تفسير كنز الدّقائق وبحر الغرائب الجزء ٢

تفسير كنز الدّقائق وبحر الغرائب8%

تفسير كنز الدّقائق وبحر الغرائب مؤلف:
تصنيف: تفسير القرآن
الصفحات: 493

الجزء ١ الجزء ٢ الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥ الجزء ٦ الجزء ٧
  • البداية
  • السابق
  • 493 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 187821 / تحميل: 5863
الحجم الحجم الحجم
تفسير كنز الدّقائق وبحر الغرائب

تفسير كنز الدّقائق وبحر الغرائب الجزء ٢

مؤلف:
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة


1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

الأولى؟

فقال: لما قال ـ عزّ وجلّ:( وَما جَعَلْنَا الْقِبْلَةَ الَّتِي كُنْتَ عَلَيْها ) وهي بيت المقدّس،( إِلَّا لِنَعْلَمَ مَنْ يَتَّبِعُ الرَّسُولَ مِمَّنْ يَنْقَلِبُ عَلى عَقِبَيْهِ ) ، إلّا لنعلم ذلك منه وجودا، بعد أن علّمناه، سيوجد ذلك إنّ هوى أهل مكّة كان في الكعبة. فأراد الله أن يبيّن متّبع محمّد، فمن خالفه باتّباع القبلة الّتي كرهها. ومحمّد يأمر بها. ولمّا كان هوى أهل المدينة في بيت المقدس، أمره بمخالفتها والتّوجّه إلى الكعبة، ليبيّن من يوافق محمّد فيما يكرهه فهو يصدّقه ويوافقه. ثمّ قال:( وَإِنْ كانَتْ لَكَبِيرَةً إِلَّا عَلَى الَّذِينَ هَدَى اللهُ ) إنّما كان التّوجّه إلى بيت المقدس في ذلك الوقت، كبيرة إلّا على من يهدي الله. نعرف أنّ الله يتعبّد بخلاف ما يريده المرء، ليبتلي طاعته في مخالفة هواه.

والحديث طويل. أخذت منه موضع الحاجة].(١) ( وَما كانَ اللهُ لِيُضِيعَ إِيمانَكُمْ ) ، أي: صلاتكم.

روى العيّاشيّ(٢) ، عن الصّادق ـ عليه السّلام ـ أنّه سئل عن الإيمان، أقول هو وعمل؟ أم قول بلا عمل؟

فقال: الإيمان عمل كلّه، والقول بعض ذلك العمل المفترض من الله، مبيّن في كتابه، واضح نوره، ثابتة حجّته، يشهد لها الكتاب. ويدعو إليه. ولمّا أن صرف نبيّه إلى الكعبة، عن بيت المقدس، قال المسلمون للنبيّ ـ صلّى الله عليه وآله: أرأيت صلاتنا الّتي كنّا نصلّي إلى بيت المقدس، ما حالنا فيها وحال من مضى من أمواتنا؟ وهم يصلّون إلى بيت المقدس.

فأنزل الله:( وَما كانَ اللهُ لِيُضِيعَ إِيمانَكُمْ ) . فسمّى الصّلاة إيمانا. فمن لقى الله حافظا لجوارحه، موقنا(٣) كلّ جارحة من جوارحه ما فرض الله عليه لقى الله مستكملا لإيمانه. وهو(٤) من أهل الجنّة. ومن خان في شيء منها وتعدّى ما أمر الله فيها، لقى الله ناقص الإيمان.

وقرئ ليضيّع (بالتّشديد).

( إِنَّ اللهَ بِالنَّاسِ لَرَؤُفٌ ) : لا يضيع أجورهم.

__________________

(١) ما بين المعقوفتين ليس في أ.

(٢) تفسير العياشي ١ / ٦٣.

(٣) المصدر: موفيا. وهو الظاهر.

(٤) ليس في المصدر.

١٨١

( رَحِيمٌ ) (١٤٣): لا يترك ما يصلحهم.

[وفي تهذيب الأحكام(١) : عنه عن وهب(٢) ، عن أبي بصير، عن أحدهما ـ عليهما السّلام ـ في قوله( سَيَقُولُ السُّفَهاءُ، مِنَ النَّاسِ ما وَلَّاهُمْ عَنْ قِبْلَتِهِمُ الَّتِي كانُوا عَلَيْها قُلْ لِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ يَهْدِي مَنْ يَشاءُ إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ ) . فقلت له: الله أمره أن يصلّي إلى بيت المقدس؟

قال: نعم ألا ترى أن الله يقول:( وَما جَعَلْنَا الْقِبْلَةَ الَّتِي كُنْتَ عَلَيْها إِلَّا لِنَعْلَمَ مَنْ يَتَّبِعُ الرَّسُولَ مِمَّنْ يَنْقَلِبُ عَلى عَقِبَيْهِ وَإِنْ كانَتْ لَكَبِيرَةً إِلَّا عَلَى الَّذِينَ هَدَى اللهُ وَما كانَ اللهُ لِيُضِيعَ إِيمانَكُمْ إِنَّ اللهَ بِالنَّاسِ لَرَؤُفٌ رَحِيمٌ ) ؟

قال: إنّ بني عبد الأشهل أتوهم وهم في الصّلاة وقد صلّوا ركعتين إلى بيت المقدس. فقيل لهم: «إنّ نبيّكم قد صرف إلى الكعبة.» فتحوّل النّساء مكان الرّجال والرّجال مكان النّساء. وصلّوا الرّكعتين الباقيتين إلى الكعبة. فصلّوا صلاة واحدة إلى قبلتين. فلذلك سمّي مسجدهم مسجد القبلتين.

وفي أصول الكافي(٣) : عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن بكر بن صالح عن القسم بن يزيد. قال: حدّثنا أبو عمرو الزّبيريّ، عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام. وذكر حديثا طويلا يقول فيه ـ عليه السّلام ـ بعد أن قال: إنّ الله ـ تبارك وتعالى ـ فرض الإيمان على جوارح ابن آدم. وقسّمه عليها. وفرّقه فيها. وقال فيما فرض على الجوارح من الطّهور والصّلاة بها. وذلك أنّ الله ـ عزّ وجلّ ـ لـمّا صرف نبيّه ـ صلّى الله عليه وآله ـ إلى الكعبة عن بيت المقدس، فأنزل الله ـ عزّ وجلّ:( وَما كانَ اللهُ لِيُضِيعَ إِيمانَكُمْ. إِنَّ اللهَ بِالنَّاسِ لَرَؤُفٌ رَحِيمٌ ) . فسمّى الصّلاة، إيمانا](٤)

( قَدْ نَرى ) : ربّما وأصل الرّؤية، إدراك الشيء بالبصر. ويستعمل بمعنى العلم.

( تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّماءِ ) : تردّده تطلّعا على الوحي، في موضعي مفعولي نرى، أو مفعولاه أو هو ممّا لمفعول واحد.

وكان رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ يقع في روعه ويتوقّع من ربّه أن يحوّله

__________________

(١) تهذيب الأحكام ٢ / ٤٣، ح ١٣٨.

(٢) المصدر: وهيب.

(٣) الكافي ٢ / ٣٤ ـ ٣٧، ح ١.

(٤) ما بين المعقوفتين ليس في أ.

١٨٢

إلى الكعبة، قبلة إبراهيم ـ عليه السّلام ـ وأقدم القبلتين. وأدعى للعرب إلى الإيمان ولمخالفته اليهود. وذلك يدلّ على كمال أدبه، حيث انتظر ولم يسأل.

( فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً ) : فلنمكّننّك من استقبالها، من قولك: ولّيته كذا، إذا صيّرته واليا له، أو فلنحوّلنّك تلى(١) جهتها.

( تَرْضاها ) : تحبّها. وتتشوّق إليها، لمقاصد دينيّه، وافقت مشيئة الله تعالى وحكمه.

والرّضا والمحبّة، نظيران. ويظهر الفرق بأنّ ضدّ المحبّة، البغض. وضدّ الرّضا، السّخط.

( فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ ) ، أي: نحوه.

قال الشّاعر(٢) :

وقد أظلّكم من شطر ثغركم

هول له ظلم يغشاكم قطعا

أي: من نحو ثغركم وتلقاءه.

وقيل(٣) . جانبه. لأنّ الشّطر في الأصل، لما انفصل عن الشيء من شطر، إذا انفصل. ودار شطوره(٤) : أي: منفصلة عن الدّور. ثمّ استعمل جانبه وإن لم ينفصل كالقطر.

وقيل(٥) : شطر الشيء(٦) ، نصفه من شطرت الشيء، جعلته نصفين.

والحرام: المحرّم، كالكتاب، بمعنى المكتوب والحساب، بمعنى المحسوب، أي: محرّم فيه القتال، أو ممنوع من الظّلم أن يتعرّضوه.

وذكر المسجد دون الكعبة، لأنّ البعيد يكفيه مراعاة الجهة، بخلاف القريب.

والنّبيّ ـ صلّى الله عليه وآله ـ كان حينئذ في المدينة، بعد أن صلّى إلى بيت المقدس ستّة عشر شهرا. ثمّ وجّه إلى الكعبة، في رجب، بعد الزّوال، قبل قتال بدر، بشهرين، وقد صلّى بأصحابه في مسجد بني سلمة، ركعتين من الظّهر. فتحول في الصّلاة. واستقبل الميزاب. وتبادل الرّجال والنّساء صفوفهم. فسمى المسجد، مسجد القبلتين.

( وَحَيْثُ ما كُنْتُمْ ) في الأرض، في بر، أو بحر، أو سهل، أو جبل، في بيت المقدس ،

__________________

(١) أ: إلى. ر: يلي.

(٢) مجمع البيان ١ / ٢٢٦.

(٣) أنوار التنزيل ١ / ٨٨.

(٤) المصدر: شطور.

(٥) مجمع البيان ١ / ٢٢٦.

(٦) المصدر: شطر كلّ شيء.

١٨٣

وفي غيره.

( فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ ) :

تخصيص الخطاب بالنّبيّ، أوّلا، وتعميمه، ثانيا، لتعظيمه ـ عليه السّلام ـ والتّصريح بعموم الحكم.

وفيه تأكيد لأمر القبلة، وتخصيص للامة على المتابعة، وسلوك طريق الاستدراج، رفق بالمأمورين.

[وفي الكافي(١) : عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن حمّاد، عن حريز، عن زرارة، عن أبي جعفر (ع) قال: إذا استقبلت القبلة بوجهك، فلا تقلّب وجهك عن القبلة، فتفسد صلاتك. فإنّ الله ـ عزّ وجلّ ـ قال لنبيّه ـ صلّى الله عليه وآله ـ في الفريضة:( فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ. وَحَيْثُ ما كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ ) .

وفي من لا يحضره الفقيه(٢) : وصلّى رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ إلى البيت المقدّس، بعد النّبوّة، ثلاث عشرة سنة بمكّة وتسعة عشر شهرا بالمدينة. ثمّ عيّرته اليهود.

فقالوا له: إنّك مانع لقبلتنا.

فاغتم لذلك غمّا شديدا. فلمّا كان في بعض اللّيل، يخرج ـ عليه السّلام ـ يقلّب وجهه في آفاق السّماء. فلمّا أصبح صلّى الغداة. فلمّا صلّى من الظّهر، ركعتين، جاء جبرئيل ـ عليه السّلام ـ فقال له:( قَدْ نَرى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّماءِ. فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضاها. فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ ) . (الآية) ثمّ أخذ بيد النّبيّ ـ صلّى الله عليه وآله ـ فحوّل وجهه إلى الكعبة. وحوّل من خلفه وجوههم، حتّى قام الرّجال مقام النّساء والنّساء مقام الرّجال. فكان آخر صلاته إلى بيت المقدس(٣) . وبلغ الخبر مسجدا بالمدينة، وقد صلّى أهله من العصر، ركعتين. فحوّلوا نحو القبلة. فكانت آخر صلاتهم إلى بيت المقدس وأوّلها إلى الكعبة(٤) . فسمّي ذلك المسجد مسجد القبلتين.

فقال المسلمون: صلاتنا إلى بيت المقدس تضيع، يا رسول الله؟

فأنزل الله ـ عزّ وجلّ:( وَما كانَ اللهُ لِيُضِيعَ إِيمانَكُمْ ) ، يعني: صلاتكم إلى

__________________

(١) الكافي ٣ / ٣٠٠، ح ٦.

(٢) من لا يحضره الفقيه ١ / ١٧٨، ح ٨٤٣.

(٣) المصدر: فكان أول صلاته إلى بيت المقدس وآخرها إلى الكعبة.

(٤) المصدر: فكانت أوّل صلاتهم إلى بيت المقدس وآخرها إلى الكعبة.

١٨٤

بيت المقدس ـ وقد أخرجت الخبر في ذلك على وجهه، في كتاب النّبوّة.

وروى زرارة(١) ، عن أبي جعفر ـ عليه السّلام ـ أنّه قال: لا صلاة إلّا إلى القبلة.

قال: قلت: أين حدّ القبلة؟

قال: ما بين المشرق والمغرب، قبلة كلّه.

قال: قلت: فمن صلّى لغير القبلة، أو في يوم غيم في غير الوقت؟

قال: يعيد.

قال: في حديث آخر ذكره له(٢) : ثمّ استقبل بوجهك إلى القبلة. ولا تقلّب وجهك عن القبلة. وذكر كما نقلنا عن الكافي](٣)

( وَإِنَّ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ ) : علماء اليهود. وقيل: هم والنصارى.(٤) ( لَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ ) ، أي: التّحويل، أو التّوجيه،( الْحَقُّ مِنْ رَبِّهِمْ ) . لأنّه كان في بشارة الأنبياء لهم أن يكون نبيّ في صفاته كذا وكذا وكان في صفاته، أنّه يصلي إلى القبلتين.

( وَمَا اللهُ بِغافِلٍ عَمَّا يَعْمَلُونَ ) (١٤٤): وعد للمطيعين ووعيد لغيرهم.

وقرئ بالتاء.

قال ابن عبّاس(٥) : أوّل ما نسخ من القرآن، فيما ذكر لنا، من شأن القبلة.

وقال قتادة(٦) : نسخت هذه الآية ما قبلها.

والأقوى أنّه ممّا نسخ السّنّة بالقرآن. كما قاله جعفر بن مبشر(٧) . لأنّه ليس في القرآن ما يدلّ على التّعبّد بالتّوجّه إلى بيت المقدس.

ومن قال(٨) : إنّها نسخت قوله( فَأَيْنَما تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللهِ ) ففيه أنّ هذه الآية عندنا مخصوصة بالنّوافل في حال السّفر. روى ذلك عن أبي جعفر وأبي عبد الله ـ عليهما السّلام(٩) .

وليست منسوخة.

__________________

(١) نفس المصدر.

(٢) نفس المصدر.

(٣) ما بين المعقوفتين ليس في أ.

(٤) ر. مجمع البيان ١ / ٢٢٧.

(٥) نفس المصدر ونفس الموضع.

(٦) نفس المصدر ونفس الموضع.

(٧) نفس المصدر ونفس الموضع.

(٨) نفس المصدر ونفس الموضع.

(٩) ر: تفسير العياشي ١ / ٥٦ ـ ٥٧، ح ٨٠ ـ ٨٢.

١٨٥

واختلف في صلاة النّبيّ ـ صلّى الله عليه وآله ـ إلى بيت المقدس: فقال قوم: كانت صلاته ـ عليه السّلام ـ بمكّة إلى الكعبة. فلمّا هاجر إلى المدينة، أمر بالصّلاة إليه. ثمّ حوّل إلى الكعبة ـ أيضا.

وقال آخرون: كانت صلاته بمكّة ـ أيضا ـ إلى بيت المقدس. إلّا أنّه يجعل الكعبة بينه وبينها. ولا يصلّي في مكان لا يمكن هذا فيه.

وقال آخرون: كان يصلّي بمكّة وبعد قدومه المدينة، إلى بيت المقدس. ولم يكن عليه أن يجعل الكعبة بينه وبينهما، ثمّ أمر بالتّوجّه إلى الكعبة(١) ( وَلَئِنْ أَتَيْتَ ) : الّلام موطّئة للقسم، أي: والله.

( الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ ) من علماء اليهود والنّصارى. وقيل(٢) : جميع أهل الكتاب.

( بِكُلِّ آيَةٍ ) برهان وحجّة على أنّ الكعبة قبلة،( ما تَبِعُوا قِبْلَتَكَ ) : جواب القسم المضمر. سادّ مسدّ الشّرط. سواء قدّر القسم مقدّما على الشّرط، فتعيّن كون الجواب له. ولا يصحّ جعله جزاء للشّرط أو مؤخّرا عنه فيسوغ الأمران بقرينة ترك الفاء. وهو لازم في الماضي المنفيّ. وفيه من القطع بعدم المتابعة، ما ليس في جعله جزاء للشرط وإن أكّد بالقسم.

والمعنى: ما تركوا قبلتك لشبهة تزيلها(٣) بحجّة. وإنّما خالفوك عنادا.

( وَما أَنْتَ بِتابِعٍ قِبْلَتَهُمْ ) : قطع لطمّعهم. فإنّهم قالوا: لو ثبت على قبلتنا، لكنّا نرجو أن يكون صاحبنا الذي ننتظره تغريرا له وطمعا في رجوعه وقبلتهم وإن تعدّدت، لكنّها تتّحد بالاتصاف بالبطلان ومخالفة الحقّ، أو(٤) الافراد للاشعار بأنّ الرّسول ـ صلّى الله عليه وآله ـ لو تبع، لا يمكن له المتابعة إلّا لواحد.

( وَما بَعْضُهُمْ بِتابِعٍ قِبْلَةَ بَعْضٍ ) :

فانّ اليهود يستقبل بيت المقدس والنّصارى مطلع الشّمس. لا يرجى توافقهم، لتصلّب كلّ حزب فيما هو. وفيه تسلية للرّسول ـ صلّى الله عليه وآله ـ بأنّ عنادهم لا يخصّه، وردّ لاعتلالهم، لأنّه لا يجوز مخالفة أهل الكتاب فيما ورثوه عن أنبياء الله، وأنّ

__________________

(١) ر: الكشاف ١ / ٢٢٠+ مجمع البيان ١ / ٢٢٧ ـ ٢٢٨.

(٢) مجمع البيان ١ / ٢٢٨.

(٣) أ: لشبهته تنزيلها.

(٤) ر: و.

١٨٦

بيت المقدس لم يزل كان قبلة الأنبياء، فهو أولى بأن يكون قبلة، أي: فكما جاز أن يخالف بين جهتيهم للاستصلاح، [جاز أن يخالف بجهة ثالثة في زمان آخر للاستصلاح].(١) ( وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْواءَهُمْ مِنْ بَعْدِ ما جاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ ) على سبيل الفرض والتّقدير.

( إِنَّكَ إِذاً لَمِنَ الظَّالِمِينَ ) (١٤٥): أكّد تهديده وبالغ فيه من سبعة أوجه، تعظيما للحقّ المعلوم، وتحريضا على اقتفائه، وتحذيرا عن متابعة الهوى، وتأكيدا للاجتناب عنه.

( الَّذِينَ آتَيْناهُمُ الْكِتابَ ) ، يعني: علماءهم.

( يَعْرِفُونَهُ ) :

قيل(٢) : الضّمير لرسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ، أو للعلم، أو القرآن، أو التّحويل.

( كَما يَعْرِفُونَ أَبْناءَهُمْ ) ، أي: يعرفون بأوصافه، كمعرفة أبنائهم. لا يلتبسون عليهم بغيرهم.

وفي أصول الكافي(٣) : عدّة من أصحابنا، عن أحمد بن محمّد بن خالد، عن أبيه رفعه، عن محمّد بن داود الغنويّ، عن الأصبغ بن نباتة، عن أمير المؤمنين ـ عليه السّلام ـ في حديث طويل. فيه يقول ـ عليه السّلام: فأمّا أصحاب المشئمة، فهم اليهود والنّصارى.

يقول الله ـ عزّ وجلّ:( الَّذِينَ آتَيْناهُمُ الْكِتابَ يَعْرِفُونَهُ كَما يَعْرِفُونَ أَبْناءَهُمْ ) . يعرفون محمّدا والولاية في التوراة والإنجيل، كما يعرفونه أبناءهم في منازلهم.( وَإِنَّ فَرِيقاً مِنْهُمْ لَيَكْتُمُونَ الْحَقَّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ ) أنّك الرّسول إليهم.( فَلا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُمْتَرِينَ ) .

وفي تفسير عليّ بن إبراهيم(٤) : حدّثني أبي، عن ابن أبي عمير، عن حمّاد، عن حريز، عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام. قال: نزلت هذه الآية في اليهود والنّصارى يقول الله ـ تبارك وتعالى ـ( الَّذِينَ آتَيْناهُمُ الْكِتابَ يَعْرِفُونَهُ ) ، يعني: رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ( كَما يَعْرِفُونَ أَبْناءَهُمْ ) . لأنّ الله ـ عزّ وجلّ ـ [قد](٥) أنزل عليهم في التوراة

__________________

(١) ليس في ر.

(٢) ر. أنوار التنزيل ١ / ٨٩.

(٣) الكافي ٢ / ٢٨٣، ح ١٦.

(٤) تفسير القمي ١ / ٣٢ ـ ٣٣.

(٥) يوجد في المصدر.

١٨٧

والإنجيل والزّبور، صفة محمّد ـ صلّى الله عليه وآله ـ وصفة أصحابه ومبعثه ومهاجرته(١) .

وهو قوله تعالى(٢) :( مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللهِ. وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَماءُ بَيْنَهُمْ ) . تراهم ركعا سجّدا يبتغون فضلا من الله ورضوانا. سيماهم في وجوههم من أثر السّجود. ذلك مثلهم في التّوراة ومثلهم في الإنجيل» فهذه صفة رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ في التوراة والإنجيل وصفة أصحابه، فلمّا بعثه الله ـ عزّ وجلّ ـ عرفه أهل الكتاب، كما قال ـ جلّ جلاله(٣) :( فَلَمَّا جاءَهُمْ ما عَرَفُوا، كَفَرُوا بِهِ ) .

( وَإِنَّ فَرِيقاً مِنْهُمْ لَيَكْتُمُونَ الْحَقَّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ ) (١٤٦): تخصيص لمن عاند.

واستثناء لمن آمن.

( الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ ) : كلام مستأنف.

و «الحقّ» إمّا مبتدأ، خبره «من ربّك»، والّلام للعهد، والإشارة إلى ما عليه الرّسول ـ صلّى الله عليه وآله.

أو «الحقّ» الّذي يكتمونه، أو للجنس، والمعنى: أنّ الحقّ ما ثبت أنّه من الله تعالى، كالّذي أنت عليه، لا ما لم يثبت، كالّذي عليه أهل الكتاب.

وإمّا خبر مبتدأ محذوف، أي: هو الحق ومن ربّك، حال، أو خبر بعد خبر.

وقرئ بالنّصب، على أنّه بدل من الأوّل، أو مفعول يعلمون.

( فَلا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُمْتَرِينَ ) (١٤٧)، أي: الشّاكّين في أنّه من ربّك، أو في كتمانهم الحقّ عالمين به.

والمراد إمّا تحقيق الأمر، وأنّه بحيث لا يشك فيه ناظر، أوامر الأمّة باكتساب المعارف المزيحة للشّكّ على الوجه الأبلغ. وإلّا فالشّكّ غير متوقّع من الرّسول ـ صلّى الله عليه وآله. ولا يكون بقصد واختيار في غيره.

( وَلِكُلٍّ وِجْهَةٌ ) ، أي: ولكلّ أمّة قبلة، أو لكلّ قوم جهة وجانب من الكعبة.

والتّنوين بدل الإضافة.

( هُوَ مُوَلِّيها ) : أحد المعفولين محذوف، أي: هو مولّيها وجهه، أو الله تعالى مولّيها وجهه.

__________________

(١) المصدر: هجرته.

(٢) الفتح / ٢٩.

(٣) البقرة / ٨٩.

١٨٨

وقرئ «لكلّ وجهة» (بالإضافة).

والمعنى: وكلّ وجهة الله تعالى مولّيها أهلها.

والّلام مزيدة للتّأكيد، جبر الضّعف العامل.

وقرأ ابن عامر «مولّا»، هو مولّا تلك الجهة قد وليها.

( فَاسْتَبِقُوا الْخَيْراتِ ) من أمر القبلة وغيره، ممّا يوجب السّعادة. وأعظمها الولاية.

بل ينحصر فيها. كما يأتي في الخبر.

( أَيْنَ ما تَكُونُوا يَأْتِ بِكُمُ اللهُ جَمِيعاً ) ، أي: يجمعكم للحساب، أو أينما تكونوا من الجهات المتقابلة، يجعل صلاتكم كأنّها إلى جهة واحدة، أو الخطاب لأصحاب القائم ـ عليه السّلام ـ على ما رواه أبو جعفر محمّد بن بابويه ـ رحمه الله ـ في كتاب كمال الدّين وتمام النّعمة(١) ، بإسناده إلى سهل بن زياد، عن عبد العظيم بن عبد الله الحسنيّ.

قال: قلت لمحمّد بن عليّ بن موسى ـ عليهم السّلام. إنّي لأرجو أن تكون(٢) القائم من أهل بيت محمّد الّذي يملأ الأرض قسطا وعدلا كما ملئت جورا وظلما(٣) فقال ـ عليه السّلام ـ يا أبا القاسم ما منّا الا وهو قائم بأمر الله عزّ وجلّ وهاد إلى دين الله. ولكن القائم الذي يطهّر الله ـ عزّ وجلّ ـ به الأرض من اهل الكفر والجحود ويملؤها عدلا وقسطا، هو الّذي تخفى على النّاس ولادته ويغيب عنهم شخصه ويحرم عليهم تسميته. وهو سمي رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ وكنيّه. وهو الّذي تطوى له الأرض ويذلّ به كلّ صعب.

يجتمع إليه أصحابه(٤) عدّة أهل بدر، ثلاثمائة وثلاثة عشر رجلا من أقاصي الأرض. ذلك(٥) قول الله ـ عزّ وجلّ:( أَيْنَ ما تَكُونُوا يَأْتِ بِكُمُ اللهُ جَمِيعاً. إِنَّ اللهَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ) .

فإذا اجتمعت له هذه العدّة من أهل الإخلاص، أظهر الله أمره.

فإن أكمل له العقد وهو عشرة آلاف رجل، خرج بإذن الله ـ عزّ وجلّ. فلا يزال يقتل أعداء الله، حتّى يرضى الله تعالى.

قال عبد العظيم: فقلت له: يا سيّدي! كيف يعلم أنّ الله ـ عزّ وجلّ ـ قد رضى؟

قال: يلقي في قلبه الرّحمة. فإذا دخل المدينة، أخرج الّلات والعزّى. فأحرقهما.

__________________

(١) كمال الدين وتمام النعمة ٢ / ٣٧٧ ـ ٣٧٨، ح ٢.

(٢) كذا في المصدر. وفي النسخ: يكون.

(٣) ر: ظلما وجورا.

(٤) المصدر: ويجتمع إليه من أصحابه. (٥) المصدر: وذلك.

١٨٩

وبإسناده(١) إلى أبي خالد الكابليّ، عن سيّد العابدين، عليّ بن الحسين ـ عليهما السّلام. قال: المفقودون عن فرشهم ثلاثمائة وثلاثة عشر رجلا، عدّة أهل بدر.

فيصبحون بمكّة. وهو قول الله ـ عزّ وجلّ:( أَيْنَ ما تَكُونُوا يَأْتِ بِكُمُ اللهُ جَمِيعاً ) . وهم أصحاب القائم ـ عليه السّلام.

وبإسناده(٢) إلى محمّد بن سنان، عن المفضّل بن عمر. قال: قال أبو عبد الله ـ عليه السّلام: لقد نزلت هذه الآية، في المفتقدين من أصحاب القائم ـ عليه السّلام ـ قوله ـ عزّ وجلّ:( أَيْنَ ما تَكُونُوا يَأْتِ بِكُمُ اللهُ جَمِيعاً ) . إنّهم ليفتقدون من(٣) فرشهم(٤) ليلا.

فيصبحون بمكّة. وبعضهم يسير في السّحاب. يعرف اسمه(٥) واسم أبيه وحليته ونسبه.

قال: فقلت: جعلت فداك! أيّهم أعظم إيمانا؟

قال: الّذي يسير في السّحاب نهارا.

وفي تفسير عليّ بن إبراهيم(٦) : حدّثني أبي، عن ابن أبي عمير، عن منصور بن يونس(٧) ، عن أبي خالد الكابليّ. قال: قال أبو جعفر ـ عليه السّلام. والله لكأنّي أنظر إلى القائم وقد أسند ظهره إلى الحجر، ثمّ ينشد(٨) حقّه.

(إلى أن قال) هو والله المضطرّ في كتاب الله، في قوله:( أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذا دَعاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفاءَ الْأَرْضِ ) . فيكون أوّل من يبايعه جبرئيل، ثمّ الثلاثمائة والثلاثة عشر رجلا. فمن كان ابتلي بالمسير [وافى. ومن لم يبتل بالمسير](٩) فقد عن فراشه. وهو قول أمير المؤمنين ـ عليه السّلام: «هم المفقودون عن فرشهم.» وذلك قول الله ـ عزّ وجلّ:( فَاسْتَبِقُوا الْخَيْراتِ أَيْنَ ما تَكُونُوا يَأْتِ بِكُمُ اللهُ جَمِيعاً ) قال: الخيرات: الولاية.

[وفي روضة الكافي(١٠) : عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن منصور بن يونس، عن إسماعيل بن جابر عن أبي خالد، عن أبي جعفر ـ عليه السّلام ـ في قول

__________________

(١) نفس المصدر ٢ / ٦٥٤، ح ٢١.

(٢) نفس المصدر ٢ / ٦٧٢، ح ٢٤.

(٣) المصدر: عن. وهو الظاهر.

(٤) أ: المفتقدون عن عرشهم.

(٥) المصدر: باسمه. وهو الظاهر.

(٦) تفسير القمي ٢ / ٢٠٥.

(٧) ر: يونس بن مالك.

(٨) المصدر: ينشد الله.

(٩) ليس في ر. (١٠) الكافي ٨ / ٣١٣، ح ٤٨٧.

١٩٠

الله ـ عزّ وجلّ ـ( فَاسْتَبِقُوا الْخَيْراتِ أَيْنَ ما تَكُونُوا يَأْتِ بِكُمُ اللهُ جَمِيعاً ) قال: الخيرات: الولاية. وقوله ـ تبارك وتعالى ـ( أَيْنَ ما تَكُونُوا يَأْتِ بِكُمُ اللهُ جَمِيعاً ) ، يعني: أصحاب القائم، الثّلاثمائة والبضعة عشر رجلا.

قال: وهم، والله! الأمة المعدودة.

قال: يجتمعون، والله! في ساعة واحدة. قزع كقزع الخريف.

وفي مجمع البيان(١) : قال الرّضا ـ عليه السّلام: وذلك، والله! أن لو قام قائمنا، يجمع الله إليه جميع شيعتنا، من جميع البلدان.

وفي شرح الآيات الباهرة :](٢) وذكر الشّيخ المفيد، في كتاب الغيبة(٣) ، بإسناده، عن جابر بن يزيد، عن أبي جعفر ـ عليه السّلام. أنّه قال: المعنى بهذا الخطاب، أصحاب القائم ـ عليه السّلام.

قال بعد ذكر علامات ظهوره: ثمّ يجمع الله له(٤) أصحابه وهم ثلاثمائة وثلاثة رجلا، عدّة أهل بدر. يجمعهم الله له على غير ميعاد. قزعا كقزع الخريف. وهي، يا جابر! الآية الّتي ذكرها الله في كتابه:( أَيْنَ ما تَكُونُوا يَأْتِ بِكُمُ اللهُ جَمِيعاً ) . [إن الله على كلّ شيء قدير](٥) ».

( إِنَّ اللهَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ) (١٤٨): فيقدر على الإماتة والإحياء والجمع.

( وَمِنْ حَيْثُ خَرَجْتَ ) للسّفر.

( فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ ) إذا صلّيت.

( وَإِنَّهُ ) ، اي: هذا الامر،( لَلْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ. وَمَا اللهُ بِغافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ ) (١٤٩): وقرأ أبو عمرو بالياء.

( وَمِنْ حَيْثُ خَرَجْتَ فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ وَحَيْثُ ما كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ ) :

__________________

(١) مجمع البيان ١ / ٢٣١.

(٢) ما بين المعقوفتين ليس في أ.

(٣) بل غيبة النعماني / ٢٨٢ وكذلك عنه في البحار ٥٢ / ٢٣٩، ضمن ح ١٠٥+ تفسير البرهان ١ / ١٦٢، ح ٤. ولم نجده في غيبة المفيد. وقد ورد في البحار ٥١ / ١٣٩، ح ١٣، هكذا: غيبة النعماني: روى الشيخ المفيد في كتاب الغيبة عن

(٤) المصدر: فيجمع الله عليه.

(٥) يوجد في المصدر.

١٩١

تكرير هذا الحكم، لتعدّد علله. فإنّه ذكر للتّحويل، ثلاث علل: تعظيم الرّسول بابتغاء مرضاته، وجري العادة الإلهيّة على أن يولّي كلّ صاحب دعوة جهة يستقبلها، ودفع حجج المخالفين. وقرن بكلّ علّة معلولها. كما يقرن المدلول بكلّ واحد من دلائله، تقريرا وللتّأكيد. لأنّ القبلة لها شأن. والنسخ من مظانّ الفتنة.

( لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَيْكُمْ حُجَّةٌ ) : علّة لولّوا.

والمعنى: أنّ التّولية عن الصّخرة إلى الكعبة، تدفع احتجاج اليهود بأنّ المنعوت في التوراة، قبلة الكعبة والمشركين بأنّه يدّعي ملّة إبراهيم ويخالف قبلته.

( إِلَّا الَّذِينَ ظَلَمُوا ) : استثناء من «النّاس»، أي: لا يكون لأحد حجّة إلّا للمعاندين.

( مِنْهُمْ ) : فإنّهم يقولون: ما تحوّل إلى الكعبة إلّا ميلا إلى دين قومه وحبّا لبلده.

وبدا له. فرجع إلى قبلة آبائه. ويوشك إلى دينهم أن يرجع. وسمّى هذه حجّة. لأنّهم يسوقونها مساقها. كقوله تعالى(١) :( حُجَّتُهُمْ داحِضَةٌ ) .

قيل(٢) : الحجّة بمعنى الاحتجاج.

وقيل(٣) : الاستثناء للمبالغة في نفي الحجّة، رأسا، كقوله :

ولا عيب فيهم غير أنّ سيوفيهم

بهنّ فلول من قراع الكتائب

للعلم بأنّ الظالم لا حجّة له. وقرئ(٤) : «ألا الّذين ظلموا منهم»، على أنّه استيناف بحرف التّنبيه.

( فَلا تَخْشَوْهُمْ ) فإنّ مطاعنهم لا تضرّكم.

( وَاخْشَوْنِي ) : ولا تخالفوني في ما أمرتكم به.

( وَلِأُتِمَّ نِعْمَتِي عَلَيْكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ ) (١٥٠) :

إمّا علّة لمحذوف، أي: أمرتكم لإتمام نعمتي عليكم وإرادتي اهتداءكم، أو معطوف على علّة مقدّرة، أي: اخشوني لأحفظكم عنهم ولأتمّ نعمتي عليكم، أو على لئلّا يكون.

( كَما أَرْسَلْنا فِيكُمْ رَسُولاً مِنْكُمْ )

__________________

(١) الشورى / ١٦.

(٢) أنوار التنزيل ١ / ٩٠.

(٣) نفس المصدر ونفس الموضع.

(٤) نفس المصدر ونفس الموضع.

١٩٢

إمّا متّصل بما قبله، أي: ولأتمّ نعمتي عليكم في أمر القبلة، أو في الآخرة، كما أتممّها بإرسال الرّسل، أو بما بعده، أي: كما ذكرتكم بالإرسال. فاذكروني.

( يَتْلُوا عَلَيْكُمْ آياتِنا وَيُزَكِّيكُمْ ) : يحملكم على ما به تصيرون أزكياء.

( وَيُعَلِّمُكُمُ الْكِتابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُعَلِّمُكُمْ ما لَمْ تَكُونُوا تَعْلَمُونَ ) (١٥١) بالفكر والنّظر. ولا طريق له سوى الوحي.

وتكرير الفعل للدّلالة على أنّه جنس آخر.

( فَاذْكُرُونِي ) بالطّاعة.

( أَذْكُرْكُمْ ) بالثّواب.

( وَاشْكُرُوا لِي ) ما أنعمت به عليكم.

( وَلا تَكْفُرُونِ ) (١٥٢) بجحد النّعم وعصيان الأمر.

وفي كتاب معاني الأخبار(١) ، بإسناده إلى أبي الصّباح بن نعيم العابديّ(٢) ، عن محمّد بن مسلم. قال ـ في حديث طويل يقول في آخره: تسبيح فاطمة الزّهراء، من ذكر الله الكثير الّذي قال الله ـ عزّ وجلّ ـ( فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ ) .

وفي أصول الكافي(٣) : عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن بكر بن صالح، عن القسم(٤) بن يزيد، عن أبي عمرو الزّبيريّ، عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام. قال ـ في حديث طويل :

الوجه الثّالث من الكفر، كفر النّعم. قال:( فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ. وَاشْكُرُوا لِي وَلا تَكْفُرُونِ ) .

وفي تفسير عليّ بن إبراهيم(٥) : وفي رواية أبي الجارود، عن أبي جعفر ـ عليه السّلام ـ في قوله(٦) ( وَلَذِكْرُ اللهِ أَكْبَرُ ) يقول: ذكر الله لأهل الصّلاة، أكبر من ذكرهم إيّاه. ألا ترى أنّه يقول( فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ ) ؟

وفي روضة الكافي(٧) ، بإسناده إلى أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ حديث طويل.

__________________

(١) معاني الأخبار / ١٩٤، ذيل ح ٥.

(٢) المصدر: العائذيّ.

(٣) الكافي ٢ / ٣٩١، ح ١.

(٤) أور: القاسم.

(٥) تفسير القمي ٢ / ١٥٠.

(٦) العنكبوت / ٤٥.

(٧) الكافي ٨ / ٧، ح ١.

١٩٣

يقول فيه ـ عليه السّلام: والله ذاكر لمن ذكره من المؤمنين. واعلموا أنّ الله لم يذكره أحد من عباده المؤمنين، إلّا ذكره بخير. فأعطوا الله من أنفسكم الاجتهاد في طاعته.

وفي مجمع البيان(١) : وروي عن أبي جعفر الباقر ـ عليه السّلام. قال: قال النّبيّ ـ صلّى الله عليه وآله: إنّ الملك ينزل الصّحيفة من أوّل النّهار وأوّل اللّيل. يكتب فيها عمل ابن آدم. فاملوا في أوّلها خيرا وفي آخرها. فإنّ الله يغفر لكم ما بين ذلك ـ إن شاء الله. فإنّه يقول:( فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ ) .

وفي كتاب الخصال(٢) ، فيما أوصى به النّبيّ، عليا ـ عليه السّلام: ثلاث لا تطيقها هذه الأمّة: المواساة للأخ في ماله، وانصاف النّاس من نفسه، وذكره الله على كلّ حال. وليس هو «سبحان الله والحمد لله ولا إله إلّا الله والله أكبر.» ولكن إذا ورد على ما يحرّم الله عليه، خاف الله عنده وتركه.

وعن أبي حمزة الثّماليّ(٣) . قال: سمعت أبا جعفر ـ عليه السّلام ـ يقول: بلاء وقضاء ونعمة. فعليه في البلاء من الله الصّبر، فريضة. وعليه في القضاء من الله التّسليم، فريضة. وعليه في النّعمة من الله الشّكر، فريضة.

وعن أبي حمزة الثّماليّ،(٤) عن عليّ بن الحسين ـ عليهما السّلام: ومن قال الحمد لله، فقد أدّى شكر كلّ نعم الله تعالى.

وفيما علّم أمير المؤمنين ـ عليه السّلام ـ أصحابه(٥) : اذكروا الله في كلّ مكان. فإنّه معكم.

وعن أمير المؤمنين ـ عليه السّلام ـ في حديث(٦) : وشكر كلّ نعمة، الورع عمّا حرّم الله تعالى.

( يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ ) عن المعاصي وحظوظ النّفس.

( وَالصَّلاةِ ) الّتي هي عماد الدّين.

( إِنَّ اللهَ مَعَ الصَّابِرِينَ ) (١٥٣) بالنّصرة وإجابة الدّعوة.

وفي مصباح الشّريعة(٧) : قال الصّادق ـ عليه السّلام ـ في كلام طويل: ومن

__________________

(١) مجمع البيان ١ / ٢٣٤.

(٢) الخصال ١ / ١٢٥.

(٣) نفس المصدر ١ / ٨٦، ح ١٧.

(٤) الخصال ١ / ٢٩٩، ح ٧٢.

(٥) نفس المصدر ٢ / ٦١٣، ضمن ح أربعمائة.

(٦) نفس المصدر ١ / ١٤، ح ٥٠.

(٧) شرح فارسى لمصباح الشريعة ومفتاح الحقيقة / ٥٠٢ ـ ٥٠٣.

١٩٤

استقبل البلايا(١) بالرّحب، وصبر على سكينة ووقار، فهو من الخاصّ. ونصيبه ما قال الله ـ عزّ وجلّ:( إِنَّ اللهَ مَعَ الصَّابِرِينَ ) .

وفي تفسير العيّاشيّ(٢) : عن الفضيل، عن أبي جعفر ـ عليه السّلام. قال: قال: يا فضيل! بلّغ من لقيت من موالينا عنّا السّلام. وقل لهم: إنّي أقول إنّي لا أغني عنكم من الله شيئا إلّا بورع. فاحفظوا ألسنتكم. وكفّوا أيديكم. وعليكم بالصّبر والصّلاة.( إِنَّ اللهَ مَعَ الصَّابِرِينَ ) .

( وَلا تَقُولُوا لِمَنْ يُقْتَلُ فِي سَبِيلِ اللهِ أَمْواتٌ ) ، أي: هم أموات.

( بَلْ أَحْياءٌ ) ، أي: بل هم أحياء.

( وَلكِنْ لا تَشْعُرُونَ ) (١٥٤) ما حالهم.

والآية نزلت في شهداء بدر، كانوا أربعة عشر.

وفي مجمع البيان(٣) : بل أحياء. قيل فيه أقوال: الرّابع ـ أنّ المراد، أحياء لما نالوا من جميل الذّكر والثّناء، كما روي عن أمير المؤمنين ـ صلوات الله عليه ـ من قوله: هلك خزّان الأموال. والعلماء باقون ما بقي الدّهر.

أعيانهم مفقودة. وآثارهم في القلوب موجودة.

وفيه(٤) : روى الشّيخ أبو جعفر في كتاب تهذيب الأحكام، مستندا إلى عليّ بن مهزيار، عن القاسم بن محمّد، عن الحسين بن أحمد، عن يونس بن ظبيان. قال: كنت عند أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ جالسا. فقال: ما يقول النّاس في أرواح المؤمنين؟

قلت: يقولون تكون في حواصل طيور خضر، في قناديل تحت العرش.

فقال أبو عبد الله ـ عليه السّلام: سبحان الله! المؤمن أكرم على الله من(٥) أن يجعل روحه في حوصلة طائر أخضر. يا يونس! المؤمن إذا قبضه الله تعالى، صيّر روحه في قالب

__________________

(١) المصدر: البلاء.

(٢) تفسير العياشي ١ / ٦٨، ح ١٢٣.

(٣) مجمع البيان ١ / ٢٣٦.

(٤) نفس المصدر ١ / ٢٣٦+ تهذيب الأحكام ١ / ٤٦٦، ح ١٧١.

(٥) المصدر: من ذلك.

١٩٥

كقالبه في الدّنيا. فيأكلون ويشربون. فإذا قدم عليهم القادم، عرفوه بتلك الصّورة الّتي كانت في الدّنيا.

وعنه(١) ، عن ابن أبي عمير، عن حمّاد، عن أبي بصير. قال: سألت أبا عبد الله ـ عليه السّلام ـ عن أرواح المؤمنين. فقال: في الجنّة على صور أبدانهم. لو رأيته لقلت فلان.

وفي حديث(٢) : أنّه يفسح له مدّ بصره. ويقال له: نم، نومة العروس.

( وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ ) ، أي: ولنصيبنكم إصابة من يختبر لأحوالكم، هل تصبرون على البلاء وتستسلمون للقضاء؟

( بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ ) ، أي: بقليل من ذلك بالقياس إلى ما وقاهم عنه، أو بالنّسبة إلى ما يصيب معانديهم في الآخرة والإخبار به قبل الوقوع للتّوطين.

( وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَراتِ ) :

عطف على «شيء» أو «الخوف»

وفي كتاب كمال الدّين وتمام النّعمة(٣) ، بإسناده إلى محمّد بن مسلم. قال: سمعت أبا عبد الله ـ عليه السّلام ـ يقول: إنّ لقيام(٤) القائم ـ عليه السّلام ـ علامات تكون من الله ـ عزّ وجلّ ـ للمؤمنين.

قلت: فما هي؟ جعلني الله فداك.

قال: ذلك قول الله ـ عزّ وجلّ:( وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ ) ، يعني: المؤمنين قبل خروج القائم ـ عليه السّلام ـ( بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَراتِ. وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ ) .

قال:( لَنَبْلُوَنَّكُمْ ) (٥) ( بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ ) من ملوك بني فلان، في آخر سلطانهم.

«والجوع» بغلاء أسعارهم.( وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوالِ ) قال: كساد(٦) التّجارات وقلّة الفضل.

ونقص من الأنفس قال: موت ذريع. ونقص من الثمرات لقلّة(٧) ريع ما يزرع.

__________________

(١) نفس المصدر ونفس الموضع.

(٢) مجمع البيان ١ / ٢٣٦.

(٣) كمال الدين وتمام النعمة ٢ / ٦٤٩ ـ ٦٥٠، ح ٠٣

(٤) المصدر: قدّام.

(٥) المصدر: يبلوهم.

(٦) أ: فساد.

(٧) المصدر: قال قلة. (ظ.)

١٩٦

( وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ ) عند ذلك بتعجيل خروج القائم ـ عليه السّلام.

[ثمّ](١) قال لي: يا محمّد! هذا تأويله. إنّ الله ـ عزّ وجلّ. ـ يقول(٢) :( وَما يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ ) .

وفي تفسير العيّاشيّ(٣) : عن الثّماليّ، قال: سألت أبا جعفر ـ عليه السّلام ـ عن قول الله ـ عزّ وجلّ ـ( لَنَبْلُوَنَّكُمْ ) (٤) ( بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ ) قال: ذلك جوع خاصّ وجوع عامّ. فأمّا بالشّام، فإنّه عامّ. وأمّا الخاصّ، بالكوفة. يخصّ. ولا يعمّ. ولكنّه يخصّ بالكوفة، أعداء آل محمد ـ عليه الصّلاة والسّلام ـ فيهلكهم الله بالجوع. وأمّا الخوف فإنّه عامّ بالشّام. وذلك الخوف إذا قام القائم ـ عليه السّلام. وأمّا الجوع فقبل قيام القائم ـ عليه السّلام. وذلك قوله:( لَنَبْلُوَنَّكُمْ ) (٥) ( بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ ) وفي كتاب علل الشرائع، بإسناده إلى سماعة بن مهران، عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام. قال: إنّ في كتاب عليّ ـ عليه السّلام ـ إنّ أشدّ النّاس بلاء النّبيّون، ثمّ الوصيّون، ثمّ الأمثل فالأمثل. وإنّما ابتلي(٦) المؤمن على قدر أعماله الحسنة. فمن صحّ دينه وصحّ عمله، اشتدّ بلاؤه. وذلك أنّ الله ـ عزّ وجلّ ـ لم يجعل الدّنيا ثواب المؤمن(٧) ، ولا عقوبة الكافر. ومن سخف دينه وضعف عمله، فقد قلّ بلاؤه. والبلاء أسرع إلى المؤمن المتّقي، من المطر إلى قرار الأرض.

وفي نهج البلاغة(٨) . إنّ الله يبتلي عباده عند الأعمال السّيّئة، بنقص الثّمرات وحبس البركات وإغلاق خزائن الخيرات، ليتوب تائب ويقلع مقلع ويتذكّر متذكّر ويزدجر مزدجر.

( وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ ) (١٥٥)( الَّذِينَ إِذا أَصابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ راجِعُونَ ) (١٥٦): الخطاب للرّسول، أو لمن يتأتّى منه البشارة.

و «المصيبة» تعمّ ما يصيب الإنسان من مكروه.

__________________

(١) يوجد في المصدر.

(٢) آل عمران / ٧.

(٣) تفسير العياشي ١ / ٦٨، ح ١٢٥.

(٤ و ٥) كذا في المصدر. وفي النسخ: ليبلونّكم الله.

(٦) المصدر: يبتلى. (ظ)

(٧) المصدر: توابا لمولمن.

(٨) نهج البلاغة / ١٩٩.

١٩٧

( أُولئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَواتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ ) : «الصّلاة» في الأصل، الدّعاء، ومن الله التّزكية والمغفرة. وجمعها للتّنبيه على كثرتها وتنّوعها.

والمراد بالرّحمة، اللّطف والإحسان.

[( وَأُولئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ ) (١٥٧) للحقّ والصّواب، حيث استرجعوا واستسلموا لقضاء الله تعالى](١)

وفي كتاب الخصال(٢) ، عن عبد الله بن سنان. قال: سمعت أبا عبد الله ـ عليه السّلام ـ يقول: قال رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله: قال الله تعالى: «إنّي أعطيت الدّنيا بين عبادي فيضا فمن أقرضني قرضا، أعطيته بكلّ واحدة منها عشرة إلى سبعمائة ضعف وما شئت من ذلك. ومن لم يقرضني منها قرضا، فأخذت(٣) منه قسرا أعطيته.

ثلاث خصال لو أعطيت(٤) واحدة منهنّ ملائكتي، لرضوا: الصّلاة، والهداية، والرّحمة.» إنّ الله تعالى يقول:( الَّذِينَ إِذا أَصابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قالُوا: إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ راجِعُونَ. أُولئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَواتٌ مِنْ رَبِّهِمْ ) . واحدة من الثلاث ورحمة اثنتين( وَأُولئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ ) ثلاث.

ثمّ قال أبو عبد الله ـ عليه السّلام: هذا لمن أخذ الله منه شيئا قسرا.

وعن أبي عبد الله(٥) ، عن أبيه ـ عليهما السّلام ـ قال: قال رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله: أربع خصال من كنّ فيه كان في نور الله الأعظم: من كانت عصمة أمره شهادة أن لا إله إلّا الله وأني رسول الله، ومن إذا أصابته مصيبة قال:( إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ راجِعُونَ )

(الحديث)

وفي أصول الكافي(٦) : عليّ بن إبراهيم، عن محمّد بن عيسى، عن أبي المفضّل الشيباني(٧) ، عن هارون بن فضل. قال: رأيت أبا الحسن عليّ بن محمّد، في اليوم الّذي توفّى فيه أبو جعفر ـ عليه السّلام. فقال:( إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ راجِعُونَ ) . مضى أبو جعفر ـ عليه السّلام.

__________________

(١) ما بين المعقوفتين ليس في أ.

(٢) الخصال ١ / ١٣٠، ح ١٣٥.

(٣) أ: قد أخذت.

(٤) ر: لو أعطيت منها.

(٥) نفس المصدر: ١ / ٢٢٢، ح ٤٩.

(٦) الكافي ١ / ٣٨١، ح ٥.

(٧) أ: المنشائيّ. المصدر: الشهبانيّ.

١٩٨

فقيل له: وكيف عرفت؟

قال: لأنّه قد دخلني ذلّة(١) لم أكن اعرفها.

وفي الكافي(٢) : عليّ بن إبراهيم، عن ابن أبي عمير، عن عبد الله بن سنان، عن معروف بن خربوذ، عن أبي جعفر ـ عليه السّلام. قال: ما من عبد يصاب بمصيبة، فيسترجع عند ذكر المصيبة ويصبر حين تفاجئه إلا غفر الله له ما تقدّم من ذنبه. وكلّما ذكر مصيبة فاسترجع عند ذكر المصيبة، غفر الله له كلّ ذنب فيما بينهما.

عليّ(٣) ، عن أبيه(٤) ، عن ابن أبي عمير، عن داود بن رزين، عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام. قال: من ذكر مصيبة ولو بعد حين، فقال:( إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ راجِعُونَ ) .

والحمد لله ربّ العالمين. أللّهمّ أجرني على مصيبتي. وأخلف عليّ أفضل منها» كان له من الأجر، مثل ما كان عند أوّل صدمته.

عليّ بن محمّد عن صالح(٥) بن أبي حمّاد، رفعه. قال: جاء أمير المؤمنين ـ عليه السّلام ـ إلى الأشعث بن قيس، يعزّيه بأخ له. فقال له(٦) : إن جزعت فحقّ الرّحم أتيت، وإن صبرت فحقّ الله أديت، على أنّك إن صبرت جرى عليك القضاء، وأنت محمود، وإن جزعت جرى عليك القضاء وأنت مذموم.

فقال له الأشعث:( إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ راجِعُونَ ) .

فقال أمير المؤمنين ـ عليه السّلام: أتدري ما تأويلها؟

فقال الأشعث: لا. أنت غاية العلم ومنتهاه.

فقال له: أمّا قولك( إِنَّا لِلَّهِ ) فإقرار منك بالملك. وأمّا قولك( وَإِنَّا إِلَيْهِ راجِعُونَ ) فإقرار منك بالهلاك.

وفي تفسير عليّ بن إبراهيم(٧) : وسئل أبو عبد الله ـ عليه السّلام: ما بلغ من حزن يعقوب؟

__________________

(١) المصدر: لأنّه تداخلني ذلة لله.

(٢) الكافي ٣ / ٢٢٤، ح ٥.

(٣) نفس المصدر ونفس الموضع، ح ٦.

(٤) ليس في أور.

(٥) نفس المصدر ٣ / ٢٦١، ح ٤٠.

(٦) المصدر: يعزّيه بأخ له يقال له عبد الرحمن. فقال له أمير المؤمنين.

(٧) تفسير القمي ١ / ٣٥٠.

١٩٩

قال: حزن سبعين ثكلى على أولادها.

وقال: إنّ يعقوب لم يعرف الاسترجاع. فمنها قال وا أسفا على يوسف.

وفي نهج البلاغة(١) : وقال ـ عليه السّلام ـ وقد سمع رجلا يقول:( إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ راجِعُونَ ) ـ فقال: انّ قولنا( إِنَّا لِلَّهِ ) ، إقرار على أنفسنا بالملك. وقولنا( وَإِنَّا إِلَيْهِ راجِعُونَ ) ، إقرار على أنفسنا بالهلاك.

وفي مجمع البيان(٢) : وفي الحديث: من استرجع عند المصيبة، جبر الله مصيبته، وأحسن عقباه، وجعل له خلفا صالحا يرضاه.

وقال ـ عليه السّلام(٣) : من أصيب بمصيبة فأحدث استرجاعا وإن تقادم(٤) عهدها، كتب الله له من الأجر مثل يوم أصيب.

[وفي شرح الآيات الباهرة(٥) :](٦) وذكر الشّيخ جمال الدّين ـ قدّس الله روحه ـ في كتاب نهج الحقّ(٧) ، عن ابن مردويه، من طريق العامّة، بإسناده إلى ابن عبّاس. قال: إنّ أمير المؤمنين ـ صلوات الله عليه ـ لـمّا وصل إليه ذكر قتل عمّه حمزة قال:( إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ راجِعُونَ ) . فنزلت هذه الآية:( بَشِّرِ الصَّابِرِينَ ) . (الآية) وهو القائل عند تلاوتها:( إِنَّا لِلَّهِ ) إقرار بالملك.( وَإِنَّا إِلَيْهِ راجِعُونَ ) إقرار بالهلاك.

( إِنَّ الصَّفا وَالْمَرْوَةَ ) : علما جبلين بمكّة.

وفي كتاب علل الشّرائع(٨) ، بإسناده إلى عبد الحميد بن أبي الدّيلم، عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام. قال: سمّي الصّفا صفا، لان المصطفى آدم، هبط عليه. فقطع للجبل اسم

__________________

(١) نهج البلاغة / ٤٨٥، ح ٩٩.

(٢) مجمع البيان ١ / ٢٣٨.

(٣) نفس المصدر ونفس الموضع.

(٤) ر: تقدّم.

(٥) تأويل الآيات الباهرة، مخطوط / ٢٨.

(٦) ليس في أ.

(٧) هو أبو منصور جمال الدين حسن بن يوسف بن المطهر الحلي ـ قدس الله روحه ـ الملقب بالعلامة، الذي جمع من العلوم ما تفرق في جميع الناس، وأحاط من الفنون بما لا يحاط بقياس، مروج المذهب والشريعة في المائة السابعة ورئيس العلماء الشيعة من غير مدافعة. صنف في كلّ علم كتبا ومنها «نهج الحق وكشف الصدق.» مرتبا على مسائل في التوحيد والعدل والنبوة والامامة.

(٨) علل الشرائع ١ / ٤٣١ ـ ٤٣٢، ح ١.

٢٠٠

من اسم آدم ـ عليه السّلام. يقول الله ـ عزّ وجلّ(١) :( إِنَّ اللهَ اصْطَفى آدَمَ وَنُوحاً وَآلَ إِبْراهِيمَ وَآلَ عِمْرانَ عَلَى الْعالَمِينَ ) . وقد هبطت حوّاء على المروة. وإنّما سمّيت المروة مروة لأنّ المرأة هبطت عليها. فقطع للجبل اسم من اسم المرأة.

( مِنْ شَعائِرِ اللهِ ) : أعلام مناسكه. جمع شعيرة. وهي العلامة.

( فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ أَوِ اعْتَمَرَ ) :

«الحجّ» لغة، القصد والاعتمار الزّيارة. فغلبا شرعا على قصد البيت وزيارته على الوجهين المخصوصين.

( فَلا جُناحَ عَلَيْهِ أَنْ يَطَّوَّفَ بِهِما ) :

قيل(٢) : كان أساف على الصّفا ونائلة على المروة. وكان أهل الجاهليّة إذا سعوا، مسحوهما. فلمّا جاء الإسلام وكسرت الأصنام، تحرّج المسلمون أن يطوفوا (بهما)(٣) لذلك.

فنزلت والإجماع على أنّه مشروع في الحجّ والعمرة. والخلاف في وجوبه.

وذهب بعض العامة إلى عدم وجوبه.

وفي من لا يحضره الفقيه(٤) ، روى عن زرارة ومحمّد بن مسلم، أنّهما قالا: قلنا لأبي جعفر ـ عليه السّلام: ما تقول في الصّلاة في السّفر، كيف هي؟ وكم هي؟

فقال: إنّ الله ـ عزّ وجلّ ـ يقول(٥) :( وَإِذا ضَرَبْتُمْ فِي الْأَرْضِ، فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُناحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلاةِ ) . فصار التّقصير في السّفر، واجبا، كوجوب التّمام في الحضر.

[قالا: قلنا: إنّما قال الله ـ عزّ وجلّ:( فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُناحٌ ) ولم يقل: «افعلوا» فكيف أوجب(٦) ذلك كما أوجب التّمام في الحضر؟](٧) فقال ـ عليه السّلام: أو ليس قد قال الله ـ عزّ وجلّ ـ في الصّفا والمروة:( فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ أَوِ اعْتَمَرَ فَلا جُناحَ عَلَيْهِ أَنْ يَطَّوَّفَ بِهِما ) . ألّا ترون أنّ الطّواف بهما واجب مفروض؟ لأنّ الله ـ عزّ وجلّ. ـ ذكره في كتابه وصنعه نبيّه ـ عليه السّلام. وكذلك التّقصير في السّفر. شيء صنعه النّبيّ ـ صلّى الله عليه وآله ـ وذكره الله ـ تعالى ذكره ـ

__________________

(١) آل عمران / ٣٣.

(٢) أنوار التنزيل ١ / ٩٢.

(٣) المصدر: بينهما.

(٤) من لا يحضره الفقيه ١ / ٢٧٨، ح ١٢٦٦.

(٥) النساء / ١٠١.

(٦) ر: وجب.

(٧) ما بين المعقوفتين ليس في أ.

٢٠١

في كتابه.

وفي الكافي(١) : عدّة من أصحابنا، عن أحمد بن محمّد، عن معاوية بن حكيم، عن محمّد بن أبي عمير، عن الحسن بن عليّ الصّيرفيّ، عن بعض أصحابنا. قال: سئل أبو عبد الله ـ عليه السّلام ـ عن السّعي بين الصّفا والمروة، فريضة أم سنّة؟

فقال: فريضة.

قلت: أو ليس قال الله ـ عزّ وجلّ ـ( فَلا جُناحَ عَلَيْهِ أَنْ يَطَّوَّفَ بِهِما ) ؟

قال: كان ذلك في عمرة القضاء. إنّ رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ شرط عليهم أن يرفعوا الأصنام من الصّفا والمروة. فسئل عن رجل(٢) ترك السّعي حتّى انقضت الأيّام وأعيدت الأصنام.

فجاءوا إليه. فقالوا: يا رسول الله! إنّ فلانا لم يسع بين الصّفا والمروة. وقد أعيدت الأصنام. فأنزل الله ـ عزّ وجلّ:( فَلا جُناحَ عَلَيْهِ أَنْ يَطَّوَّفَ بِهِما ) ، أي: وعليهما الأصنام.

وفي علل الشّرائع(٣) ، بإسناده إلى معاوية بن عمّار، عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام. قال: إنّ إبراهيم ـ عليه السّلام ـ لـمّا خلّف(٤) إسماعيل بمكّة، عطش الصّبيّ. وكان فيما بين الصّفا والمروة، شجرة. فخرجت أمّه حتّى قامت على الصّفا.

فقالت: هل بالوادي من أنيس؟

فلم يجبها أحد. فمضيت حتّى انتهت إلى المروة. فقالت: هل بالوادي من أنيس؟

فلم تجب(٥) . ثمّ رجعت إلى الصّفا. فقالت كذلك. حتّى صنعت ذلك سبعا.

فأجرى الله سنّته(٦) .

والحديث طويل. أخذت منه موضع الحاجة.

وبإسناده(٧) إلى معاوية بن عمّار، عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام. قال: صار السّعي بين الصّفا والمروة، لأنّ إبراهيم ـ عليه السّلام ـ عرض له إبليس، فأمره جبرئيل

__________________

(١) الكافي ٤ / ٤٣٥، ح ٨.

(٢) المصدر: من الصفا والمروة. فتشاغل رجل. (ظ)

(٣) علل الشرائع ٢ / ٤٣٢، ح ١.

(٤) أ: خلّفت.

(٥) المصدر: فلم يجبها.

(٦) المصدر: ذلك سنّته.

(٧) نفس المصدر ٢ / ٤٣٢، ح ١.

٢٠٢

ـ عليه السّلام. فشدّ عليه. فهرب منه. فجرت به السّنّة، يعني: الهرولة.

وبإسناده(١) إلى حمّاد، عن الحلبيّ. قال: سألت أبا عبد الله ـ عليه السّلام: لم جعل السّعي بين الصّفا والمروة؟

قال: لأنّ الشيطان تراءى لإبراهيم ـ عليه السّلام ـ في الوادي. فسعى. وهو منازل الشيطان.

وفي الكافي(٢) : عليّ بن إبراهيم، عن أبيه ومحمّد بن إسماعيل، عن الفضل بن شاذان، جميعا عن ابن أبي عمير، عن معاوية بن عمّار، عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام.

قال: إنّ رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ أقام بالمدينة، عشر سنين، لم يحجّ. ثمّ أنزل الله تعالى(٣) عليه:( وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجالاً وَعَلى كُلِّ ضامِرٍ يَأْتِينَ مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ ) .

فأمر المؤذّنين أن يؤذّنوا بأعلى أصواتهم بأنّ رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ يحجّ في عامه هذا. فعلم به من حضر في المدينة وأهل العوالي والأعراب. واجتمعوا لحجّ رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله. وإنّما كانوا تابعين ينتظرون(٤) ما يؤمرون. ويتبعونه. أو يصنع شيئا، فيصنعونه.

فخرج رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ في أربع بقين من ذي القعدة. فلمّا انتهى إلى ذي الحليفة، زالت الشّمس. فاغتسل. ثمّ خرج حتّى أتى المسجد الّذي عند الشجرة. فصلّى فيه الظّهر. وعزم بالحجّ مفردا. وخرج حتّى انتهى إلى البيداء، عند الميل الأوّل. فصفّ له سمطان(٥) . فلبّى بالحجّ مفردا. وساق الهدي ستّا وستّين، أو أربعا وستّين، حتّى انتهى إلى مكّة، في سلخ أربع من ذي الحجّة. فطاف بالبيت سبعة أشواط.

ثمّ صلّى ركعتين، خلف مقام إبراهيم ـ عليه السّلام. ثمّ عاد إلى الحجر. فاستلمه. وقد كان استلمه في أوّل طوافه. ثمّ قال:( إِنَّ الصَّفا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعائِرِ اللهِ ) . فابدأ بما بدأ الله تعالى(٦)

__________________

(١) نفس المصدر ٢ / ٤٣٣، ح ٢.

(٢) الكافي ٤ / ٢٤٥، ح ٤.

(٣) الحج / ٢٧.

(٤) المصدر: ينظرون.

(٥) المصدر: سماطان.

(٦) يوجد في أبعد: ثم صلّى ركعتين خلف مقام إبراهيم ـ عليه السّلام ـ ثم عاد.

٢٠٣

وانّ المسلمين كانوا يظنّون [أنّ](١) السّعي بين الصّفا والمروة، شيء صنعه المشركون.

فانزل الله تعالى:( إِنَّ الصَّفا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعائِرِ اللهِ. فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ أَوِ اعْتَمَرَ فَلا جُناحَ عَلَيْهِ أَنْ يَطَّوَّفَ بِهِما ) .

والحديث طويل. أخذت منه موضع الحاجة.

عليّ بن إبراهيم(٢) ، عن أبيه، ومحمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد، جميعا، عن ابن أبي عمير، عن حمّاد، عن الحلبيّ، عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام. قال في حديث طويل: إنّ رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ قال: أبدأ بما بدأ الله تعالى به. فأتى الصفا. فبدأ بها.

عدّة من أصحابنا(٣) ، عن أحمد بن محمّد عن الحسين بن سعيد، عن النّضر بن سويد، عن عبد الله بن سنان. قال: قال أبو عبد الله ـ عليه السّلام: إنّ رسول ـ صلّى الله عليه وآله ـ قال: ابدأ بما بدأ الله.

ثمّ صعد على الصّفا. فقام عليه مقدار ما يقرأ الإنسان(٤) سورة البقرة.

والحديث طويل. أخذت منه موضع الحاجة.

ابن محبوب(٥) ، عن عبد العزيز العبديّ، عن عبيد بن زرارة. قال: سألت أبا عبد الله ـ عليه السّلام ـ عن رجل طاف بالبيت أسبوعا طواف الفريضة، ثمّ سعى بين الصّفا والمروة أربعة أشواط ثمّ غمزه بطنه، فخرج، وقضى حاجته، ثمّ غشى أهله.

قال: يغتسل، ثمّ يعود، فيطوف ثلاثة أشواط، ويستغفر ربّه، ولا شيء عليه.

قلت: فإن كان طاف بالبيت طواف الفريضة، فطاف أربعة أشواط، ثمّ غمزه بطنه، فخرج فقضى حاجته، فغشى أهله؟

فقال: أفسد حجّة. وعليه بدنة، ويغتسل، ثمّ يرجع، فيطوف أسبوعا، ثمّ يسعى ويستغفر ربّه.

قلت: كيف لم تجعل عليه حين غشى أهله قبل أن يفرغ من سعيه، كما جعلت عليه هديا حين غشى أهله قبل أن يفرغ من طوافه؟

قال: إنّ الطّواف فريضة. وفيه صلاة والسّعي سنّة من رسول الله ـ صلّى الله

__________________

(١) المصدر: عن.

(٢) نفس المصدر ٤ / ٢٤٨، ح ٦.

(٣) نفس المصدر ونفس الموضع، ح ٧.

(٤) ليس في أ.

(٥) نفس المصدر ٤ / ٣٧٩، ح ٧.

٢٠٤

عليه وآله.

قلت: أليس الله يقول:( إِنَّ الصَّفا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعائِرِ اللهِ ) ؟

قال: بلى. ولكن قد قال فيهما:( وَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْراً. فَإِنَّ اللهَ شاكِرٌ عَلِيمٌ ) فلو كان السّعي فريضة، لم يقل( وَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْراً ) .

قوله ـ عليه السّلام: والسعي سنة، أي: ليس وجوبه كوجوب الطّواف، وإن كان هو واجبا من سنّة رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله.

عليّ بن إبراهيم(١) ، عن أبيه، عن ابن أبي عمير ومحمّد بن إسماعيل، عن الفضل بن شاذان، عن صفوان بن يحيى، عن ابن أبي عمير، عن معاويه بن عمّار، عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام: أنّ رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ حين فرغ من طوافه وركعتيه قال: ابدأ بما بدأ الله ـ عزّ وجلّ ـ به من إتيان الصّفا. إنّ الله ـ عزّ وجلّ ـ يقول:( إِنَّ الصَّفا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعائِرِ اللهِ ) .

والحديث طويل. أخذت منه موضع الحاجة.

عدّة من أصحابنا(٢) ، عن سهل بن زياد، رفعه. قال: ليس لله منسك أحبّ إليه من السّعي. وذلك أنّه يذلّ فيه الجبّارين.

أحمد بن محمّد(٣) ، عن التّيمليّ، عن الحسين بن أحمد الحلبيّ، عن أبيه، عن رجل، عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام. قال: قال: جعل السّعي بين الصّفا والمروة، مذلّة للجبّارين.

( وَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْراً ) ، أي: فعل طاعة فرضا كان أو نفلا.

و «خيرا» نصب على أنّه صفة مصدر محذوف، أو بحذف الجار وإيصال الفعل إليه، أو بتعدية الفعل لتضمّنه معنى أتى.

وقرأ يعقوب والكسائيّ وحمزة «يطّوّع». وأصله يتطوّع. فأدغم مثل يطّوّف.

( فَإِنَّ اللهَ شاكِرٌ ) : مثيب على الطّاعة،( عَلِيمٌ ) (١٥٨): لا تخفى عليه طاعة.

( إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ ) ، كأحبار اليهود ،

__________________

(١) نفس المصدر ٤ / ٤٣١، ح ١.

(٢) نفس المصدر ٤ / ٤٣٤، ح ٤.

(٣) نفس المصدر ونفس الموضع، ح ٥.

٢٠٥

( ما أَنْزَلْنا مِنَ الْبَيِّناتِ ) ، كالآيات الشّاهدة على أمر محمّد ـ عليه السّلام.

( وَالْهُدى ) : وما يهدي إلى وجوب اتّباعه والإيمان به.

وفي تفسير العيّاشيّ(١) : عن ابن أبي عمير، عمّن ذكره، عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام:( إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ ما أَنْزَلْنا مِنَ الْبَيِّناتِ وَالْهُدى ) في عليّ.

وعن حمران(٢) بن أعين، عن أبي جعفر ـ عليه السّلام ـ في قول الله:( إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ ما أَنْزَلْنا مِنَ الْبَيِّناتِ وَالْهُدى مِنْ بَعْدِ ما بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الْكِتابِ ) ، يعني بذلك نحن، والله المستعان.

عن بعض أصحابنا(٣) ، عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام. قال: قلت له: أخبرني عن قوله:( إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ ما أَنْزَلْنا مِنَ الْبَيِّناتِ وَالْهُدى مِنْ بَعْدِ ما بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الْكِتابِ ) .

قال: نحن يعني بها. والله المستعان. إنّ الرّجل منّا إذا صارت إليه لم يكن له، أو لم يسعه، إلّا أن يبيّن للنّاس من يكون بعده.

( مِنْ بَعْدِ ما بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ ) : لخّصناه لهم.

( فِي الْكِتابِ ) : في التوراة.

على ما سبق في الحديث، يشمل القرآن ـ أيضا.

( أُولئِكَ يَلْعَنُهُمُ اللهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللَّاعِنُونَ ) (١٥٩)، أي: الّذين يتأتّى منهم اللّعن عليهم، من الملائكة والثّقلين.

وفي تفسير عليّ بن إبراهيم(٤) : قوله( أُولئِكَ يَلْعَنُهُمُ اللهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللَّاعِنُونَ ) قال :كلّ من قد لعنه الله من الجنّ والإنس، نلعنهم.

وفي كتاب الاحتجاج(٥) ، للطّبرسيّ ـ رحمه الله ـ عن أبي محمّد العسكريّ ـ عليه السّلام ـ حديث طويل. فيه: قيل لأمير المؤمنين ـ عليه السّلام: من خير خلق الله بعد أئمة الهدى ومصابيح الدّجى؟

قال: العلماء، إذا صلحوا.

__________________

(١) تفسير العياشي ١ / ٧١، ح ١٣٦.

(٢) نفس المصدر ونفس الموضع، ح ١٣٧.

(٣) نفس المصدر ونفس الموضع، ح ١٣٩.

(٤) تفسير القمي ١ / ٦٤.

(٥) الاحتجاج ٢ / ٢٦٤.

٢٠٦

قيل: فمن شرّ خلق الله بعد إبليس وفرعون وثمود وبعد المتسمّين بأسمائكم وبعد المتلقّبين بألقابكم والآخذين لأمكنتكم والمتآمرين(١) في ممالككم.

قال: العماء، إذا فسدوا، هم المظهرون للأباطيل الكاتمون للحقائق. وفيهم قال الله ـ عزّ وجلّ:( أُولئِكَ يَلْعَنُهُمُ اللهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللَّاعِنُونَ إِلَّا الَّذِينَ تابُوا ) . (الآية)

وفي مجمع البيان(٢) : وروي عن النّبيّ ـ صلّى الله عليه وآله ـ أنّه قال: من سئل عن علم يعلمه فكتمه، ألجم يوم القيامة بلجام من نار.

[وفي تفسير العيّاشيّ(٣) : عن عبد الله بن بكير، عمّن حدّثه، عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ في قوله( أُولئِكَ يَلْعَنُهُمُ اللهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللَّاعِنُونَ ) قال: نحن هم. وقد قالوا(٤) هو امّ الأرض](٥)

( إِلَّا الَّذِينَ تابُوا ) عن الكتمان وسائر ما يجب أن يتاب عنه،( وَأَصْلَحُوا ) ما أفسدوا بالتّدارك،( وَبَيَّنُوا ) ما بيّنه الله في كتابهم، لتتمّ توبتهم.

وقيل(٦) : ما أحدثوه من التّوبة ليمحو به سمة الكفر، عن أنفسهم، ويقتدي بهم أضرابهم،( فَأُولئِكَ أَتُوبُ عَلَيْهِمْ ) بالقبول والمغفرة.

( وَأَنَا التَّوَّابُ الرَّحِيمُ ) (١٦٠): المبالغ في قبول التّوبة وإفاضة الرّحمة.

( إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَماتُوا وَهُمْ كُفَّارٌ ) ، أي: ومن لم يتب من الكاتمين حتّى مات،( أُولئِكَ عَلَيْهِمْ لَعْنَةُ اللهِ وَالْمَلائِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ ) (١٦١)، يعني: استقرّ عليهم لعنة الله ولعنة من يعتدّ بلعنه من خلقه.

وقيل(٧) : الأوّل لعنهم أحياء، والثّاني لعنهم أمواتا.

__________________

(١) أ: المتأخرين.

(٢) مجمع البيان ١ / ٢٤١.

(٣) تفسير العياشي ١ / ٧٢، ح ١٤١.

(٤) قيل في هامش المصدر: وقال المجلسي ـ ره ـ (البحار ١ / ٨٩): ضمير «هم» راجع إلى «اللاعنين». قوله: «وقد قالوا»، إمّا كلامه ـ عليه السّلام. فضمير الجمع راجع إلى العامّة، أو كلام المؤلف، أو الرواة. فيحتمل إرجاعه إلى أهل بيت ـ عليهم السّلام ـ أيضا.

(٥) ما بين المعقوفتين ليس في أ.

(٦) أنوار التنزيل ١ / ٩٢.

(٧) أنوار التنزيل ١ / ٩٢ ـ ٩٣.

٢٠٧

وقرئ(١) برفع الملائكة والنّاس وأجمعون، عطفا على محلّ اسم «الله». لأنّه فاعل في المعنى، كقولك: اعجبني ضرب زيد وعمرو، أو فاعلا لفعل مقدّر، أي: ويلعنهم الملائكة.

( خالِدِينَ فِيها ) : أي: في اللّعنة، أو النّار. وإضمارها قبل الذّكر، تفخيما لشأنها وتهويلا، أو اكتفاء بدلالة اللّعن عليها.

( لا يُخَفَّفُ عَنْهُمُ الْعَذابُ وَلا هُمْ يُنْظَرُونَ ) (١٦٢): أي: لا يمهلون، أو لا ينتظرون ليعتذروا، أو لا ينظر إليهم نظر رحمة.

وفي الآية، دلالة على كفر من كتم ما أنزل في عليّ ـ عليه السّلام ـ بناء على ما سبق من الخبر.

( وَإِلهُكُمْ إِلهٌ واحِدٌ ) :

خطاب عامّ، اي: المستحقّ للعبادة منكم، واحد لا شريك له. يصحّ أن يعبد ويسمّى إلها.

( لا إِلهَ إِلَّا هُوَ ) ، تقرير للواحدانيّة. وإزاحة لأن يتوهّم أنّ في الوجود إلها ولكنّه لا يستحقّ العبادة منهم.

( الرَّحْمنُ الرَّحِيمُ ) (١٦٣) كالحجّة عليها. فإنّه لـمّا كان مولى النّعم كلّها، أصولها وفروعها وما بسواه، إمّا نعمة، أو منعم عليه، لم يستحقّ العبادة أحد غيره. وهما خبران آخران لقوله «إلهكم» أو لمبتدأ محذوف.

قيل(٢) : لـمّا سمعه المشركون، تعجّبوا. وقالوا: إن كنت صادقا، فأت بآية نعرف بها صدقك. فنزلت.

( إِنَّ فِي خَلْقِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ ) :

وإنّما جمع السّموات وأفرد الأرض، لأنّها طبقات متفاصلة بالذّات، مختلفة بالحقيقة، بخلاف الأرضين.

( وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهارِ ) : تعاقبهما، كقوله(٣) : جعل( اللَّيْلَ وَالنَّهارَ خِلْفَةً )

__________________

(١) نفس المصدر ونفس الموضع.

(٢) أنوار التنزيل ١ / ٩٣.

(٣) الفرقان / ٦٢.

٢٠٨

( وَالْفُلْكِ الَّتِي تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِما يَنْفَعُ النَّاسَ ) ، أي: ينفعهم، أو بالّذي ينفعهم.

والقصد به إلى الاستدلال بالبحر وأحواله وتخصيص الفلك بالذّكر، لأنّه سبب الخوض فيه والاطّلاع على عجائبه. ولذلك قدّمه على ذكر المطر والسّحاب. لأن منشأهما البحر، في غالب الأمر. وتأنيث الفلك، لأنّه بمعنى السّفينة.

وقرئ بضمّتين، على الأصل، أو الجمع. وضمّة الجمع، غير ضمّة الواحد، عند المحققين.

( وَما أَنْزَلَ اللهُ مِنَ السَّماءِ مِنْ ماءٍ ) :

من الأولى، للابتداء. والثّانية، للبيان.

و «السّماء» يحتمل الفلك والسّحاب وجهة العلو.

( فَأَحْيا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِها ) بالنبات.

( وَبَثَّ فِيها مِنْ كُلِّ دَابَّةٍ ) عطف على «أنزل». كأنّه استدلّ بنزول المطر وتكوّن النّبات به وبثّ الحيوانات في الأرض، أو على أحياء. فإنّ الدّوابّ ينمون بالخصب ويعيشون بالماء.

و «البثّ»: النّشر والتّفريق.

( وَتَصْرِيفِ الرِّياحِ ) في مهابّها وأحوالها.

وقرأ حمزة والكسائيّ على الإفراد.

( وَالسَّحابِ الْمُسَخَّرِ بَيْنَ السَّماءِ وَالْأَرْضِ ) : لا ينزل ولا يتقشّع، مع أنّ الطّبع يقتضي أحدهما حتّى يأتي أمر الله.

وقيل(١) : المسخّر(٢) للرّياح تقلّبه في الجوّ، بمشيئة الله تعالى. واشتقاقه من السّحب.

لأنّ بعضه يجرّ بعضا.

( لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ ) (١٦٤)، يتفكّرون فيها. وينظرون إليها، بعيون عقولهم.

والكلام المجمل، في الاستدلال بهذه الأمور، إنّها ممكنة وجد كلّ منها بوجه مخصوص من وجوه محتملة وأنحاء مختلفة، إذ كان من الجائز، مثلا: أن لا تتحرّك السّموات، أو بعضها كالأرض، وأن تتحرّك بعكس حركتها، وبحيث تصير المنطقة دائرة مارّة بالقطبين، وأن لا يكون لها أوج وحضيض أصلا، أو على هذا الوجه لبساطتها

__________________

(١) أنوار التنزيل ١ / ٩٣.

(٢) المصدر: مسخّر.

٢٠٩

وتساوى أجزائها، فلا بدّ لها من موجد قادر حكيم، يوجدها على ما تستدعيه حكمته وتقتضيه مشيئته، متعاليا عن معارضة غيره، إذ لو(١) كان معه إله يقدر على ما يقدر عليه، فإن توافقت إرادتهما، فالفعل إن كان لهما، لزم اجتماع المؤثّرين على أثر واحد، وإن كان لأحدهما، لزم ترجيح الفاعل بلا مرجّح وعجز الآخر المنافي للإلهيّة، وإن اختلفت، لزم التّمانع والتّطارد، كما أشار إليه بقوله(٢) :( لَوْ كانَ فِيهِما آلِهَةٌ إِلَّا اللهُ لَفَسَدَتا ) .

وفي أصول الكافي(٣) : بعض أصحابنا، رفعه عمّن رفعه، عن هشام بن الحكم.

قال: قال لي أبو الحسن موسى بن جعفر ـ عليه السّلام: يا هشام! إنّ الله ـ تبارك وتعالى ـ أكمل للنّاس الحجج بالعقول، ونصر النبيّين بالبيان، ودلّهم على ربوبيّته بالأدلة. فقال:( وَإِلهُكُمْ إِلهٌ واحِدٌ. لا إِلهَ إِلَّا هُوَ الرَّحْمنُ الرَّحِيمُ. إِنَّ فِي خَلْقِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهارِ وَالْفُلْكِ الَّتِي تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِما يَنْفَعُ النَّاسَ وَما أَنْزَلَ اللهُ مِنَ السَّماءِ مِنْ ماءٍ فَأَحْيا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِها وَبَثَّ فِيها مِنْ كُلِّ دَابَّةٍ وَتَصْرِيفِ الرِّياحِ وَالسَّحابِ الْمُسَخَّرِ بَيْنَ السَّماءِ وَالْأَرْضِ، لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ ) .

وفي كتاب الإهليلجة(٤) : قال الصّادق ـ عليه السّلام ـ في كلام طويل: ثمّ نظرت العين إلى العظيم مثل السّحاب المسخّر بين السّماء والأرض والجبال. يتخلّل الشّجر فلا يحرّك منها شيئا ولا يقصّر منها غصنا ولا يتعلّق منها يعترض الرّكبان فيحول بين بعضهم وبين بعض من ظلمته وكثافته يحمل من ثقل الماء وكثرته ما لا يقدر على صفته مع ما فيه من الصّواعق الصّارعة والبروق اللّامعة والرّعد والثّلج والبرد(٥) ما لا يبلغ الأوهام نعته ولا تهتدي القلوب إليه. فخرج مستقّلا في الهواء يجتمع بعد تفرّقه وينفجر بعد تمسّكه ـ إلى ان قال عليه السّلام ـ ولو أنّ ذلك السّحاب والثّقل من الماء هو الّذي يرسل نفسه بعد احتماله، لما مضى به ألف فرسخ وأكثر وأقرب من ذلك وأبعد ليرسله قطرة بعد قطرة بلا هزّة ولا فساد ولا ضار به إلى بلدة وترك أخرى.

وفي عيون الأخبار(٦) ، عن الرّضا ـ عليه السّلام ـ في حديث طويل. يقول فيه: إنّي لـمّا نظرت إلى جسدي، فلم يمكنني فيه زيادة ولا نقصان في العرض أو الطّول ودفع

__________________

(١) ليس في ر.

(٢) الأنبياء / ٢٢.

(٣) الكافي ١ / ١٣، ح ١٢.

(٤) بحار الأنوار ٣ / ١٦٤، مع اختلاف في النقل.

(٥) المصدر: البرد والجليد.

(٦) عيون الاخبار ١ / ١٠٨، ح ٢٨.

٢١٠

المكاره عنه وجرّ المنفعة إليه، علمت أنّ لهذا البنيان بانيا. فأقررت به مع ما أرى من دوران الفلك بقدرته وإنشاء السّحاب وتصريف الرّياح ومجرى الشّمس والقمر والنّجوم وغير ذلك من الآيات العجيبات المتقنات، علمت أنّ لهذا مقدّرا ومنشئا.

وفي كتاب التوحيد(١) : قال هشام فكان من سؤال الزّنديق أن قال: فما الدّليل عليه؟

قال أبو عبد الله ـ عليه السّلام: وجود الأفاعيل التي(٢) دلّت على أنّ صانعا صنعها.

ألا ترى انّك إذا نظرت إلى بناء مشيّد(٣) علمت أنّ له بانيا؟ وإن كنت لم تر الباني ولم تشاهده.

وفي اصول الكافي، مثله، سواء(٤) .

( وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَتَّخِذُ مِنْ دُونِ اللهِ أَنْداداً ) من الرّؤساء الّذين كانوا يطيعونهم، أو الأعمّ منهم، ومن كلّ ما يتّخذونهم أندادا.

( يُحِبُّونَهُمْ ) : يعظّمونهم. ويطيعونهم.

( كَحُبِّ اللهِ ) : كتعظيمه(٥) والميل إلى طاعته.

أي: يسوّون بينه وبينهم في المحبّة والطّاعة، أو يحبّونهم كما ينبغي أن يحبّ الله، من المصدر المبنيّ للمفعول. وأصله من الحبّ. استعير لحبّة القلب. ثمّ اشتقّ منه الحبّ.

لأنّه أصابها ورسخ فيها.

ومحبّة العبد لله، إرادة طاعته والاعتناء بتحصيل مرضاته. ومحبّته للعبد، إرادة إكرامه واستعماله وصونه عن المعاصي.

( وَالَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبًّا لِلَّهِ ) : لأنّه لا تنقطع محبّتهم لله بخلاف محبّة الأنداد. فإنّها لأغراض فاسدة موهومة، تزول بأدنى سبب.

( وَلَوْ يَرَى الَّذِينَ ظَلَمُوا ) : ولو يعلم هؤلاء الّذين ظلموا باتّخاذهم الأنداد،( إِذْ يَرَوْنَ الْعَذابَ ) : إذا عاينوه يوم القيامة.

وأجرى المستقبل مجرى الماضي، لتحقّقه، كقوله(٦) : ونادى أصحاب الجنّة.

( أَنَّ الْقُوَّةَ لِلَّهِ جَمِيعاً ) :

__________________

(١) التوحيد / ٢٤٤.

(٢) ليس في الكافي.

(٣) المصدر: مشيّد مبنيّ.

(٤) الكافي ١ / ٨١، ح ٥.

(٥) أ: لتعظيمه.

(٦) الأعراف / ٤٤.

٢١١

سادّ مسدّ مفعولي «يرى» وجواب «لو» محذوف، أي: لندموا أشدّ النّدم.

وقيل(١) : هو متعلّق الجواب. والمفعولان محذوفان. والتقدير: «ولو يرى الّذين ظلموا أندادهم لا تنفع، لعلموا أنّ القوّة لله كلّها. لا ينفع ولا يضرّ غيره.» وقرأ ابن عامر ونافع ويعقوب(٢) : «ولو ترى» على أنّه خطاب للنّبيّ ـ صلّى الله عليه وآله ـ، أي: ولو ترى ذلك لرأيت أمرا عظيما.

وابن عامر(٣) : «إذ يُرون» على البناء للمفعول.

ويعقوب(٤) : «إنّ» (بالكسر) وكذا.

( وَأَنَّ اللهَ شَدِيدُ الْعَذابِ ) (١٦٥) :

على الاستئناف، أو إضمار القول.

( إِذْ تَبَرَّأَ الَّذِينَ اتُّبِعُوا مِنَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا ) :

بدل من «إذ يرون»، أي: إذ تبرّأ المتّبعون، من الأتباع. وقرئ بالعكس، أي: تبرّأ الاتباع من الرّؤساء.

( وَرَأَوُا الْعَذابَ ) ، أي: رائين له.

والواو للحال. وقد مضمرة. وقيل: عطف على تبرّأ.

( وَتَقَطَّعَتْ بِهِمُ الْأَسْبابُ ) (١٦٦) :

يحتمل العطف على «تبرّأ» و «رأوا» و «الحال» و «الأسباب» الوصل الّتي كانت بينهم من الاتّباع والاتّفاق، على الدين والأغراض الدّاعية إلى ذلك.

وأصل السّبب، الحبل الّذي يرتقى به الشّجر.

وقرئ «تقطّعت»، على البناء للمفعول.

( وَقالَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا لَوْ أَنَّ لَنا كَرَّةً فَنَتَبَرَّأَ مِنْهُمْ كَما تَبَرَّؤُا مِنَّا ) :

«لو» للتّمنّي. ولذلك أجيب بالفاء، أي: ليت لنا كرّة إلى الدّنيا، فنتبرّأ منهم.

( كَذلِكَ ) : مثل ذلك الأداء الفظيع،( يُرِيهِمُ اللهُ أَعْمالَهُمْ حَسَراتٍ عَلَيْهِمْ ) ندمات.

وهي ثالث مفاعيل يرى، إن كان من رؤية القلب. وإلّا فحال.

__________________

(١) أنوار التنزيل ١ / ٩٤.

(٢) نفس المصدر ونفس الموضع.

(٣) نفس المصدر ونفس الموضع.

(٤) نفس المصدر ونفس الموضع.

٢١٢

( وَما هُمْ بِخارِجِينَ مِنَ النَّارِ ) (١٦٧) :

أصله «وما يخرجون». فعدل به إلى هذه العبارة، للمبالغة في الخلود والإقناط عن الخلاص والرّجوع إلى الدّنيا.

وفي أمالي شيخ الطّائفة ـ قدّس سرّه(١) ـ بإسناده إلى أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ قال: إذا كان يوم القيامة، نادى مناد من بطنان العرش: أين خليفة الله في أرضه؟ فيقوم داود(٢) ـ عليه السّلام. فيأتي النّداء من عند الله ـ عزّ وجلّ: لسنا إيّاك أردنا. وإن كنت لله خليفة.

ثمّ ينادى ثانية(٣) : أين خليفة الله في أرضه؟ فيقوم أمير المؤمنين، عليّ بن أبي طالب ـ عليه السّلام. فيأتي النّداء من قبل الله ـ عزّ وجلّ: يا معشر الخلائق! هذا عليّ بن أبي طالب خليفة الله في أرضه وحجّته على عباده. فمن تعلّق بحبله في دار الدّنيا، فليتعلّق بحبله في هذا اليوم يستضيء(٤) بنوره ويتبعه(٥) إلى الدّرجات العلى من الجنّات.

قال: فيقوم النّاس(٦) الّذين قد تعلّقوا بحبله في الدّنيا. فيتّبعونه إلى الجنّة.

ثمّ يأتي النّداء من عند الله ـ جلّ جلاله: ألا من أئتمّ(٧) بإمام في دار الدّنيا، فليتّبعه إلى حيث يذهب(٨) .

فحينئذ يتبرّأ الّذين اتّبعوا من الّذين اتّبعوا. ورأوا العذاب. وتقطّعت بهم الأسباب. وقال الّذين اتّبعوا: لو أنّ لنا كرّة فنتبرأ منهم كما تبرّؤوا منّا. كذلك يريهم الله أعمالهم حسرات عليهم. وما هم بخارجين من النّار.

وفي أصول الكافي(٩) : محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد بن عيسى، عن الحسن بن محبوب، عن عمر بن ثابت، عن جابر، قال: سألت أبا جعفر ـ عليه السّلام ـ عن قول الله ـ عزّ وجلّ ـ( وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَتَّخِذُ مِنْ دُونِ اللهِ أَنْداداً يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللهِ ) .

قال: [هم](١٠) والله أولياء فلان وفلان. اتخذوهم أئمّة من دون الإمام الّذي جعله

__________________

(١) أمالي الشيخ الطوسي ١ / ٦١ و ٩٧.

(٢) المصدر: داود النبيّ ـ عليه السّلام.

(٣) المصدر: مناد ثانية.

(٤) أو المصدر: ليستضيء.

(٥) المصدر: ليتبعه.

(٦) المصدر: أناس.

(٧) المصدر: ائتمّ.

(٨) المصدر: يذهب به.

(٩) الكافي ١ / ٣٧٤، ح ١١.

(١٠) يوجد في المصدر.

٢١٣

الله للنّاس إماما. ولذلك قال:( وَلَوْ يَرَى الَّذِينَ ظَلَمُوا إِذْ يَرَوْنَ الْعَذابَ أَنَّ الْقُوَّةَ لِلَّهِ جَمِيعاً وَأَنَّ اللهَ شَدِيدُ الْعَذابِ إِذْ تَبَرَّأَ الَّذِينَ اتُّبِعُوا مِنَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا وَرَأَوُا الْعَذابَ وَتَقَطَّعَتْ بِهِمُ الْأَسْبابُ. وَقالَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا لَوْ أَنَّ لَنا كَرَّةً فَنَتَبَرَّأَ مِنْهُمْ كَما تَبَرَّؤُا مِنَّا. كَذلِكَ يُرِيهِمُ اللهُ أَعْمالَهُمْ حَسَراتٍ عَلَيْهِمْ وَما هُمْ بِخارِجِينَ مِنَ النَّارِ ) .

ثمّ قال أبو جعفر ـ عليه السّلام: هم، والله، يا جابر! أئمّة الضّلال وأشياعهم.

وفي تفسير العيّاشيّ(١) : عن زرارة وحمران ومحمّد بن مسلم، عن أبي جعفر وأبي عبد الله ـ عليهما السّلام ـ في قوله( وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَتَّخِذُ مِنْ دُونِ اللهِ أَنْداداً. يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللهِ. وَالَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبًّا لِلَّهِ ) ، قال: هم آل محمّد ـ صلّى الله عليه وآله.

وعن منصور بن حازم(٢) . قال قلت لأبي عبد الله ـ عليه السّلام:( وَما هُمْ بِخارِجِينَ مِنَ النَّارِ ) ؟

قال: أعداء عليّ ـ عليه السّلام. هم المخلّدون في النّار، أبد الآبدين ودهر الدّاهرين.

وفي الكافي(٣) : أحمد بن أبي عبد الله عن عثمان بن عيسى، عمّن حدثه، عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ في قول الله ـ عزّ وجلّ:( كَذلِكَ يُرِيهِمُ اللهُ أَعْمالَهُمْ حَسَراتٍ عَلَيْهِمْ ) قال: هو الرّجل يدع ماله لا ينفعه(٤) في طاعة الله، بخلا. ثمّ يموت فيدعه لمن يعمل فيه بطاعة الله، أو معصية الله. فإن عمل به في طاعة الله، رآه في ميزان غيره. فرآه حسرة، وقد كان المال له. وإن عمل به في معصية الله، قوّاه بذلك المال، حتّى عمل به في معصية الله.

وفي نهج البلاغة(٥) : وقال ـ عليه السّلام: إنّ أعظم الحسرات يوم القيامة، حسرة رجل كسب مالا في غير طاعة الله. فورثه رجلا(٦) . فأنفقه في طاعة الله سبحانه. فدخل به الجنّة. ودخل به الأوّل النّار.

وفي مجمع البيان(٧) :( أَعْمالَهُمْ حَسَراتٍ عَلَيْهِمْ ) فيه أقوال: (إلى قوله) والثّالث

__________________

(١) تفسير العياشي ١ / ٧٢، ح ١٤٣.

(٢) نفس المصدر / ٧٣، ح ١٤٥.

(٣) الكافي ٤ / ٤٢، ح ٢.

(٤) المصدر: ينفقه. (ظ)

(٥) نهج البلاغة ٥٥٢، حكمة ٤٢٩.

(٦) المصدر: رجل.

(٧) مجمع البيان ١ / ٢٥١.

٢١٤

ما رواه أصحابنا عن أبي جعفر ـ عليه السّلام ـ أنّه قال: هو الرّجل يكسب(١) المال.

ولا يعمل فيه(٢) خيرا. فيرثه من يعمل فيه عملا صالحا. فيرى الأوّل ما كسبه، حسرة في ميزان غيره.

( يا أَيُّهَا النَّاسُ كُلُوا مِمَّا فِي الْأَرْضِ حَلالاً ) :

نزلت في قوم، حرّموا على أنفسهم رفيع الأطعمة والملابس(٣) .

و «حلالا»، مفعول «كلوا»، أو صفته مصدر محذوف، أو حال من( مِمَّا فِي الْأَرْضِ ) .

و «من» للتّبعيض، إذ لا يؤكل كلّ ما في الأرض.

( طَيِّباً ) : يستطيبه الشّرع، أو الشّهوة المستقيمة، أي: لا تأكلوا على امتلاء المعدة والشّهوة الكاذبة.

( وَلا تَتَّبِعُوا خُطُواتِ الشَّيْطانِ ) : لا تقتدوا به في اتّباع الهوى، فتحرّموا الحلال وتحللوا الحرام.

[وفي مجمع البيان(٤) :](٥) وروى عن أبي جعفر وأبي عبد الله ـ عليهما السّلام: أنّ من خطوات الشّيطان، الحلف بالطّلاق، والنّذور في المعاصي، وكلّ يمين بغير الله تعالى.

وفي تفسير العيّاشيّ(٦) : عن محمّد بن مسلم قال: سمعت أبا جعفر ـ عليه السّلام ـ يقول:( لا تَتَّبِعُوا خُطُواتِ الشَّيْطانِ ) قال: يحلّ(٧) يمين بغير(٨) الله، فهي من خطوات الشّيطان.

وقرأ نافع وأبو عمرو وحمزة، بتسكين الطّاء. وهما لغتان في جمع خطوة. وهي ما بين قدمي الخاطي.

وقرئ بضمّتين وهمزة، جعلت ضمّة الطّاء، كأنّها عليها. وبفتحتين على أنّه جمع خطوة. وهي المرة من الخطو.

( إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ ) (١٦٨): ظاهر العداوة، عند ذوي البصيرة، وإن كان

__________________

(١) المصدر: يكتسب.

(٢) أ: به.

(٣) مجمع البيان ١ / ٢٥٢.

(٤) مجمع البيان ١ / ٢٥٢.

(٥) ليس في أ.

(٦) تفسير العيّاشيّ ١ / ٧٤، ح ١٥٠.

(٧) ليس في أ.

(٨) أ: غير.

٢١٥

يظهر الموالاة لمن يغويه. ولذلك سمّاه وليّا في قوله(١) :( أَوْلِياؤُهُمُ الطَّاغُوتُ ) .

( إِنَّما يَأْمُرُكُمْ بِالسُّوءِ وَالْفَحْشاءِ ) :

بيان لعداوته ووجوب التّحرّز عن متابعته. واستعير الأمر لتزيينه وبعثه لهم على الشّرّ، تسفيها لرأيهم وتحقيرا لشأنهم.

و «السّوء» و «الفحشاء» ما أنكره العقل واستقبحه الشّرع. والعطف لاختلاف الوصفين. فإنّه سوء لاغتمام العاقل به وفحشاء باستقباحه إيّاه.

وقيل(٢) : «السوء» يعمّ القبائح، و «الفحشاء» ما تجاوز الحدّ في القبح من الكبائر.

وقيل(٣) : الأوّل ما لا حدّ فيه. والثّاني ما شرّع فيه الحدّ.

( وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللهِ ما لا تَعْلَمُونَ ) (١٦٩)، كاتّخاذ الأنداد وتحليل المحرّمات وتحريم المحلّلات.

( وَإِذا قِيلَ لَهُمُ اتَّبِعُوا ما أَنْزَلَ اللهُ ) :

الضّمير للنّاس. وعدل عن الخطاب معهم للنّداء على ضلالتهم. كأنّه التفت إلى العقلاء. وقال لهم: انظروا إلى هؤلاء الحمقى ما ذا يجيبون.

( قالُوا بَلْ نَتَّبِعُ ما أَلْفَيْنا ) : وجدنا،( عَلَيْهِ آباءَنا ) :

نزلت في المشركين. أمروا باتّباع القرآن وسائر ما أنزل الله من الحجج والآيات فجنحوا إلى التّقليد.

وقيل(٤) : في طائفة من اليهود. دعاهم رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ إلى الإسلام. فقالوا ذلك. وقالوا: إنّ آباءنا كانوا خيرا منّا.

( أَوَلَوْ كانَ آباؤُهُمْ لا يَعْقِلُونَ شَيْئاً وَلا يَهْتَدُونَ ) (١٧٠) :

الواو للحال، أو العطف. والهمزة للرّدّ والتّعجيب. وجواب «لو» محذوف، أي :لو كان آباؤهم جهلة لاتّبعوهم.

( وَمَثَلُ الَّذِينَ كَفَرُوا كَمَثَلِ الَّذِي يَنْعِقُ بِما لا يَسْمَعُ إِلَّا دُعاءً وَنِداءً ) على حذف مضاف. تقديره: ومثل داعي الّذين كفروا كمثل الّذي ينعق، أو مثل الّذين كفروا ،

__________________

(١) البقرة / ٢٥٧.

(٢) أنوار التنزيل ١ / ٩٥.

(٣) مجمع البيان ١ / ٣٥٣+ أنوار التنزيل ١ / ٩٥.

(٤) أنوار التنزيل ١ / ٩٥.

٢١٦

كمثل بهائم الّذي ينعق.

والمعنى: أنّ مثل الّذين كفروا في دعائك إيّاهم، أي: مثل الدّاعي لهم إلى الإيمان، كمثل النّاعق في دعائه المنعوق به من البهائم الّتي لا تفهم. وإنّما تسمع الصّوت.

وكما أنّ الأنعام لا يحصل لها من دعاء الدّاعي إلّا السّماع دون تفهّم المعنى، فكذلك الكفّار لا يحصل لهم من دعائك إيّاهم إلى الإيمان إلّا السّماع دون تفهّم المعنى. لأنّهم يعرضون عن قبول قولك. وينصرفون عن تأمّله. فيكونون بمنزلة من لم يعقله ولم يفهمه. وهذا كما تقول العرب فلان يخافك كخوف الأسد، والمعنى كخوفه من الأسد. وأضاف الخوف إلى الأسد، وهو في المعنى مضاف إلى الرّجل.

قال(١) :

فلست مسلّما ما دمت حيّا

على زيد بتسليم الأمير

يراد بتسليمي على الأمير.

قيل(٢) : هو تمثيلهم في اتّباع آبائهم على ظاهر حالهم جاهلين بحقيقتها بالبهائم التي تسمع الصّوت ولا تفهم ما تحته، أو تمثيلهم في دعائهم الأصنام بالنّاعق في نعقه وهو التّصويت على البهائم.

والأوّل ـ هو المرويّ عن أبي جعفر ـ عليه السّلام ـ على ما في مجمع البيان(٣) .

( صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ ) : رفع على الذّمّ.

( فَهُمْ لا يَعْقِلُونَ ) (١٧١)، أي: بالفعل للإخلال بالنّظر.

( يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُلُوا مِنْ طَيِّباتِ ما رَزَقْناكُمْ ) لـمّا وسع الأمر على النّاس كافّة وأباح لهم ما في الأرض، سوى ما حرّم عليهم أمير المؤمنين منهم أن يتحرّوا طيّبات ما رزقوا ويقوموا بحقوقها. فقال :( وَاشْكُرُوا لِلَّهِ ) على ما رزقكم وحلّل(٤) لكم،( إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ ) (١٧٢)، إن صحّ أنّكم تخصّونه بالعبادة وتقرّون أنّه مولى النّعم. فإنّ عبادته لا تتمّ إلّا بالشّكر. فالمعلّق بفعل العبادة، هو الأمر بالشّكر، لإتمامه. وهو عدم عند عدمه.

__________________

(١) مجمع البيان ١ / ٢٥٥.

(٢) نفس المصدر ونفس الموضع.

(٣) نفس المصدر ونفس الموضع.

(٤) أ: أحلّ.

٢١٧

وعن النّبيّ ـ صلّى الله عليه وآله(١) : يقول الله تعالى: أنّي والإنس والجنّ في نبأ عظيم، أخلق. ويعبد غيري وأرزق. ويشكر غيري.

( إِنَّما حَرَّمَ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةَ ) أكلها والانتفاع بها. وهي الّتي ماتت من غير ذكاة.

والحرمة المضافة إلى العين، تفيد عرفا حرمة التّصرّف فيها مطلقا، إلّا ما استثني، كما سيجيء.

( وَالدَّمَ وَلَحْمَ الْخِنْزِيرِ ) :

إنّما خصّ اللّحم بالذّكر، لأنّه معظم ما يؤكل من الحيوان وسائر أجزائه كالتّابع له.

( وَما أُهِلَّ بِهِ لِغَيْرِ اللهِ ) ، أي: رفع به الصّوت عند ذبحه للصّنم.

والإهلال، أصله، رؤية الهلال. لكن لما جرت العادة أن يرفع الصّوت بالتّكبير، إذ رئي، سمّي ذلك إهلالا. ثمّ قيل لرفع الصّوت، وإن كان لغيره.

وفي كتاب عيون أخبار الرّضا ـ عليه السّلام(٢) ـ في باب ذكر ما كتب به الرّضا ـ عليه السّلام ـ إلى محمّد بن سنان، في جواب مسائله من العلل: وحرّم الميتة لما فيها من فساد الأبدان والآفة. ولمّا أراد الله ـ عزّ وجلّ ـ أن يجعل سبب التّحليل(٣) وفرقا بين الحلال والحرام.

وحرّم الله الدّم، كتحريم الميتة، لما فيه من فساد الأبدان. ولأنّه يورث الماء الأصفر ويبخر الفم وينتن الرّيح ويسيء الخلق ويورث القسوة للقلب وقلّة الرّأفة والرّحمة، حتّى لا يؤمن أن يقتل ولده ووالده وصاحبه.

وحرّم الخنزير لأنّه مشوّه جعله الله تعالى عظة للخلق وغيره وتخويفا ودليلا على ما مسخ على(٤) خلقته لأنّ غذاءه أقذر الأقذار، مع علل كثيرة. وكذلك حرّم القرد(٥) . لأنّه مسخ مثل الخنزير. وجعل عظة وعبرة للخلق، دليلا على ما مسخ على خلقته وصورته.

وجعل فيه شبها من الإنسان ليدلّ على أنّه من الخلق المغضوب عليه.

وحرّم ما أهل به لغير الله للّذي أوجب الله ـ عزّ وجلّ ـ على خلقه من الإقرار به

__________________

(١) الكشّاف ١ / ٢١٤+ أنوار التنزيل ١ / ٩٦.

(٢) عيون أخبار الرضا ٢ / ٩١ ـ ٩٢، ح ١.

(٣) المصدر: سببا للتحليل. (ظ)

(٤) ر: من.

(٥) النسخ: القردة.

٢١٨

وذكر اسمه على الذّبائح المحلّلة. ولئلا يسوّي(١) بين ما تقرب به إليه وبين ما جعل عبادة للشّياطين والأوثان. لأنّ في تسمية الله ـ عزّ وجلّ ـ الإقرار بربوبيّته وتوحيده. وما في الإهلال لغير الله من الشّرك(٢) والتّقرّب به إلى غيره، ليكون ذكر الله تعالى وتسميته على الذّبيحة فرقا بين ما أحلّ الله وبين ما حرّم الله.

وفي كتاب علل الشّرائع(٣) ، بإسناده الى محمّد بن عذافر، عن بعض رجاله، عن أبي جعفر ـ عليه السّلام ـ قال: قلت له لم حرّم الله ـ عزّ وجلّ ـ الخمر والميتة والدّم ولحم الخنزير؟

فقال: إنّ الله ـ تبارك وتعالى ـ لم يحرّم ذلك على عباده وأحلّ لهم ما سوى ذلك من رغبة فيما أحلّ لهم ولا زهد فيما حرّم(٤) عليهم. ولكنّه ـ عزّ وجلّ ـ خلق الخلق، فعلم ما تقوم(٥) به أبدانهم وما يصلحهم. فأحلّه لهم. وأباحه. وعلم ما يضرّهم. فنهاهم عنه.

وحرّمه عليهم. ثمّ أحلّه للمضطرّ في الوقت الّذي لا يقوّم بدنه إلّا به. فأمره أن ينال منه بقدر البلغة لا غير ذلك. ثمّ قال: أمّا الميتة فإنّه لم ينل أحد منها إلّا أضعف(٦) بدنه(٧) وأوهنت قوّته وانقطع نسله. ولا يموت آكل الميتة إلّا فجأة.

وأمّا الدم، فإنه يورث اكله الماء الأصفر. ويورث الكلب وقساوة القلب وقلّة الرّأفة والرّحمة، حتّى لا يؤمن على حميمه. ولا يؤمن على من صحبه.

وأمّا الخنزير، فإنّ الله ـ عزّ وجلّ ـ مسخ قوما في صور شتّى، مثل الخنزير والقرد والدّبّ. ثمّ نهى عن أكل المثلة لكي ما ينتفع بها ولا يستحفّ بعقوبته.

والحديث طويل. أخذت منه موضع الحاجة.

وفي كتاب الخصال(٨) : عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ قال: عشرة أشياء من الميتة: ذكيّة العظم والشّعر والصّوف والرّيش والقرن والحافر والبيض والإنفحة واللّبن والسّنّ.

وفي الكافي(٩) : محمّد بن يحيى وغيره، عن أحمد بن محمّد، عن ابن محبوب، عن

__________________

(١) المصدر: يساري.

(٢) المصدر: من الشرك به.

(٣) علل الشرائع ٢ / ٤٨٤، ح ١.

(٤) المصدر: حرّمه.

(٥) المصدر: يقوّم. (ظ)

(٦) المصدر: لضعف.

(٧) المصدر: أو.

(٨) الخصال ٢ / ٤٣٤، ح ١٩.

(٩) الكافي ٦ / ٢٥٩، ح ٧.

٢١٩

عاصم بن حميد، عن عليّ بن المغيرة(١) قال: قلت لأبي عبد الله ـ عليه السّلام: جعلت فداك، الميتة ينتفع بشيء منها؟

قال(٢) : لا.

قلت: بلغنا أنّ رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ مرّ بشاة ميتة، فقال: ما كان على أهل هذه الشّاة إذا لم ينتفعوا بلحمها أن ينتفعوا بإهابها.

[قال: تلك شاة كانت لسودة بنت زمعة، زوجة النّبيّ ـ صلّى الله عليه وآله.

وكانت شاة مهزولة لا ينتفع بلحمها. فتركوها، ماتت. فقال رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله: ما كان على أهلها إذ لم ينتفعوا بلحمها أن ينتفعوا بإهابها].(٣) ، أي: تذكى(٤) .

( فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ باغٍ وَلا عادٍ ) :

قيل(٥) : «الباغي»: المستأثر على مضطرّ آخر. و «العادي»: المتجاوز سدّ الرّمق.

وفي كتاب معاني الأخبار(٦) ، بإسناده إلى البزنطيّ عمّن ذكره، عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ في قول الله ـ عزّ وجلّ ـ( فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ باغٍ وَلا عادٍ ) قال: الباغي الّذي يخرج على الإمام العادل. والعادي الّذي يقطع الطّريق لا تحلّ لهما الميتة.

وفي الكافي(٧) : الحسين بن محمّد، عن معلّى بن محمّد، عن الوشّاء، عن حمّاد بن عثمان، عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ في قول الله ـ عزّ وجلّ ـ( فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ باغٍ وَلا عادٍ ) قال: الباغي، باغي الصّيد. والعادي، السّارق. ليس لهما أن يأكلا الميتة إذا اضطرّا إليها. هي حرام عليهما. ليس هي عليهما كما هي على المسلمين.

وفي من لا يحضره الفقيه(٨) : روى عبد العظيم بن عبد الله الحسنيّ، عن أبي جعفر محمّد بن عليّ الرّضا ـ عليه السّلام. قال: قلت يا بن رسول الله! فما معنى قوله ـ عزّ وجلّ ـ( فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ باغٍ وَلا عادٍ ) ؟ قال: العادي، السّارق. والباغي، الّذي يبغي الصّيد بطرا ولهوا. لا ليعود به على عياله.

__________________

(١) أ: أبي المغيرة.

(٢) المصدر: فقال.

(٣) ما بين المعقوفتين ليس في أ.

(٤) النسخ: تزكّى.

(٥) أنوار التنزيل ١ / ٩٦.

(٦) معاني الأخبار / ٢١٣، ح ١.

(٧) الكافي ٣ / ٤٣٨، ح ٧، وله تتمة.

(٨) من لا يحضره الفقيه ٣ / ٢١٧، ح ١٠٠٧.

٢٢٠

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

461

462

463

464

465

466

467

468

469

470

471

472

473

474

475

476

477

478

479

480

481

482

483

484

485

486

487

488

489

490

491

492

493