تفسير كنز الدّقائق وبحر الغرائب الجزء ٢

تفسير كنز الدّقائق وبحر الغرائب12%

تفسير كنز الدّقائق وبحر الغرائب مؤلف:
تصنيف: تفسير القرآن
الصفحات: 493

الجزء ١ الجزء ٢ الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥ الجزء ٦ الجزء ٧
  • البداية
  • السابق
  • 493 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 187930 / تحميل: 5871
الحجم الحجم الحجم
تفسير كنز الدّقائق وبحر الغرائب

تفسير كنز الدّقائق وبحر الغرائب الجزء ٢

مؤلف:
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة


1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

قلت لأبي جعفرعليه‌السلام رجل بال ولم يكن معه ماء فقال يعصر أصل ذكره إلى طرفه ثلاث عصرات وينتر طرفه فإن خرج بعد ذلك شيء فليس من البول ولكنه من الحبائل.

_________________________________________

يحتمل أن يكون المراد من الأول عصر أصل الذكر إلى طرف الذكر أي ما بين المقعدة إلى رأس الذكر ، ويكون المراد به العصرين جميعا ، والمراد من نتر الطرف نتر رأس الذكر فيوافق المشهور.

وفي التهذيب نقلا عن هذا الكتاب يعصر أصل ذكره إلى ذكره ، وينقل عن بعض الأفاضل أنه قرأ ذكره بضم الذال وسكون الكاف وفسره بطرف الذكر لينطبق على ما ذكره الأصحاب من تثليث العصرات إذ الأول يدل حينئذ على عصر ما بين المقعدة إلى رأس الذكر ، والثاني على عصر رأس الحشفة بإرجاع ضمير طرفه إلى الذكر لا إلى الإنسان.

ويخدشه ما يظهر من كلام أهل اللغة من أن ذكرة السيف حدته وصرامته بالمعنى المصدري لا الناتئ من طرفه كما فهمه ، ولا يستقيم إلا بارتكاب تجوز لا ينفع في الاستدلال. نعم ما في الكتاب يمكن حمله عليه كما أومأنا إليه ، إلا أن قولهعليه‌السلام ينتر طرفه ظاهره جواز الاكتفاء بالواحد وتقدير الثلاثة بقرينة السابق تكلف بعيد ، لكنه مشترك بين الوجهين ويخصه وجه آخر من البعد ، وهو أن النتر جذب فيه جفوة وقوة كما سيظهر مما سننقله من النهاية فحمله على عصر رأس الذكر بعيد ، فالأولى حمله على الوجه الأول وتقدير الثلاثة في الأخير أيضا ، أو القول بجواز الاكتفاء في العصرة الثانية بالمرة كما يظهر من بعض الأخبار جواز الاكتفاء بإحدى العصرتين أيضا.

ثم فائدة الاستبراء هنا أنه إن خرج بعده شيء أو توهم خروجه كما هو المجرب من حال من لم يغسل مخرج البول لا يضره ذلك ، أما من حيث النجاسة

٦١

٢ ـ عدة من أصحابنا ، عن أحمد بن محمد وأبي داود جميعا ، عن الحسين بن سعيد ، عن صفوان بن يحيى ، عن العلاء ، عن ابن أبي يعفور قال سألت أبا عبد اللهعليه‌السلام عن رجل بال ثم توضأ وقام إلى الصلاة فوجد بللا قال لا يتوضأ إنما ذلك من الحبائل.

٣ ـ محمد بن يحيى ، عن أحمد بن محمد ، عن علي بن أحمد بن أشيم ، عن صفوان قال سأل الرضاعليه‌السلام رجل وأنا حاضر فقال إن بي جرحا في مقعدتي فأتوضأ

_________________________________________

فلأنه غير واجد للماء ، وأما من حيث الحدث فظاهر فلا يحتاج إلى تجديد التيمم كلما أحس بذلك فتخصيص السؤال بعدم وجدان الماء ، لأن التوهم في هذه الصورة أكثر. وقيل يحتمل أن يكون وجه التخصيص كون الراوي عالما بأنه مع وجدان الماء إذا استبرأ وغسل المحل فلا بأس بما يخرج بعد ذلك ، ولكنه لم يعلم الحال في حال العدم أو يكون بناء على ما يقال إن الماء يقطع البول كما ذكره العلامة في المنتهى فتأمل.

وفي النهاية : فيه « إذا بال أحدكم فلينتر ذكره ثلاث نترات » النتر جذب فيه قوة وجفوة ، ومنه الحديث « إن أحدكم يعذب في قبره فيقال إنه لم يكن يستنتر عند بوله » والاستنتار استفعال من النتر يريد الحرص عليه والاهتمام به وهو بعث على التطهر بالاستبراء من البول والحبائل عروق الظهر أو عروق الذكر كما قيل.

الحديث الثاني : صحيح.

وظاهره مذهب الصدوق من أنه مع عدم الاستبراء أيضا لا يجب إعادة الوضوء وإن أمكن حمله عليه ، لكن حمل الأخبار الأخرى على الاستحباب أظهر ، وهو موافق للأصل أيضا ، وإن كان مخالفا للمشهور.

الحديث الثالث : مجهول ، والسند الثاني صحيح.

قولهعليه‌السلام « فقال إن بي » الفاء للترتيب الذكري ، وهو عطف مفصل

٦٢

وأستنجي ثم أجد بعد ذلك الندى والصفرة من المقعدة أفأعيد الوضوء فقال وقد أنقيت فقال نعم قال لا ولكن رشه بالماء ولا تعد الوضوء.

أحمد ، عن أبي نصر قال سأل الرضاعليه‌السلام رجل بنحو حديث صفوان.

٤ ـ علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن حنان بن سدير قال سمعت رجلا سأل أبا عبد اللهعليه‌السلام فقال ربما بلت ولم أقدر على الماء ويشتد علي ذلك فقال إذا بلت وتمسحت فامسح ذكرك بريقك فإن وجدت شيئا فقل هذا من ذاك.

_________________________________________

على مجمل.

قولهعليه‌السلام « في مقعدتي ». كأنه بدل من لفظة بي أو خبر لأن أو صفة للجرح ، والفاء في فأتوضأ للترتيب المعنوي ، والصفرة إما صفة حقيقية إذا كانت بمعنى شيء له الصفرة كما هو المعروف في الإطلاق أو مجازية إن كانت مصدرا أو بدل من النداء ، ويحتمل أن يكون النداء صفة لاسم الإشارة أي أجد بعد ارتفاع تلك الرطوبة الحاصلة من الاستنجاء صفرة ، هذا كله على نسخة لم توجد فيها العاطفة كما في التهذيب أيضا ، ويحتمل أن يكون الوضوء في المواضع بمعنى الاستنجاء استعمالا في المعنى اللغوي فتدبر.

قولهعليه‌السلام « وقد أنقيت » هذا ليعلم أنه ليس من الغائط وأثره.

قولهعليه‌السلام « ولكن رشه ». يحتمل أن يكون المراد منه الغسل بناء على نجاسة الصفرة ، وأن يكون المراد معناه الحقيقي لدفع توهمها بناء على طهارتها لأنها الأصل ولعدم العلم بكونها دما مخلوطا.

الحديث الرابع : حسن ، أو موثق.

قولهعليه‌السلام « بريقك ». إما لرفع وسواس النجاسة أو لرفع وسواس انتقاص التيمم فإن مع الاستنجاء بالماء تنقطع دريرة البول أو يرتفع التوهم بخلاف ما إذا لم يستنج فإنه يتوهم آنا فانا خروج البول كما سبق ولعله أصوب ، وإن فهم مشايخنا رضوان الله عليهم الأول.

٦٣

٥ ـ علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن عبد الله بن المغيرة ، عن منصور بن حازم قال قلت لأبي عبد اللهعليه‌السلام الرجل يعتريه البول ولا يقدر على حبسه قال فقال لي إذا لم يقدر على حبسه فالله أولى بالعذر يجعل خريطة.

٦ ـ الحسين بن محمد ، عن أحمد بن محمد ، عن أحمد بن إسحاق ، عن سعدان عبد الرحمن قال كتبت إلى أبي الحسنعليه‌السلام في خصي يبول فيلقى من ذلك شدة ويرى البلل بعد البلل قال يتوضأ ثم ينتضح في النهار مرة واحدة.

٧ ـ محمد بن يحيى ، عن أحمد بن محمد ، عن علي بن الحكم ، عن الحسين بن أبي العلاء قال سألت أبا عبد اللهعليه‌السلام عن البول يصيب الجسد قال صب عليه الماء مرتين.

_________________________________________

الحديث الخامس : حسن.

الحديث السادس : مجهول.

وأورد هذا الخبر في التهذيب مرتين في أبواب الزيادات(١) وفي كلا السندين عن سعدان بن مسلم عن عبد الرحيم القصير والظاهر زيادة ـ عن ـ هنا فإن سعدان اسمه عبد الرحمن ، وذهب جماعة من الأصحاب منهم الشهيد في الذكرى والدروس إلى العفو عن نجاسة ثوب الخصي الذي يتواتر بوله إذا غسله في النهار مرة ، واحتجوا برواية عبد الرحيم وفي طريقها ضعف ، ويمكن أن يحمل على أنه لا يعلم أنه بول فيحمل النضح على الاستحباب كما في أكثر موارد النضح ، وظاهر الأصحاب حمل النضح على الغسل وربما يقيد الحكم بما إذا لم يكن له إلا ثوب واحد.

الحديث السابع : حسن والأخيران مرسلان.

قولهعليه‌السلام « مرتين » موافق للمشهور وظاهره غير المخرج.

__________________

(١) التهذيب : ج ١ ص ـ ٣٥٣ ـ الحديث ـ ١٤ ـ.

٦٤

وروي أنه يجزئ أن يغسل بمثله من الماء إذا كان على رأس الحشفة وغيره وروي أنه ماء ليس بوسخ فيحتاج أن يدلك.

٨ ـ محمد بن يحيى ، عن محمد بن الحسين ، عن ابن فضال ، عن غالب بن عثمان ، عن روح بن عبد الرحيم قال بال أبو عبد اللهعليه‌السلام وأنا قائم على رأسه ومعي إداوة أو قال كوز فلما انقطع شخب البول قال بيده هكذا إلي فناولته بالماء فتوضأ مكانه.

_________________________________________

قولهعليه‌السلام « بمثله » هذا الخبر قد أورده الشيخ(١) مسندا وقال : فيه أولا أنه خبر مرسل ـ ثم قال ـ ولو سلم وصح لاحتمل أن يكون أراد بقوله « بمثله ». بمثل ما خرج من البول وهو أكثر من مثلي ما يبقى على رأس الحشفة ، ثم استشهد لصحة تأويله بخبر داود الصرمي « قال : رأيت أبا الحسن الثالثعليه‌السلام غير مرة يبول ويتناول كوزا صغيرا ويصب الماء عليه من ساعته » ثم قال : ( يصب الماء عليه ) يدل على أن قدر الماء أكثر من مقدار بقية البول ، لأنه لا ينصب إلا مقدار يزيد على ذلك.

أقول : ويحتمل أن يكون المراد « بمثله » الجنس أي لا يكفي في إزالته إلا الماء ولا يجوز الاستنجاء بالأحجار كما في الغائط.

الحديث الثامن : موثق ، أو مجهول.

وظاهره عدم الاستبراء. وقال الوالد العلامة : الذي يظهر من بعض الأخبار جواز الاكتفاء بالانقطاع عن الاستبراء ، والأولى الاستبراء بعد انقطاع السيلان. والتوضؤ في آخر الخبر يحتمل الاستنجاء. وفي القاموس : الشخب ويضم ما خرج من الضرع من اللبن وانشخب عرقه وما انفجر.

__________________

(١) التهذيب : ج ١ ص ـ ٣٥ ـ الحديث ـ ٣٤ ـ.

٦٥

(باب)

(مقدار الماء الذي يجزئ للوضوء والغسل ومن تعدى في الوضوء)

١ ـ علي بن إبراهيم ، عن محمد بن عيسى ، عن يونس ، عن العلاء ، عن محمد بن مسلم ، عن أبي جعفرعليه‌السلام قال يأخذ أحدكم الراحة من الدهن فيملأ بها جسده والماء أوسع من ذلك.

٢ ـ علي بن إبراهيم ، عن أبيه ومحمد بن إسماعيل ، عن الفضل بن شاذان ، عن حماد ، عن حريز ، عن زرارة ومحمد بن مسلم ، عن أبي جعفرعليه‌السلام قال إنما الوضوء حد من حدود الله ليعلم الله من يطيعه ومن يعصيه وإن المؤمن لا ينجسه شيء إنما يكفيه مثل الدهن.

_________________________________________

باب مقدار الماء الذي يجزى للوضوء وللغسل ومن تعدى في الوضوء

الحديث الأول : صحيح.

قولهعليه‌السلام « أوسع من ذلك ». إما محمول على المبالغة أو الضرورة ، وقال في الحبل المتين : ما تضمنه هذه الرواية معلوم أنه ورد على سبيل المبالغة ولو عمل بظاهرها لم يبق فرق بين الغسل والمسح.

الحديث الثاني : حسن كالصحيح.

قولهعليه‌السلام « لا ينجسه شيء ». قال البهائي أي أعضاؤه لا ينجس بشيء من الأحداث نجاسة خبيثة حتى يحتاج في إزالتها إلى صب ماء زائد على ما يشبه الدهن كما هو الواقع في أغلب النجاسات الحدثية انتهى. ويدل كلام المفيد في المقنعة ظاهرا على الاكتفاء بالمسح في الغسل عند الضرورة كما نسب إليه وإلى غيره. وظاهر الأصحاب اتفاقهم على لزوم الجريان في غير حال الضرورة ، ولا يخفى عليك أن ظاهر الأخبار الاكتفاء بالمسح كالدهن وحمل الأصحاب تلك الأخبار على أقل مراتب الجريان مبالغة.

٦٦

٣ ـ عدة من أصحابنا ، عن أحمد بن محمد وأبو داود جميعا ، عن الحسين بن سعيد ، عن فضالة ، عن داود بن فرقد قال سمعت أبا عبد اللهعليه‌السلام يقول إن أبي كان يقول إن للوضوء حدا من تعداه لم يؤجر وكان أبي يقول إنما يتلدد فقال له رجل وما حده قال تغسل وجهك ويديك وتمسح رأسك ورجليك.

٤ ـ علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن ابن أبي عمير ، عن جميل ، عن زرارة ، عن أبي جعفرعليه‌السلام قال الجنب ما جرى عليه الماء من جسده قليله وكثيره فقد أجزأه

_________________________________________

الحديث الثالث : صحيح.

وقال في النهاية : اللدد الخصومة الشديدة وفي حديث عثمان « فتلددت تلدد المضطر » التلدد التلفت يمينا وشمالا تحيرا انتهى ، ويحتمل أن يكون المراد أنه كان أبي يقول : إنما يتلدد في هذا الباب أي يلتفت كثيرا إلى مواضع الوضوء للوسواس ، وليس بضرور لأن التلدد بمعنى الالتفات يمينا وشمالا ، وأن يكون المراد إنما يختصم كثيرا في هذا الباب لكن هذا الباب لم يجيء بهذا المعنى ، ويحتمل أن يكون حالا عن فاعل يقول ويكون مفعوله ما نقل عنه سابقا ويكون التلدد بالمعنى الأول أي كان يلتفتعليه‌السلام عند قوله ذلك يمينا وشمالا تقية.

وقيل : المعنى من يتجاوز عن حد الوضوء يتكلف مخاصمة الله في أحكامه ، أو إنما يفعل ذلك للوسواس والحيرة في الدين ، وقد يقرأ ـ أيما ـ بالياء المثناة من تحت ، والمراد أنه كان يقول ذلك كلما يتلدد ويختصم ، وفي بعض النسخ القديمة بالذالين المعجمتين أي يتلذذ الناس بتكرار الماء واستعماله كثيرا في الوضوء.

الحديث الرابع : صحيح أو حسن.

وظاهره أنه لبيان أن أقل الجريان كاف سواء كان الماء قليلا أو كثيرا ، ويحتمل أن يكون لبيان تبعيض الغسل وتوزيعه على الأعضاء بأنه إذا غسل عضوا من أعضائه يجري عليه أحكام المتطهر من جواز المس وغيره ولا يشترط إكمال الغسل ، و

٦٧

٥ ـ محمد بن يحيى ، عن محمد بن الحسين ، عن صفوان ، عن العلاء بن رزين ، عن محمد بن مسلم ، عن أحدهماعليهما‌السلام قال سألته عن غسل الجنابة كم يجزئ من الماء فقال كان رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله يغتسل بخمسة أمداد بينه وبين صاحبته ويغتسلان جميعا من إناء واحد.

٦ ـ محمد بن يحيى ، عن محمد بن الحسين ، عن يزيد بن إسحاق ، عن هارون بن حمزة ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال يجزئك من الغسل والاستنجاء ما ملئت يمينك.

٧ ـ عدة من أصحابنا ، عن أحمد بن محمد ، عن الحسين بن سعيد ، عن فضالة

_________________________________________

يكون المراد بالقليل والكثير قليل الجسد وكثيره.

الحديث الخامس : صحيح.

قولهعليه‌السلام « عن وقت غسل الجنابة ». أي عن حده ، وإنما اكتفى بصاع ومد للاشتراك كما صرح به في رواية أخرى.

الحديث السادس : صحيح.

ولعل المراد بالاستنجاء الاستنجاء من البول بقرينة اليمين ، وفي التهذيب والاستبصار ـ اليد ـ بدل اليمين وعلى التقديرين لعل المراد ببللها أخذ ماء قليل بها مرة واحدة ، ويؤيده أن في بعض النسخ القديمة « ما ملت يمينك » فيكون أصله ملأت فخفف وحذف ، وعلى التقديرين يدل على عدم وجوب التعدد في الاستنجاء ، وقد يقرأ على النسخة الأولى بلت بالتخفيف أي عملت كما يقال ـ لله بلاء فلان ـ أي لا يشترط في الغسل والاستنجاء استعمال ظرف بل يكفي الصب باليد ولا يخفى ما فيه ويمكن قراءة الغسل بفتح العين وضمها وقال الشيخ (ره) : المراد بأمثال هذا الخبر مطلق الإجزاء إلا أن مع ذلك فلا بد أن يجري الماء على الأعضاء ليكون غاسلا وإن كان قليلا ، مثل الدهن فإنه متى لم يجر لم يسم غاسلا ولا يكون ذلك مجزيا.

الحديث السابع : صحيح.

٦٨

بن أيوب ، عن جميل ، عن زرارة ، عن أبي جعفرعليه‌السلام في الوضوء قال إذا مس جلدك الماء فحسبك.

٨ ـ علي ، عن أبيه ، عن النوفلي ، عن السكوني ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال قلت له الرجل يجنب فيرتمس في الماء ارتماسة واحدة فيخرج يجزئه ذلك من غسله قال نعم.

٩ ـ علي بن محمد وغيره ، عن سهل بن زياد ، عن محمد بن الحسن بن شمون ، عن حماد بن عيسى ، عن حريز ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال إن لله ملكا يكتب سرف الوضوء كما يكتب عدوانه.

(باب)

(السواك)

١ ـ علي بن محمد ، عن سهل وعلي بن إبراهيم ، عن أبيه جميعا ، عن جعفر بن محمد الأشعري ، عن عبد الله بن ميمون القداح ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال ركعتان بالسواك أفضل من سبعين ركعة بغير سواك قال قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله لو لا أن أشق على أمتي لأمرتهم بالسواك مع كل صلاة.

_________________________________________

واستدل به على عدم وجوب الدلك وإمرار اليد وقال في الحبل المتين : لفظة جلدك أما مرفوعة بالفاعلية ، أو منصوبة بالمفعولية على التجوز.

الحديث الثامن : ضعيف على المشهور.

قولهعليه‌السلام « يكتب سرف الوضوء ». أي الإسراف في ماء الوضوء كما يفعله العامة من الغسل ثلاثا « كما يكتب عدوانه » أي التجاوز عن حكمه كالغسل في موضع المسح أو يكون المراد بالعدوان التقصير فيه بأن لا يحصل الجريان أو غسل عضو زائد على المفروض فتأمل.

باب السواك

الحديث الأول : مجهول.

واستدل بهذا الخبر على أن الأمر للوجوب ، ولا يخفى ما فيه.

٦٩

٢ ـ عدة من أصحابنا ، عن أحمد بن محمد ، عن ابن محبوب ، عن يونس بن يعقوب ، عن أبي أسامة ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال من سنن المرسلين السواك.

٣ ـ أحمد بن محمد ، عن ابن محبوب ، عن العلاء ، عن محمد بن مسلم ، عن أبي جعفرعليه‌السلام قال قال النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ما زال جبرئيلعليه‌السلام يوصيني بالسواك حتى خفت أن أحفي أو أدرد.

٤ ـ علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن ابن أبي عمير ، عن ابن بكير عمن ذكره ، عن أبي جعفرعليه‌السلام في السواك قال لا تدعه في كل ثلاث ولو أن تمره مرة.

٥ ـ علي بإسناده قال أدنى السواك أن تدلك بإصبعك.

٦ ـ أحمد بن إدريس ، عن محمد بن عبد الجبار ، عن صفوان ، عن المعلى أبي عثمان ، عن معلى بن خنيس قال سألت أبا عبد اللهعليه‌السلام عن السواك بعد الوضوء فقال الاستياك قبل أن تتوضأ قلت أرأيت إن نسي حتى يتوضأ قال يستاك ثم

_________________________________________

الحديث الثاني : صحيح.

الحديث الثالث : صحيح.

قولهصلى‌الله‌عليه‌وآله « إن أحفي أو أدرد » على بناء الفاعل ، أو المفعول فيهما ، وقال في النهاية : لزمت السواك حتى كدت أن أحفي فمي ـ أي أستقصي على أسناني فأذهبها بالتسوك ـ وقال فيه « لزمت السواك حتى خشيت أن يدردني » أي يذهب بأسناني والدرد سقوط الأسنان.

الحديث الرابع : مرسل.

الحديث الخامس : مرسل.

الحديث السادس : مختلف فيه وأخره مرسل.

قولهعليه‌السلام « ثلاث مرات » كان مستند الحكم باستحباب المضمضة ثلاثا مطلقا هذا الخبر ، لعدم خبر آخر يدل عليه ، ولا يخفى ما فيه ، نعم وجدنا مستند

٧٠

يتمضمض ثلاث مرات.

وروي أن السنة في السواك في وقت السحر.

٧ ـ علي بن محمد بن بندار ، عن إبراهيم بن إسحاق الأحمر ، عن عبد الله بن حماد ، عن أبي بكر بن أبي سماك قال قال أبو عبد اللهعليه‌السلام إذا قمت بالليل فاستك فإن الملك يأتيك فيضع فاه على فيك وليس من حرف تتلوه وتنطق به إلا صعد به إلى السماء فليكن فوك طيب الريح.

(باب)

(المضمضة والاستنشاق)

١ ـ الحسين بن محمد ، عن معلى بن محمد ، عن الوشاء ، عن حماد بن عثمان ، عن حكم بن حكيم ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال سألته عن المضمضة والاستنشاق

_________________________________________

تثليث المضمضة والاستنشاق في ما كتب أمير المؤمنين صلوات الله عليه إلى أهل مصر مع محمد بن أبي بكر. قولهعليه‌السلام : « إن السنة ». حمل على أنه أكد.

الحديث السابع : ضعيف.

باب المضمضة والاستنشاق

الحديث الأول : ضعيف على المشهور.

قوله : « قال لا » يحتمل أن يكون المراد أنهما ليسا من واجباته أو ليسا من أجزائه بل من مقدماته ، وقال في المدارك : الحكم باستحباب المضمضة والاستنشاق هو المعروف من المذهب والنصوص به مستفيضة. وقال ابن أبي عقيل : إنهما ليسا بفرض ولا سنة ، وله شواهد من الأخبار ، إلا أنها مع ضعفها قابلة للتأويل.

واشترط جماعة من الأصحاب تقدم المضمضة أولا وصرحوا باستحباب إعادة الاستنشاق مع العكس ، وقرب العلامة في النهاية جواز الجمع بينهما بأن

٧١

أمن الوضوء هي قال لا.

٢ ـ محمد بن يحيى ، عن أحمد بن محمد ، عن شاذان بن الخليل ، عن يونس بن عبد الرحمن ، عن حماد ، عن أبي بصير ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال سألته عن المضمضة والاستنشاق قال ليس هما من الوضوء هما من الجوف.

٣ ـ محمد بن يحيى ، عن أحمد بن محمد ، عن علي بن الحكم ، عن سيف بن عميرة ، عن أبي بكر الحضرمي ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال ليس عليك مضمضة ولا استنشاق لأنهما من الجوف.

(باب)

(صفة الوضوء)

١ ـ علي بن إبراهيم ، عن محمد بن عيسى ، عن يونس بن عبد الرحمن ، عن أبان وجميل ، عن زرارة قال حكى لنا أبو جعفرعليه‌السلام وضوء رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله فدعا بقدح فأخذ كفا من ماء فأسدله على وجهه ثم مسح وجهه من الجانبين جميعا

_________________________________________

يتمضمض مرة ثم يستنشق مرة وهكذا ثلاثا والكل حسن.

الحديث الثاني : مجهول.

قولهعليه‌السلام : « من الجوف ». يعني أن الوجه المأمور بغسله في الآية هو الظاهر منه لا البواطن ، وقال الشيخ البهائي (ره) يمكن أن يكون الكلام واردا في غسل الميت وليس فيه مضمضة ولا استنشاق عندنا.

الحديث الثالث : حسن.

باب صفة الوضوء

الحديث الأول : صحيح.

قولهعليه‌السلام : « بقدح » الباء زائدة للتوكيد نحو «وَلا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ »(١) أو للتعدية.

__________________

(١) البقرة : ١٩٥.

٧٢

ثم أعاد يده اليسرى في الإناء فأسدلها على يده اليمنى ثم مسح جوانبها ثم أعاد اليمنى في الإناء فصبها على اليسرى ثم صنع بها كما صنع باليمنى ثم مسح بما بقي في يده رأسه ورجليه ولم يعدهما في الإناء.

_________________________________________

قولهعليه‌السلام « من الماء » يحتمل أن يكون من للبيان بأن يكون المراد بالظرف المظروف ، فإن المقادير والأعداد يراد بهما المقدر والمعدود ، كقولهم عشرون من درهم ، وراقود من خل ، وأن يكون ابتدائية بأن يكون المراد الظرف أي كفا مملوء ، أو مأخوذا من ماء ، ويحتمل أن يكون ـ من ماء ـ صلة لقوله « أخذ » أي أخذ من الماء مقدار كف ، والإسدال في اللغة إرخاء الستر وطرف العمامة ونحوها ، ومنه السديل لما يرخي على الهودج والمراد هنا الصب ، ففي الكلام استعارة تبعية كما كره شيخنا البهائي (ره).

قوله « ثم مسح وجهه » كان كلمه ثم في المواضع منسلخة عن معنى التراخي ، وهو في كلام البلغاء كثير ، ويمكن أن يكون الجمل معطوفة على الجملة الأولى ، لا كل واحدة على ما قبلها كما هو المشهور وحينئذ يكون فيها معنى التراخي لكنه خلاف الشائع في الاستعمالات والمتبادر عند الإطلاق ، وعليه بنوا كثيرا من استدلالاتهم كالاستدلال على الترتيب بين الأعضاء.

قوله : « من الجانبين » أي أمر يده على جانبي وجهه ، ويمكن أن يكون المارد أنهعليه‌السلام لم يقدم مسح جانب من وجهه على جانب آخر بل مسحهما معا من ابتداء الوجه إلى انتهائه فتأمل.

قوله : « ثم أعاد يده اليسرى » قال شيخنا البهائي (ره) كان الظاهر ـ ثم أدخل اليسرى ـ ولعله أطلق الإعادة على الإدخال الابتدائي لمشاكلة قوله فيما بعد ثم أعاد اليمنى ولا يتوهم أن تقدم المشاكل بالفتح على المشاكل بالكسر شرط فإنهم صرحوا بأن يمشي في قوله تعالى «فَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلى بَطْنِهِ »(١)

__________________

(١) النور : ٤٥.

٧٣

٢ ـ عدة من أصحابنا ، عن أحمد بن محمد ، عن علي بن الحكم ، عن داود بن النعمان ، عن أبي أيوب ، عن بكير بن أعين ، عن أبي جعفرعليه‌السلام قال ألا أحكي لكم وضوء رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله فأخذ بكفه اليمنى كفا من ماء فغسل به وجهه ثم أخذ بيده اليسرى كفا من ماء فغسل به يده اليمنى ثم أخذ بيده اليمنى كفا من ماء فغسل به يده اليسرى ثم مسح بفضل يديه رأسه ورجليه.

٣ ـ علي بن إبراهيم ، عن محمد بن عيسى ، عن يونس ، عن العلاء بن رزين ، عن محمد بن مسلم ، عن أبي جعفرعليه‌السلام قال يأخذ أحدكم الراحة من الدهن فيملأ بها جسده ـ والماء أوسع من ذلك ألا أحكي لكم وضوء رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله قلت بلى قال فأدخل يده في الإناء ولم يغسل يده فأخذ كفا من ماء فصبه على وجهه ثم مسح جانبيه حتى مسحه كله ثم أخذ كفا آخر بيمينه فصبه على يساره ثم غسل به ذراعه الأيمن ثم أخذ كفا آخر فغسل به ذراعه الأيسر ثم مسح رأسه ورجليه بما بقي في يده.

٤ ـ علي ، عن أبيه ومحمد بن إسماعيل ، عن الفضل بن شاذان جميعا ، عن حماد بن عيسى ، عن حريز ، عن زرارة قال قال أبو جعفرعليه‌السلام ألا أحكي لكم وضوء

_________________________________________

لمشاكلة قوله «وَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلى رِجْلَيْنِ » ، ويمكن أن يقال : إنه أطلق الإعادة باعتبار كونها يدا لا باعتبار كونها يسري انتهى. ويدل على عدم استحباب الإدارة من إحداهما إلى الأخرى.

الحديث الثاني : حسن.

وفي الصحاح حكيت فعله وحاكيته ، إذا فعلت مثل فعله.

الحديث الثالث : صحيح.

الحديث الرابع : حسن كالصحيح.

قوله : « فوضعه بين يديه » إلى آخر مقال في مشرق الشمسين : يقال جلست بين يديه أي قدامه ، وفي مقابله ، ولعل الإناء كان أقرب إلى يمينهعليه‌السلام والميل اليسير

٧٤

رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله فقلنا بلى فدعا بقعب فيه شيء من ماء ثم وضعه بين يديه ثم حسر عن ذراعيه ثم غمس فيه كفه اليمنى ثم قال هكذا إذا كانت الكف طاهرة ثم غرف فملأها ماء فوضعها على جبينه ثم قال بسم الله وسدله على أطراف لحيته ثم أمر يده على وجهه وظاهر جبينه مرة واحدة ثم غمس يده اليسرى فغرف بها ملأها ثم وضعه على مرفقه اليمنى وأمر كفه على ساعده حتى جرى الماء على أطراف أصابعه ثم غرف بيمينه ملأها فوضعه على مرفقه اليسرى وأمر كفه على ساعده حتى جرى الماء على أطراف أصابعه ومسح مقدم رأسه وظهر قدميه ببلة يساره وبقية بلة يمناه.

قال وقال أبو جعفرعليه‌السلام إن الله وتر يحب الوتر فقد يجزئك من الوضوء ثلاث غرفات واحدة للوجه واثنتان للذراعين وتمسح ببلة يمناك ناصيتك وما بقي من بلة يمينك ظهر قدمك اليمنى وتمسح ببلة يسارك ظهر قدمك اليسرى.

_________________________________________

إلى أحد الجانبين لا يقدح في المقابلة العرفية ، فلا ينافي هذا الحديث ما اشتهر من استحباب وضع الإناء على اليمين ، وحسر بالمهملات بمعنى كشف وهو متعد بنفسه ، ولعل مفعوله وهو الكم أو الثوب محذوف ، والإشارة في قولهعليه‌السلام ـ هذا إذا كانت الكف طاهرة إلى غمس اليد في الماء القليل من دون غسلها أولا. وسدل وأسدل بمعنى. وفي القاموس : القعب قدح من خشب مقعر. وفي الصحاح : حسرت كمي عن ذراعي أحسره حسرا ، كشفت.

قولهعليه‌السلام « وظاهر جبينه » أي ما لم يمكن من جبينه مستورا بالشعر فإنه ليس من الوجه.

قولهعليه‌السلام : « ببلة يساره » حمل هذا الكلام على اللف والنشر المرتب يقتضي مسحهعليه‌السلام رأسه بيساره وهو في غاية البعد ، وحمله على المشوش أيضا بعيد وذكر البقية في اليمنى دون اليسرى لا يساعده فالأظهر أن يكون قولهعليه‌السلام « ببلة يساره » مع ما عطف عليه من متعلقات مسح القدمين فقط ، وعود القيد إلى

٧٥

قال زرارة قال أبو جعفرعليه‌السلام سأل رجل أمير المؤمنينعليه‌السلام عن وضوء رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله فحكى له مثل ذلك.

٥ ـ علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن ابن أبي عمير ، عن عمر بن أذينة ، عن زرارة وبكير أنهما سألا أبا جعفرعليه‌السلام عن وضوء رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله فدعا بطست أو تور فيه ماء فغمس يده اليمنى فغرف بها غرفة فصبها على وجهه فغسل بها وجهه ثم غمس كفه اليسرى فغرف بها غرفة فأفرغ على ذراعه اليمنى فغسل بها ذراعه من المرفق إلى الكف لا يردها إلى المرفق ثم غمس كفه اليمنى فأفرغ بها على ذراعه اليسرى من المرفق وصنع بها مثل ما صنع باليمنى ثم مسح رأسه وقدميه ببلل كفه لم يحدث لهما ماء جديدا ثم قال ولا يدخل أصابعه تحت الشراك قال ثم قال إن الله عز وجل يقول «يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ » فليس له أن يدع شيئا من وجهه إلا غسله وأمر بغسل اليدين إلى المرفقين فليس له أن يدع شيئا من يديه إلى المرفقين إلا غسله

_________________________________________

كلا المتعاطفين غير لازم كما في قوله تعالى «وَوَهَبْنا لَهُ إِسْحاقَ وَيَعْقُوبَ نافِلَةً » فإن النافلة ولد الولد وحينئذ يكون في إدراج لفظ البقية إشعار بأنهعليه‌السلام مسح رأسه بيمناه.

الحديث الخامس : حسن.

قوله « أو تور » الترديد من الراوي أو منهعليه‌السلام للتخيير بين إحضار أيهما تيسر. وفي النهاية : التور إناء من صفر أو حجارة كالإجانة وقد يتوضأ منه ، انتهى. ولعله يدل على عدم كراهة هذه الاستعانة ، وما قيل ـ من أنه لبيان الجواز أو أن هذا الوضوء لعله لا يكون وضوء حقيقيا ـ فلا يخفى بعده من مقام البيان ، فتأمل. وربما يدل على استحباب كون الإناء مكشوفة الرأس ، وعلى رجحان الاغتراف لغسل الأعضاء.

٧٦

لأن الله يقول : «فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرافِقِ » ثم قال «وَامْسَحُوا بِرُؤُسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ » فإذا مسح بشيء من رأسه أو بشيء من قدميه ما بين الكعبين إلى أطراف الأصابع فقد أجزأه.

قال فقلنا أين الكعبان قال هاهنا يعني المفصل دون عظم الساق فقلنا هذا ما هو فقال هذا من عظم الساق والكعب أسفل من ذلك فقلنا أصلحك الله فالغرفة الواحدة تجزئ للوجه وغرفة للذراع قال نعم إذا بالغت فيها

_________________________________________

قوله : « لا يردها إلى المرفق » يمكن أن يكون المراد نفي ابتداء الغسل من الأصابع كما تفعله العامة ، أو أنه في أثناء الغسل لا يمسح بيده إلى المرفق بل يرفع يده ثم يضع على المرفق وينزلها ، قوله : « فليس له » لأن الوجه حقيقة في كله وكذا اليد قوله « فإذا مسح » لأن الباء للتبعيض كما سيأتي.

قوله : « يعني المفصل » قال في الحبل المتين : الكعب المفصل بين الساق والقدم ذكره جماعة من أهل اللغة ، كصاحب القاموس حيث قال : الكعب كل مفصل للعظام ، وهذه الرواية كما ترى ظاهرة في هذا المعنى ، وهو المفهوم بحسب الظاهر من كلام ابن الجنيد.

قوله : « دون عظم الساق ». قال الشيخ البهائي (ره) لفظة دون إما بمعنى تحت ، أو بمعنى عند ، أو بمعنى غير.

قوله : « هذا ما هو » أي قبتا طرفي القدم ، كما تقوله العامة.

قوله : « وغرفة للذراع ». أي لكل ذراع والمراد من الثنتين الغرفتان لكل عضو ، وما قيل : من أن الأول غرفة واحدة للذراعين معا والثاني الثنتان لهما أيضا كذلك فلا يخفى ما فيه من البعد ، وقال شيخنا البهائي (ره) أي إذا بالغت في أخذ الماء بها بأن ملأتها منه بحيث لا تسع معه شيئا ، ويمكن أن يكون المعنى إذا بالغت في غسل العضو بها بإمرار اليد ليصل ماؤها إلى كل جزء ، وقولهعليه‌السلام

٧٧

والثنتان تأتيان على ذلك كله.

٦ ـ محمد بن الحسن وغيره ، عن سهل بن زياد ، عن ابن محبوب ، عن ابن رباط ، عن يونس بن عمار قال سألت أبا عبد اللهعليه‌السلام عن الوضوء للصلاة فقال مرة مرة.

٧ ـ عدة من أصحابنا ، عن أحمد بن محمد وأبي داود جميعا ، عن الحسين بن سعيد ، عن فضالة بن أيوب ، عن حماد بن عثمان ، عن علي بن المغيرة ، عن ميسرة ، عن أبي جعفرعليه‌السلام قال الوضوء واحدة واحدة ووصف الكعب في ظهر القدم.

٨ ـ الحسين بن محمد ، عن عبد الله بن عامر ، عن علي بن مهزيار ، عن محمد بن يحيى ، عن حماد بن عثمان قال كنت قاعدا عند أبي عبد اللهعليه‌السلام فدعا بماء فملأ به كفه فعم به وجهه ثم ملأ كفه فعم به يده اليمنى ثم ملأ كفه فعم به يده اليسرى ثم مسح على رأسه ورجليه وقال هذا وضوء من لم يحدث حدثا يعني به التعدي في الوضوء.

٩ ـ علي بن محمد ومحمد بن الحسن ، عن سهل بن زياد وعلي بن إبراهيم

_________________________________________

« والثنتان » إلى آخره ـ أي الغرفتان تكفيان في استيعاب العضو بدون مبالغة.

الحديث السادس : ضعيف على المشهور.

الحديث السابع : مجهول.

وقال الشيخ البهائي (ره) ليس المراد بظهر القدم خلاف باطنه بل ما ارتفع منه ، كما يقال لما ارتفع وغلظ من الأرض ظهر الأرض.

الحديث الثامن : صحيح.

قولهعليه‌السلام « من لم يحدث » ظاهره عدم جواز الزيادة عن مرة واحدة ، واستحباب الغسلة الثانية هو المشهور بين الأصحاب بل ادعى ابن إدريس عليه الإجماع وقال الصدوق بعدم استحبابها وهو موافق لمقالة الكليني ، وقال ابن أبي نصر واعلم أن الفضل في واحدة ومن زاد على اثنين لم يؤجر.

الحديث التاسع : موثق وآخر الباب مرسل.

٧٨

عن أبيه ومحمد بن يحيى ، عن أحمد بن محمد جميعا ، عن أحمد بن محمد بن أبي نصر ، عن عبد الكريم قال سألت أبا عبد اللهعليه‌السلام عن الوضوء فقال ما كان وضوء عليعليه‌السلام إلا مرة مرة.

هذا دليل على أن الوضوء إنما هو مرة مرة لأنه صلوات الله عليه كان إذا ورد عليه أمران كلاهما لله طاعة أخذ بأحوطهما وأشدهما على بدنه وإن الذي جاء عنهمعليهم‌السلام أنه قال الوضوء مرتان إنه هو لمن لم يقنعه مرة واستزاده فقال مرتان ثم قال ومن زاد على مرتين لم يؤجر وهذا أقصى غاية الحد في الوضوء الذي من تجاوزه أثم ولم يكن له وضوء وكان كمن صلى الظهر خمس ركعات ولو لم يطلقعليه‌السلام في المرتين لكان سبيلهما سبيل الثلاث.

وروي في رجل كان معه من الماء مقدار كف وحضرت الصلاة قال فقال يقسمه أثلاثا ثلث للوجه وثلث لليد اليمنى وثلث لليد اليسرى ويمسح بالبلة رأسه ورجليه.

(باب)

(حد الوجه الذي يغسل والذراعين وكيف يغسل)

١ ـ علي بن إبراهيم ، عن أبيه ومحمد بن إسماعيل ، عن الفضل بن شاذان جميعا ، عن حماد بن عيسى ، عن حريز ، عن زرارة قال قلت له أخبرني عن حد

_________________________________________

وقوله « هذا. » دليل كلام المؤلفقدس‌سره .

باب حد الوجه الذي يغسل والذراعين وكيف يغسل

الحديث الأول : كالصحيح.

قولهعليه‌السلام « عن حد الوجه » الحد في اللغة المنع ، والفصل بين الشيئين ، والمراد هنا الثاني. والقصاص مثلثة القاف منتهى شعر الرأس حيث يؤخذ بالمقص من مقدمه ومؤخره ، وقيل : هو منتهى منبته من مقدمه. والمراد هنا المقدم

٧٩

الوجه الذي ينبغي له أن يوضأ الذي قال الله عز وجل فقال الوجه الذي أمر الله تعالى بغسله الذي لا ينبغي لأحد أن يزيد عليه ولا ينقص منه إن زاد عليه

_________________________________________

حواه يحويه حيا أي جمعه واحتواه مثله ، واحتوى على الشيء أي اشتمل عليه كما ذكره الجوهري. وقال الفيروزآبادي : حواه يحويه حيا وحواية واحتوى عليه واحتواه جمعه وأحرزه انتهى. والصدغ هو المنخفض الذي بين أعلى الأذن وطرف الحاجب ، والسبابة من الأصابع التي تلي الإبهام.

وكل من الموصولين في قول زرارة ، الذي قال الله عز وجل ، وفي قولهعليه‌السلام الذي لا ينبغي لأحد نعت بعد نعت للوجه ، وجملة ، « لا ينبغي لأحد » ـ إلى آخره ـ صلة ـ للذي ـ وجملة لا ينقص منه عطف على جملة « لا ينبغي » أو يكن عطفا على يزيد ـ وتكون لفظة لا نافية على الأول وزائدة لتأكيد النفي على الثاني ، ويحتمل أن يكون لا ناهية ويكون حينئذ معطوفا على الموصول ، والجملة صفة للوجه بتقدير المقول في حقه ، كما هو الشائع في تصحيح الجمل الإنشائية الواقعة حالا بعد حال أو صفة على ما قيل ،

وجملة الشرط والجزاء في قولهعليه‌السلام « إن زاد عليه لم يؤجر » صلة بعد صلة له وقوله « وإن نقص منه أثم » عطف على إن زاد والصلة بعد الصلة وإن لم تكن بين النحاة مشهورا ، إلا أنه لا مانع منه ، كالخبر والحال. وقد جوز التفتازاني في حواشي الكشاف في قوله تعالى «فَاتَّقُوا النَّارَ الَّتِي وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجارَةُ أُعِدَّتْ لِلْكافِرِينَ »(١) كون جملة أعدت صلة ثانية للتي. ويحتمل أن يكون هذه الشرطية مع المعطوف عليها مفسرة لقوله « لا ينبغي لأحد » ، وأن تكون معترضة بين المبتدأ والخبر والجار والمجرور. وفي قولهعليه‌السلام « من قصاص » إما متعلق بقوله « دارت » ، أو صفة مصدر محذوف ، وإما حال عن الموصول الواقع خبرا عن

__________________

(١) البقرة : ٢٤.

٨٠

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

( إِذْ قالَ ) :

ظرف لاصطفيناه، أي: اخترناه في ذلك الوقت، أو انتصب بإضمار «اذكر»، استشهادا على ما ذكر، من حاله. كأنّه قيل: اذكر ذلك الوقت، لتعلم أنّه المصطفى الصّالح الّذي لا يرغب عن ملّة مثله.

( لَهُ رَبُّهُ أَسْلِمْ ) : اخطر ببالك النّظر في الدّلالة المؤدّية إلى المعرفة.

( قالَ أَسْلَمْتُ لِرَبِّ الْعالَمِينَ ) (١٣١)، أي: فنظر وعرف.

وقيل: أسلم، أي: أذعن وأطع(١) .

وقيل: يحتمل(٢) أن يكون المراد: أثبت على الانقياد.

( وَوَصَّى بِها ) ، أي: بالملّة، أو الكلمة. وهي( أَسْلَمْتُ لِرَبِّ الْعالَمِينَ ) .

وقرئ: وأوصى.

( إِبْراهِيمُ بَنِيهِ وَيَعْقُوبُ ) :

عطف على إبراهيم. داخل في حكمه.

والمعنى: ووصّى بها يعقوب بنيه ـ أيضا.

وقرئ بالنّصب، عطفا على بنيه.

والمعنى: ووصّى بها إبراهيم بنيه ونافلته يعقوب.

[وفي كتاب علل الشّرائع(٣) ، بإسناده إلى أبي عبد الله ـ عليه السّلام. قال: كان يعقوب وعيص توأمين. فولد عيص، ثمّ ولد يعقوب. فسمّي يعقوب، لأنّه خرج بعقب أخيه عيص.

والحديث طويل. أخذت منه موضوع الحاجة].(٤)

( يا بَنِيَ ) :

على إضمار القول، عند البصريّين، وعند الكوفيّين، يتعلّق بوصيّ. لأنّه في معنى القول.

وفي قراءة أبيّ وابن مسعود: أن يا بنيّ.

( إِنَّ اللهَ اصْطَفى لَكُمُ الدِّينَ ) : أعطاكم الدّين الّذي هو صفوة الأديان. وهو دين

__________________

(١ و ٢) ليس في أ.

(٣) علل الشرائع ١ / ٤٣، ح ١.

(٤) ما بين المعقوفتين ليس في أ.

١٦١

الإسلام. ووفّقكم الأخذ به،( فَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ ) (١٣٢): لا يكن موتكم على حال إلّا على حال كونكم ثابتين على الإسلام.

فالنّهي راجع إلى كونهم على خلاف الإسلام، في حال الموت. والنّكتة في إدخال النّهي على الموت، إظهار أنّ الموت على غير الإسلام، كلا موت. والموت الحقيقيّ هو موت السّعداء. وهو الموت على الإسلام.

[وفي أصول الكافي(١) : عليّ بن إبراهيم، عن محمّد بن عيسى، عن يونس بن عبد الرّحمن، عن عبد الأعلى، عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام. قال: إنّ أبي استودعني ما هناك. فلمّا حضرته الوفاة، قال لي: «ادع لي شهودا.» فدعوت له أربعة من قريش.

فيهم نافع مولى عبد الله بن عمر.

قال: اكتب! هذا ما أوصى به يعقوب بنيه: يا بنيّ إنّ الله اصطفى لكم الدّين.

فلا تموتنّ إلّا وأنتم مسلمون. وأوصى محمّد بن عليّ، إلى جعفر بن محمّد أمره، أن يكفّنه في برده الّذي كان يصلّي فيه الجمعة. (الحديث).

وفي كتاب كمال الدّين وتمام النّعمة(٢) ، بإسناده إلى محمّد بن الفضل، عن أبي حمزة الثّماليّ، عن أبي جعفر محمّد بن عليّ الباقر ـ عليهما السّلام. حديث طويل. ذكره في باب اتّصال الوصيّة من لدن آدم ـ عليه السّلام. يقول فيه ـ عليه السّلام: وقال الله ـ عزّ وجلّ(٣) :( وَوَصَّى بِها إِبْراهِيمُ بَنِيهِ وَيَعْقُوبُ ) وقوله(٤) :( وَوَهَبْنا لَهُ إِسْحاقَ وَيَعْقُوبَ كُلًّا هَدَيْنا ) لنجعلها في أهل بيته( وَنُوحاً هَدَيْنا مِنْ قَبْلُ ) لنجعلها في أهل بيته.

وفي شرح الآيات الباهرة(٥) : روي صاحب شرح الأخبار، بإسناد يرفعه. قال: قال أبو جعفر الباقر ـ عليه السّلام ـ في قوله ـ عزّ وجلّ ـ( وَوَصَّى بِها إِبْراهِيمُ بَنِيهِ وَيَعْقُوبُ، يا بَنِيَّ إِنَّ اللهَ اصْطَفى لَكُمُ الدِّينَ. فَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ ) بولاية عليّ ـ عليه السّلام.

ويؤيّده ما رواه الشّيخ محمّد بن يعقوب الكليني ـ رحمه الله(٦) ـ عن أحمد بن

__________________

(١) الكافي ١ / ٣٠٧، ح ٨.

(٢) كمال الدين وتمام النعمة ١ / ٢١٦، ح ٢.

(٣) البقرة / ١٢٧.

(٤) الانعام / ٨٤.

(٥) تأويل الآيات الباهرة، مخطوط / ٢٣.

(٦) نفس المصدر ونفس الموضع.

١٦٢

محمّد، عن الحسن بن محبوب، عن محمّد بن الفضيل، عن أبي الحسن الرّضا ـ عليه السّلام.

قال: ولاية عليّ مكتوبة في صحف الأنبياء. ولم يبعث الله نبيّا إلّا عرّفه نبوّة محمّد ووصيّه عليّ ـ صلوات الله عليهما].(١)

( أَمْ كُنْتُمْ ) :

«أم» هي المنقطعة. ومعنى الهمزة فيها الإنكار، أي: ما كنتم.

( شُهَداءَ ) : جمع شهيد. بمعنى الحاضر.

قيل(٢) : إنّ اليهود قالوا لرسول الله ـ صلّى الله عليه وآله: ألست تعلم أنّ يعقوب أوصى بنيه باليهوديّة يوم مات؟ فنزلت ردّا عليهم، أي: ما كنتم حاضرين.

( إِذْ حَضَرَ ) :

وقرئ حضر (بكسر الضّاد.) وهي لغة.

( يَعْقُوبَ الْمَوْتُ ) . فالخطاب لليهود.

وقيل(٣) : الخطاب للمؤمنين، يعني: ما شاهدتم ذلك.

وإنّ ما حصل لكم العلم به، من طريق الوحي.

( إِذْ قالَ لِبَنِيهِ ما تَعْبُدُونَ مِنْ بَعْدِي ) :

تقريرا لهم على التوحيد والإسلام.

و «ما» عامّ في كلّ شيء. فإذا علم، فرّق «بما» و «من» ويمكن أن يقال:( ما تَعْبُدُونَ ) سؤال عن صفة المعبود، كما تقول: ما زيد تريد؟ أفقيه أم طبيب أم غير ذلك من الصّفات؟

( قالُوا نَعْبُدُ إِلهَكَ وَإِلهَ آبائِكَ ) :

وقرأ أبيّ بطرح آبائك. وقرئ أبيك، إمّا بالإفراد وكون إبراهيم وحده عطف بيان له، أو بالجمع بالياء والنّون.

( إِبْراهِيمَ وَإِسْماعِيلَ وَإِسْحاقَ ) :

عطف بيان لآبائك.

وعدّ إسماعيل من ابائه. لأنّ العرب تسمّي العمّ، أبا، كما تسمّي الخالة، أمّا ،

__________________

(١) ما بين المعقوفتين ليس في أ.

(٢) أنوار التنزيل ١ / ٨٣، باختلاف في بعض الألفاظ.

(٣) نفس المصدر ونفس الموضع.

١٦٣

لانخراطهم(١) في سلك واحد. وهو الأخوّة، ووجوب تعظيمها. وفي الحديث(٢) : عمّ الرّجل صنو أبيه، أي: لا تفاوت بينهما، كما لا تفاوت بين صنوي النّخلة.

( إِلهاً واحِداً ) :

بدل من «إله آبائك»، كقوله(٣) :( بِالنَّاصِيَةِ. ناصِيَةٍ كاذِبَةٍ ) ، أو على الاختصاص، أي: نريد بإله آبائك إلها واحدا.

( وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ ) (١٣٣) :

حال من فاعل «نعبد»، أو من مفعوله، لرجوع الهاء إليه في له.

ويجوز أن يكون جملة معطوفة على «نعبد»، وأن يكون جملة اعتراضيّة مؤكّدة إن جاز وقوع الاعتراض في الآخر، كما هو مذهب البعض، أي: ومن حالنا إنّا له مسلمون مخلصون بالتّوحيد، أو مذعنون.

وروى العيّاشيّ(٤) ، عن الباقر ـ عليه السّلام: أنّها جرت في القائم ـ عليه السّلام.

وقال بعضهم(٥) في توجيه الحديث: لعلّ مراده ـ عليه السّلام ـ إنها جارية في قائم آل محمّد: فكل قائم منهم يقول حين موته ذلك لبنيه ويجيبونه بما أجابوا به.

أقول: ويمكن أن يكون مراده ـ عليه السّلام ـ بكون الآية جارية في القائم ـ عليه السّلام ـ كون الوصيّة والتّقرير بالقائم ـ عليه السّلام ـ داخلين في وصيّة يعقوب وتقريره لبنيه، أي: وصّى بنيه وقرّرهم بالإقرار بالقائم ـ عليه السّلام ـ فيما أوصاه وقرّره.

ويؤيّد هذا التّوجيه ما كتبه صاحب نهج الإمامة، قال: روى صاحب شرح الأخبار، بإسناده يرفعه. قال: قال أبو جعفر الباقر ـ عليه السّلام ـ في قوله ـ عزّ وجلّ ـ ووصّى بها إبراهيم بنيه ويعقوب يا بنيّ إنّ الله اصطفى لكم الدّين فلا تموتنّ إلّا وأنتم مسلمون بولاية عليّ ـ عليه السّلام. [على ما مرّ في شرح الآيات الباهرة].(٦)

( تِلْكَ ) أي: الأمّة المذكورة الّتي هي إبراهيم ويعقوب وبنوهما والموحّدون،( أُمَّةٌ قَدْ خَلَتْ ) : قد مضت.

( لَها ما كَسَبَتْ ) : لا ينفعهم إلّا ما كسبوا من أعمال الخير.

__________________

(١) أ: لانحزاطهما. وهو الظاهر.

(٢) الكشّاف ١ / ١٩٣.

(٣) العلق / ١٦.

(٤) تفسير العيّاشي ١ / ٦١، ح ١٠٢.

(٥) هو الفيض الكاشاني في تفسير الصافي ١ / ١٩٢.

(٦) ليس في أ.

١٦٤

( وَلَكُمْ ما كَسَبْتُمْ ) : لا ينفعكم إلّا ما كسبتم منها.

( وَلا تُسْئَلُونَ عَمَّا كانُوا يَعْمَلُونَ ) (١٣٤): لا تؤاخذون بسيّئاتهم(١) ، كما لا تثابون بحسناتهم.

والمقصود نفي الافتخار(٢) بالأوائل ونحوقول رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله(٣) : يا بني هاشم! لا يأتي النّاس بأعمالهم وتأتوني(٤) بأنسابكم.

( وَقالُوا كُونُوا هُوداً أَوْ نَصارى تَهْتَدُوا ) ، أي: قالت اليهود: كونوا هودا، تهتدوا.

وقالت النصارى: كونوا نصارى، تهتدوا.

( قُلْ بَلْ مِلَّةَ إِبْراهِيمَ ) ، اي: بل نكون(٥) ملّة إبراهيم، أي: أهل ملّته.

وقيل(٦) : بل نتّبع ملّة إبراهيم. وقرئ بالرّفع، أي: ملّته ملّتنا، أو أمرنا ملّته، أو نحن ملّته، بمعنى أهل ملّته.

( حَنِيفاً ) : حال من المضاف إليه، كقولك: رأيت وجه هند قائمة.

«والحنيف»: المائل من كلّ دين باطل، إلى دين الحقّ. و «الحنف»: الميل في القدمين. و «تحنّف»، إذا مال.

روى العيّاشيّ(٧) ، عن الصّادق ـ عليه السّلام ـ قال: الحنيفيّة، هي الإسلام.

وعن الباقر ـ عليه السّلام(٨) ـ قال: ما أبقت الحنيفيّة شيئا حتّى أنّ منها قصّ الشّارب وقلم الأظفار والختان.

( وَما كانَ ) إبراهيم،( مِنَ الْمُشْرِكِينَ ) (١٣٥): تعريض بأهل الكتاب وغيرهم. لأنّ كلّا منهم يدّعي اتّباع إبراهيم. وهو على الشّرك.

( قُولُوا آمَنَّا بِاللهِ ) : خطاب بالكافرين، أي: قولوا لتكونوا على الحقّ. وإلّا فأنتم على الباطل. وكذا قوله( بَلْ مِلَّةَ إِبْراهِيمَ ) يجوز أن يكون على معنى «بل اتّبعوا أنتم ملّة إبراهيم وكونوا أهل ملّته». والأظهر أنّ الخطاب للمؤمنين.

__________________

(١) أ: بشأنهم.

(٢) أ: الأنهار.

(٣) الكشاف ١ / ١٩٤.

(٤) أ: فأتونا. ر: تأتونا.

(٥) أ: تكون.

(٦) أنوار التنزيل ١ / ٨٤.

(٧) تفسير العياشي ١ / ٦١، ح ١٠٣.

(٨) نفس المصدر ونفس الموضع، ح ١٠٤.

١٦٥

ويؤيّده ما نرويه في تأويله. وهوما رواه محمّد بن يعقوب(١) ، عن محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد، عن الحسن بن محبوب، عن محمّد بن النّعمان، عن سلام بن عمرة، عن أبي جعفر ـ عليه السّلام ـ في قوله ـ عزّ وجلّ(٢) ـ( قُولُوا آمَنَّا بِاللهِ وَما أُنْزِلَ إِلَيْنا ) قال: إنّما عنى بذلك عليّا وفاطمة والحسن والحسين ـ عليهم السّلام. وجرت بعدهم في الأئمّة.

ثمّ رجع(٣) القول من الله في النّاس. فقال:( فَإِنْ آمَنُوا ) ، يعني: النّاس( بِمِثْلِ ما آمَنْتُمْ بِهِ ) ، يعني: عليّا وفاطمة والحسن والحسين ـ عليهم السّلام ـ والأئمّة،( فَقَدِ اهْتَدَوْا. وَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّما هُمْ فِي شِقاقٍ ) ، يعني: النّاس. (انتهى).

ومعناه أنّ الله سبحانه أمر الأئمّة ـ صلوات الله عليهم ـ أن يقولوا آمنا بالله (وما بعدها) لأنّهم المؤمنون بما أمروا به حقّا وصدقا. ثمّ قال مخاطبا للأئمّة، يعني: النّاس:( فَإِنْ آمَنُوا بِمِثْلِ ما آمَنْتُمْ بِهِ فَقَدِ اهْتَدَوْا ) بكم وبما آمنتم به.( وَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّما هُمْ فِي شِقاقٍ ) ومنازعة ومحاربة لك، يا محمّد!( فَسَيَكْفِيكَهُمُ اللهُ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ ) .

( وَما أُنْزِلَ إِلَيْنا ) وهو القرآن.

( وَما أُنْزِلَ إِلى إِبْراهِيمَ وَإِسْماعِيلَ وَإِسْحاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْباطِ ) : جمع سبط. وهو الحافد. وهم حفدة يعقوب، ذراريّ أبنائه الاثني عشر.

روى العيّاشيّ(٤) ، عن الباقر ـ عليه السّلام ـ أنّه سئل: هل كان ولد يعقوب أنبياء؟

قال: لا! ولكنّهم كانوا أسباطا أولاد الأنبياء(٥) . لم(٦) يكونوا يفارقوا(٧) الدّنيا إلّا سعداء. تابوا وتذكّروا ما صنعوا.

والمراد بما أنزل على هؤلاء الصّحف.

( وَما أُوتِيَ مُوسى وَعِيسى ) : التوراة والإنجيل،( وَما أُوتِيَ النَّبِيُّونَ ) : جملة المذكورين وغيرهم،( مِنْ رَبِّهِمْ ) : متعلّق بالإيتاء. وكلمة «من»، ابتدائيّة.

__________________

(١) الكافي ١ / ٤١٥، ح ١٩.

(٢) البقرة / ١٣٦.

(٣) المصدر: يرجع.

(٤) تفسير العياشي ١ / ٦٢، ح ١٠٦.

(٥) أ: الأبناء.

(٦) أ: كم.

(٧) أ: يشارع.

١٦٦

( لا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ ) : لا نؤمن ببعض ونكفر ببعض، كما فعلت اليهود والنّصارى، ولوقوع أحد في سياق النّفي وعمومه أضيف إليه «بين». وقيل(١) : لأنّه في معنى الجماعة.

( وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ ) (١٣٦): منقادون في جميع ما أمر به ونهى عنه.

وفي الخصال(٢) ، فيما علّم أمير المؤمنين ـ عليه السّلام ـ أصحابه: إذا قرأتم «( قُولُوا آمَنَّا ) فقولوا: أمنا «إلى قوله» مسلمون.

وفي الفقيه(٣) ، في وصاياه لابنه محمّد بن الحنفيّة: وفرض على اللّسان الإقرار والتعبير [عن القلب](٤) بما عقد عليه. فقال ـ عزّ وجلّ:( قُولُوا آمَنَّا بِاللهِ وَما أُنْزِلَ إِلَيْنا ) .

(الآية.)( فَإِنْ آمَنُوا ) ، أي: سائر النّاس،( بِمِثْلِ ما آمَنْتُمْ بِهِ ) من باب التّبكيت. لأنّ دين الحقّ واحد. لا مثل له. ولو فرض أنّهم حصلوا دينا آخر، مثل دينكم في الصّحّة والسّداد، فقد اهتدوا. ونظيره قولك للرّجل الّذي تشير عليه: هذا هو الرّأي الصّواب. فإن كان عندك رأي أصوب منه. فاعمل به. وقد علمت أنّه لا أصوب من رأيك. والمراد تبكيته.

ويجوز أن يكون الباء، للاستعانة، أي: فإن دخلوا في الإيمان بشهادة مثل شهادتكم الّتي آمنتم بها، أو المثل مقحم كما في قوله(٥) :( وَشَهِدَ شاهِدٌ مِنْ بَنِي إِسْرائِيلَ عَلى مِثْلِهِ ) ، أي: عليه.

وقرئ بحذفه. وقرأ أبيّ: بالّذي آمنتم به.

( فَقَدِ اهْتَدَوْا ) إلى الحقّ.

( وَإِنْ تَوَلَّوْا ) عمّا أنتم عليه،( فَإِنَّما هُمْ فِي شِقاقٍ ) : في كفر، على ما رواه الطّبرسيّ، عن الصّادق ـ عليه السّلام(٦) .

وأصله المخالفة والمناوأة. فإنّ كلّ واحد من المتخالفين، في شقّ غير شقّ الآخر.

__________________

(١) مجمع البيان ١ / ٢١٧.

(٢) الخصال ٢ / ٦٢٩، ح ٤٠٠.

(٣) من لا يحضره الفقيه ٢ / ٣٨٢.

(٤) يوجد في المصدر.

(٥) الأحقاف / ١٠.

(٦) مجمع البيان ١ / ٢١٨.

١٦٧

( فَسَيَكْفِيكَهُمُ اللهُ ) : تسلية للمؤمنين. ووعد لهم بالحفظ والنّصر.

( وَهُوَ السَّمِيعُ ) لأقوالكم،( الْعَلِيمُ ) (١٣٧) بنيّاتكم.

( صِبْغَةَ اللهِ ) :

مصدر منتصب عن قوله «آمنا به». وهي فعلة من صبغ، كالجلسة من جلس.

وهي الحالة الّتي يقع عليها الصّبغ.

والمعنى: تطهير الله. لأنّ الإيمان يطهّر النّفوس.

والأصل فيه أنّ النّصارى كانوا يغمسون أولادهم في ماء أصفر. يسمّونه المعموديّة.(١) ويقولون هو تطهير لهم. فإذا فعل الواحد منهم بولده ذلك، قال الآن صار نصرانيّا حقّا. فأمر المسلمون بأن يقولوا لهم: قولوا آمنا. وصبَغَنا الله بالإيمان، صبغةً لا مثل صبْغَتَنا. وطهّرنا به لا مثْل تطهيرنا، أو يقولوا أصبَغَنا الله بالإيمان صبغته ولم يصبغ صبغتكم.

فهو من باب المشاكلة. كما تقول لمن يغرس الأشجار: أغرس كما يغرس فلان. تريد رجلا يصطنع الكرام.(٢) [( وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللهِ صِبْغَةً ) : لا أحسن من صبغته.

وفي كتاب معاني الأخبار(٣) : أبي ـ رحمه الله ـ قال: حدّثنا سعد بن عبد الله، عن أحمد بن محمّد، عن أبيه، عن فضالة، عن أبان، عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ في قول الله( صِبْغَةَ اللهِ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللهِ صِبْغَةً ) ، فقال: هي الإسلام.

وفي اصول الكافي(٤) ، بإسناده إلى عبد الرّحمن بن كثير، عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ في قوله( صِبْغَةَ اللهِ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللهِ صِبْغَةً ) ، قال: صبَغ المؤمنين بالولاية في الميثاق.

وبإسناده. إلى أبي عبد الله ـ عليه السّلام(٥) ـ في الحسن، في قول الله ـ عزّ وجلّ ـ( صِبْغَةَ اللهِ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللهِ صِبْغَةً ) ، قال: الإسلام.

__________________

(١) كذا في أ. وفي الأصل ور: العمودية.

(٢) يوجد في أ: بعد هذه العبارة: «وفسّرها الصادق ـ عليه السّلام ـ بالإسلام.» وهي مشطوب في الأصل.

(٣) معاني الأخبار / ١٨١، ح ١.

(٤) الكافي ١ / ٤٢٢، ح ٥٣.

(٥) نفس المصدر ٢ / ١٤، ح ١.

١٦٨

حميد بن زياد(١) ، عن الحسن بن محمّد بن سماعة، عن غير واحد، عن أبان، عن محمّد بن مسلم، عن أحدهما ـ عليهما السّلام ـ في قول الله ـ عزّ وجلّ ـ( صِبْغَةَ اللهِ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللهِ صِبْغَةً ) قال: الصّبغة هي الإسلام.

والحديثان طويلان. أخذت منهما موضع الحاجة.

وبإسناده(٢) إلى حمران، عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ في قول الله( صِبْغَةَ اللهِ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللهِ صِبْغَةً ) قال: الصّبغة هي الإسلام].(٣)

وفي شرح الآيات الباهرة: وروى الشيخ محمّد بن يعقوب(٤) ، عن محمد بن يحيى، عن سلمة بن الخطّاب، عن عليّ بن حسّان، عن عبد الرّحمن بن كثير، عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ في قوله ـ عزّ وجلّ ـ( صِبْغَةَ اللهِ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللهِ صِبْغَةً ) قال صبغ المؤمنين(٥) بالولاية في الميثاق.

وأقول: يظهر من تلك الأخبار(٦) ، أنّ الإسلام لا يتحقّق بدون الولاية. وقد ذكرنا لك مرارا، ما يدلّك على هذا.

( وَنَحْنُ لَهُ عابِدُونَ ) (١٣٨) :

معطوف على( آمَنَّا بِاللهِ ) وتعريض بهم، أي: لا نشرك به كشرككم.

وقيل(٧) :( صِبْغَةَ اللهِ ) ، بدل من( مِلَّةِ إِبْراهِيمَ ) ، أو نصب على الإغراء. بمعنى: عليكم صبغة الله. ويردّهما هذا العطف، للزوم فكّ(٨) النّظم وإخراج الكلام عن التئامه.

( قُلْ أَتُحَاجُّونَنا فِي اللهِ ) :

قرئ: أتحاجّونا (بإدغام النّون)، يعني: تحاجّونا في شأن الله واصطفائه النّبيّ من العرب دونكم؟ وتقولون: لو أنزل الله على أحد، لأنزل علينا. لأنّا أهل الكتاب والعرب عبدة الأوثان. ونحن أسبق في النّبوّة. لأنّ الأنبياء كلّهم كانوا منّا.

( وَهُوَ رَبُّنا وَرَبُّكُمْ ) لا اختصاص له بقوم دون قوم. يصيب برحمته من يشاء.

( وَلَنا أَعْمالُنا وَلَكُمْ أَعْمالُكُمْ ) فلا يبعد أن يكرمنا بأعمالنا.

__________________

(١) نفس المصدر ونفس الموضع، ح ٣.

(٢) نفس المصدر ونفس الموضع، ح ٢.

(٣) ما بين المعقوفتين ليس في أ.

(٤) الكافي ١ / ٤٢٢، ح ٥٣.

(٥) كذا في المصدر. وفي النسخ: المؤمنون.

(٦) أ: الخبرين.

(٧) مجمع البيان ١ / ٢١٩، باختلاف في اللفظ.

(٨) أ: قلت.

١٦٩

( وَنَحْنُ لَهُ مُخْلِصُونَ ) (١٣٩): موحّدون. نخلصه بالإيمان والطّاعة، دونكم.

والحاصل، أنّ إعطاء الكرامة إمّا بالتّفضّل وكونه ربّا، أو بالعمل، أو بالإخلاص. والأوّلان مشتركان بيننا وبينكم. والأخير مختصّ بنا. فدعواكم الأحقّيّة، ساقطة. لا وجه لها. بل نحن أحقّ.

( أَمْ تَقُولُونَ ) : يحتمل على قراءة التّاء، أن تكون «أم»، معادلة للهمزة، في «أتحاجّوننا» بمعنى أي الأمرين تأتون المحاجّة في حكم الله؟ أم ادّعاء اليهوديّة والنّصرانيّة على الأنبياء؟ والمقصود إنكارهما والتّوبيخ عليهما معا. وأن تكون منقطعة بمعنى «بل أتقولون».

والهمزة على قراءة الياء، لا تكون إلّا منقطعة.

( إِنَّ إِبْراهِيمَ وَإِسْماعِيلَ وَإِسْحاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْباطَ كانُوا هُوداً أَوْ نَصارى ) ولم يكونوا مسلمين؟

( قُلْ أَأَنْتُمْ أَعْلَمُ أَمِ اللهُ ) وأنّه شهد لهم بالإسلام، في قوله(١) ( ما كانَ إِبْراهِيمُ يَهُودِيًّا وَلا نَصْرانِيًّا وَلكِنْ كانَ حَنِيفاً مُسْلِماً ) .

( وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ كَتَمَ شَهادَةً عِنْدَهُ مِنَ اللهِ ) ، أي: شهادة الله لإبراهيم بالحنيفيّة.

و «من» فيه، كما في قولك: «هذه شهادة منّي لفلان»، إذا شهدت له.

والمعنى أنّ أهل الكتاب، لا أحد أظلم منهم. لأنّهم كتموا هذه الشّهادة وهم عالمون بها. أو أنّا لو كتمنا هذه الشّهادة، لم يكن أحد أظلم منّا. فلا نكتمها. أو الأعمّ من المعنيين. وفي الأخيرين تعريض بكتمانهم شهادة الله لمحمّد ـ عليه السّلام ـ بالنّبوّة، في كتبهم.

والآية تدلّ على كفر من كتم شهادة الله بالولاية، وعلى كفر أهل الخلاف.

تقريره أنّ نصّ النّبيّ على شيء، شهادة الله عليه. فكتمان نصّ النّبيّ، كتمان شهادة الله وكتمان شهادة الله، أشدّ الظّلم. فهو إمّا الكفر، أو أشدّ منه. وعلى كلا التّقديرين، يلزم المدّعي. ويدلّ عليه – أيضا ـ ما رواه في الفقيه(٢) ، عن الحسن بن محبوب [عن أبى أيّوب ،](٣) عن محمّد بن مسلم، عن أبي جعفر ـ عليه السّلام ـ في أثناء خبر. قال :

__________________

(١) آل عمران / ٦٧.

(٢) من لا يحضره الفقيه ٤ / ٧٦، ح ٢٣٦.

(٣) يوجد في المصدر.

١٧٠

فقلت له: أرأيت من جحد الإمام منكم ما له(١) ؟

فقال: من جحد اماما من الله(٢) وبرئ منه ومن دينه، فهو كافر مرتدّ عن الإسلام.

لأنّ الإمام من الله ودينه دين الله. ومن برئ من دين الله، فهو كافر. ودمه مباح في تلك الحال، إلّا أن يرجع ويتوب إلى الله ـ عزّ وجلّ ـ ممّا قال.

[وفي عيون الأخبار(٣) ، بإسناده إلى أبي الحسن موسى ـ عليه السّلام ـ حديث طويل، يقول فيه: وإن سئلت عن الشّهادة فأدّها. فإنّ الله ـ تبارك وتعالى ـ يقول:( إِنَّ اللهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَماناتِ إِلى أَهْلِها ) . وقال الله ـ عزّ وجلّ:( وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ كَتَمَ شَهادَةً عِنْدَهُ مِنَ اللهِ ) ].(٤)

( وَمَا اللهُ بِغافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ ) (١٤٠): وعيد لهم. وقرئ بالتّاء.

( تِلْكَ أُمَّةٌ قَدْ خَلَتْ لَها ما كَسَبَتْ وَلَكُمْ ما كَسَبْتُمْ وَلا تُسْئَلُونَ عَمَّا كانُوا يَعْمَلُونَ ) (١٤١): قيل(٥) : التّكرير للمبالغة في التّحذير، والزّجر عمّا استحكم في الطّبائع، من الافتخار بالآباء والاتّكال عليهم، أو الخطاب فيما سبق لهم. وفي هذه الآية لنا، تحذيرا عن الاقتداء بهم، أو المراد بالأمّة في الأوّل، الأنبياء، وفي الثّاني، أسلاف اليهود والنّصارى.

( سَيَقُولُ السُّفَهاءُ مِنَ النَّاسِ ) الّذين خفّ أحلامهم واستمهنوها بالتّقليد والإعراض عن النّظر ـ يريد المنكرين لتغيير القبلة من المنافقين واليهود والمشركين.

وفائدة تقديم الإخبار، توطين النّفس وإعداد الجواب. وفي المثل قبل الرّمي يراش السّهم.

( ما وَلَّاهُمْ ) : ما صرفهم،( عَنْ قِبْلَتِهِمُ الَّتِي كانُوا عَلَيْها ) وهي بيت المقدس.

( قُلْ لِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ ) : بلاد المشرق والمغرب(٦) ، أو الأرض كلّها.

( يَهْدِي مَنْ يَشاءُ إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ ) (١٤٢): وهي ما توجبه الحكمة والمصلحة، من توجيههم تارة إلى بيت المقدس وأخرى إلى الكعبة.

__________________

(١) المصدر: ما حاله له. أ: ما حاله.

(٢) المصدر: برئ من الله.

(٣) عيون أخبار الرضا ١ / ٢٥ ،

(٤) ما بين المعقوفتين ليس في أ.

(٥) أنوار التنزيل ١ / ٨٦.

(٦) أ: الشرق والغرب.

١٧١

وفي تفسير الإمام ـ عليه السّلام(١) ـ عند قوله ـ عزّ وجلّ ـ( ما نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنْسِها ) وفي الاحتجاج(٢) عنه ـ عليه السّلام ـ أيضا. قال: لـمّا كان رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ بمكّة، أمره الله ـ عزّ وجلّ ـ أن يتوجّه نحو بيت المقدس، في صلاته ويجعل الكعبة بينه وبينها، إذا أمكن، وإذا لم يمكن، استقبل بيت المقدس، كيف كان. وكان رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ يفعل ذلك، طول مقامه بها ثلاث عشرة سنة. فلمّا كان بالمدينة وكان متعبّدا(٣) باستقبال بيت المقدس استقبله وانحرف عن الكعبة سبعة عشر شهرا(٤) .

وجعل قوم من مردة اليهود يقولون: والله ما يدري(٥) محمّد كيف صلّى(٦) حتّى يتوجّه(٧) إلى قبلتنا في صلاته بهدينا ونسكنا؟

فاشتدّ ذلك على رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ لما اتّصل به عنهم. وكره قبلتهم. وأحبّ الكعبة. فجاءه جبرئيل ـ عليه السّلام ـ فقال له رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله: يا جبرئيل! لوددت لو صرفني الله عن بيت المقدس، إلى الكعبة. ولقد(٨) تأذّيت(٩) بما يتّصل بي من قبل اليهود، من قبلتهم.

فقال جبرئيل ـ عليه السّلام: فسل(١٠) ربّك أن يحوّلك إليها. فإنّه لا يردّك عن طلبتك، ولا يخيّبك من بغيتك.

فلمّا استتمّ(١١) دعاءه، صعد جبرئيل ـ عليه السّلام. ثمّ عاد من ساعته. فقال: اقرأ، يا محمّد!( قَدْ نَرى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّماءِ ) . (الآيات).

فقالت اليهود عند ذلك: ما ولّاهم عن قبلتهم الّتي كانوا عليها؟

فأجابهم الله بأحسن جواب. فقال:( قُلْ لِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ ) وهو يملكهما.

وتكليفه التّحوّل(١٢) إلى جانب، كتحويله لكم إلى جانب آخر.

__________________

(١) ر: تفسير العسكري / ٢٢٥ ـ ٢٢٧.

(٢) الاحتجاج ١ / ٤٣.

(٣) «وكان متعبدا» ليس في أ.

(٤) أ: وكان متعبدا سبعة عشر شهرا. المصدر: سبعة عشر شهرا أو سنة عشر شهرا.

(٥) المصدر: درى.

(٦) المصدر: يصلى. وهو الظاهر.

(٧) أ: حتى صار يتوجه.

(٨) المصدر: فقد. وهو الظاهر.

(٩) أ: ناديت.

(١٠) المصدر فاسأل.

(١١) أ: استقيم.

(١٢) المصدر: التحويل. وهو الظاهر.

١٧٢

( يَهْدِي مَنْ يَشاءُ إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ ) هو مصلحهم(١) ومؤدّيهم بطاعته(٢) إلى جنّات النعيم.

وجاء(٣) قوم من اليهود إلى رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ فقالوا: يا محمّد! هذه القبلة بيت المقدس. قد صلّيت إليها أربع عشرة سنة. ثمّ تركتها(٤) . أفحقّا كان ما كنت عليه، فقد تركته إلى باطل؟ فإنّ ما يخالف الحق فهو(٥) باطل. أو كان(٦) باطلا(٧) ، فقد كنت عليه طول [هذه](٨) المدّة؟ فما(٩) يؤمننا أن تكون الآن على باطل.

فقال رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله: بل ذلك كان حقّا. وهذا حقّ يقول الله تعالى:( قُلْ لِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ. يَهْدِي مَنْ يَشاءُ إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ ) وإذا عرف صلاحكم، يا أيّها العباد! في استقبال(١٠) المشرق أمركم به، وإذا عرف صلاحكم في استقبال المغرب أمركم به، وإن(١١) عرف صلاحكم في غيرهما، أمركم به. فلا تنكروا تدبير الله تعالى في عباده وقصده إلى مصالحكم.

ثمّ قال لهم(١٢) رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله: لقد تركتم العمل يوم السّبت. ثمّ عملتم به في سائر الأيام(١٣) . ثمّ تركتموه في السّبت. ثمّ عملتم بعده. أفتركتم الحقّ إلى باطل؟

أو الباطل إلى حقّ؟ او الباطل إلى باطل؟ أو الحقّ إلى الحقّ؟ قولوا: كيف شئتم؟ فهو قول محمّد وجوابه لكم.

قالوا: بل ترك العمل في السّبت، حقّ. والعمل بعده، حقّ.

فقال رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله: فكذلك قبلة بيت المقدس في وقته، حقّ.

ثمّ قبلة الكعبة في وقتها، حقّ.

فقالوا: يا محمّد! فبدا(١٤) لربّك فيما كان أمرك به بزعمك من الصّلاة إلى بيت المقدس، حين نقلك إلى الكعبة؟

__________________

(١) أور: مصلحتهم.

(٢) المصدر: وهو أعلم بمصلحتهم وتؤدّيهم طاعتهم.

(٣) المصدر: قال أبو محمد: وجاء.

(٤) المصدر: تركتها الآن.

(٥ و ٦ و ١٢) ليس في المصدر.

(٧) المصدر: باطلا كان ذلك.

(٨) يوجد في المصدر.

(٩) أ: فلا يؤمننا.

(١٠) المصدر: استقبالكم.

(١١) ر: وإذا.

(١٣) المصدر: ثم عملتم بعده سائر الأيّام.

(١٤) المصدر: أفبدا. وهو الظاهر.

١٧٣

فقال رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله: ما بدا له عن ذلك. فإنّه العالم بالعواقب والقادر على المصالح. لا يستدرك على نفسه. غلطا. ولا يستحدث رأيا، بخلاف المتقدّم.

جلّ عن ذلك. ولا يقع عليه ـ أيضا ـ مانع يمنعه عن(١) مراده. وليس يبدو إلّا لمن كان هذا صفته(٢) . وهو ـ عزّ وجلّ ـ يتعالى عن هذه الصّفات، علوّا كبيرا.

ثمّ قال لهم رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله: أيها اليهود! أخبروني عن الله، أليس يمرض ثمّ يصحّ ويصحّ ثمّ يمرض؟ أبدا له في ذلك؟ أليس يحيي ويميت؟ أبدا له في كلّ واحد من ذلك؟

قالوا: لا! قال: فكذلك الله تعبّد نبيّه محمّدا بالصّلاة إلى الكعبة، بعد أن كان تعبّد بالصّلاة إلى بيت المقدس. وما بدا له في الأوّل.

[ثم](٣) قال: أليس الله يأتي بالشّتاء في أثر الصّيف والصّيف بعد الشّتاء(٤) ؟ أبدا له في كلّ واحد من ذلك؟

قالوا: لا! قال: فكذلك لم يبد له في القبلة.

ثمّ قال: أليس قد ألزمكم في الشّتاء أن تحترزوا من البرد بالثّياب الغليظة، وألزمكم في الصّيف [أن تحترزوا من الحرّ. فبدا له في الصّيف](٥) حتى(٦) أمركم بخلاف ما كان أمركم به في الشّتاء؟

قالوا: لا! فقال رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله: فكذلكم الله في(٧) تعبّدكم في وقت، لصلاح يعلمه بشيء. ثم تعبده(٨) في وقت آخر، لصلاح آخر(٩) ، يعلمه بشيء اخر فإذا أطعتم الله في الحالين استحققتم ثوابه. وأنزل(١٠) الله( وَلِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ. فَأَيْنَما تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللهِ )

__________________

(١) المصدر: من.

(٢) أ: صفته. المصدر: وصفه.

(٣) يوجد في المصدر.

(٤) والصيف في أثر الشتاء.

(٥) ليس في أ.

(٦) المصدر: حين. وهو الظاهر.

(٧) ليس في ر والمصدر.

(٨) المصدر: تعبّدكم. وهو الظاهر.

(٩) ليس في المصدر.

(١٠) المصدر: فأنزل.

١٧٤

إذا(١) توجّهتم بأمره، فثمّ الوجه الّذي تقصدون منه الله وتأملون ثوابه.

ثمّ قال رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله: يا عباد الله! أنتم المرضى(٢) والله ربّ العالمين كالطّبيب. وصلاح المريض(٣) فيما يعلمه الطّبيب ويدبّره. لا فيما يشتهيه(٤) ويقترحه.

ألا فسلّموا لله أمره، تكونوا من الفائزين (انتهى)

وهذا الخبر، كما تراه، يدل على نفي البداء لله تعالى.

وقد روى محمّد بن يعقوب(٥) ، عن عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن الرّيّان بن الصّلت. قال: سمعت الرّضا ـ عليه السّلام ـ يقول: ما بعث الله نبيّا إلّا بتحريم الخمر وأن يقرّ لله بالبداء.

فوقع(٦) التّنافي بين الخبرين.

وقد روى عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ أنّه قال(٧) : «لو علم النّاس ما في القول بالبداء من الأجر، ما فتروا(٨) عن الكلام فيه.»

فينبغي التّكلّم في الجمع بين الخبرين :

فأقول: البداء له معنيان :

الأوّل ـ أن يبدو له رأي غير الرّأي الأوّل لمفسدة في الرّأي الأوّل، أو لمحمدة في الرّأي الثّاني، لم يعلم به سابقا. وهو بهذا المعنى، منفيّ عنه تعالى عن ذلك علوّا كبيرا.

وهو المراد في الخبر الأوّل.

والثّاني ـ أن يكون في علمه السّابق أنّ الصّلاح في وقت معيّن، في الفعل الفلانيّ. وإذا جاز ذلك الوقت، فالمصلحة في الشيء الفلاني. وكان في علمه السّابق تغيير(٩) ذلك الشيء، إذا جاء وقته. أو كان مقرّرا في علمه السّابق أنّ زيدا(١٠) إن لم يعمل بالخيرات، مات في وقت كذا، وإن عمل، مات في وقت بعده، مع علمه بوقوع أحدهما. لكن كان ذلك العلم مخزونا عنده، لا يبديه لأحد من ملائكته وأنبيائه وأئمّته. والبداء إنّما يكون بهذا المعنى.

__________________

(١) المصدر: يعنى إذا.

(٢) المصدر: كالمرضى. وهو الظاهر.

(٣) المصدر: فصلاح المرضى.

(٤) المصدر: ويدّبره به. لا فيما يشتهيه المريض.

(٥) الكافي ١ / ١٤٨، ح ١٥.

(٦) أ: فرفع.

(٧) نفس المصدر ونفس الموضع، ح ١٢.

(٨) أ: ما قروا ر: وما مروا.

(٩) بغير.

(١٠) أ: أنّ الصلاح في وقت معيّن في الفعل الفلاني أنّ زيدا.

١٧٥

فالبداء في الحقيقة في علم الملك أو النّبيّ أو الإمام، بمعنى الظّهور، لأحدهم، غير ما ظهر لهم أوّلا، لا في علمه تعالى بذلك المعنى. وهو المراد حيث أثبت له البداء ـ تعالى الله عمّا يقول الظّالمون.

يؤيّد هذا المعنى مارواه محمّد بن يعقوب(١) ، عن محمّد بن إسماعيل، عن الفضل بن شاذان، عن حمّاد بن عيسى، عن ربعي بن عبد الله، عن الفضيل بن يسار. قال: سمعت أبو جعفر ـ عليه السّلام ـ يقول: العلم علمان: فعلم عند الله مخزون. لم يطّلع عليه أحد من خلقه. وعلم علّمه ملائكته ورسله. فما علّمه ملائكته ورسله، فإنّه سيكون لا يكذّب نفسه ولا ملائكته ولا رسله. وعلم عنده مخزون، يقدّم منه ما يشاء ويثبت ما يشاء.

وأيضا، قد روى عن الصّادق ـ عليه السّلام(٢) ـ أنّه قال: إنّ لله علمين: علم مكنون مخزون لا يعلمه إلّا هو. من ذلك يكون البداء وعلم علّمه ملائكته ورسله وأنبياءه فنحن نعلمه.

( وَكَذلِكَ جَعَلْناكُمْ أُمَّةً ) ، أي: مثل ذلك الجعل العجيب، جعلناكم أمّة.

وروى الصّدوق، يعني: أئمّة(٣) .

( وَسَطاً ) ، أي: خيارا.

وقيل(٤) . للخيار وسط. لأنّ الاطراف يتسارع إليها الخلل.

وقال الصّدوق(٥) : أي: عدلا وواسطة بين الرّسول والنّاس.

( لِتَكُونُوا شُهَداءَ عَلَى النَّاسِ ) ، يعني: يوم القيامة.

( وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيداً ) :

روى في التفاسير(٦) : أنّ الأمم يوم القيامة يجحدون تبليغ الأنبياء. فيطالب الله الأنبياء بالبيّنة على أنّهم قد بلغوا وهو أعلم. فيؤتى بأمّة محمّد ـ صلّى الله عليه وآله.

فيشهدون. فتقول الأمم: من أين عرفتم؟

فيقول علمنا ذلك بإخبار الله، في كتابه النّاطق، على لسان نبيّه الصّادق.

__________________

(١) الكافي ١ / ١٤٧، ح ٦.

(٢) نفس المصدر ونفس الموضع، ح ٨.

(٣) بل القمي في تفسيره ١ / ٦٣.

(٤) الكشاف ١ / ١٩٨.

(٥) بل القمي في تفسيره ١ / ٦٣.

(٦) ر. تفسير القمي ١ / ١٩١+ الكشاف ١ / ١٩٩+ نور الثقلين ١ / ٤٨٢.

١٧٦

فيؤتى بمحمّد ـ صلّى الله عليه وآله. فيسأل عن حال أمّته. فيزكيّهم. ويشهد بعدالتهم. وذلك قوله:( فَكَيْفَ إِذا جِئْنا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنا بِكَ عَلى هؤُلاءِ شَهِيداً ) .

[وفي كتاب بصائر الدّرجات(١) : عبد الله بن محمّد، عن إبراهيم بن محمّد الثّقفيّ.

قال: في كتاب بندار بن عاصم، عن الحلبيّ، عن هارون بن خارجة، عن أبي بصير، عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ في قول الله ـ تبارك وتعالى ـ( وَكَذلِكَ جَعَلْناكُمْ أُمَّةً وَسَطاً لِتَكُونُوا شُهَداءَ عَلَى النَّاسِ ) قال: نحن الشّهداء على النّاس، بما عندهم من الحلال والحرام، وبما صنعوا(٢) منه.

وفي أصول الكافي(٣) : الحسين بن محمّد، عن معلّى بن محمّد، عن الحسن(٤) بن عليّ الوشا، عن أحمد بن عائذ، عن عمر بن أذينة، عن يزيد العجليّ. قال: سألت أبا عبد الله ـ عليه السّلام ـ عن قول الله ـ عزّ وجلّ ـ( وَكَذلِكَ جَعَلْناكُمْ أُمَّةً وَسَطاً لِتَكُونُوا شُهَداءَ عَلَى النَّاسِ ) . فقال: نحن الأمّة الوسط. ونحن شهداء الله على خلقه وحجّته في أرضه.

عليّ بن إبراهيم(٥) ، عن أبيه، عن محمّد بن أبي عمير، عن ابن أذينة، عن يزيد العجليّ. قال: قلت لأبي جعفر ـ عليه السّلام ـ عن قول الله ـ تبارك وتعالى ـ( وَكَذلِكَ جَعَلْناكُمْ أُمَّةً وَسَطاً لِتَكُونُوا شُهَداءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيداً ) .

قال: نحن الأمّة الوسط].(٦) ونحن شهداء الله ـ تبارك وتعالى ـ على خلقه وحجته في أرضه وسمائه.

[والحديثان طويلان. أخذت منهما موضع الحاجة.

وبإسناده الى أبي جعفر ـ عليه السّلام ـ حديث طويل يقول فيه ـ عليه السّلام(٧) :](٨)

__________________

(١) بصائر الدرجات / ٨٢، ح ١.

(٢) المصدر: ضيعوا.

(٣) الكافي ١ / ١٩٠، ح ٢.

(٤) كذا في المصدر. وفي الأصل ور: الحسين.

(٥) نفس المصدر ١ / ١٩١، ح ٤.

(٦) ما بين المعقوفتين ليس في أ.

(٧) الكافي ١ / ٢٥١، ح ٧.

(٨) ما بين المعقوفتين ليس في أ. وفيه بعد «عليه السّلام» توجد عبارة. والظاهر زائدة. وهي: وفي حديث ليلة القدر عنه ـ عليه السّلام.

١٧٧

لقد قضى(١) أن لا يكون بين المؤمنين اختلاف. ولذلك جعلهم شهداء على الناس.

ليشهد محمّد ـ صلّى الله عليه وآله ـ علينا. ولنشهد على شيعتنا. وليشهد شيعتنا على الناس.

[وفي مجمع البيان(٢) ، بعد ان نقل رواية يزيد بن معاويه، قال وفي رواية أخرى قال: إلينا يرجع الغالي. وبنا يلحق المقصر.

وروى الحاكم أبو القاسم الحسكاني(٣) ، في كتاب شواهد التنزيل بقواعد التفضيل.

بإسناده عن سليم بن قيس الهلالي، عن عليّ ـ عليه السّلام: إنّ الله تعالى إيّانا عنى بقوله:( لِتَكُونُوا شُهَداءَ عَلَى النَّاسِ ) [ويكون الرسول عليكم شهيدا](٤) فرسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ شاهد علينا ونحن شهداء الله على خلقه. وحجّته في أرضه. ونحن الّذين قال الله تعالى:( وَكَذلِكَ جَعَلْناكُمْ أُمَّةً وَسَطاً ) .

وفي تفسير العيّاشيّ(٥) : عن أبي بصير. قال: سمعت أبا جعفر ـ عليه السّلام ـ يقول: نحن نمط الحجاز.

فقلت: وما نمط الحجاز؟

قال: أوسط الأنماط. إنّ الله يقول:( وَكَذلِكَ جَعَلْناكُمْ أُمَّةً وَسَطاً ) .» ثمّ قال: إلينا يرجع الغالي. وبنا يلحق المقصّر.

عن أبي عمرو الزّبيريّ(٦) عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام. قال: قال الله:( وَكَذلِكَ جَعَلْناكُمْ أُمَّةً وَسَطاً لِتَكُونُوا شُهَداءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيداً ) . فإن ظننت أنّ الله عنى بهذه الآية جميع أهل القبلة من الموحّدين، أفترى. إنّ من لا يجوز شهادته في الدّنيا على صاع من تمر، يطلب الله شهادته يوم القيامة ويقبلها منه بحضرة جميع الأمم الماضية؟ كلا لم يعن الله مثل هذا من خلقه، يعني: الأمّة الّتي وجبت لها دعوة إبراهيم:( كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ ) . وهم الأمّة الوسطى. وهم خير أمّة أخرجت للنّاس](٧)

[وفي كتاب المناقب، لابن شهر آشوب(٨) : أبو الورد، عن أبي جعفر

__________________

(١) أ: قضى الأمر.

(٢) مجمع البيان ١ / ٢٢٤.

(٣) نفس المصدر والموضع.

(٤) يوجد في أ.

(٥) تفسير العياشي ١ / ٦٣، ح ١١١.

(٦) نفس المصدر، ح ١١٤.

(٧) ما بين المعقوفتين ليس في أ. (٨) المناقب ٤ / ١٧٩.

١٧٨

ـ عليه السّلام ـ](١) ( لِتَكُونُوا شُهَداءَ عَلَى النَّاسِ ) [قال: نحن.

وفي رواية حمدان بن أعين(٢) ، عنه ـ عليه السّلام: إنّما أنزل الله:( وَكَذلِكَ جَعَلْناكُمْ أُمَّةً وَسَطاً ) ، يعني: عدولا( لِتَكُونُوا شُهَداءَ عَلَى النَّاسِ ) ](٣) ويكون الرسول شهيدا عليكم.» قال: ولا يكون شهداء على النّاس إلّا الأئمة ـ عليهم السّلام ـ والرسول. فاما الأمّة فانّه غير جائز أن يستشهدها الله وفيهم من لا تجوز شهادته في الدنيا على حزمة بقل.

[وفي تفسير فرات بن إبراهيم الكوفيّ(٤) ، قال: حدّثنا محمّد بن عليّ. قال: حدّثنا الحسن بن جعفر بن إسماعيل الأفطس. قال: حدّثنا أبو موسى المسرقانيّ(٥) عمران بن عبد الله. قال: حدّثنا عبد الله بن عبيد(٦) القادسيّ. قال حدّثنا: محمّد بن عليّ، عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ في قوله تعالى:( وَكَذلِكَ جَعَلْناكُمْ أُمَّةً وَسَطاً لِتَكُونُوا شُهَداءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيداً ) ، قال: نحن الأمّة الوسط. ونحن شهداء الله على خلقه وحجّته في أرضه].(٧)

( وَما جَعَلْنَا الْقِبْلَةَ الَّتِي كُنْتَ عَلَيْها ) : هي بيت المقدس، أي: غيّرناه إلى الكعبة.

وقيل(٨) : هي الكعبة. لأنّ رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ كان يصلّي بمكّة إلى الكعبة. ثمّ أمر بالصّلاة إلى صخرة بيت المقدس، بعد الهجرة، تآلفا لليهود. ثمّ حوّل الى الكعبة. وينافيه ما رويناه سابقا، من أنّه ـ عليه السّلام ـ كان يصلّي بمكّة إلى بيت المقدس.

( إِلَّا لِنَعْلَمَ مَنْ يَتَّبِعُ الرَّسُولَ مِمَّنْ يَنْقَلِبُ عَلى عَقِبَيْهِ ) : يرتدّ عن دينه، إلفا لقبلة آبائه.

وذلك أنّ هوى أهل المدينة كان في بيت المقدس. فأمرهم بمخالفه(٩) ليبيّن من يوافق محمّدا فيما يكرهه؟ وقال: «لنعلم.» ولم يزل عالما بذلك؟ إمّا لأنّ المراد ليعلم رسول الله

__________________

(١) ليس في أ.

(٢) نفس المصدر والموضع.

(٣) ليس في أ.

(٤) تفسير الفرات / ١٣.

(٥) المصدر: المرقانىّ.

(٦) المصدر: جيد.

(٧) ما بين المعقوفتين ليس في أ.

(٨) تفسير البحر المحيط ١ / ٤٢٣.

(٩) أ: بمخالفة. ولعل الصواب: بمخالفته.

١٧٩

والمؤمنون والإسناد إلى ذاته لأنّهم خواصّه. أو لأنّ المراد ليتميّز التّابع من النّاكص، بوضع العلم موضع التّميّز. لأنّ العلم يقع به التّميّز. أو لأنّ المراد لنعلم علما يتعلّق به الجزاء. وهو(١) أن يعلمه موجودا حاصلا. والأخير روى في التّفسير المنسوب إلى الإمام ـ عليه السّلام(٢) ـ وفي الاحتجاج(٣) ـ أيضا.

[وفي تهذيب الأحكام(٤) : الطّاطريّ، عن محمّد بن أبي حمزة، عن ابن مسكان، عن أبي بصير، عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام. قال: سألته عن قوله ـ عزّ وجلّ ـ( وَما جَعَلْنَا الْقِبْلَةَ الَّتِي كُنْتَ عَلَيْها إِلَّا لِنَعْلَمَ مَنْ يَتَّبِعُ الرَّسُولَ مِمَّنْ يَنْقَلِبُ عَلى عَقِبَيْهِ ) ، أمره به؟

قال: نعم! إنّ رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ كان يتقلّب(٥) وجهه في السّماء.

فعلم الله ـ عزّ وجلّ. ـ ما في نفسه. فقال:( قَدْ نَرى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّماءِ. فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضاها ) ](٦)

( وَإِنْ كانَتْ ) :

«إن» هي المخفّفة الّتي تلزمها الّلام الفارقة. والضّمير في «كانت» للصّلاة إلى بيت المقدس، أو لما دلّ عليه قوله «وما جعلنا القبلة» من الرّدّة، أو التّحويلة، أو الجعلة.

( لَكَبِيرَةً ) لثقلية شاقّة،( إِلَّا عَلَى الَّذِينَ هَدَى اللهُ ) وعرف أن الله يتعبّد بخلاف ما يريده المرء، ليبتلى طاعته في مخالفة هواه.

وفي الكشّاف(٧) ، أنّه يحكى عن الحجّاج، أنّه قال للحسن: ما رأيك في أبي تراب؟

فقرأ قوله.

( إِلَّا عَلَى الَّذِينَ هَدَى اللهُ ) ثمّ قال: وعليّ منهم وهو ابن عمّ رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله. وختنه على ابنته. وأقرب النّاس إليه، وأحبّهم.

[وفي كتاب الاحتجاج(٨) ، للطّبرسيّ ـ ره ـ متّصلا باخر الكلام السّابق، أعني :قوله ـ عليه السّلام ـ «وقصده إلى مصالحكم» فقيل: يا بن رسول الله! فلم أمر بالقبلة

__________________

(١) أ: الخبر او هو.

(٢) تفسير العسكري / ٢٢٧.

(٣) الاحتجاج ١ / ٤٥.

(٤) تهذيب الأحكام ٢ / ٤٣.

(٥) ر: تقلّب. المصدر: ينقلب.

(٦) ما بين المعقوفتين ليس في أ.

(٧) الكشاف ١ / ٢٠١. (٨) الاحتجاج ١ / ٤٦.

١٨٠

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

461

462

463

464

465

466

467

468

469

470

471

472

473

474

475

476

477

478

479

480

481

482

483

484

485

486

487

488

489

490

491

492

493