء في بعض الرّوايات أنّ عمره ٢٥٠٠ عام ، وأمّا عن أعمار قومه الطويلة فقد قالوا ٣٠٠ عام ، والمشهور هو أن عمره كان طويلا ، وصرح القرآن بمدّة مكثه في قومه وهي ٩٥٠ عاما ، وهي مدّة التبليغ في قومه ، كان لنوحعليه‌السلام ثلاثة أولاد ، وهم (حام) (سام) (يافث) ويعتقد المؤرخون بأنّ انتساب البشر يرجع إلى هؤلاء الثلاثة ، فمن

٧١

ينتسب إلى حام يقطن في القارة الإفريقية ، والمنتسبون لسام يقطنون الأوسط والأقصى ، وأمّا المنتسبون إلى يافث فهم يقطنون الصين ، وقيل أنّ المدّة التي عاشها بعد الطوفان ٥٠ عاما ، وقيل ٦٠ عاما.

وورد بحث مفصل عن حياة نوحعليه‌السلام في التوراة المتواجد حاليا ، إلّا أنّ هناك اختلافا كبيرا بينه وبين القرآن المجيد ، وهذا الاختلاف يدل على تحريف التوراة ، وقد ذكرت هذه البحوث في الفصول ٦ ، ٧ ، ٨ ، ٩ ، ١٠ من سفر التكوين للتوراة.

وكان لنوحعليه‌السلام ابن آخر يدعى (كنعان) وكان مخالفا لأبيه ، إذ رفض الالتحاق به في السفينة ففقد بقعوده هذا الشرف الانتساب إلى بيت النبوّة ، وكانت عاقبته الغرق في الطوفان كبقية الكفّار ، وأمّا عن عدد المؤمنين الذين آمنوا به وركبوا السفينة معه فقد قيل ٧٠ نفرا ، وقيل ٧ أنفار ، ولقد انعكست آثار كثيرة من قصّة نوحعليه‌السلام في لأدب العربي وأكثرها قد حكت عن الطوفان وسفينة النجاة.(١)

كان نوحعليه‌السلام اسطورة للصبر والمقاومة ، وقيل هو أوّل من استعان بالعقل والاستدلال المنطقي في هداية البشر ، بالإضافة الى منطق الوحي (كما هو واضح من آيات هذه السورة) وبهذا الدليل يستحق التعظيم من قبل جميع الناس.

وننهي ما وضحناه عن نوحعليه‌السلام بحديث عن الإمام الباقرعليه‌السلام إذ قال : «كان نوحعليه‌السلام يدعو حين يمسي ويصح بهذا الدعاء : «أمسيت أشهد أنّه ما أمسى بي من نعمة في دين أو دنيا فإنّها من الله لا شريك له ، له الحمد بها عليّ والشكر كثيرا ، فأنزل الله :( إِنَّهُ كانَ عَبْداً شَكُوراً ) فهذا كان شكره».(٢)

في قوله تعالى :( رَبِّ اغْفِرْ لِي وَلِوالِدَيَّ وَلِمَنْ دَخَلَ بَيْتِيَ مُؤْمِناً ) قيل في معني البيت هنا هو بيته الخاص ، وقيل المسجد ، وقيل سفينة نوح ، وقيل هو دينه وشريعته.

__________________

(١) بحار الأنوار ، ج ١١.

(٢) بحار الأنوار ، ج ١١ ، ص ٢٩١ ، ح ٣.

٧٢

وورد عن الإمام الصّادقعليه‌السلام أنّه قال : «من دخل في الولاية دخل في بيت الأنبياء».(١)

اللهمّ ارحمنا بقبول ولاية أهل البيتعليه‌السلام حتى ندخل بيت الأنبياء.

ربّنا ، منّ علينا بالاستقامة كما مننت على الأنبياء كنوحعليه‌السلام لنبقى دعاة إلى دينك بلا تقاعس.

اللهم ، نجّنا بسفينة نجاة لطفك ورحمتك عند نزول الطوفان غضبك وسخطك.

آمين يا ربّ العالمين

نهاية سورة نوحعليه‌السلام

* * *

__________________

(١) تفسير نور الثقلين ، ج ٥ ، ص ٤٢٩.

٧٣
٧٤

سورة

الجنّ

مكيّة

وعدد آياتها ثمان وعشرون آية

٧٥
٧٦

«سورة الجن»

محتوى السورة :

تتحدث هذه السورة حول نوع من الخلائق المستورين عن حواسنا ، وهم الجن ، كما سمّيت السورة باسمهم ، وأنّهم يؤمنون بنبيّنا الأكرمصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وعن خضوعهم للقرآن وإيمانهم بالمعاد ، وأنّ فيهم المؤمن والكافر وغير ذلك ، وفي هذا القسم من السورة (١٩) آية من (٢٨) آية تصحح ما حرّف من معتقدات حول الجن ، وهناك قسم آخر من السورة يشير إلى التوحيد والمعاد ، والقسم الأخير يتحدث عن علم الذي لا يعلمه إلّا ما شاء الله.

فضيلة سورة الجن :

ورد في حديث عن الرّسول الأكرم : «من قرأ سورة الجن اعطي بعدد كلّ جني وشيطان صدق بمحمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وكذّب به عتق رقبة».(١)

وفي حديث آخر عن الإمام الصّادقعليه‌السلام : «من أكثر قراءة( قُلْ أُوحِيَ ) لم يصبه في الحياة الدنيا شيء من أعين الجن ولا نفثهم ولا سحرهم ، ولا كيدهم ، وكان مع محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فيقول : يا ربّ ، لا أريد منه بدلا ، ولا أبغي عنه حولا».

وطبعا التلاوة مقدّمة وتمهيد لمعرفة محتوى السورة والتدبّر بها ، ثمّ العمل بما فيها.

* * *

__________________

(١) مجمع البيان ، ج ١٠ ، ص ٣٦٥.

٧٧

الآيات

( قُلْ أُوحِيَ إِلَيَّ أَنَّهُ اسْتَمَعَ نَفَرٌ مِنَ الْجِنِّ فَقالُوا إِنَّا سَمِعْنا قُرْآناً عَجَباً (١) يَهْدِي إِلَى الرُّشْدِ فَآمَنَّا بِهِ وَلَنْ نُشْرِكَ بِرَبِّنا أَحَداً (٢) وَأَنَّهُ تَعالى جَدُّ رَبِّنا مَا اتَّخَذَ صاحِبَةً وَلا وَلَداً (٣) وَأَنَّهُ كانَ يَقُولُ سَفِيهُنا عَلَى اللهِ شَطَطاً (٤) وَأَنَّا ظَنَنَّا أَنْ لَنْ تَقُولَ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلَى اللهِ كَذِباً (٥) وَأَنَّهُ كانَ رِجالٌ مِنَ الْإِنْسِ يَعُوذُونَ بِرِجالٍ مِنَ الْجِنِّ فَزادُوهُمْ رَهَقاً (٦) )

سبب النّزول

ما جاء في سبب نزول سورة الأحقاف في تفسير الآيات (٢٩ ـ ٣٢) مطابق لسبب نزول هذه السورة ، ويدل على أنّ السورتين يتعلقان بحادثة واحدة ، وتوضح سبب النّزول باختصار كما يلي :

١ ـ انطلق الرّسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إلى سوق عكاظ في الطائف بعد قدومه من مكّة ليدعو الناس إلى الإسلام ، فرجع بعد رفض الناس لدعوته إلى واد يدعى وادي الجن ، وبقي فيه ليلا وهو يقرأ القرآن ، فاستمع إليه نفر من الجن فآمنوا به ثمّ راحوا

٧٨

يدعون قومهم إليه.(١)

٢ ـ عن ابن عباس قال : كان النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم منشغلا بصلاة الصبح ، وكان يقرأ فيها القرآن ، فاستمع إليه الجن وهم يبحثون عن علّة انقطاع الأخبار من السماء ، فقالوا : هذه الذي حال بيننا وبين خبر السماء ، فرجعوا إلى قومهم ليبلغوا ما سمعوا.(٢)

٣ ـ بعد وفاة أبي طالبعليه‌السلام اشتدّ الأمر برسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فعزم على الذهاب إلى الطائف ليبحث عن أنصار له ، وكان أعيان الطائف يكذبونه ويؤذونه ، ويرمونه بالحجارة حتى أدميت قدماهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فالتجأ متعبا إلى ضيعة من الضياع ، فرآه غلام صاحب الضيعة وكان اسمه «عداس» ، فآمن بالنّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ثمّ رجع إلى مكّة ليلا وصلّى صلاة الصبح وهو بنخله ، فاستمع إليه نفر من الجن من أهل نصيبين أو اليمن ، وكانوا قد مرّوا بذلك الطريق فآمنوا به(٣) .

وقد نقل بعض المفسّرين ما يشابه هذا المعنى في أوّل السورة ، ولكن جاء في سبب نزول هذه السورة ما يخالف هذا المعنى ، وهو أنّ علقمة بن قيس قال : قلت لعبد الله بن المسعود : من كان منكم مع النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ليلة الجن؟ فقال : ما كان منّا معه أحد ، فقدناه ذات ليلة ونحن بمكّة فقلنا : اغتيل رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أو استطير ، فانطلقنا نطلبه من الشعاب فلقيناه مقبلا من نحو حراء ، فقلنا : يا رسول الله ، اين كنت؟ لقد أشفقنا عليك ، وقلنا له : بتنا الليلة بشرّ ليلة بات بها قوم حين فقدناك ، فقال : «إنّه أتاني الجن فذهبت أقرئهم القرآن»(٤) .

* * *

__________________

(١) تفسير علي بن ابراهيم على ما نقله تفسير نور الثقلين ، ج ٥ ، ص ١٩ (مع الاختصار).

(٢) صحيح البخاري ، مسلم ، ومسند طبقا لما نقله صاحب (في ظلال القرآن) ج ٧ ، ص ٤٢٩ (باختصار).

(٣) مجمع البيان ، ج ٩ ، ص ٩٢ ، وسيرة ابن هشام ، ج ٢ ، ص ٦٢ ـ ٦٣ (باختصار).

(٤) مجمع البيان ، ج ١٠ ، ص ٣٦٨.

٧٩

التّفسير

القرآن العجيب!!

نرجع إلى تفسير الآيات بعد ذكر ما قيل في سبب النّزول

يقول الله تعالى :( قُلْ أُوحِيَ إِلَيَّ أَنَّهُ اسْتَمَعَ نَفَرٌ مِنَ الْجِنِّ فَقالُوا إِنَّا سَمِعْنا قُرْآناً عَجَباً ) (١) .

التعبير بـ( أُوحِيَ إِلَيَ ) يشير إلى أنّ النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لم يشاهد الجنّ بنفسه بل علم باستماعهم للقرآن عن طريق الوحي ، وكذلك يعلم من مفهوم الآية أنّ للجن عقلا وشعورا وفهما وإدراكا ، وأنّهم مكلّفون ومسئولون ، ولهم المعرفة باللغات ويفرقون بين الكلام الخارق للعادة بين الكلام العادي ، وبين المعجز وغير والمعجز ، ويجدون أنفسهم مكلّفين بإيصال الدعوة إلى قومهم ، وأنّهم هم المخاطبون في القرآن المجيد ، هذه بعض الخصوصيات لهذا الموجود المستور الحي الذي يمكن الاستفادة منها في هذه الآية ، ولهم خصوصيات اخرى سوف نبيّنها في نهاية هذا البحث ، وإنّ شاء الله تعالى.

إنّ لهم الحقّ في أن يحسبوا هذا القرآن عجبا ، للحنه العجيب ، ولجاذبية محتواه ، ولتأثيره العجيب ، ولمن جاء به والذي لم يكن قد درس شيئا وقد ظهر من بين الأميين ، وكلام عجيب في ظاهره وباطنه ويختلف عن أيّ حديث آخر ولهذا اعترفوا بإعجاز القرآن.

لقد تحدثوا لقومهم بحديث آخر تبيّنه السورة في (١٢) آية ، وكل منها تبدأ بـ (أن) وهي دلالة على التأكيد(٢) .

__________________

(١) نفر : على قول أصحاب اللغة والتّفسير : الجماعة من ٣ الى ٩.

(٢) المشهور بين علماء النحو أنّ (إن) في مقول القول يجب أن تقرأ بالكسر كما هي في الآيات الاولى ، وأمّا في الآيات الأخرى المعطوفة عليها فإنّها بالفتح ، ولهذا اضطر الكثير من المفسّرين أن يجعلوا لهذه الآيات تقديرات أو مبررات أخرى ، ولكن ما الذي يمنعنا من القول أنّ لهذا القاعدة أيضا شواذ ، وهي جواز القراءة بالفتحة في موارد يكون العطف فيه على مقول القول ، وما يدل على ذلك آيات هذه السورة.

٨٠

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

461

462

463

464

465

466

467

468

469

470

471

472

473

474

475

476

477

478

479

480

481

482

483

484

485

486

487

488

489

490

491

492

493

494

495

496

497

498

499

500

501

502

503

504

505

506

507

508

509

510

511