تفسير كنز الدّقائق وبحر الغرائب الجزء ٢

تفسير كنز الدّقائق وبحر الغرائب8%

تفسير كنز الدّقائق وبحر الغرائب مؤلف:
تصنيف: تفسير القرآن
الصفحات: 493

الجزء ١ الجزء ٢ الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥ الجزء ٦ الجزء ٧
  • البداية
  • السابق
  • 493 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 187646 / تحميل: 5849
الحجم الحجم الحجم
تفسير كنز الدّقائق وبحر الغرائب

تفسير كنز الدّقائق وبحر الغرائب الجزء ٢

مؤلف:
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة


1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

من اسم آدم ـ عليه السّلام. يقول الله ـ عزّ وجلّ(١) :( إِنَّ اللهَ اصْطَفى آدَمَ وَنُوحاً وَآلَ إِبْراهِيمَ وَآلَ عِمْرانَ عَلَى الْعالَمِينَ ) . وقد هبطت حوّاء على المروة. وإنّما سمّيت المروة مروة لأنّ المرأة هبطت عليها. فقطع للجبل اسم من اسم المرأة.

( مِنْ شَعائِرِ اللهِ ) : أعلام مناسكه. جمع شعيرة. وهي العلامة.

( فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ أَوِ اعْتَمَرَ ) :

«الحجّ» لغة، القصد والاعتمار الزّيارة. فغلبا شرعا على قصد البيت وزيارته على الوجهين المخصوصين.

( فَلا جُناحَ عَلَيْهِ أَنْ يَطَّوَّفَ بِهِما ) :

قيل(٢) : كان أساف على الصّفا ونائلة على المروة. وكان أهل الجاهليّة إذا سعوا، مسحوهما. فلمّا جاء الإسلام وكسرت الأصنام، تحرّج المسلمون أن يطوفوا (بهما)(٣) لذلك.

فنزلت والإجماع على أنّه مشروع في الحجّ والعمرة. والخلاف في وجوبه.

وذهب بعض العامة إلى عدم وجوبه.

وفي من لا يحضره الفقيه(٤) ، روى عن زرارة ومحمّد بن مسلم، أنّهما قالا: قلنا لأبي جعفر ـ عليه السّلام: ما تقول في الصّلاة في السّفر، كيف هي؟ وكم هي؟

فقال: إنّ الله ـ عزّ وجلّ ـ يقول(٥) :( وَإِذا ضَرَبْتُمْ فِي الْأَرْضِ، فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُناحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلاةِ ) . فصار التّقصير في السّفر، واجبا، كوجوب التّمام في الحضر.

[قالا: قلنا: إنّما قال الله ـ عزّ وجلّ:( فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُناحٌ ) ولم يقل: «افعلوا» فكيف أوجب(٦) ذلك كما أوجب التّمام في الحضر؟](٧) فقال ـ عليه السّلام: أو ليس قد قال الله ـ عزّ وجلّ ـ في الصّفا والمروة:( فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ أَوِ اعْتَمَرَ فَلا جُناحَ عَلَيْهِ أَنْ يَطَّوَّفَ بِهِما ) . ألّا ترون أنّ الطّواف بهما واجب مفروض؟ لأنّ الله ـ عزّ وجلّ. ـ ذكره في كتابه وصنعه نبيّه ـ عليه السّلام. وكذلك التّقصير في السّفر. شيء صنعه النّبيّ ـ صلّى الله عليه وآله ـ وذكره الله ـ تعالى ذكره ـ

__________________

(١) آل عمران / ٣٣.

(٢) أنوار التنزيل ١ / ٩٢.

(٣) المصدر: بينهما.

(٤) من لا يحضره الفقيه ١ / ٢٧٨، ح ١٢٦٦.

(٥) النساء / ١٠١.

(٦) ر: وجب.

(٧) ما بين المعقوفتين ليس في أ.

٢٠١

في كتابه.

وفي الكافي(١) : عدّة من أصحابنا، عن أحمد بن محمّد، عن معاوية بن حكيم، عن محمّد بن أبي عمير، عن الحسن بن عليّ الصّيرفيّ، عن بعض أصحابنا. قال: سئل أبو عبد الله ـ عليه السّلام ـ عن السّعي بين الصّفا والمروة، فريضة أم سنّة؟

فقال: فريضة.

قلت: أو ليس قال الله ـ عزّ وجلّ ـ( فَلا جُناحَ عَلَيْهِ أَنْ يَطَّوَّفَ بِهِما ) ؟

قال: كان ذلك في عمرة القضاء. إنّ رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ شرط عليهم أن يرفعوا الأصنام من الصّفا والمروة. فسئل عن رجل(٢) ترك السّعي حتّى انقضت الأيّام وأعيدت الأصنام.

فجاءوا إليه. فقالوا: يا رسول الله! إنّ فلانا لم يسع بين الصّفا والمروة. وقد أعيدت الأصنام. فأنزل الله ـ عزّ وجلّ:( فَلا جُناحَ عَلَيْهِ أَنْ يَطَّوَّفَ بِهِما ) ، أي: وعليهما الأصنام.

وفي علل الشّرائع(٣) ، بإسناده إلى معاوية بن عمّار، عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام. قال: إنّ إبراهيم ـ عليه السّلام ـ لـمّا خلّف(٤) إسماعيل بمكّة، عطش الصّبيّ. وكان فيما بين الصّفا والمروة، شجرة. فخرجت أمّه حتّى قامت على الصّفا.

فقالت: هل بالوادي من أنيس؟

فلم يجبها أحد. فمضيت حتّى انتهت إلى المروة. فقالت: هل بالوادي من أنيس؟

فلم تجب(٥) . ثمّ رجعت إلى الصّفا. فقالت كذلك. حتّى صنعت ذلك سبعا.

فأجرى الله سنّته(٦) .

والحديث طويل. أخذت منه موضع الحاجة.

وبإسناده(٧) إلى معاوية بن عمّار، عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام. قال: صار السّعي بين الصّفا والمروة، لأنّ إبراهيم ـ عليه السّلام ـ عرض له إبليس، فأمره جبرئيل

__________________

(١) الكافي ٤ / ٤٣٥، ح ٨.

(٢) المصدر: من الصفا والمروة. فتشاغل رجل. (ظ)

(٣) علل الشرائع ٢ / ٤٣٢، ح ١.

(٤) أ: خلّفت.

(٥) المصدر: فلم يجبها.

(٦) المصدر: ذلك سنّته.

(٧) نفس المصدر ٢ / ٤٣٢، ح ١.

٢٠٢

ـ عليه السّلام. فشدّ عليه. فهرب منه. فجرت به السّنّة، يعني: الهرولة.

وبإسناده(١) إلى حمّاد، عن الحلبيّ. قال: سألت أبا عبد الله ـ عليه السّلام: لم جعل السّعي بين الصّفا والمروة؟

قال: لأنّ الشيطان تراءى لإبراهيم ـ عليه السّلام ـ في الوادي. فسعى. وهو منازل الشيطان.

وفي الكافي(٢) : عليّ بن إبراهيم، عن أبيه ومحمّد بن إسماعيل، عن الفضل بن شاذان، جميعا عن ابن أبي عمير، عن معاوية بن عمّار، عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام.

قال: إنّ رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ أقام بالمدينة، عشر سنين، لم يحجّ. ثمّ أنزل الله تعالى(٣) عليه:( وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجالاً وَعَلى كُلِّ ضامِرٍ يَأْتِينَ مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ ) .

فأمر المؤذّنين أن يؤذّنوا بأعلى أصواتهم بأنّ رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ يحجّ في عامه هذا. فعلم به من حضر في المدينة وأهل العوالي والأعراب. واجتمعوا لحجّ رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله. وإنّما كانوا تابعين ينتظرون(٤) ما يؤمرون. ويتبعونه. أو يصنع شيئا، فيصنعونه.

فخرج رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ في أربع بقين من ذي القعدة. فلمّا انتهى إلى ذي الحليفة، زالت الشّمس. فاغتسل. ثمّ خرج حتّى أتى المسجد الّذي عند الشجرة. فصلّى فيه الظّهر. وعزم بالحجّ مفردا. وخرج حتّى انتهى إلى البيداء، عند الميل الأوّل. فصفّ له سمطان(٥) . فلبّى بالحجّ مفردا. وساق الهدي ستّا وستّين، أو أربعا وستّين، حتّى انتهى إلى مكّة، في سلخ أربع من ذي الحجّة. فطاف بالبيت سبعة أشواط.

ثمّ صلّى ركعتين، خلف مقام إبراهيم ـ عليه السّلام. ثمّ عاد إلى الحجر. فاستلمه. وقد كان استلمه في أوّل طوافه. ثمّ قال:( إِنَّ الصَّفا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعائِرِ اللهِ ) . فابدأ بما بدأ الله تعالى(٦)

__________________

(١) نفس المصدر ٢ / ٤٣٣، ح ٢.

(٢) الكافي ٤ / ٢٤٥، ح ٤.

(٣) الحج / ٢٧.

(٤) المصدر: ينظرون.

(٥) المصدر: سماطان.

(٦) يوجد في أبعد: ثم صلّى ركعتين خلف مقام إبراهيم ـ عليه السّلام ـ ثم عاد.

٢٠٣

وانّ المسلمين كانوا يظنّون [أنّ](١) السّعي بين الصّفا والمروة، شيء صنعه المشركون.

فانزل الله تعالى:( إِنَّ الصَّفا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعائِرِ اللهِ. فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ أَوِ اعْتَمَرَ فَلا جُناحَ عَلَيْهِ أَنْ يَطَّوَّفَ بِهِما ) .

والحديث طويل. أخذت منه موضع الحاجة.

عليّ بن إبراهيم(٢) ، عن أبيه، ومحمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد، جميعا، عن ابن أبي عمير، عن حمّاد، عن الحلبيّ، عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام. قال في حديث طويل: إنّ رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ قال: أبدأ بما بدأ الله تعالى به. فأتى الصفا. فبدأ بها.

عدّة من أصحابنا(٣) ، عن أحمد بن محمّد عن الحسين بن سعيد، عن النّضر بن سويد، عن عبد الله بن سنان. قال: قال أبو عبد الله ـ عليه السّلام: إنّ رسول ـ صلّى الله عليه وآله ـ قال: ابدأ بما بدأ الله.

ثمّ صعد على الصّفا. فقام عليه مقدار ما يقرأ الإنسان(٤) سورة البقرة.

والحديث طويل. أخذت منه موضع الحاجة.

ابن محبوب(٥) ، عن عبد العزيز العبديّ، عن عبيد بن زرارة. قال: سألت أبا عبد الله ـ عليه السّلام ـ عن رجل طاف بالبيت أسبوعا طواف الفريضة، ثمّ سعى بين الصّفا والمروة أربعة أشواط ثمّ غمزه بطنه، فخرج، وقضى حاجته، ثمّ غشى أهله.

قال: يغتسل، ثمّ يعود، فيطوف ثلاثة أشواط، ويستغفر ربّه، ولا شيء عليه.

قلت: فإن كان طاف بالبيت طواف الفريضة، فطاف أربعة أشواط، ثمّ غمزه بطنه، فخرج فقضى حاجته، فغشى أهله؟

فقال: أفسد حجّة. وعليه بدنة، ويغتسل، ثمّ يرجع، فيطوف أسبوعا، ثمّ يسعى ويستغفر ربّه.

قلت: كيف لم تجعل عليه حين غشى أهله قبل أن يفرغ من سعيه، كما جعلت عليه هديا حين غشى أهله قبل أن يفرغ من طوافه؟

قال: إنّ الطّواف فريضة. وفيه صلاة والسّعي سنّة من رسول الله ـ صلّى الله

__________________

(١) المصدر: عن.

(٢) نفس المصدر ٤ / ٢٤٨، ح ٦.

(٣) نفس المصدر ونفس الموضع، ح ٧.

(٤) ليس في أ.

(٥) نفس المصدر ٤ / ٣٧٩، ح ٧.

٢٠٤

عليه وآله.

قلت: أليس الله يقول:( إِنَّ الصَّفا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعائِرِ اللهِ ) ؟

قال: بلى. ولكن قد قال فيهما:( وَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْراً. فَإِنَّ اللهَ شاكِرٌ عَلِيمٌ ) فلو كان السّعي فريضة، لم يقل( وَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْراً ) .

قوله ـ عليه السّلام: والسعي سنة، أي: ليس وجوبه كوجوب الطّواف، وإن كان هو واجبا من سنّة رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله.

عليّ بن إبراهيم(١) ، عن أبيه، عن ابن أبي عمير ومحمّد بن إسماعيل، عن الفضل بن شاذان، عن صفوان بن يحيى، عن ابن أبي عمير، عن معاويه بن عمّار، عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام: أنّ رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ حين فرغ من طوافه وركعتيه قال: ابدأ بما بدأ الله ـ عزّ وجلّ ـ به من إتيان الصّفا. إنّ الله ـ عزّ وجلّ ـ يقول:( إِنَّ الصَّفا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعائِرِ اللهِ ) .

والحديث طويل. أخذت منه موضع الحاجة.

عدّة من أصحابنا(٢) ، عن سهل بن زياد، رفعه. قال: ليس لله منسك أحبّ إليه من السّعي. وذلك أنّه يذلّ فيه الجبّارين.

أحمد بن محمّد(٣) ، عن التّيمليّ، عن الحسين بن أحمد الحلبيّ، عن أبيه، عن رجل، عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام. قال: قال: جعل السّعي بين الصّفا والمروة، مذلّة للجبّارين.

( وَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْراً ) ، أي: فعل طاعة فرضا كان أو نفلا.

و «خيرا» نصب على أنّه صفة مصدر محذوف، أو بحذف الجار وإيصال الفعل إليه، أو بتعدية الفعل لتضمّنه معنى أتى.

وقرأ يعقوب والكسائيّ وحمزة «يطّوّع». وأصله يتطوّع. فأدغم مثل يطّوّف.

( فَإِنَّ اللهَ شاكِرٌ ) : مثيب على الطّاعة،( عَلِيمٌ ) (١٥٨): لا تخفى عليه طاعة.

( إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ ) ، كأحبار اليهود ،

__________________

(١) نفس المصدر ٤ / ٤٣١، ح ١.

(٢) نفس المصدر ٤ / ٤٣٤، ح ٤.

(٣) نفس المصدر ونفس الموضع، ح ٥.

٢٠٥

( ما أَنْزَلْنا مِنَ الْبَيِّناتِ ) ، كالآيات الشّاهدة على أمر محمّد ـ عليه السّلام.

( وَالْهُدى ) : وما يهدي إلى وجوب اتّباعه والإيمان به.

وفي تفسير العيّاشيّ(١) : عن ابن أبي عمير، عمّن ذكره، عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام:( إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ ما أَنْزَلْنا مِنَ الْبَيِّناتِ وَالْهُدى ) في عليّ.

وعن حمران(٢) بن أعين، عن أبي جعفر ـ عليه السّلام ـ في قول الله:( إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ ما أَنْزَلْنا مِنَ الْبَيِّناتِ وَالْهُدى مِنْ بَعْدِ ما بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الْكِتابِ ) ، يعني بذلك نحن، والله المستعان.

عن بعض أصحابنا(٣) ، عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام. قال: قلت له: أخبرني عن قوله:( إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ ما أَنْزَلْنا مِنَ الْبَيِّناتِ وَالْهُدى مِنْ بَعْدِ ما بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الْكِتابِ ) .

قال: نحن يعني بها. والله المستعان. إنّ الرّجل منّا إذا صارت إليه لم يكن له، أو لم يسعه، إلّا أن يبيّن للنّاس من يكون بعده.

( مِنْ بَعْدِ ما بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ ) : لخّصناه لهم.

( فِي الْكِتابِ ) : في التوراة.

على ما سبق في الحديث، يشمل القرآن ـ أيضا.

( أُولئِكَ يَلْعَنُهُمُ اللهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللَّاعِنُونَ ) (١٥٩)، أي: الّذين يتأتّى منهم اللّعن عليهم، من الملائكة والثّقلين.

وفي تفسير عليّ بن إبراهيم(٤) : قوله( أُولئِكَ يَلْعَنُهُمُ اللهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللَّاعِنُونَ ) قال :كلّ من قد لعنه الله من الجنّ والإنس، نلعنهم.

وفي كتاب الاحتجاج(٥) ، للطّبرسيّ ـ رحمه الله ـ عن أبي محمّد العسكريّ ـ عليه السّلام ـ حديث طويل. فيه: قيل لأمير المؤمنين ـ عليه السّلام: من خير خلق الله بعد أئمة الهدى ومصابيح الدّجى؟

قال: العلماء، إذا صلحوا.

__________________

(١) تفسير العياشي ١ / ٧١، ح ١٣٦.

(٢) نفس المصدر ونفس الموضع، ح ١٣٧.

(٣) نفس المصدر ونفس الموضع، ح ١٣٩.

(٤) تفسير القمي ١ / ٦٤.

(٥) الاحتجاج ٢ / ٢٦٤.

٢٠٦

قيل: فمن شرّ خلق الله بعد إبليس وفرعون وثمود وبعد المتسمّين بأسمائكم وبعد المتلقّبين بألقابكم والآخذين لأمكنتكم والمتآمرين(١) في ممالككم.

قال: العماء، إذا فسدوا، هم المظهرون للأباطيل الكاتمون للحقائق. وفيهم قال الله ـ عزّ وجلّ:( أُولئِكَ يَلْعَنُهُمُ اللهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللَّاعِنُونَ إِلَّا الَّذِينَ تابُوا ) . (الآية)

وفي مجمع البيان(٢) : وروي عن النّبيّ ـ صلّى الله عليه وآله ـ أنّه قال: من سئل عن علم يعلمه فكتمه، ألجم يوم القيامة بلجام من نار.

[وفي تفسير العيّاشيّ(٣) : عن عبد الله بن بكير، عمّن حدّثه، عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ في قوله( أُولئِكَ يَلْعَنُهُمُ اللهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللَّاعِنُونَ ) قال: نحن هم. وقد قالوا(٤) هو امّ الأرض](٥)

( إِلَّا الَّذِينَ تابُوا ) عن الكتمان وسائر ما يجب أن يتاب عنه،( وَأَصْلَحُوا ) ما أفسدوا بالتّدارك،( وَبَيَّنُوا ) ما بيّنه الله في كتابهم، لتتمّ توبتهم.

وقيل(٦) : ما أحدثوه من التّوبة ليمحو به سمة الكفر، عن أنفسهم، ويقتدي بهم أضرابهم،( فَأُولئِكَ أَتُوبُ عَلَيْهِمْ ) بالقبول والمغفرة.

( وَأَنَا التَّوَّابُ الرَّحِيمُ ) (١٦٠): المبالغ في قبول التّوبة وإفاضة الرّحمة.

( إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَماتُوا وَهُمْ كُفَّارٌ ) ، أي: ومن لم يتب من الكاتمين حتّى مات،( أُولئِكَ عَلَيْهِمْ لَعْنَةُ اللهِ وَالْمَلائِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ ) (١٦١)، يعني: استقرّ عليهم لعنة الله ولعنة من يعتدّ بلعنه من خلقه.

وقيل(٧) : الأوّل لعنهم أحياء، والثّاني لعنهم أمواتا.

__________________

(١) أ: المتأخرين.

(٢) مجمع البيان ١ / ٢٤١.

(٣) تفسير العياشي ١ / ٧٢، ح ١٤١.

(٤) قيل في هامش المصدر: وقال المجلسي ـ ره ـ (البحار ١ / ٨٩): ضمير «هم» راجع إلى «اللاعنين». قوله: «وقد قالوا»، إمّا كلامه ـ عليه السّلام. فضمير الجمع راجع إلى العامّة، أو كلام المؤلف، أو الرواة. فيحتمل إرجاعه إلى أهل بيت ـ عليهم السّلام ـ أيضا.

(٥) ما بين المعقوفتين ليس في أ.

(٦) أنوار التنزيل ١ / ٩٢.

(٧) أنوار التنزيل ١ / ٩٢ ـ ٩٣.

٢٠٧

وقرئ(١) برفع الملائكة والنّاس وأجمعون، عطفا على محلّ اسم «الله». لأنّه فاعل في المعنى، كقولك: اعجبني ضرب زيد وعمرو، أو فاعلا لفعل مقدّر، أي: ويلعنهم الملائكة.

( خالِدِينَ فِيها ) : أي: في اللّعنة، أو النّار. وإضمارها قبل الذّكر، تفخيما لشأنها وتهويلا، أو اكتفاء بدلالة اللّعن عليها.

( لا يُخَفَّفُ عَنْهُمُ الْعَذابُ وَلا هُمْ يُنْظَرُونَ ) (١٦٢): أي: لا يمهلون، أو لا ينتظرون ليعتذروا، أو لا ينظر إليهم نظر رحمة.

وفي الآية، دلالة على كفر من كتم ما أنزل في عليّ ـ عليه السّلام ـ بناء على ما سبق من الخبر.

( وَإِلهُكُمْ إِلهٌ واحِدٌ ) :

خطاب عامّ، اي: المستحقّ للعبادة منكم، واحد لا شريك له. يصحّ أن يعبد ويسمّى إلها.

( لا إِلهَ إِلَّا هُوَ ) ، تقرير للواحدانيّة. وإزاحة لأن يتوهّم أنّ في الوجود إلها ولكنّه لا يستحقّ العبادة منهم.

( الرَّحْمنُ الرَّحِيمُ ) (١٦٣) كالحجّة عليها. فإنّه لـمّا كان مولى النّعم كلّها، أصولها وفروعها وما بسواه، إمّا نعمة، أو منعم عليه، لم يستحقّ العبادة أحد غيره. وهما خبران آخران لقوله «إلهكم» أو لمبتدأ محذوف.

قيل(٢) : لـمّا سمعه المشركون، تعجّبوا. وقالوا: إن كنت صادقا، فأت بآية نعرف بها صدقك. فنزلت.

( إِنَّ فِي خَلْقِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ ) :

وإنّما جمع السّموات وأفرد الأرض، لأنّها طبقات متفاصلة بالذّات، مختلفة بالحقيقة، بخلاف الأرضين.

( وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهارِ ) : تعاقبهما، كقوله(٣) : جعل( اللَّيْلَ وَالنَّهارَ خِلْفَةً )

__________________

(١) نفس المصدر ونفس الموضع.

(٢) أنوار التنزيل ١ / ٩٣.

(٣) الفرقان / ٦٢.

٢٠٨

( وَالْفُلْكِ الَّتِي تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِما يَنْفَعُ النَّاسَ ) ، أي: ينفعهم، أو بالّذي ينفعهم.

والقصد به إلى الاستدلال بالبحر وأحواله وتخصيص الفلك بالذّكر، لأنّه سبب الخوض فيه والاطّلاع على عجائبه. ولذلك قدّمه على ذكر المطر والسّحاب. لأن منشأهما البحر، في غالب الأمر. وتأنيث الفلك، لأنّه بمعنى السّفينة.

وقرئ بضمّتين، على الأصل، أو الجمع. وضمّة الجمع، غير ضمّة الواحد، عند المحققين.

( وَما أَنْزَلَ اللهُ مِنَ السَّماءِ مِنْ ماءٍ ) :

من الأولى، للابتداء. والثّانية، للبيان.

و «السّماء» يحتمل الفلك والسّحاب وجهة العلو.

( فَأَحْيا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِها ) بالنبات.

( وَبَثَّ فِيها مِنْ كُلِّ دَابَّةٍ ) عطف على «أنزل». كأنّه استدلّ بنزول المطر وتكوّن النّبات به وبثّ الحيوانات في الأرض، أو على أحياء. فإنّ الدّوابّ ينمون بالخصب ويعيشون بالماء.

و «البثّ»: النّشر والتّفريق.

( وَتَصْرِيفِ الرِّياحِ ) في مهابّها وأحوالها.

وقرأ حمزة والكسائيّ على الإفراد.

( وَالسَّحابِ الْمُسَخَّرِ بَيْنَ السَّماءِ وَالْأَرْضِ ) : لا ينزل ولا يتقشّع، مع أنّ الطّبع يقتضي أحدهما حتّى يأتي أمر الله.

وقيل(١) : المسخّر(٢) للرّياح تقلّبه في الجوّ، بمشيئة الله تعالى. واشتقاقه من السّحب.

لأنّ بعضه يجرّ بعضا.

( لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ ) (١٦٤)، يتفكّرون فيها. وينظرون إليها، بعيون عقولهم.

والكلام المجمل، في الاستدلال بهذه الأمور، إنّها ممكنة وجد كلّ منها بوجه مخصوص من وجوه محتملة وأنحاء مختلفة، إذ كان من الجائز، مثلا: أن لا تتحرّك السّموات، أو بعضها كالأرض، وأن تتحرّك بعكس حركتها، وبحيث تصير المنطقة دائرة مارّة بالقطبين، وأن لا يكون لها أوج وحضيض أصلا، أو على هذا الوجه لبساطتها

__________________

(١) أنوار التنزيل ١ / ٩٣.

(٢) المصدر: مسخّر.

٢٠٩

وتساوى أجزائها، فلا بدّ لها من موجد قادر حكيم، يوجدها على ما تستدعيه حكمته وتقتضيه مشيئته، متعاليا عن معارضة غيره، إذ لو(١) كان معه إله يقدر على ما يقدر عليه، فإن توافقت إرادتهما، فالفعل إن كان لهما، لزم اجتماع المؤثّرين على أثر واحد، وإن كان لأحدهما، لزم ترجيح الفاعل بلا مرجّح وعجز الآخر المنافي للإلهيّة، وإن اختلفت، لزم التّمانع والتّطارد، كما أشار إليه بقوله(٢) :( لَوْ كانَ فِيهِما آلِهَةٌ إِلَّا اللهُ لَفَسَدَتا ) .

وفي أصول الكافي(٣) : بعض أصحابنا، رفعه عمّن رفعه، عن هشام بن الحكم.

قال: قال لي أبو الحسن موسى بن جعفر ـ عليه السّلام: يا هشام! إنّ الله ـ تبارك وتعالى ـ أكمل للنّاس الحجج بالعقول، ونصر النبيّين بالبيان، ودلّهم على ربوبيّته بالأدلة. فقال:( وَإِلهُكُمْ إِلهٌ واحِدٌ. لا إِلهَ إِلَّا هُوَ الرَّحْمنُ الرَّحِيمُ. إِنَّ فِي خَلْقِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهارِ وَالْفُلْكِ الَّتِي تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِما يَنْفَعُ النَّاسَ وَما أَنْزَلَ اللهُ مِنَ السَّماءِ مِنْ ماءٍ فَأَحْيا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِها وَبَثَّ فِيها مِنْ كُلِّ دَابَّةٍ وَتَصْرِيفِ الرِّياحِ وَالسَّحابِ الْمُسَخَّرِ بَيْنَ السَّماءِ وَالْأَرْضِ، لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ ) .

وفي كتاب الإهليلجة(٤) : قال الصّادق ـ عليه السّلام ـ في كلام طويل: ثمّ نظرت العين إلى العظيم مثل السّحاب المسخّر بين السّماء والأرض والجبال. يتخلّل الشّجر فلا يحرّك منها شيئا ولا يقصّر منها غصنا ولا يتعلّق منها يعترض الرّكبان فيحول بين بعضهم وبين بعض من ظلمته وكثافته يحمل من ثقل الماء وكثرته ما لا يقدر على صفته مع ما فيه من الصّواعق الصّارعة والبروق اللّامعة والرّعد والثّلج والبرد(٥) ما لا يبلغ الأوهام نعته ولا تهتدي القلوب إليه. فخرج مستقّلا في الهواء يجتمع بعد تفرّقه وينفجر بعد تمسّكه ـ إلى ان قال عليه السّلام ـ ولو أنّ ذلك السّحاب والثّقل من الماء هو الّذي يرسل نفسه بعد احتماله، لما مضى به ألف فرسخ وأكثر وأقرب من ذلك وأبعد ليرسله قطرة بعد قطرة بلا هزّة ولا فساد ولا ضار به إلى بلدة وترك أخرى.

وفي عيون الأخبار(٦) ، عن الرّضا ـ عليه السّلام ـ في حديث طويل. يقول فيه: إنّي لـمّا نظرت إلى جسدي، فلم يمكنني فيه زيادة ولا نقصان في العرض أو الطّول ودفع

__________________

(١) ليس في ر.

(٢) الأنبياء / ٢٢.

(٣) الكافي ١ / ١٣، ح ١٢.

(٤) بحار الأنوار ٣ / ١٦٤، مع اختلاف في النقل.

(٥) المصدر: البرد والجليد.

(٦) عيون الاخبار ١ / ١٠٨، ح ٢٨.

٢١٠

المكاره عنه وجرّ المنفعة إليه، علمت أنّ لهذا البنيان بانيا. فأقررت به مع ما أرى من دوران الفلك بقدرته وإنشاء السّحاب وتصريف الرّياح ومجرى الشّمس والقمر والنّجوم وغير ذلك من الآيات العجيبات المتقنات، علمت أنّ لهذا مقدّرا ومنشئا.

وفي كتاب التوحيد(١) : قال هشام فكان من سؤال الزّنديق أن قال: فما الدّليل عليه؟

قال أبو عبد الله ـ عليه السّلام: وجود الأفاعيل التي(٢) دلّت على أنّ صانعا صنعها.

ألا ترى انّك إذا نظرت إلى بناء مشيّد(٣) علمت أنّ له بانيا؟ وإن كنت لم تر الباني ولم تشاهده.

وفي اصول الكافي، مثله، سواء(٤) .

( وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَتَّخِذُ مِنْ دُونِ اللهِ أَنْداداً ) من الرّؤساء الّذين كانوا يطيعونهم، أو الأعمّ منهم، ومن كلّ ما يتّخذونهم أندادا.

( يُحِبُّونَهُمْ ) : يعظّمونهم. ويطيعونهم.

( كَحُبِّ اللهِ ) : كتعظيمه(٥) والميل إلى طاعته.

أي: يسوّون بينه وبينهم في المحبّة والطّاعة، أو يحبّونهم كما ينبغي أن يحبّ الله، من المصدر المبنيّ للمفعول. وأصله من الحبّ. استعير لحبّة القلب. ثمّ اشتقّ منه الحبّ.

لأنّه أصابها ورسخ فيها.

ومحبّة العبد لله، إرادة طاعته والاعتناء بتحصيل مرضاته. ومحبّته للعبد، إرادة إكرامه واستعماله وصونه عن المعاصي.

( وَالَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبًّا لِلَّهِ ) : لأنّه لا تنقطع محبّتهم لله بخلاف محبّة الأنداد. فإنّها لأغراض فاسدة موهومة، تزول بأدنى سبب.

( وَلَوْ يَرَى الَّذِينَ ظَلَمُوا ) : ولو يعلم هؤلاء الّذين ظلموا باتّخاذهم الأنداد،( إِذْ يَرَوْنَ الْعَذابَ ) : إذا عاينوه يوم القيامة.

وأجرى المستقبل مجرى الماضي، لتحقّقه، كقوله(٦) : ونادى أصحاب الجنّة.

( أَنَّ الْقُوَّةَ لِلَّهِ جَمِيعاً ) :

__________________

(١) التوحيد / ٢٤٤.

(٢) ليس في الكافي.

(٣) المصدر: مشيّد مبنيّ.

(٤) الكافي ١ / ٨١، ح ٥.

(٥) أ: لتعظيمه.

(٦) الأعراف / ٤٤.

٢١١

سادّ مسدّ مفعولي «يرى» وجواب «لو» محذوف، أي: لندموا أشدّ النّدم.

وقيل(١) : هو متعلّق الجواب. والمفعولان محذوفان. والتقدير: «ولو يرى الّذين ظلموا أندادهم لا تنفع، لعلموا أنّ القوّة لله كلّها. لا ينفع ولا يضرّ غيره.» وقرأ ابن عامر ونافع ويعقوب(٢) : «ولو ترى» على أنّه خطاب للنّبيّ ـ صلّى الله عليه وآله ـ، أي: ولو ترى ذلك لرأيت أمرا عظيما.

وابن عامر(٣) : «إذ يُرون» على البناء للمفعول.

ويعقوب(٤) : «إنّ» (بالكسر) وكذا.

( وَأَنَّ اللهَ شَدِيدُ الْعَذابِ ) (١٦٥) :

على الاستئناف، أو إضمار القول.

( إِذْ تَبَرَّأَ الَّذِينَ اتُّبِعُوا مِنَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا ) :

بدل من «إذ يرون»، أي: إذ تبرّأ المتّبعون، من الأتباع. وقرئ بالعكس، أي: تبرّأ الاتباع من الرّؤساء.

( وَرَأَوُا الْعَذابَ ) ، أي: رائين له.

والواو للحال. وقد مضمرة. وقيل: عطف على تبرّأ.

( وَتَقَطَّعَتْ بِهِمُ الْأَسْبابُ ) (١٦٦) :

يحتمل العطف على «تبرّأ» و «رأوا» و «الحال» و «الأسباب» الوصل الّتي كانت بينهم من الاتّباع والاتّفاق، على الدين والأغراض الدّاعية إلى ذلك.

وأصل السّبب، الحبل الّذي يرتقى به الشّجر.

وقرئ «تقطّعت»، على البناء للمفعول.

( وَقالَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا لَوْ أَنَّ لَنا كَرَّةً فَنَتَبَرَّأَ مِنْهُمْ كَما تَبَرَّؤُا مِنَّا ) :

«لو» للتّمنّي. ولذلك أجيب بالفاء، أي: ليت لنا كرّة إلى الدّنيا، فنتبرّأ منهم.

( كَذلِكَ ) : مثل ذلك الأداء الفظيع،( يُرِيهِمُ اللهُ أَعْمالَهُمْ حَسَراتٍ عَلَيْهِمْ ) ندمات.

وهي ثالث مفاعيل يرى، إن كان من رؤية القلب. وإلّا فحال.

__________________

(١) أنوار التنزيل ١ / ٩٤.

(٢) نفس المصدر ونفس الموضع.

(٣) نفس المصدر ونفس الموضع.

(٤) نفس المصدر ونفس الموضع.

٢١٢

( وَما هُمْ بِخارِجِينَ مِنَ النَّارِ ) (١٦٧) :

أصله «وما يخرجون». فعدل به إلى هذه العبارة، للمبالغة في الخلود والإقناط عن الخلاص والرّجوع إلى الدّنيا.

وفي أمالي شيخ الطّائفة ـ قدّس سرّه(١) ـ بإسناده إلى أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ قال: إذا كان يوم القيامة، نادى مناد من بطنان العرش: أين خليفة الله في أرضه؟ فيقوم داود(٢) ـ عليه السّلام. فيأتي النّداء من عند الله ـ عزّ وجلّ: لسنا إيّاك أردنا. وإن كنت لله خليفة.

ثمّ ينادى ثانية(٣) : أين خليفة الله في أرضه؟ فيقوم أمير المؤمنين، عليّ بن أبي طالب ـ عليه السّلام. فيأتي النّداء من قبل الله ـ عزّ وجلّ: يا معشر الخلائق! هذا عليّ بن أبي طالب خليفة الله في أرضه وحجّته على عباده. فمن تعلّق بحبله في دار الدّنيا، فليتعلّق بحبله في هذا اليوم يستضيء(٤) بنوره ويتبعه(٥) إلى الدّرجات العلى من الجنّات.

قال: فيقوم النّاس(٦) الّذين قد تعلّقوا بحبله في الدّنيا. فيتّبعونه إلى الجنّة.

ثمّ يأتي النّداء من عند الله ـ جلّ جلاله: ألا من أئتمّ(٧) بإمام في دار الدّنيا، فليتّبعه إلى حيث يذهب(٨) .

فحينئذ يتبرّأ الّذين اتّبعوا من الّذين اتّبعوا. ورأوا العذاب. وتقطّعت بهم الأسباب. وقال الّذين اتّبعوا: لو أنّ لنا كرّة فنتبرأ منهم كما تبرّؤوا منّا. كذلك يريهم الله أعمالهم حسرات عليهم. وما هم بخارجين من النّار.

وفي أصول الكافي(٩) : محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد بن عيسى، عن الحسن بن محبوب، عن عمر بن ثابت، عن جابر، قال: سألت أبا جعفر ـ عليه السّلام ـ عن قول الله ـ عزّ وجلّ ـ( وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَتَّخِذُ مِنْ دُونِ اللهِ أَنْداداً يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللهِ ) .

قال: [هم](١٠) والله أولياء فلان وفلان. اتخذوهم أئمّة من دون الإمام الّذي جعله

__________________

(١) أمالي الشيخ الطوسي ١ / ٦١ و ٩٧.

(٢) المصدر: داود النبيّ ـ عليه السّلام.

(٣) المصدر: مناد ثانية.

(٤) أو المصدر: ليستضيء.

(٥) المصدر: ليتبعه.

(٦) المصدر: أناس.

(٧) المصدر: ائتمّ.

(٨) المصدر: يذهب به.

(٩) الكافي ١ / ٣٧٤، ح ١١.

(١٠) يوجد في المصدر.

٢١٣

الله للنّاس إماما. ولذلك قال:( وَلَوْ يَرَى الَّذِينَ ظَلَمُوا إِذْ يَرَوْنَ الْعَذابَ أَنَّ الْقُوَّةَ لِلَّهِ جَمِيعاً وَأَنَّ اللهَ شَدِيدُ الْعَذابِ إِذْ تَبَرَّأَ الَّذِينَ اتُّبِعُوا مِنَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا وَرَأَوُا الْعَذابَ وَتَقَطَّعَتْ بِهِمُ الْأَسْبابُ. وَقالَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا لَوْ أَنَّ لَنا كَرَّةً فَنَتَبَرَّأَ مِنْهُمْ كَما تَبَرَّؤُا مِنَّا. كَذلِكَ يُرِيهِمُ اللهُ أَعْمالَهُمْ حَسَراتٍ عَلَيْهِمْ وَما هُمْ بِخارِجِينَ مِنَ النَّارِ ) .

ثمّ قال أبو جعفر ـ عليه السّلام: هم، والله، يا جابر! أئمّة الضّلال وأشياعهم.

وفي تفسير العيّاشيّ(١) : عن زرارة وحمران ومحمّد بن مسلم، عن أبي جعفر وأبي عبد الله ـ عليهما السّلام ـ في قوله( وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَتَّخِذُ مِنْ دُونِ اللهِ أَنْداداً. يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللهِ. وَالَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبًّا لِلَّهِ ) ، قال: هم آل محمّد ـ صلّى الله عليه وآله.

وعن منصور بن حازم(٢) . قال قلت لأبي عبد الله ـ عليه السّلام:( وَما هُمْ بِخارِجِينَ مِنَ النَّارِ ) ؟

قال: أعداء عليّ ـ عليه السّلام. هم المخلّدون في النّار، أبد الآبدين ودهر الدّاهرين.

وفي الكافي(٣) : أحمد بن أبي عبد الله عن عثمان بن عيسى، عمّن حدثه، عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ في قول الله ـ عزّ وجلّ:( كَذلِكَ يُرِيهِمُ اللهُ أَعْمالَهُمْ حَسَراتٍ عَلَيْهِمْ ) قال: هو الرّجل يدع ماله لا ينفعه(٤) في طاعة الله، بخلا. ثمّ يموت فيدعه لمن يعمل فيه بطاعة الله، أو معصية الله. فإن عمل به في طاعة الله، رآه في ميزان غيره. فرآه حسرة، وقد كان المال له. وإن عمل به في معصية الله، قوّاه بذلك المال، حتّى عمل به في معصية الله.

وفي نهج البلاغة(٥) : وقال ـ عليه السّلام: إنّ أعظم الحسرات يوم القيامة، حسرة رجل كسب مالا في غير طاعة الله. فورثه رجلا(٦) . فأنفقه في طاعة الله سبحانه. فدخل به الجنّة. ودخل به الأوّل النّار.

وفي مجمع البيان(٧) :( أَعْمالَهُمْ حَسَراتٍ عَلَيْهِمْ ) فيه أقوال: (إلى قوله) والثّالث

__________________

(١) تفسير العياشي ١ / ٧٢، ح ١٤٣.

(٢) نفس المصدر / ٧٣، ح ١٤٥.

(٣) الكافي ٤ / ٤٢، ح ٢.

(٤) المصدر: ينفقه. (ظ)

(٥) نهج البلاغة ٥٥٢، حكمة ٤٢٩.

(٦) المصدر: رجل.

(٧) مجمع البيان ١ / ٢٥١.

٢١٤

ما رواه أصحابنا عن أبي جعفر ـ عليه السّلام ـ أنّه قال: هو الرّجل يكسب(١) المال.

ولا يعمل فيه(٢) خيرا. فيرثه من يعمل فيه عملا صالحا. فيرى الأوّل ما كسبه، حسرة في ميزان غيره.

( يا أَيُّهَا النَّاسُ كُلُوا مِمَّا فِي الْأَرْضِ حَلالاً ) :

نزلت في قوم، حرّموا على أنفسهم رفيع الأطعمة والملابس(٣) .

و «حلالا»، مفعول «كلوا»، أو صفته مصدر محذوف، أو حال من( مِمَّا فِي الْأَرْضِ ) .

و «من» للتّبعيض، إذ لا يؤكل كلّ ما في الأرض.

( طَيِّباً ) : يستطيبه الشّرع، أو الشّهوة المستقيمة، أي: لا تأكلوا على امتلاء المعدة والشّهوة الكاذبة.

( وَلا تَتَّبِعُوا خُطُواتِ الشَّيْطانِ ) : لا تقتدوا به في اتّباع الهوى، فتحرّموا الحلال وتحللوا الحرام.

[وفي مجمع البيان(٤) :](٥) وروى عن أبي جعفر وأبي عبد الله ـ عليهما السّلام: أنّ من خطوات الشّيطان، الحلف بالطّلاق، والنّذور في المعاصي، وكلّ يمين بغير الله تعالى.

وفي تفسير العيّاشيّ(٦) : عن محمّد بن مسلم قال: سمعت أبا جعفر ـ عليه السّلام ـ يقول:( لا تَتَّبِعُوا خُطُواتِ الشَّيْطانِ ) قال: يحلّ(٧) يمين بغير(٨) الله، فهي من خطوات الشّيطان.

وقرأ نافع وأبو عمرو وحمزة، بتسكين الطّاء. وهما لغتان في جمع خطوة. وهي ما بين قدمي الخاطي.

وقرئ بضمّتين وهمزة، جعلت ضمّة الطّاء، كأنّها عليها. وبفتحتين على أنّه جمع خطوة. وهي المرة من الخطو.

( إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ ) (١٦٨): ظاهر العداوة، عند ذوي البصيرة، وإن كان

__________________

(١) المصدر: يكتسب.

(٢) أ: به.

(٣) مجمع البيان ١ / ٢٥٢.

(٤) مجمع البيان ١ / ٢٥٢.

(٥) ليس في أ.

(٦) تفسير العيّاشيّ ١ / ٧٤، ح ١٥٠.

(٧) ليس في أ.

(٨) أ: غير.

٢١٥

يظهر الموالاة لمن يغويه. ولذلك سمّاه وليّا في قوله(١) :( أَوْلِياؤُهُمُ الطَّاغُوتُ ) .

( إِنَّما يَأْمُرُكُمْ بِالسُّوءِ وَالْفَحْشاءِ ) :

بيان لعداوته ووجوب التّحرّز عن متابعته. واستعير الأمر لتزيينه وبعثه لهم على الشّرّ، تسفيها لرأيهم وتحقيرا لشأنهم.

و «السّوء» و «الفحشاء» ما أنكره العقل واستقبحه الشّرع. والعطف لاختلاف الوصفين. فإنّه سوء لاغتمام العاقل به وفحشاء باستقباحه إيّاه.

وقيل(٢) : «السوء» يعمّ القبائح، و «الفحشاء» ما تجاوز الحدّ في القبح من الكبائر.

وقيل(٣) : الأوّل ما لا حدّ فيه. والثّاني ما شرّع فيه الحدّ.

( وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللهِ ما لا تَعْلَمُونَ ) (١٦٩)، كاتّخاذ الأنداد وتحليل المحرّمات وتحريم المحلّلات.

( وَإِذا قِيلَ لَهُمُ اتَّبِعُوا ما أَنْزَلَ اللهُ ) :

الضّمير للنّاس. وعدل عن الخطاب معهم للنّداء على ضلالتهم. كأنّه التفت إلى العقلاء. وقال لهم: انظروا إلى هؤلاء الحمقى ما ذا يجيبون.

( قالُوا بَلْ نَتَّبِعُ ما أَلْفَيْنا ) : وجدنا،( عَلَيْهِ آباءَنا ) :

نزلت في المشركين. أمروا باتّباع القرآن وسائر ما أنزل الله من الحجج والآيات فجنحوا إلى التّقليد.

وقيل(٤) : في طائفة من اليهود. دعاهم رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ إلى الإسلام. فقالوا ذلك. وقالوا: إنّ آباءنا كانوا خيرا منّا.

( أَوَلَوْ كانَ آباؤُهُمْ لا يَعْقِلُونَ شَيْئاً وَلا يَهْتَدُونَ ) (١٧٠) :

الواو للحال، أو العطف. والهمزة للرّدّ والتّعجيب. وجواب «لو» محذوف، أي :لو كان آباؤهم جهلة لاتّبعوهم.

( وَمَثَلُ الَّذِينَ كَفَرُوا كَمَثَلِ الَّذِي يَنْعِقُ بِما لا يَسْمَعُ إِلَّا دُعاءً وَنِداءً ) على حذف مضاف. تقديره: ومثل داعي الّذين كفروا كمثل الّذي ينعق، أو مثل الّذين كفروا ،

__________________

(١) البقرة / ٢٥٧.

(٢) أنوار التنزيل ١ / ٩٥.

(٣) مجمع البيان ١ / ٣٥٣+ أنوار التنزيل ١ / ٩٥.

(٤) أنوار التنزيل ١ / ٩٥.

٢١٦

كمثل بهائم الّذي ينعق.

والمعنى: أنّ مثل الّذين كفروا في دعائك إيّاهم، أي: مثل الدّاعي لهم إلى الإيمان، كمثل النّاعق في دعائه المنعوق به من البهائم الّتي لا تفهم. وإنّما تسمع الصّوت.

وكما أنّ الأنعام لا يحصل لها من دعاء الدّاعي إلّا السّماع دون تفهّم المعنى، فكذلك الكفّار لا يحصل لهم من دعائك إيّاهم إلى الإيمان إلّا السّماع دون تفهّم المعنى. لأنّهم يعرضون عن قبول قولك. وينصرفون عن تأمّله. فيكونون بمنزلة من لم يعقله ولم يفهمه. وهذا كما تقول العرب فلان يخافك كخوف الأسد، والمعنى كخوفه من الأسد. وأضاف الخوف إلى الأسد، وهو في المعنى مضاف إلى الرّجل.

قال(١) :

فلست مسلّما ما دمت حيّا

على زيد بتسليم الأمير

يراد بتسليمي على الأمير.

قيل(٢) : هو تمثيلهم في اتّباع آبائهم على ظاهر حالهم جاهلين بحقيقتها بالبهائم التي تسمع الصّوت ولا تفهم ما تحته، أو تمثيلهم في دعائهم الأصنام بالنّاعق في نعقه وهو التّصويت على البهائم.

والأوّل ـ هو المرويّ عن أبي جعفر ـ عليه السّلام ـ على ما في مجمع البيان(٣) .

( صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ ) : رفع على الذّمّ.

( فَهُمْ لا يَعْقِلُونَ ) (١٧١)، أي: بالفعل للإخلال بالنّظر.

( يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُلُوا مِنْ طَيِّباتِ ما رَزَقْناكُمْ ) لـمّا وسع الأمر على النّاس كافّة وأباح لهم ما في الأرض، سوى ما حرّم عليهم أمير المؤمنين منهم أن يتحرّوا طيّبات ما رزقوا ويقوموا بحقوقها. فقال :( وَاشْكُرُوا لِلَّهِ ) على ما رزقكم وحلّل(٤) لكم،( إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ ) (١٧٢)، إن صحّ أنّكم تخصّونه بالعبادة وتقرّون أنّه مولى النّعم. فإنّ عبادته لا تتمّ إلّا بالشّكر. فالمعلّق بفعل العبادة، هو الأمر بالشّكر، لإتمامه. وهو عدم عند عدمه.

__________________

(١) مجمع البيان ١ / ٢٥٥.

(٢) نفس المصدر ونفس الموضع.

(٣) نفس المصدر ونفس الموضع.

(٤) أ: أحلّ.

٢١٧

وعن النّبيّ ـ صلّى الله عليه وآله(١) : يقول الله تعالى: أنّي والإنس والجنّ في نبأ عظيم، أخلق. ويعبد غيري وأرزق. ويشكر غيري.

( إِنَّما حَرَّمَ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةَ ) أكلها والانتفاع بها. وهي الّتي ماتت من غير ذكاة.

والحرمة المضافة إلى العين، تفيد عرفا حرمة التّصرّف فيها مطلقا، إلّا ما استثني، كما سيجيء.

( وَالدَّمَ وَلَحْمَ الْخِنْزِيرِ ) :

إنّما خصّ اللّحم بالذّكر، لأنّه معظم ما يؤكل من الحيوان وسائر أجزائه كالتّابع له.

( وَما أُهِلَّ بِهِ لِغَيْرِ اللهِ ) ، أي: رفع به الصّوت عند ذبحه للصّنم.

والإهلال، أصله، رؤية الهلال. لكن لما جرت العادة أن يرفع الصّوت بالتّكبير، إذ رئي، سمّي ذلك إهلالا. ثمّ قيل لرفع الصّوت، وإن كان لغيره.

وفي كتاب عيون أخبار الرّضا ـ عليه السّلام(٢) ـ في باب ذكر ما كتب به الرّضا ـ عليه السّلام ـ إلى محمّد بن سنان، في جواب مسائله من العلل: وحرّم الميتة لما فيها من فساد الأبدان والآفة. ولمّا أراد الله ـ عزّ وجلّ ـ أن يجعل سبب التّحليل(٣) وفرقا بين الحلال والحرام.

وحرّم الله الدّم، كتحريم الميتة، لما فيه من فساد الأبدان. ولأنّه يورث الماء الأصفر ويبخر الفم وينتن الرّيح ويسيء الخلق ويورث القسوة للقلب وقلّة الرّأفة والرّحمة، حتّى لا يؤمن أن يقتل ولده ووالده وصاحبه.

وحرّم الخنزير لأنّه مشوّه جعله الله تعالى عظة للخلق وغيره وتخويفا ودليلا على ما مسخ على(٤) خلقته لأنّ غذاءه أقذر الأقذار، مع علل كثيرة. وكذلك حرّم القرد(٥) . لأنّه مسخ مثل الخنزير. وجعل عظة وعبرة للخلق، دليلا على ما مسخ على خلقته وصورته.

وجعل فيه شبها من الإنسان ليدلّ على أنّه من الخلق المغضوب عليه.

وحرّم ما أهل به لغير الله للّذي أوجب الله ـ عزّ وجلّ ـ على خلقه من الإقرار به

__________________

(١) الكشّاف ١ / ٢١٤+ أنوار التنزيل ١ / ٩٦.

(٢) عيون أخبار الرضا ٢ / ٩١ ـ ٩٢، ح ١.

(٣) المصدر: سببا للتحليل. (ظ)

(٤) ر: من.

(٥) النسخ: القردة.

٢١٨

وذكر اسمه على الذّبائح المحلّلة. ولئلا يسوّي(١) بين ما تقرب به إليه وبين ما جعل عبادة للشّياطين والأوثان. لأنّ في تسمية الله ـ عزّ وجلّ ـ الإقرار بربوبيّته وتوحيده. وما في الإهلال لغير الله من الشّرك(٢) والتّقرّب به إلى غيره، ليكون ذكر الله تعالى وتسميته على الذّبيحة فرقا بين ما أحلّ الله وبين ما حرّم الله.

وفي كتاب علل الشّرائع(٣) ، بإسناده الى محمّد بن عذافر، عن بعض رجاله، عن أبي جعفر ـ عليه السّلام ـ قال: قلت له لم حرّم الله ـ عزّ وجلّ ـ الخمر والميتة والدّم ولحم الخنزير؟

فقال: إنّ الله ـ تبارك وتعالى ـ لم يحرّم ذلك على عباده وأحلّ لهم ما سوى ذلك من رغبة فيما أحلّ لهم ولا زهد فيما حرّم(٤) عليهم. ولكنّه ـ عزّ وجلّ ـ خلق الخلق، فعلم ما تقوم(٥) به أبدانهم وما يصلحهم. فأحلّه لهم. وأباحه. وعلم ما يضرّهم. فنهاهم عنه.

وحرّمه عليهم. ثمّ أحلّه للمضطرّ في الوقت الّذي لا يقوّم بدنه إلّا به. فأمره أن ينال منه بقدر البلغة لا غير ذلك. ثمّ قال: أمّا الميتة فإنّه لم ينل أحد منها إلّا أضعف(٦) بدنه(٧) وأوهنت قوّته وانقطع نسله. ولا يموت آكل الميتة إلّا فجأة.

وأمّا الدم، فإنه يورث اكله الماء الأصفر. ويورث الكلب وقساوة القلب وقلّة الرّأفة والرّحمة، حتّى لا يؤمن على حميمه. ولا يؤمن على من صحبه.

وأمّا الخنزير، فإنّ الله ـ عزّ وجلّ ـ مسخ قوما في صور شتّى، مثل الخنزير والقرد والدّبّ. ثمّ نهى عن أكل المثلة لكي ما ينتفع بها ولا يستحفّ بعقوبته.

والحديث طويل. أخذت منه موضع الحاجة.

وفي كتاب الخصال(٨) : عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ قال: عشرة أشياء من الميتة: ذكيّة العظم والشّعر والصّوف والرّيش والقرن والحافر والبيض والإنفحة واللّبن والسّنّ.

وفي الكافي(٩) : محمّد بن يحيى وغيره، عن أحمد بن محمّد، عن ابن محبوب، عن

__________________

(١) المصدر: يساري.

(٢) المصدر: من الشرك به.

(٣) علل الشرائع ٢ / ٤٨٤، ح ١.

(٤) المصدر: حرّمه.

(٥) المصدر: يقوّم. (ظ)

(٦) المصدر: لضعف.

(٧) المصدر: أو.

(٨) الخصال ٢ / ٤٣٤، ح ١٩.

(٩) الكافي ٦ / ٢٥٩، ح ٧.

٢١٩

عاصم بن حميد، عن عليّ بن المغيرة(١) قال: قلت لأبي عبد الله ـ عليه السّلام: جعلت فداك، الميتة ينتفع بشيء منها؟

قال(٢) : لا.

قلت: بلغنا أنّ رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ مرّ بشاة ميتة، فقال: ما كان على أهل هذه الشّاة إذا لم ينتفعوا بلحمها أن ينتفعوا بإهابها.

[قال: تلك شاة كانت لسودة بنت زمعة، زوجة النّبيّ ـ صلّى الله عليه وآله.

وكانت شاة مهزولة لا ينتفع بلحمها. فتركوها، ماتت. فقال رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله: ما كان على أهلها إذ لم ينتفعوا بلحمها أن ينتفعوا بإهابها].(٣) ، أي: تذكى(٤) .

( فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ باغٍ وَلا عادٍ ) :

قيل(٥) : «الباغي»: المستأثر على مضطرّ آخر. و «العادي»: المتجاوز سدّ الرّمق.

وفي كتاب معاني الأخبار(٦) ، بإسناده إلى البزنطيّ عمّن ذكره، عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ في قول الله ـ عزّ وجلّ ـ( فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ باغٍ وَلا عادٍ ) قال: الباغي الّذي يخرج على الإمام العادل. والعادي الّذي يقطع الطّريق لا تحلّ لهما الميتة.

وفي الكافي(٧) : الحسين بن محمّد، عن معلّى بن محمّد، عن الوشّاء، عن حمّاد بن عثمان، عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ في قول الله ـ عزّ وجلّ ـ( فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ باغٍ وَلا عادٍ ) قال: الباغي، باغي الصّيد. والعادي، السّارق. ليس لهما أن يأكلا الميتة إذا اضطرّا إليها. هي حرام عليهما. ليس هي عليهما كما هي على المسلمين.

وفي من لا يحضره الفقيه(٨) : روى عبد العظيم بن عبد الله الحسنيّ، عن أبي جعفر محمّد بن عليّ الرّضا ـ عليه السّلام. قال: قلت يا بن رسول الله! فما معنى قوله ـ عزّ وجلّ ـ( فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ باغٍ وَلا عادٍ ) ؟ قال: العادي، السّارق. والباغي، الّذي يبغي الصّيد بطرا ولهوا. لا ليعود به على عياله.

__________________

(١) أ: أبي المغيرة.

(٢) المصدر: فقال.

(٣) ما بين المعقوفتين ليس في أ.

(٤) النسخ: تزكّى.

(٥) أنوار التنزيل ١ / ٩٦.

(٦) معاني الأخبار / ٢١٣، ح ١.

(٧) الكافي ٣ / ٤٣٨، ح ٧، وله تتمة.

(٨) من لا يحضره الفقيه ٣ / ٢١٧، ح ١٠٠٧.

٢٢٠

ليس لهما أن يأكلا الميتة إذا اضطرّا. هي حرام عليهما في حال الاضطرار. كما هي حرام عليهما في حال الاختيار.

وبالاضطرار يحلّ عموم المحرّمات، يدلّ عليه ما رواه.

في الكافي(١) : عن محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد، عن حمّاد بن عيسى، عن حريز بن محمّد بن مسلم قال: سألت أبا عبد الله ـ عليه السّلام ـ عن الرّجل والمرأة يذهب بصره، فيأتيه الأطبّاء، فيقولون: نداويك شهرا، أو أربعين ليلة مستقليا. كذلك يصلّي.

فرخّص في ذلك. وقال:( فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ باغٍ وَلا عادٍ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ ) .

وفي من لا يحضره الفقيه(٢) : وفي رواية محمّد بن عمرو بن سعيد، رفعه، عن امرأة أتت عمر. فقالت: يا أمير المؤمنين! إنّى فجرت. فأقم عليّ(٣) حدّ الله ـ عزّ وجلّ.

فأمر برجمها. وكان [عليّ](٤) أمير المؤمنين ـ عليه السّلام ـ حاضرا. فقال: سلها كيف فجرت؟

فسألها. فقالت: كنت في فلاة من الأرض. فأصابني عطش شديد. فرفعت لي خيمة. فأتيتها. فأصبت فيها رجلا أعرابيّا فسألته ماء. فأبى عليّ أن يسقيني إلّا أكون(٥) أن أمكّنه من نفسي. فولّيت منه(٦) هاربة. فاشتدّ بي العطش، حتّى غارت عيناي وذهب لساني. فلمّا بلغ منّي العطش، أتيته فسقاني ووقع عليّ.

فقال عليّ ـ عليه السّلام: هي الّتي قال الله ـ عزّ وجلّ:( فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ باغٍ وَلا عادٍ ) . هذه غير باغية ولا عادية. فخلّى سبيلها.

فقال عمر: لولا عليّ لهلك عمر.

ويجب تناول المحرّم، عند الاضطرار.

قال الصّادق ـ عليه السّلام(٧) : من اضطرّ إلى الميتة والدّم ولحم الخنزير، فلم يأكل من ذلك حتّى يموت، فهو كافر.

( فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ ) في تناوله.

( إِنَّ اللهَ غَفُورٌ ) لما فعل ،

__________________

(١) الكافي ٣ / ٤١٠، ح ٤.

(٢) من لا يحضره الفقيه ٤ / ٢٥، ح ٦٠.

(٣) المصدر: فيّ.

(٤) يوجد في المصدر.

(٥) ليس في المصدر. وعدم وجودها أبلغ.

(٦) المصدر: عنه. (ظ)

(٧) نفس المصدر ٣ / ٢١٨، ح ١٠٠٨.

٢٢١

( رَحِيمٌ ) (١٧٣)، بالرّخصة فيه.

فإن قلت: إنّما يفيد القصر على ما ذكر، وكم من محرّم لم يذكر.

قلت: المراد، قصر الحرمة على ما ذكر ممّا استحلّوه، لا مطلقا، أو قصر حرمته على حال الاختيار. كأنّه قيل: إنّما حرّم عليكم هذه الأشياء، ما لم تضطرّوا إليها.

( إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ ما أَنْزَلَ اللهُ مِنَ الْكِتابِ وَيَشْتَرُونَ بِهِ ثَمَناً قَلِيلاً ) : عوضا حقيرا،( أُولئِكَ ما يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ إِلَّا النَّارَ ) : إمّا في الحال، لأنّه أكلوا ما يتسبّب إلى النّار. أو في المآل، أي: يوم القيامة.

ومعنى «في بطونهم» ملئ بطونهم. يقال: أكل في بطنه، وأكل في بعض بطنه.

( وَلا يُكَلِّمُهُمُ اللهُ يَوْمَ الْقِيامَةِ ) : عبارة عن غضبه عليهم.

( وَلا يُزَكِّيهِمْ ) : ولا يثني عليهم.

( وَلَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ ) . (١٧٤)( أُولئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الضَّلالَةَ بِالْهُدى ) في الدّنيا.

( وَالْعَذابَ بِالْمَغْفِرَةِ ) في الآخرة، بكتمان الحقّ.

( فَما أَصْبَرَهُمْ عَلَى النَّارِ ) (١٧٥) :

تعجّب من حالهم، في الالتباس بموجبات النّار، من غير مبالاة.

و «ما» تامّة مرفوعة بالابتداء. وتخصيصها كتخصيص شرّ أهرّ ذا ناب، أو استفهاميّة وما بعدها الخبر، أو موصولة وما بعدها صلة. والخبر محذوف.

وفي أصول الكافي(١) : عدّة من أصحابنا، عن أحمد بن محمّد بن خالد، عن عثمان بن عيسى، عن عبد الله بن مسكان، عمّن ذكره، عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ في قول الله ـ عزّ وجلّ ـ( فَما أَصْبَرَهُمْ عَلَى النَّارِ ) فقال: ما أصبرهم على فعل ما يعملون أنّه يصيّرهم إلى النّار.

وفي مجمع البيان(٢) : قول الله ـ عزّ وجلّ ـ( فَما أَصْبَرَهُمْ عَلَى النَّارِ ) ، فيه أقوال: أحدها ـ أنّ معناه ما أجرأهم على النّار، رواه عليّ بن إبراهيم بإسناده، عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام.

__________________

(١) الكافي ٢ / ٢٦٨، ح ٢.

(٢) مجمع البيان ١ / ٢٥٩.

٢٢٢

والثّاني ـ ما أعملهم بأعمال أهل النّار. وهو المرويّ عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام.

( ذلِكَ ) ، أي: العذاب،( بِأَنَّ اللهَ نَزَّلَ الْكِتابَ بِالْحَقِ ) ، أي: بسبب أنّ الله نزّل الكتاب بالحقّ، فرفضوه بالكتمان والتّكذيب.

( وَإِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِي الْكِتابِ ) :

الّلام فيه إمّا للجنس واختلافهم إيمانهم ببعض وكفرهم ببعض آخر، أو للعهد.

والإشارة، إمّا إلى التوراة، و «اختلفوا» بمعنى تخلّفوا. عن المنهج المستقيم، في تأويلها، أو خلّفوا خلاف ما أنزل الله مكانه، أي: حرّفوا فيها، أو «اختلفوا» بمعنى أنّ بعضهم آمنوا به وبعضهم حرّفوه عن مواضعه، وإمّا إلى القرآن. واختلافهم قولهم سحر وتقوّل وكلام علّمه بشر وأساطير الأوّلين.

( لَفِي شِقاقٍ بَعِيدٍ ) (١٧٦): لفي خلاف بعيد عن الحق(١) .

( لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ ) :

«البرّ»، كلّ فعل مرضيّ.

والخطاب لأهل الكتاب. فإنّهم أكثروا الخوض في أمر القبلة، حين حوّلت.

وادّعى كلّ طائفة أنّ البرّ هو التّوجّه إلى قبلته. فردّ الله عليهم. وقال ليس البرّ ما أنتم عليه.

فإنّه منسوخ. ولكن البرّ ما نبيّنه واتّبعه المؤمنون.

وقيل(٢) : عامّ لهم وللمسلمين، أي: ليس البرّ مقصورا بأمر القبلة، أو ليس البرّ العظيم الّذي يحسن أن تذهلوا بشأنه عن غيره أمرها. وقرأ حمزة وحفص: ليس البرّ (بالنّصب(٣) .)( وَلكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَالْمَلائِكَةِ وَالْكِتابِ وَالنَّبِيِّينَ ) ، أي: ولكنّ البرّ الّذي ينبغي أن يهتمّ به، برّ من آمن، أو لكنّ ذا البرّ من آمن. ويؤيّده قراءة: ولكنّ البارّ.

والمراد بالكتاب، الجنس، أو القرآن.

__________________

(١) «عن الحق»، ليس في أ.

(٢) أنوار التنزيل ١ / ٩٧.

(٣) «البرّ» هو منصوب. فعلى أيّ شيء نصبه حمزة وحفص. وهل المقصود في النصب، الإقامة والرفع؟

٢٢٣

وقرأ نافع وابن عامر: ولكن (بالتّخفيف.) ورفع البرّ.

( وَآتَى الْمالَ عَلى حُبِّهِ ) ، على حبّ المال، أو على حبّ الله، أو على حبّ الإيتاء.

والجارّ والمجرور، في موضع الحال.

( ذَوِي الْقُرْبى ) :

قدّمه لأنّه أفضل. كما روى عنه ـ عليه السّلام(١) : صدقتك على المسكين، صدقة، وعلى ذي رحمك، اثنتان صدقة وصلة.

وفي مجمع البيان(٢) : ذوي القربى، يحتمل أن يكون المراد(٣) قرابة النّبيّ ـ صلّى الله عليه وآله ـ [كما في قوله(٤) :( قُلْ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبى ) ].(٥) وهو المرويّ عن أبي جعفر وأبي عبد الله ـ عليهما السّلام.

( وَالْيَتامى ) : جمع يتيم. وهو من الأطفال من فقد أبوه.

( وَالْمَساكِينَ ) : جمع المسكين. وهو الّذي أسكنته الخلّة. وأصله دائم السّكون، كالمسكير: دائم السّكر.

( وَابْنَ السَّبِيلِ ) : المسافر. سمّي به لملازمته السّبيل، كما سمّي القاطع، ابن الطّريق. وقيل(٦) : الضّيف.

( وَالسَّائِلِينَ ) : الّذين ألجأتهم(٧) الحاجة إلى السّؤال.

قال ـ عليه السّلام: للسّائل حقّ وإن جاء على فرسه.

وفي من لا يحضره الفقيه(٨) ، في الحقوق المرويّة، عن عليّ بن الحسين ـ عليهما السّلام: وحقّ السّائل إعطاؤه على قدر حاجته. وحقّ(٩) المسئول إن أعطى فاقبل منه بالشّكر والمعرفة بفضله. وإن منع فاقبل عذره.

( وَفِي الرِّقابِ ) : في تخليصها، كمعاونة المكاتبين وفكّ الأسارى وابتياع الرّقاب

__________________

(١) أنوار التنزيل ١ / ٩٧.

(٢) مجمع البيان ١ / ٢٦٣.

(٣) المصدر: أراد.

(٤) الشورى / ٢٣.

(٥) ليس في أ.

(٦) أنوار التنزيل ١ / ٩٨.

(٧) النسخ: ألجاهم.

(٨) من لا يحضره الفقيه ٢ / ٣٨٠ ـ ٣٨١.

(٩) المصدر: وأمّا حقّ.

٢٢٤

لعتقها.

( وَأَقامَ الصَّلاةَ ) المفروضة.( وَآتَى الزَّكاةَ ) :

المراد منها الزكاة المفروضة. والغرض من الأوّل، إمّا بيان مصارفها، أو نوافل الصّدقات.

( وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذا عاهَدُوا ) : عطف على( مَنْ آمَنَ ) .

( وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْساءِ وَالضَّرَّاءِ ) : نصب على المدح. ولم يعطف لفضل الصّبر على سائر الأعمال.

وعن الأزهريّ(١) : «البأساء» في الأموال، كالفقر. و «الضّرّاء» في الأنفس، كالمرض.

في عيون الأخبار(٢) ، بإسناده إلى الحارث بن الدّلهاث، مولى الرّضا ـ عليه السّلام ـ قال: سمعت أبا الحسن ـ عليه السّلام ـ يقول: لا يكون المؤمن مؤمنا حتّى يكون فيه ثلاث خصال: سنّة من ربّه، وسنّة من نبيّه، وسنّة من وليّه ـ إلى قوله ـ وأمّا السّنّة من وليّه، فالصّبر(٣) على البأساء والضّرّاء. فإنّ الله يقول:( وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْساءِ وَالضَّرَّاءِ ) .

وفي تفسير عليّ بن إبراهيم(٤) : قوله( وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْساءِ وَالضَّرَّاءِ ) قال: في الجوع والخوف والعطش والمرض.

( وَحِينَ الْبَأْسِ ) قال(٥) : عند القتل.

( أُولئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا ) في الدّين واتّباع الحقّ وطلب البرّ.

( وَأُولئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ ) (١٧٧) عن الكفر وسائر الرّذائل.

وفي تفسير عليّ بن إبراهيم(٦) : أنّ هذه الآية نزلت في أمير المؤمنين ـ صلوات الله عليه ـ لأنّ هذه الشّروط، شروط الإيمان وصفات الكمال. وهي لا توجد إلّا فيه وفي ذرّيّته الطّيّبين ـ صلوات الله عليهم أجمعين.

__________________

(١) أنوار التنزيل ١ / ٩٨.

(٢) عيون أخبار الرضا ١ / ٢٠٠، ح ٩.

(٣) المصدر: في.

(٤) تفسير القمي ١ / ٦٤.

(٥) نفس المصدر ونفس الموضع.

(٦) نفس المصدر ٢ / ٢٤٩.

٢٢٥

( يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصاصُ فِي الْقَتْلى الْحُرُّ بِالْحُرِّ وَالْعَبْدُ بِالْعَبْدِ وَالْأُنْثى بِالْأُنْثى ) .: كان في الجاهليّة بين حيّين. من أحياء العرب دماء. وكان لأحدهما طول على الآخر. فأقسموا لنقتلنّ الحرّ منكم بالعبد والذّكر بالأنثى. فلمّا جاء الإسلام، تحاكموا إلى رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله. فنزلت. وأمرهم ان يتباوؤا.

[وفي تفسير العيّاشيّ(١) : محمّد بن خالد البرقيّ، عن بعض أصحابه، عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ في قول الله تعالى( يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصاصُ ) : هي لجماعة المسلمين. ما هي للمؤمنين خاصّة(٢) ](٣) .

وعن سماعة بن مهران(٤) ، عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ في قوله( الْحُرُّ بِالْحُرِّ وَالْعَبْدُ بِالْعَبْدِ وَالْأُنْثى بِالْأُنْثى ) فقال: لا يقتل حرّ بعبد. ولكن يضرب ضربا شديدا، ويغرّم دية العبد. وإن قتل رجل امرأة. فأراد(٥) اولياء المقتول أن يقتلوا، أدّوا نصف ديته إلى أهل الرّجل.

وفي تهذيب الأحكام(٦) : صفوان، عن ابن مسكان، عن أبي بصير، عن أحدهما ـ عليهما السّلام ـ قال: قلت: قول الله تعالى( كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصاصُ فِي الْقَتْلى الْحُرُّ بِالْحُرِّ وَالْعَبْدُ بِالْعَبْدِ وَالْأُنْثى بِالْأُنْثى ) .

قال: قال: لا يقتل حرّ بعبد. ولكن يضرب ضربا شديدا. ويغرّم ثمن العبد.

وفي مجمع البيان(٧) : نفس الرّجل، لا تساوي نفس المرأة. بل هي على النّصف منها. فيجب إذا أخذت النّفس الكاملة بالنّاقصة، أن يردّ فضل ما بينهما.

وكذلك رواه الطّبريّ في تفسيره(٨) ، عن عليّ ـ عليه السّلام.

وفيه(٩) : قال الصّادق ـ عليه السّلام ـ لا يقتل حرّ بعبد. ولكن يضرب ضربا

__________________

(١) تفسير العياشي ١ / ٥٧، ح ١٥٩.

(٢) المصدر: ا هي جماعة المسلمين؟ قال: هي للمؤمنين خاصّة.

(٣) ما بين المعقوفتين ليس في أ.

(٤) نفس المصدر ونفس الموضع، ح ١٥٧.

(٥) ر: فأرادوا.

(٦) تهذيب الأحكام ١٠ / ١٩١، ح ٧٥٤.

(٧) مجمع البيان ١ / ٢٦٥.

(٨) تفسير الطبري ٢ / ٦٢، باختلاف في اللفظ.

(٩) مجمع البيان ١ / ٢٦٥.

٢٢٦

شديدا، ويغرّم دية العبد.

( فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ ) ، أي: شيء من العفو. لأنّ «عفا»(١) لازم. وفائدته الإشعار بأنّ بعض العفو كالعفو التّامّ، في إسقاط القصاص.

وقيل(٢) : «عفا» بمعنى ترك وشيء مفعول به. وهو ضعيف إذ لم يثبت. «عفا الشيء» بمعنى تركه. بل إعفاءه وعفا، يعدّى بعن الى الجاني والى الذّنب. قال الله تعالى(٣) :( عَفَا اللهُ عَنْكَ ) وقال عفا [الله](٤) عنها. وإذا عدّي به إلى الذّنب، عدّي إلى الجاني باللّام. وعليه ما في الآية. كأنّه قيل: فمن عفي له عن جنايته من جهة أخيه، يعني :

وليّ الدّم. وذكره بلفظ الأخوّة الثّابتة بينهما، من الجنسيّة والإسلام، ليرقّ له ويعطف عليه.

( فَاتِّباعٌ بِالْمَعْرُوفِ وَأَداءٌ إِلَيْهِ بِإِحْسانٍ ) ، أي: فليكن اتّباع أو فالأمر اتّباع.

والمراد: وصيّة العافي بأن يطالب الدّية بالمعروف، فلا يعنف. والمعفوّ عنه، بأن يؤدّيها بإحسان. وهو أن لا يمطل ولا يبخس.

وفي الكافي(٥) : عليّ بن إبراهيم عن أبيه(٦) ، عن ابن أبي عمير، عن حمّاد بن عثمان، عن الحلبيّ، عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ قال: سألته عن قول الله ـ عزّ وجلّ ـ( فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ فَاتِّباعٌ بِالْمَعْرُوفِ وَأَداءٌ إِلَيْهِ بِإِحْسانٍ ) .

قال: ينبغي للّذي له الحقّ، أن لا يعسر أخاه إذا كان قد صالحه على دية.

وينبغي للّذي عليه الحقّ، أن لا يمطل(٧) أخاه إذا قدر على ما يعطيه. ويؤدّي إليه بإحسان.

محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد، عن علي بن الحكم، عن عليّ بن أبي حمزة، عن أبي بصير. قال: سألت أبا عبد الله ـ عليه السّلام ـ في(٨) قول الله ـ عزّ وجلّ ـ( فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ فَاتِّباعٌ بِالْمَعْرُوفِ وَأَداءٌ إِلَيْهِ بِإِحْسانٍ ) .

قال: هو الرّجل يقبل الدّية. فينبغي للطّالب أن يرفق به ولا يعسره. وينبغي للمطلوب أن يؤدّي إليه بإحسان(٩) ولا يمطله، إذا قدر.

__________________

(١) ر: العفو.

(٢) أنوار التنزيل ١ / ٩٩.

(٣) التوبة / ٤٣.

(٤) يوجد في المصدر.

(٥) الكافي ٧ / ٣٥٨، ح ١.

(٦) ليس في الأصل.

(٧) ر: لا يمطل عليه.

(٨) المصدر: عن.

(٩) «إليه بإحسان»، ليس في أ.

٢٢٧

أحمد بن محمّد بن أبي نصر، عن عبد الكريم، عن سماعة(١) ، عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ في قول الله ـ عزّ وجلّ ـ( فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ فَاتِّباعٌ بِالْمَعْرُوفِ وَأَداءٌ إِلَيْهِ بِإِحْسانٍ ) ، ما ذلك الشيء؟

فقال: هو الرجل يقبل الدّية. فأمر الله ـ عزّ وجلّ ـ الرجل الّذي له الحقّ، أن يتّبعه بمعروف، ولا يعسره. وأمر الّذي عليه الحقّ، أي يؤدّي إليه بإحسان، إذا أيسر.

( ذلِكَ ) ، أي: الحكم المذكور في العفو والدّية،( تَخْفِيفٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَرَحْمَةٌ ) لما فيه من التّسهيل والنّفع.

وقيل(٢) : كتب على اليهود القصاص، وحده، وعلى النّصارى العفو، مطلقا.

وخيّرت هذه الأمّة بينهما، وبين الدّية، تيسيرا عليهم.

( فَمَنِ اعْتَدى بَعْدَ ذلِكَ فَلَهُ عَذابٌ أَلِيمٌ ) (١٧٨) :

وفي الحديث السّابق(٣) : قال سماعة: قلت: أرأيت قوله ـ عزّ وجلّ ـ( فَمَنِ اعْتَدى بَعْدَ ذلِكَ فَلَهُ عَذابٌ أَلِيمٌ ) .

قال: هو الرّجل، يقبل الدّية، أو يصالح، ثمّ يجيء بعد، فيمثّل، أو يقتل. فوعده الله عذابا أليما.

عليّ بن ابراهيم(٤) ، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن حمّاد بن عثمان، عن الحلبيّ، عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ قال: سألته عن قول الله ـ عزّ وجلّ ـ( فَمَنِ اعْتَدى بَعْدَ ذلِكَ فَلَهُ عَذابٌ أَلِيمٌ ) .

فقال: هو الرّجل يقبل الدّية، أو يعفو، أو يصالح، ثمّ يعتدي، فيقتل. فله عذاب أليم، كما قال الله ـ عزّ وجلّ.

( وَلَكُمْ فِي الْقِصاصِ حَياةٌ ) :

كلام في غاية الفصاحة والبلاغة. من حيث جعل الشيء محلّ ضدّه. وعرّف القصاص ونكّر الحياة، ليدلّ على أنّ في هذا الجنس من الحكم، نوعا من الحياة عظيما.

( وَلَكُمْ فِي الْقِصاصِ ) يحتمل أن يكونا خبرين «لحياة»، وأن يكون أحدهما خبرا

__________________

(١) نفس المصدر ٧ / ٣٥٩، ح ٣.

(٢) أنوار التنزيل ١ / ٩٩.

(٣) الكافي ٧ / ٣٥٩، ح ٣.

(٤) نفس المصدر ٧ / ٣٥٨، ح ١.

٢٢٨

والآخر صلة له، أو حالا عن الضّمير المستكنّ فيه.

وقرئ «في القصص»، أي: فيما قصّ عليكم من حكم القتل حياة، أو في القرآن حياة القلوب.

( يا أُولِي الْأَلْبابِ ) : ذوي العقول الكاملة.

( لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ ) (١٧٩) في المحافظة على القصاص والحكم به والإذعان له، أو عن القصاص، فتكفّوا عن القتل.

وفي كتاب الاحتجاج(١) ، للطّبرسيّ ـ رحمه الله ـ بإسناده إلى عليّ بن الحسين ـ عليهما السّلام ـ في تفسير قوله تعالى( وَلَكُمْ فِي الْقِصاصِ حَياةٌ ) (الآية): ولكم، يا أمّة محمّد! في القصاص حياة. لأنّ من همّ بالقتل، يعرف(٢) أنّه يقتصّ منه، فكفّ لذلك عن القتل، كان حياة للّذي(٣) كان همّ بقتله، وحياة لهذا الجانيّ الّذي أراد أن يقتل، وحياة لغيرهما من النّاس، إذا علموا أنّ القصاص واجب لا يجسرون على القتل، مخافة القصاص،( يا أُولِي الْأَلْبابِ ) ، أولي العقول( لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ ) .

وفي تفسير عليّ بن إبراهيم(٤) : قوله( وَلَكُمْ فِي الْقِصاصِ حَياةٌ يا أُولِي الْأَلْبابِ ) ، قال: يعني: لولا القصاص، لقتل بعضكم بعضا.

وفي نهج البلاغة(٥) : فرض الله الإيمان تطهيرا من الشّرك، والقصاص حقنا للدّماء.

وفي أمالي شيخ الطّائفة(٦) ، بإسناده إلى عليّ بن أبي طالب ـ عليه السّلام. قال: قلت: أربعا أنزل الله تعالى تصديقي(٧) بها في كتابه ـ إلى قوله عليه السّلام ـ قلت: القتل يقلّ القتل. فأنزل الله( وَلَكُمْ فِي الْقِصاصِ حَياةٌ يا أُولِي الْأَلْبابِ ) .

( كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ ) ، أي: أسبابه وأمارته،( إِنْ تَرَكَ خَيْراً ) ، أي: مالا كثيرا، لما روى عن عليّ ـ عليه السّلام(٨) : أنّه دخل على مولى له في مرضه. وله سبعمائة درهم، أو ستّمائة.

__________________

(١) الاحتجاج ٢ / ٥٠.

(٢) المصدر: فعرف. (ظ)

(٣) ليس في المصدر. (ظ)

(٤) تفسير القمي ١ / ٦٥.

(٥) نهج البلاغة / ٥١٢، قطعتان من كلمه ٢٥٢.

(٦) أمالي الشيخ ٢ / ١٠٨.

(٧) أ: تصديقا.

(٨) ر. مجمع البيان ١ / ٢٦٧.

٢٢٩

فقال: ألا أوصي؟

فقال: إنّما قال الله سبحانه( إِنْ تَرَكَ خَيْراً ) وليس لك مال كثير.

( الْوَصِيَّةُ لِلْوالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ ) :

مرفوع «بكتب» وتذكير فعلها للفصل، أو على تأويل أن يوصي، أو الإيصاء.

ولذلك ذكر الرّاجع في قوله «فمن بدّله».

والعامل في «إذا» مدلول «كتب» لا «الوصيّة» لتقدّمه عليها.

وقيل(١) : مبتدأ، خبره «للوالدين». والجملة جواب الشّرط، بإضمار الفاء، كقوله :

من يفعل الحسنات الله يشكرها.

وردّ بأنّه لو صحّ، فمن ضرورات الشّعر. وكان هذا الحكم، أي: وجوب الوصيّة، في بدء الإسلام. فنسخ بآية المواريث.

وفي تفسير العيّاشيّ(٢) : عن ابن مسكان، عن أبي بصير، عن أحدهما ـ عليهما السّلام ـ قوله( كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ إِنْ تَرَكَ خَيْراً الْوَصِيَّةُ لِلْوالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ ) قال: هي منسوخة. نسختها آية الفرائض الّتي هي المواريث. ويجوز الوصيّة للوارث(٣) .

قال الكافي(٤) : عدّة من أصحابنا، عن سهيل بن زيادة، عن أحمد بن محمّد بن أبي نصر(٥) ، عن ابن بكير، عن محمّد بن مسلم، عن أبي جعفر ـ عليه السّلام ـ قال: سألته عن الوصيّة للوارث.

فقال: تجوز.

ثمّ تلا هذه الآية:( إِنْ تَرَكَ خَيْراً الْوَصِيَّةُ لِلْوالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ ) .

وفي من لا يحضره الفقيه(٦) : روى محمّد بن أحمد بن يحيى، عن محمّد بن عيسى(٧) ، عن محمّد بن سنان، عن عمّار بن مروان، عن سماعة بن مهران، عن أبي عبد الله

__________________

(١) أنوار التنزيل ١ / ١٠٠.

(٢) تفسير العياشي ١ / ٧٧، ح ١٦٧.

(٣) المصدر: نسختها آية الفرائض الّتي هي المواريث. فمن بدّله بعد ما سمعه فانّما إثمه على الّذين يبدّلونه، يعني: بذلك الوصية.

(٤) الكافي ٧ / ١٠، ح ٥.

(٥) أ: أبي نصير.

(٦) من لا يحضره الفقيه ٤ / ١٧٥، ح ٦١٥.

(٧) «عن محمد بن عيسى»، ليس في ر.

٢٣٠

ـ عليه السّلام ـ في قول الله تعالى:( الْوَصِيَّةُ لِلْوالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ بِالْمَعْرُوفِ، حَقًّا عَلَى الْمُتَّقِينَ ) ، قال: هو الشيء جعله الله ـ عزّ وجلّ ـ لصاحب هذا الأمر.

قال: قلت: فهل لذلك حدّ؟

قال: نعم.

قلت: وما هو؟

قال: أدنى ما يكون، ثلث الثّلث.

وفي كتاب الاحتجاج(١) ، للطّبرسيّ ـ رحمه الله ـ عن الزّهراء ـ عليها السّلام ـ في حديث طويل. تقول فيه للقوم: وقد منعوها ما منعوها. وقال:( وَأُولُوا الْأَرْحامِ بَعْضُهُمْ أَوْلى بِبَعْضٍ فِي كِتابِ اللهِ ) (٢) () . وقال:( يُوصِيكُمُ اللهُ فِي أَوْلادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ ) .(٣) وقال:( إِنْ تَرَكَ خَيْراً الْوَصِيَّةُ لِلْوالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُتَّقِينَ ) .

وزعمتم أن لا حظ [لي](٤) ولا إرث [من أبي](٥) ولا رحم بيننا. أفخصّكم الله بآية أخرج منها(٦) آل رسول الله(٧) ـ صلّى الله عليه وآله؟

[وفي مجمع البيان(٨) : روى أصحابنا عن أبي جعفر ـ عليه السّلام ـ أنّه سئل: هل يجوز(٩) الوصية للوارث؟

فقال: نعم. وتلا هذه الآية.

وروى السّكونيّ، عن أبي عبد الله، عن أبيه، عن عليّ بن أبي طالب ـ عليه السّلام. قال: من لم يوص عند موته لذي قرابته، ممن لا يرث، فقد ختم عمله بمعصيته.

وفيه: اختلف في المقدار الّذي تجب الوصيّة عنده. قال ابن عبّاس: ثمانمائة درهم.

وروي عن عليّ ـ عليه السّلام ـ أنّه دخل على مولا له فيه مرضه وله سبعمائة درهم، أو ستّمائة. فقال: ألا أوصي؟

__________________

(١) الاحتجاج ١ / ١٣٨.

(٢) النساء / ١١.

(٣) البقرة / ١٨٠.

(٤ و ٥) يوجد في المصدر.

(٦) المصدر: أبي منها.

(٧) «آل رسول الله» ليس في المصدر.

(٨) مجمع البيان ١ / ٢٦٧.

(٩) المصدر: تجوز (ظ)

٢٣١

فقال: لا. إنّما قال الله سبحانه:( إِنْ تَرَكَ خَيْراً ) . وليس لك مال كثير.

وهذا هو المأخوذ به عندنا](١)

( بِالْمَعْرُوفِ ) : بالعدل. فلا يفضل الغنى. ولا يتجاوز الثّلث.

( حَقًّا عَلَى الْمُتَّقِينَ ) (١٨٠) :

مصدر مؤكّد، أي: حقّ ذلك حقّا.

( فَمَنْ بَدَّلَهُ ) غيره من الأوصياء والشّهود،( بَعْدَ ما سَمِعَهُ ) ، وصل إليه وتحقّق عنده.

( فَإِنَّما إِثْمُهُ عَلَى الَّذِينَ يُبَدِّلُونَهُ ) : فما إثم التّبديل، إلّا على مبدّله. لأنّه هو الّذي خالف الشّرع.

( إِنَّ اللهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ ) (١٨١): وعيد للمبدّل.

وفي الكافي(٢) : عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن حمّاد بن عيسى، عن حريز، عن محمّد بن مسلم، قال: سألت أبا عبد الله ـ عليه السّلام ـ عن رجل أوصى بماله في سبيل الله.

فقال: أعطه لمن أوصى به له. وإن كان يهوديّا أو نصرانيّا. إنّ الله تعالى يقول:( فَمَنْ بَدَّلَهُ بَعْدَ ما سَمِعَهُ فَإِنَّما إِثْمُهُ عَلَى الَّذِينَ يُبَدِّلُونَهُ ) .

محمّد بن يحيى(٣) ، عن محمّد بن الحسين، عن عليّ بن الحكم، عن العلا بن رزين، عن محمّد بن مسلم، عن أحدهما ـ عليهما السّلام ـ في رجل أوصى بما له في سبيل الله.

قال: أعطه لمن أوصى(٤) به له وإن كان يهوديّا أو نصرانيّا. إنّ الله ـ تبارك وتعالى ـ يقول:( فَمَنْ بَدَّلَهُ بَعْدَ ما سَمِعَهُ فَإِنَّما إِثْمُهُ عَلَى الَّذِينَ يُبَدِّلُونَهُ ) .

عدّة من أصحابنا(٥) ، عن سهل بن زياد، عن عليّ بن مهزيار، قال: كتب أبو جعفر ـ عليه السّلام ـ إلى جعفر وموسى: وفيما أمرتكما به من الإشهاد بكذا وكذا، نجاة لكما، في آخرتكما، وإنفاذ(٦) لما أوصى به أبواكما، وبرّ(٧) منكما لهما. واحذرا أن لا تكونا بدّلتما وصيّتهما ولا غيّرتماها. عن حالها وقد خرجا(٨) من ذلك رضي الله عنهما، وصار ذلك في

__________________

(١) ما بين المعقوفتين ليس في أ.

(٢) الكافي ٧ / ١٤، ح ١.

(٣) نفس المصدر ونفس الموضع، ح ٢.

(٤) المصدر: أوصى له.

(٥) نفس المصدر ونفس الموضع، ح ٣.

(٦) المصدر: إنفاذا.

(٧) المصدر: برّا.

(٨) المصدر: عن حالهما لانّهما قد خرجا.

٢٣٢

رقابكما. وقد قال(١) الله ـ تبارك وتعالى ـ في كتابه، في الوصيّة:( فَمَنْ بَدَّلَهُ بَعْدَ ما سَمِعَهُ فَإِنَّما إِثْمُهُ عَلَى الَّذِينَ يُبَدِّلُونَهُ. إِنَّ اللهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ ) .

عدّة من أصحابنا(٢) ، عن سهل بن زياد، عن محمّد بن الوليد، عن يونس بن يعقوب: أنّ رجلا كان بهمدان. ذكر أنّ أباه مات. وكان لا يعرف هذا الأمر. فأوصى بوصيّته(٣) عند الموت. وأوصى أن يعطى شيء في سبيل الله.

فسئل عنه أبو عبد الله ـ عليه السّلام: كيف يفعل به؟ فأخبرناه أنّه كان لا يعرف هذا الأمر.

فقال: لو أنّ رجلا أوصى إلىّ أن أضع في يهوديّ أو نصرانيّ، لوضعته فيهما. إنّ الله ـ عزّ وجلّ ـ يقول:( فَمَنْ بَدَّلَهُ بَعْدَ ما سَمِعَهُ فَإِنَّما إِثْمُهُ عَلَى الَّذِينَ يُبَدِّلُونَهُ ) . فانظروا(٤) إلى من يخرج إلى هذا الوجه، يعني: الثّغور. فابعثوا [به](٥) إليه.

عدّة من أصحابنا(٦) ، عن أحمد بن محمّد بن عيسى، عن عليّ بن الحكم، عن حجاج الخشّاب، عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ قال: سألته عن امرأة أوصت إليّ بمال أن يجعل في سبيل الله. فقيل: لها يحجّ(٧) به. فقالت: اجعله في سبيل الله. فقالوا لها: نعطيه(٨) آل محمّد. قلت: اجعله في سبيله الله.

[فقال أبو عبد الله ـ عليه السّلام: اجعله في سبيل الله ،](٩) كما أمرت.

قلت: مرني كيف أجعله.

قال: اجعله كما أمرتك. إنّ الله ـ تبارك وتعالى ـ يقول:( فَمَنْ بَدَّلَهُ بَعْدَ ما سَمِعَهُ فَإِنَّما إِثْمُهُ عَلَى الَّذِينَ يُبَدِّلُونَهُ إِنَّ اللهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ ) . أرأيتك لو أمرتك أن تعطيه يهوديّا، كنت تعطيه نصرانيّا؟

قال: فمكثت بعد ذلك ثلاث سنين: ثمّ دخلت عليه. ثمّ قلت(١٠) له مثل الّذي قلت له(١١) أوّل مرّة. فسكت هنيئة.

__________________

(١) أ: نزّل.

(٢) نفس المصدر ونفس الموضع، ح ٤.

(٣) المصدر: بوصية. (ظ)

(٤) أ: فانظر.

(٥) يوجد في المصدر.

(٦) نفس المصدر ٧ / ١٥، ح ١.

(٧) المصدر: تحجّ.

(٨) أ: فقال: تعطيه. المصدر: فنعطيه.

(٩) ليس في ر.

(١٠) المصدر: فقلت. (ظ)

(١١) ليس في المصدر.

٢٣٣

ثمّ قال: هاتها.

قلت: من أعطيها؟

قال: عيسى شلقان.

عليّ بن إبراهيم(١) ، عن أبيه، عن الرّيّان بن شبيب قال: أوصت ماردة لقوم نصارى(٢) بوصيّة. فقال أصحابنا: أقسم هذا في فقراء المؤمنين من أصحابك. فسألت الرّضا ـ عليه السّلام. فقلت: إنّ أختي أوصت بوصيّة لقوم نصارى. وأردت أن أصرف ذلك إلى قوم من أصحابنا المسلمين(٣) .

فقال: أمض الوصيّة على ما أوصت به. قال الله تعالى:( فَإِنَّما إِثْمُهُ عَلَى الَّذِينَ يُبَدِّلُونَهُ ) .

محمّد بن يحيى(٤) ، عن أحمد بن محمّد، عن محمّد بن سنان، عن ابن مسكان، عن أبي سعيد، عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ قال: سئل عن رجل أوصى بحجّة. فجعلها وصيه في نسمة(٥) .

فقال: يغرمها وصيّه. ويجعلها في حجّة، كما أوصى به. فإنّ الله ـ تبارك وتعالى ـ يقول:( فَمَنْ بَدَّلَهُ بَعْدَ ما سَمِعَهُ فَإِنَّما إِثْمُهُ عَلَى الَّذِينَ يُبَدِّلُونَهُ ) .

( فَمَنْ خافَ مِنْ مُوصٍ ) ، أي: توقّع وعلم من قولهم، أخاف أن ترسل السّماء.

( جَنَفاً ) : ميلا بالخطإ في الوصيّة،( أَوْ إِثْماً ) : تعمّدا للحيف،( فَأَصْلَحَ بَيْنَهُمْ ) : بين الموصى لهم بإجرائهم على نهج الشّرع.

( فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ ) في هذا التّبديل. لأنّه تبديل باطل إلى حقّ، بخلاف الأوّل.

( إِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ ) (١٨٢): وعد للمصلح. وذكر المغفرة لمطابقة ذكر الإثم، وكون الفعل من جنس ما يؤثم به.

وفي كتاب علل الشّرائع(٦) : حدّثنا محمّد بن الحسن قال: حدّثنا محمّد بن الحسن

__________________

(١) نفس المصدر ٧ / ١٦، ح ٢.

(٢) المصدر: نصارى فراشين.

(٣) المصدر: مسلمين.

(٤) نفس المصدر ٧ / ٢٢، ح ٢.

(٥) أ: وصية في نسمه.

(٦) علل الشرائع ٢ / ٥٦٧، ح ٤.

٢٣٤

الصّفار، عن أبي طالب عبد الله بن الصّلت القميّ، عن يونس بن عبد الرّحمان. رفعه إلى أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ في قول الله ـ عزّ وجلّ ـ( فَمَنْ خافَ مِنْ مُوصٍ جَنَفاً ) (١) ( أَوْ إِثْماً فَأَصْلَحَ بَيْنَهُمْ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ ) .

قال: يعني: إذا اعتدى في الوصيّة. يعني(٢) : إذا زاد عن الثّلث.

وفي تفسير عليّ بن إبراهيم(٣) : قال الصّادق ـ عليه السّلام: إذا وصّى الرّجل بوصيّته، فلا يحلّ للوصيّ أن يغيّر وصيّة يوصيها. بل يمضيها على ما أوصى. إلّا أن يوصي بغير ما أمر الله. فيعصى في الوصيّة ويظلم. فالموصى إليه جائز له أن يردّها(٤) إلى الحقّ.

[مثل رجل يكون له ورثة يجعل(٥) المال كلّه لبعض ورثة ويحرم بعضا. فالوصي جائز له أن يردّها(٦) إلى الحقّ].(٧) وهو قوله:( جَنَفاً أَوْ إِثْماً ) . «فالجنف» الميل إلى بعض ورثتك(٨) دون بعض. و «الإثم» أن تأمر(٩) بعمارة بيوت النّيران واتّخاذ المسكر. فيحلّ للوصيّ أن لا يعمل بشيء من ذلك.

وفي الكافي(١٠) : عليّ بن إبراهيم، عن رجاله قال: قال: إنّ الله ـ عزّ وجلّ ـ أطلق للموصى إليه، أن يغيّر الوصيّة، إذا لم تكن(١١) بالمعروف وكان فيها جنف(١٢) . ويردّها إلى المعروف، لقوله تعالى( فَمَنْ خافَ مِنْ مُوصٍ جَنَفاً أَوْ إِثْماً فَأَصْلَحَ بَيْنَهُمْ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ ) .

محمّد بن يحيى(١٣) ، عن أحمد بن محمّد، عن الحسن بن محبوب، عن أبي أيّوب، عن محمّد بن سوقة قال: سألت أبا جعفر ـ عليه السّلام ـ عن قول الله ـ تبارك وتعالى ـ( فَمَنْ بَدَّلَهُ بَعْدَ ما سَمِعَهُ فَإِنَّما إِثْمُهُ عَلَى الَّذِينَ يُبَدِّلُونَهُ ) .

قال: نسختها الآية الّتي بعدها، قوله ـ عزّ وجلّ ـ( فَمَنْ خافَ مِنْ مُوصٍ جَنَفاً أَوْ إِثْماً فَأَصْلَحَ بَيْنَهُمْ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ ) .

__________________

(١) المصدر: حيفا.

(٢) ليس في المصدر.

(٣) تفسير القمي ١ / ٦٥.

(٤) المصدر: يردّه.

(٥) المصدر: فيجعل.

(٦) المصدر: يردّه.

(٧) ليس في أ.

(٨) المصدر: ورثته.

(٩) المصدر: يأمر.

(١٠) الكافي ٧ / ٢٠، ح ١.

(١١) المصدر: لم يكن.

(١٢) المصدر: حيف.

(١٣) نفس المصدر ٧ / ٢١، ح ٢.

٢٣٥

قال: يعني: الموصى إليه إن خاف جنفا(١) فيما أوصى به إليه فيما(٢) لا يرضى الله به، من خلاف الحقّ، فلا إثم على الموصى(٣) إليه أن يردّه(٤) إلى الحقّ وإلى ما يرضى الله به من سبيل الخير.

[وفي مجمع البيان(٥) : فإن قيل: كيف قال فمن خاف لما قد وقع. والخوف إنّما يكون لما لم يقع؟

قيل: إنّ فيه قولين :

أحدهما ـ أنّه خاف أن يكون قد زلّ في وصيّة. والخوف يكون للمستقبل. وهو من أن يظهر ما يدلّ على أنّه قد زلّ لأنّه من جهة غالب الظّن.

الثّاني ـ أنّه لـمّا اشتمل على الواقع وعلى ما لم يقع، جاز فيه (إلى قوله) إنّ الأوّل عليه أكثر المفسّرين. وهو المرويّ عن أبي جعفر وأبي عبد الله ـ عليهما السّلام. وقوله( أَوْ إِثْماً ) ، الإثم أن تميل(٦) عن الحق، على وجه العمد. والجنف أن يكون على جهة الخطأ من حيث لا يدري أنّه يجوز. وهو معنى قول ابن عبّاس والحسن. وروي ذلك عن أبي جعفر ـ عليه السّلام].(٧)

( يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيامُ كَما كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ ) ، يعني: الأنبياء دون الأمم. فإنّ الأمم كان عليهم صوم، أكثر من ذلك، في غير ذلك الشّهر.

يدلّ عليه ما في الصّحيفة الكاملة(٨) : ثمّ آثرتنا به على سائر الأمم. واصطفيتنا بفضله دون أهل الملل. فصمنا بأمرك نهاره. وقمنا بعونك ليله.

وما رواه في من لا يحضره الفقيه(٩) ، قال: روى سليمان بن داود المنقريّ، عن حفص بن غياث النّخعيّ قال: سمعت أبا عبد الله ـ عليه السّلام ـ يقول: إنّ شهر رمضان

__________________

(١) المصدر: جنفا من الموصى.

(٢) المصدر: ممّا.

(٣) المصدر: فلا إثم عليه: أي: على الموصى.

(٤) المصدر: يبدّله.

(٥) مجمع البيان ١ / ٢٦٩.

(٦) المصدر: ان يكون الميل.

(٧) ما بين المعقوفتين ليس في أ.

(٨) الصحيفة الكاملة، في ضمن دعائه ـ عليه السّلام ـ في وداع شهر رمضان (دعاء ٤٥)

(٩) من لا يحضره الفقيه ٢ / ٦١، ح ٢٦٧.

٢٣٦

لم يفرض الله صيامه على أحد من الأمم قبلنا.

فقلت له: فقول الله ـ عزّ وجلّ ـ( يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيامُ كَما كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ ) .

قال: فرض الله(١) شهر رمضان على الأنبياء، دون الأمم. ففضّل(٢) الله به هذه الأمّة. وجعل صيامه فرضا على رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ وعلى أمّته.

و «الصّوم» في اللّغة، الإمساك عمّا تنازع النّفس إليه. وفي الشّرع، الإمساك عن المفطرات. فإنّها معظم ما تشتهيه الأنفس. والخطاب في عليكم عامّ.

وفي تفسير العيّاشيّ(٣) : عن جميل بن درّاج قال: سألت أبا عبد الله ـ عليه السّلام ـ عن قول الله ـ عزّ وجلّ ـ( يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيامُ ) .

قال: فقال: هذه كلّها تجمع(٤) أهل(٥) الضّلال والمنافقين وكلّ من أقرّ بالدّعوة الظّاهرة.

وأمّا ما رواه البرقيّ(٦) ، عن بعض أصحابنا، عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ في قوله ـ عزّ وجلّ ـ( يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيامُ ) ، قال: «هي للمؤمنين خاصّة»، فمعناه أنّ المؤمنين هم المنتفعون بها.

وفي كتاب الخصال(٧) ، عن عليّ ـ عليه السّلام. قال: جاء نفر من اليهود إلى رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله. فسأله أعلمهم عن مسائل. فكان فيما سأله أن قال: لأي شيء فرض الله الصّوم على أمّتك بالنّهار، ثلاثين يوما وفرض على الأمم أكثر من ذلك؟

فقال النّبيّ ـ صلّى الله عليه وآله: إنّ آدم ـ عليه السّلام ـ لـمّا أكل من الشّجرة، بقي في بطنه ثلاثين يوما. ففرض على ذرّيّته ثلاثين يوما الجوع والعطش. والّذين يأكلونه تفضّل من الله عليهم. وكذلك كان على آدم. ففرض الله تعالى ذلك على أمّتي.

ثمّ تلا رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ هذه الآية:( كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيامُ كَما كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ ) أيّاما معدودات.

__________________

(١) المصدر: إنّما فرض الله صيام :

(٢) النسخ: فضّل.

(٣) تفسير العياشي ١ / ٧٨.

(٤) المصدر: يجمع.

(٥) ليس في المصدر. وعند وجودها فتكون الكلمة بعدها «الضّلال». وعند عدمها تكون «الضّلال».

(٦) نفس المصدر ونفس الموضع، ح ١٧٤.

(٧) الخصال ٢ / ٥٣٠، ح ٦.

٢٣٧

قال اليهوديّ: صدقت يا محمّد!

وفي الكافي(١) : عدّة من أصحابنا. عن أحمد بن محمّد عن الحسين بن سعيد، عن فضالة بن أيّوب، عن يوسف بن عميرة، عن عبد الله بن عبد الله، عن رجل، عن أبي جعفر ـ عليه السّلام ـ قال: قال رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ لـمّا حضر شهر رمضان وذلك في ثلاث بقين من شعبان ـ قال لبلال: ناد في النّاس. فجمع النّاس. ثمّ صعد المنبر. فحمد الله. وأثنى عليه. ثمّ قال: يا أيّها النّاس! إنّ هذا الشّهر قد خصّكم به. وهو حضركم. وهو سيّد الشّهور.

والحديث طويل. أخذت منه موضع الحاجة.

( لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ ) (١٨٣) المعاصي. فإنّ الصّوم يكسر الشّهوة الّتي هي مبدؤها.

وفي عيون الأخبار(٢) ، في باب العلل الّتي ذكر الفضل بن شاذان، في آخرها: أنّه سمعها من الرّضا ـ عليه السّلام: فإن قال فلم أمر بالصّوم؟

قيل: لكي يعرفوا ألم الجوع والعطش. فيستدلّوا على فقر الآخرة. وليكون الصّائم خاشعا ذليلا مستكينا موجودا محتسبا عارفا صابرا(٣) لما أصابه من الجوع والعطش.

فيستوجب الثّواب مع ما فيه من الانكسار عن الشّهوات. وليكون ذلك واعظا لهم في العاجل ورائضا لهم على أداء ما كلّفهم ودليلا في الآجل. وليعرفوا شدّة مبلغ ذلك على أهل الفقر والمسكنة في الدّنيا، فيؤدّوا إليهم ما افترض الله تعالى لهم في أموالهم.

فإن قيل: فلم جعل الصّوم في شهر رمضان دون سائر الشّهور؟

قيل: لأنّ شهر رمضان هو الشّهر الّذي أنزل الله تعالى فيه القرآن هدى(٤) للنّاس وبيّنات من الهدى والفرقان وفيه نبّئ محمّد ـ صلّى الله عليه وآله. وفيه ليلة القدر الّتي هي خير من ألف شهر. وفيها يفرق كلّ أمر حكيم. وفيه(٥) رأس السّنة. يقدّر فيها ما يكون في السّنة من خير أو شرّ أو مضرّة أو منفعة أو رزق أو أجل. ولذلك سمّيت ليلة القدر.

__________________

(١) الكافي ٤ / ٦٧، ح ٥.

(٢) عيون أخبار الرضا ٢ / ١١٥.

(٣) المصدر: على ما.

(٤) المصدر: انزل الله تعالى فيه القرآن وفيه فرق بين الحق والباطل، كما قال الله ـ عزّ وجلّ: شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن هدى

(٥) المصدر: هو. (ظ)

٢٣٨

فإن قال: فلم أمروا بصوم شهر رمضان لا أقلّ من ذلك ولا أكثر؟

قيل: لأنّه قوّة العباد(١) الّذي يعمّ في القويّ والضّعيف. وإنّما أوجب الله تعالى الفرائض على اغلب الأشياء وأعظم(٢) القوى. ثمّ رخّص(٣) لأهل الضّعف. ورغّب أهل القوّة في الفضل. ولو كانوا يصلحون على أقلّ من ذلك، لنقصهم. ولو احتاجوا إلى أكثر من ذلك، لزادهم.

( أَيَّاماً مَعْدُوداتٍ ) مؤقّتات بعدد معلوم ووقت معيّن، أو قلائل. فإنّ القليل من المال يعدّ عدّا. والكثرة يهال هيلا.

ونصبها بإضمار «صوموا» أو ب «كما كتب» على الظّرفيّة ،. أو بأنّه مفعول ثان على السّعة. وليس بالصّيام للفصل بينهما.

( فَمَنْ كانَ مِنْكُمْ مَرِيضاً ) مرضا يضرّه الصّوم،( أَوْ عَلى سَفَرٍ ) : أو راكب سفر،( فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ ) ، أي: فعليه صوم عدد أيّام المرض والسّفر، من أيّام أخر.

وهذا على الوجوب.

في من لا يحضره الفقيه(٤) ، روي عن الزّهريّ. أنّه قال: قال لي عليّ بن الحسين ـ عليهما السّلام ـ ونقل حديثا طويلا، يقول فيه ـ عليه السّلام: وأمّا صوم السّفر والمرض، فانّ العامّة اختلفت فيه. فقال قوم: يصوم. وقال قوم: لا يصوم. وقال قوم: إن شاء صام، وإن شاء أفطر. وأمّا نحن فنقول: يفطر في الحالتين ـ جميعا. فإن صام في السّفر أو في حال المرض، فعليه القضاء في ذلك. لأنّ الله ـ عزّ وجلّ ـ يقول:( فَمَنْ كانَ مِنْكُمْ مَرِيضاً أَوْ عَلى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ ) .

وفي تفسير العيّاشيّ(٥) : عن أبي بصير. قال: سألت أبا عبد الله ـ عليه السّلام ـ عن حدّ المرض الّذي يجب على صاحبه في الإفطار، كما يجب عليه في السّفر [في](٦) قوله( فَمَنْ كانَ مِنْكُمْ مَرِيضاً أَوْ عَلى سَفَرٍ ) .

قال: هو مؤتمن عليه. مفوّض اليه. فإن وجد ضعفا. فليفطر. وإن وجد قوّة

__________________

(١) المصدر: العبادة.

(٢) المصدر: وأعم. (ظ)

(٣) كذا في المصدر: وفي النسخ: خصّ.

(٤) من لا يحضره الفقيه ٢ / ٤٨، ح ٢٠٨.

(٥) تفسير العياشي ١ / ٨١، ح ١٨٨.

(٦) يوجد في المصدر.

٢٣٩

فليصم. كان المريض على ما كان.

عن محمّد بن مسلم(١) ، عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ قال: لم يكن رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ يصوم في السّفر تطوّعا ولا فريضة. يكذبون على رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله. نزلت هذه الآية ورسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ بكراع الغميم، عند صلاة الفجر. فدعا رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ بإناء. فشرب. فأمر(٢) النّاس أن يفطروا. وقال قوم: قد توجّه النّهار. ولو صمنا يومنا هذا. فسمّاهم رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ العصاة. فلم يزالوا يسمّون بذلك الاسم، حتّى قبض رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله.

وفي كتاب الخصال(٣) ، عن جعفر بن محمّد، عن أبيه ـ عليهما السّلام ـ قال: قال رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله: إنّ الله ـ تبارك وتعالى ـ أهدى إليّ وإلى أمّتي هدية لم يهدها إلى أحد من الأمم، كرامة من الله لنا.

قالوا: وما ذلك يا رسول الله! قال: الإفطار في السّفر. والتّقصير في الصلوة. فمن لم يفعل ذلك، فقد ردّ على الله هديّته.

وفي الكافي(٤) : عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن حمّاد، عن الحلبيّ، عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ قال: قلت له: رجل صام في السّفر.

فقال: إذا(٥) كان بلغه أنّ رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ نهى عن ذلك، فعليه القضاء. وان لم يكن بلغه(٦) ، فلا شيء عليه.

أبو عليّ الأشعريّ(٧) ، عن محمّد بن عبد الجبّار، عن [صفوان بن يحيى، عن عيص(٨) بن القسم، عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ قال: من صام في السفر بجهالة، لم يقضه].(٩)

عن عبد الله بن مسكان(١٠) ، عن ليث المرادي، عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ

__________________

(١) نفس المصدر ونفس الموضع، ح ١٩٠.

(٢) المصدر: وأمر. (ظ)

(٣) الخصال ١ / ١٢، ح ٤٣.

(٤) الكافي ٤ / ١٢٨، ح ١.

(٥) المصدر: إن. (ظ)

(٦) أ: يبلغه.

(٧) نفس المصدر ونفس الموضع، ح ٢.

(٨) كذا في المصدر وفي الأصل ور: العيص.

(٩) ما بين المعقوفتين ليس في أ.

(١٠) نفس المصدر ونفس الموضع، ح ٣.

٢٤٠

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

461

462

463

464

465

466

467

468

469

470

471

472

473

474

475

476

477

478

479

480

481

482

483

484

485

486

487

488

489

490

491

492

493