تفسير كنز الدّقائق وبحر الغرائب الجزء ٢

تفسير كنز الدّقائق وبحر الغرائب12%

تفسير كنز الدّقائق وبحر الغرائب مؤلف:
تصنيف: تفسير القرآن
الصفحات: 493

الجزء ١ الجزء ٢ الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥ الجزء ٦ الجزء ٧
  • البداية
  • السابق
  • 493 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 187940 / تحميل: 5871
الحجم الحجم الحجم
تفسير كنز الدّقائق وبحر الغرائب

تفسير كنز الدّقائق وبحر الغرائب الجزء ٢

مؤلف:
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة


1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

عليكما ولكن الله «لا يُسْئَلُ عَمَّا يَفْعَلُ » يا آدم إن السبعين ألف ملك الذين أنزلهم الله إلى الأرض ليؤنسوك ويطوفوا حول أركان البيت المعمور والخيمة سألوا الله أن يبني لهم مكان الخيمة بيتا على موضع الترعة المباركة حيال البيت المعمور فيطوفون حوله ـ كما كانوا يطوفون في السماء حول البيت المعمور فأوحى الله عز وجل إلي أن أنحيك وأرفع الخيمة فقال آدم قد رضينا بتقدير الله ونافذ أمره فينا فرفع قواعد البيت الحرام بحجر من الصفا وحجر من المروة وحجر من طور سيناء وحجر من جبل السلام وهو ظهر الكوفة وأوحى الله عز وجل إلى جبرئيل أن ابنه وأتمه فاقتلع جبرئيل الأحجار الأربعة بأمر الله عز وجل من مواضعهن بجناحه فوضعها حيث أمر الله عز وجل في أركان البيت على قواعده التي قدرها الجبار ونصب أعلامها ثم أوحى الله عز وجل إلى جبرئيلعليه‌السلام أن ابنه وأتمه بحجارة من أبي قبيس واجعل له بابين ـ بابا شرقيا وبابا غربيا قال فأتمه جبرئيلعليه‌السلام فلما أن فرغ طافت حوله الملائكة فلما نظر آدم وحواء إلى الملائكة يطوفون حول البيت انطلقا فطافا سبعة أشواط ثم خرجا يطلبان ما يأكلان

معرب وهو بالفارسية أرغوان وكل لون يشبهه فهو أرجوان انتهى ، وهو بضم الهمزة والجيم وسكون الراء.

قوله عليه‌السلام : « بحجارة من أبي قبيس » يمكن أن يكون المراد به الحجر الأسود لأنه كان مودعا فيه.

قوله عليه‌السلام : « يطلبان ما يأكلان » يظهر منه أنه كان يحصل لهما مأكولهما قبل ذلك بغير كسب وسعى.

٢١

(باب )

(ابتلاء الخلق واختبارهم بالكعبة)

١ ـ محمد بن أبي عبد الله ، عن محمد بن أبي يسر ، عن داود بن عبد الله ، عن محمد بن عمرو بن محمد ، عن عيسى بن يونس قال كان ابن أبي العوجاء من تلامذة الحسن البصري فانحرف عن التوحيد فقيل له تركت مذهب صاحبك ودخلت فيما لا أصل له ولا حقيقة فقال إن صاحبي كان مخلطا كان يقول طورا بالقدر وطورا بالجبر وو ما أعلمه اعتقد مذهبا دام عليه وقدم مكة متمردا وإنكارا على من يحج وكان يكره العلماء مجالسته ومساءلته لخبث لسانه وفساد ضميره فأتى أبا عبد اللهعليه‌السلام فجلس إليه في جماعة من نظرائه فقال يا أبا عبد الله إن المجالس أمانات ولا بد لكل من به سعال أن يسعل أفتأذن في الكلام فقال تكلم فقال إلى كم تدوسون هذا البيدر وتلوذون بهذا الحجر وتعبدون هذا البيت المعمور بالطوب والمدر وتهرولون حوله هرولة البعير إذا نفر إن من فكر

باب ابتلاء الخلق واختيارهم بالكعبة

الحديث الأول : مجهول.

قوله عليه‌السلام : « إن المجالس أمانات » قال في النهاية : وفيه « المجالس بالأمانة » هذا ندب إلى ترك إعادة ما يجري في المجلس من قول أو فعل فكان ذلك أمانة عند من سمعه أو رآه انتهى(١) .

و « الدوس » الوطء بالرجل.

و « البيدر » الموضع الذي يداس فيه الطعام.

و « الطوب » بالضم الأجر.

« والمدر » محركة قطع الطين اليابس.

__________________

(١) نهاية ابن الأثير : ج ١ ص ٧١.

٢٢

في هذا وقدر علم أن هذا فعل أسسه غير حكيم ولا ذي نظر فقل فإنك رأس هذا الأمر وسنامه وأبوك أسه وتمامه فقال أبو عبد اللهعليه‌السلام إن من أضله الله وأعمى قلبه استوخم الحق ولم يستعذبه وصار الشيطان وليه وربه وقرينه يورده مناهل الهلكة ثم لا يصدره وهذا بيت استعبد الله به خلقه ليختبر طاعتهم في إتيانه فحثهم على تعظيمه وزيارته وجعله محل أنبيائه وقبلة للمصلين إليه فهو شعبة من رضوانه وطريق يؤدي إلى غفرانه منصوب على استواء الكمال ومجمع العظمة والجلال خلقه الله قبل دحو الأرض بألفي عام فأحق من أطيع فيما أمر وانتهي عما نهى عنه وزجر الله المنشئ للأرواح والصور

٢ ـ وروي أن أمير المؤمنين صلوات الله عليه قال في خطبة له ولو أراد الله جل ثناؤه بأنبيائه حيث بعثهم أن يفتح لهم كنوز الذهبان ومعادن العقيان ومغارس الجنان

قوله عليه‌السلام : « استوخم الحق » أي وجده وخيما ثقيلا ولم يسهل عليه إساغته

قوله عليه‌السلام : « لم يستعذبه » أي لم يجده عذبا وهما كنايتان عن ثقل قبول الحق عليه و« المنهل » الشرب.

وفي القاموس :« الصدر » الرجوع ، وقد صدر غيره وأصدره وصدره فصدر وقال استوى اعتدل.

قال الوالد العلامة : رفع الله مقامه ، نصبه على استواء الكمال : هو جعل كل فعل من أفعاله سببا لرفع رذيلة من الرذائل النفسانية وموجبا لحصول فضيلة من الفضائل القلبية ، أو المراد به الكمالات المعنوية للكعبة التي يفهمها أرباب القلوب ويؤيدهقوله « ومجتمع العظمة والجلال » فإن عظمته وجلالته معنويتان ، أو التعظيم الذي في قوله تعالى«بَيْتِيَ » بإضافة الاختصاص وتعظيم أنبيائه له حتى صار معظما في قلوب المؤمنين ويقاسون الشدائد العظيمة في الوصول إليه.

قوله عليه‌السلام : « فأحق » هو مبتدأ والجلالة خبره.

الحديث الثاني : مرسل. وهي من جملة الخطبة التي تسمى القاصعة.

قوله عليه‌السلام : « كنوز الذهبان » هو بالضم جمع ذهب وفي النهج ومعادن العقيان.

٢٣

وأن يحشر طير السماء ووحش الأرض معهم لفعل ولو فعل لسقط البلاء وبطل الجزاء واضمحلت الأنباء ولما وجب للقائلين أجور المبتلين ولا لحق المؤمنين ثواب المحسنين ولا لزمت الأسماء أهاليها على معنى مبين ولذلك لو أنزل الله «مِنَ السَّماءِ آيَةً فَظَلَّتْ أَعْناقُهُمْ لَها خاضِعِينَ » ولو فعل لسقط البلوى عن الناس أجمعين ولكن الله جل ثناؤه جعل رسله أولي قوة في عزائم نياتهم وضعفة فيما ترى الأعين من حالاتهم من قناعة تملأ القلوب والعيون غناؤه وخصاصة تملأ الأسماع والأبصار أذاؤه ولو كانت الأنبياء أهل قوة لا ترام وعزة لا تضام وملك يمد نحوه أعناق الرجال ويشد إليه عقد

قوله عليه‌السلام : « واضمحلت الإنباء » في النهج و « اضمحل الإنباء » أي تلاشت وفنيت وبطلت الإنباء بالوعد والوعيد وقوله « ولما وجب للقائين » أي للحق.

قوله عليه‌السلام : « ولا لزمت الأسماء » كالمؤمن والمتقي والزاهد والعابد وفي النهج ولا لزمت الأسماء معانيها وليس فيه على معنى مبين.

قوله عليه‌السلام : « ولذلك » إشارة إلى قوله تعالى «إِنْ نَشَأْ نُنَزِّلْ عَلَيْهِمْ مِنَ السَّماءِ آيَةً فَظَلَّتْ أَعْناقُهُمْ لَها خاضِعِينَ »(١) ويمكن توجيهه بوجهين.

الأول : أن يكون المعنى لأجل ما ذكرنا من بطلان الجزاء وسقوط البلاء قال الله تعالى : على وجه الإنكار « إن نشأ نزل » فأقامعليه‌السلام كلمة لو مكان أن للإشعار بأن المراد بالآية : الإنكار ، وعدم كون المصلحة في ذلك فلذا لم يفعل.

والثاني : أن يكون الظرف متعلقا بقوله ظلت أي ولما ذكرنا من سقوط البلاء ونظائره ظلت أعناقهم خاضعين على تقديم نزول البلاء ولا يخفى بعده ، وقوله من قناعة في النهج : مع قناعة وفيه غنى مكان غناؤه والخصاصة الفقر.

قوله عليه‌السلام : « أذاه » (٢) في بعض النسخ أداؤه بالمهملة وفي بعضها بالمعجمة وفي النهج أذى ويظهر من القاموس الأذاء يجيء ممدودا وبالمهملة يحتاج إلى تكلف والتذكير للمصدرية ويقال ضامه حقه واستضامه انتقصه ، والضيم الظلم.

قوله عليه‌السلام : « تمد نحوه » أي يؤمله المؤملون فكل من أمل شيئا طمح

__________________

(١) سورة الشعراء : الآية ٤.

(٢) هكذا في الأصل : ولكن في الكافي « أذاؤه ».

٢٤

الرحال لكان أهون على الخلق في الاختبار وأبعد لهم في الاستكبار ولآمنوا عن رهبة قاهرة لهم أو رغبة مائلة بهم فكانت النيات مشتركة والحسنات مقتسمة ولكن الله أراد أن يكون الاتباع لرسله والتصديق بكتبه والخشوع لوجهه والاستكانة لأمره والاستسلام لطاعته أمورا له خاصة لا تشوبها من غيرها شائبة وكلما كانت البلوى والاختبار أعظم كانت المثوبة والجزاء أجزل ألا ترون أن الله جل ثناؤه اختبر الأولين من لدن آدم إلى الآخرين من هذا العالم بأحجار لا تضر ولا تنفع ولا تبصر

إليه بصره ومد إليه عنقه وسافر رغبة إليه.

قولهعليه‌السلام : « فكانت النيات مشتركة » أي يكون المكلف قد فعل الإيمان لكلا الأمرين فلم يكن نياتهم في أيمانهم ولا حسناتهم خالصة لله بل مشتركة ومقتسمة بعضها له وبعضها للرغبة وبعضها للرهبة كذا ذكره ابن أبي الحديد ، وابن ميثم.

وقيل يحتمل أن يقال : لو كانت الأنبياء أهل قوة وعزة وملك لا من بهم وسلم لأمرهم جميع أهل الأرض عن رغبة ورهبة فكانت النيات والحسنات مشتركة مقتسمة بين الناس ولم يتميز المطيع عن العاصي والمؤمن عن الكافر ولم يتميز من عمل لله خالصة عن من فعل الحسنات لأغراض أخر فلم يكن الاستلام والخشوع لله خاصة لكن لا ـ يخفى أن الأول أظهر وربما بعده أنسب فتأمل.

وقال ابن ميثم : ويروي فكانت السيئات مشتركة أي كانت السيئات الصادرة منهم مشتركة بينهم وبين من فعلوها رهبة منه.

قولهعليه‌السلام : « والجزاء أجزل » أي أعظم ، وفي النهج إلى الأخيرين معرفا باللام وفيه لا تضر

قولهعليه‌السلام : « جعله للناس قياما » إشارة إلى قوله تعالى«جَعَلَ اللهُ الْكَعْبَةَ الْبَيْتَ الْحَرامَ قِياماً لِلنَّاسِ »(١) قال الطبرسي(٢) (ره) القيام مصدر كالصيام ، أي : جعل الله حج الكعبة ، أو نصب الكعبة«قِياماً لِلنَّاسِ » أي لمعايش الناس ومكاسبهم

__________________

(١) سورة المائدة : الآية ٩٧.

(٢) مجمع البيان : ج ١ ـ ٢ ـ ص ٢٤٧.

٢٥

ولا تسمع فجعلها بيته الحرام الذي جعله للناس قياما ثم وضعه بأوعر بقاع الأرض حجرا وأقل نتائق الدنيا مدرا وأضيق بطون الأودية معاشا وأغلظ محال المسلمين

لما يحصل لهم في زيادتها من التجارة وأنواع البركة وهو المروي عن أبي عبد اللهعليه‌السلام .

وقيل : معناه أنهم لو تركوه عاما واحدا لم يحجوه(١) لما نوظروا إن أهلكهم(٢) الله رواه عل بن إبراهيم عنهمعليهم‌السلام (٣) .

أقول : ويحتمل أن يكون إشارة إلى ما روي أن الكعبة والقرآن أمانان لله في الأرض فإذا رفعا إلى السماء نزل عليهم العذاب وقامت الساعة.

قولهعليه‌السلام : « ثم جعله » في النهج :ثم وضعه وقال في النهاية :« جبل وعر » أي غليظ حزن ، يصعب الصعود إليه(٤) ، وقال في النهاية : في حديث عليعليه‌السلام « أقل نتائق الدنيا مدرا » النتائق جمع نتيقة وهي فعيلة. بمعنى مفعوله ، من النتق وهو أن يقلع الشيء فترفعه من مكانه لترمي به هذا هو الأصل وأراد بها هاهنا البلاد لرفع بنائها وشهرتها في موضعها(٥) .

وقال ابن أبي الحديد : أصل هذه اللفظة من قولهم امرأة منتاق أي كثيرة الحبل والولادة.

ويقال : ضيعة منتاق : أي كثيرة الربع فجعلعليه‌السلام الضياع ذوات المدر التي يثأر للحرث نتائق وقال : إن مكة أقلها صلاحا للزرع لأن أرضها حجرية.

وقال الفيروزآبادي : المدر : محركة قطع الطين النبق بالكسر وهو أرفع موضع في الجبل.

قوله عليه‌السلام : « معاشا » في النهج مكانه قطرا وهو بالضم الجانب.

__________________

(١) هكذا في الأصل : ولكن في المجمع : لم يحجّونه.

(٢) هكذا في الأصل : ولكن في المجمع : أن يهلكوا.

(٣) الظاهر ممّا يستفاد من المجمع : أنّ هذا القول مرويّ عن عطاء ورواية عليّ بن إبراهيم رواية مستقلة تأتي بعد ذلك ولم يذكرها المؤلّفقدس‌سره .

(٤) نهاية ابن الأثير ج ٥ ص ٢٠٦.

(٥) نهاية ابن الأثير ج ٥ ص ١٣.

٢٦

مياها بين جبال خشنة ورمال دمثة وعيون وشلة وقرى منقطعة وأثر من مواضع قطر السماء داثر ليس يزكو به خف ولا ظلف ولا حافر ثم أمر آدم وولده أن يثنوا أعطافهم نحوه فصار مثابة لمنتجع أسفارهم وغاية لملقى رحالهم تهوي إليه ثمار الأفئدة

قوله عليه‌السلام : « دمثة » قال في النهاية « الدمث » الأرض السهلة الرخوة والرمل الذي ليس بمتلبد(١) .

وقال ابن أبي الحديد : أي سهلة وكل ما كان الرمل أسهل كان أبعد من أن ينبت.

وقال ابن ميثم : إنما ذكر الرمال اللينة في معرض الدم لأنها أيضا مما لا يزكوا بها الدواب لأن حافر الدواب يسوخ فيها ويتعب في المشي بها ولو شل بالتحريك الماء القليل.

قوله عليه‌السلام : « وأثر » ليست هذه الفقرة في النهج بل فيه هكذا وقرى منقطعة لا يزكو بها خف ولا حافر ولا ظلف ، وقال الفيروزآبادي : « وثر يثره ووثره توثيرا » وطئه وقد وثر ككرم انتهى ، أي بين آثار منطمسة من سيلان الأمطار قد خربت تلك القرى وذهبت الأمطار بآثارها ، وفي بعض النسخ داثر مكان واثرة وعلى التقديرين لا يخلو من تكلف ولعله لهذا أسقطه السيد (ره) والمراد« بالخف والظلف والحافر » الجمل والخيل والبقر والغنم من قبيل إطلاق الجزء على الكل أو بحذف المضاف.

قوله عليه‌السلام : « أعطافهم » عطفا الرجل جانباه : أي يقصدوه ويحجوه و« يثنوا » أي يميلوا جوانبهم متوجهين إليه معرضين عن غيره وليس من قبيل قوله تعالى«ثانِيَ عِطْفِهِ لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللهِ »(٢) فإنه بمعنى أماله الجانب للإعراض أو التجبر على ما ذكره المفسرون.

قوله عليه‌السلام « مثابة » قال الطبرسي : (ره) في قوله تعالى «وَإِذْ جَعَلْنَا الْبَيْتَ مَثابَةً

__________________

(١) نهاية ابن الأثير : ج ٢ ص ١٣٢.

(٢) سورة الحجّ : ٩.

٢٧

من مفاوز قفار متصلة وجزائر بحار منقطعة ومهاوي فجاج عميقة حتى يهزوا مناكبهم ذللا يهللون لله حوله ويرملون على أقدامهم شعثا غبرا له قد نبذوا القنع والسرابيل

لِلنَّاسِ »(١) المثابة هاهنا الموضع الذي يثاب إليه من ثاب يثوب مثابة ومثابا أي رجع.

وقيل : إن الثاء فيه للمبالغة كما(٢) قالوا : نسابة.

وقيل : إن معناهما واحد كما قالوا مقام ومقامة ، وقوله تعالى«مَثابَةً لِلنَّاسِ »(٣) ذكر فيه وجوه.

فقيل : إن الناس يثوبون إليه كل عام أي : ليس هو مرة في الزمان فقط على الناس.

وقيل : معناه أنه لا ينصرف عنه أحد وهو يرى أنه قد مضى منه وطرا فهم يعودون إليه.

وقيل : معناه ويحجون إليه فيثابون عليه.

وقيل : مثابة أي معاذا وملجأ.

وقيل : مجمعا والمعنى في الكل يؤول إلى أنهم يرجعون إليه مرة بعد مرة(٤) .

وقال ابن أبي الحديد :« النجعة » طلب الكلام في الأصل ثم تسمى كل من قصد أمرا يروم النفع فيه منتجعا.

قوله عليه‌السلام : « ثمار الأفئدة » قال ابن أبي الحديد : ثمرة الفؤاد هي سويداء القلب ، ومنه قولهم للولد هو ثمرة الفؤاد.

وأقول : الظاهر أنه إشارة إلى ما ورد في بعض الأخبار في قوله تعالى«وَارْزُقْهُمْ مِنَ الثَّمَراتِ »(٥) أن المراد بها ثمرات القلوب.

__________________

(١ و ٣) سورة البقرة : ١٣٥.

(٢) هكذا في الأصل : وفي المجمع كما قيل.

(٤) مجمع البيان : ج ١ ـ ٢ ص ٢٠٢.

(٥) سورة إبراهيم : ٣٧.

٢٨

وراء ظهورهم وحسروا بالشعور حلقا عن رءوسهم ابتلاء عظيما واختبارا كبيرا وامتحانا

و « المفاوز » جمع مفاوزة وهي الفلاة سميت مفازة : إما لأنها مهلكة من قولهم فوز الرجل أي هلك ، وإما تفاؤلا بالسلامة والفوز.

وقال ابن أبي الحديد : والرواية المشهورة من مفاوز قفار بالإضافة.

وقد روى قوم : من مفاوز بفتح الزاي لأنه لا ينصرف ولم يضيفوا وجعلوا قفار صفة.

وفي النهج : مكان متصلة سحيقة أي بعيدة.

و « المهاوى » المساقط و« الفج » الطريق بين الجانبين.

وقوله « حتى يهزوا » قال الجوهري : هزت الشيء هزا فاهتز ، أي حركته فتحرك.

وقال ابن أبي الحديد : أي يحركهم الشوق نحوه إلى أن يسافروا إليه فكني عن السفر : بهز المناكب.

« وذللا » حال إما منهم ، أو من المناكب.

وفي النهج بعد ذلك يهلون لله حوله ويرملون على أقدامهم.

وقال ابن أبي الحديد : « يهلون » أي يرفعون أصواتهم بالتلبية ، ويروى يهللون انتهى.

ويقال : « رمل » أي أسرع في المشي وعلى ما في الكتاب يرملوا معطوف على يهزوا و « الشعث » انتشار الأمر والمراد هنا انتشار الشعر ودخول بعضها في بعض بترك الترجيل.

والحاصل : إنهم لا يتعهدون شعورهم ولا ثيابهم ولا أبدانهم ، والقنع بالضم جمع القناع وهو المقنعة والسلاح وليس هذه اللفظة في النهج بل فيه قد نبذوا السرابيل و « السربال » القميص.

قوله عليه‌السلام : « وحسروا » يقال : حسرت كمي عن ذراعي [ ذراعيه ] كشفت ، وفي

٢٩

شديدا وتمحيصا بليغا وقنوتا مبينا جعله الله سببا لرحمته ووصلة ووسيلة إلى جنته وعلة لمغفرته وابتلاء للخلق برحمته ولو كان الله تبارك وتعالى وضع بيته الحرام ومشاعره العظام بين جنات وأنهار وسهل وقرار جم الأشجار داني الثمار ملتف النبات متصل القرى من برة سمراء وروضة خضراء وأرياف محدقة وعراص مغدقة وزروع ناضرة وطرق عامرة وحدائق كثيرة لكان قد صغر الجزاء على حسب ضعف البلاء ثم لو كانت الأساس المحمول عليها والأحجار المرفوع بها بين زمردة خضراء

النهج مكان هذه الفقرة وشوهوا بإعفاء الشعور محاسن خلقهم.

وقال : في النهاية« المحص » التلخيص ومنه تمحيص الذنوب أي إزالتها ومنه حديث عليعليه‌السلام وذكر فتنة فقال : « يمحص الناس فيها كما يمحص الذهب المعدن » أي يخلصون بعضهم من بعض ، كما يخلص ذهب المعدن من التراب(١) .

وقيل : يختبرون كما يختبر الذهب ليعرف جودته من رداءته.

وفي النهج هكذا ابتلاء عظيما وامتحانا شديدا واختبارا مبينا وتمحيصا بليغا جعله الله سببا لرحمته ووصلة إلى جنته.

قوله عليه‌السلام : « ومشاعره » هو جمع مشعر أي محل العبادة وموضعها.

قوله عليه‌السلام : « وسهل » أي في مكان سهل يستقر فيه الناس ولا ينالهم من المقام به مشقة والجم الكثير ، وفي النهج ملتف النبي أي مشيتك العمارة ، والبرة الواحدة « البر » وهي الحنطة.

و « الأرياف » جمع ريف وهو كل أرض فيها زرع ونخل.

وقيل : هو ما قارب الماء من الأرض.

وقال الفيروزآبادي :« حدقوا به » أطافوا كأحدقوا ، « والحديقة » الروضة ذات الشجر أو البستان من النخل والشجر ، وكلما أحاط به البناء أو القطعة من النخل و « أحدقت الروضة » صارت حديقة وقال :الغدق الماء الكثير ، وأغدق المطر كثر

__________________

(١) نهاية ابن الأثير : ج ٤ ص ٣٠٢.

٣٠

وياقوتة حمراء ونور وضياء لخفف ذلك مصارعة الشك في الصدور ولوضع مجاهدة إبليس عن القلوب ولنفى معتلج الريب من الناس ولكن الله عز وجل يختبر عبيده ـ بأنواع الشدائد ويتعبدهم بألوان المجاهد ويبتليهم بضروب المكاره إخراجا للتكبر من قلوبهم وإسكانا للتذلل في أنفسهم وليجعل ذلك أبوابا فتحا إلى فضله وأسبابا ذللا لعفوه وفتنته كما قال «الم. أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لا يُفْتَنُونَ

قطرة « والنضارة » الحسن ، وفي النهج قدر الجزاء ولو كانت.

قوله عليه‌السلام : « من مصارعة الشك » في بعض النسخ بالصاد المهملة أي منازعته ومجادلته ، وفي بعضها بالمعجمة أي مقاربة الشك ودنوة من النفس من مضارعة الشمس إذا دنت للمغيب ويقال : ضرع السبع من الشيء إذا دنا أو مشابهة الشك أي الأمر المشكوك فيه باليقين.

قوله عليه‌السلام : « مجاهدة إبليس » بالإضافة إلى الفاعل أو المفعول.

قوله عليه‌السلام : « معتلج الريب » قال في النهاية : هو من اعتلجت الأمواج إذا التطمت أو من اعتلجت الأرض إذا طال نباتها انتهى(١) .

والأول أظهر وهو مصدر ميمي أي ولنفي اضطراب الشك.

قوله عليه‌السلام : « بألوان المجاهدة » في النهج بألوان المجاهد » جمع مجهدة وهي المشقة.

قوله عليه‌السلام : « في أنفسهم » في النهج في نفوسهم« وليجعل ذلك أبوابا فتحا » بضمتين أي مفتوحة.

قوله عليه‌السلام : « ذللا » أي سهلة ».

قوله تعالى : «أَحَسِبَ النَّاسُ » أي أحسب ما تركهم غير مفتونين لقولهم آمنا؟

__________________

(١) النهاية لابن الأثير : ج ٣ ص ٢٨٦.

٣١

وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكاذِبِينَ ».

(باب)

(حج إبراهيم وإسماعيل وبنائهما البيت ومن ولي البيت بعدهما)

(عليهما‌السلام )

١ ـ علي بن إبراهيم ، عن أبيه والحسين بن محمد ، عن عبدويه بن عامر وغيره ومحمد بن يحيى ، عن أحمد بن محمد جميعا ، عن أحمد بن محمد بن أبي نصر ، عن أبان بن عثمان ، عن أبي العباس ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال لما ولد إسماعيل حمله إبراهيم وأمه على حمار وأقبل معه جبرئيل حتى وضعه في موضع الحجر ومعه شيء من زاد وسقاء فيه شيء من ماء والبيت يومئذ ربوة حمراء من مدر فقال إبراهيم لجبرئيلعليه‌السلام هاهنا أمرت قال نعم قال ومكة يومئذ سلم وسمر وحول مكة يومئذ ناس من العماليق.

قوله عليه‌السلام : «فَلَيَعْلَمَنَّ اللهُ » قال البيضاوي : أي ليتعلقن عمله بالامتحان تعلقا خاليا يتميز به «الَّذِينَ صَدَقُوا » في الإيمان والذين كذبوا فيه وينوط به ثوابهم وعقابهم ولذلك قيل المعنى : وليميزن أو ليجازين وقرئ وليعلمن عن الإعلام.

باب حج إبراهيم وإسماعيل وبنائهما البيت ومن ولي البيت بعدهماعليهما‌السلام

الحديث الأول : حسن كالصحيح.

قوله عليه‌السلام : « ربوة » هي مثلثة ما ارتفع من الأرض و« السلم » بالتحريك و« السمر » بضم الميم نوعان من الشجر.

وقال الجوهري :العماليق والعمالقة ، قوم من ولد عمليق بن لاوذ بن إرم بن سام بن نوح وهم أمم تفرقوا في البلاد.

٣٢

وفي حديث آخر عنه أيضا قال فلما ولى إبراهيم قالت هاجر يا إبراهيم إلى من تدعنا قال أدعكما إلى رب هذه البنية قال فلما نفد الماء وعطش الغلام خرجت حتى صعدت على الصفا فنادت هل بالبوادي من أنيس ثم انحدرت حتى أتت المروة فنادت مثل ذلك ثم أقبلت راجعة إلى ابنها فإذا عقبه يفحص في ماء فجمعته فساخ ولو تركته لساح

٢ ـ علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن ابن أبي عمير ، عن معاوية بن عمار ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال إن إبراهيمعليه‌السلام لما خلف إسماعيل بمكة عطش الصبي فكان فيما بين الصفا والمروة شجر فخرجت أمه حتى قامت على الصفا فقالت هل بالبوادي من أنيس فلم تجبها أحد فمضت حتى انتهت إلى المروة فقالت هل بالبوادي من أنيس فلم تجب ثم رجعت إلى الصفا وقالت ذلك حتى صنعت ذلك سبعا فأجرى الله ذلك سنة وأتاها جبرئيل فقال لها من أنت فقالت أنا أم ولد إبراهيم قال لها إلى من ترككم فقالت أما لئن قلت ذاك لقد قلت له حيث أراد الذهاب يا إبراهيم إلى من تركتنا فقال إلى الله عز وجل فقال جبرئيلعليه‌السلام لقد وكلكم إلى كاف قال وكان الناس يجتنبون الممر إلى مكة لمكان الماء ففحص الصبي برجله فنبعت زمزم قال فرجعت من المروة إلى الصبي وقد نبع الماء فأقبلت تجمع التراب حوله مخافة أن يسيح الماء ولو تركته لكان سيحا قال فلما رأت الطير الماء حلقت عليه فمر ركب من اليمن يريد السفر فلما رأوا الطير قالوا ما حلقت الطير إلا على ماء

قوله عليه‌السلام : « يفحص » الفحص : البحث والكشف ، ويقال :ساخ يسيخ سيخا وسيخانا إذا رسخ وثبت ، وساح الماء يسيح سيحا وسيحانا إذا جرى على وجه الأرض.

الحديث الثاني : حسن.

قوله عليه‌السلام : « فخرجت » يمكن أن يقرأ بالحاء المهملة ثم الراء ثم الجيم أي ضاق صدرها.

قوله عليه‌السلام : « ما حلقت » تحليق الطائر ارتفاعه في طيرانه.

٣٣

فأتوهم فسقوهم من الماء فأطعموهم الركب من الطعام وأجرى الله عز وجل لهم بذلك رزقا وكان الناس يمرون بمكة فيطعمونهم من الطعام ويسقونهم من الماء.

٣ ـ محمد بن يحيى وأحمد بن إدريس ، عن عيسى بن محمد بن أبي أيوب ، عن علي بن مهزيار ، عن الحسين بن سعيد ، عن علي بن منصور ، عن كلثوم بن عبد المؤمن الحراني ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال أمر الله عز وجل إبراهيمعليه‌السلام أن يحج ويحج إسماعيل معه ويسكنه الحرم فحجا على جمل أحمر وما معهما إلا جبرئيلعليه‌السلام فلما بلغا الحرم قال له جبرئيل يا إبراهيم انزلا فاغتسلا قبل أن تدخلا الحرم فنزلا فاغتسلا وأراهما كيف يتهيئان للإحرام ففعلا ثم أمرهما فأهلا بالحج وأمرهما بالتلبيات الأربع التي لبى بها المرسلون ثم صار بهما إلى الصفا فنزلا وقام جبرئيل بينهما واستقبل البيت فكبر الله وكبرا وهلل الله وهللا وحمد الله وحمدا ومجد الله ومجدا وأثنى عليه وفعلا مثل ذلك وتقدم جبرئيل وتقدما يثنيان على الله عز وجل ويمجدانه حتى انتهى بهما إلى موضع الحجر فاستلم جبرئيل الحجر وأمرهما أن يستلما وطاف بهما أسبوعا ثم قام بهما في موضع مقام إبراهيمعليه‌السلام فصلى ركعتين وصليا ثم أراهما المناسك وما يعملان به فلما قضيا مناسكهما أمر الله إبراهيمعليه‌السلام بالانصراف وأقام إسماعيل وحده ما معه أحد غير أمه فلما كان من قابل أذن الله لإبراهيمعليه‌السلام في الحج وبناء الكعبة وكانت العرب تحج إليه وإنما كان ردما إلا أن قواعده معروفة فلما صدر الناس جمع إسماعيل الحجارة وطرحها في جوف الكعبة فلما أذن الله له في البناء قدم إبراهيم

قوله عليه‌السلام : « فأطعموهم » من قبيل أكلوني البراغيث ، وفي بعض النسخ : [ فأطعمهم ].

الحديث الثالث : مجهول.

قوله عليه‌السلام : « ويحج إسماعيل معه » الظاهر إن هذا كان بعد أن كبر إسماعيل وترك أمه هناك وذهب إلى أبيه بالشام.

قوله عليه‌السلام : « ردما » الردم ما يسقط من الجدار المنهدم.

٣٤

عليه‌السلام فقال يا بني قد أمرنا الله ببناء الكعبة وكشفا عنها فإذا هو حجر واحد أحمر فأوحى الله عز وجل إليه ضع بناءها عليه وأنزل الله عز وجل أربعة أملاك يجمعون إليه الحجارة فكان إبراهيم وإسماعيلعليهما‌السلام يضعان الحجارة والملائكة تناولهما حتى تمت اثنا عشر ذراعا وهيئا له بابين بابا يدخل منه وبابا يخرج منه ووضعا عليه عتبا وشرجا من حديد على أبوابه وكانت الكعبة عريانة فصدر إبراهيم وقد سوى البيت وأقام إسماعيل فلما ورد عليه الناس نظر إلى امرأة من حمير أعجبه جمالها فسأل الله عز وجل أن يزوجها إياه وكان لها بعل فقضى الله على بعلها بالموت وأقامت بمكة حزنا على بعلها فأسلى الله ذلك عنها وزوجها إسماعيل وقدم إبراهيم الحج وكانت امرأة موفقة وخرج إسماعيل إلى الطائف يمتار لأهله طعاما فنظرت إلى شيخ شعث فسألها عن حالهم ـ فأخبرته بحسن حال فسألها عنه خاصة فأخبرته بحسن الدين وسألها ممن أنت؟

قوله عليه‌السلام : « عتبا » العتب بالتحريك جمع العتبة ، وشرج العيبة بالتحريك عراها.

قوله عليه‌السلام : « فسأل الله » لعلهعليه‌السلام لم يكن يعلم أن لها بعدا وقت السؤال.

قوله عليه‌السلام : « فأسلى الله » سلاني من همي وأسلاني أي كشفه عني.

قوله عليه‌السلام : « وقدم » إما بالتخفيف أي أتى للحج ، أو بالتشديد أي أتى قبل موسم الحج.

قوله عليه‌السلام : « موفقة » في بعض النسخ بتقديم القاف على بناء الأفعال المجهول من أوقفه على الأمر أطلعه عليه أي كانت ملهمة للخير ، وفي بعضها بتقديم الفاء وهو أظهر و« الامتيار » جلب الميرة.

وقال في المغرب« الشعث » انتشار الشعر وتغيره لقلة تعهده ، ورجل أشعث والشعث مثل الأشعث.

وقال : في القاموس الشعث محركة انتشار الأمر ، ومصدر الأشعث للمغبر الرأس.

٣٥

فقالت امرأة من حمير فسار إبراهيم ولم يلق إسماعيل وقد كتب إبراهيم كتابا فقال ادفعي هذا إلى بعلك إذا أتى إن شاء الله فقدم عليها إسماعيل فدفعت إليه الكتاب فقرأه فقال أتدرين من هذا الشيخ فقالت لقد رأيته جميلا فيه مشابهة منك قال ذاك إبراهيم فقالت وا سوأتاه منه فقال ولم نظر إلى شيء من محاسنك فقالت لا ولكن خفت أن أكون قد قصرت وقالت له المرأة وكانت عاقلة فهلا تعلق على هذين البابين سترين سترا من هاهنا وسترا من هاهنا فقال لها نعم فعملا لهما سترين طولهما اثنا عشر ذراعا فعلقاهما على البابين فأعجبهما ذلك فقالت فهلا أحوك للكعبة ثيابا فتسترها كلها فإن هذه الحجارة سمجة فقال لها إسماعيل بلى فأسرعت في ذلك وبعثت إلى قومها بصوف كثير تستغزلهم.

قال أبو عبد اللهعليه‌السلام وإنما وقع استغزال النساء من ذلك بعضهن لبعض لذلك قال فأسرعت واستعانت في ذلك فكلما فرغت من شقة علقتها فجاء الموسم وقد بقي وجه من وجوه الكعبة فقالت لإسماعيل كيف نصنع بهذا الوجه الذي لم تدركه الكسوة فكسوه خصفا فجاء الموسم وجاءته العرب على حال ما كانت تأتيه فنظروا إلى أمر أعجبهم فقالوا ينبغي لعامل هذا البيت أن يهدى إليه فمن ثم وقع الهدي فأتى كل فخذ من العرب بشيء يحمله من ورق ومن أشياء غير ذلك حتى اجتمع شيء كثير فنزعوا ذلك الخصف وأتموا كسوة البيت وعلقوا عليها بابين وكانت الكعبة

قوله عليه‌السلام : « مشابهة » أي فيه ما يشبهك ، وفي بعض النسخ مشابهة وهو أصوب.

ويقال :« حاك الثوب يحوك حوكا » نسجه« والسماجة » القباحة و« الخصف » بالتحريك الجلة التي تعمل من الخوص للتمر.

وقال الجوهري :الفخذ من العشائر أقل من البطن ، أولها الشعب ثم القبيلة ثم الفصيلة ثم العمارة ثم البطن ثم الفخذ.

قوله عليه‌السلام : « وعلقوا عليها بابين » أي علقوا على الكسوة سترين للبابين فلا ينافي ما مر من أنه هيأ له بابين ، على أنه يحتمل أن يكون التهيئة سابقا

٣٦

ليست بمسقفة فوضع إسماعيل فيها أعمدة مثل هذه الأعمدة التي ترون من خشب وسقفها إسماعيل بالجرائد وسواها بالطين فجاءت العرب من الحول فدخلوا الكعبة ورأوا عمارتها فقالوا ينبغي لعامل هذا البيت أن يزاد فلما كان من قابل جاءه الهدي ـ فلم يدر إسماعيل كيف يصنع فأوحى الله عز وجل إليه أن انحره وأطعمه الحاج قال وشكا إسماعيل إلى إبراهيم قلة الماء فأوحى الله عز وجل إلى إبراهيم أن احتفر بئرا يكون منها شراب الحاج فنزل جبرئيلعليه‌السلام فاحتفر قليبهم يعني زمزم حتى ظهر ماؤها ثم قال جبرئيلعليه‌السلام انزل يا إبراهيم فنزل بعد جبرئيل فقال يا إبراهيم اضرب في أربع زوايا البئر وقل بسم الله قال فضرب إبراهيمعليه‌السلام في الزاوية التي تلي البيت وقال بسم الله فانفجرت عين ثم ضرب في الزاوية الثانية وقال بسم الله فانفجرت عين ثم ضرب في الثالثة وقال بسم الله فانفجرت عين ثم ضرب في الرابعة وقال بسم الله فانفجرت عين وقال له جبرئيل اشرب يا إبراهيم وادع لولدك فيها بالبركة وخرج إبراهيمعليه‌السلام وجبرئيل جميعا من البئر فقال له أفض عليك يا إبراهيم وطف حول البيت فهذه سقيا سقاها الله ولد إسماعيل فسار إبراهيم وشيعه إسماعيل حتى خرج من الحرم فذهب إبراهيم ورجع إسماعيل إلى الحرم.

٤ ـ علي بن إبراهيم ، عن أبيه والحسين بن محمد ، عن عبدويه بن عامر ومحمد بن يحيى ، عن أحمد بن محمد جميعا ، عن أحمد بن محمد بن أبي نصر ، عن أبان بن عثمان ، عن عقبة بن بشير ، عن أحدهماعليهما‌السلام قال إن الله عز وجل أمر إبراهيم ببناء الكعبة

والتعليق في هذا الوقت ، أو يكون المراد بالسابق تهيئة مكان البابين.

قوله عليه‌السلام : « فاحتفر قليبهم » قال الجوهري : « القليب » البئر قبل أن تطوى يذكر ويؤنث. وقال أبو عبيد وهي البئر العالية القديمة انتهى.

والمراد هنا زمزم ولعل ماء زمزم كان أول ظهوره بتحريك إسماعيلعليه‌السلام رجله على وجه الأمر : [ الأرض ] ثم يبس فحفر إبراهيمعليه‌السلام في ذلك المكان حتى ظهر الماء ، ويحتمل أن يكون الحفر لازدياد الماء فيكون المراد بقولهعليه‌السلام « حتى ظهر ماؤها » أي ظهر ظهورا بينا بمعنى كثر ، ومنهم من قرأ ظهر : على بناء التفعيل من قبيل مؤنث الإبل.

الحديث الرابع : مجهول.

٣٧

وأن يرفع قواعدها ويري الناس مناسكهم فبنى إبراهيم وإسماعيل البيت كل يوم سافا حتى انتهى إلى موضع الحجر الأسود قال أبو جعفرعليه‌السلام فنادى أبو قبيس إبراهيمعليه‌السلام إن لك عندي وديعة فأعطاه الحجر فوضعه موضعه ثم إن إبراهيمعليه‌السلام أذن في الناس بالحج فقال أيها الناس إني إبراهيم خليل الله إن الله يأمركم أن تحجوا هذا البيت فحجوه فأجابه من يحج إلى يوم القيامة وكان أول من أجابه من أهل اليمن قال وحج إبراهيمعليه‌السلام هو وأهله وولده فمن زعم أن الذبيح هو إسحاق ـ فمن هاهنا كان ذبحه.

قوله عليه‌السلام : « سافا » الساف كل عرق من الحائط وقال في كنز اللغة : « عرق » بفتح الراء چكيده ديوار را گويند.

قوله عليه‌السلام : « فمن هاهنا كان ذبحه » غرضه رفع استبعاد لكون إسحاق ذبيحا بأن إسحاق كان بالشام والذي كان بمكة إسماعيل فكون إسحاق ذبيحا مستبعد فأشار المؤلف (ره) هاهنا إلى أن هذا الخبر يدل على إن إبراهيمعليه‌السلام قد حج مع أهله وولده فيمكن أن يكون الأمر بذبح إسحاق في هذا الوقت.

واعلم : إن المسلمين اختلفوا في أن الذبيح إسماعيل أو إسحاق مع اتفاق أهل الكتاب على أنه إسحاق وكذا اختلف أخبار الخاصة والعامة في ذلك لكن القول بكونه إسحاق أشهر بين المخالفين كما أن القول بكونه إسماعيل أشهر بين الإمامية ، فحمل الأخبار الدالة على كونه إسحاقعليه‌السلام على التقية أظهر ، ويظهر من الكليني (ره) أنه في ذلك من المتوقفين ولا يبعد حمل الأخبار الدالة على كونه إسحاقعليه‌السلام على التقية.

وقال الصدوق (ره) في الخصال والعيون وغيرهما : قد اختلفت الروايات في الذبيح.

فمنها : ما ورد بأنه إسماعيل.

ومنها : ما ورد بأنه إسحاق ولا سبيل إلى رد الأخبار متى صحت طرقها وكان

٣٨

وذكر ، عن أبي بصير أنه سمع أبا جعفر وأبا عبد اللهعليه‌السلام يزعمان أنه إسحاق فأما زرارة فزعم أنه إسماعيل.

٥ ـ محمد بن يحيى ، عن أحمد بن محمد ، عن ابن فضال قال قال أبو الحسنعليه‌السلام يعني الرضا للحسن بن الجهم أي شيء السكينة عندكم فقال لا أدري جعلت فداك وأي شيء هي قال ريح تخرج من الجنة طيبة لها صورة كصورة وجه الإنسان فتكون مع الأنبياء وهي التي نزلت على إبراهيمعليه‌السلام حيث بنى الكعبة فجعلت تأخذ كذا وكذا فبنى الأساس عليها.

علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن علي بن أسباط قال سألت أبا الحسنعليه‌السلام ـ عن السكينة فذكر مثله.

٦ ـ عدة من أصحابنا ، عن أحمد بن محمد ، عن ابن فضال عن عبد الله بن سنان ،

الذبيح إسماعيل لكن إسحاق لما ولد بعد ذلك تمنى أن يكون هو الذي أمر أبوه بذبحه فكان يصبر لأمر الله ويسلم له كصبر أخيه وتسليمه فينال بذلك درجة في الثواب فعلم الله عز وجل ذلك من قلبه فسماه بين ملائكته ذبيحا لتمنيه لذلك.

وحدثنا بذلك محمد بن علي بن بشار ، عن المظفر بن أحمد ، عن محمد بن جعفر الأسدي عن محمد بن إسماعيل البرمكي ، عن عبد الله بن داهر ، عن أبي قتادة ، عن وكيع ، عن سليمان بن مهران ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام انتهى.

أقول : لا ينفع هذا في أكثر الأخبار المصرحة بكون الذبيح حقيقة هو إسحاق ، ويمكن القول بصدورهما معا إن لم يتحقق إجماع على كون الذبيح أحدهما فقط.

الحديث الخامس : موثق كالصحيح. وسنده الثاني حسن أو موثق.

قوله عليه‌السلام : « لها صورة » لا استبعاد في أن ينبعث الريح على وجه يتشكل منها في الهواء هذه الصورة بقدرة الله تعالى.

الحديث السادس : موثق كالصحيح. وفي بعض النسخ عن ابن مسكان فيكون

٣٩

عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال لما أمر إبراهيم وإسماعيلعليهما‌السلام ببناء البيت وتم بناؤه قعد إبراهيم على ركن ثم نادى هلم الحج هلم الحج فلو نادى هلموا إلى الحج لم يحج إلا من كان يومئذ إنسيا مخلوقا ولكنه نادى هلم الحج فلبى الناس في أصلاب الرجال لبيك داعي الله لبيك داعي الله عز وجل فمن لبى عشرا يحج عشرا ومن لبى خمسا ـ يحج خمسا ومن لبى أكثر من ذلك فبعدد ذلك ومن لبى واحدا حج واحدا ومن لم

الخبر صحيحا.

قوله عليه‌السلام : « هلم الحج » في الفقيه « هلم إلى الحج » في الموضعين وفي علل الشرائع كما هنا بدون كلمة إلى فعلى ما في الفقيه الفرق بين العبارتين باعتبار أن الأصل في الخطاب أن يكون متوجها إلى الموجودين ، وأما شمول الحكم للمعدومين فيستفاد من دلائل أخر لا من نفس الخطاب إلا أن يكون المراد بالخطاب : الخطاب العام المتوجهة إلى كل من يصلح للخطاب فإنه شامل للواحد والكثير والموجود والمعدوم ، والشائع في مثل هذا الخطاب أن يكون بلفظ المفرد ، بل صرح بعضهم بأنه لا يتأتى إلا بالمفرد.

قال الحلبي في حاشية شرح تلخيص المفتاح عند قول المصنف وقد يترك الخطاب إلى غير المعين ليعم الخطاب : كل مخاطب على سبيل البدل ، أما إذا كان ضمير المخاطب واحدا أو مثنى فكون العموم على سبيل البدل ظاهر ، وأما إذا كان جمعا فالظاهر إذا قصد غير معين أن يعم جمع المخاطبين على سبيل الشمول ، لكن قيل : لم يوجد في القرآن ولا في كلام العرب العرباء خطاب عام بصيغة الجمع انتهى.

وعلى ما في الكتاب يحتمل هذا الوجه بأن يكون الحج منصوبا بنزع الخافض.

ويحتمل وجها آخر بأن يكون الحج مرفوعا بأن يكون المخاطب الحج لبيان أنه مطلوب في نفسه من غير خصوصية ، مباشر فيكون أبلغ في إفادة

٤٠

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

مبالغة عظيمة. لأنّ المحال والمعدوم، يقع عليهما اسم الشيء. فإذا نفي إطلاق اسم الشيء عليه، فقد بولغ في ترك الاعتداد به، إلى ما ليس بعده. وهذا كقولهم أقلّ من لا شيء.

( وَقالَتِ النَّصارى لَيْسَتِ الْيَهُودُ عَلى شَيْءٍ ) :

قال ابن عبّاس(١) : لـمّا قدم وفد نجران من النّصارى على رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ أتتهم أحبار اليهود. فتنازعوا عند رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله. فقال رافع بن حرملة: «ما أنتم على شيء.» وجحد نبوّة عيسى. وكفر بالإنجيل. فقال رجل من أهل نجران: «ليست اليهود على شيء.» وجحد نبوّة موسى. وكفر بالتّوراة. فأنزل الله هذه الآية.

( وَهُمْ يَتْلُونَ الْكِتابَ ) :

الواو للحال. والكتاب للجنس، أي: قالوا ذلك، والحال أنّهم من أهل العلم والتّلاوة للكتب.

وحقّ من حمل التوراة، أو الإنجيل، أو غيرهما من كتب الله، أو آية، أن لا يكفر بالباقي. لأنّ كلّ واحد من الكتابين، مصدّق للثّاني، شاهد بصحته. وكذلك كتب الله جميعا، متواردة في تصديق بعضها بعضا.

( كَذلِكَ ) ، مثل ذلك الّذي سمعت به على ذلك المنهاج.

( قالَ الَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ مِثْلَ قَوْلِهِمْ ) ، كعبدة الأصنام والمعطّلة، قالوا لكلّ أهل دين: «ليسوا على شيء» وهذا توبيخ عظيم لهم، حيث نظموا أنفسهم مع علمهم، في سلك من لا يعلم.

و( مِثْلَ قَوْلِهِمْ ) ، يحتمل احتمالين: أحدهما أنّه مفعول مطلق لقال والآخر أنّه مفعوله، يعني: أنّ قولهم، مثل قولهم في الفساد، ومقولهم مثل مقولهم في الدّلالة على أنّ ما عدا دينهم، ليس بشيء.

فان قيل: لم وبّخهم؟ وقد صدقوا فإنّ كلا الدّينين بعد النّسخ ليس بشيء.

قلت: لم يصدقوا ذلك. وإنّما قصد كل فريق، إبطال دين الآخر، من أصله والكفر بنبيّه وكتابه، مع أن ما لم ينسخ منهما، حقّ واجب القبول والعمل به، مع الإيمان بالنّاسخ.

( فَاللهُ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ ) : بين الفريقين ،

__________________

(١) مجمع البيان ١ / ١٨٨.

١٢١

( يَوْمَ الْقِيامَةِ ) :

هي مصدر. إلّا أنّه صار كالعلم، على وقت، بعينه. وهو الوقت الّذي يبعث الله ـ عزّ وجلّ ـ فيه الخلق. فيقومون من قبورهم، إلى محشرهم. تقول: قام يقوم قياما وقيامة، مثل: عاذ يعوذ عياذا وعياذة.

( فِيما كانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ ) (١١٣) بما يقسم لكلّ فريق، ما يليق به من العذاب.

وقيل(١) : بأن يكذّبهم، وأن يدخلهم النّار.

وقيل(٢) : بأن يريهم من يدخل الجنّة عيانا، ومن يدخل النّار عيانا.

( وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ مَنَعَ مَساجِدَ اللهِ ) :

الآية عامّة لكلّ من خرّب مسجدا، أو سعى في تعطيل مكان مرشّح للصّلاة. وإن نزلت في الرّوم، لما غزوا بيت المقدس وخرّبوه وقتلوا أهله حتّى، كانت أيّام عمر، وأظهر المسلمين عليهم، وصاروا لا يدخلونها(٣) إلّا خائفين، على ما روى عن ابن عبّاس(٤) .

وقيل(٥) : خرّب بخت نصر بيت المقدس. وأعانه عليه(٦) النّصارى.

والمرويّ عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام(٧) : أنّها نزلت في قريش، حين منعوا رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ دخول مكّة والمسجد الحرام.

[وروى عن زيد بن عليّ، عن آبائه، عن عليّ ـ عليه السّلام(٨) : أنّه أراد جميع الأرض لقول النّبيّ ـ صلّى الله عليه وآله: جعلت لي الأرض مسجدا وترابها طهورا].(٩)

( أَنْ يُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ ) :

ثاني مفعولي «منع» لأنّك تقول: منعته كذا.

ويجوز أن يحذف حرف الجرّ، مع «أن.» ولك أن تنصبه مفعولا له(١٠) ، بمعنى: منعها كراهة أن يذكر.

( وَسَعى فِي خَرابِها ) بالهدم، أو التّعطيل.

__________________

(١) أنوار التنزيل ١ / ٧٧.

(٢) مجمع البيان ١ / ١٨٨.

(٣) أ: لن يدخلونها.

(٤) مجمع البيان ١ / ١٨٩.

(٥) نفس المصدر ونفس الموضع.

(٦) ر: على ذلك. وهو الظاهر.

(٧) نفس المصدر ونفس الموضع.

(٨) نفس المصدر ١ / ١٩٠.

(٩) ما بين المعقوفتين ليس في أ.

(١٠) ليس في أ.

١٢٢

( أُولئِكَ ) ، أي: المانعون،( ما كانَ لَهُمْ أَنْ يَدْخُلُوها إِلَّا خائِفِينَ ) ، أي :

ما كان ينبغي لهم أن يدخلوها، إلّا بخشية وخضوع، فضلا عن أن يجرءوا على تخريبها.

أو ما كان الحقّ أن يدخلوها، إلّا خائفين من المؤمنين، أن يبطشوهم، فضلا عن أن يمنعوهم منها.

أو ما كان لهم في علم الله تعالى، أو قضائه، فيكون وعدا للمؤمنين بالنّصرة واستخلاص المساجد منهم. وقد أنجز وعده.

( لَهُمْ فِي الدُّنْيا خِزْيٌ ) :

قال قتادة(١) : المراد بالخزي، أن يعطوا الجزية عن يد، وهم صاغرون.

وقال الزّجّاج(٢) : المراد به السبّي والقتل، إن كانوا حربا، وإعطاء الجزية، إن كانوا ذمّة.

وقال أبو عليّ(٣) : المراد به، طردهم عن المساجد.

وقال السّديّ(٤) : المراد به خزيهم إذا قام المهديّ وفتح قسطنطنيّة. فحينئذ يقتلهم.

والكلّ محتمل. واللّفظ بإطلاقه يتناوله.

( وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذابٌ عَظِيمٌ ) (١١٤) بظلمهم وكفرهم.

( وَلِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ ) :

«اللّام»، للملك. و «المشرق» و «المغرب»، اسمان لمطلع الشّمس ومغربها.

والمراد بهما ناحيتا(٥) الأرض، أي: له الأرض، كلّها. لا يختص به مكان دون مكان(٦) . فإن منعتم أن تصلّوا في المسجد الحرام والأقصى، فقد جعلت لكم الأرض مسجدا.

( فَأَيْنَما تُوَلُّوا ) : ففي أي مكان فعلتم التّولية، أي: تولية وجوهكم،( فَثَمَّ وَجْهُ اللهِ ) ، أي: جهته الّتي أمر بها، أو فثمّ ذاته، أي: عالم مطّلع بما يفعل فيه.

__________________

(١) ر. مجمع البيان ١ / ١٩٠.

(٢) نفس المصدر ونفس الموضع.

(٣) نفس المصدر ونفس الموضع.

(٤) نفس المصدر ونفس الموضع.

(٥) أ: ناحيتي.

(٦) أ: آخر.

١٢٣

( إِنَّ اللهَ واسِعٌ ) بإحاطته بالأشياء، أو برحمته،( عَلِيمٌ ) (١١٥) بمصالحهم وأعمالهم في الأماكن، كلّها.

قيل(١) : إنّ اليهود أنكروا تحويل القبلة عن بيت المقدس. فنزلت الآية ردّا عليهم.

وقيل(٢) : كان للمسلمين التّوجّه حيث شاءوا، في صلاتهم. وفيه نزلت الآية. ثمّ نسخ بقوله(٣) ( فَوَلِّ وَجْهَكَ ) (إلى آخره).

وقيل(٤) : نزلت الآية في صلاة التّطوّع على الرّاحلة، تصلّيها حيثما توجّهت، إذا كنت في سفر. وأمّا الفرائض، فقوله:( وَحَيْثُ ما كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ ) ، يعني: أنّ الفرائض لا تصلّيها إلّا إلى القبلة. وهو المرويّ عن أئمّتنا ـ عليهم السّلام. قالوا: وصلّى رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ إيماء على راحلته أينما توجّهت به، حيث خرج إلى خيبر، وحين رجع من مكّة، وجعل الكعبة خلف ظهره.

وروى عن جابر(٥) ، قال: بعث رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ سريّة كنت فيها. فأصبتنا ظلمة. فلم نعرف القبلة. فقال طائفة منّا: «قد عرفنا القبلة، هي هاهنا، قبل الشّمال.» فصلّوا. وخطّوا خطوطا. وقال بعضنا: «القبلة هاهنا. قبل الجنوب.» فخطّوا خطوطا. فلمّا أصبحوا وطلعت الشمس، أصبحت تلك الخطوط لغير القبلة. فلمّا قفلنا(٦) من سفرنا، سألنا النبيّ ـ صلّى الله عليه وآله ـ عن ذلك. فسكت. فأنزل الله تعالى هذه الآية.

[في كتاب الخصال(٧) ، في سؤال بعض اليهود عليّا ـ عليه السّلام ـ عن الواحد إلى المائة: قال له اليهوديّ. فأين(٨) وجه ربّك؟

فقال عليّ بن أبي طالب ـ عليه السّلام(٩) : يا بن عبّاس! ائتني بنار وحطب.

فأتيته بنار وحطب. فأضرمها. ثمّ قال: يا يهوديّ! أين يكون وجه هذه النّار؟

فقال: لا أقف لها على وجه.

__________________

(١) مجمع البيان ١ / ١٩١.

(٢) نفس المصدر ونفس الموضع.

(٣) البقرة / ١٤٤ و/ ١٤٩ و/ ١٥٠.

(٤) نفس المصدر ونفس الموضع.

(٥) نفس المصدر ونفس الموضع.

(٦) النسخ: غفلنا.

(٧) الخصال / ٥٩٧.

(٨) المصدر: فأين يكون.

(٩) المصدر: فقال عليّ بن أبي طالب ـ عليه السّلام ـ لي.

١٢٤

قال: ربيّ(١) عزّ وجلّ على(٢) هذا المثل.

( وَلِلَّهِ ) (٣) ( الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ. فَأَيْنَما تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللهِ ) .

وفيه(٤) ، بإسناده إلى سلمان الفارسيّ، في حديث طويل يذكر فيه قدوم الجاثليق المدينة، مع مائة من النّصارى، بعد وفاة النّبيّ ـ صلّى الله عليه وآله ـ وسؤاله أبا بكر عن مسائل لم يجبه عنها، ثمّ أرشد إلى أمير المؤمنين ـ عليه السّلام ـ فسأله عنها، فأجابه. فكان فيما سأله، أن قال له: أخبرني عن وجه الرّبّ ـ تبارك وتعالى.

فدعا ـ عليه السّلام ـ بنار وحطب. فأضرمه. فلمّا اشتعلت قال عليّ ـ عليه السّلام: أين وجه هذه النّار؟

قال(٥) : هي وجه من جميع حدودها.

قال عليّ ـ عليه السّلام: هذه النّار مدبّرة مصنوعة، لا يعرف وجهها. وخالقها لا يشبهها.( وَلِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ. فَأَيْنَما تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللهِ ) . لا يخفى على ربّنا خافية.

وفي كتاب علل الشرائع(٦) : حدّثنا جعفر بن محمّد بن مسرور رحمه الله؟ قال: حدّثنا الحسين بن محمّد بن عامر، عن عمّه عبد الله بن عامر، عن محمّد بن أبي عمير، عن حمّاد، عن الحلبيّ، عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام. قال: سألته عن الرّجل يقرأ السّجدة وهو على ظهر دابّته.

قال: يسجد حيث توجّهت به. فإنّ رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ كان يصلّي على ناقته، وهو مستقبل المدينة. يقول الله ـ عزّ وجلّ:( فَأَيْنَما تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللهِ ) .

وفي من لا يحضره الفقيه(٧) : وسأله معاوية بن عمّار، عن الرّجل يقوم في الصّلاة، ثمّ ينظر بعد ما فرغ، فيرى أنّه قد انحرف عن القبلة، يمينا أو شمالا.

فقال له: قد مضت صلاته. وما بين المشرق والمغرب قبلة. ونزلت هذا الآية في قبلة المتحيّر:( وَلِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ فَأَيْنَما تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللهِ ) .

وفي كتاب الاحتجاج، للطّبرسيّ ـ رحمه الله(٨) : قال أبو محمّد ـ عليه السّلام: قال

__________________

(١) المصدر: فإنّ ربّي.

(٢) المصدر: عن.

(٣) المصدر: له.

(٤) نفس المصدر / ١٨٢.

(٥) المصدر: قال النصراني.

(٦) علل الشرائع / ٣٥٨ ـ ٣٥٩، ح ١.

(٧) من لا يحضره الفقيه ١ / ١٧٩. (٨) الاحتجاج ١ / ٤٥.

١٢٥

رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ لقوم من اليهود: أو ليس قد ألزمكم في الشّتاء أن تحترزوا من البرد بالثّياب الغليظة، وألزمكم في الصّيف أن تحترزوا من الحرّ. فبدا له في الصّيف حين أمركم، بخلاف ما كان أمركم به في الشّتاء؟

فقالوا: لا فقال رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله: وكذلك الله تعبّدكم في وقت، لصلاح يعلمه بشيء، ثمّ بعّده في وقت آخر، لصلاح آخر، يعلمه بشيء آخر. فإذا أطعتم الله في الحالين، استحققتم ثوابه.

فأنزل الله تعالى:( وَلِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ. فَأَيْنَما تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللهِ. إِنَّ اللهَ واسِعٌ عَلِيمٌ ) ، يعني: إذا توجّهتم بأمره، فثمّ الوجه الّذي تقصدون منه الله وتأملون ثوابه.

والحديث طويل. أخذت منه موضع الحاجة.

عن أمير المؤمنين ـ عليه السّلام ـ حديث طويل. وفيه(١) : قال السّائل: من هؤلاء الحجج! قال: هم رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ ومن حلّ محلّه من أصفياء الله الّذين قال( فَأَيْنَما تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللهِ ) الّذين قرنهم الله بنفسه وبرسوله وفرض على العباد من طاعتهم، مثل الّذي فرض عليهم منها لنفسه.

وفيه(٢) : قال ـ عليه السّلام ـ أيضا ـ في الحجج: وهم وجه الله الّذي قال:( فَأَيْنَما تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللهِ ) .

وفي كتاب المناقب، لابن شهر آشوب(٣) : أبو المضاء، عن الرّضا ـ عليه السّلام ـ قوله تعالى:( فَأَيْنَما تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللهِ ) قال: عليّ ـ عليه السّلام].(٤)

( وَقالُوا اتَّخَذَ اللهُ وَلَداً ) :

نزلت لـمّا قالت اليهود: «عزير بن الله»، والنّصارى: «المسيح بن الله»، ومشركوا العرب: «الملائكة بنات الله.» وعطفه على «قالت اليهود»، أو «منع»، أو مفهوم قوله «ومن أظلم» وقرأ ابن عامر بغير واو، والباقون بالواو(٥) .

__________________

(١) نفس المصدر ١ / ٣٧٥.

(٢) نفس المصدر ونفس الموضع.

(٣) المناقب ٣ / ٢٧٢.

(٤) ما بين المعقوفتين ليس في أ.

(٥) مجمع البيان ١ / ١٩٢.

١٢٦

[وفي كتاب علل الشرائع(١) ، بإسناده إلى سفيان بن عيينة، عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ قال: لم يخلق الله شجرة إلّا ولها ثمرة تؤكل. فلمّا قال النّاس: «اتَّخَذَ اللهُ وَلَداً »، ذهب نصف ثمرها. فلمّا اتخذوا مع الله إلها، شاك الشّجر].(٢)

( سُبْحانَهُ ) :

روى عن طلحة بن عبيد الله(٣) ، أنّه سأل النّبيّ ـ صلّى الله عليه وآله ـ عن معنى قوله «سبحانه» فقال: «تنزيها له عن كلّ سوء».

( بَلْ لَهُ ما فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ ) :

ردّ لما قالوا، أو استدلال على فساده بأنّه خالق ما في السّموات وما في الأرض الّذي من جملته الملائكة وعزير والمسيح.

( كُلٌّ لَهُ قانِتُونَ ) (١١٦)، مطيعون. لا يمتنعون عن مشيئته. وكلّ من كان بهذه الصّفة، لم يجانس مكوّنه الواجب لذاته. ومن حقّ الولد أن يجانس والده. فلا يكون له ولد.

وإنّما جاء بما الّذي لغير أولي العلم، تحقيرا لشأنهم.

وتنوين «كلّ»، عوض عن المضاف إليه، أي: كلّ ما فيهما، أو كلّ من جعلوه ولدا له.

وفي الآية، دلالة على أنّ من ملك ولده أو والده، انعتق عليه. لأنّه تعالى نفى الولد، بإثبات الملك. وذلك يقتضي تنافيهما. وهو المرويّ عن أئمّتنا ـ عليهم السّلام.(٤)

( بَدِيعُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ ) :

يقال: بدع الشيء، فهو بديع، كقولك: برع الشيء، فهو بريع. و( بَدِيعُ السَّماواتِ ) من إضافة الصّفة المشبّهة، إلى فاعلها، أي: بديع سماواته وأرضه.

وقيل(٥) : البديع بمعنى المبدع، كما أنّ السّميع، في قول الشّاعر :

«أمن ريحانة

الدّاعي السّميع»

، بمعنى المسمع.

وهو دليل آخر على نفي الولد.

__________________

(١) علل الشرائع ٢ / ٥٧٣.

(٢) ما بين المعقوفتين ليس في أ.

(٣) مجمع البيان ١ / ١٩٢.

(٤) ر. وسائل الشيعة / ١٦، باب ٧ من أبواب العتق، ح ١ ـ ٩.

(٥) ر. أنوار التنزيل ١ / ٧٨.

١٢٧

وتقريره: أنّ الوالد، عنصر الولد المنفعلة بانفصال مادّته عنه. والله سبحانه، مبدع الأشياء كلّها. فاعله على الإطلاق. منزّه عن الانفعال. فلا يكون والدا. وهذا التّقرير يصحّ على التّقديرين. لأنّ كونه تعالى مبدعا، يلزمه كون مخلوقه بديعا وبالعكس.

والإبداع اختراع الشيء، لا عن شيء، دفعة. وهو أليق بهذا الموضع من الصّنع الّذي هو تركيب الصّورة بالعنصر والتّكوين الّذي يكون بتغيّر وفي زمان غالبا.

وقرئ بديع، مجرورا على البدل، من الضّمير في «له»، ومنصوبا، على المدح.

[وفي أصول الكافي(١) : محمّد بن يحيى، عن عبد الله بن محمّد بن عيسى، عن الحسن بن محبوب، عن عليّ بن رئاب، عن سدير الصّيرفيّ. قال: سمعت حمران بن أعين يسأل أبا جعفر ـ عليه السّلام ـ عن قول الله ـ عزّ وجلّ ـ( بَدِيعُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ ) » فقال(٢) أبو جعفر ـ عليه السّلام: إنّ الله ـ عزّ وجلّ ـ ابتدع الأشياء كلّها بعلمه، على غير مثال كان قبله. فابتدع السّماوات والأرض(٣) ، ولم يكن قبلهنّ سماوات ولا أرضون. أما تسمع لقوله تعالى(٤) ( وَكانَ عَرْشُهُ عَلَى الْماءِ ) ؟

والحديث طويل. أخذت منه موضع الحاجة](٥) ( وَإِذا قَضى أَمْراً ) : إذا أراد إحداث أمر،( فَإِنَّما يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ ) (١١٧) :

من كان التّامّة، أي، أحدث، فيحدث. وليس المراد به حقيقة أمر وامتثال. بل حصول ما تعلّقت به إرادته، بلا مهلة بطاعة المأمور المطيع، بلا توقّف.

وفيه تقرير لمعنى الإبداع. وإيماء إلى دليل آخر. وهو أنّ اتخاذ الولد ممّا يكون بأطوار. وفعله تعالى مستغن عن ذلك.

قيل(٦) : كان سبب ضلالتهم، أنّ أرباب الشّرائع المتقدّمة، كانوا يطلقون الأب على الله تعالى، باعتبار أنّه السّبب الأوّل، حين(٧) قالوا: «إنّ الأب، هو الرّبّ الأصغر.

والله سبحانه وتعالى هو الأب الأكبر.» ظنّت الجهلة منهم، أنّ المراد به معنى الولادة.

__________________

(١) الكافي ١ / ٢٥٦، صدر ح ٢.

(٢) المصدر: قال.

(٣) المصدر: الأرضين.

(٤) هود / ٧

(٥) ما بين المعقوفتين ليس في أ.

(٦) أنوار التنزيل ١ / ٧٩.

(٧) المصدر: حتى.

١٢٨

فاعتقدوا ذلك تقليدا. ولذلك كفر قائله. ومنع منه مطلقا جسما، لمادّة الفاسد.

[وفي كتاب نهج البلاغة(١) : يقول لما(٢) أراد كونه، قال(٣) : «كُنْ فَيَكُونُ » لا بصوت يفزع(٤) ولا نداء يسمع. وإنّما كلامه سبحانه، فعل منه، إنشاء(٥) . ومثله لم يكن من قبل ذلك كائنا. ولو كان قديما، لكان إلها ثانيا.

وفيه(٦) : يقول ولا يلفظ(٧) . ويريد ولا يضمر.

وفي كتاب الاحتجاج(٨) ، للطّبرسيّ ـ رحمه الله ـ عن يعقوب بن جعفر، عن أبي إبراهيم ـ عليه السّلام ـ أنّه قال: ولا أجده يلفظ بشقّ فم(٩) . ولكن كما قال الله ـ عزّ وجلّ ـ( إِنَّما أَمْرُهُ إِذا أَرادَ شَيْئاً أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ ) . بمشيئة، من غير تردّد في نفس.

وفي كتاب الإهليلجة(١٠) : قال الصّادق ـ عليه السّلام ـ في كلام طويل: فالإرادة للفعل، إحداثه،( فَإِنَّما يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ ) بلا تعب وكيف.

وفي عيون الأخبار(١١) ، بإسناده إلى صفوان بن يحيى، عن أبي الحسن ـ عليه السّلام ـ حديث طويل. يقول فيه. فإرادة الله، هي الفعل. لا غير ذلك.( يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ ) بلا لفظ ولا نطق بلسان ولا همّة ولا تفكّر ولا كيف. لذلك(١٢) ، كما أنّه بلا كيف.

وفيه(١٣) حديث طويل، عن الرّضا ـ عليه السّلام ـ أيضا ـ يقول فيه: و «كن» منه صنع. وما يكون به المصنوع].(١٤)

( وَقالَ الَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ ) ، أي: جهلة المشركين، أو المتجاهلون من أهل الكتاب.

( لَوْ لا يُكَلِّمُنَا اللهُ ) كما يكلّم الملائكة، أو يوحي إلينا بأنّك رسوله. وهذا استكبار منهم.

__________________

(١) نهج البلاغة / ٢٧٤، ضمن خطبه ١٨٦.

(٢) المصدر: لمن.

(٣) ليس في المصدر.

(٤) المصدر: يقرع.

(٥) المصدر: أنشاه.

(٦) نفس المصدر ونفس الموضع.

(٧) المصدر: يقول ولا يلفظ. ويحفظ ولا يتحفّظ.

(٨) الاحتجاج ٢ / ١٥٦.

(٩) ر: ولا احمده بلفظ. لشق فم. المصدر: ولا اخذه بلفظ شق فم.

(١٠) بحار الأنوار ٣ / ١٩٦.

(١١) عيون الأخبار ١ / ١١٩، ذيل ح ١١.(١٢) المصدر: كذلك.

(١٣) نفس المصدر ١ / ١٧٣ ـ ١٧٤. (١٤) ما بين المعقوفتين ليس في أ.

١٢٩

( أَوْ تَأْتِينا آيَةٌ ) وحجّة على صدقك. وهذا جحود لأن ما أتاهم آيات استهانة.

( كَذلِكَ قالَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ ) من الأمم الماضية،( مِثْلَ قَوْلِهِمْ ) :

فقالوا: «أَرِنَا اللهَ جَهْرَةً » وغير ذلك.

( تَشابَهَتْ قُلُوبُهُمْ ) ، أي: قلوب هؤلاء ومن قبلهم، في العمى والعناد.

وقرئ بتشديد الشّين.

( قَدْ بَيَّنَّا الْآياتِ لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ ) (١١٨): اي: يطلبون اليقين، أو يوقنون. الحقائق لا يعتريهم شبهة ولا عناد.

( إِنَّا أَرْسَلْناكَ بِالْحَقِ ) ، مؤيّدا به،( بَشِيراً وَنَذِيراً ) : فلا عليك إن كابروا.

( وَلا تُسْئَلُ عَنْ أَصْحابِ الْجَحِيمِ ) (١١٩)، أنّهم لم يؤمنوا بعد أن بلّغت.

وقرأ نافع ويعقوب «ولا تسأل»، على لفظ النّهي، مبيّنا للفاعل. وهو المرويّ عن أبي جعفر الباقر ـ عليه السّلام(١)

وفيه، حينئذ، إشارة إلى تعظيم عقوبة الكفّار. كأنّها لا يقدر أن يخبر عنها، أو السّامع لا يصبر على استماع خبرها فنهاه عن السّؤال.

و «الجحيم»: المتأجّج من النّار. من جحمت النّار يجحم جحما، إذا اضطرمت.

( وَلَنْ تَرْضى ) ، وإن بالغت في إرضائهم،( عَنْكَ الْيَهُودُ وَلَا النَّصارى، حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ ) : كأنّهم قالوا: «لن نرضى عنك حتّى تتّبع ملّتنا»، إقناطا منهم لرسول الله، عن دخولهم في الإسلام. فحكى الله ـ عزّ وجلّ ـ كلامهم. ولذلك قال تعالى:( قُلْ ) تعليما للجواب،( إِنَّ هُدَى اللهِ هُوَ الْهُدى ) . لا ما تدعون إليه.

( وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْواءَهُمْ ) ، أي: أقوالهم الّتي هي أهواء وبدع،( بَعْدَ الَّذِي جاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ ) : من الوحي، أو الدّين المعلوم صحّته بالبراهين الصّحيحة ،

__________________

(١) ر. مجمع البيان ١ / ١٩٦.

١٣٠

( ما لَكَ مِنَ اللهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلا نَصِيرٍ ) (١٢٠) يدفع عنك عقابه.

وفي هذه الآية، دلالة على ان من علم الله تعالى منه، أنّه لا يعصي يصحّ وعيده.

لأنّه علم أنّ نبيّه ـ عليه السّلام ـ لا يتّبع أهواءهم. والمقصود منه التّنبيه على أنّ حال أمّته فيه، اغلظ من حاله. لأن منزلتهم، دون منزلته.

وقيل(١) : الخطاب للنّبيّ والمراد أمّته.

( الَّذِينَ آتَيْناهُمُ الْكِتابَ ) :

قيل(٢) : يريد مؤمني أهل الكتاب، أو مطلقهم.

[وفي أصول الكافي(٣) : محمّد بن يحيى، عن محمّد بن أحمد بن محمّد(٤) ، عن ابن محبوب، عن أبي ولّاد. قال: سألت أبا عبد الله عن قول الله ـ عزّ وجلّ ـ( الَّذِينَ آتَيْناهُمُ الْكِتابَ يَتْلُونَهُ حَقَّ تِلاوَتِهِ، أُولئِكَ يُؤْمِنُونَ بِهِ ) .

قال: هم الأئمّة ـ عليهم السّلام. وفي شرح الآيات الباهرة(٥) : روى محمّد بن يعقوب، عن محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد بن الحسن بن محبوب، عن أبي ولّاد. قال :سألت أبا عبد الله ـ عليه السّلام ـ عن قول الله ـ عزّ وجلّ ـ( الَّذِينَ آتَيْناهُمُ الْكِتابَ يَتْلُونَهُ حَقَّ تِلاوَتِهِ أُولئِكَ يُؤْمِنُونَ بِهِ ) قال: هم الأئمّة ـ صلوات الله عليهم. والكتاب، القرآن المجيد. وإن لم يكونوا هم، وإلّا فمن سواهم؟](٦)

( يَتْلُونَهُ حَقَّ تِلاوَتِهِ ) ، بمراعاة اللّفظ عن التّحريف، والتدبّر في معناه، والعمل بمقتضاه.

وروى عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ(٧) أنّ حقّ تلاوته هو الوقوف عند ذكر الجنّة والنّار. يسأل في الأولى ويستعيذ من الأخرى.

والجملة خبر للموصول، على التّقدير الأوّل(٨) ، وحال مقدّرة على التّقدير الثّاني [لأهل الكتاب والتّقدير الثّالث].(٩)

__________________

(١) مجمع البيان ١ / ١٩٨.

(٢) أنوار التنزيل ١ / ٨٠.

(٣) الكافي ١ / ٢١٥، ح ٤.

(٤) المصدر: أحمد بن محمد.

(٥) شرح الآيات الباهرة، مخطوط / ٢٣.

(٦) ما بين المعقوفتين ليس في أ.

(٧) مجمع البيان ١ / ١٩٨.

(٨) أ: الاوّل لأهل الكتاب.

(٩) ما بين المعقوفتين ليس في أ.

١٣١

( أُولئِكَ يُؤْمِنُونَ بِهِ ) : بكتابهم، دون المحرّفين.

( وَمَنْ يَكْفُرْ بِهِ ) : بالكتاب. وهم أكثر اليهود. وقيل(١) : هم جميع الكفّار.

( فَأُولئِكَ هُمُ الْخاسِرُونَ ) (١٢١)، حيث اشتروا الضّلالة بالهدى.

( يا بَنِي إِسْرائِيلَ اذْكُرُوا نِعْمَتِيَ الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ وَأَنِّي فَضَّلْتُكُمْ عَلَى الْعالَمِينَ ) (١٢٢)( وَاتَّقُوا يَوْماً لا تَجْزِي نَفْسٌ عَنْ نَفْسٍ شَيْئاً وَلا يُقْبَلُ مِنْها عَدْلٌ وَلا تَنْفَعُها شَفاعَةٌ وَلا هُمْ يُنْصَرُونَ ) (١٢٣) :

مضى تفسيرها.

وقيل في سبب تكريرها ثلثة أقوال(٢) :

الأوّل: أنّ نعم الله سبحانه لـمّا كانت أصول كلّ نعمة، كرّر التّذكير بها، مبالغة في استدعائهم، إلى ما لزمهم(٣) من شكرها، ليقبلوا إلى طاعة ربّهم المظاهر عليهم.

والثّاني: أنّه لـمّا باعد بين الكلامين، حسن التّنبيه والتّذكير، إبلاغا في الحجّة، وتأكيدا للتّذكرة.

والثّالث: أنّه لـمّا ذكر التوراة وفيها الدّلالة على شأن عيسى ـ عليه السّلام ـ ومحمّد ـ صلّى الله عليه وآله ـ في النّبوّة، والبشارة بهما، ذكّرهم نعمته عليهم بذلك وما فضّلهم به، كما عدّد النّعم في سورة الرّحمن وكرّر قوله( فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ ) .

فكلّ تقريع جاء بعد تقريع، فإنّما هو موصول بتذكير نعمة غير الأولى.

( وَإِذِ ابْتَلى إِبْراهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِماتٍ ) : كلّفه بأوامر ونواه.

و «الابتلاء» في الأصل، التّكليف بالأمر الشّاقّ، من البلاء، لكنّه لـمّا استلزم الاختيار بالنّسبة إلى من يجهل العواقب، ظنّ ترادفهما.

والضّمير لإبراهيم. وحسن لتقدّمه لفظا. وإنّ تأخّر رتبة. لأنّ الشّرط أحد التقدمين(٤) .

و «الكلمات» قد يطلق على المعاني. فلذلك فسّرت بالخصال الثلاثين المحمودة المذكورة عشرة منها في قوله(٥) ( التَّائِبُونَ الْعابِدُونَ ) وعشرة في قوله(٦) :( إِنَّ الْمُسْلِمِينَ ) (إلى

__________________

(١) مجمع البيان ١ / ١٩٨.

(٢) مجمع البيان ١ / ١٩٨ ـ ١٩٩.

(٣) أ: لزم.

(٤) ر: التقديرين.

(٥) التّوبة / ١١٢.

(٦) المؤمنون / ١٠ ـ ١.

١٣٢

آخر الآيتين) وعشرة في قوله(١) :( قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ ) (إلى قوله)( أُولئِكَ هُمُ الْوارِثُونَ ) وروى عشرة في سورة( سَأَلَ سائِلٌ ) (إلى قوله)( وَالَّذِينَ هُمْ عَلى صَلاتِهِمْ يُحافِظُونَ ) . فجعلت أربعين.

وبالعشر الّتي هي من سنّته: خمسة منها في الرّأس، وخمسة منها في البدن.

فأمّا الّتي في الرّأس: فأخذ الشّارب، وإعفاء اللّحى، وطمّ الشعر، والسّواك، والخلال.

وأمّا الّتي في البدن: فحلق الشّعر من البدن، والختان، وتقليم الأظفار، والغسل من الجنابة، والطهور بالماء.

فهذه الحنفيّة الظّاهرة الّتي جاء بها إبراهيم ـ عليه السّلام. فلم تنسخ، ولا تنسخ، إلى يوم القيامة. وبمناسك الحجّ، وبالكوكب، والقمرين، وذبح الولد، والنّار، والهجرة، وبالآيات الّتي بعدها. وهي قوله( إِنِّي جاعِلُكَ ) (إلى آخره)(٢) .

وكان سعيد بن المسيّب يقول(٣) : كان إبراهيم أوّل النّاس أضاف(٤) الضّيف، وأوّل النّاس قصّ شاربه واستحدّ، وأوّل(٥) النّاس رأى الشّيب(٦) .

فلمّا رآه قال: يا ربّ! ما هذا؟

قال: هذا الوقار.

قال: يا ربّ! فزدني وقارا.

وهذا أيضا

رواه السّكونيّ، عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام ولم يذكر أوّل من قصّ شاربه، واستحدّ. وزاد فيه: وأوّل من قاتل في سبيل الله، إبراهيم. وأوّل من أخرج الخمس، إبراهيم. وأوّل من اتّخذ النّعلين، إبراهيم. وأوّل من اتّخذ الرّايات، إبراهيم.

وقرئ إبراهيم ربّه على أنّه دعا ربّه بكلمات، مثل:( أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِ الْمَوْتى ) ،( اجْعَلْ هَذَا الْبَلَدَ آمِناً ) ، ليرى هل يجيبه؟

وروى الشّيخ أبو جعفر بن بابويه ـ رحمه الله ـ في كتاب النّبوّة(٧) ، بإسناده ،

__________________

(١) الأحزاب / ٣٥.

(٢) ر. تفسير القمي ١ / ٥٩+ مجمع ١ / ٢٠٠.

(٣) مجمع البيان ١ / ٢٠٠.

(٤) أ: أصناف.

(٥) ليس في أ.

(٦) أ: الشهب.

(٧) مجمع البيان ١ / ٢٠٠.

١٣٣

مرفوعا إلى المفضّل بن عمر، عن الصّادق ـ عليه السّلام. قال: سألته عن قول الله ـ عزّ وجلّ ـ( وَإِذِ ابْتَلى إِبْراهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِماتٍ ) ما هذه الكلمات؟ قال: هي الكلمات الّتي تلقاها آدم ـ عليه السّلام ـ من ربّه.

فتاب عليه. وهو أنّه قال: «يا ربّ! أسألك بحقّ محمّد وعليّ وفاطمة والحسن والحسين، إلّا تبت عليّ.» فتاب الله عليه. إنّه هو التّوّاب الرّحيم.

فقلت: يا بن رسول الله! فما يعني بقوله «فأتمّهنّ»؟

فقال: أتمّهنّ إلى القائم، اثنى عشر إماما، تسعة من ولد الحسين عليهم السّلام.

قال المفضّل: فقلت له: يا بن رسول الله! فأخبرني عن قول الله ـ عزّ وجلّ ـ( وَجَعَلَها كَلِمَةً باقِيَةً فِي عَقِبِهِ ) ؟

قال: يعني بذلك الإمامة. جعلها الله في عقب الحسين ـ عليه السّلام ـ إلى يوم القيامة.

فقلت له: يا بن رسول الله! فكيف صارت الإمامة في ولد الحسين، دون ولد الحسن، وهما جميعا ولدا رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ وسبطاه وسيّدا شباب أهل الجنّة؟

فقال: إنّ موسى وهارون نبيّان مرسلان أخوان، فجعل الله النّبوّة في صلب هارون، دون صلب موسى. ولم يكن لأحد أن يقول: «لم فعل الله ذلك؟» وإنّ الإمامة خلافة الله ـ عزّ وجلّ. ليس لأحد أن يقول: «لم جعلها الله في صلب الحسين دون صلب الحسن؟» لأنّ الله ـ عزّ وجلّ ـ هو الحكيم في أفعاله.( لا يُسْئَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْئَلُونَ ) »(١)

( فَأَتَمَّهُنَ ) : فأدّاهنّ كملا وقام بهنّ حقّ القيام.

وفي القراءة(٢) الأخيرة الضّمير المستتر لربّه، أي: أعطاه جميع ما سأل.

[وفي تفسير العيّاشيّ(٣) ، رواه بأسانيد عن صفوان الجمّال، قال: كنّا بمكّة فجرى الحديث في قول الله( وَإِذِ ابْتَلى إِبْراهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِماتٍ فَأَتَمَّهُنَّ ) .

قال: أتمّهنّ بمحمّد وعليّ والأئمّة من ولد عليّ ـ صلّى الله عليهم ـ في قول الله

__________________

(١) الأنبياء / ٢٣.

(٢) أ: وفي القراءة لم جعلها الله في صلب الحسين دون صلب الحسن. (!)

(٣) تفسير العيّاشي ١ / ٥٧، ح ٨٨.

١٣٤

«ذرّية بعضها من بعض. والله سميع عليم»](١) ( قالَ إِنِّي جاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِماماً ) : جملة مستأنفة، إن أضمر ناصب «إذ».

والتّقدير: فما ذا قال له ربّه حين أتمّهنّ. فأجيب بأنّه قال: إنّي (إلى آخره.) أو بيان للابتلاء. فيكون الكلمات، ما ذكره من الإمامة وتطهير البيت وغير ذلك. وإن كان ناصبه «قال»، فالمجموع جملة معطوفة على ما قبلها.

و «جاعل» من جعل المتعدّي إلى مفعولين.

و «الإمام»، اسم لمن يؤتمّ به في أقواله وأفعاله ويقوم بتدبير الإمامة وسياستها والقيام بأمورها وتأديب جنايتها وتوليد ولايتها وإقامة الحدود على مستحقّها ومحاربة من يكيدها ويعاديها. وقد يطلق على المقتدى به في أقواله وأفعاله.

( قالَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي ) :

عطف على الكاف، عطف تلقين، أي: وبعض ذرّيّتي، كما تقول: «وزيدا»، في جواب: «سأكرمك.» والذّرّيّة: نسل الرّجل. فعليّة أو فعلولة، من الذّرّ، بمعنى التّفريق والأصل ذرّيّة، على الأوّل. وعلى الثّاني، ذرورة. قلبت راؤها الثّالثة ياء، كما في تقضيّت. ثمّ أبدلت الواو والضّمّة. أو فعليّة أو فعولة من الذّرء، بمعنى الخلق. فخفّفت الهمزة.

وقرئ ذرّيّتي (بالكسر) وهي لغة. وبعض العرب، بفتح الذّال.

( قالَ لا يَنالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ ) (١٢٤) :

والعهد والإمامة، كما روي عن أبي جعفر وأبي عبد الله ـ عليهما السّلام

(٢) ـ، أي: لا يكون الظّالم إماما للنّاس. واستدلّ أصحابنا بهذه الآية، على أنّ الإمام لا يكون إلّا معصوما عن القبائح. لأنّ الله سبحانه نفى أن ينال عهده الّذي هو الإمامة، ظالم. ومن ليس بمعصوم، فقد يكون ظالما. إمّا لنفسه، أو لغيره.

لا يقال: إنّما نفى أن يناله ظالم في حال ظلمه، فإذا تاب لا يسمّى ظالما، فيصحّ أن يناله، لأنّا نقول: إنّ الظّالم وإن تاب فلا يخرج من أن تكون الآية قد تناولته في حال كونه ظالما. وقد حكم عليه بأنّه لا ينالها. والآية مطلقة غير مقيّدة بوقت دون وقت. فيجب أن تكون محمولة على الأوقات، كلّها. فلا ينالها الظّالم، وإن تاب فيما بعد.

__________________

(١) ما بين المعقوفتين ليس في أ.

(٢) مجمع البيان ١ / ٢٠٢.

١٣٥

[وفي عيون الأخبار(١) ، بإسناده إلى الرّضا ـ عليه السّلام ـ حديث طويل. يقول فيه ـ عليه السّلام: إنّ الإمامة خصّ الله ـ عزّ وجلّ ـ بها إبراهيم الخليل ـ صلوات الله عليه وآله ـ بعد النّبوّة والخلّة، مرتبة ثالثة، وفضيلة شرّفه بها وأشاد بها(٢) وذكره. فقال ـ عزّ وجلّ:( إِنِّي جاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِماماً ) .

فقال الخليل ـ عليه السّلام ـ مسرورا(٣) بها:( وَمِنْ ذُرِّيَّتِي ) ؟» قال الله ـ عزّ وجلّ:( لا يَنالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ ) .

فأبطلت هذه الآية، إمامة كلّ ظالم، إلى يوم القيامة. وصارت في الصّفوة.

وفي أصول الكافي(٤) : محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد، عن أبي يحيى الواسطيّ، عن هشام بن سالم، ودرست بن أبي منصور عنه. قال: قال أبو عبد الله ـ عليه السّلام: وقد كان إبراهيم ـ عليه السّلام ـ نبيّا، وليس بإمام، حتّى قال الله:( إِنِّي جاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِماماً. قالَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي ) ؟» فقال الله:( لا يَنالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ ) ، من عبد صنما أو وثنا، لا يكون إماما.

محمّد ابن الحسن(٥) ، عمّن ذكره، عن محمّد بن خالد، عن محمّد بن سنان، عن زيد الشّحّام. قال: سمعت أبا عبد الله ـ عليه السّلام ـ يقول: إنّ الله ـ تبارك وتعالى ـ اتّخذ إبراهيم عبدا، قبل أن يتّخذه نبيّا، وإنّ الله اتّخذه نبيّا، قبل أن يتّخذه رسولا. وإنّ الله اتّخذه رسولا، قبل أن يتّخذه خليلا. وإنّ الله اتّخذه خليلا، قبل أن يجعله إماما. فلمّا جمع له الأشياء، قال:( إِنِّي جاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِماماً ) .

قال: فمن عظمها في عين إبراهيم قال( وَمِنْ ذُرِّيَّتِي ) ؟( قالَ لا يَنالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ ) .» قال: لا يكون السّفيه، إمام التّقي.

عليّ بن محمّد(٦) ، عن سهل بن زياد، عن محمّد بن الحسين، عن إسحاق بن عبد العزيز أبي السّفاتج، عن جابر، عن أبي جعفر ـ عليه السّلام. قال: سمعته يقول: إنّ الله اتّخذ إبراهيم عبدا، قبل أن يتّخذه نبيّا. واتّخذه نبيّا، قبل أن يتّخذه رسولا. واتّخذه

__________________

(١) عيون الأخبار ١ / ٢١٧.

(٢) ليس في المصدر.

(٣) المصدر: سرورا.

(٤) الكافي ١ / ١٧٥.

(٥) نفس المصدر ونفس الموضع، ح ٢.

(٦) نفس المصدر ونفس الموضع، ح ٤.

١٣٦

رسولا، قبل أن يتّخذه خليلا. واتّخذه خليلا، قبل أن يتّخذه إماما. فلمّا جمع له هذه الأشياء وقبض يده، «قال» له: يا إبراهيم!( إِنِّي جاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِماماً ) .» فمن عظمها في عين إبراهيم «قال»: يا ربّ!( وَمِنْ ذُرِّيَّتِي؟ قالَ: لا يَنالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ )

وفي كتاب الاحتجاج(١) ، للطّبرسيّ ـ رحمه الله ـ عن أمير المؤمنين ـ عليه السّلام ـ حديث طويل. يقول فيه: قد حظر على من ماسّه الكفر تقلّد ما فوّضه إلى أنبيائه وأوليائه، بقوله لإبراهيم( لا يَنالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ ) ، أي: المشركين. لأنّه سمّى الشّرك ظلما بقوله(٢) :

( إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ ) .» فلمّا علم إبراهيم أنّ عهد الله تبارك اسمه بالإمامة، لا ينال عبدة الأصنام، قال(٣) :( وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَنْ نَعْبُدَ الْأَصْنامَ )

وفي مجمع البيان(٤) :( لا يَنالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ ) قال مجاهد: العهد الإمامة. وهو المرويّ عن الباقر وأبي عبد الله ـ عليهما السّلام.

وفي تفسير العيّاشيّ(٥) ، رواه بأسانيد عن صفوان الجّمال. قال: كنّا بمكّة، فجرى الحديث في قول الله [( وَإِذِ ابْتَلى إِبْراهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِماتٍ فَأَتَمَّهُنَ ) .» قال: أتمهنّ بمحمّد وعليّ والأئمة من ولد عليّ ـ صلّى الله عليهم ـ في قول الله( ذُرِّيَّةً بَعْضُها مِنْ بَعْضٍ وَاللهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ ) .»](٦) .

ثمّ قال:( إِنِّي جاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِماماً ) .

قال:( وَمِنْ ذُرِّيَّتِي ) ؟

( قالَ: لا يَنالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ ) .» قال: يا ربّ! ويكون من ذرّيّتي ظالم؟

قال: نعم! فلان وفلان وفلان ومن اتّبعهم.

قال: يا ربّ! فعجّل لمحمّد وعليّ ما وعدتني فيهما. وعجّل نصرك لهما.

[وإليه أشار](٧) بقوله(٨) :( وَمَنْ يَرْغَبُ عَنْ مِلَّةِ إِبْراهِيمَ، إِلَّا مَنْ سَفِهَ نَفْسَهُ. وَلَقَدِ

__________________

(١) تفسير نور الثقلين ١ / ١٢١، ح ٣٤٤، نقلا عن الاحتجاج.

(٢) لقمان / ١٣.

(٣) إبراهيم / ٣٥.

(٤) مجمع البيان ١ / ٢٠٢.

(٥) تفسير العياشي ١ / ٥٧ ـ ٥٨.

(٦) يوجد في المصدر.

(٧) يوجد في المصدر.

(٨) البقرة / ١٣٠.

١٣٧

اصْطَفَيْناهُ فِي الدُّنْيا وَإِنَّهُ فِي الْآخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ ) .» فالمّلة، (الإمام)(١) . فلمّا أسكن ذرّيّته بمكّة قال(٢) :( رَبَّنا إِنِّي أَسْكَنْتُ مِنْ ذُرِّيَّتِي بِوادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِنْدَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ ) إلى (قوله)( مِنَ الثَّمَراتِ مَنْ آمَنَ ) (٣) .» فاستثنى «من آمن» خوفا بقوله(٤) «لا»، كما قال له في الدّعوة الأولى:( وَمِنْ ذُرِّيَّتِي؟ قالَ: لا يَنالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ )

وفيه(٥) : عن حريز، عمّن ذكره، عن أبي جعفر ـ عليه السّلام ـ في قول الله( لا يَنالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ ) ، أى: لا يكون إماما ظالما.

وفيه(٦) : عن هشام بن الحكم، عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ في قول الله( إِنِّي جاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِماماً ) قال: فقال لو علم الله أنّ اسما أفضل (منه)، لسمّانا به.

وفي شرح الآيات الباهرة(٧) : وجاء في التّأويل ما رواه الفقيه ابن المغازليّ، بإسناده عن رجاله، عن عبد الله بن مسعود. قال: قال رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله: أنا دعوة أبي إبراهيم.

قال: قلت كيف صرت دعوة أبيك إبراهيم؟

قال: إنّ الله أوحى إلى إبراهيم( إِنِّي جاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِماماً ) .» فاستخفّ به الفرح.

فقال: يا ربّ!( وَمِنْ ذُرِّيَّتِي ) أئمّة مثلي؟

فأوحى الله ـ عزّ وجلّ ـ إليه: يا إبراهيم! إنّي لا أعطيك عهدا لا أفي لك به.

قال: يا ربّ! وما العهد الّذي لا تفي به؟

قال: لا أعطيك لظالم من ذرّيّتك عهدا.

فقال إبراهيم عندها:( وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَنْ نَعْبُدَ الْأَصْنامَ. رَبِّ إِنَّهُنَّ أَضْلَلْنَ كَثِيراً مِنَ النَّاسِ ) .» ثمّ قال النّبيّ ـ صلّى الله عليه وآله: فانتهت الدّعوة إليّ وإلى عليّ. لم يسجد أحدنا لصنم. فاتّخذني نبيّا. واتّخذ عليّا، وصيّا. وفي معنى هذه الدّعوة قوله تعالى، حكاية

__________________

(١) المصدر: الامامة. وهو الظاهر.

(٢) إبراهيم / ٣٧.

(٣) البقرة / ١٢٦.

(٤) المصدر: أن يقول به. وهو الظاهر.

(٥) نفس المصدر ١ / ٥٨، ح ٨٩.

(٦) نفس المصدر ونفس الموضع، ح ٩٠.

(٧) تأويل الآيات الباهرة، مخطوط / ٢٦.

١٣٨

عن قول إبراهيم ـ عليه السّلام ـ( رَبَّنا وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولاً مِنْهُمْ يَتْلُوا عَلَيْهِمْ آياتِكَ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُزَكِّيهِمْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ ) .»](١)

( وَإِذْ جَعَلْنَا الْبَيْتَ ) ، أي: الكعبة، غلب عليها، كالنّجم على الثّريّا.

( مَثابَةً لِلنَّاسِ ) ، أي: مرجعا يثوب إليه أعيان الزّوّار وأمثالهم. أو موضع ثواب يثابون بحجته واعتماره. أو موضع لا ينصرف منه أحد إلّا وينبغي أن يكون على قصد الرّجوع إليه. وقد ورد في الخبر أنّ من رجع من مكّة وهو ينوى الحجّ، من قابل زيد في عمره. ومن خرج من مكّة وهو لا ينوي العود إليها، فقد قرب أجله(٢) .

( وَأَمْناً ) ، أي: موضع أمن. والحمل للمبالغة. وذلك لأنّه لا يتعرّض لأهله. أو يأمن حاجّه من عذاب الآخرة. لأنّ الحجّ يجبّ ما قبله. أو لا يؤاخذ الجاني الملتجئ إليه.

والحمل على العموم أولى.

[وفي تهذيب الأحكام(٣) : محمّد بن يعقوب، عن عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، ومحمّد بن إسماعيل، عن الفضل بن شاذان، عن صفوان، وابن أبي عمير، عن معاوية بن عمّار، عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام. قال: فإذا دخلت المسجد، فارفع يديك، واستقبل البيت، وقل أللّهمّ (إلى قوله) أللّهمّ إنّي أشهدك أنّ هذا بيتك الحرام الّذي جعلته مثابة للنّاس وأمنا مباركا وهدى للعالمين].(٤)

( وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقامِ إِبْراهِيمَ مُصَلًّى ) : على إرادة القول، أو عطف على المقدّر العامل في «إذا» واعتراض معطوف على مضمر تقديره «توبوا اليه واتخذوا» و «مقام إبراهيم»: الحجر الّذي فيها اثر قدميه.

والمراد باتّخاذه مصلّى، الصّلاة فيه، بعد الصّلاة، كما روى عن الصّادق ـ عليه السّلام(٥) ـ أنّه سئل عن الرّجل يطوف بالبيت طواف الفريضة ونسي أن يصلّي ركعتين عند مقام إبراهيم.

فقال: يصلّيهما. ولو بعد أيّام. إنّ الله تعالى قال: واتّخذوا من مقام إبراهيم مصلّى.

__________________

(١) ما بين المعقوفتين ليس في أ.

(٢) ر. من لا يحضره الفقيه ٢ / ١٤١، ح ٦١٤+ مجمع البيان ١ / ٢٠٣.

(٣) تهذيب الأحكام ٥ / ١٠٠، ضمن ح ٣٢٧.

(٤) ما بين المعقوفتين ليس في أ.

(٥) مجمع البيان ١ / ٢٠٣+ وسائل الشيعة ٩ / ٤٨٥، ح ١٩.

١٣٩

وروى عن أبي جعفر الباقر ـ عليه السّلام(١) ـ أنّه قال: نزلت ثلاثة أحجار من الجنّة: مقام إبراهيم، وحجر بني إسرائيل، والحجر الأسود، استودعه الله إبراهيم ـ عليه السّلام ـ حجرا أبيض. وكان أشدّ بياضا من القراطيس. فاسودّ من خطايا بني آدم.

[وفي كتاب التّوحيد(٢) ، بإسناده إلى عمرو بن شمر، عن جابر بن يزيد الجعفيّ.

قال: قال محمّد بن عليّ الباقر ـ عليه السّلام: يا جابر! ما أعظم فرية أهل الشّام، على الله ـ عزّ وجلّ؟ يزعمون أنّ الله ـ تبارك وتعالى ـ حيث صعد إلى السّماء، وضع قدمه على صخرة بيت المقدس. ولقد وضع عبد من عباد الله، قدمه على صخرة(٣) . فأمرنا الله تعالى أن نتّخذه مصلّى.

والحديث طويل. أخذت منه موضع الحاجة.

وفي الكافي(٤) : محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد، عن محمّد بن إسماعيل، عن محمّد بن الفضل، عن أبي الصّباح الكنانيّ. قال: سألت أبا عبد الله ـ عليه السّلام ـ عن رجل نسي أن يصلّي الرّكعتين عند مقام إبراهيم ـ صلّى الله عليه ـ في طواف الحجّ والعمرة.

فقال: إن كان بالبلد، صلّى ركعتين عند مقام إبراهيم. فإنّ الله ـ عزّ وجلّ ـ يقول:( وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقامِ إِبْراهِيمَ مُصَلًّى ) .» وإن كان قد ارتحل، فلا آمره أن يرجع.

وفي تهذيب الأحكام(٥) : روى موسى بن القاسم، عن محمّد بن سنان، عن عبد الله بن مسكان، عن أبي عبد الله الأبزاريّ. قال: سألت أبا عبد الله ـ عليه السّلام ـ عن رجل نسي فصلّى ركعتي طّواف الفريضة في الحجر.

قال: يعيدهما خلف المقام. لأنّ الله تعالى يقول:( وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقامِ إِبْراهِيمَ مُصَلًّى ) ، يعني بذلك: ركعتي طواف الفريضة.

موسى بن القسم(٦) ، عن الحسن بن محبوب، عن عليّ بن رئاب، عن أبي بصير.

__________________

(١) تفسير العيّاشي ١ / ٥٩، ح ٩٣+ مجمع البيان ١ / ٢٠٣.

(٢) التوحيد / ١٧٩، صدر ح ١٣.

(٣) المصدر: حجرة.

(٤) الكافي ٤ / ٤٢٥، ح ١.

(٥) تهذيب الأحكام ٥ / ١٣٨، ح ٤٥٤.

(٦) نفس المصدر ٥ / ١٤٠، ح ٤٦١، وفيه: موسى بن القاسم.

١٤٠

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

461

462

463

464

465

466

467

468

469

470

471

472

473

474

475

476

477

478

479

480

481

482

483

484

485

486

487

488

489

490

491

492

493