تفسير كنز الدّقائق وبحر الغرائب الجزء ٢

تفسير كنز الدّقائق وبحر الغرائب8%

تفسير كنز الدّقائق وبحر الغرائب مؤلف:
تصنيف: تفسير القرآن
الصفحات: 493

الجزء ١ الجزء ٢ الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥ الجزء ٦ الجزء ٧
  • البداية
  • السابق
  • 493 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 187845 / تحميل: 5864
الحجم الحجم الحجم
تفسير كنز الدّقائق وبحر الغرائب

تفسير كنز الدّقائق وبحر الغرائب الجزء ٢

مؤلف:
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة


1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

مبالغة عظيمة. لأنّ المحال والمعدوم، يقع عليهما اسم الشيء. فإذا نفي إطلاق اسم الشيء عليه، فقد بولغ في ترك الاعتداد به، إلى ما ليس بعده. وهذا كقولهم أقلّ من لا شيء.

( وَقالَتِ النَّصارى لَيْسَتِ الْيَهُودُ عَلى شَيْءٍ ) :

قال ابن عبّاس(١) : لـمّا قدم وفد نجران من النّصارى على رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ أتتهم أحبار اليهود. فتنازعوا عند رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله. فقال رافع بن حرملة: «ما أنتم على شيء.» وجحد نبوّة عيسى. وكفر بالإنجيل. فقال رجل من أهل نجران: «ليست اليهود على شيء.» وجحد نبوّة موسى. وكفر بالتّوراة. فأنزل الله هذه الآية.

( وَهُمْ يَتْلُونَ الْكِتابَ ) :

الواو للحال. والكتاب للجنس، أي: قالوا ذلك، والحال أنّهم من أهل العلم والتّلاوة للكتب.

وحقّ من حمل التوراة، أو الإنجيل، أو غيرهما من كتب الله، أو آية، أن لا يكفر بالباقي. لأنّ كلّ واحد من الكتابين، مصدّق للثّاني، شاهد بصحته. وكذلك كتب الله جميعا، متواردة في تصديق بعضها بعضا.

( كَذلِكَ ) ، مثل ذلك الّذي سمعت به على ذلك المنهاج.

( قالَ الَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ مِثْلَ قَوْلِهِمْ ) ، كعبدة الأصنام والمعطّلة، قالوا لكلّ أهل دين: «ليسوا على شيء» وهذا توبيخ عظيم لهم، حيث نظموا أنفسهم مع علمهم، في سلك من لا يعلم.

و( مِثْلَ قَوْلِهِمْ ) ، يحتمل احتمالين: أحدهما أنّه مفعول مطلق لقال والآخر أنّه مفعوله، يعني: أنّ قولهم، مثل قولهم في الفساد، ومقولهم مثل مقولهم في الدّلالة على أنّ ما عدا دينهم، ليس بشيء.

فان قيل: لم وبّخهم؟ وقد صدقوا فإنّ كلا الدّينين بعد النّسخ ليس بشيء.

قلت: لم يصدقوا ذلك. وإنّما قصد كل فريق، إبطال دين الآخر، من أصله والكفر بنبيّه وكتابه، مع أن ما لم ينسخ منهما، حقّ واجب القبول والعمل به، مع الإيمان بالنّاسخ.

( فَاللهُ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ ) : بين الفريقين ،

__________________

(١) مجمع البيان ١ / ١٨٨.

١٢١

( يَوْمَ الْقِيامَةِ ) :

هي مصدر. إلّا أنّه صار كالعلم، على وقت، بعينه. وهو الوقت الّذي يبعث الله ـ عزّ وجلّ ـ فيه الخلق. فيقومون من قبورهم، إلى محشرهم. تقول: قام يقوم قياما وقيامة، مثل: عاذ يعوذ عياذا وعياذة.

( فِيما كانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ ) (١١٣) بما يقسم لكلّ فريق، ما يليق به من العذاب.

وقيل(١) : بأن يكذّبهم، وأن يدخلهم النّار.

وقيل(٢) : بأن يريهم من يدخل الجنّة عيانا، ومن يدخل النّار عيانا.

( وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ مَنَعَ مَساجِدَ اللهِ ) :

الآية عامّة لكلّ من خرّب مسجدا، أو سعى في تعطيل مكان مرشّح للصّلاة. وإن نزلت في الرّوم، لما غزوا بيت المقدس وخرّبوه وقتلوا أهله حتّى، كانت أيّام عمر، وأظهر المسلمين عليهم، وصاروا لا يدخلونها(٣) إلّا خائفين، على ما روى عن ابن عبّاس(٤) .

وقيل(٥) : خرّب بخت نصر بيت المقدس. وأعانه عليه(٦) النّصارى.

والمرويّ عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام(٧) : أنّها نزلت في قريش، حين منعوا رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ دخول مكّة والمسجد الحرام.

[وروى عن زيد بن عليّ، عن آبائه، عن عليّ ـ عليه السّلام(٨) : أنّه أراد جميع الأرض لقول النّبيّ ـ صلّى الله عليه وآله: جعلت لي الأرض مسجدا وترابها طهورا].(٩)

( أَنْ يُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ ) :

ثاني مفعولي «منع» لأنّك تقول: منعته كذا.

ويجوز أن يحذف حرف الجرّ، مع «أن.» ولك أن تنصبه مفعولا له(١٠) ، بمعنى: منعها كراهة أن يذكر.

( وَسَعى فِي خَرابِها ) بالهدم، أو التّعطيل.

__________________

(١) أنوار التنزيل ١ / ٧٧.

(٢) مجمع البيان ١ / ١٨٨.

(٣) أ: لن يدخلونها.

(٤) مجمع البيان ١ / ١٨٩.

(٥) نفس المصدر ونفس الموضع.

(٦) ر: على ذلك. وهو الظاهر.

(٧) نفس المصدر ونفس الموضع.

(٨) نفس المصدر ١ / ١٩٠.

(٩) ما بين المعقوفتين ليس في أ.

(١٠) ليس في أ.

١٢٢

( أُولئِكَ ) ، أي: المانعون،( ما كانَ لَهُمْ أَنْ يَدْخُلُوها إِلَّا خائِفِينَ ) ، أي :

ما كان ينبغي لهم أن يدخلوها، إلّا بخشية وخضوع، فضلا عن أن يجرءوا على تخريبها.

أو ما كان الحقّ أن يدخلوها، إلّا خائفين من المؤمنين، أن يبطشوهم، فضلا عن أن يمنعوهم منها.

أو ما كان لهم في علم الله تعالى، أو قضائه، فيكون وعدا للمؤمنين بالنّصرة واستخلاص المساجد منهم. وقد أنجز وعده.

( لَهُمْ فِي الدُّنْيا خِزْيٌ ) :

قال قتادة(١) : المراد بالخزي، أن يعطوا الجزية عن يد، وهم صاغرون.

وقال الزّجّاج(٢) : المراد به السبّي والقتل، إن كانوا حربا، وإعطاء الجزية، إن كانوا ذمّة.

وقال أبو عليّ(٣) : المراد به، طردهم عن المساجد.

وقال السّديّ(٤) : المراد به خزيهم إذا قام المهديّ وفتح قسطنطنيّة. فحينئذ يقتلهم.

والكلّ محتمل. واللّفظ بإطلاقه يتناوله.

( وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذابٌ عَظِيمٌ ) (١١٤) بظلمهم وكفرهم.

( وَلِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ ) :

«اللّام»، للملك. و «المشرق» و «المغرب»، اسمان لمطلع الشّمس ومغربها.

والمراد بهما ناحيتا(٥) الأرض، أي: له الأرض، كلّها. لا يختص به مكان دون مكان(٦) . فإن منعتم أن تصلّوا في المسجد الحرام والأقصى، فقد جعلت لكم الأرض مسجدا.

( فَأَيْنَما تُوَلُّوا ) : ففي أي مكان فعلتم التّولية، أي: تولية وجوهكم،( فَثَمَّ وَجْهُ اللهِ ) ، أي: جهته الّتي أمر بها، أو فثمّ ذاته، أي: عالم مطّلع بما يفعل فيه.

__________________

(١) ر. مجمع البيان ١ / ١٩٠.

(٢) نفس المصدر ونفس الموضع.

(٣) نفس المصدر ونفس الموضع.

(٤) نفس المصدر ونفس الموضع.

(٥) أ: ناحيتي.

(٦) أ: آخر.

١٢٣

( إِنَّ اللهَ واسِعٌ ) بإحاطته بالأشياء، أو برحمته،( عَلِيمٌ ) (١١٥) بمصالحهم وأعمالهم في الأماكن، كلّها.

قيل(١) : إنّ اليهود أنكروا تحويل القبلة عن بيت المقدس. فنزلت الآية ردّا عليهم.

وقيل(٢) : كان للمسلمين التّوجّه حيث شاءوا، في صلاتهم. وفيه نزلت الآية. ثمّ نسخ بقوله(٣) ( فَوَلِّ وَجْهَكَ ) (إلى آخره).

وقيل(٤) : نزلت الآية في صلاة التّطوّع على الرّاحلة، تصلّيها حيثما توجّهت، إذا كنت في سفر. وأمّا الفرائض، فقوله:( وَحَيْثُ ما كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ ) ، يعني: أنّ الفرائض لا تصلّيها إلّا إلى القبلة. وهو المرويّ عن أئمّتنا ـ عليهم السّلام. قالوا: وصلّى رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ إيماء على راحلته أينما توجّهت به، حيث خرج إلى خيبر، وحين رجع من مكّة، وجعل الكعبة خلف ظهره.

وروى عن جابر(٥) ، قال: بعث رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ سريّة كنت فيها. فأصبتنا ظلمة. فلم نعرف القبلة. فقال طائفة منّا: «قد عرفنا القبلة، هي هاهنا، قبل الشّمال.» فصلّوا. وخطّوا خطوطا. وقال بعضنا: «القبلة هاهنا. قبل الجنوب.» فخطّوا خطوطا. فلمّا أصبحوا وطلعت الشمس، أصبحت تلك الخطوط لغير القبلة. فلمّا قفلنا(٦) من سفرنا، سألنا النبيّ ـ صلّى الله عليه وآله ـ عن ذلك. فسكت. فأنزل الله تعالى هذه الآية.

[في كتاب الخصال(٧) ، في سؤال بعض اليهود عليّا ـ عليه السّلام ـ عن الواحد إلى المائة: قال له اليهوديّ. فأين(٨) وجه ربّك؟

فقال عليّ بن أبي طالب ـ عليه السّلام(٩) : يا بن عبّاس! ائتني بنار وحطب.

فأتيته بنار وحطب. فأضرمها. ثمّ قال: يا يهوديّ! أين يكون وجه هذه النّار؟

فقال: لا أقف لها على وجه.

__________________

(١) مجمع البيان ١ / ١٩١.

(٢) نفس المصدر ونفس الموضع.

(٣) البقرة / ١٤٤ و/ ١٤٩ و/ ١٥٠.

(٤) نفس المصدر ونفس الموضع.

(٥) نفس المصدر ونفس الموضع.

(٦) النسخ: غفلنا.

(٧) الخصال / ٥٩٧.

(٨) المصدر: فأين يكون.

(٩) المصدر: فقال عليّ بن أبي طالب ـ عليه السّلام ـ لي.

١٢٤

قال: ربيّ(١) عزّ وجلّ على(٢) هذا المثل.

( وَلِلَّهِ ) (٣) ( الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ. فَأَيْنَما تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللهِ ) .

وفيه(٤) ، بإسناده إلى سلمان الفارسيّ، في حديث طويل يذكر فيه قدوم الجاثليق المدينة، مع مائة من النّصارى، بعد وفاة النّبيّ ـ صلّى الله عليه وآله ـ وسؤاله أبا بكر عن مسائل لم يجبه عنها، ثمّ أرشد إلى أمير المؤمنين ـ عليه السّلام ـ فسأله عنها، فأجابه. فكان فيما سأله، أن قال له: أخبرني عن وجه الرّبّ ـ تبارك وتعالى.

فدعا ـ عليه السّلام ـ بنار وحطب. فأضرمه. فلمّا اشتعلت قال عليّ ـ عليه السّلام: أين وجه هذه النّار؟

قال(٥) : هي وجه من جميع حدودها.

قال عليّ ـ عليه السّلام: هذه النّار مدبّرة مصنوعة، لا يعرف وجهها. وخالقها لا يشبهها.( وَلِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ. فَأَيْنَما تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللهِ ) . لا يخفى على ربّنا خافية.

وفي كتاب علل الشرائع(٦) : حدّثنا جعفر بن محمّد بن مسرور رحمه الله؟ قال: حدّثنا الحسين بن محمّد بن عامر، عن عمّه عبد الله بن عامر، عن محمّد بن أبي عمير، عن حمّاد، عن الحلبيّ، عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام. قال: سألته عن الرّجل يقرأ السّجدة وهو على ظهر دابّته.

قال: يسجد حيث توجّهت به. فإنّ رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ كان يصلّي على ناقته، وهو مستقبل المدينة. يقول الله ـ عزّ وجلّ:( فَأَيْنَما تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللهِ ) .

وفي من لا يحضره الفقيه(٧) : وسأله معاوية بن عمّار، عن الرّجل يقوم في الصّلاة، ثمّ ينظر بعد ما فرغ، فيرى أنّه قد انحرف عن القبلة، يمينا أو شمالا.

فقال له: قد مضت صلاته. وما بين المشرق والمغرب قبلة. ونزلت هذا الآية في قبلة المتحيّر:( وَلِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ فَأَيْنَما تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللهِ ) .

وفي كتاب الاحتجاج، للطّبرسيّ ـ رحمه الله(٨) : قال أبو محمّد ـ عليه السّلام: قال

__________________

(١) المصدر: فإنّ ربّي.

(٢) المصدر: عن.

(٣) المصدر: له.

(٤) نفس المصدر / ١٨٢.

(٥) المصدر: قال النصراني.

(٦) علل الشرائع / ٣٥٨ ـ ٣٥٩، ح ١.

(٧) من لا يحضره الفقيه ١ / ١٧٩. (٨) الاحتجاج ١ / ٤٥.

١٢٥

رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ لقوم من اليهود: أو ليس قد ألزمكم في الشّتاء أن تحترزوا من البرد بالثّياب الغليظة، وألزمكم في الصّيف أن تحترزوا من الحرّ. فبدا له في الصّيف حين أمركم، بخلاف ما كان أمركم به في الشّتاء؟

فقالوا: لا فقال رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله: وكذلك الله تعبّدكم في وقت، لصلاح يعلمه بشيء، ثمّ بعّده في وقت آخر، لصلاح آخر، يعلمه بشيء آخر. فإذا أطعتم الله في الحالين، استحققتم ثوابه.

فأنزل الله تعالى:( وَلِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ. فَأَيْنَما تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللهِ. إِنَّ اللهَ واسِعٌ عَلِيمٌ ) ، يعني: إذا توجّهتم بأمره، فثمّ الوجه الّذي تقصدون منه الله وتأملون ثوابه.

والحديث طويل. أخذت منه موضع الحاجة.

عن أمير المؤمنين ـ عليه السّلام ـ حديث طويل. وفيه(١) : قال السّائل: من هؤلاء الحجج! قال: هم رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ ومن حلّ محلّه من أصفياء الله الّذين قال( فَأَيْنَما تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللهِ ) الّذين قرنهم الله بنفسه وبرسوله وفرض على العباد من طاعتهم، مثل الّذي فرض عليهم منها لنفسه.

وفيه(٢) : قال ـ عليه السّلام ـ أيضا ـ في الحجج: وهم وجه الله الّذي قال:( فَأَيْنَما تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللهِ ) .

وفي كتاب المناقب، لابن شهر آشوب(٣) : أبو المضاء، عن الرّضا ـ عليه السّلام ـ قوله تعالى:( فَأَيْنَما تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللهِ ) قال: عليّ ـ عليه السّلام].(٤)

( وَقالُوا اتَّخَذَ اللهُ وَلَداً ) :

نزلت لـمّا قالت اليهود: «عزير بن الله»، والنّصارى: «المسيح بن الله»، ومشركوا العرب: «الملائكة بنات الله.» وعطفه على «قالت اليهود»، أو «منع»، أو مفهوم قوله «ومن أظلم» وقرأ ابن عامر بغير واو، والباقون بالواو(٥) .

__________________

(١) نفس المصدر ١ / ٣٧٥.

(٢) نفس المصدر ونفس الموضع.

(٣) المناقب ٣ / ٢٧٢.

(٤) ما بين المعقوفتين ليس في أ.

(٥) مجمع البيان ١ / ١٩٢.

١٢٦

[وفي كتاب علل الشرائع(١) ، بإسناده إلى سفيان بن عيينة، عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ قال: لم يخلق الله شجرة إلّا ولها ثمرة تؤكل. فلمّا قال النّاس: «اتَّخَذَ اللهُ وَلَداً »، ذهب نصف ثمرها. فلمّا اتخذوا مع الله إلها، شاك الشّجر].(٢)

( سُبْحانَهُ ) :

روى عن طلحة بن عبيد الله(٣) ، أنّه سأل النّبيّ ـ صلّى الله عليه وآله ـ عن معنى قوله «سبحانه» فقال: «تنزيها له عن كلّ سوء».

( بَلْ لَهُ ما فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ ) :

ردّ لما قالوا، أو استدلال على فساده بأنّه خالق ما في السّموات وما في الأرض الّذي من جملته الملائكة وعزير والمسيح.

( كُلٌّ لَهُ قانِتُونَ ) (١١٦)، مطيعون. لا يمتنعون عن مشيئته. وكلّ من كان بهذه الصّفة، لم يجانس مكوّنه الواجب لذاته. ومن حقّ الولد أن يجانس والده. فلا يكون له ولد.

وإنّما جاء بما الّذي لغير أولي العلم، تحقيرا لشأنهم.

وتنوين «كلّ»، عوض عن المضاف إليه، أي: كلّ ما فيهما، أو كلّ من جعلوه ولدا له.

وفي الآية، دلالة على أنّ من ملك ولده أو والده، انعتق عليه. لأنّه تعالى نفى الولد، بإثبات الملك. وذلك يقتضي تنافيهما. وهو المرويّ عن أئمّتنا ـ عليهم السّلام.(٤)

( بَدِيعُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ ) :

يقال: بدع الشيء، فهو بديع، كقولك: برع الشيء، فهو بريع. و( بَدِيعُ السَّماواتِ ) من إضافة الصّفة المشبّهة، إلى فاعلها، أي: بديع سماواته وأرضه.

وقيل(٥) : البديع بمعنى المبدع، كما أنّ السّميع، في قول الشّاعر :

«أمن ريحانة

الدّاعي السّميع»

، بمعنى المسمع.

وهو دليل آخر على نفي الولد.

__________________

(١) علل الشرائع ٢ / ٥٧٣.

(٢) ما بين المعقوفتين ليس في أ.

(٣) مجمع البيان ١ / ١٩٢.

(٤) ر. وسائل الشيعة / ١٦، باب ٧ من أبواب العتق، ح ١ ـ ٩.

(٥) ر. أنوار التنزيل ١ / ٧٨.

١٢٧

وتقريره: أنّ الوالد، عنصر الولد المنفعلة بانفصال مادّته عنه. والله سبحانه، مبدع الأشياء كلّها. فاعله على الإطلاق. منزّه عن الانفعال. فلا يكون والدا. وهذا التّقرير يصحّ على التّقديرين. لأنّ كونه تعالى مبدعا، يلزمه كون مخلوقه بديعا وبالعكس.

والإبداع اختراع الشيء، لا عن شيء، دفعة. وهو أليق بهذا الموضع من الصّنع الّذي هو تركيب الصّورة بالعنصر والتّكوين الّذي يكون بتغيّر وفي زمان غالبا.

وقرئ بديع، مجرورا على البدل، من الضّمير في «له»، ومنصوبا، على المدح.

[وفي أصول الكافي(١) : محمّد بن يحيى، عن عبد الله بن محمّد بن عيسى، عن الحسن بن محبوب، عن عليّ بن رئاب، عن سدير الصّيرفيّ. قال: سمعت حمران بن أعين يسأل أبا جعفر ـ عليه السّلام ـ عن قول الله ـ عزّ وجلّ ـ( بَدِيعُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ ) » فقال(٢) أبو جعفر ـ عليه السّلام: إنّ الله ـ عزّ وجلّ ـ ابتدع الأشياء كلّها بعلمه، على غير مثال كان قبله. فابتدع السّماوات والأرض(٣) ، ولم يكن قبلهنّ سماوات ولا أرضون. أما تسمع لقوله تعالى(٤) ( وَكانَ عَرْشُهُ عَلَى الْماءِ ) ؟

والحديث طويل. أخذت منه موضع الحاجة](٥) ( وَإِذا قَضى أَمْراً ) : إذا أراد إحداث أمر،( فَإِنَّما يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ ) (١١٧) :

من كان التّامّة، أي، أحدث، فيحدث. وليس المراد به حقيقة أمر وامتثال. بل حصول ما تعلّقت به إرادته، بلا مهلة بطاعة المأمور المطيع، بلا توقّف.

وفيه تقرير لمعنى الإبداع. وإيماء إلى دليل آخر. وهو أنّ اتخاذ الولد ممّا يكون بأطوار. وفعله تعالى مستغن عن ذلك.

قيل(٦) : كان سبب ضلالتهم، أنّ أرباب الشّرائع المتقدّمة، كانوا يطلقون الأب على الله تعالى، باعتبار أنّه السّبب الأوّل، حين(٧) قالوا: «إنّ الأب، هو الرّبّ الأصغر.

والله سبحانه وتعالى هو الأب الأكبر.» ظنّت الجهلة منهم، أنّ المراد به معنى الولادة.

__________________

(١) الكافي ١ / ٢٥٦، صدر ح ٢.

(٢) المصدر: قال.

(٣) المصدر: الأرضين.

(٤) هود / ٧

(٥) ما بين المعقوفتين ليس في أ.

(٦) أنوار التنزيل ١ / ٧٩.

(٧) المصدر: حتى.

١٢٨

فاعتقدوا ذلك تقليدا. ولذلك كفر قائله. ومنع منه مطلقا جسما، لمادّة الفاسد.

[وفي كتاب نهج البلاغة(١) : يقول لما(٢) أراد كونه، قال(٣) : «كُنْ فَيَكُونُ » لا بصوت يفزع(٤) ولا نداء يسمع. وإنّما كلامه سبحانه، فعل منه، إنشاء(٥) . ومثله لم يكن من قبل ذلك كائنا. ولو كان قديما، لكان إلها ثانيا.

وفيه(٦) : يقول ولا يلفظ(٧) . ويريد ولا يضمر.

وفي كتاب الاحتجاج(٨) ، للطّبرسيّ ـ رحمه الله ـ عن يعقوب بن جعفر، عن أبي إبراهيم ـ عليه السّلام ـ أنّه قال: ولا أجده يلفظ بشقّ فم(٩) . ولكن كما قال الله ـ عزّ وجلّ ـ( إِنَّما أَمْرُهُ إِذا أَرادَ شَيْئاً أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ ) . بمشيئة، من غير تردّد في نفس.

وفي كتاب الإهليلجة(١٠) : قال الصّادق ـ عليه السّلام ـ في كلام طويل: فالإرادة للفعل، إحداثه،( فَإِنَّما يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ ) بلا تعب وكيف.

وفي عيون الأخبار(١١) ، بإسناده إلى صفوان بن يحيى، عن أبي الحسن ـ عليه السّلام ـ حديث طويل. يقول فيه. فإرادة الله، هي الفعل. لا غير ذلك.( يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ ) بلا لفظ ولا نطق بلسان ولا همّة ولا تفكّر ولا كيف. لذلك(١٢) ، كما أنّه بلا كيف.

وفيه(١٣) حديث طويل، عن الرّضا ـ عليه السّلام ـ أيضا ـ يقول فيه: و «كن» منه صنع. وما يكون به المصنوع].(١٤)

( وَقالَ الَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ ) ، أي: جهلة المشركين، أو المتجاهلون من أهل الكتاب.

( لَوْ لا يُكَلِّمُنَا اللهُ ) كما يكلّم الملائكة، أو يوحي إلينا بأنّك رسوله. وهذا استكبار منهم.

__________________

(١) نهج البلاغة / ٢٧٤، ضمن خطبه ١٨٦.

(٢) المصدر: لمن.

(٣) ليس في المصدر.

(٤) المصدر: يقرع.

(٥) المصدر: أنشاه.

(٦) نفس المصدر ونفس الموضع.

(٧) المصدر: يقول ولا يلفظ. ويحفظ ولا يتحفّظ.

(٨) الاحتجاج ٢ / ١٥٦.

(٩) ر: ولا احمده بلفظ. لشق فم. المصدر: ولا اخذه بلفظ شق فم.

(١٠) بحار الأنوار ٣ / ١٩٦.

(١١) عيون الأخبار ١ / ١١٩، ذيل ح ١١.(١٢) المصدر: كذلك.

(١٣) نفس المصدر ١ / ١٧٣ ـ ١٧٤. (١٤) ما بين المعقوفتين ليس في أ.

١٢٩

( أَوْ تَأْتِينا آيَةٌ ) وحجّة على صدقك. وهذا جحود لأن ما أتاهم آيات استهانة.

( كَذلِكَ قالَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ ) من الأمم الماضية،( مِثْلَ قَوْلِهِمْ ) :

فقالوا: «أَرِنَا اللهَ جَهْرَةً » وغير ذلك.

( تَشابَهَتْ قُلُوبُهُمْ ) ، أي: قلوب هؤلاء ومن قبلهم، في العمى والعناد.

وقرئ بتشديد الشّين.

( قَدْ بَيَّنَّا الْآياتِ لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ ) (١١٨): اي: يطلبون اليقين، أو يوقنون. الحقائق لا يعتريهم شبهة ولا عناد.

( إِنَّا أَرْسَلْناكَ بِالْحَقِ ) ، مؤيّدا به،( بَشِيراً وَنَذِيراً ) : فلا عليك إن كابروا.

( وَلا تُسْئَلُ عَنْ أَصْحابِ الْجَحِيمِ ) (١١٩)، أنّهم لم يؤمنوا بعد أن بلّغت.

وقرأ نافع ويعقوب «ولا تسأل»، على لفظ النّهي، مبيّنا للفاعل. وهو المرويّ عن أبي جعفر الباقر ـ عليه السّلام(١)

وفيه، حينئذ، إشارة إلى تعظيم عقوبة الكفّار. كأنّها لا يقدر أن يخبر عنها، أو السّامع لا يصبر على استماع خبرها فنهاه عن السّؤال.

و «الجحيم»: المتأجّج من النّار. من جحمت النّار يجحم جحما، إذا اضطرمت.

( وَلَنْ تَرْضى ) ، وإن بالغت في إرضائهم،( عَنْكَ الْيَهُودُ وَلَا النَّصارى، حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ ) : كأنّهم قالوا: «لن نرضى عنك حتّى تتّبع ملّتنا»، إقناطا منهم لرسول الله، عن دخولهم في الإسلام. فحكى الله ـ عزّ وجلّ ـ كلامهم. ولذلك قال تعالى:( قُلْ ) تعليما للجواب،( إِنَّ هُدَى اللهِ هُوَ الْهُدى ) . لا ما تدعون إليه.

( وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْواءَهُمْ ) ، أي: أقوالهم الّتي هي أهواء وبدع،( بَعْدَ الَّذِي جاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ ) : من الوحي، أو الدّين المعلوم صحّته بالبراهين الصّحيحة ،

__________________

(١) ر. مجمع البيان ١ / ١٩٦.

١٣٠

( ما لَكَ مِنَ اللهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلا نَصِيرٍ ) (١٢٠) يدفع عنك عقابه.

وفي هذه الآية، دلالة على ان من علم الله تعالى منه، أنّه لا يعصي يصحّ وعيده.

لأنّه علم أنّ نبيّه ـ عليه السّلام ـ لا يتّبع أهواءهم. والمقصود منه التّنبيه على أنّ حال أمّته فيه، اغلظ من حاله. لأن منزلتهم، دون منزلته.

وقيل(١) : الخطاب للنّبيّ والمراد أمّته.

( الَّذِينَ آتَيْناهُمُ الْكِتابَ ) :

قيل(٢) : يريد مؤمني أهل الكتاب، أو مطلقهم.

[وفي أصول الكافي(٣) : محمّد بن يحيى، عن محمّد بن أحمد بن محمّد(٤) ، عن ابن محبوب، عن أبي ولّاد. قال: سألت أبا عبد الله عن قول الله ـ عزّ وجلّ ـ( الَّذِينَ آتَيْناهُمُ الْكِتابَ يَتْلُونَهُ حَقَّ تِلاوَتِهِ، أُولئِكَ يُؤْمِنُونَ بِهِ ) .

قال: هم الأئمّة ـ عليهم السّلام. وفي شرح الآيات الباهرة(٥) : روى محمّد بن يعقوب، عن محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد بن الحسن بن محبوب، عن أبي ولّاد. قال :سألت أبا عبد الله ـ عليه السّلام ـ عن قول الله ـ عزّ وجلّ ـ( الَّذِينَ آتَيْناهُمُ الْكِتابَ يَتْلُونَهُ حَقَّ تِلاوَتِهِ أُولئِكَ يُؤْمِنُونَ بِهِ ) قال: هم الأئمّة ـ صلوات الله عليهم. والكتاب، القرآن المجيد. وإن لم يكونوا هم، وإلّا فمن سواهم؟](٦)

( يَتْلُونَهُ حَقَّ تِلاوَتِهِ ) ، بمراعاة اللّفظ عن التّحريف، والتدبّر في معناه، والعمل بمقتضاه.

وروى عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ(٧) أنّ حقّ تلاوته هو الوقوف عند ذكر الجنّة والنّار. يسأل في الأولى ويستعيذ من الأخرى.

والجملة خبر للموصول، على التّقدير الأوّل(٨) ، وحال مقدّرة على التّقدير الثّاني [لأهل الكتاب والتّقدير الثّالث].(٩)

__________________

(١) مجمع البيان ١ / ١٩٨.

(٢) أنوار التنزيل ١ / ٨٠.

(٣) الكافي ١ / ٢١٥، ح ٤.

(٤) المصدر: أحمد بن محمد.

(٥) شرح الآيات الباهرة، مخطوط / ٢٣.

(٦) ما بين المعقوفتين ليس في أ.

(٧) مجمع البيان ١ / ١٩٨.

(٨) أ: الاوّل لأهل الكتاب.

(٩) ما بين المعقوفتين ليس في أ.

١٣١

( أُولئِكَ يُؤْمِنُونَ بِهِ ) : بكتابهم، دون المحرّفين.

( وَمَنْ يَكْفُرْ بِهِ ) : بالكتاب. وهم أكثر اليهود. وقيل(١) : هم جميع الكفّار.

( فَأُولئِكَ هُمُ الْخاسِرُونَ ) (١٢١)، حيث اشتروا الضّلالة بالهدى.

( يا بَنِي إِسْرائِيلَ اذْكُرُوا نِعْمَتِيَ الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ وَأَنِّي فَضَّلْتُكُمْ عَلَى الْعالَمِينَ ) (١٢٢)( وَاتَّقُوا يَوْماً لا تَجْزِي نَفْسٌ عَنْ نَفْسٍ شَيْئاً وَلا يُقْبَلُ مِنْها عَدْلٌ وَلا تَنْفَعُها شَفاعَةٌ وَلا هُمْ يُنْصَرُونَ ) (١٢٣) :

مضى تفسيرها.

وقيل في سبب تكريرها ثلثة أقوال(٢) :

الأوّل: أنّ نعم الله سبحانه لـمّا كانت أصول كلّ نعمة، كرّر التّذكير بها، مبالغة في استدعائهم، إلى ما لزمهم(٣) من شكرها، ليقبلوا إلى طاعة ربّهم المظاهر عليهم.

والثّاني: أنّه لـمّا باعد بين الكلامين، حسن التّنبيه والتّذكير، إبلاغا في الحجّة، وتأكيدا للتّذكرة.

والثّالث: أنّه لـمّا ذكر التوراة وفيها الدّلالة على شأن عيسى ـ عليه السّلام ـ ومحمّد ـ صلّى الله عليه وآله ـ في النّبوّة، والبشارة بهما، ذكّرهم نعمته عليهم بذلك وما فضّلهم به، كما عدّد النّعم في سورة الرّحمن وكرّر قوله( فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ ) .

فكلّ تقريع جاء بعد تقريع، فإنّما هو موصول بتذكير نعمة غير الأولى.

( وَإِذِ ابْتَلى إِبْراهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِماتٍ ) : كلّفه بأوامر ونواه.

و «الابتلاء» في الأصل، التّكليف بالأمر الشّاقّ، من البلاء، لكنّه لـمّا استلزم الاختيار بالنّسبة إلى من يجهل العواقب، ظنّ ترادفهما.

والضّمير لإبراهيم. وحسن لتقدّمه لفظا. وإنّ تأخّر رتبة. لأنّ الشّرط أحد التقدمين(٤) .

و «الكلمات» قد يطلق على المعاني. فلذلك فسّرت بالخصال الثلاثين المحمودة المذكورة عشرة منها في قوله(٥) ( التَّائِبُونَ الْعابِدُونَ ) وعشرة في قوله(٦) :( إِنَّ الْمُسْلِمِينَ ) (إلى

__________________

(١) مجمع البيان ١ / ١٩٨.

(٢) مجمع البيان ١ / ١٩٨ ـ ١٩٩.

(٣) أ: لزم.

(٤) ر: التقديرين.

(٥) التّوبة / ١١٢.

(٦) المؤمنون / ١٠ ـ ١.

١٣٢

آخر الآيتين) وعشرة في قوله(١) :( قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ ) (إلى قوله)( أُولئِكَ هُمُ الْوارِثُونَ ) وروى عشرة في سورة( سَأَلَ سائِلٌ ) (إلى قوله)( وَالَّذِينَ هُمْ عَلى صَلاتِهِمْ يُحافِظُونَ ) . فجعلت أربعين.

وبالعشر الّتي هي من سنّته: خمسة منها في الرّأس، وخمسة منها في البدن.

فأمّا الّتي في الرّأس: فأخذ الشّارب، وإعفاء اللّحى، وطمّ الشعر، والسّواك، والخلال.

وأمّا الّتي في البدن: فحلق الشّعر من البدن، والختان، وتقليم الأظفار، والغسل من الجنابة، والطهور بالماء.

فهذه الحنفيّة الظّاهرة الّتي جاء بها إبراهيم ـ عليه السّلام. فلم تنسخ، ولا تنسخ، إلى يوم القيامة. وبمناسك الحجّ، وبالكوكب، والقمرين، وذبح الولد، والنّار، والهجرة، وبالآيات الّتي بعدها. وهي قوله( إِنِّي جاعِلُكَ ) (إلى آخره)(٢) .

وكان سعيد بن المسيّب يقول(٣) : كان إبراهيم أوّل النّاس أضاف(٤) الضّيف، وأوّل النّاس قصّ شاربه واستحدّ، وأوّل(٥) النّاس رأى الشّيب(٦) .

فلمّا رآه قال: يا ربّ! ما هذا؟

قال: هذا الوقار.

قال: يا ربّ! فزدني وقارا.

وهذا أيضا

رواه السّكونيّ، عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام ولم يذكر أوّل من قصّ شاربه، واستحدّ. وزاد فيه: وأوّل من قاتل في سبيل الله، إبراهيم. وأوّل من أخرج الخمس، إبراهيم. وأوّل من اتّخذ النّعلين، إبراهيم. وأوّل من اتّخذ الرّايات، إبراهيم.

وقرئ إبراهيم ربّه على أنّه دعا ربّه بكلمات، مثل:( أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِ الْمَوْتى ) ،( اجْعَلْ هَذَا الْبَلَدَ آمِناً ) ، ليرى هل يجيبه؟

وروى الشّيخ أبو جعفر بن بابويه ـ رحمه الله ـ في كتاب النّبوّة(٧) ، بإسناده ،

__________________

(١) الأحزاب / ٣٥.

(٢) ر. تفسير القمي ١ / ٥٩+ مجمع ١ / ٢٠٠.

(٣) مجمع البيان ١ / ٢٠٠.

(٤) أ: أصناف.

(٥) ليس في أ.

(٦) أ: الشهب.

(٧) مجمع البيان ١ / ٢٠٠.

١٣٣

مرفوعا إلى المفضّل بن عمر، عن الصّادق ـ عليه السّلام. قال: سألته عن قول الله ـ عزّ وجلّ ـ( وَإِذِ ابْتَلى إِبْراهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِماتٍ ) ما هذه الكلمات؟ قال: هي الكلمات الّتي تلقاها آدم ـ عليه السّلام ـ من ربّه.

فتاب عليه. وهو أنّه قال: «يا ربّ! أسألك بحقّ محمّد وعليّ وفاطمة والحسن والحسين، إلّا تبت عليّ.» فتاب الله عليه. إنّه هو التّوّاب الرّحيم.

فقلت: يا بن رسول الله! فما يعني بقوله «فأتمّهنّ»؟

فقال: أتمّهنّ إلى القائم، اثنى عشر إماما، تسعة من ولد الحسين عليهم السّلام.

قال المفضّل: فقلت له: يا بن رسول الله! فأخبرني عن قول الله ـ عزّ وجلّ ـ( وَجَعَلَها كَلِمَةً باقِيَةً فِي عَقِبِهِ ) ؟

قال: يعني بذلك الإمامة. جعلها الله في عقب الحسين ـ عليه السّلام ـ إلى يوم القيامة.

فقلت له: يا بن رسول الله! فكيف صارت الإمامة في ولد الحسين، دون ولد الحسن، وهما جميعا ولدا رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ وسبطاه وسيّدا شباب أهل الجنّة؟

فقال: إنّ موسى وهارون نبيّان مرسلان أخوان، فجعل الله النّبوّة في صلب هارون، دون صلب موسى. ولم يكن لأحد أن يقول: «لم فعل الله ذلك؟» وإنّ الإمامة خلافة الله ـ عزّ وجلّ. ليس لأحد أن يقول: «لم جعلها الله في صلب الحسين دون صلب الحسن؟» لأنّ الله ـ عزّ وجلّ ـ هو الحكيم في أفعاله.( لا يُسْئَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْئَلُونَ ) »(١)

( فَأَتَمَّهُنَ ) : فأدّاهنّ كملا وقام بهنّ حقّ القيام.

وفي القراءة(٢) الأخيرة الضّمير المستتر لربّه، أي: أعطاه جميع ما سأل.

[وفي تفسير العيّاشيّ(٣) ، رواه بأسانيد عن صفوان الجمّال، قال: كنّا بمكّة فجرى الحديث في قول الله( وَإِذِ ابْتَلى إِبْراهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِماتٍ فَأَتَمَّهُنَّ ) .

قال: أتمّهنّ بمحمّد وعليّ والأئمّة من ولد عليّ ـ صلّى الله عليهم ـ في قول الله

__________________

(١) الأنبياء / ٢٣.

(٢) أ: وفي القراءة لم جعلها الله في صلب الحسين دون صلب الحسن. (!)

(٣) تفسير العيّاشي ١ / ٥٧، ح ٨٨.

١٣٤

«ذرّية بعضها من بعض. والله سميع عليم»](١) ( قالَ إِنِّي جاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِماماً ) : جملة مستأنفة، إن أضمر ناصب «إذ».

والتّقدير: فما ذا قال له ربّه حين أتمّهنّ. فأجيب بأنّه قال: إنّي (إلى آخره.) أو بيان للابتلاء. فيكون الكلمات، ما ذكره من الإمامة وتطهير البيت وغير ذلك. وإن كان ناصبه «قال»، فالمجموع جملة معطوفة على ما قبلها.

و «جاعل» من جعل المتعدّي إلى مفعولين.

و «الإمام»، اسم لمن يؤتمّ به في أقواله وأفعاله ويقوم بتدبير الإمامة وسياستها والقيام بأمورها وتأديب جنايتها وتوليد ولايتها وإقامة الحدود على مستحقّها ومحاربة من يكيدها ويعاديها. وقد يطلق على المقتدى به في أقواله وأفعاله.

( قالَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي ) :

عطف على الكاف، عطف تلقين، أي: وبعض ذرّيّتي، كما تقول: «وزيدا»، في جواب: «سأكرمك.» والذّرّيّة: نسل الرّجل. فعليّة أو فعلولة، من الذّرّ، بمعنى التّفريق والأصل ذرّيّة، على الأوّل. وعلى الثّاني، ذرورة. قلبت راؤها الثّالثة ياء، كما في تقضيّت. ثمّ أبدلت الواو والضّمّة. أو فعليّة أو فعولة من الذّرء، بمعنى الخلق. فخفّفت الهمزة.

وقرئ ذرّيّتي (بالكسر) وهي لغة. وبعض العرب، بفتح الذّال.

( قالَ لا يَنالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ ) (١٢٤) :

والعهد والإمامة، كما روي عن أبي جعفر وأبي عبد الله ـ عليهما السّلام

(٢) ـ، أي: لا يكون الظّالم إماما للنّاس. واستدلّ أصحابنا بهذه الآية، على أنّ الإمام لا يكون إلّا معصوما عن القبائح. لأنّ الله سبحانه نفى أن ينال عهده الّذي هو الإمامة، ظالم. ومن ليس بمعصوم، فقد يكون ظالما. إمّا لنفسه، أو لغيره.

لا يقال: إنّما نفى أن يناله ظالم في حال ظلمه، فإذا تاب لا يسمّى ظالما، فيصحّ أن يناله، لأنّا نقول: إنّ الظّالم وإن تاب فلا يخرج من أن تكون الآية قد تناولته في حال كونه ظالما. وقد حكم عليه بأنّه لا ينالها. والآية مطلقة غير مقيّدة بوقت دون وقت. فيجب أن تكون محمولة على الأوقات، كلّها. فلا ينالها الظّالم، وإن تاب فيما بعد.

__________________

(١) ما بين المعقوفتين ليس في أ.

(٢) مجمع البيان ١ / ٢٠٢.

١٣٥

[وفي عيون الأخبار(١) ، بإسناده إلى الرّضا ـ عليه السّلام ـ حديث طويل. يقول فيه ـ عليه السّلام: إنّ الإمامة خصّ الله ـ عزّ وجلّ ـ بها إبراهيم الخليل ـ صلوات الله عليه وآله ـ بعد النّبوّة والخلّة، مرتبة ثالثة، وفضيلة شرّفه بها وأشاد بها(٢) وذكره. فقال ـ عزّ وجلّ:( إِنِّي جاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِماماً ) .

فقال الخليل ـ عليه السّلام ـ مسرورا(٣) بها:( وَمِنْ ذُرِّيَّتِي ) ؟» قال الله ـ عزّ وجلّ:( لا يَنالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ ) .

فأبطلت هذه الآية، إمامة كلّ ظالم، إلى يوم القيامة. وصارت في الصّفوة.

وفي أصول الكافي(٤) : محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد، عن أبي يحيى الواسطيّ، عن هشام بن سالم، ودرست بن أبي منصور عنه. قال: قال أبو عبد الله ـ عليه السّلام: وقد كان إبراهيم ـ عليه السّلام ـ نبيّا، وليس بإمام، حتّى قال الله:( إِنِّي جاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِماماً. قالَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي ) ؟» فقال الله:( لا يَنالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ ) ، من عبد صنما أو وثنا، لا يكون إماما.

محمّد ابن الحسن(٥) ، عمّن ذكره، عن محمّد بن خالد، عن محمّد بن سنان، عن زيد الشّحّام. قال: سمعت أبا عبد الله ـ عليه السّلام ـ يقول: إنّ الله ـ تبارك وتعالى ـ اتّخذ إبراهيم عبدا، قبل أن يتّخذه نبيّا، وإنّ الله اتّخذه نبيّا، قبل أن يتّخذه رسولا. وإنّ الله اتّخذه رسولا، قبل أن يتّخذه خليلا. وإنّ الله اتّخذه خليلا، قبل أن يجعله إماما. فلمّا جمع له الأشياء، قال:( إِنِّي جاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِماماً ) .

قال: فمن عظمها في عين إبراهيم قال( وَمِنْ ذُرِّيَّتِي ) ؟( قالَ لا يَنالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ ) .» قال: لا يكون السّفيه، إمام التّقي.

عليّ بن محمّد(٦) ، عن سهل بن زياد، عن محمّد بن الحسين، عن إسحاق بن عبد العزيز أبي السّفاتج، عن جابر، عن أبي جعفر ـ عليه السّلام. قال: سمعته يقول: إنّ الله اتّخذ إبراهيم عبدا، قبل أن يتّخذه نبيّا. واتّخذه نبيّا، قبل أن يتّخذه رسولا. واتّخذه

__________________

(١) عيون الأخبار ١ / ٢١٧.

(٢) ليس في المصدر.

(٣) المصدر: سرورا.

(٤) الكافي ١ / ١٧٥.

(٥) نفس المصدر ونفس الموضع، ح ٢.

(٦) نفس المصدر ونفس الموضع، ح ٤.

١٣٦

رسولا، قبل أن يتّخذه خليلا. واتّخذه خليلا، قبل أن يتّخذه إماما. فلمّا جمع له هذه الأشياء وقبض يده، «قال» له: يا إبراهيم!( إِنِّي جاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِماماً ) .» فمن عظمها في عين إبراهيم «قال»: يا ربّ!( وَمِنْ ذُرِّيَّتِي؟ قالَ: لا يَنالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ )

وفي كتاب الاحتجاج(١) ، للطّبرسيّ ـ رحمه الله ـ عن أمير المؤمنين ـ عليه السّلام ـ حديث طويل. يقول فيه: قد حظر على من ماسّه الكفر تقلّد ما فوّضه إلى أنبيائه وأوليائه، بقوله لإبراهيم( لا يَنالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ ) ، أي: المشركين. لأنّه سمّى الشّرك ظلما بقوله(٢) :

( إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ ) .» فلمّا علم إبراهيم أنّ عهد الله تبارك اسمه بالإمامة، لا ينال عبدة الأصنام، قال(٣) :( وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَنْ نَعْبُدَ الْأَصْنامَ )

وفي مجمع البيان(٤) :( لا يَنالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ ) قال مجاهد: العهد الإمامة. وهو المرويّ عن الباقر وأبي عبد الله ـ عليهما السّلام.

وفي تفسير العيّاشيّ(٥) ، رواه بأسانيد عن صفوان الجّمال. قال: كنّا بمكّة، فجرى الحديث في قول الله [( وَإِذِ ابْتَلى إِبْراهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِماتٍ فَأَتَمَّهُنَ ) .» قال: أتمهنّ بمحمّد وعليّ والأئمة من ولد عليّ ـ صلّى الله عليهم ـ في قول الله( ذُرِّيَّةً بَعْضُها مِنْ بَعْضٍ وَاللهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ ) .»](٦) .

ثمّ قال:( إِنِّي جاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِماماً ) .

قال:( وَمِنْ ذُرِّيَّتِي ) ؟

( قالَ: لا يَنالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ ) .» قال: يا ربّ! ويكون من ذرّيّتي ظالم؟

قال: نعم! فلان وفلان وفلان ومن اتّبعهم.

قال: يا ربّ! فعجّل لمحمّد وعليّ ما وعدتني فيهما. وعجّل نصرك لهما.

[وإليه أشار](٧) بقوله(٨) :( وَمَنْ يَرْغَبُ عَنْ مِلَّةِ إِبْراهِيمَ، إِلَّا مَنْ سَفِهَ نَفْسَهُ. وَلَقَدِ

__________________

(١) تفسير نور الثقلين ١ / ١٢١، ح ٣٤٤، نقلا عن الاحتجاج.

(٢) لقمان / ١٣.

(٣) إبراهيم / ٣٥.

(٤) مجمع البيان ١ / ٢٠٢.

(٥) تفسير العياشي ١ / ٥٧ ـ ٥٨.

(٦) يوجد في المصدر.

(٧) يوجد في المصدر.

(٨) البقرة / ١٣٠.

١٣٧

اصْطَفَيْناهُ فِي الدُّنْيا وَإِنَّهُ فِي الْآخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ ) .» فالمّلة، (الإمام)(١) . فلمّا أسكن ذرّيّته بمكّة قال(٢) :( رَبَّنا إِنِّي أَسْكَنْتُ مِنْ ذُرِّيَّتِي بِوادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِنْدَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ ) إلى (قوله)( مِنَ الثَّمَراتِ مَنْ آمَنَ ) (٣) .» فاستثنى «من آمن» خوفا بقوله(٤) «لا»، كما قال له في الدّعوة الأولى:( وَمِنْ ذُرِّيَّتِي؟ قالَ: لا يَنالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ )

وفيه(٥) : عن حريز، عمّن ذكره، عن أبي جعفر ـ عليه السّلام ـ في قول الله( لا يَنالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ ) ، أى: لا يكون إماما ظالما.

وفيه(٦) : عن هشام بن الحكم، عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ في قول الله( إِنِّي جاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِماماً ) قال: فقال لو علم الله أنّ اسما أفضل (منه)، لسمّانا به.

وفي شرح الآيات الباهرة(٧) : وجاء في التّأويل ما رواه الفقيه ابن المغازليّ، بإسناده عن رجاله، عن عبد الله بن مسعود. قال: قال رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله: أنا دعوة أبي إبراهيم.

قال: قلت كيف صرت دعوة أبيك إبراهيم؟

قال: إنّ الله أوحى إلى إبراهيم( إِنِّي جاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِماماً ) .» فاستخفّ به الفرح.

فقال: يا ربّ!( وَمِنْ ذُرِّيَّتِي ) أئمّة مثلي؟

فأوحى الله ـ عزّ وجلّ ـ إليه: يا إبراهيم! إنّي لا أعطيك عهدا لا أفي لك به.

قال: يا ربّ! وما العهد الّذي لا تفي به؟

قال: لا أعطيك لظالم من ذرّيّتك عهدا.

فقال إبراهيم عندها:( وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَنْ نَعْبُدَ الْأَصْنامَ. رَبِّ إِنَّهُنَّ أَضْلَلْنَ كَثِيراً مِنَ النَّاسِ ) .» ثمّ قال النّبيّ ـ صلّى الله عليه وآله: فانتهت الدّعوة إليّ وإلى عليّ. لم يسجد أحدنا لصنم. فاتّخذني نبيّا. واتّخذ عليّا، وصيّا. وفي معنى هذه الدّعوة قوله تعالى، حكاية

__________________

(١) المصدر: الامامة. وهو الظاهر.

(٢) إبراهيم / ٣٧.

(٣) البقرة / ١٢٦.

(٤) المصدر: أن يقول به. وهو الظاهر.

(٥) نفس المصدر ١ / ٥٨، ح ٨٩.

(٦) نفس المصدر ونفس الموضع، ح ٩٠.

(٧) تأويل الآيات الباهرة، مخطوط / ٢٦.

١٣٨

عن قول إبراهيم ـ عليه السّلام ـ( رَبَّنا وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولاً مِنْهُمْ يَتْلُوا عَلَيْهِمْ آياتِكَ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُزَكِّيهِمْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ ) .»](١)

( وَإِذْ جَعَلْنَا الْبَيْتَ ) ، أي: الكعبة، غلب عليها، كالنّجم على الثّريّا.

( مَثابَةً لِلنَّاسِ ) ، أي: مرجعا يثوب إليه أعيان الزّوّار وأمثالهم. أو موضع ثواب يثابون بحجته واعتماره. أو موضع لا ينصرف منه أحد إلّا وينبغي أن يكون على قصد الرّجوع إليه. وقد ورد في الخبر أنّ من رجع من مكّة وهو ينوى الحجّ، من قابل زيد في عمره. ومن خرج من مكّة وهو لا ينوي العود إليها، فقد قرب أجله(٢) .

( وَأَمْناً ) ، أي: موضع أمن. والحمل للمبالغة. وذلك لأنّه لا يتعرّض لأهله. أو يأمن حاجّه من عذاب الآخرة. لأنّ الحجّ يجبّ ما قبله. أو لا يؤاخذ الجاني الملتجئ إليه.

والحمل على العموم أولى.

[وفي تهذيب الأحكام(٣) : محمّد بن يعقوب، عن عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، ومحمّد بن إسماعيل، عن الفضل بن شاذان، عن صفوان، وابن أبي عمير، عن معاوية بن عمّار، عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام. قال: فإذا دخلت المسجد، فارفع يديك، واستقبل البيت، وقل أللّهمّ (إلى قوله) أللّهمّ إنّي أشهدك أنّ هذا بيتك الحرام الّذي جعلته مثابة للنّاس وأمنا مباركا وهدى للعالمين].(٤)

( وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقامِ إِبْراهِيمَ مُصَلًّى ) : على إرادة القول، أو عطف على المقدّر العامل في «إذا» واعتراض معطوف على مضمر تقديره «توبوا اليه واتخذوا» و «مقام إبراهيم»: الحجر الّذي فيها اثر قدميه.

والمراد باتّخاذه مصلّى، الصّلاة فيه، بعد الصّلاة، كما روى عن الصّادق ـ عليه السّلام(٥) ـ أنّه سئل عن الرّجل يطوف بالبيت طواف الفريضة ونسي أن يصلّي ركعتين عند مقام إبراهيم.

فقال: يصلّيهما. ولو بعد أيّام. إنّ الله تعالى قال: واتّخذوا من مقام إبراهيم مصلّى.

__________________

(١) ما بين المعقوفتين ليس في أ.

(٢) ر. من لا يحضره الفقيه ٢ / ١٤١، ح ٦١٤+ مجمع البيان ١ / ٢٠٣.

(٣) تهذيب الأحكام ٥ / ١٠٠، ضمن ح ٣٢٧.

(٤) ما بين المعقوفتين ليس في أ.

(٥) مجمع البيان ١ / ٢٠٣+ وسائل الشيعة ٩ / ٤٨٥، ح ١٩.

١٣٩

وروى عن أبي جعفر الباقر ـ عليه السّلام(١) ـ أنّه قال: نزلت ثلاثة أحجار من الجنّة: مقام إبراهيم، وحجر بني إسرائيل، والحجر الأسود، استودعه الله إبراهيم ـ عليه السّلام ـ حجرا أبيض. وكان أشدّ بياضا من القراطيس. فاسودّ من خطايا بني آدم.

[وفي كتاب التّوحيد(٢) ، بإسناده إلى عمرو بن شمر، عن جابر بن يزيد الجعفيّ.

قال: قال محمّد بن عليّ الباقر ـ عليه السّلام: يا جابر! ما أعظم فرية أهل الشّام، على الله ـ عزّ وجلّ؟ يزعمون أنّ الله ـ تبارك وتعالى ـ حيث صعد إلى السّماء، وضع قدمه على صخرة بيت المقدس. ولقد وضع عبد من عباد الله، قدمه على صخرة(٣) . فأمرنا الله تعالى أن نتّخذه مصلّى.

والحديث طويل. أخذت منه موضع الحاجة.

وفي الكافي(٤) : محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد، عن محمّد بن إسماعيل، عن محمّد بن الفضل، عن أبي الصّباح الكنانيّ. قال: سألت أبا عبد الله ـ عليه السّلام ـ عن رجل نسي أن يصلّي الرّكعتين عند مقام إبراهيم ـ صلّى الله عليه ـ في طواف الحجّ والعمرة.

فقال: إن كان بالبلد، صلّى ركعتين عند مقام إبراهيم. فإنّ الله ـ عزّ وجلّ ـ يقول:( وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقامِ إِبْراهِيمَ مُصَلًّى ) .» وإن كان قد ارتحل، فلا آمره أن يرجع.

وفي تهذيب الأحكام(٥) : روى موسى بن القاسم، عن محمّد بن سنان، عن عبد الله بن مسكان، عن أبي عبد الله الأبزاريّ. قال: سألت أبا عبد الله ـ عليه السّلام ـ عن رجل نسي فصلّى ركعتي طّواف الفريضة في الحجر.

قال: يعيدهما خلف المقام. لأنّ الله تعالى يقول:( وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقامِ إِبْراهِيمَ مُصَلًّى ) ، يعني بذلك: ركعتي طواف الفريضة.

موسى بن القسم(٦) ، عن الحسن بن محبوب، عن عليّ بن رئاب، عن أبي بصير.

__________________

(١) تفسير العيّاشي ١ / ٥٩، ح ٩٣+ مجمع البيان ١ / ٢٠٣.

(٢) التوحيد / ١٧٩، صدر ح ١٣.

(٣) المصدر: حجرة.

(٤) الكافي ٤ / ٤٢٥، ح ١.

(٥) تهذيب الأحكام ٥ / ١٣٨، ح ٤٥٤.

(٦) نفس المصدر ٥ / ١٤٠، ح ٤٦١، وفيه: موسى بن القاسم.

١٤٠

قال: سألت أبا عبد الله ـ عليه السّلام ـ عن رجل نسي أن يصلّي ركعتي طواف الفريضة، خلف المقام. وقد قال الله تعالى:( وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقامِ إِبْراهِيمَ مُصَلًّى ) حتى ارتحل.

فقال: وإن كان ارتحل فإنّي لا أشقّ عليه. ولا آمره أن يرجع. ولكن يصلّي حيث ما(١) يذكر.

موسى بن القاسم(٢) ، عن صفوان بن يحيى، عمّن حدّثه، عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام. قال: ليس لأحد أن يصلّي ركعتي طواف الفريضة، إلّا خلف المقام، لقول الله ـ عزّ وجلّ ـ( وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقامِ إِبْراهِيمَ مُصَلًّى ) .» فإن صلّيتهما في غيره، فعليك إعادة الصّلاة].(٣)

وروى في سبب النّزول، عن ابن عبّاس(٤) وعليّ بن إبراهيم عن أبيه عن ابن أبي عمير عن أبان عن الصّادق ـ عليه السّلام ـ أيضا: أنّه لـمّا أتى إبراهيم بإسماعيل وهاجر، فوضعهما بمكّة، وأتت على ذلك مدّة، ونزلها الجرهميّون، وتزوّج إسماعيل امرأة منهم، وماتت هاجر، فاستأذن إبراهيم سارة أن يزور إسماعيل. فأذنت له. وشرطت عليه أن لا ينزل. فقدم إبراهيم ـ عليه السّلام ـ إذ قد ماتت هاجر. فذهب إلى بيت إسماعيل.

فقال لامرأته. أين صاحبك؟ قالت: ليس هاهنا. ذهب يتصيّد.

وكان إسماعيل يخرج من الحرم. فيصيد. ثمّ يرجع.

فقال إبراهيم: هل عندك ضيافة؟

قالت: ليس عندي شيء. وما عندي أحد.

فقال لها إبراهيم ـ عليه السّلام: إذ جاء زوجك، فاقرئيه السّلام، وقولي له فليغيّر عتبة بابه.

وذهب إبراهيم ـ عليه السّلام. فجاء إسماعيل فوجد ريح أبيه. فقال لامرأته :

هل جاءك أحد؟

قالت: جاءني شيخ، صفته كذا وكذا. (كالمستخفّة بشأنه).

قال: فما قال لك؟

قالت: قال لي اقرئي زوجك السّلام وقولي له فليغيّر(٥) عتبة بابه.

__________________

(١) ليس في المصدر.

(٢) نفس المصدر ٥ / ١٣٧، ح ٤٥١.

(٣) ما بين المعقوفتين ليس في أ.

(٤) مجمع البيان ١ / ٢٠٣ ـ ٢٠٤.

(٥) ر: وقولوا فليغيّرنّ.

١٤١

فطلّقها. وتزوّج أخرى. فلبث إبراهيم ما شاء أن يلبث. ثمّ استأذن أن يزور إسماعيل. فأذنت له واشترطت عليه أن لا ينزل. فجاء ابراهيم حتّى انتهى إلى باب إسماعيل.

فقال لامرأته: أين صاحبك؟ قالت: ذهب يتصيّد. وهو يجيء الآن إن شاء الله.

فانزل يرحمك الله.

قال لها: هل عندك ضيافة؟

قالت: نعم.

فجاءت باللّبن واللّحم. فدعا لهما(١) بالبركة. فلو جاءت يومئذ بخبز أو برّ أو شعير أو تمر لكان أكثر أرض الله برّا وشعيرا وتمرا(٢) .

فقالت: انزل حتّى أغسل رأسك.

فلم ينزل. فجاءت بالمقام. فوضعته على شقّه الأيمن. فوضع قدمه عليه فبقى أثر قدمه عليه. فغسلت شقّ رأسه الأيمن. ثمّ حولت المقام إلى شقّه الأيسر. فغسلت شقّ رأسه الأيسر. فبقى أثر قدمه عليه.

فقال لها: إذا جاء زوجك فاقرئيه السّلام. وقولي له: قد استقامت عتبة بابك.

فلمّا جاء إسماعيل وجد ريح أبيه. فقال لامرأته: هل جاءك أحد؟

قالت: نعم. شيخ أحسن النّاس وأطيبهم ريحا. فقال لي كذا وكذا. وقلت له كذا. وغسلت رأسه. وهذا موضع قدميه على المقام.

فقال لها إسماعيل ذاك إبراهيم.

وفي رواية أخرى، عنه ـ عليه السّلام(٣) ـ أنّ إبراهيم استأذن سارة أن يزور إسماعيل. فأذنت له على أن لا يلبث عنها، وأن لا ينزل من حماره.

فقيل له، فكيف كان ذلك! فقال: إنّ الأرض طويت له.

وروى عبد الله بن عمر(٤) ، عن رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ أنّه قال: الرّكن

__________________

(١) أ: لهم.

(٢) ر: كان أكثر أرض الله برّا او شعيرا او تمرا.

(٣) مجمع البيان ١ / ٢٠٣ ـ ٢٠٤+ بحار الأنوار ١٢ / ١١١، ح ٣٨، نقلا عن قصص الأنبياء.

(٤) مجمع البيان ١ / ٢٠٤.

١٤٢

والمقام، ياقوتتان من ياقوت الجنّة. طمس الله نورهما. ولو لا أنّ نورهما طمس، لأضاء ما بين المشرق والمغرب.

واستدلّ أصحابنا بهذه الآية، على أنّ صلاة الطّواف فريضة، مثل الطّواف، بأنّ الله تعالى أمر بذلك. وظاهر الأمر، يقتضي الوجوب. ولا صلاة واجبة عند مقام إبراهيم، غير صلاة الطّواف، بلا خلاف. والاستدلال بها، معاضد بالرّوايات الواردة، عن الأئمّة ـ عليهم السّلام.

( وَعَهِدْنا إِلى إِبْراهِيمَ وَإِسْماعِيلَ ) : أمرناهما،( أَنْ طَهِّرا بَيْتِيَ ) : بأن طهّرا.

ويجوز أن يكون «أن» مفسّرة، لتضمّن العهد معنى القول، يريد طهّراه من الأوثان والأنجاس وما لا يليق به، أو أخلصاه.

( لِلطَّائِفِينَ ) حوله،( وَالْعاكِفِينَ ) المقيمين عنده، أو المعتكفين فيه.

( وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ ) (١٢٥)، أي: المصلّين، جمع راكع وساجد.

[وفي كتاب علل الشّرائع(١) : حدّثنا محمّد بن الحسن ـ رحمه الله ـ قال: حدّثنا محمّد بن الحسن الصّفّار، عن أحمد وعبد الله، ابني محمّد بن عيسى، عن محمّد بن أبي عمير، عن حمّاد بن عثمان، عن عبيد الله بن عليّ الحلبيّ. قال: سألت أبا عبد الله ـ عليه السّلام ـ أتغتسل(٢) النّساء إذا أتين البيت؟

قال: نعم. إنّ الله ـ عزّ وجلّ ـ يقول:( أَنْ طَهِّرا بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْعاكِفِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ ) .» فينبغي للعبد أن لا يدخل (إلّا) وهو طاهر. قد غسل عنه العرق والأذى.

وتطهّر.

وفي تفسير عليّ بن إبراهيم(٣) : وقوله( طَهِّرا بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْعاكِفِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ ) قال الصادق ـ عليه السّلام: يعني نحّ عنه(٤) المشركين.

وقال: لـمّا بني إبراهيم ـ عليه السّلام ـ البيت وحجّ النّاس، شكت الكعبة إلى

__________________

(١) علل الشرائع / ٤١١، ح ١.

(٢) كذا في المصدر وفي الأصل: أيغتسلن.

(٣) تفسير القمي ١ / ٥٩.

(٤) المصدر: نحّيا عن.

١٤٣

الله ـ تبارك وتعالى ـ ما تلقى من أنفاس المشركين(١) . فأوحى الله إليها قرّي كعبتي. فإنّي أبعث في آخر الزّمان قوما يتنظّفون بقضبان الشّجر ويتخلّلون.

وفي مجمع البيان(٢) : قال رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله: إنّ لله ـ عزّ وجلّ ـ في كلّ يوم وليلة، عشرين ومائة رحمة، ينزل على هذا البيت: ستّون منها للطّائفين، وأربعون للمصلّين(٣) ، وعشرون للنّاظرين].(٤)

( وَإِذْ قالَ إِبْراهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هذا ) : معطوف على «إذ جعلنا.» والإشارة إلى «البلد» أو المكان.

( بَلَداً آمِناً ) : ذا أمن، كقوله تعالى(٥) ( فِي عِيشَةٍ راضِيَةٍ ) ، أو أمنا أهله، كقوله: ليله نائم.

والمراد بالبلد، مكّة.

والمراد بكونه «آمنا»، أنّه لا يصاد(٦) طيره، ولا يقطع شجره، ولا يختلى خلاه، كما روى عن الصّادق ـ عليه السّلام(٧) ـ أنّه قال: من دخل الحرم، مستجيرا به(٨) ، فهو آمن من سخط الله ـ عزّ وجلّ. ومن دخله من الوحش والطير، كان آمنا من أن يهاج، أو يؤذى، حتّى يخرج من الحرم.

وقال رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ يوم فتح مكّة(٩) : إنّ الله تعالى حرّم مكّة يوم خلق السّموات والأرض. فهي حرام إلى أن تقوم السّاعة. لم تحلّ لأحد قبلي. ولا تحلّ لأحد بعدي. ولم تحلّ لي إلّا ساعة من النّهار.

فهذا الخبر وأمثاله المشهورة في روايات أصحابنا، يدلّ على أنّ الحرم كان آمنا قبل دعوة إبراهيم. وإنّما تأكّدت حرمته بدعائه ـ عليه السّلام(١٠) . وبعضهم قالوا(١١) : إنّما صار حرما بدعاء إبراهيم. وكان قبل ذلك كسائر البلاد. واستدلّوا عليه بقول النّبيّ ـ صلّى الله عليه

__________________

(١) المصدر: أيدي المشركين وأنفاسهم.

(٢) مجمع البيان ١ / ٢٠٤.

(٣) المصدر: للعاكفين. وأشار في هامش المصدر أنّه في بعض النسخ «للمصلين.»

(٤) ما بين المعقوفتين ليس في أ.

(٥) الحاقة / ٢١ والقارعة / ٧.

(٦) أ: يصار.

(٧) الكافي ٤ / ٢٢٦، ح ١+ مجمع البيان ١ / ٢٠٦.

(٨) أ: بالله.

(٩) الكافي ٤ / ٢٢٦، ح ٤+ مجمع البيان ١ / ٢٠٦.

(١٠) ر. مجمع البيان ١ / ٢٠٦.

(١١) نفس المصدر ونفس الموضع.

١٤٤

وآله ـ إنّ إبراهيم ـ عليه السّلام ـ حرّم مكّة. وإنّي حرّمت المدينة.

والجواب: أنّه يحتمل أنّه(١) يكون حرّمه بغير الوجه الّذي كانت حراما قبله، لجواز كونها حراما قبل، بمعنى كونها ممنوعا من الاصطلام(٢) والانتقاك، كما لحق غيرها من البلاد. وصارت حراما بعد دعاء إبراهيم ـ عليه السّلام ـ بتعظيمه على ألسنة الرّسل(٣) وغير ذلك.

( وَارْزُقْ أَهْلَهُ مِنَ الثَّمَراتِ مَنْ آمَنَ مِنْهُمْ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ) :

«من آمن» بدل من أهله، بدل البعض.

( قالَ وَمَنْ كَفَرَ ) : مبتدأ متضمّن معنى الشّرط.

( فَأُمَتِّعُهُ قَلِيلاً ) [خبره. والجملة معطوفة على محذوف، أي: من آمن مرزوق. ومن كفر فأمتّعه قليلا].(٤) ( ثُمَّ أَضْطَرُّهُ إِلى عَذابِ النَّارِ ) (٥) : أدفعه وأسوقه إليها في الآخرة.

( وَبِئْسَ الْمَصِيرُ ) (١٢٦) :

المخصوص محذوف، أي: العذاب.

و «قليلا» منصوب على المصدر، أو الظّرف.

وقرئ بلفظ الأمر، في «فأمتّعه» و «أضطرّه»، على أنّه من دعاء إبراهيم.

والضّمير في «قال» راجع إليه(٦) .

[وفي كتاب علل الشّرائع(٧) : أبي ـ رضى الله عنه ـ قال: حدّثنا سعد بن عبد الله، عن إبراهيم بن مهزيار، عن أخيه عليّ، بإسناده. قال: قال أبو الحسن ـ عليه السّلام ـ في الطّائف: أتدري لم سمّي الطّائف؟

قلت: لا!

__________________

(١) أ: أن. وهو الظاهر.

(٢) كذا في ر. وفي الأصل: الاضطلام.

(٣) ر: الرجل.

(٤) ما بين المعقوفتين ليس في أ.

(٥) يوجد في أبعد ذكر الآية: وبئس خبره والجملة معطوفة على محذوف، أي: من آمن مرزوق. ومن كفر، فأمتّعه قليلا. ثمّ أضطرّه إلى عذاب النار.

(٦) ر: إليها.

(٧) علل الشرائع / ٤٤٢، ح ١.

١٤٥

قال: إنّ إبراهيم ـ عليه السّلام ـ دعا ربّه أن يرزق(١) أهله من كلّ الثّمرات.

فقطع له(٢) قطعة من الأردنّ.

فأقبلت، حتّى طافت بالبيت سبعا. ثمّ أقرّها الله في موضعها. فإنّما سمّيت الطّائف للطّواف(٣) بالبيت.

وبإسناده(٤) إلى أحمد بن محمّد. قال: قال الرّضا ـ عليه السّلام: أتدري لم سمّي الطّائف الطّائف(٥) ؟

قلت: لا! قال: لأنّ الله ـ عزّ وجلّ ـ لـمّا دعاه إبراهيم ـ عليه السّلام ـ أن يرزق أهله من الثّمرات(٦) ، أمر بقطعة من الأردنّ، فسارت بثمارها، حتّى طافت بالبيت. ثمّ أمرها أن تنصرف إلى هذا الموضع الّذي سمّي بالطّائف(٧) . فلذلك سمّي الطّائف.

وفي تفسير عليّ بن إبراهيم(٨) : حدّثني أبي عن النّضر بن سويد، عن هشام، عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام. قال: إنّ إبراهيم ـ عليه السّلام ـ كان نازلا في بادية الشّام.

(إلى أن قال) فقال إبراهيم ـ عليه السّلام ـ لـمّا فرغ من بناء البيت والحجّ(٩) :( رَبِّ اجْعَلْ هذا بَلَداً ) (١٠) ( آمِناً. وَارْزُقْ أَهْلَهُ مِنَ الثَّمَراتِ، مَنْ آمَنَ مِنْهُمْ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ) ».

قال: ثمرات القلوب، أي: حبّبهم إلى النّاس، ليأتوا(١١) ويعودوا إليهم.

وفي تفسير العيّاشى(١٢) : عن عبد الله بن غالب، عن أبيه عن رجل، عن عليّ بن الحسين ـ عليهما السّلام ـ في(١٣) قول إبراهيم ـ عليه السّلام ـ( رَبِّ اجْعَلْ هذا بَلَداً آمِناً وَارْزُقْ أَهْلَهُ مِنَ الثَّمَراتِ مَنْ آمَنَ مِنْهُمْ بِاللهِ ) : إيّانا عنى بذلك وأولياءه وشيعة وصيّه.

__________________

(١) ر: يرزقه.

(٢) المصدر: لهم.

(٣) المصدر: لطوفه.

(٤) نفس المصدر ونفس الموضع، ح ٢.

(٥) المصدر: طائفا.

(٦) المصدر: من كلّ الثمرات.

(٧) المصدر: الطائف.

(٨) تفسير القمي ١ / ٦٠ و ٦٢.

(٩) ليس في المصدر.

(١٠) كذا في المصدر. وفي الأصل ور وتفسير البرهان ١ / ١٥٥: البلد.

(١١) المصدر: لينتابوا إليهم.

(١٢) تفسير العياشي ١ / ٥٩، ح ٩٦.

(١٣) ليس في المصدر.

١٤٦

قال:( وَمَنْ كَفَرَ فَأُمَتِّعُهُ قَلِيلاً ثُمَّ أَضْطَرُّهُ إِلى عَذابِ النَّارِ ) قال: عنى بذلك من جحد وصيّه ولم يتّبعه من أمّته. وكذلك والله هذه(١) الأمّة](٢)

( وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْراهِيمُ الْقَواعِدَ مِنَ الْبَيْتِ ) :

حكاية حال ماضية، تقديره: واذكر إذ يرفع.

و «القواعد»، جمع قاعدة. وهي الأساس. صفة غالبة. ومعناها الثّابتة. ومنه قعدك الله، أي: أسأل الله أن يقعدك، أي: يثبتك. ورفعها البناء عليها. لأنّها إذا بني عليها، نقلت عن هيئة الانخفاض، إلى هيئة الارتفاع. وتطاولت بعد التّقاصر. ويحتمل أن يراد بها ساقات البناء. فإنّ كلّ ساق قاعدة، يوضع فوقه، ويرفعها بناؤها. لأنّه إذا وضع ساق فوق ساق، فقد رفع السّاقات.

ويجوز أن يكون المعنى: وإذ يرفع إبراهيم ما قعد من البيت، أي: استوطأ، يعني: جعل هيئة القاعدة المستوطأة مرتفعة عالية بالبناء.

وقيل(٣) : المراد، رفع مكانته، وإظهار شرفه بتعظيمه، ودعاء النّاس إلى حجّه.

روى عن أئمّتنا ـ عليهم السّلام ـ أنّه قد كان آدم بناه. ثمّ عفا أثره. فجدّده إبراهيم ـ عليه السّلام(٤) .

وقال مجاهد(٥) : بل انشأه إبراهيم ـ عليه السّلام ـ بأمر الله ـ عزّ وجلّ.

وكان الحسن(٦) يقول(٧) : أوّل من حجّ البيت إبراهيم.

وفي أكثر الرّوايات، أنّ أوّل من حجّ البيت آدم ـ عليه السّلام(٨) .

ويمكن الجمع، بأنّه كان مطاف آدم البيت المعمور ومطاف إبراهيم الكعبة: كما روى أنّ الله تعالى أنزل البيت ياقوتة من يواقيت الجنّة له بابان من زمرد شرقيّ وغربيّ.

وقال لآدم أهبطت لك ما يطاف به، كما يطاف حول عرشي. فتوجّه آدم من أرض الهند

__________________

(١) المصدر: حال هذه.

(٢) ما بين المعقوفتين ليس في أ.

(٣) أنوار التنزيل ١ / ٨٢.

(٤) ر. الكافي ٤ / ١٩٠ ـ ٢١٢+ مجمع البيان ١ / ٢٠٧.

(٥) مجمع البيان ١ / ٢٠٧.

(٦) النسخ: الحسن ـ عليه السّلام. والظاهر يراد به الحسن المجتبى ـ صلوات الله عليه ـ ولكن مستظهر من ظاهر الكلام، في المصدر، هو الحسن البصري.

(٧) مجمع البيان ١ / ٢٠٧.

(٨) ر. علل الشرائع ١ / ٤٠٠ و ٤٢٠.

١٤٧

إليه ماشيا. وتلقّته الملائكة. فقالوا: برّ حجّك، يا آدم! لقد حججنا هذا البيت قبلك، بالفي عام.

وحجّ آدم أربعين حجّة من أرض الهند، إلى مكّة، على رجليه. فكان على ذلك إلى أن رفعه الله أيّام الطّوفان إلى السّماء الرّابعة. فهو البيت المعمور. ثمّ أنّ الله تعالى أمر إبراهيم ببنائه. وعرّفه جبرئيل مكانه. أو كان بناه آدم أولا، ثمّ زال أثره، ثمّ أمر إبراهيم ـ عليه السّلام ـ بالبناء ورفع القواعد.

وإسماعيل كان يناوله الحجارة. ولكّنه لـمّا كان له مدخل في البناء، عطف عليه(١) .

وقيل(٢) : كانا يبنيان في طرفين، أو على التّناوب، يقولان :

( رَبَّنا تَقَبَّلْ مِنَّا ) :

على تقدير الحال. وقرئ بإظهار «يقولان.»( إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ ) لدعائنا.

( الْعَلِيمُ ) (١٢٧) بنيّاتنا.

وقصّة مهاجرة إسماعيل وهاجر، على ما رواه الشّيخ الطّبرسيّ، عن عليّ بن إبراهيم بن هاشم، عن أبيه، عن النضر بن سويد، عن هشام، عن الصّادق ـ عليه السّلام(٣) . قال: إنّ إبراهيم ـ عليه السّلام ـ كان نازلا في بادية الشّام. فلمّا ولد له من هاجر إسماعيل اغتمّت سارّة من ذلك غمّا شديدا. لأنّه لم يكن له منها ولد. فكانت تؤذي إبراهيم في هاجر وتغمّه. فشكا ذلك إبراهيم إلى الله ـ عزّ وجلّ. فأوحى الله إليه إنّما مثل المرأة، مثل الضّلع المعوج. إن تركته استمتعت به. وإن رمت أن تقيمه كسرته. وقد قال القائل في ذلك.

هي الضّلع العوجاء لست تقيمها

ألا إنّ تقويم الضلوع انكسارها

ثمّ أمره أن يخرج إسماعيل وأمّه عنها.

فقال: أي ربّ إلى أيّ مكان؟

__________________

(١) علل الشرائع ٢ / ٤٠٠، ح ١ و ٤٠٧، ح ٢ و ٤٢١، ح ٣+ البحار ٩٩ / ٥٤، ح ٦ و ٦١، ح ٣١+ الكشَّاف ١ / ١٨٧.

(٢) أنوار التنزيل ١ / ٨٢.

(٣) مجمع البيان ١ / ٢٠٧.

١٤٨

قال: إلى حرمي وأمني وأوّل بقعة خلقتها من أرضي. وهي مكّة.

وأنزل عليه جبرئيل، بالبراق. فحمل عليه هاجر وإسماعيل وإبراهيم. فكان إبراهيم لا يمرّ بموضع حسن فيه شجر ونخل وزرع، إلّا قال: يا جبرئيل! إلى هاهنا(١) ! فيقول جبرئيل: لا! امض(٢) حتّى وافى مكّة.

فوضعه في موضع البيت. وقد كان إبراهيم عاهد سارة أن لا ينزل حتّى يرجع إليها.

فلمّا نزلوا في ذلك المكان، كان فيه شجر. فألقت هاجر على ذلك الشّجر، كساء كان معها. فاستظلّت تحته. فلمّا سرّحهم إبراهيم ووضعهم وأراد الانصراف عنهم إلى سارة، قالت له هاجر: لم تدعنا في هذا الموضع الّذي ليس فيه أنيس ولا ماء ولا زرع؟

فقال إبراهيم ـ عليه السّلام: ربّي الّذي أمرني أن أضعكم في هذا المكان.

ثمّ انصرف عنهم. فلمّا بلغ كدى وهو جبل بذي طوى، التفت إليهم إبراهيم.

فقال:( رَبَّنا إِنِّي أَسْكَنْتُ مِنْ ذُرِّيَّتِي بِوادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ ) (إلى قوله)( لَعَلَّهُمْ يَشْكُرُونَ ) .» ثمّ مضى. وبقيت هاجر. فلمّا ارتفع النّهار عطش إسماعيل. فقامت هاجر في الوادي، حتّى صارت في موضع المسعى. فنادت: هل في الوادي من أنيس؟

فغاب عنها إسماعيل فصعدت على الصّفا. ولمع لها السّراب في الوادي. وظنّت أنّه ماء. فنزلت في بطن الوادي. وسعت. فلمّا بلغت المروة، غاب عنها إسماعيل. ثمّ لمع لها السّراب، في ناحية الصّفا. وهبطت إلى الوادي، تطلب الماء. فلمّا غاب عنها إسماعيل، عادت حتّى بلغت الصّفا. فنظرت إلى إسماعيل، حتّى فعلت ذلك سبع مرّات. فلمّا كان في الشّوط السّابع وهي على المروة، نظرت إلى إسماعيل، وقد ظهر الماء من تحت رجليه.

قعدت حتّى جمعت حوله رملا. وإنّه كان سائلا. فزمّته بما جعلت حوله. فلذلك سمّيت زمزم. وكانت جرهم نازلة بذي المجاز وعرفات. فلمّا ظهر الماء بمكّة، عكفت الطّيور والوحوش على الماء. فنظرت جرهم إلى تعكّف الطّير، على ذلك المكان. فاتّبعوها حتّى نظروا إلى امرأة وصبيّ نزلا في ذلك الموضع، قد استظّلا بشجرة قد ظهر لهم الماء.

فقال لهم(٣) جرهم: من أنت؟ وما شأنك وشأن هذا الصّبيّ؟

قالت: أنا أمّ ولد إبراهيم خليل الرّحمن. وهذا ابنه. أمره الله أن ينزلنا هاهنا.

__________________

(١) المصدر: إلى هاهنا؟ إلى هاهنا؟

(٢) المصدر: لا امض! لا امض!

(٣) المصدر: لها. وهو الظاهر.

١٤٩

فقالوا لها: أتأذنين أن نكون بالقرب منكم؟

فقالت: حتّى أسأل إبراهيم.

قال: فزارهما إبراهيم، يوم الثّالث. فقالت له هاجر: يا خليل الله! إنّ هاهنا قوم من جرهم. يسألونك أن تأذن لهم حتّى يكونوا بالقرب منّا. أفتأذن لهم في ذلك؟

فقال إبراهيم: نعم.

فأذنت هاجر لجرهم. فنزلوا بالقرب منهم. وضربوا خيامهم. وأنست هاجر وإسماعيل بهم.

فلمّا زارهم إبراهيم في المرّة الثّانية، ونظر إلى كثرة النّاس حولهم، سرّ بذلك سرورا شديدا. فلمّا تحرّك إسماعيل وكانت جرهم قد وهبوا لإسماعيل كلّ واحد منهم شاة وشاتين. فكانت هاجر وإسماعيل يعيشان بها. فلمّا بلغ مبلغ الرّجال، أمر الله تعالى إبراهيم أن يبني البيت.

فقال: يا ربّ! في أيّ بقعة؟

قال في البقعة الّتي أنزلت على آدم القبّة.

فأضأت الحرم.

قال: ولم تزل القبّة(١) الّتي أنزلها على آدم قائمة، حتّى كان أيّام الطّوفان، في زمن نوح. فلمّا غرقت الدّنيا، رفع الله تلك القبّة وغرقت الدّنيا، ولم تغرق مكّة. فسميّ البيت العتيق. لأنّه أعتق من الغرق.

فلمّا أمر الله ـ عزّ وجلّ ـ إبراهيم أن يبني البيت، لم يدر في أيّ مكان يبنيه.

فبعث الله جبرئيل ـ عليه السّلام ـ فخطّ له موضع البيت. وأنزل عليه القواعد من الجنّة.

وكان الحجر الّذي أنزله الله على آدم، أشدّ بياضا من الثّلج. فلمّا مسّته أيدى الكفّار، اسودّ.

قال: فبنى إبراهيم البيت. ونقل إبراهيم الحجر من ذى طوى. فرفعه في السّماء، تسعة أذرع. ثمّ دلّه على موضع الحجر. فاستخرجه إبراهيم. ووضعه في موضعه الّذي هو فيه. وجعل له بابين: بابا إلى المشرق، وبابا الى المغرب. فالباب الّذي إلى المغرب، يسمّى المستجار. ثمّ ألقى عليه الشجر(٢) والإذخر. وعلّقت هاجر على بابه كساء كان معها.

__________________

(١) أ: القّبة الّتي أنزل القبة المصدر: القبّة الّذي أنزلها.

(٢) كذا في الأصل. وفي المصدر: الشيخ. أ: الشيخ. ر: الشبح.

١٥٠

فكانوا يكونون(١) تحته. فلمّا بناه وفرغ، حجّ إبراهيم وإسماعيل. ونزل عليهما جبرائيل، يوم التّروية، لثمان خلت من ذي الحجّة. فقال: قم يا إبراهيم! فارتو من الماء. لأنّه لم يكن بمنى وعرفات.

فسمّيت التّروية لذلك. ثمّ أخرجه إلى منى. فبات بها. ففعل به ما فعل بآدم.

فقال إبراهيم ـ عليه السّلام ـ لـمّا فرغ من بناء البيت:( رَبِّ اجْعَلْ ) (إلى آخر الآية.)

[وفي كتاب علل الشّرائع(٢) ، بإسناده إلى أبي خديجة، عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام. قال: إنّ الله ـ عزّ وجلّ ـ أنزل الحجر الأسود لآدم من الجنّة. وكان البيت، درّة بيضاء. فرفعه الله ـ عزّ وجلّ ـ إلى السّماء. وبقي أسّه، فهو بحيال هذا البيت.

يدخله كلّ يوم سبعون ألف ملك، لا يرجعون إليه أبدا. فأمر الله إبراهيم وإسماعيل ببنيان(٣) البيت، على القواعد.

وبإسناده(٤) ، إلى محمّد بن إسحاق، عن أبي جعفر، عن آبائه ـ عليهم السّلام: أنّ الله ـ عزّ وجلّ ـ أوحى إلى جبرئيل ـ عليه السّلام: أنا الله الرّحمن الرّحيم. إنّي قد رحمت آدم وحوّاء لـمّا شكيا إليّ ما شكيا. فاهبط عليهما بخيمة من خيم الجنّة. فإنّي قد رحمتهما لبكائهما ووحشتهما ووحدتهما. فاضرب الخيمة على التّرعة الّتي بين جبال مكّة.

قال: والتّرعة مكان البيت وقواعده الّتي رفعتها الملائكة، قبل آدم. فهبط جبرئيل على آدم ـ عليه السّلام ـ بالخيمة على مقدار مكان البيت وقواعده. فنصبها.

قال: وأنزل جبرئيل ـ عليه السّلام ـ آدم من الصّفا. وأنزل حوّاء من المروة.

وجمع بينهما في الخيمة. (إلى أن قال) ثمّ أنّ الله ـ تبارك وتعالى ـ أوحى إلى جبرئيل ـ عليه السّلام ـ بعد ذلك: أن اهبط إلى آدم وحوّاء. فنحّهما عن موضع قواعد بيتي. وارفع قواعد بيتي لملائكتي وخلقي، من ولد آدم.

فهبط جبرئيل ـ عليه السّلام ـ على آدم وحوّاء. فأخرجهما من الخيمة. ونحّاهما عن ترعة البيت. ونحّى الخيمة عن موضع التّرعة. (إلى أن قال) فرفع قواعد البيت الحرام ،

__________________

(١) كذا في المصدر وفي جميع النسخ. ولعل الصواب: يكنّون.

(٢) علل الشرائع / ٣٣٩، ضمن ح ١.

(٣) المصدر: يبنيان.

(٤) نفس المصدر / ٤٢٠ ـ ٤٢٢، مقاطع من ح ٣.

١٥١

بحجر من الصّفا وحجر من المروة. وحجر من طور سيناء وحجر من جبل السّلام. وهو ظهر الكوفة. فأوحى الله ـ عزّ وجلّ ـ إلى جبرئيل ـ عليه السّلام: أن ابنه وأتمّه.

فاقتلع جبرئيل ـ عليه السّلام ـ الأحجار الأربعة، بأمر الله ـ عزّ وجلّ ـ من موضعها(١) ، بجناحه. فوضعها حيث أمره الله تعالى، في أركان البيت، على قواعده(٢) الّتى قدّرها الجّبار ـ عزّ وجلّ جلاله. ونصب أعلامها.

ثمّ أوحى الله ـ عزّ وجلّ ـ إلى جبرئيل: ابنه وأتمّه من حجارة من أبي قبيس.

واجعل له بابين، بابا شرقا وبابا غربا.

[قال :](٣) فأتمّه جبرئيل ـ عليه السّلام. فلمّا فرغ، طافت الملائكة حوله. فلمّا نظر آدم وحوّاء إلى الملائكة يطوفون حول البيت، انطلقا. فطافا سبعة أشواط. ثمّ خرجا يطلبان ما يأكلان.

وفي تفسير العيّاشي(٤) : عن أبي الورقاء(٥) . قال: قلت لعليّ بن أبي طالب ـ عليه السّلام: ما أوّل شيء نزل من السّماء(٦) ؟

قال: أوّل شيء نزل من السّماء إلى الأرض، فهو البيت الّذي بمكّة. أنزله الله ياقوتة حمراء. ففسق قوم نوح في الأرض. فرفعه الله(٧) حيث يقول:( وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْراهِيمُ الْقَواعِدَ مِنَ الْبَيْتِ وَإِسْماعِيلُ )

وفي الكافي(٨) : بإسناده إلى أبي الحسن ـ عليه السّلام ـ قال في حديث طويل: السّكينة ريح تخرج من الجنّة. لها صورة كصورة وجه(٩) الإنسان، ورائحة طيّبة. وهي الّتي نزلت على إبراهيم. فأقبلت تدور حول أركان البيت، وهو يضع الأساطين.

وبإسناده(١٠) إلى أبي عبد الله ـ عليه السّلام. قال: أمر الله تعالى إبراهيم ـ عليه السّلام ـ أن يحجّ، ويحجّ بإسماعيل(١١) معه، ويسكنه الحرم.

__________________

(١) المصدر: مواضعها. وهو الظاهر.

(٢) المصدر: قواعدها.

(٣) يوجد في المصدر.

(٤) تفسير العياشي ١ / ٦٠، ح ١٠٠.

(٥) كذا في المصدر وفي الأصل ور: أبي الورد.

(٦) المصدر: أوّل شيء نزل من السماء ما هو؟

(٧) ليس في المصدر.

(٨) الكافي ٣ / ٤٧١ ـ ٤٧٢، ضمن ح ٥.

(٩) ليس في المصدر.

(١٠) نفس المصدر ٤ / ٢٠٢ ـ ٢٠٣، ضمن ح ٣.

(١١) المصدر: إسماعيل. وهو الظاهر.

١٥٢

فحجّا على جمل أحمر وما معهما، إلّا جبرئيل ـ عليه السّلام ـ (إلى قوله) فلمّا كان من قابل أذن الله لإبراهيم ـ عليه السّلام ـ في الحجّ وبناء الكعبة. وكانت العرب تحجّ إليه. وإنّما كان ردما، إلّا أنّ قواعده معروفه. فلمّا صدر النّاس، جمع إسماعيل الحجارة وطرحها في جوف الكعبة.

فلمّا أذن الله له في البناء، قدم إبراهيم ـ عليه السّلام. فقال: يا بنيّ! أمرنا الله ببناء الكعبة وكشفا عنها.

فإذا هو حجر واحد أحمر. فأوحى الله تعالى إليه: ضع بناءها عليه.

وأنزل الله أربعة أملاك، يجمعون إليه الحجارة. فكان إبراهيم وإسماعيل يضعان الحجارة والملائكة تناولهما، حتّى تمّت اثني عشر ذراعا، وهيّئا له بابين بابا يدخل منه وبابا يخرج منه. ووضعا عليه عينا وسرحا(١) من حديد على أبوابه.

والحديث طويل أخذت منه موضع الحاجة، خوف الإطالة.

وبإسناده(٢) إلى عقبة بن بشير، عن أحدهما ـ عليهما السّلام. قال: إنّ الله تعالى أمر إبراهيم ببناء الكعبة، وأن يرفع قواعدها، ويري النّاس مناسكهم. فبنى إبراهيم وإسماعيل البيت، كلّ يوم ساقا(٣) ، حتّى انتهى إلى موضع الحجر الأسود.

قال أبو جعفر ـ عليه السّلام: فنادى أبو قبيس إبراهيم ـ عليه السّلام: «إنّ لك عندي وديعة.» فأعطاه الحجر. فوضعه موضعه.

والحديث طويل. أخذت منه موضع الحاجة.

وبإسناده(٤) إلى سعيد بن جناح، عن عدّة من أصحابنا، عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام. قال: كانت الكعبة على عهد إبراهيم ـ عليه السّلام ـ تسعة أذرع. وكان لها بابان. فبناها عبد الله بن الزّبير. فرفعها ثمانية عشر ذراعا. فهدمها الحجّاج. وبناها(٥) سبعة وعشرين ذراعا.

وروى عن ابن أبي نصر(٦) ، عن أبان بن عثمان، عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام.

__________________

(١) المصدر: عتبا وشرحا. وفي هامش الأصل: عتبا وشريحا ـ خ ل.

(٢) نفس المصدر ٤ / ٢٠٥، صدر ح ٤.

(٣) المصدر: ساقا.

(٤) نفس المصدر ٤ / ٢٠٧، ح ٧.

(٥) المصدر: فبناها.

(٦) نفس المصدر ونفس الموضع، ح ٨.

١٥٣

قال: كان طول الكعبة يومئذ تسعة أذرع. ولم يكن لها سقف. فسقّفها قريش، ثمانية عشر ذراعا. فلم تزل ثمّ كسرها الحجّاج على ابن الزّبير. فبناها سبعة وعشرين ذراعا(١) .

محمّد بن يحيى(٢) ، عن أحمد بن محمّد، عن عليّ بن النّعمان، عن سعيد بن عبد الله الأعرج، عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام. قال: إنّ قريشا في الجاهليّة هدموا البيت. فلمّا أرادوا بناءه، حيل بينهم وبينه، والقى في روعهم الرّعب، حتّى قال قائل منهم: ليأتي كلّ رجل منكم بأطيب ماله. ولا تأتوا بما اكتسبتموه من قطيعة رحم أو حرام.

ففعلوا. وخلّي(٣) بينهم وبين بنائه. فبنوه حتّى انتهوا إلى موضع الحجر الأسود.

فتشاجروا فيه أيّهم يضع الحجر الأسود في موضعه، حتّى كاد أن يكون بينهم شرّ. فحكموا أوّل من يدخل باب المسجد. فدخل رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله. فلمّا أتاهم، أمر بثوب فبسط. ثمّ وضع الحجر في وسطه. ثمّ أخذت القبائل بجوانب الثّوب. فرفعوه. ثمّ تناوله ـ صلّى الله عليه وآله. فوضعه في موضعه فخصّه الله به.

عليّ بن إبراهيم(٤) ، عن أبيه، عن أحمد بن محمّد بن أبي نصر، عن داود بن سرحان، عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام. قال: إنّ رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ ساهم قريشا في بناء البيت. فصار لرسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ من باب الكعبة إلى النّصف ما بين الرّكن اليمانيّ إلى الحجر الأسود.

وفي رواية أخرى(٥) كان لبني هاشم من الحجر الأسود، إلى الرّكن الشّاميّ.

وبإسناده إلى أبان بن تغلب(٦) . قال: لـمّا هدم الحجّاج الكعبة، فرّق الناس ترابها. فلمّا صاروا إلى بنائها، فأرادوا أن يبنوها، خرجت عليهم حيّة، فمنعت النّاس البناء، حتّى هربوا. فأتوا الحجّاج. فأخبروه. فخاف أن يكون قد منع بناءها. فصعد المنبر.

ثم أنشد(٧) النّاس. وقال: أنشد الله عبدا عنده ممّا ابتلينا به علم لـمّا أخبرنا به.

قال: فقام إليه شيخ. فقال: إن يكن عند رجل(٨) ، فعند رجل رأيته جاء إلى الكعبة. فأخذ مقدارها ثمّ مضى.

__________________

(١) المصدر: وجعلها سبعة وعشرين ذراعا.

(٢) نفس المصدر ٤ / ٢١٧، ح ٣.

(٣) المصدر: فخلّي.

(٤) نفس المصدر ٤ / ٢١٨، ح ٥.

(٥) نفس المصدر ٤ / ٢١٩.

(٦) نفس المصدر ٤ / ٢٢٢، ح ٨.

(٧) المصدر: نشد.

(٨) المصدر: أحد علم.

١٥٤

فقال الحجّاج: من هو؟

قال: عليّ بن الحسين.

فقال: معدن ذلك.

فبعث إلى عليّ بن الحسين ـ صلوات الله عليهما ـ فأتاه. فأخبره ما كان من منع الله إيّاه البناء.

فقال له عليّ بن الحسين: يا حجّاج! عمدت إلى بناء إبراهيم وإسماعيل. فألقيته في الطّريق. وأنهيته(١) . كأنّك ترى أنّه تراث لك اصعد المنبر وانشد النّاس أن لا يبقى أحد منهم أخذ منه شيئا إلّا ردّه.

قال: ففعل وانشد(٢) النّاس، الّا يبقى منهم أحد عنده شيء، إلّا ردّه.

قال: فردّوه.

فلمّا رأى جمع التّراب، أتى على بن الحسين ـ صلوات الله عليه ـ فوضع الأساس. وأمرهم أن يحضروا.

قال: فتغيّبت عنهم الحيّة. وحضروا، حتّى انتهوا إلى موضع القواعد.

قال لهم عليّ بن الحسين ـ عليه السّلام: تنحّوا.

فتنحّوا. فدنا منها. فغطّاها بثوبه. ثمّ بكا. ثمّ غطّاها بالتّراب، بيد نفسه. ثمّ دعا الفعلة.

فقال: ضعوا بناءكم.

فوضعوا البناء. فلمّا ارتفعت حيطانها، أمر بالتّراب. فقلب. فألقى في جوفه.

فلذلك صار البيت، مرتفعا يصعد إليه بالدّرج.

وبإسناده إلى أبي عبد الله ـ عليه السّلام(٣) . قال: إنّ قريشا لـمّا هدموا الكعبة، وجدوا في قواعده حجرا فيه كتاب لم يحسنوا قراءته، حتّى دعوا رجلا، فقرأه. فإذا فيه: «أنا الله ذو بكّة. حرّمتها يوم خلقت السّماوات والأرض. ووضعتها بين هذين الجبلين. وحففتها بسبعة أملاك حفّا.»

محمّد بن يحيى(٤) ، عن أحمد بن محمّد، عن الحسين بن سعيد، عن فضالة بن أيّوب ،

__________________

(١) المصدر: انتهبته. وهو الظاهر.

(٢) المصدر: فأنشد.

(٣) نفس المصدر ٤ / ٢٢٥، ح ١.

(٤) نفس المصدر ٤ / ٢١٠، ح ١٥.

١٥٥

عن معاوية بن عمّار. قال: سألت أبا عبد الله ـ عليه السّلام ـ عن الحجر: أمن البيت هو؟ أو فيه شيء من البيت؟

فقال: لا! ولا قلامة ظفر. ولكن إسماعيل دفن أمّه فيه، فكره أن يوطى(١) .

فحجر عليه حجرا. وفيه قبور أنبياء.

وفي تفسير عليّ بن إبراهيم(٢) : حدّثنى أبي عن النّضر بن سويد، عن هشام، عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام. قال: لـمّا بلغ إسماعيل، مبلغ الرّجال، أمر الله إبراهيم ـ عليه السّلام ـ أن يبني البيت.

فقال: يا ربّ! في أي بقعة؟

قال: في البقعة الّتي أنزلت على آدم القبّة.

فأضاء لها الحرم. فلم تزل القبّة الّتي أنزلها الله على آدم، قائمة، حتّى كان أيّام الطّوفان، أيّام نوح ـ عليه السّلام. فلمّا غرقت الدّنيا، رفع الله تلك القبّة. وغرقت الدّنيا، إلّا موضع البيت. فسمّى(٣) البيت العتيق، لأنّه أعتق من الغرق.

فلمّا أمر الله ـ عزّ وجلّ ـ إبراهيم ـ عليه السّلام ـ أن يبني البيت، لم يدر(٤) في أيّ مكان يبنيه. فبعث الله جبرئيل ـ عليه السّلام ـ فخطّ له موضع البيت. فأنزل [الله](٥) عليه القواعد من الجنّة. وكان الحجر الّذي أنزله الله على آدم، أشدّ بياضا من الثّلج. فلمّا مسّته(٦) أيدي الكفّار، اسودّ.

فبنى إبراهيم البيت. ونقل إسماعيل الحجر، من ذي طوى. فرفعه في السماء(٧) ، تسعة أذرع. ثمّ دلّه على موضع الحجر. فاستخرجه إبراهيم ـ عليه السّلام. ووضعه في موضعه الّذي هو فيه الآن(٨) . فلمّا بنى، جعل له بابين: بابا إلى المشرق، وبابا إلى المغرب.

والباب الّذي إلى المغرب يسمّى المستجار. ثمّ ألقى عليه الشّجر والإذخر. وعلّقت هاجر على بابه كساء كان معها. وكانوا يكنّون تحته.

والحديث طويل. أخذت منه موضع الحاجة.

__________________

(١) المصدر: توطأ.

(٢) تفسير القمي ١ / ٦٠ ـ ٦٢.

(٣) المصدر: فسميّت.

(٤) المصدر: ولم يدر.

(٥) يوجد في المصدر.

(٦) المصدر: لمسته.

(٧) المصدر: إلى السماء.

(٨) المصدر: الاوّل.

١٥٦

وفي مجمع البيان(١) : وروي عن الباقر ـ عليه السّلام ـ أنّ إسماعيل أوّل من شقّ لسانه بالعربيّة. وكان أبوه يقول له، وهما يبنيان البيت: يا إسماعيل! هاى(٢) ابن، أي: أعطني حجرا.

يقول له إسماعيل بالعربيّة. يا أبة! هاك حجرا.

فإبراهيم يبني. وإسماعيل يناوله الحجارة].(٣)

( رَبَّنا وَاجْعَلْنا مُسْلِمَيْنِ لَكَ ) : مخلصين لك، من أسلم وجهه، أو مستسلمين من أسلم، إذا استسلم وانقاد.

وقرئ على لفظ الجمع، على أنّ المراد أنفسهما وهاجر، أو أنّ التّثنية من مراتب الجمع.

( وَمِنْ ذُرِّيَّتِنا أُمَّةً مُسْلِمَةً لَكَ ) ، أي: واجعل بعض ذرّيّتنا.

والتّخصيص بالدّعاء. لأنّهم أحقّ بالشّفقة. ولأنّهم إذا صلحوا، صلح بهم الأتباع. وخصّا بعضهم، لما أعلما أنّ في ذرّيّتهما ظلمة، وعلما أنّ الحكمة الإلهيّة لا تقتضي الاتّفاق على الإخلاص والإقبال على الله تعالى. فإنّه ممّا يشوش المعاش. ولذلك قيل: لولا الحمقى، لخربت الدّنيا.

وقيل(٤) : المراد بالأمّة، أمّة محمّد ـ صلّى الله عليه وآله. ويحتمل أن يكون «من» للتّبيين.

وروي عن الصّادق ـ عليه السّلام(٥) . أنّ المراد بالأمّة، بنو هاشم، خاصّة.

[وفي الكافي(٦) ، بإسناده إلى أبي عمرو الزّبيريّ، عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام.

حديث طويل. يقول فيه ـ عليه السّلام: ثمّ ذكر من أذن له في الدّعاء إليه بعده وبعد رسوله في كتابه، فقال(٧) ( وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ ) . ثمّ أخبر عن هذه الأمّة وممّن هي. وإنّها من ذرّيّة إبراهيم، ومن ذرّيّة إسماعيل، من سكّان الحرم، ممّن لم يعبدوا غير الله قطّ، الّذين وجبت لهم الدّعوة ،

__________________

(١) مجمع البيان ١ / ٢٠٧.

(٢) المصدر: هات.

(٣) ما بين المعقوفتين ليس في أور.

(٤) أنوار التنزيل ١ / ٨٢.

(٥) مجمع البيان ١ / ٢١٠.

(٦) الكافي ٥ / ١٣ ـ ١٤، ح ١.

(٧) آل عمران / ١٠٤.

١٥٧

دعوة إبراهيم وإسماعيل، من أهل المسجد الّذين أخبر عنهم في كتابه، أنّه أذهب عنهم الرّجس وطهّرهم تطهيرا].(١)

( وَأَرِنا ) :

رأى، بمعنى أبصر، أو عرف. ولذلك لم يتجاوز مفعولين.

( مَناسِكَنا ) :

المواضع الّتي تتعلّق النّسك بها، لنفعله عندها ونقضي عباداتنا فيها، على حدّ ما يقتضيه توفيقنا عليها.

وقال عطاء ومجاهد: معنى مناسكنا: مذابحنا. والأوّل أقوى.

و «النّسك»، في الأصل، غاية العبادة. وشاع في الحجّ لما فيه من الكلفة والبعد عن العادة. وقرأ ابن كثير ويعقوب، «أرنا» قياسا على فخذ في فخذ.

( وَتُبْ عَلَيْنا ) :

قالا تلك الكلمة على وجه التّسبيح والتّعبّد والانقطاع إلى الله، ليقتدي بهما النّاس فيها(٢) .

وقيل(٣) : إنّهما سألا التّوبة على ظلمة ذرّيّتهما.

وقيل(٤) : معناه ارجع علينا بالرّحمة. فليس فيها دلالة على جواز الصّغيرة عليهم ـ كما لا يخفى.

( إِنَّكَ أَنْتَ التَّوَّابُ ) : القابل للتّوبة عن عظائم الذّنوب، أو الكثير القبول للتّوبة، مرّة بعد أخرى.

( الرَّحِيمُ ) (١٢٨): بعباده، المنعم عليهم بالنّعم العظام وتكفير الآثام.

وفي هذه الآية دلالة على أنّه يحسن الدّعاء، بما يعلم الدّاعي، أنّه يكون لا محالة.

[وفي تفسير العيّاشيّ(٥) : عن أبي عمرو الزّبيريّ، عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام.

قال: قلت: أخبرني عن أمّة محمّد ـ صلّى الله عليه وآله ـ من هم؟

قال: أمّة محمّد، بنو هاشم خاصّة.

__________________

(١) ما بين المعقوفتين ليس في أ.

(٢) أور: فيهما.

(٣) مجمع البيان ١ / ٢١٠.

(٤) نفس المصدر، ببعض الاختلاف.

(٥) تفسير العياشي ١ / ٦٠، ح ١٠١.

١٥٨

قلت: فما الحجّة في أمّة محمّد أنهم أهل بيته الّذين ذكرت دون غيرهم؟

قال: قال الله( وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْراهِيمُ الْقَواعِدَ مِنَ الْبَيْتِ وَإِسْماعِيلُ: رَبَّنا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ. رَبَّنا وَاجْعَلْنا مُسْلِمَيْنِ لَكَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِنا أُمَّةً مُسْلِمَةً لَكَ وَأَرِنا مَناسِكَنا وَتُبْ عَلَيْنا إِنَّكَ أَنْتَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ ) فلمّا أجاب الله إبراهيم وإسماعيل، وجعل من ذرّيّتهما أمّة مسلمة، وبعث فيها رسولا منها، يعنى: من تلك الأمّة، يتلوا عليهم آياته ويزكّيهم ويعلّمهم الكتاب والحكمة، ردف إبراهيم دعوته الأولى، بدعوته الأخرى. فسأل لهم تطهيرا من الشّرك ومن عبادة الأصنام، ليصحّ أمره فيهم ولا يتّبعوا غيرهم.

فقال:( وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَنْ نَعْبُدَ الْأَصْنامَ. رَبِّ إِنَّهُنَّ أَضْلَلْنَ كَثِيراً مِنَ النَّاسِ. فَمَنْ تَبِعَنِي فَإِنَّهُ مِنِّي. وَمَنْ عَصانِي فَإِنَّكَ غَفُورٌ رَحِيمٌ ) .فهذه دلالة على أنّه لا يكون الأئمّة والأمّة المسلمة الّتي بعث فيها محمّد ـ صلّى الله عليه وآله ـ إلّا من ذرّيّة إبراهيم، لقوله ( وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَنْ نَعْبُدَ الْأَصْنامَ ) ].(١)

( رَبَّنا وَابْعَثْ فِيهِمْ ) : في الأمّة المسلمة،( رَسُولاً مِنْهُمْ ) ولم يبعث من ذرّيّتهما غير محمّد ـ صلّى الله عليه وآله. فهو المجاب به، دعوتهما، كما قال ـ صلّى الله عليه وآله(٢) : أنا دعوة أبي إبراهيم ـ عليه السّلام، وبشرى عيسى ـ عليه السّلام ـ يعني: قوله(٣) ( وَمُبَشِّراً بِرَسُولٍ يَأْتِي مِنْ بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ ) ) ورؤيا أمّي وهي آمنة بنت وهب بن عبد مناف من بني زهرة. رأت في المنام أنّها وضعت نورا، ضاء به قصور الشّام من بصرى.

[وفي تفسير عليّ بن إبراهيم(٤) : وأمّا قوله( رَبَّنا وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولاً مِنْهُمْ ) (الآية) فأنّه يعني ولد إسماعيل ـ عليه السّلام. ولذلك قال رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله وسلّم: أنا دعوة أبي إبراهيم.

وفي الخصال(٥) ، عن أبي أمامة. قال: قلت: يا رسول الله! ما كان بدء أمرك؟

__________________

(١) ما بين المعقوفتين ليس في أ.

(٢) تفسير القمي ١ / ٦٢+ مجمع البيان ١ / ٢١٠+ الكشاف ١ / ١٨٨+ بحار الأنوار ١٥ / ٢٥٦، ح ٨ و ٢٧١، ح ١٦.

(٣) الصّف / ٦.

(٤) تفسير القمي ١ / ٦٢.

(٥) الخصال / ١٧٧، ح ٢٣٦.

١٥٩

قال: دعوة إبراهيم، وبشرى عيسى، ورأت أمّي أنّه خرج منها شيء، أضاءت منه قصور الشّام](١)

( يَتْلُوا عَلَيْهِمْ آياتِكَ ) : يقرأ عليهم آياتك الّتي توحى بها إليه،( وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتابَ ) ، أي: القران،( وَالْحِكْمَةَ ) : ما يكمل به نفوسهم، من المعارف والأحكام.

( وَيُزَكِّيهِمْ ) عن الشّرك والمعاصي.

( إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ ) الّذي لا يغلب على ما يريد.

( الْحَكِيمُ ) (١٢٩): المحكم له.

( وَمَنْ يَرْغَبُ ) ، أي: لا يرغب،( عَنْ مِلَّةِ إِبْراهِيمَ ) :

إنكار لأنّ يكون أحد يرغب عن ملّته الواضحة الغرّاء.

( إِلَّا مَنْ سَفِهَ نَفْسَهُ ) : إلّا من أذلّها واستخفّ بها.

قال المبرّد(٢) : وتغلب «سفه» بالكسر، متعدّ وبالضّمّ، لازم.

وقيل(٣) : أصله سفه نفسه (بالرّفع.) فنصب على التّمييز، نحو: غبن رأيه، أو سفه في نفسه. فنصب بنزع الخافض. والمستثنى في محلّ الرّفع، بدلا من الضّمير في «يرغب». لأنّه في معنى النّفي.

روى(٤) ان عبد الله بن سلام، دعا ابني أخيه سلمة ومهاجر إلى الإسلام. فقال: لقد علمنا صفة محمّد في التوراة. فأسلم سلمة. وأبى مهاجر أن يسلم. فأنزل الله هذه الآية.

( وَلَقَدِ اصْطَفَيْناهُ ) : اخترناه بالرّسالة.

( فِي الدُّنْيا وَإِنَّهُ فِي الْآخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ ) (١٣٠) :

قيل(٥) : وإنّما خصّ الآخرة بالذّكر وإن كان في الدّنيا كذلك، لأنّ المعنى من الّذين يستوجبون على الله سبحانه الكرامة وحسن الثّواب. فلمّا كان خلوص ذلك(٦) في الآخرة دون الدّنيا، وصفه بما ينبئ عن ذلك.

__________________

(١) ما بين المعقوفتين ليس في أ.

(٢) مجمع البيان ١ / ٢١٢.

(٣ و ٤) نفس المصدر ونفس الموضع.

(٥) مجمع البيان ١ / ٢١٢.

(٦) «ذلك» ليس في أوفي المصدر: خلوص الصواب.

١٦٠

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

461

462

463

464

465

466

467

468

469

470

471

472

473

474

475

476

477

478

479

480

481

482

483

484

485

486

487

488

489

490

491

492

493