الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل الجزء ٢٠

الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل0%

الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل مؤلف:
تصنيف: تفسير القرآن
الصفحات: 600

الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل

مؤلف: آية الله الشيخ ناصر مكارم الشيرازي
تصنيف:

الصفحات: 600
المشاهدات: 157702
تحميل: 4976


توضيحات:

الجزء 1 الجزء 2 الجزء 3 الجزء 4 الجزء 5 الجزء 6 الجزء 7 الجزء 8 الجزء 9 الجزء 10 الجزء 11 الجزء 12 الجزء 13 الجزء 14 الجزء 15 الجزء 16 الجزء 17 الجزء 18 الجزء 19 الجزء 20
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 600 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 157702 / تحميل: 4976
الحجم الحجم الحجم
الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل

الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل الجزء 20

مؤلف:
العربية

الوجودية ، وما كان عنده فمن الله ، وبهذا المعنى يندفع كلّ إشكال أيضا.

( وَوَجَدَكَ عائِلاً فَأَغْنى ) (١) .

لقد جعلناك تستأثر باهتمام «خديجة» هذه المرأة المخلصة الوفية لتضع كلّ ثروتها تحت تصرفك ومن أجل تحقيق أهدافك ، وبعد ظهور الإسلام رزقك مغانم كثيرة في الحروب ساعدتك في تحقيق أهدافك الرسالية الكبرى.

وعن علي بن موسى الرضاعليه‌السلام في تفسير هذه الآيات قال :( أَلَمْ يَجِدْكَ يَتِيماً فَآوى ) ، قال : فردا لا مثيل في المخلوقين ، فآوى النّاس إليك.( وَوَجَدَكَ ضَالًّا ) أي ضالة في قوم لا يعرفون فضلك فهداهم إليك.( وَوَجَدَكَ عائِلاً ) ، تعول أقواما بالعلم فأغناهم بك»(٢) .

هذه الرّواية تتحدث طبعا عن بطون الآية ، وإلّا فإنّ ظاهرها هو ما ذكرناه.

ولا يتصورنّ أحد أنّ تفسير الآيات بظاهرها يحط من مكانة النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، أو يضفي عليه صفات سلبية من قبل الباري تعالى ، بل إنّها في الواقع بيان ما أغدق الله على نبّيه من ألطاف وإكرام واحترام ، حين يتحدث المحبوب عن ألطافه بحق العاشق الواله ، فإنّ حديثه هذا هو عين اللطف والمحبّة ، وهو دليل على عنايته الخاصّة ، والعاشق بسماعه هذه الألفاظ تسري في جسده روح جديدة ، وتصفو نفسه ويغمر قلبه سكينة وهدوء.

في الآيات التالية ثلاثة أوامر تصدر إلى الرسول باعتبارها نتيجة الآيات السابقة والخطاب ، وإن كان متجها إلى الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فإنّه يشمل أيضا كل المسلمين.

( فَأَمَّا الْيَتِيمَ فَلا تَقْهَرْ ) .

__________________

(١) «العائل» في الأصل كثير العيال ، وجاءت أيضا بمعنى الفقير ، وهي في الآية بهذا المعنى ، ويستفاد من كلام الراغب أنّ (عال) إذا كانت أجوفا يائيا فهي بمعنى افتقر ، وإن كانت أجوفا واويا فبمعنى كثر عياله. (ولا نستبعد أن يكون المعنيان متلازمين).

(٢) مجمع البيان ، ج ١٠ ، ص ٥٠٦.

٢٨١

«تقهر» من القهر ـ كما يقول الراغب ـ الغلبة مع التحقير ، ولكن تستعمل في كل واحد من المعنيين ، ومعنى التحقير هنا هو المناسب.

وهذا يدل على أنّ هناك مسألة أهم من الإطعام والإنفاق بشأن الأيتام ، وهي اللطف بهم والعطف عليهم وإزالة إحساسهم بالنقص العاطفي ، ولذا جاء في الحديث المعروف عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال : «من مسح على رأس يتيم كان له بكل شعرة تمرّ على يده نور يوم القيامة»(١) .

كأنّ الله يخاطب نبيّه قائلا : لقد كنت يتيما أيضا وعانيت من آلام اليتم ، والآن عليك أن تهتم بالأيتام كل اهتمام وأن تروي روحهم الظمأى بحبّك وعطفك.

( وَأَمَّا السَّائِلَ فَلا تَنْهَرْ ) .

«نهر» بمعنى ردّ بخشونة ، ولا يستبعد أن تكون مشتركة في المعنى مع «نهر» الماء ، لأنّ النهر يدفع الماء بشدّة.

وفي معنى «السائل» عدّة تفاسير.

الأوّل : أنّه المتجه بالسؤال حول القضايا العلمية والعقائدية والدينية ، والدليل على ذلك هو أنّ هذا الأمر تفريع ممّا جاء في الآية السابقة :( وَوَجَدَكَ ضَالًّا فَهَدى ) ، فشكر هذه الهداية الإلهية يقتضي أن تسعى أيّها النّبي في هداية السائلين ، وأن لا تطرد أي طالب للهداية عنك.

والتّفسير الآخر : هو الفقير في المال والمتاع ، والأمر يكون عندئذ ببذل الجهد في هذا المجال ، وبعدم ردّ هذا الفقير السائل يائسا.

والثّالث : أنّ المعنى يشمل الفقير علميا والفقير ماديا ، والأمر بتلبية احتياجات السائل في المجالين ، وهذا المعنى يتناسب مع الهداية الإلهية لنبيّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، ومع إيوائه حين كان يتيما.

__________________

(١) المصدر السابق.

٢٨٢

وذهب بعضهم إلى حصر معنى السائل في طالب المعرفة العلمية ، زاعما أنّ كلمة السائل لم ترد في القرآن الكريم بمعنى طالب المال والمتاع(١) ، بينما تكرر في القرآن هذا المعنى كقوله تعالى :( وَفِي أَمْوالِهِمْ حَقٌّ لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ ) (٢) وبهذا المعنى أيضا وردت في المعارج ـ ٢٥ ، وفي البقرة ـ ٧٧.

( وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ ) .

والحديث عن النعمة قد يكون باللسان ، وبتعابير تنمّ عن غاية الشكر والامتنان ، لا عن التفاخر والغرور. وقد تكون بالعمل عن طريق الإنفاق من هذه النعمة في سبيل الله ، إنفاقا يبيّن مدى هذه النعمة. هذه هي خصلة الإنسان السخي الكريم يشكر الله على النعمة ، ويقرن الشكر بالعمل ، خلافا للسخفاء البخلاء الذين لا يكفون عن الشكوى والتأوه ، ولا يكشفون عن نعمة ولو حصلوا على الدنيا وما فيها ، وجوههم يعلوها سيماء الفقر ، وكلامهم مفعم بالتذمّر والحسرة ، وعملهم يكشف عن فقر!

بينما روي عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال : «إنّ الله تعالى إذا أنعم على عبد نعمة يحب أن يرى أثر النعمة عليه»(٣)

من هنا يكون معنى الآية : بيّن ما أغدق الله عليك من نعم بالقول والعمل ، شكرا على ما أغناك الله إذ كنت عائلا.

بعض المفسّرين ذهب إلى أنّ النعمة في الآية هي النعمة المعنوية ومنها النبوّة والقرآن ، والأمر للنبيّ بالإبلاغ والتبيين ، وهذا هو المقصود من الحديث بالنعمة.

ويحتمل أيضا أن يكون المعنى شاملا للنعم المادية والمعنوية ، لذلك ورد عن الإمام جعفر بن محمّد الصادقعليه‌السلام في تفسير هذه الآية قوله : «حدث بما أعطاك

__________________

(١) تفسير محمّد عبده ، جزء عم ، ص ١١٣.

(٢) الذاريات ، الآية ١٩.

(٣) نهج الفصاحة ، حديث ٦٨٣.

٢٨٣

الله ، وفضلك ، ورزقك ، وأحسن إليك وهداك»(١) .

وعن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال : «من اعطي خيرا فلم ير عليه ، سمّي بغيض الله ، معاديا لنعم الله»(٢) .

وعن أمير المؤمنين علي بن أبي طالبعليه‌السلام قال : «إنّ الله جميل يحب الجمال ، ويحب أن يرى أثر النعمة على عبده»(٣)

* * *

بحوث

١ ـ القيادة المنطلقة من المعاناة والآلام

الآيات الكريمة في هذه السّورة ، ضمن سردها النعم الإلهية على رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، تعكس أيضا مسألة يتم النبيّ في صباه ، وظروفه المادية الصعبة التي عاناها ، والأتعاب والآلام التي قاساها ، ومن بين هذه الآلام انطلق ، ويجب أن يكون كذلك.

القائد الإلهي الإنساني يجب أن يذوق مرارة العيش ، ويتلمس بنفسه الظروف القاسية ، ويشعر بكل وجوده الحرمان ، كي يستطيع أن يتفهم صحيح ما تعانيه الفئات المحرومة ، ويتحسّس آلام النّاس ومعاناتهم في معيشتهم.

يجب أن يفقد أباه في صغره كي يشعر بآلام الأطفال الأيتام ، ولا بدّ أن يبقى جائعا لأيّام وأن ينام عاصب البطن ، كي يفهم بكل وجوده آلام الجياع.

لذلك كانصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم تغرورق عينه بالدموع حين يرى يتيما ، وكان يظمّ ذلك اليتيم

__________________

(١) مجمع البيان ، ج ١٠ ، ص ٥٠٧.

(٢) تفسير القرطبي ، ج ١٠ ، ص ٧١٩٢ ، وقريب من هذا المعنى في الكافي ، ج ٦ ، كتاب الزي والتجميل ، حديث ٢.

(٣) فروع الكافي ، ج ٦ ، ص ٤٣٨.

٢٨٤

إلى صدره ويداعبه بكل حرارة.

يجب أن يتفهّم ما يعانيه مجتمعه من فقر ثقافي ، كي يعتزّ بكل من يأتيه لطلب معرفة أو علم ، ويستقبله بصدر رحب.

ليس النبيّ الخاتم وحده ، بل قد يكون كلّ الأنبياء منطلقين من حياة المعاناة والألم ، وهكذا كلّ القادة الحقيقيين الناجحين كانوا كذلك ويجب أن يكونوا كذلك.

من كان يرفل في نعومة العيش ، وفي الثراء والقصور ، وكان ينال كلّ ما يريد ، كيف يستطيع أن يدرك آلام المحرومين ، وكيف يستطيع أن يتفهم معاناة الفقراء والبائسين ليهب لمساعدتهم؟!

في حديث عن الإمام جعفر بن محمّد الصادقعليه‌السلام : «ما بعث الله نبيّا قطّ حتى يسترعيه الغنم يعلّمه بذلك رعية النّاس»(١) .

وفي رعي الغنم دروس في تحمل الآلام ، وفي الصبر أمام موجود ضعيف قليل الشعور ، كما إنّه استلهام لدروس التوحيد والعرفان من خلال حياة الصحراء والعيش في أحضان الطبيعة.

وفي رواية أنّ «موسى بن عمران» سأل ربّه عن سبب اختياره لمقام النبوّة ، فجاءه الجواب : أتذكر يوما أنّ حملا قد فرّ من قطيع غنمك فتبعته حتى أخذته ثمّ قلت له : لماذا أتعبت نفسك ، ثمّ حملته على كتفك ، وجئت به إلى القطيع ، ولذلك اخترتك راعيا لخلقي ، وهذا يعني أنّ الله تعالى رأى في موسى قدرة فائقة على التحمّل تجاه هذا الحيوان ممّا يدلّ على قوّة روحية فائقة أهلته لهذه المنزلة الكبيرة.

__________________

(١) بحار الأنوار ، ج ١١ ، ص ٦٤ : ح ٧.

٢٨٥

٢ ـ الاهتمام بالأيتام

لا يخلو مجتمع من أيتام فقدوا الأب في صغرهم ، وهؤلاء الأطفال يجب أن يتمتعوا بحماية من مختلف الجهات.

فمن الناحية العاطفية ، يشعر هؤلاء بنقص ، إذا لم يسدّ فإنّهم سيشبّون أفرادا غير سالمين ، وكثيرا ما يكونون قساة مجرمين خطرين. ومن الناحية الإنسانية يجب أن يعيش هؤلاء في حماية ورعاية كسائر أبناء المجتمع ، أضف إلى ذلك يجب أن يشعر أفراد المجتمع بضمان مستقبل أبنائهم الذين قد يصابون باليتم في يوم من الأيّام.

الأيتام قد يكونون أصحاب تركة مالية يجب أن تصان بكلّ دقّة ، وقد يكونون معدمين ماليا فيجب الاهتمام بهم من هذه الناحية ، والآخرون يتحملون مسئولية التعامل مع هؤلاء بكل اهتمام ورفق كي يزيلوا عنهم غبار عناء الوحدة.

لذلك ركزت آيات القرآن الكريم ونصوص الشريعة الأخرى على هذه المسألة ذات البعد الأخلاقي والبعد الاجتماعي والإنساني.

وعن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال : «إنّ اليتيم إذا بكى اهتز لبكائه عرش الرحمن ، فيقول الله لملائكته يا ملائكتي من أبكى هذا اليتيم الذي غيب أبوه في التراب؟ فتقول الملائكة : أنت أعلم ، فيقول الله تعالى : «يا ملائكتي ، فإنّي أشهدكم أن لمن أسكته وأرضاه أن أرضيه يوم القيامة»(١) .

وأكثر من ذلك روي عنهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال : «إذا بكى اليتيم وقعت دموعه في كف الرحمن»(٢) .

وروي عنهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «أنا وكافل اليتيم كهاتين في الجنّة إذا اتقى اللهعزوجل ،

__________________

(١) مجمع البيان ، ج ١٠ ، ص ٥٠٦.

(٢) تفسير الفخر الرازي ، ج ٣١ ، ص ٢١٩.

٢٨٦

وأشار بالسبابة والوسطى»(١) .

ولأهمية هذه المسألة قرنها علي أمير المؤمنين في وصيته المعروفة بالصلاة والقرآن و

قال : «الله الله في الأيتام فلا تغبّوا أفواههم ولا يضيعوا بحضرتكم»(٢) .

وعن أحد الصحابة قال : كنّا جلوسا عند رسول الله فأتاه غلام فقال : غلام يتيم وأخت لي يتيمة ، وأمّ لي أرملة ، أطعمنا ممّا أطعمك الله ، أعطاك الله ممّا عنده حتى ترضى ، قال : ما أحسن ما قلت يا غلام ، أذهب يا بلال فأتنا بما كان عندنا فجاء بواحدة وعشرين تمرة ، فقال : سبع لك وسبع لأختك وسبع لامّك ، فقام إليه معاذ بن جبل فمسح رأسه وقال : جبر الله يتمك وجعلك خلفا من أبيك وكان من أبناء المهاجرين.

فقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : رأيتك يا معاذ وما صنعت.

قال : رحمته.

قالصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «لا يلي أحد منكم يتيما فيحسن ولايته ، ووضع يده على رأسه إلّا كتب الله له بكل شعرة حسنة ومحا عنه بكلّ شعرة سيئة ، ورفع له بكلّ شعرة درجة»(٣) .

في المجتمعات الكبيرة مثل مجتمعاتنا اليوم ، لا يمكن للمسلمين أن يكتفوا طبعا بالأعمال الفردية ، بل لا بدّ أن تتمركز القوى لرعاية الأيتام وفق برنامج اقتصادي وثقافي وتعليمي مدروس ، كي ينشأ هؤلاء الأيتام أفرادا لائقين للمجتمع الإسلامي. وهذا يتطلب تعاونا اجتماعيا عاما.

٣ ـ التحدّث بالنعم

إظهار نعمة الربّ ، حين يكون بدافع الشكر والثناء ، لا على سبيل التفاخر

__________________

(١) نور الثقلين ، ج ٥ ، ص ٥٩٧ ، ح ٢٣.

(٢) نهج البلاغة ، قسم الرسائل ، الرسالة رقم ٤٧.

(٣) مجمع البيان ، ج ١٠ ، ص ٥٠٦.

٢٨٧

والاستعلاء ، يدفع الإنسان نحو التكامل على سلّم العبودية ، كما إنّ له أيضا آثارا اجتماعية إيجابية ، وآثارا نفسية تبعث على السكينة والاستقرار.

الإنسان الذاكر لنعم ربّه لا يشتدّ عليه ضغط النواقص. إذا أصيب في عضو من أعضاء بدنه يخفف عليه ألم الإصابة شكره على سلامة بقية الأعضاء ، وإذا فقد شيئا لا يجزع لأنّه شاكر على ما بقي عنده من امكانات.

هؤلاء الذاكرون لنعم الله لا يعتريهم يأس وقنوط في الشدائد والهزات ، ولا يصيبهم قلق واضطراب ، قلوبهم هادئة ونفوسهم مطمئنة وقدرتهم على مواجهة المشاكل كبيرة.

إلهي! نعمك أكثر من أن نحصيها ونتحدث بها ، فلا تسلبها عنّا ، بل زدها بكرمك.

ربّاه! نحن في هذه الدنيا مغمورون ببحر كرمك فلا تحرمنا من عطائك يوم القيامة.

يا ربّ العالمين! وفقنا لأن نكون في مساعدة المحرومين مسارعين ، ولحقوق الأيتام محافظين.

آمين يا ربّ العالمين

نهاية سورة الضحى

* * *

٢٨٨
٢٨٩

سورة

الشّرح

مكيّة

وعدد آياتها ثماني آيات

٢٩٠

«سورة ألم نشرح»

محتوى السّورة :

المعروف أنّ هذه السّورة نزلت بعد سورة «الضحى» ومحتواها يؤيد ذلك ، لأنّها تسرد أيضا قسما من الهبات الإلهية لرسول الأكرمصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .

في سورة «الضحى» عرض لثلاث هبات إلهية بعضها مادية وبعضها معنوية ، وفي هذه السّورة ذكر لثلاث هبات أيضا غير أنّ جميعها معنوية ، وتدور السّورة بشكل عام حول ثلاثة محاور. الأوّل : بيان النعم الثلاث ، والثّاني : تبشير النّبي بزوال العقبات أمام دعوته ، والثّالث : الترغيب في عبادة الله الواحد الأحد.

ولذلك ورد عن أهل البيت عليم السّلام ما يدلّ أنّ هاتين السّورتين سورة واحدة كما ذكرنا ، ووجب قراءتهما معا في الصلاة لوجوب قراءة سورة كاملة بعد الحمد.

ومن أهل السنة من ذهب إلى ذلك أيضا ، كما نقل الفخر الرازي عن طاوس وعمر بن عبد العزيز أنّهما يقرءانها معا في الصلاة ويحذفان البسملة بينهما (حسب فتاوى فقهاء مذهب أهل البيت قراءة البسملة في كليهما واجبة ، وما نقله المرحوم الطبرسي بشأن حذف بعض الفقهاء البسملة هنا لا يبدو صحيحا).

والفخر الرازي بعد نقل آراء القائلين بوحدة السّورتين ، يرد عليهم مستدلا بالفرق الموجود بين السّورتين ، ذلك لأن سورة والضحى ـ في رأيه ـ نزلت حين كان الرّسول متألما ومغتما لما ناله من أذى الكفار ، بينما السّورة التالية نزلت في حالة انشراح الرّسول وابتهاجه(١) .

__________________

(١) تفسير الفخر الرازي ، ج ٣٢ ، ص ٢.

٢٩١

وهذا استدلال غريب ، فالسورتان كلاهما تتحدثان عمّا مضى من حياة الرّسول ، وكان ذلك حين تجاوز النّبي كثيرا من مشاكل الدعوة ، وحين أصبح قلبه الطاهر مفعما بالأمل والسرور. كلا السّورتين تتحدثان عن الهبات الإلهية وتذكّران بأيّام المحن والصعاب كي يكون ذلك تسلية لقلب الرّسول الأكرمصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وتصعيدا للأمل في نفسه.

على أي حال ارتباط محتوى السّورتين ارتباطا وثيقا أمر لا يقبل الشك ، وهكذا الكلام في سورتي الفيل وقريش كما سيأتي إن شاء الله.

بشأن مكان نزول السّورة ، يتبيّن ممّا سبق أنّها نزلت في مكّة ، ولكن آية :( وَرَفَعْنا لَكَ ذِكْرَكَ ) حدث بالبعض إلى الإعتقاد أنّها نزلت في المدينة ، حيث ارتفع ذكر النّبي وشاع صيته في كل مكان ، وليس هذا الدليل بقانع ، لأنّ النّبي الأكرمصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ذاع صيته قبل الهجرة رغم كل العقبات والمشاكل وكان الحديث عن دعوته على الألسن في جميع المحافل ، كما إنّ خبر الدعوة انتشر في الحجاز عامّة والمدينة خاصّة من خلال الوافدين على مكّة في موسم الحج.

فضيلة السّورة :

ورد في فضيلة هذه السّورة عن النّبي الأكرمصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنّه قال : «من قرأها أعطي من الأجر كمن لقي محمّدا مغتما ففرّج عنه»(١) .

* * *

__________________

(١) مجمع البيان ، ج ١٠ ، ص ٥٠٧.

٢٩٢

الآيات

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

( أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ (١) وَوَضَعْنا عَنْكَ وِزْرَكَ (٢) الَّذِي أَنْقَضَ ظَهْرَكَ (٣) وَرَفَعْنا لَكَ ذِكْرَكَ (٤) فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْراً (٥) إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْراً (٦) فَإِذا فَرَغْتَ فَانْصَبْ (٧) وَإِلى رَبِّكَ فَارْغَبْ (٨) )

التّفسير

نعم إلهية :

سياق الآيات ممزوج بالحب والحنان وبألطاف ربّ العالمين لنبيّه الكريم.

أهم هبة إلهية تشير إليها الآية الاولى :( أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ ) .

«الشرح» : في الأصل ـ كما يقول الراغب ـ توسعة قطع اللحم بتحويلها إلى شرائح أرق. و «شرح الصدر» سعته بنور إلهي وبسكينة واطمئنان من عند الله ، و «شرح معضلات الحديث» التوسّع فيه وتوضيح معانيه الخفية ، و «شرح الصدر» في الآية كناية عن التوسعة في فكر النّبي وروحه ، ولهذه التوسعة مفهوم واسع ،

٢٩٣

تشمل السعة العلمية للنّبي عن طريق الوحي والرسالة ، وتشمل أيضا توسعة قدرة النّبي في تحمله واستقامته أمام تعنت الأعداء والمعارضين.

ولذلك حين امر موسى بن عمرانعليه‌السلام بدعوة فرعون :( اذْهَبْ إِلى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغى ) دعا ربّه وقال :( رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي وَيَسِّرْ لِي أَمْرِي ) (١) .

وفي موضع آخر يخاطب الله نبيّه بقوله سبحانه :( فَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ وَلا تَكُنْ كَصاحِبِ الْحُوتِ ) (٢) أي لا تكن كيونس الذي ترك الصبر فوقع في المشاكل ولاقى أنواع الإرهاق.

وشرح الصدر يقابله «ضيق الصدر» ، كما في قوله تعالى :( وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّكَ يَضِيقُ صَدْرُكَ بِما يَقُولُونَ ) (٣) .

ولا يمكن أساسا لقائد كبير أن يجابه العقبات دون سعة صدر. ومن كانت رسالته أعظم (كرسالة النّبي الأكرم) كانت الضرورة لشرح صدره أكبر ، كي لا تزعزعه العواصف ولا تثني عزمه الصعاب ولا تبعث في نفسه اليأس مكائد الأعداء ، ولا يضيق بالملتوي من الأسئلة. وهذه كانت أعظم هبة إلهية لرسول ربّ العالمين.

لذلك روي عنهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنّه قال : لقد سألت ربّي مسألة وددت أنّي لم أسأله. قلت :

أي ربّ إنّه قد كان أنبياء قبلي منهم من سخرت له الريح ومنهم من كان يحي الموتى. قال ، فقال : ألم أجدك يتيما فآويتك؟ قال : قلت : بلى. قال : ألم أجدك ضالا فهديتك؟ قال : قلت : بلى أي ربّ ، قال : ألم أشرح لك صدرك ووضعت عنك وزرك؟ قال : قلت : بلى أي ربّ(٤) .

__________________

(١) طه ، الآية ٢٥ ـ ٢٦.

(٢) القلم ، الآية ٤٨.

(٣) الحجر ، الآية ٩٧.

(٤) مجمع البيان ، ج ١٠ ، ص ٥٠٨.

٢٩٤

وهذا يعني أنّ نعمة شرح الصدر تفوق معاجز الأنبياء. والمتمعّن في دراسة حياة الرّسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وما فيها من مظاهر تدل على شرح عظيم لصدره تجاه الصعاب والمشاق يدرك بما لا يقبل الشك أن الأمر لم يتأت لرسول الله بشكل عادي ، بل إنّه حتما تأييد إلهي ربّاني.

وقيل أنّ شرح الصدر إشارة لحادثة واجهت الرّسول في طفولته حين نزلت عليه الملائكة فشقّت صدره وأخرجت قلبه وغسلته ، وملأته علما وحكمة ورأفة ورحمة.(١)

المقصود طبعا من القلب في هذه الرّواية ليس القلب الجسماني ، بل إنّه كناية وإشارة إلى الإمداد الإلهي من الجانب الروحي ، وإلى تقوية إرادة النّبي وتطهيره من كل نقص خلقي ووسوسة شيطانية.

ولكن ، على أي حال ، لا يتوفر عندنا دليل على أنّ الآية الكريمة مختصة بالحادثة المذكورة ، بل لها مفهوم واسع ، وقد تكون هذه القصّة أحد مصاديقها.

وبسعة الصدر هذه اجتاز الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم العقبات والحواجز والصعاب على أفضل وجه ، وأدّى رسالته خير أداء.

ثمّ يأتي ذكر الموهبة الثّانية.

( وَوَضَعْنا عَنْكَ وِزْرَكَ ) أي ألم نضع عنك الحمل الثقيل.

( الَّذِي أَنْقَضَ ظَهْرَكَ ) .

«الوزر» بمعنى الثقل ، ومنها «الوزير» الذي يحمل أعباء الدولة ، وسمّيت الذنوب «وزرا» لأنّها تثقل كاهل صاحبها.

«انقض» من (النقض) أي حلّ عقدة الحبل ، أو فصل الأجزاء المتماسكة من البناء ، و «الانتقاض» صوت انفصال اجزاء البناء عن بعضها ، أو صوت فقرات

__________________

(١) تفسير الدر المنثور (نقلا عن تفسير الميزان ، ج ٢٠ ، ص ٤٥٢) وتفسير الفخر الرازي ، ج ٣٢ ، ص ٢. وهذه الرّواية ذكرها البخاري والترمذي والنسائي أيضا في قصّة المعراج.

٢٩٥

الظهر حين تنوء بعبء ثقيل.

والكلمة تستعمل أيضا في نكث العهود وعدم الالتزام بها ، فيقال نقض عهده.

والآية تقول إذن ، الله سبحانه وضع عنك أيّها النّبي ذلك الحمل الثقيل القاصم الظهر.

وأي حمل وضعه الله عن نبيّه؟ القرائن في الآيات تدل على أنّه مشاكل الرسالة والنّبوّة والدعوة إلى التوحيد وتطهير المجتمع من ألوان الفساد ، وليس نبيّ الإسلام وحده بل كلّ الأنبياء في بداية الدعوة واجهوا مثل هذه المشاكل الكبرى ، وتغلبوا عليها بالإمداد الإلهي وحده ، مع فارق في الظروف ، فبيئة الدعوة الإسلامية كانت ذات عقبات أكبر ومشاكل نزوله.

وقيل أيضا : أنّ «الوزر» يعني ثقل «الوحي» في بداية نزوله.

وقيل : إنّه عناد المشركين وتعنتهم.

وقيل : إنّه أذاهم.

وقيل : إنّه الحزن الذي ألمّ بالنّبي لوفاة عمّه أبي طالب وزوجه خديجة.

وقيل : أيضا إنّه العصمة وإذهاب الرجس.

والظاهر أنّ التّفسير الأوّل أنسب من غيره والتفاسير الأخرى تفريع من التّفسير الأوّل.

وفي الموهبة الثّالثة يقول سبحانه.

( وَرَفَعْنا لَكَ ذِكْرَكَ )

فاسمك مع اسم الإسلام والقرآن قد ملأ الآفاق ، وأكثر من ذلك اقترن اسمك باسم الله سبحانه في الأذان يرفع صباح مساء على المآذن. والشهادة برسالتك لا تنفك عن الشهادة بتوحيد الله في الإقرار بالإسلام وقبول الدين الحنيف.

وأي فخر أكبر من هذا؟ وأي منزلة أسمى من هذه المنزلة.

وروي عن الرّسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في تفسير هذه الآية قال : «قال لي جبرائيل قال الله

٢٩٦

عزوجل : إذا ذكرت ذكرت معي». (وكفى بذلك منزلة).

والتعبير بكلمة (لك) تأكيد على رفعة ذكر النبيّ رغم كل عداء المعادين وموانع الصّادين.

وقد ذكرنا أنّ هذه السّورة مكيّة ، بينما الآية الكريمة تتحدث عن انتشار الإسلام ، وتجاوز عقبات الدعوة ، وإزالة الأعباء التي كانت تثقل كاهل الرّسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وارتفاع ذكر النّبي في الآفاق وهذا ما حدث في المدينة لا في مكّة.

قيل : إنّ السّورة تبشّر النّبي بما سيلقاه في المستقبل ، وكان ذلك سببا لزوال الحزن والهم من قلبه ، وقيل أيضا : إنّ الفعل الماضي هنا يعني المستقبل.

ولكن الحق أنّ قسما من هذه الأمور قد تحقق في مكّة خاصّة في أواخر السنين الثلاث عشرة الاولى من الدعوة قبل الهجرة ، تغلغل الإيمان في قلوب كثير من النّاس وخفّت وطأة المشاكل ، وذاع صيت النّبي في كلّ مكان ، وتهيأت الأجواء لانتصارات أكبر في المستقبل.

شاعر النّبي «حسان بن ثابت» ضمّن معنى الآية الكريمة في أبيات جميلة ، وقال :

وضمّ الإله اسم النّبي إلى اسمه

إذ قال في الخمس المؤذن أشهد

وشقّ له من اسمه ليجلّه

فذو العرش «محمود» وهذا «محمّد»

الآية التالية تبشّر النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بأعظم بشرى ، وتقول :

( فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْراً )

ويأتي التأكيد الآخر :

( إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْراً ) لا تغتمّ أيّها النّبي ، فالمشاكل والعقبات لا تبقى على هذه الحالة ، ودسائس الأعداء لن تستمر ، وشظف العيش وفقر المسلمين سوف لا يظلّ على هذا المنوال.

٢٩٧

الذي يتحمل الصعاب ، ويقاوم العواصف سوف ينال يوما ثمار جهوده ، وستخمد عربدة الأعداء ، وتحبط دسائسهم ، ويتمهّد طريق التقدم والتكامل ويتذلل طريق الحق.

بعض المفسّرين ذهب إلى أنّ هذه الآيات تشير إلى فقر المسلمين في معيشتهم خلال الفترة الاولى من الدعوة ، لكن المفهوم الواسع للآيات يستوعب كلّ ألوان المشاكل. أسلوب الآيتين يجعلهما لا تختصان بشخص النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وبزمانه ، بل بصورة قاعدة عامّة مستنبطة ممّا سبق. وتبشّر كلّ البشرية المؤمنة المخلصة الكادحة ، وتقول لها : كلّ عسر إلى جانبه يسر ، ولم ترد في الآية كلمة «بعد» بل «مع» للدلالة على الاقتران.

نعم ، كلّ معضلة ممزوجة بالانفراج ، وكلّ صعوبة باليسر ، والاقتران قائم بين الإثنين أبدا.

وهذا الوعد الإلهي يغمر القلب نورا وصفاء. ويبعث فيه الأمل بالنصر ، ويزيل غبار اليأس عن روح الإنسان(١) .

وعن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال : «واعلم أنّ مع العسر يسرا ، وأنّ مع الصبر النصر ، وأنّ الفرج مع الكرب ...».(٢)

وروي أنّ امرأة شكت زوجها لأمير المؤمنين عليعليه‌السلام ، لعدم إنفاقه عليها ، وكان الزوج معسرا فأبى علي أن يسجن الزوج وقال للمرأة : إنّ مع العسر يسرا (ودعاها إلى الصبر)(٣) .

( فَإِذا فَرَغْتَ فَانْصَبْ ) أي إذا انتهيت من أداء أمر مهم فابدأ بمهمّة اخرى ، فلا

__________________

(١) ممّا ذكرنا يتّضح أنّ الألف واللام في (العسر) للجنس لا للعهد ، و (يسرا) وردت نكرة ، لكنّها تعني الجنس أيضا ، وتنكيرها في مثل هذه المواضع للتعظيم.

(٢) تفسير نور الثقلين ، ج ٥ ، ص ٦٠٤ ، حديث ١١ ، ١٣.

(٣) المصدر السابق.

٢٩٨

مجال للبطالة والعطل. كن دائما في سعي مستمر ومجاهدة دائمة ، واجعل نهاية أية مهمّة بداية لمهمّة اخرى.

( وَإِلى رَبِّكَ فَارْغَبْ ) ، أي فاعتمد على الله في كلّ الأحوال.

اطلب رضاه ، واسع لقربه.

الآيتان ـ حسب ما ذكرناه ـ لهما مفهوم واسع عام يقضي بالبدء بمهمّة جديدة بعد الفراغ من كلّ مهمّة. وبالتوجه نحو الله في كلّ المساعي والجهود ، لكن أغلب المفسّرين ذكروا معاني محددة لهما يمكن أن يكون كلّ واحد منها مصداقا للآيتين.

قال جمع منهم : المقصود ، إنّك إذا فرغت من فريضة الصلاة فادع الله واطلب منه ما تريد.

أو : عند فراغك من الفرائض انهض لنافلة الليل.

أو : عند فراغك من امور الدنيا ابدأ بأمور الآخرة والصلاة وعبادة الربّ.

أو : عند فراغك من الواجبات توجه إلى المستحبات التي حثّ عليها الله.

أو : عند فراغك من جهاد الأعداء انهض إلى العبادة.

أو : عند فراغك من جهاد الأعداء ابدأ بجهاد النفس.

أو : عند انتهائك من أداء الرسالة انهض لطلب الشفاعة.

الحاكم الحسكاني ـ عالم أهل السنة المعروف ـ روي عن الإمام الصادقعليه‌السلام في «شواهد التنزيل» في تفسير الآية إنّها تعني : «إذا فرغت فانصب عليّا بالولاية»(١) .

القرطبي في تفسيره روى عن بعضهم أنّ معنى الآية : «إذا فرغت فانصب إماما يخلفك». (لكنّه ردّ هذا المعنى)(٢) .

__________________

(١) شواهد التنزيل : ج ٢ ، ص ٣٤٩ ، الأحاديث ١١١٦ إلى ١١١٩.

(٢) القرطبي ، ج ١٠ ، ص ٧١٩٩.

٢٩٩

موضوع «الفراغ» في الآية لم يذكر ، وكلمة «فانصب» من النصب أي التعب والمشقّة ، ولذلك فالآية تبيّن أصلا عاما شاملا. وهدفها أن تحث النّبي باعتباره القدوة ـ على عدم الخلود إلى الراحة بعد انتهائه من أمر هام. وتدعوه إلى السعي المستمر.

انطلاقا من هذا المعنى يتّضح أنّ التفاسير المذكورة للآية كلّها صحيحة ، ولكن كل واحد منها يقتصر على مصداق معين من هذا المعنى العام.

وما أعظم العطاء التربوي لهذا الحثّ ، وكم فيه من معاني التكامل والإنتصار!! البطالة والفراغ من عوامل الملل والخمول والتقاعس والاضمحلال. بل من عوامل الفساد والسقوط في أنواع الذنوب غالبا.

وحسب الإحصائيات ، مستوى الفساد عند عطلة المؤسسات التعليمية يرتفع إلى سبعة أضعاف أحيانا.

وبإيجاز ، هذه السّورة تبيّن بمجموعها عناية ربّ العالمين الخاصّة للنّبي الأعظمصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وتسلية قلبه أمام المشاكل ، ووعده بالنصر أمام عقبات الدعوة ، وهي في الوقت ذاته تحيي الأمل والحركة والحياة في جميع البشرية المهتدية بهدى القرآن.

* * *

ملاحظتان

١ ـ الآية الكريمة( فَإِذا فَرَغْتَ فَانْصَبْ ) تعني ـ كما جاء في روايات عديدة ـ نصب أمير المؤمنين علي بالخلافة بعد الانتهاء من أمر الرسالة (كمصداق من المفهوم العام للآية).

«الآلوسي» في «روح المعاني» بعد أن ينقل عن بعض «الإمامية» هذا التّفسير يقول : هؤلاء قرءوا «فانصب» بكسر الصاد. وهب أن قراءتها كذلك فلا تنهض أنّ

٣٠٠