الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل الجزء ٢٠

الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل0%

الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل مؤلف:
تصنيف: تفسير القرآن
الصفحات: 600

الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل

مؤلف: آية الله الشيخ ناصر مكارم الشيرازي
تصنيف:

الصفحات: 600
المشاهدات: 157693
تحميل: 4976


توضيحات:

الجزء 1 الجزء 2 الجزء 3 الجزء 4 الجزء 5 الجزء 6 الجزء 7 الجزء 8 الجزء 9 الجزء 10 الجزء 11 الجزء 12 الجزء 13 الجزء 14 الجزء 15 الجزء 16 الجزء 17 الجزء 18 الجزء 19 الجزء 20
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 600 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 157693 / تحميل: 4976
الحجم الحجم الحجم
الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل

الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل الجزء 20

مؤلف:
العربية

إلهي! ثبت أقدامنا على خط التوحيد ما حيينا.

ربّنا! فروع الشرك مثل فروع التوحيد كثيرة ولا نجاة لنا من الشرك إلّا بلطفك ، فاشملنا بفضلك.

إلهنا! اجعل حياتنا مع التوحيد ، ومماتنا مع التوحيد ، واحشرنا مع حقيقة التوحيد.

آمين يا ربّ العالمين

نهاية سورة الإخلاص

* * *

٥٦١
٥٦٢

سورة

الفلق

مكّية

وعدد آياتها خمس آيات

٥٦٣
٥٦٤

«سورة الفلق»

محتوى السّورة :

قيل : أنّها مكّية ، وبعض المفسّرين قال إنّها مدنية.

تتضمّن السّورة تعاليم للنّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم خاصّة ، وللناس عامّة تقضي أن يستعيذوا بالله من شرّ كلّ الأشرار ، وأن يوكلوا أمرهم إليه ، ويأمنوا من كل شرّ في اللجوء إليه.

وبشأن نزول السّورة ذكرت الرّواية المنقولة في أغلب كتب التّفسير أنّ النّبي أصيب بسحر بعض اليهود ، ومرض على أثر ذلك فنزل جبرائيل وأخبره أنّ آلة السحر موجودة في بئر. فأرسل من يخرجها ، ثمّ تلا هذه السّورة ، وتحسنت صحته.

المرحوم الطبرسي ومحققون آخرون شككوا في هذه الرّواية التي ينتهي سندها إلى عائشة وابن عباس لما يلي :

أوّلا : السّورة كما هو مشهور مكّية ولحنها مثل لحن السور المكّية ، والنّبي جابه اليهود في المدينة وهذا يدل على عدم أصالة الرّواية.

ثانيا : لو كان اليهود بمقدورهم أن يفصلوا بسحرهم ما فعلوه بالنّبي حسب الرّواية لاستطاعوا أن يصدوه عن أهدافه بسهولة عن طريق السحر ، والله سبحانه قد حفظ نبيّه كي يؤدي مهام النّبوة والرسالة.

ثالثا : لو كان السحر يفعل بجسم النّبي ما فعله لأمكن أن يؤثر في روحه أيضا ، وتكون أفكاره بذلك لعبة بيد السحرة ، وهذا يزلزل مبدأ الثقة بالنّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، والقرآن الكريم يردّ على أولئك الذين اتهموا النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بأنّه مسحور إذ قال :( وَقالَ

٥٦٥

الظَّالِمُونَ إِنْ تَتَّبِعُونَ إِلَّا رَجُلاً مَسْحُوراً انْظُرْ كَيْفَ ضَرَبُوا لَكَ الْأَمْثالَ فَضَلُّوا فَلا يَسْتَطِيعُونَ سَبِيلاً ) (١) .

«مسحور» في الآية تشمل من أصيب بسحر في عقله أو في جسمه ، وهي دليل على ما نذهب إليه.

على أي حال لا يجوز أن نمسّ من قداسة مقام النبوّة بهذه الرّوايات المشكوكة ، أو أن نعتمد عليها في فهم الآيات.

فضيلة السّورة :

روي في فضيلة هذه السّورة عن النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال : «أنزلت علي آيات لم ينزل مثلهنّ : المعوذتان»(٢) .

وعن أبي جعفر محمّد بن علي الباقرعليه‌السلام قال : «من أوتر بالمعوذتين وقل هو الله أحد قيل له : يا عبد الله أبشر فقد قبل الله وترك»(٣) .

وعن النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال لأحد أصحابه : «ألا أعلمك سورتين هما أفضل سور القرآن ، أو من أفضل القرآن؟ قلت : بلى يا رسول الله. فعلمني المعوذتين. ثمّ قرأ بهما في صلاة الغداة ، وقال لي اقرأهما كلما قمت ونمت».(٤)

واضح أنّ هذه الفضيلة نصيب من جعل روحه وعقيدته وعمله منسجما مع محتوى السّورة.

* * *

__________________

(١) الفرقان ، الآيتان ٨ و ٩.

(٢) نور الثقلين ، ج ٥ ، ص ٧١٦ ، ومجمع البيان ، ج ١٠ ، ص ٥٦٧.

(٣) المصدر السابق.

(٤) المصدر السابق.

٥٦٦

الآيات

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

( قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ (١) مِنْ شَرِّ ما خَلَقَ (٢) وَمِنْ شَرِّ غاسِقٍ إِذا وَقَبَ (٣) وَمِنْ شَرِّ النَّفَّاثاتِ فِي الْعُقَدِ (٤) وَمِنْ شَرِّ حاسِدٍ إِذا حَسَدَ (٥) )

التّفسير

بربّ الفلق أعوذ :

يخاطب الله سبحانه نبيّه باعتباره الاسوة والقدوة ، ويقول له :

( قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ ، مِنْ شَرِّ ما خَلَقَ )

«الفلق» : من فلق أي شقّ وفصل ؛ وسمي طلوع الصبح بالفلق لأنّ ضوء الصبح يشق ظلمة الليل ؛ ومثله الفجر ، اطلق على طلوع الصبح لنفس المناسبة.

وقيل : إنّ الفلق يعني ولادة كلّ الموجودات الحيّة ، بشرية كانت أم حيوانية أم نباتية. فولادة هذه الموجودات تقترن بفلق حبّتها أو بيضتها. والولادة من أعجب مراحل وجود هذه الأحياء ، لأنّها تشكل طفرة في مراحل وجودها ، وانتقالا من عالم إلى عالم آخر. يقول سبحانه :( إِنَّ اللهَ فالِقُ الْحَبِّ وَالنَّوى يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ

٥٦٧

الْمَيِّتِ وَمُخْرِجُ الْمَيِّتِ مِنَ الْحَيِ ) (١) .

وقيل : إنّ الفلق له معنى واسع يشمل كلّ خلق ، لأنّ الخلق ، هو شقّ ستار العدم ليسطع نور الوجود.

وكلّ واحد من هذه المعاني الثلاثة (طلوع الصبح ـ وولادة الموجودات الحيّة ـ وخلق كلّ موجود) ظاهرة عجيبة تدل على عظمة الباري والخالق والمدبّر ، ووصف الله بذلك له مفهوم عميق.

في بعض الرّوايات جاء أنّ الفلق بئر عظيم في جهنّم تبدو وكأنّها شقّ في داخلها. وقد تكون الرّواية إشارة إلى أحد مصاديقها لا أن تحدّ المفهوم الواسع لكلمة «الفلق».

( مِنْ شَرِّ ما خَلَقَ ) من كلّ موجود شرّير من الإنس والجن والحيوان وحوادث الشرّ والنفس الأمارة بالسوء ، وهذا لا يعني أنّ الخلق الإلهي ينطوي في ذاته على شرّ ، لأنّ الخلق هو الإيجاد ، والإيجاد خير محض. يقول سبحانه :( الَّذِي أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ ) (٢) .

بل الشرّ يعرض المخلوقات حين تنحرف عن قوانين الخلقة ، وتنسلخ عن المسير المعين لها. على سبيل المثال ، أنياب الحيوانات وسيلة دفاعية تستخدمها أمام الأعداء ، كما نستخدم نحن السلاح للدفاع مقابل العدو. لو أنّ هذا السلاح استخدم في محله فهو خير ، وإن لم يستعمل في محله كأن صوب تجاه صديق فهو شرّ.

جدير بالذكر أنّ كثيرا من الأمور نحسبها شرّا وفي باطنها خير كثير ، مثل الحوادث والبلايا التي تنفض عن الإنسان غبار الغفلة وتدفعه إلى التوجه نحو الله هذه ليس من الشرّ حتما.

__________________

(١) الأنعام ، الآية ٩٥.

(٢) ألم السجدة ، الآية ٧.

٥٦٨

( وَمِنْ شَرِّ غاسِقٍ إِذا وَقَبَ ) .

«غاسق» : من الغسق ، وهو ـ كما يقول الراغب في المفردات ـ شدّة ظلمة الليل في منتصفه. ولذلك يقول القرآن الكريم في إشارته إلى نهاية وقت صلاة المغرب :( ... إِلى غَسَقِ اللَّيْلِ ) وما قاله بعضهم في الغسق أنّه ظلمة أوّل الليل فبعيد خاصّة وأن أصل الكلمة يعني الامتلاء والسيلان. وظلمة الليل تكون ممتلئة حين ينتصف الليل. وأحد المفاهيم الملازمة لهذا المعنى الهجوم ، ولذلك استعملت الكلمة في هذا المعنى أيضا.

«غاسق» : تعني إذن في الآية : الفرد المهاجم ، أو الموجود الشرّير الذي يتستر بظلام الليل لشنّ هجومه. فليست الحيوانات الوحشية والزواحف اللاسعة وحدها تنشط في الليل وتؤذي الآخرين بل الأفراد الشرّيرين يتخذون من الليل أيضا ستارا لتنفيذ أهدافهم الخبيثة.

«وقب» : من الوقب ، وهو الحفرة ، ثمّ استعمل الفعل «وقب» للدخول في الحفرة ؛ وكأن هذه الموجودات الشريرة المضرة تستغل ظلام الليل ، فتصنع الحفر الضارة لتحقق مقاصدها الخبيثة. وقد يكون الفعل يعني : نفذ وتوغّل.

( مِنْ شَرِّ النَّفَّاثاتِ فِي الْعُقَدِ ) .

«النفاثات» : من «النفث» وهو البصق القليل ، ولما كان البصق مقرونا بالنفخ ، فاستعملت نفث بمعنى نفخ أيضا.

كثير من المفسّرين قالوا إنّ «النفاثات» هي النساء الساحرات. وهي صيغة جمع للمؤنث ومبالغة من نفث. وهذه النسوة كن يقرأن الأوراد وينفخن في عقد ، وبذلك يعملن السحر. وقيل : إنّها إشارة للنساء اللاتي كن يوسوسن في أذن الرجال وخاصّة الأزواج ليثنوهم عن عزمهم وليوهنوا إرادتهم في أداء المهام الكبرى. وما أكثر الحوادث المؤلمة التي أدت إليها وساوس أمثال هذه النسوة

٥٦٩

طوال التاريخ! وما أكثر نيران الفتنة التي أشعلتها ، والعزائم التي أرختها وأوهنتها! الفخر الرازي يقول النساء يتصرفن في قلوب الرجال لنفوذ محبّتهن في قلوبهم(١) .

وهذا المعنى في عصرنا أظهر من أي وقت آخر ، إذ إنّ إحدى أهم وسائل نفوذ الجواسيس في أجهزة السياسة العالمية استخدام النساء ، اللائي ينفثن في العقد ، فتنفتح مغاليق الأسرار في القلوب ويحصلن على أدقّ الأسرار.

وقيل : إنّ النفاثات هي النفوس الشريرة ، أو الجماعات المشككة التي تبعث بوساوسها عن طريق وسائل إعلامها لتوهن عزيمة الجماعات والشعوب.

ولا يستبعد أن تكون الآية ذات مفهوم عام جامع يشمل كلّ أولئك ويشمل أيضا النمامين والذين يهدمون بنيان المحبّة بين الأفراد.

وينبغي التأكيد على أنّ السّورة لا تتضمّن أية دلالة على أن المقصود بآياتها سحر الساحرين. وعلى فرض أنّها تشير إلى سحر الساحرين ، فإنّها لا تشكل دليلا على صحة سبب النزول الذي ذكره المفسّرون للسورة ، بل تدل على أنّ النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم استعاذ بالله من شرّ الساحرين. تماما مثل الفرد السالم الذي يستعيذ بالله من السرطان وهو لم يصب به أصلا.

( وَمِنْ شَرِّ حاسِدٍ إِذا حَسَدَ ) .

هذه الآية تبيّن أنّ الحسد أسوأ الصفات الرذيلة وأحطها ، لأنّ القرآن وضعه في مستوى أعمال الحيوانات المتوحشة والثعابين اللاسعة والشياطين الماكرة.

* * *

__________________

(١) تفسير الفخر الرازي ، ج ٣٢ ، ص ١٩٦.

٥٧٠

بحوث

١ ـ أخطر مصادر الشرّ والفساد

السّورة تبدأ بأمر النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أن يستعيذ بالله من شرّ ما خلق. ثمّ تبيّن ثلاثة أنواع من الشرور كتوضيح للآية :

شرّ المهاجمين القساة الذين يتسترون بالليل لشن هجومهم.

وشرّ الموسوسين الذين يوهنون بأحابيلهم إرادة الأفراد وإيمانهم وعقيدتهم وأواصر الحبّ والودّ بينهم.

وشرّ الحاسدين.

من هذه العبارات المجملة نستطيع أن نستنتج أن أخطر مصادر الشرّ والفساد هي هذه الثلاثة المذكورة في السّورة. وهذا يستدعي التأمل والتعمق.

٢ ـ تناسب الآيات

يلاحظ أنّ أوّل آية في السّورة تأمر النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أن يستعيذ بربّ الفلق ، من شرّ ما خلق. وانتخاب «ربّ الفلق» قد يعود إلى أنّ الموجودات الشريرة تطفئ نور السلامة والهداية. لكن الله سبحانه ربّ الفلق ربّ فلق الظلمات.

٣ ـ تأثير السحر

في تفسير الآيتين ١٠٢ و ١٠٣ من سورة البقرة ، في الجزء الأوّل من هذا التّفسير تحدثنا بالتفصيل عن حقيقة السحر في الازمنة الغابرة ، ورأي الإسلام في السحر ، وكيفية تأثيره. وهناك ذكرنا قبولنا لتأثير السحر بشكل عام ، ولكن لا بالصورة التي يتخيلها المتخيلون والخرافيون. ومن أراد مزيدا من التوضيح في هذا المجال فليراجع بحثنا المذكور.

ومن اللازم أن نذكر هنا أنّ آيات هذه السّورة لو كانت تستهدف أمر النّبي

٥٧١

بالاستعاذة من سحر الساحرين ، فهذا لا يعني أن النّبي تعرض لتأثير السحر. بل إنّها تشبه استعاذة النّبي بالله من كلّ خطأ وذنب. أي إنّه مصون من هذه العوارض بلطف الله وفضله ، ولو لا فضله لما سلم من تأثير السحر هذا من جهة.

ومن جهة اخرى ، لا يوجد دليل كما قلنا على أن معنى ،( النَّفَّاثاتِ فِي الْعُقَدِ ) هو السحرة أو الساحرات.

٤ ـ شرّ الحاسدين

«الحسد» خصلة سيئة شيطانية تظهر في الإنسان نتيجة عوامل مختلفة مثل : ضعف الإيمان ، وضيق النظر ، والبخل. وهو يعني طلب وتمنّي زوال النعمة من شخص آخر.

الحسد منبع كثير من الذنوب الكبيرة.

عن الإمام محمّد بن علي الباقرعليه‌السلام قال : «إنّ الحسد ليأكل الإيمان كما تأكل النّار الحطب»(١) .

وعن الإمام جعفر بن محمّد الصادقعليه‌السلام قال : «أفة الدين الحسد والعجب والفخر»(٢) .

ذلك لأن الحسود يعترض في الواقع على حكمة الله وعلى ما آت الله من نعمة لهذا الفرد أو ذاك. كما يقول سبحانه :( أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلى ما آتاهُمُ اللهُ مِنْ فَضْلِهِ ) (٣) .

وقد يبلغ الحسد بالحاسد إلى أن يوقع نفسه في كلّ تهلكة من أجل زوال النعمة من الشخص المحسود ، كما هو معروف في حوادث التاريخ.

__________________

(١) بحار الأنوار ، ج ٧٣ ، ص ٢٣٧.

(٢) المصدر السابق ، ص ٢٤٨.

(٣) النساء ، الآية ٥٤.

٥٧٢

وفي ذم الحسد يكفي أن أوّل قتل حدث في العالم كان من قابيل على أثر حسده لأخيه هابيل.

«الحساد» كانوا دوما عقبة على طريق الأنبياء والأولياء. ولذلك يأمر الله نبيّه أن يستعيذ بربّ الفلق من شرّ حاسد إذا حسد.

المخاطب في هذه السّورة والسّورة التالية شخص رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، ولكنّه خوطب لأنّه القدوة والنموذج ، وكلّ المسلمين يجب أن يستعيذوا بالله من شرّ الحاسدين.

اللهمّ! إنّا نعوذ بك من شرّ الحاسدين

إلهنا! احفظنا من شرّ الوقوع في حسد الآخرين.

ربّنا! استرنا بسترك من شرّ النفاثات في العقد ، ومن كلّ الموسوسين المشككين في مسيرتنا إليك.

آمين يا ربّ العالمين

نهاية سورة الفلق

* * *

٥٧٣
٥٧٤

سورة

النّاس

مكّية

وعدد آياتها ستّ آيات

٥٧٥
٥٧٦

«سورة النّاس»

محتوى السّورة :

الإنسان معرض دائما لوساوس الشيطان. وشياطين الجن والإنس يسعون دائما للنفوذ في قلبه وروحه. ومقام الإنسان في العلم مهما ارتفع ، ومكانته في المجتمع مهما سمت يزداد تعرضه لوساوس الشياطين ليبعدوه عن جادة الحق.

وليبيدوا العالم بفساد العالم.

هذه السّورة تأمر النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم باعتباره القدوة والأسوة أن يستعيذ بالله من شرّ الموسوسين.

محتوى هذه السّورة شبيه بمحتوى سورة الفلق ، فكلاهما يدوران حول الاستعاذة بالله من الشرور والآفات ، مع فارق أن سورة الفلق تتعرض لأنواع الشرور ، وهذه السّورة تركز على شرّ (الوسواس الخناس).

واختلف المفسّرون في مكان نزول هذه الآية. قيل إنّها مكّية ، وقيل إنّها مدنية ، ولحن الآيات يزيد احتمال مكّيتها.

هذه السّورة وسورة الفلق نزلتا معا حسب الرّوايات. وسورة الفلق على رأي الكثيرين مكّية. وهذه السّورة يمكن أن تكون مكّية أيضا.

وفضيلة السّورة :

وردت في فضيلة هذه السّورة روايات متعددة منها ما روي أنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم اشتكى شكوى شديدة ، ووجع وجعا شديدا. فأتاه جبرائيل

٥٧٧

وميكائيلعليه‌السلام فقعد جبرائيل عند رأسه وميكائيل عند رجليه ، فعوّذه جبرائيل بقل أعوذ بربّ الفلق وميكائيل بقل أعوذ بربّ النّاس(١) .

وذكرنا ما روي عن الإمام الباقرعليه‌السلام قال : «من أوتر بالمعوذتين وقل هو الله أحد قيل له : يا عبد الله ابشر فقد قبل الله وترك»(٢) .

* * *

__________________

(١) نور الثقلين ، ج ٥ ، ص ٧٦٤٥ ، ومجمع البيان ، ج ١٠ ، ص ٥٦٧ ، و ٥٦٩.

(٢) المصدر السابق.

٥٧٨

الآيات

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

( قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ (١) مَلِكِ النَّاسِ (٢) إِلهِ النَّاسِ (٣) مِنْ شَرِّ الْوَسْواسِ الْخَنَّاسِ (٤) الَّذِي يُوَسْوِسُ فِي صُدُورِ النَّاسِ (٥) مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ (٦) )

التّفسير

بربّ النّاس أعوذ :

في هذه السّورة يتجه الخطاب إلى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم باعتباره الأسوة والقدوة :( قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ ، مَلِكِ النَّاسِ ، إِلهِ النَّاسِ )

يلاحظ أن الآيات ركزت على ثلاث من صفات الله سبحانه هي (الربوبية والمالكية والألوهية) وترتبط كلها ارتباطا مباشرا بتربية الإنسان ونجاته من براثن الموسوسين.

المقصود من الاستعاذة بالله ليس طبعا ترديد الاستعاذة باللسان فقط ، بل على الإنسان أن يلجأ إليه جلّ وعلا في الفكر والعقيدة والعمل أيضا ، مبتعدا عن الطرق الشيطانية والأفكار المضللة الشيطانية ، والمناهج والمسالك الشيطانية والمجالس والمحافل الشيطانية ، ومتجها على طريق المسيرة الرحمانية ، وإلّا فإن

٥٧٩

الإنسان الذي أرخى عنان نفسه تجاه وساوس الشيطان لا تكفيه قراءة هذه السّورة ولا تكرار ألفاظ الاستعاذة باللسان.

على المستعيذ الحقيقي أن يقرن قوله «ربّ النّاس» بالاعتراف بربوبية الله تعالى ، وبالانضواء تحت تربيته ؛ وأن يقرن قوله «ملك النّاس» بالخضوع لمالكيته ، وبالطاعة التامة لأوامره ؛ وأن يقرن قوله : «إله النّاس» بالسير على طريق عبوديته ، وتجنب عبادة غيره.

ومن كان مؤمنا بهذه الصفات الثلاث ؛ وجعل سلوكه منطلقا من هذا الإيمان فهو دون شك سيكون في مأمن من شرّ الموسوسين.

هذه الأوصاف الثلاثة تشكل في الواقع ثلاثة دروس تربوية هامّة ثلاث سبل وقاية وثلاث طرق نجاة من شرّ الموسوسين ، إنّها تؤمن على مسيرة الإنسان من الأخطار.

( مِنْ شَرِّ الْوَسْواسِ الْخَنَّاسِ ، الَّذِي يُوَسْوِسُ فِي صُدُورِ النَّاسِ ) .

كلمة «الوسواس» أصلها ـ كما يقول الراغب في المفردات ـ صوت الحلي (اصطكاك حلية بحلية). ثمّ اطلق على أي صوت خافت. ثمّ على ما يخطر في القلب من أفكار وتصورات سيئة ، لأنّها تشبه الصوت الباهت الذي يوشوش في الأذن.

«الوسواس» : مصدر ، ويأتي بمعنى اسم الفاعل بمعنى الموسوس ، وهي في الآية بهذا المعنى.

«الخنّاس» صيغة مبالغة من الخنوس وهو التراجع ، لأنّ الشياطين تتراجع عند ذكر اسم الله ؛ والخنوس له معنى الاختفاء أيضا ، لأن التراجع يعقبه الاختفاء عادة.

فقوله سبحانه :( مِنْ شَرِّ الْوَسْواسِ الْخَنَّاسِ ) أي أعوذ بالله من شرّ الموسوس ذي الصفة الشيطانية الذي يهرب ويختفي من ذكر اسم الله.

٥٨٠