تفسير كنز الدّقائق وبحر الغرائب الجزء ٢

تفسير كنز الدّقائق وبحر الغرائب8%

تفسير كنز الدّقائق وبحر الغرائب مؤلف:
تصنيف: تفسير القرآن
الصفحات: 493

الجزء ١ الجزء ٢ الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥ الجزء ٦ الجزء ٧
  • البداية
  • السابق
  • 493 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 187972 / تحميل: 5873
الحجم الحجم الحجم
تفسير كنز الدّقائق وبحر الغرائب

تفسير كنز الدّقائق وبحر الغرائب الجزء ٢

مؤلف:
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة


1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

فلم يستجب له فأتى عيسى بن مريم ـ عليه السّلام ـ يشكو إليه ما هو فيه. ويسأله الدّعاء له.

قال: فتظهّر عيسى ـ عليه السّلام. ثمّ دعا الله. فأوحى الله إليه. يا عيسى! إنّه أتانى من غير الباب الّذي يؤتى(١) منه. إنّه دعاني وفي قلبه شكّ منك. فلو دعاني حتّى ينقطع عنقه وتنتشر أنامله، ما استجبت له.

قال: فالتفت عيسى ـ عليه السّلام ـ [اليه].(٢) وقال [له]:(٣) تدعو ربك وفي قلبك شكّ من نبيّه؟

فقال: يا روح الله وكلمته! قد كان ما قلت. فأسال الله أن يذهب به عنّي.

فدعا له عيسى ـ عليه السّلام. فتقبّل الله فيه(٤) . وصار الرّجل من جملة اهل بيته. وكذلك نحن أهل البيت. لا يقبل الله عمل عبد(٥) ، وهو يشك فينا.

( وَاتَّقُوا اللهَ ) في تغيير أحكامه،( لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ ) (١٨٩): لكي تظفروا بالهدى والبرّ.

( وَقاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللهِ ) : جاهدوا لإعلاء كلمته وإعزاز دينه.

( الَّذِينَ يُقاتِلُونَكُمْ ) :

قيل(٦) : كان ذلك قبل أن أمروا بقتال المشركين كافّة المقاتل منهم والمحاجز.

وقيل(٧) : معناه الّذين يناصبونكم القتال ويتوقّع منهم القتال، دون غيرهم، من المشايخ والصبيان والرهبان والنّساء، او الكفرة كلهم. فإنّهم بصدد قتال المسلمين وعلى قصده.

وفي مجمع البيان(٨) : المرويّ عن أئمتنا ـ عليهم السّلام ـ أنّ هذه الآية ناسخة(٩) لقوله تعالى(١٠) :( كُفُّوا أَيْدِيَكُمْ ) . وكذلك قوله(١١) :( وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ ثَقِفْتُمُوهُمْ ) ، ناسخ لقوله(١٢) :

__________________

(١) النسخ: اتوى.

(٢ و ٣) يوجد في المصدر.

(٤) المصدر: منه.

(٥) المصدر: عبده.

(٦) أنوار التنزيل ١ / ١٠٥.

(٧) نفس المصدر ونفس الموضع.

(٨) مجمع البيان ١ / ٢٨٥.

(٩) ر: منسوخة.

(١٠) النساء / ٧٧.

(١١) البقرة / ١٣٠.

(١٢) الأحزاب / ٤٨.

٢٦١

( وَلا تُطِعِ الْكافِرِينَ وَالْمُنافِقِينَ وَدَعْ أَذاهُمْ ) .

( وَلا تَعْتَدُوا ) بابتداء القتال، أو بقتال المعاهد، أو المفاجأة، من غير دعوة، أو المثلة، أو قتل من نهيتم عن قتله من النّساء والصّبيان.

( إِنَّ اللهَ لا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ ) (١٩٠): لا يريد بهم الخير.

( وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ ثَقِفْتُمُوهُمْ ) : حيث وجدتموهم، في حلّ أو حرم.

وأصل الثّقف، الحذق في إدراك الشّيء، علما كان أو عملا. فهو يتضمّن معنى الغلبة. ولذلك استعمل فيها.

قال(١) :

فأمّا تثقفوني فاقتلوني

فمن أثقف فليس إلى خلود

( وَأَخْرِجُوهُمْ مِنْ حَيْثُ أَخْرَجُوكُمْ ) ، أي: مكّة. وقد فعل ذلك لمن لم يؤمن يوم الفتح.

( وَالْفِتْنَةُ أَشَدُّ مِنَ الْقَتْلِ ) ، أي: المحنة الّتي يفتتن بها الإنسان كالإخراج من الوطن، أصعب من القتل، لدوام تعبها وتألّم النّفس بها.

وقيل(٢) : معناه شركهم في الحرم، وصدّهم إيّاكم عنه، أشدّ من قتلكم إيّاهم فيه.

( وَلا تُقاتِلُوهُمْ عِنْدَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ حَتَّى يُقاتِلُوكُمْ فِيهِ ) ، أي: لا تفاتحوهم بالقتال وهتك حرمة المسجد.

( فَإِنْ قاتَلُوكُمْ فَاقْتُلُوهُمْ ) : فلا تبالوا بقتالهم ثمّة. فإنّهم الّذين هتكوا حرمته.

وقرأ حمزة والكسائيّ(٣) : ولا تقتلوهم حتّى يقتلوكم فإن قتلوكم. والمعنى: حتّى يقتلوا بعضكم(٤) .

( كَذلِكَ جَزاءُ الْكافِرِينَ ) (١٩١): مثل ذلك جزاؤهم. يفعل بهم، مثل ما فعلوا.

( فَإِنِ انْتَهَوْا ) عن القتال والكفر،( فَإِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ ) (١٩٢): يغفر لهم ما قد سلف.

( وَقاتِلُوهُمْ حَتَّى لا تَكُونَ فِتْنَةٌ ) : شرك.

( وَيَكُونَ الدِّينُ لِلَّهِ ) خالصا ليس للشّيطان فيه نصيب.

__________________

(١) أنوار التنزيل ١ / ١٠٥.

(٢) نفس المصدر ونفس الموضع.

(٣) نفس المصدر ونفس الموضع.

(٤) أ: بعضهم.

٢٦٢

وفي مجمع البيان(١) : وفي الآية دلالة على وجوب إخراج الكفّار من مكّة، لقوله :( حَتَّى لا تَكُونَ فِتْنَةٌ ) . والسّنّة، أيضا، قد وردت بذلك. وهو قوله ـ عليه السّلام: لا يجتمع في جزيرة العرب دينان.

( فَإِنِ انْتَهَوْا ) عن الشرك،( فَلا عُدْوانَ إِلَّا عَلَى الظَّالِمِينَ ) (١٩٣) أي: لا تعتدوا عليهم إذ لا يحسن الظّلم، إلّا على من ظلم. فوضع العلّة موضع الحكم. وسمّى جزاء الظّلم باسمه، للمشاكلة. أو إنّكم إن تعرّضتم للمنتهين، صرتم ظالمين ويحسن العدوان عليكم.

و «الفاء» الأولى، للتّعقيب، والثّانية، للجزاء.

وفي تفسير العيّاشيّ(٢) : عن الحسن بياع(٣) الهرويّ، يرفعه عن أحدهما ـ عليهما السّلام ـ في قوله:( فَلا عُدْوانَ إِلَّا عَلَى الظَّالِمِينَ ) ، قال: إلّا على ذرّيّة قتلة الحسين ـ عليه السّلام.

عليّ بن ابراهيم(٤) قال: أخبر من رواه عن أحدهما ـ عليهما السّلام ـ قال: قلت: لا عدوان إلّا على الظّالمين.

قال: لا يعتدي الله على أحد إلّا على نسل(٥) ولد قتلة الحسين ـ عليه السّلام.

وفي هذا الخبر، إشكال بحسب المعنى. لأنّه إن أريد بالاعتداء الزّيادة في العذاب.

على قدر(٦) العمل، لا يجوز إسناده إلى الله ـ عزّ وجلّ. لأنّه عدل. لا يجوز. وإن أريد مجازاة العمل القبيح، لا يختصّ بذرّيّة قتلة الحسين ـ عليه السّلام. وأيضا الإشكال في مؤاخذة ذرّيّة قتلة الحسين ـ عليه السّلام ـ بأعمال آبائهم.

ويمكن أن يقال: المراد بالاعتداء، العذاب الغليظ المتجاوز عمّا يحيط به العقل.

وذلك بسبب شدّة قبح أعمال آبائهم. والقبيح منهم الرّضا بفعال أسلافهم. وعدم(٧) اللّعن عليهم في ليلهم ونهارهم وقبيح عمل غيرهم ليس بهذه المثابة وإن كان ملحقا بهم ومن جملتهم. فيحسن الاعتداء بهذا المعنى عليه، أيضا.

__________________

(١) مجمع البيان ١ / ٢٨٦.

(٢) تفسير العيّاشي ١ / ٨٦، ح ٢١٤.

(٣) كذا في المصدر وفي النسخ. والظاهر أنّه «البياع».

(٤) نفس المصدر ١ / ٨٧، ح ٢١٦.

(٥) ليس في أ.

(٦) ر: بقدر.

(٧) أ: وعدهم.

٢٦٣

( الشَّهْرُ الْحَرامُ بِالشَّهْرِ الْحَرامِ ) :

قيل(١) : قاتلهم المشركون عام الحديبية، في ذي القعدة. واتّفق خروجهم لعمرة القضاء فيه. فكرهوا أن يقاتلوهم فيه، لحرمته. فقيل لهم: هذا الشّهر بذاك. وهتكه بهتكه.

فلا تبالوا به.

( وَالْحُرُماتُ قِصاصٌ ) ، أي: كلّ حرمة يجرى فيها القصاص: فلمّا هتكوا حرمة شهركم بالصّدّ، فافعلوا مثله.

وفي مجمع البيان(٢) : والحرمات قصاص، قيل(٣) : [فيه قولان: أحدهما ـ أنّ الحرمات قصاص بالمراغمة](٤) بدخول البيت في الشّهر الحرام.

قال(٥) مجاهد: لأنّ قريشا فخرت بردّها رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ عام الحديبية، محرما في ذي القعدة، عن البلد الحرام. فأدخله الله ـ عزّ وجلّ ـ مكّة في العام المقبل، في ذي القعدة. فقضى عمرته. واقتصّه(٦) بما حيل بينه وبينه.

قال(٧) : وروى عن أبي جعفر ـ عليه السّلام ـ مثله.

وفي تفسير العيّاشيّ(٨) : عن العلا بن فضيل قال: سألته عن المشركين، أيبتدئهم(٩) المسلمون بالقتال في الشّهر الحرام؟

فقال: إذا كان المشركون ابتدؤوهم باستحلالهم، ثمّ رأى المسلمون انّهم يظهرون عليهم فيه. وذلك قوله( الشَّهْرُ الْحَرامُ بِالشَّهْرِ الْحَرامِ وَالْحُرُماتُ قِصاصٌ ) .

( فَمَنِ اعْتَدى عَلَيْكُمْ ) في الحرم،( فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدى عَلَيْكُمْ ) في الحرم.

وفي تهذيب الأحكام(١٠) : موسى بن القسم، عن صفوان بن يحيى، عن معاوية بن عمّار، عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ قال: قلت له: رجل قتل رجلا في الحرم. وسرق في الحرم.

فقال: يقام عليه الحدّ وصغار له. لأنّه لم ير للحرم حرمة. وقد قال الله تعالى :

__________________

(١) أنوار التنزيل ١ / ١٠٦.

(٢) مجمع البيان ١ / ٢٨٧ ـ ٢٨٨.

(٣) ليس في ر.

(٤) ليس في أ.

(٥) نفس المصدر ونفس الموضع.

(٦) أ: أقتضاه. المصدر: أقصه.

(٧) نفس المصدر ونفس الموضع.

(٨) تفسير العياشي ١ / ٨٦، ح ٢١٥.

(٩) أو المصدر: أيبتدء بهم.

(١٠) تهذيب الأحكام ٥ / ٤١٩، ح ١٤٥٦.

٢٦٤

[( فَمَنِ اعْتَدى عَلَيْكُمْ ]) (١) ( فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدى عَلَيْكُمْ ) ، يعني: في الحرم. وقال:( فَلا عُدْوانَ إِلَّا عَلَى الظَّالِمِينَ ) .

( وَاتَّقُوا اللهَ ) في الانتصار. ولا تعتدوا إلى(٢) ما لم يرخّص لكم.

( وَاعْلَمُوا أَنَّ اللهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ ) . (١٩٤): فيحرسهم ويصلح شأنهم.

( وَأَنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللهِ ) . ولا تمسكوا كلّ الإمساك.

( وَلا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ ) بالإسراف وتضييع وجه المعاش، أو بالكفّ عن الغزو والإنفاق فيه. فإنّه يقوّي العدوّ ويسلّطهم على إهلاككم، أو بالإمساك وحبّ المال. فإنّه يؤدّى إلى الهلاك المؤبّد. ولذلك سمّي البخل، هلاكا. وهو في الأصل انتهاء الشّيء في الفساد والإلقاء طرح الشّيء.

وعدّي بإلى، لتضمّن معنى الانتهاء.

والباء مزيدة.

والمراد بالأيدي، الأنفس.

والتّهلكة والهلاك والهلك، واحد فهي مصدر، كالتّضرّة والتّسرّة، أي: لا توقعوا أنفسكم في الهلاك.

وقيل(٣) : معناه لا تجعلوها أخذة بأيديكم. أو لا تلقوا بأيديكم أنفسكم إليها. فحذف المفعول.

[( وَأَحْسِنُوا ) أعمالكم وأخلاقكم. وتفضّلوا على المحاويج.

( إِنَّ اللهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ ) (١٩٥) ويجازيهم أحسن جزاء على الإحسان].(٤)

وفي الكافي(٥) : عدّة من أصحابنا، عن أحمد بن محمّد وسهل بن زياد، عن ابن محبوب، عن يونس بن يعقوب، عن حمّاد اللّحّام، عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ قال: لو أنّ رجلا أنفق ما في يديه في سبيل من سبيل الله، ما كان أحسن ولا أوفق. أليس يقول الله ـ عزّ وجلّ:( وَلا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ وَأَحْسِنُوا إِنَّ اللهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ ) ؟ يعني: المقتصدين.

__________________

(١) ليس في أ.

(٢) الظاهر: على.

(٣) أنوار التنزيل ١ / ١٠٦.

(٤) ما بين المعقوفتين يوجد في أ، فقط.

(٥) الكافي ٤ / ٥٣، ح ٧.

٢٦٥

وفي عيون الأخبار(١) ، في باب ذكر مولد الرّضا ـ عليه السّلام: ملك عبد الله المأمون عشرين(٢) سنة وثلث وعشرين يوما. فأخذ في(٣) البيعة في ملكه لعليّ بن موسى الرّضا ـ عليه السّلام ـ بعهد المسلمين من غبر رضاه. وذلك بعد أن تهدّده(٤) بالقتل وألحّ عليه مرّة بعد أخرى، في كلّها يأتى(٥) عليه من(٦) يأتيه(٧) حتى أشرف على الهلاك. فقال ـ عليه السّلام: أللّهمّ إنّك قد نهيتني عن الإلقاء بيدي إلى التّهلكة. وقد أكرهت واضطررت كما أشرفت من قبل عبد الله المأمون على القتل متى(٨) لم أقبل ولاية عهده. وقد أكرهت واضطررت كما اضطرّ يوسف ودانيال ـ عليهما السّلام ـ إذ قبل كلّ واحد منهما الولاية من طاغية زمانه.

اللهمّ لا عهد إلّا عهدك ولا ولاية(٩) إلّا من قبلك. فوفّقني لإقامة دينك وإحياء سنّة نبيّك.

فإنّك أنت المولى(١٠) والنّصير. ونعم المولى أنت ونعم النّصير.

ثمّ قبل ولاية العهد من المأمون وهو باك حزين على أن لا يوالي أحدا، ولا يعزل أحدا، ولا يغيّر رسما(١١) ولا سنّة. وأن يكون في الأمر مشيرا(١٢) من بعيد.

وفي خبر آخر طويل(١٣) ، قال له المأمون، بعد أن أبى من قبول العهد: فبالله أقسم، لئن قبلت ولاية العهد. وإلّا أجبرتك على ذلك. فإن فعلت وإلّا ضربت عنقك.

فقال الرّضا ـ عليه السّلام: قد نهاني الله ـ عزّ وجلّ ـ أن ألقي بيدي الى التّهلكة.

فإن كان الأمر على هذا، فافعل ما بدأك. فأنا(١٤) أقبل على أن(١٥) لا أوالي أحدا ولا أعزل أحدا ولا أنقض رسما ولا سنّة. وأكون في الأمر من بعيد مشيرا.

فرضي منه بذلك فجعله(١٦) وليّ عهده على كراهة منه ـ عليه السّلام ـ لذلك(١٧) .

__________________

(١) عيون أخبار الرضا ١ / ١٦، ح ١.

(٢) ليس في ر.

(٣) ليس في المصدر. (ظ)

(٤) المصدر: هدّده.

(٥) المصدر: يأبي. (ظ)

(٦) المصدر: حتّى أشرف من.

(٧) المصدر: تأبيه.

(٨) المصدر: منى إن.

(٩) المصدر: ولاية لي.

(١٠) المصدر: وأنت.

(١١) ر: رسم. (١٢) ر: بشير.(١٣) نفس المصدر ونفس الموضع.

(١٤) المصدر: وإنّا. (ظ) (١٥) المصدر: أنّي. (١٦) المصدر: وجعله. (ظ) (١٧) المصدر: بذلك.

٢٦٦

وفي من لا يحضره الفقيه(١) ، في الحقوق المرويّة عن عليّ بن الحسين ـ عليهما السّلام: وحقّ السّلطان، أن تعلم أنّك جعلت له فتنة. وأنّه مبتلى فيك بما جعله الله ـ عزّ وجلّ ـ له عليك من السّلطان. وأنّ عليك أن لا تتعرّض لسخطه، فتلقى بيدك إلى التّهلكة. وتكون شريكا له فيما يأتي إليك من سوء.

وفي كتاب كمال الدّين وتمام النّعمة(٢) ، بإسناده إلى سلمان الفارسيّ ـ رحمه الله ـ عن النّبيّ ـ صلّى الله عليه وآله ـ في حديث طويل. يقول فيه لعليّ ـ عليه السّلام: يا أخي! أنت سيفي(٣) من بعدي وستلقى من قريش شدّة. ومن تظاهرهم عليك وظلمهم لك. فإن وجدت عليهم أعوانا، فجاهدهم وقاتل من خالفك بمن وافقك.

وإن لم تجد أعوانا، فاصبر وكفّ يدك ولسانك. ولا تلق بها إلى التّهلكة.

وفي أصول الكافي(٤) : عليّ بن محمّد، عن سهل بن زياد، عن محمّد بن عبد الحميد، عن الحسن بن الجهم قال: قلت للرّضا ـ عليه السّلام: أمير المؤمنين ـ عليه السّلام ـ قد عرف قاتله واللّيلة التي يقتل فيها والموضع الّذي يقتل فيه. وقوله لـمّا سمع صياح الإوزّ في الدّار: «صوائح تتبعها نوائح.» وقول أمّ كلثوم: «لو صلّيت اللّيلة داخل الدّار. وأمرت غيرك يصلّي بالنّاس.» فأبى عليها. وكثر دخوله وخروجه تلك اللّيلة بلا سلاح. وقد عرف ـ عليه السّلام ـ أنّ ابن ملجم ـ لعنه الله ـ قاتله بالسّيف. كان هذا ممّا لا يحسن(٥) تعرّضه.

فقال: ذلك كان ولكنّه جبن(٦) في تلك اللّيلة لتمضي مقادير الله ـ عزّ وجلّ.

وفي أمالي الصّدوق ـ رحمه الله(٧) ـ بإسناده إلى النّبيّ ـ صلّى الله عليه وآله ـ قال: طاعة السّلطان، واجبة. ومن ترك طاعة السّلطان، فقد ترك طاعة الله. ودخل في نهيه. إنّ الله ـ عزّ وجلّ ـ يقول:( وَلا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ ) .

[وأحسنوا أعمالكم وأخلاقكم. وتفضّلوا على المحاويج. إنّ الله يحبّ المحسنين.

ويجازيهم أحسن جزاء على الإحسان.

__________________

(١) من لا يحضره الفقيه ٢ / ٣٧٧، ح ١٦٢٦.

(٢) كمال الدين وتمام النعمة ١ / ٢٦٤، ح ١٠.

(٣) المصدر: ستبقى. (ظ)

(٤) الكافي ١ / ٢٥٩، ح ٤.

(٥) المصدر: لم يجز.

(٦) المصدر: خيّر. (ظ)

(٧) أمالى الصدوق / ٢٧٧، مجلس ٥٤، ح ٢٠.

٢٦٧

وفي محاسن البرقيّ(١) ، عنه، عن ابن محبوب، عن عمر بن يزيد. قال: سمعت أبا عبد الله ـ عليه السّلام ـ يقول: إذا أحسن المؤمن عمله، ضاعف الله عمله بكلّ حسنة سبعمائة. وذلك قول الله ـ تبارك وتعالى:( يُضاعِفُ لِمَنْ يَشاءُ ) . فأحسنوا أعمالكم الّتي يعملونها لثواب الله.

فقلت له: وما الإحسان؟

قال: فقال: إذا صلّيت، فأحسن ركوعك وسجودك. وإذا صمت، فتوقّ كلّ ما فيه فساد صومك. وإذا حججت، فتوقّ ما يحرم عليك في حجّك وعمرتك.

قال: وكلّ عمل يعمله لله، فليكن نقيّا من الدّنس(٢) .]

( وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ ) ، أي ائتوا بهما تأمين لوجه الله. وهو يدلّ على وجوبهما.

وفي مجمع البيان(٣) :( وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ ) ، أي: أتمّوهما بمناسكهما وحدودهما وتأدية كلّ ما فيهما.

وقيل: أقيموهما إلى آخر ما فيهما. وهو المرويّ عن أمير المؤمنين ـ عليه السّلام ـ وعلي بن الحسين ـ عليهما السّلام.

والظّاهر أنّ ما ذكره من المعنيين، مع ما أوردنا، متّحد.

وفي عيون الأخبار(٤) ، في باب ما كتبه الرّضا ـ عليه السّلام ـ للمأمون، من محض الإسلام وشرائع الدّين: ولا يجوز القرآن والإفراد الّذي يستعمله العامّة إلّا لأهل مكّة وحاضريها. ولا يجوز الإحرام دون الميقات. قال الله ـ عزّ وجلّ:( وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ ) .

وفي كتاب الخصال(٥) : عن الأعمش، عن جعفر بن محمّد ـ عليهما السّلام ـ قال: هذه شرائع الدّين ـ إلى أن قال عليه السّلام ـ ولا يجوز القرآن والإفراد إلّا لمن كان أهله حاضري المسجد الحرام. ولا يجوز الإحرام قبل بلوغ الميقات ولا يجوز تأخيره عن الميقات إلّا لمرض أو تقيّة. وقد قال الله تعالى:( وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ ) . وتمامهما اجتناب الرّفث والفسوق والجدال، في الحجّ.

وفي كتاب علل الشّرائع(٦) : حدّثنا محمّد بن الحسن بن أحمد بن الوليد ـ رضى الله

__________________

(١) المحاسن / ٢٥٤، ح ٢٨٣.

(٢) ما بين المعقوفتين ليس في أ.

(٣) مجمع البيان ١ / ٢٩٠.

(٤) عيون أخبار الرضا ٢ / ١٢٢، ح ١.

(٥) الخصال ٢ / ٦٠٦، ح ٩.

(٦) علل الشرائع ٢ / ٤٠٨، ح ١.

٢٦٨

عنه. قال: حدّثنا محمّد بن الحسن الصفّار، عن العبّاس بن معروف، عن عليّ بن مهزيار، عن الحسين بن سعيد، عن ابن أبي عمير. وحمّاد وصفوان بن يحيى وفضالة بن أيّوب، عن معاوية بن عمّار، عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ قال: العمرة واجبة على الخلق، بمنزلة الحجّ من استطاع. لأنّ الله ـ عزّ وجلّ ـ يقول:( وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ ) . وإنّما نزلت العمرة بالمدينة. وأفضل العمرة، عمرة رجب.

حدّثنا محمّد بن الحسن بن أحمد بن الوليد ـ رضى الله عنه(١) ـ قال: حدّثنا محمّد بن الحسن الصّفّار، عن محمّد بن الحسين بن أبي الخطّاب، عن حمّاد بن عيسى، عن أبان بن عثمان، عمّن أخبره، عن أبي جعفر ـ عليه السّلام ـ قال: قلت له: لم سمّي الحجّ، حجّا؟

قال: حجّ فلان، أي: أفلح فلان.

وفي الكافي(٢) : عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن عمر بن أذينة.

قال: كتبت إلى أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ بمسائل بعضها مع ابن بكير وبعضها مع أبي العبّاس فجاء الجواب بإملائه: سألت عن قول الله ـ عزّ وجلّ ـ( وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً ) ، يعني به: الحجّ والعمرة، جميعا. لأنّهما مفروضان.

وسألته عن قول الله تعالى:( وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ ) . قال: يعني بتمامهما أداءهما واتّقاء ما يتّقى المحرم فبهما.

والحديث طويل. أخذت منه موضع الحاجة.

الحسين بن محمّد(٣) عن معلّى بن محمّد، عن الحسين بن عليّ، عن أبان(٤) ، عن الفضل [بن شاذان، عن](٥) أبي العبّاس، عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ( وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ ) ، قال: هما مفروضان.

عدّة من أصحابنا(٦) ، عن أحمد بن محمّد، عن الحسين بن سعيد، عن النّضر بن سويد، عن عبد الله بن سنان، في قول الله تعالى:( وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ ) ، قال: إتمامهما أن لا رفث ولا فسوق ولا جدال في الحجّ.

__________________

(١) نفس المصدر ٢ / ٤١١، ح ١.

(٢) الكافي ٤ / ٢٦٤، ح ١.

(٣) نفس المصدر ٤ / ٢٦٥، ح ٢.

(٤) المصدر: أبان بن عثمان.

(٥) ليس في المصدر.

(٦) نفس المصدر ٤ / ٣٧٧، ح ٢.

٢٦٩

ابن أبي عمير(١) ، عن معاوية بن عمّار، عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ قال: العمرة واجبة على الخلق بمنزلة الحجّ على من استطاع. لأنّ الله تعالى يقول:( وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ ) . وإنّما نزلت العمرة بالمدينة.

قال: قلت له: فمن تمتّع بالعمرة إلى الحجّ أيجزي ذلك عنه؟

قال: نعم.

وفي تهذيب الأحكام(٢) : روى موسى بن القسم، عن حمّاد بن عيسى، عن عمر بن أذينة، عن زرارة بن أعين، عن أبي جعفر ـ عليه السّلام. قال: العمرة واجبة على الخلق بمنزلة الحجّ. لأنّ الله تعالى يقول:( وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ ) . وإنّما نزلت العمرة بالمدينة.

وفي الكافي(٣) : محمّد بن يحيى، عن محمّد بن الحسين، عن محمّد بن سنان، عن عمار بن مروان، عن جابر، عن أبي جعفر(٤) ـ عليه السّلام ـ قال: تمام الحجّ لقاء الإمام.

عليّ بن إبراهيم(٥) ، عن أبيه، عن ابن أبي عمير. ومحمّد بن إسماعيل، عن الفضل بن شاذان، عن صفوان بن يحيى. وابن أبي عمير، جميعا، عن معاوية بن عمّار ـ قال: قال أبو عبد الله ـ عليه السّلام: إذا أحرمت فعليك بتقوى الله، وذكر الله كثيرا، وقلّة الكلام، إلّا بخير. فإنّ من تمام الحجّ والعمرة أن يحفظ المرء لسانه، إلّا من خير، كما قال الله تعالى. فإنّ الله ـ عزّ وجلّ ـ يقول:( فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ، فَلا رَفَثَ وَلا فُسُوقَ وَلا جِدالَ فِي الْحَجِّ ) . (الحديث).

وفي عيون الأخبار(٦) ، بإسناده إلى إسماعيل بن مهران، عن جعفر بن محمّد ـ عليهما السّلام ـ قال: إذا حجّ أحدكم، فليختم حجّه بزيارتنا. لأنّ ذلك من تمام الحجّ.

( فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ ) : منعتم.

يقال: حصره العدوّ، وأحصره، إذا حبسه ومنعه عن المضيّ، مثل: صدّ وأصدّ.

قيل(٧) : المراد حصر العدوّ، لقوله تعالى( فَإِذا أَمِنْتُمْ ) ، ولنزوله في الحديبية، ولقول

__________________

(١) نفس المصدر ٤ / ٢٦٥، ح ٤.

(٢) تهذيب الأحكام ٥ / ٤٣٣، ح ١٥٠٢.

(٣) الكافي ٤ / ٥٤٩، ح ٢.

(٤) ر: أبي عبد الله ـ عليه السّلام.

(٥) نفس المصدر ٤ / ٣٣٧، ح ٣.

(٦) عيون أخبار الرضا ٢ / ٢٦٢، ح ٢٨.

(٧) مجمع البيان / ٢٩٠.

٢٧٠

ابن عبّاس: لا حصر إلّا حصر العدوّ.

وقيل(١) : وكلّ من منع من عدوّ ومرض. أو غيرهما لما روي عنه ـ عليه السّلام(٢) ـ من كسر أو عرج، فقد حلّ. فعليه الحجّ من قابل.

والتّحقيق: أنّ المحصور، هو المحصور بالمرض. والمصدود بالعدوّ. وإن كان المراد بالحصر بالقرينة، هو العموم هنا.

( فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ ) ، أي: فعليكم ما استيسر، فالواجب ما استيسر، أو فاهدوا ما استيسر.

والمعنى: إن أحصر المحرم وأراد أن يتحلّل، تحلّل بذبح هدي يسر عليه من بدنة، أو بقرة، أو شاة.

وفي الكافي(٣) : عدّة من أصحابنا، عن سهل بن زياد، عن ابن أبي نصر، عن داود بن سرحان، عن عبد الله بن فرقد، عن حمران، عن أبي جعفر ـ عليه السّلام ـ قال: إنّ رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ حين صدّ بالحديبية، قصّر وأحلّ ونحر. ثمّ انصرف منها. ولم يجب عليه الحلق حتّى يقضي النّسك. فأمّا المحصور، فإنّما يكون عليه التقصير.

عليّ بن إبراهيم(٤) ، عن أبيه، عن ابن أبى عمير. ومحمّد بن إسماعيل، عن الفضل بن شاذان، عن ابن أبي عمير، وصفوان، عن معاوية بن عمّار، عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ قال: سمعته يقول: المحصور غير المصدود المحصور المريض. والمصدود الّذي يصدّه المشركون، كما رووا عن رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ(٥) ليس من مرض. والمصدود تحلّ له النّساء. والمحصور لا تحلّ له النّساء.

قال: وسألته عن رجل أحصر وبعث بالهدى.

قال: يواعد أصحابه ميعادا، إن كان في الحجّ، فمحلّ الهدي يوم النّحر. فإذا كان يوم(٦) النّحر، فليقصّ من رأسه. ولا يجب عليه الحلق، حتّى يقضي المناسك. وإن كان في عمرة، فلينتظر مقدار دخول أصحابه مكّة والسّاعة الّتي يعدهم فيها. فإذا كان تلك

__________________

(١) مجمع البيان ١ / ٢٩٠.

(٢) ر. أنوار التنزيل ١ / ١٠٦.

(٣) الكافي ٤ / ٣٦٨، ح ١.

(٤) نفس المصدر ٤ / ٣٦٩، ح ٣.

(٥) المصدر: كما ردّوا رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ وأصحابه. (ظ)

(٦) «فإذا كان يوم النحر» ليس في ر.

٢٧١

السّاعة، قصّر وأحلّ. وإن كان مرض في الطّريق، بعد ما يخرج(١) فأراد الرّجوع رجع إلى أهله ونحر بدنة أو أقام مكانه، حتّى يبرأ إذا كان في عمرة. وإذا برئ، فعليه العمرة واجبة.

وإن كان عليه الحجّ، رجع أو أقام(٢) ففاته الحجّ، فإنّ عليه الحجّ من قابل. فإنّ الحسين بن عليّ ـ صلوات الله عليه ـ خرج معتمرا. فمرض في الطّريق. فبلغ عليّا ـ عليه السّلام ـ ذلك وهو في المدينة. فخرج في طلبه. فأدركه بالسّقيا(٣) . وهو مريض بها.

فقال: يا بنيّ! ما تشكي؟

فقال: أشتكي رأسي.

فدعا عليّ ـ عليه السّلام ـ ببدنة. فنحرها. وحلق رأسه. وردّه إلى المدينة. فلمّا برئ من وجعه، اعتمر.

قلت: أرأيت حين برئ من وجعه قبل أن يخرج إلى العمرة حلّ له النّساء؟

قال: لا تحلّ له النّساء حتّى يطوف بالبيت وبالصّفا والمروة.

قلّت: فما بال رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ حين رجع من الحديبية حلّت له النّساء ولم يطف بالبيت؟

قال: ليسا سواء كان النّبيّ ـ صلّى الله عليه وآله ـ مصدودا والحسين ـ عليه السّلام ـ محصورا.

عدّة من أصحابنا(٤) ، عن أحمد بن محمّد. وسهل بن زياد، عن ابن محبوب، عن ابن رئاب(٥) ، عن زرارة، عن أبي جعفر ـ عليه السّلام ـ قال: إذا أحصر الرّجل بعث بهديه.

فإذا أفاق ووجد من نفسه خفّة، فليمض إن ظنّ أنّه يدرك النّاس. فإن قدم مكّة قبل أن ينحر الهدي، فليقم على إحرامه، حتّى يفرغ من جميع المناسك ولينحر هديه. ولا شيء عليه.

وإن قدم مكّة وقد نحر هديه، فإنّ عليه الحجّ من قابل أو(٦) العمرة.

قلت: فإن مات وهو محرم قبل أن ينتهي إلى مكّة؟

قال: يحجّ عنه، إن كانت حجّة الإسلام. ويعتمر. إنّما هو شيء عليه.

عليّ بن إبراهيم(٧) ، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن معاوية بن عمّار، عن

__________________

(١) المصدر: أحرم. (ظ)

(٢) أ: وأقام. ر: أو قام.

(٣) أ: بالسفيار. ر: بالسقيار.

(٤) نفس المصدر ٤ / ٣٧٠، ح ٤.

(٥) أ: ابن رقاب.

(٦) أ: و.

(٧) نفس المصدر ونفس الموضع، ح ٥.

٢٧٢

أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ أنّه قال في المحصور ولم يسق الهدي، قال: ينسّك. ويرجع. فإن لم يجد ثمن هدي، صام.

عدّة من أصحابنا(١) ، عن سهل بن زياد، عن ابن أبي نصر، عن مثنّى، عن زرارة، عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ قال: إذا أحصر الرّجل، فبعث بهديه، فآذاه رأسه قبل أن ينحر هديه، فإنّه يذبح ستّة مساكين. الّذي أحصر(٢) فيه، أو يصوم، أو يتصدّق. والصّوم ثلاثة أيّام. والصّدقة(٣) على ستّة مساكين. ونصف صاع لكلّ مسكين.

سهل(٤) ، عن ابن أبي نضر، عن رفاعة، عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام. قال: سألته عن الرّجل يشترط وهو ينوي المتعة، فيحصر، هل يجزئه أن لا يحجّ من قابل؟

قال: يحجّ من قابل. والحاجّ مثل ذلك إذا أحصر.

قلت: رجل ساق الهدى ثمّ أحصر.

قال: يبعث بهديه.

قلت: هل يتمتّع(٥) من قابل؟

قال: لا. ولكن يدخل في مثل ما خرج منه.

حميد بن زياد(٦) ، عن الحسن بن محمّد بن سماعة، عن أحمد بن الحسن المثنّى، عن أبان، عن زرارة، عن أبي جعفر ـ عليه السّلام ـ قال: المصدود(٧) يذبح حيث صدّ. ويرجع صاحبه. فيأتي النّساء. او المحصور: يبعث بهديه. ويعدهم يوما. فإذا بلغ الهدي، أحلّ هذا في مكانه.

قلت له: أرأيت أن ردوا(٨) عليه دراهمه ولم يذبحوا عنه وقد أحكّ فأتى النّساء؟

قال: فليعد وليس عليه شيء. وليمسك العام عن النّساء، إذا بعث.

وفي عيون الأخبار(٩) ، في باب العلل الّتي ذكر الفضل بن شاذان، أنّه سمعها من الرّضا ـ عليه السّلام: فإن قال فلم أمروا بحجّة واحدة لا أكثر من ذلك؟ قيل له: لأنّ الله

__________________

(١) نفس المصدر ونفس الموضع، ح ٦.

(٢) أ: حصر.

(٣) أ: أو صدقة.

(٤) نفس المصدر ٤ / ٣٧١، ح ٧.

(٥) المصدر: يستمتع. (ظ)

(٦) نفس المصدر ونفس الموضع، ح ٩.

(٧) ليس في ر.

(٨) ليس في ر.

(٩) عيون أخبار الرضا ٢ / ١١٨، ح ١.

٢٧٣

تعالى وضع الفرائض على أدنى القوم قوّة(١) . كما قال ـ عزّ وجلّ:( فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ ) ، يعني: بشاة ليسع القويّ والضّعيف. وكذلك سائر الفرائض. إنّها وضعت على أدنى القوم قوّة(٢) .

( وَلا تَحْلِقُوا رُؤُسَكُمْ حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ ) .، أي: لا تحلقوا حتّى تعلموا أنّ الهدي المبعوث بلغ محلّه، أي: حيث يحلّ ذبحه فيه.

والمحلّ (بالكسر) يطلق للمكان والزّمان.

والهدي، جمع هدية، كجدي وجدية وقرئ الهدي جمع هديّة، كمطيّ ومطيّة.

وفي الكافي(٣) : عليّ بن إبراهيم، عن أبيه. ومحمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد، جميعا، عن ابن أبي عمير، عن حمّاد، عن الحلبيّ، عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ قال: إنّ رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ حين حجّ حجّة الوداع(٤) ، خرج في أربع بقين من ذي القعدة، حتّى أتى الشّجرة. فصلّى بها. ثمّ قاد راحلته حتّى أتى البيداء. فأحرم منها.

وأهلّ بالحجّ وساق مائة بدنة. وأحرم(٥) النّاس كلّهم بالحجّ، لا ينوون عمرة(٦) ، ولا يدرون ما المتعة، حتّى إذا قدم رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ مكّة، طاف بالبيت. وطاف النّاس معه. ثمّ صلّى ركعتين عند المقام. واستلم الحجر ثم قال: «أبدأ بما بدأ الله به.

فأتى الصّفا. فبدأ بها ثمّ طاف بين الصّفا والمروة، سبعا. فلمّا قضى طوافه عند المروة، قام خطيبا. فأمرهم أن يحلّوا ويجعلوها عمرة. وهو شيء أمر الله تعالى به. فأحلّ النّاس.

وقال رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله: لو كنت استقبلت من أمري، ما استدبرت لفعلت كمّا أمرتكم. ولم يكن(٧) يستطيع ان(٨) يحلّ من أجل الهدي الّذي معه(٩) .

إنّ الله تعالى يقول:( وَلا تَحْلِقُوا رُؤُسَكُمْ حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ ) .

فقال سراقة بن مالك بن خثعم(١٠) : يا رسول الله! علّمنا ديننا. كأنّنا خلقنا اليوم.

__________________

(١) ليس في أور. وفي المصدر: مرّة.

(٢) ليس في ر.

(٣) الكافي ٤ / ٢٤٨، ح ٦.

(٤) المصدر: الإسلام.

(٥) ر: إحرام.

(٦) أ: لا ينوون عمرة ولا يدرون عمرة.(٧) «يكن» ليس في أ.

(٨) ر: من أن.(٩) المصدر: كان معه.

(١٠) المصدر: جعشم.

٢٧٤

أرأيت هذا الّذي أمرتنا به لعامنا هذا أو لكلّ عام؟

فقال رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله: بل(١) لأبد الأبد.

وإنّ رجلا قام. فقال: يا رسول الله! نخرج حجّاجا ورؤوسنا تقصر.

فقال رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله: انك(٢) لن تؤمن بها أبدا.

والحديث طويل. أخذت منه موضع الحاجة.

وفي كتاب علل الشرائع(٣) : حدّثنا محمّد بن الحسن ـ رحمه الله ـ قال: حدّثنا محمّد بن الحسن الصّفّار، عن يعقوب بن يزيد، عن محمّد بن أبي عمير، وصفوان بن يحيى، عن معاوية بن عمّار، عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ قال: قال رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ في حجّة الوداع، لـمّا فرغ من السّعي، قام عند المروة، فخطب النّاس، فحمد الله، وأثنى عليه. ثمّ قال: يا معشر النّاس! هذا جبرئيل ـ وأشار بيده إلى خلفه ـ يأمرني أن آمر من لم يسق هديا، أن يحلّ. ولو استقبلت من أمري ما استدبرت. لفعلت كما أمرتكم.

ولكنّي سقت الهدي. وليس لسائق الهدي أن يحلّ، حتّى يبلغ الهدى محلّه.

فقام إليه سراقة بن مالك بن خثعم(٤) الكنانيّ. فقال: يا رسول الله! علّمنا ديننا.

فكأنّنا خلقنا اليوم. أرأيت هذا الّذي أمرتنا به لعامنا(٥) ؟

فقال رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله: لا بل لأبد الأبد.

وإنّ رجلا قام. فقال: يا رسول الله! نخرج حجّاجا ورؤوسنا تقصر.

فقال له رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله: إنّك لن تؤمن بها أبدا.

حدّثنا أبي(٦) ومحمّد بن الحسن بن أحمد بن الوليد ـ رضى الله عنه ـ قال: حدّثنا سعد بن عبد الله عن القسم بن محمّد الأصفهانيّ، عن سليمان بن داود المنقريّ، عن فضيل بن عياض قال: سألت أبا عبد الله ـ عليه السّلام ـ عن اختلاف النّاس في الحجّ.

فبعضهم يقول: خرج رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ محلّا بالحجّ، وقال بعضهم: محلّا بالعمرة، وقال بعضهم: خرج قارنا، وقال بعضهم: خرج ينتظر أمر الله ـ عزّ وجلّ.

فقال أبو عبد الله ـ عليه السّلام: علم الله ـ عزّ وجلّ ـ أنّها حجّة لا يحجّ رسول الله ـ

__________________

(١) المصدر: لا بل.

(٢) أ: بل إنّك.

(٣) علل الشرائع ٢ / ٤١٣، ح ٢.

(٤) المصدر: جشعم.

(٥) المصدر: لعامنا أو لكلّ عام.

(٦) نفس المصدر ٢ / ٤١٤، ح ٣.

٢٧٥

صلّى الله عليه وآله ـ بعدها أبدا. فجمع الله ـ عزّ وجلّ ـ له ذلك كلّه في سفرة واحدة، ليكون جميع ذلك سنّة لأمّته فلمّا طاف بالبيت وبالصّفا والمروة، أمره جبرئيل ـ عليه السّلام ـ أن يجعلها عمرة إلّا من كان معه هدى، فهو محبوس على هديه، لا يحلّ قوله(١) ـ عزّ وجلّ:( حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ ) فجمعت له العمرة والحجّ. وكان خرج على خروج العرب الأوّل. لأنّ العرب كانت لا تعرف الا الحجّ. وهو في ذلك ينتظر أمر الله ـ عزّ وجلّ.

وهو يقول ـ عليه السّلام: النّاس على أمر جهالتهم(٢) ، إلّا ما غيّره الإسلام. وكانوا لا يرون العمرة في أشهر الحجّ. فشقّ على أصحابه حين قال: «اجعلوها عمرة.» لأنّهم كانوا لا يعرفون العمرة في أشهر الحجّ. وهذا الكلام من رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ إنّما كان في الوقت الّذي أمرهم فيه بفسخ الحجّ. وقال: «دخلت العمرة في الحجّ إلى يوم القيامة.» وشبك بين أصابعه، يعني: في أشهر الحجّ(٣) .

قلت: فيتعبّا(٤) بشيء من امر الجاهليّة؟

قال إنّ الجاهليّة(٥) ضيّعوا كلّ شيء من دين(٦) ابراهيم ـ عليه السّلام ـ إلّا الختان والتّزويج والحجّ. فإنّهم تمسّكوا به. ولم يضيّعوها.

( فَمَنْ كانَ مِنْكُمْ مَرِيضاً ) مرضا يحوجه إلى الحق،( أَوْ بِهِ أَذىً مِنْ رَأْسِهِ ) من جراحة وقمل.

( فَفِدْيَةٌ ) : فعليه فدية إن حلق،( مِنْ صِيامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ ) : بيان لجنس الفدية.

وأمّا قدرها، ففي الكافي(٧) : عليّ عن أبيه، عن حمّاد، عن حريز، عمّن أخبره، عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ قال: مرّ رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ على كعب بن عجرة والقمل يتناثر من رأسه وهو محرم. فقال له: أتؤذيك هو امّك؟ فقال: نعم.

فأنزلت هذه الآية:( فَمَنْ كانَ مِنْكُمْ مَرِيضاً أَوْ بِهِ أَذىً مِنْ رَأْسِهِ فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ ) .

__________________

(١) المصدر: لقوله. (ظ)

(٢) كذا في النسخ. وفي المصدر: جاهليتهم. (ظ)

(٣) بعد هذه العبارة توجد في أ: وهذا الكلام من رسول الله ـ صلى الله عليه وآله.

(٤) المصدر: أفيعتد.

(٥) فقال: إن أهل الجاهلية.

(٦) المصدر وأ: دون.

(٧) الكافي ٤ / ٣٥٨، ح ٢.

٢٧٦

فأمره رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ أن يحلق وجعل الصّيام ثلاثة أيّام. والصّدقة على ستّة مساكين، لكلّ مسكين مدّين. والنّسك، شاة.

قال أبو عبد الله ـ عليه السّلام: وكلّ شيء من القرآن أو فصاحبه بالخيار. يختار ما شاء. وكلّ شيء(١) في القرآن. فمن لم يجد كذا، فعليه كذا. فالأولى بالخيار.

عدّة من أصحابنا(٢) ، عن سهل بن زياد، عن ابن أبي نصر، عن مثنّى، عن زرارة، عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ قال: إذا أحصر الرّجل، فبعث بهديه، فآذاه رأسه قبل أن ينحر هديه، فإنّه يذبح شاة في المكان الّذي أحصر فيه، أو يصوم، أو يتصدّق. والصّوم ثلاثة أيّام. والصّدقة على ستّة مساكين، نصف صاع لكلّ مسكين.

وفي من لا يحضره الفقيه(٣) : ومرّ النّبيّ ـ صلّى الله عليه وآله ـ على كعب بن عجرة الأنصاريّ وهو محرم وقد أكل القمل رأسه وحاجبيه وعينيه. فقال رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله: ما كنت أرى أنّ الأمر يبلغ ما أرى.

فأمره. فنسك عنه، نسكا. وحلق رأسه. يقول الله:( فَمَنْ كانَ مِنْكُمْ مَرِيضاً أَوْ بِهِ أَذىً مِنْ رَأْسِهِ، فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ ) . فالصّيام ثلاثة أيّام. والصّدقة على ستّة مساكين، لكلّ مسكين صاع من تمر والنّسك، شاة. لا يطعم(٤) منها أحد إلّا المساكين.

وما وقع في الأحاديث الثّلاثة من الاختلاف في إعطاء المسكين، فإنّه في الأوّل مدّان، وفي الثّاني نصف صاع، وفي الثّالث صاع، فإنّه لا اختلاف بين الأوّلين في المعنى.

فإن نصف الصّاع، هو المدّان. فإنّ الصّاع أربعة أمداد. ويحتمل في الخبر الأخير أن يكون سقط لفظ «نصف.» وأن يكون محمولا على الأفضل.

( فَإِذا أَمِنْتُمْ ) الإحصار، أو كنتم في حال أمن وسعة،( فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِ ) : الحاجّ على ثلاثة وجوه: المتمتّع. وهو الّذي يحجّ في أشهر الحجّ. ويقطع التّلبية إذا نظر إلى بيوت مكّة. فإذا دخل مكّة طاف بالبيت سبعا، وصلّى ركعتين عند مقام إبراهيم ـ عليه السّلام ـ وسعى بين الصّفا والمروة سبعا، وقصّر، وأحلّ فهذه عمرة يتمتّع بها من الثّياب والجماع والطّيب

__________________

(١) المصدر: من.

(٢) نفس المصدر ٤ / ٣٧٠، ح ٦.

(٣) من لا يحضره الفقيه ٢ / ٢٢٨، ح ١٠٨٣.

(٤) أ: لا يطعمها.

٢٧٧

وكلّ شيء يحرم على المحرم، إلّا الصّيد. لأنّه حرام على المحلّ في الحرم وعلى المحرم في الحلّ والحرم. ويتمتّع بما سوى ذلك إلى الحجّ.

والحجّ ما يكون بعد يوم التّروية، من عقد الإحرام الثّاني بالحجّ المفرد والخروج إلى منى، ومنها إلى عرفات، وقطع التّلبية عند زوال الشّمس يوم عرفة. ويجمع فيها بين الظّهر والعصر، بأذان واحد وإقامتين والبيتوتة بها إلى غروب الشّمس والإفاضة إلى المشعر الحرام والجمع بين المغرب والعشاء بها بأذان واحد وإقامتين والبيتوتة بها والوقوف بها بعد الصّبح، إلى أن تطلع الشّمس على جبل ثبير، والرّجوع إلى منى والذّبح والحلق والرّمي ودخول المسجد الحصباء والاستلقاء فيه على القفا وزيارة البيت وطواف الحجّ ـ وهو طواف الزّيارة ـ وطواف النّساء. فهذه صفة المتمتّع بالعمرة إلى الحجّ. والمتمتّع عليه، ثلاثة أطواف بالبيت: طواف العمرة، وطواف للحجّ، وطواف للنّساء، وسعيان بين الصّفا والمروة، كما ذكرناه.

وعلى القارن والمفرد طوافان بالبيت وسعيان بين الصّفا والمروة. ولا يحلّان بعد العمرة يمضيان على إحرامهما الأوّل ولا يقطعان التّلبية، إذا نظرا إلى بيوت مكّة، كما يفعل المتمتّع. ولكنّهما يقطعان التّلبية يوم عرفة، عند زوال الشّمس. والقارن والمفرد صفتهما واحدة، إلّا أنّ القارن يفضّل على المفرد بسياق الهدي.

( فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ ) : فعليه ما استيسر من الهدي بسبب التّمتّع وهو هدي التّمتّع.

وفي كتاب علل الشّرائع(١) ، في العلل الّتي ذكر الفضل بن شاذان، أنّه سمعها عن الرّضا ـ عليه السّلام: فإن قال(٢) : فلم أمروا بالتّمتّع في الحجّ؟

قيل: ذلك تخفيف من ربّكم ورحمة لأن يسلم النّاس(٣) من إحرامهم. ولا يطول ذلك عليهم فيدخل عليهم الفساد. وأن يكون الحجّ والعمرة واجبتين(٤) ، جميعا. فلا تعطّل العمرة وتبطل. فلا يكون(٥) الحجّ مفردا من العمرة. ويكون بينهما فصل وتمييز. وأن لا يكون الطّواف بالبيت محظورا. لان المحرم إذا طاف بالبيت قد أحل إلا لعلّة. فلو لا التّمتّع، لم يكن

__________________

(١) علل الشرائع ١ / ٢٧٤.

(٢) المصدر: قيل.

(٣) المصدر: في.

(٤) أو المصدر: واجبين. (ظ)

(٥) المصدر: ولا يكون. (ظ)

٢٧٨

للحاجّ أن يطوف. لأنّه إذا طاف أحلّ وفسد إحرامه. ويخرج منه قبل أداء الحجّ. ولأن يجب على النّاس الهدي والكفّارة، فيذبحون وينحرون ويتقرّبون إلى الله ـ جلّ جلاله. فلا تبطل هراقة الدّماء والصّدقة على المساكين(١) .

حدّثنا أبي ـ رضى الله(٢) ـ قال: حدّثنا عليّ بن إبراهيم بن هاشم، عن أبيه، عن محمّد بن أبي عمير، عن حمّاد بن عثمان، عن عبد الله بن عليّ الحلبيّ، عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ قال: إنّ الحجّ متّصل بالعمرة. لأنّ الله ـ عزّ وجلّ ـ يقول:( فَإِذا أَمِنْتُمْ فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ ) . فليس ينبغي لأحد إلّا أن يتمتّع. لأنّ الله ـ عزّ وجلّ ـ أنزل ذلك في كتابه وسنّة رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله.

وفي الكافي(٣) : عدّة من أصحابنا، عن سهل بن زياد، وأحمد بن محمّد، جميعا، عن ابن محبوب، عن ابن رئاب، عن أبي عبيدة، عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ في قول الله تعالى( فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ ) قال: شاة(٤) .

محمّد بن يحيى(٥) عن أحمد بن محمّد، عن محمّد بن سنان، عن ابن مسكان، عن سعيد الأعرج قال: قال أبو عبد الله ـ عليه السّلام: من(٦) تمتّع في أشهر الحجّ، ثمّ أقام بمكّة، حتّى يحضر الحجّ، من قابل، فعليه شاة. ومن تمتّع في غير أشهر الحجّ، ثمّ جاوز حتّى يحضر الحجّ، فليس عليه دم. إنّما هي حجّة مفردة. وإنّما الأضحيّة(٧) على أهل الأمصار.

( فَمَنْ لَمْ يَجِدْ ) : أي: الهدى.

وروى في معنى عدم الوجدان [في التهذيب(٨) ، عن](٩) أحمد بن محمّد، عن ابن أبي نصر. قال: سألت أبا الحسن ـ عليه السّلام ـ عن المتمتّع يكون له فضول من الكسوة بعد الّذي يحتاج إليه، فتستوي(١٠) تلك الفضول بمائة درهم، يكون ممّن يجب عليه.

فقال: له بدّ من كراء ونفقة؟

__________________

(١) أو المصدر: المسلمين.

(٢) نفس المصدر ٢ / ٤١١، ح ١.

(٣) الكافي ٤ / ٤٨٧، ح ٢.

(٤) أ: ابن رقاب. ر: ابن رباب. الأصل والمصدر: ابن رئات.

(٥) نفس المصدر ونفس الموضع، ح ١.

(٦) كذا في المصدر. وفي النسخ: في من.

(٧) المصدر: الأضحى.

(٨) تهذيب الأحكام ٥ / ٤٨٦، ح ١٧٣٥.

(٩) ليس في أ.

(١٠) أور: فيستوى. المصدر: فتسوّى. (ظ)

٢٧٩

قلت: له كراء وما يحتاج إليه بعد هذا الفضل من الكسوة.

قال: وأي شيء بمائة درهم؟ هذا ممّن قال الله:( فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيامُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ وَسَبْعَةٍ إِذا رَجَعْتُمْ ) .

[وفي الكافي(١) : عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن بعض أصحابه، عن أبي الحسن الرّضا ـ عليه السّلام. قال: قلت له: رجل تمتّع بالعمرة إلى الحجّ في عيبة ثياب له يبيع من ثيابه ويشتري هديه.

قال: لا. هذا يتزيّن المؤمن(٢) . يصوم ولا يأخذ شيئا من ثيابه].(٣)

( فَصِيامُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِ ) : في أيّام الاشتغال به.

في الكافي(٤) : عدّة من أصحابنا، عن أحمد بن محمّد وسهل بن زياد، جميعا، عن رفاعة بن موسى قال: سألت أبا عبد الله ـ عليه السّلام ـ عن المتمتّع لا يجد الهدى.

قال: يصوم قبل التّروية بيوم، ويوم التّروية ويوم عرفة.

قلت: فإنّه قدم يوم التّروية.

قال: يصوم ثلاثة أيّام بعد التّشريق.

قلت: لم يقم عليه جماله.

قال: يصوم يوم الحصبة وبعده يومين.

قال: قلت: وما الحصبة؟

قال: يوم نفره.

قلت: يصوم وهو مسافر؟

قال: نعم أليس هو يوم عرفة مسافرا(٥) ؟ إنّا أهل بيت نقول ذلك لقول(٦) الله تعالى:( فَصِيامُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ ) . يقول: في ذي الحجّة.

أحمد بن محمّد بن أبي نصر(٧) ، عن عبد الكريم بن عمرو، عن زرارة، عن أحدهما ـ عليهما السّلام ـ أنّه قال: من لم يجد هديا وأحبّ أن يقدّم الثّلاثة أيّام(٨) في أوّل العشر ،

__________________

(١) الكافي ٤ / ٥٠٨، ح ٥.

(٢) المصدر: به المؤمن.

(٣) ما بين المعقوفتين ليس في أ.

(٤) الكافي ٤ / ٥٠٦، ح ١.

(٥) ر: مسافر.

(٦) أ: بقول.

(٧) نفس المصدر ونفس الموضع، ح ٢.

(٨) المصدر والنسخ: الأيام.

٢٨٠

فلا بأس.

عليّ بن إبراهيم(١) ، عن أبيه، ومحمّد بن إسماعيل، عن الفضل بن شاذان، عن صفوان بن يحيى وابن أبي عمير، عن معاوية بن عمّار، عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ قال: سألته عن متمتّع لم يجد هديا.

قال: يصوم ثلاثة أيّام في الحجّ: يوم قبل التّروية، ويوم التّروية، ويوم عرفة.

قال: قلت: فإن فاته ذلك؟

قال: يتسحّر ليلة(٢) الحصبة ويصوم ذلك اليوم ويومين بعده.

قلت: فإن لم يقم عليه جماله، أيصومها(٣) في الطّريق؟

قال: إن شاء صامها في الطّريق. فإن(٤) شاء إذا رجع إلى أهله(٥) .(٦)

عليّ بن إبراهيم(٧) ، عن أبيه، عن حمّاد بن عيسى، عن حريز، عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ في متمتّع يجد الثّمن ولا يجد الغنم.

قال: يخلف الثّمن عند بعض أهل مكّة. ويأمر من يشترى له. ويذبح عنه.

وهو يجزي(٨) عنه. فإن مضى ذو الحجّة، أخّر ذلك إلى قابل من ذي الحجّة.

أبو عليّ الأشعريّ(٩) ، عن محمّد بن عبد الجبّار، عن صفوان بن يحيى، عن يحيى الأزرق قال: سألت أبا الحسن ـ عليه السّلام ـ عن متمتّع كان معه ثمن هدي، وهو يجد بمثل ذلك الّذي معه هديا، فلم يزل يتوانى(١٠) ، ويؤخّر ذلك حتّى إذا كان آخر النّهار غلت الغنم، فلم يقدر أن(١١) يشتري بالّذي معه هديا.

__________________

(١) نفس المصدر ٤ / ٥٠٧ ـ ٥٠٨، ح ٣.

(٢) ر: يوم ليلة.

(٣) كذا في المصدر. وفي النسخ: يصومها.

(٤) المصدر: وان. (ظ)

(٥) نفس المصدر ٤ / ٥٠٨، ح ٥.

(٦) يوجد في أ ـ فقط ـ بعد هذا الحديث، حديث الآتي: عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن بعض أصحابه، عن أبي الحسن ـ عليه السّلام ـ قال: قلت له رجل: تمتع بالعمرة إلى الحج في عيبة (المصدر: عيبته) ثياب له يبيع من ثيابه ويشتري هديه؟ قال: لا. هذا يتزيّن به المؤمن يصوم ولا يأخذ شيئا من ثيابه.

(٧) نفس المصدر ونفس الموضع، ح ٦.

(٨) أو: يجزئ.

(٩) نفس المصدر ونفس الموضع، ح ٧.

(١٠) أور: يتوانا.

(١١) أ: بأن.

٢٨١

قال: يصوم ثلاثة أيّام بعد التّشريق.

وأمّا ما رواه.

في الكافي:(١) «عن بعض أصحابنا، عن محمّد بن الحسين، عن أحمد بن عبد الله الكوفيّ(٢) ، قال: قلت للرّضا ـ عليه السّلام: المتمتّع يقدم وليس معه هدي، أيصوم ما لم يجب عليه؟ قال: يصبر إلى يوم النّحر. فإن لم يصب، فهو ممّن لم يجده»، فهو محمول على من لم يكن معه هدي، ولكنّه يتوقّع المكنة. فهذا يجب عليه الصبر. وأمّا من لم يكن معه، ولم يتوقّع المكنة، فعليه ما تقدّم من صوم اليوم السّابع والثّامن والتّاسع ومع التّأخير بعد أيّام التّشريق.

ويجب فيه التّتابع.

روى في الكافي(٣) ، عن عدّة من أصحابنا، عن أحمد بن محمّد [بن عيسى](٤) ، عن الحسن(٥) بن عليّ الوشاء، عن أبان، عن الحسين بن زيد، عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ قال: السّبعة الأيّام والثّلاثة. الأيّام في الحجّ، لا تفرّق(٦) . إنّما هي بمنزلة الثّلاثة الأيّام في اليمين.

( وَسَبْعَةٍ إِذا رَجَعْتُمْ ) إلى أهليكم.

وقرئ سبعة (بالنّصب) عطفا على محلّ «ثلاثة أيّام» وإذا أقام بمكّة صبر. فإذا ظنّ أنّ رفقاءه وصلوا إلى بلده، صام السّبعة.

روى في الكافي(٧) ، عن عدّة من أصحابنا، عن سهل بن زياد، عن أحمد بن محمّد بن أبي نصر، عن عبد الكريم، عن أبي بصير قال: سألته عن رجل تمتّع فلم يجد هديا، فصام الثّلاثة الأيّام، فلمّا قضى نسكه بدا له أن يقيم بمكّة.

قال: ينظر(٨) مقدم أهل بلاده. فإذا ظنّ أنّهم قد دخلوا، فليصم السّبعة الأيّام.

وإذا صام الثّلاثة ومات قبل وصوله إلى بلده، لم يقض عنه وليّه إلّا استحبابا.

روى في الكافي(٩) ، عن عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن حمّاد ،

__________________

(١) نفس المصدر ٤ / ٥٠١، ح ١٦.

(٢) كذا في النسخ. وفي المصدر: الكوفي. وهما شخص واحد، (ر. معجم رجال الحديث ٢ / ١٤٢)

(٣) نفس المصدر ٤ / ١٤٠، ح ٣.

(٤) ليس في المصدر.

(٥) النسخ: الحسين. وما في المتن موافق المصدر.

(٦) المصدر: يفرق.

(٧) نفس المصدر ٤ / ٥٠٩، ح ٨.

(٨) المصدر: ينتظر.

(٩) نفس المصدر ونفس الموضع، ح ١٣.

٢٨٢

عن الحلبيّ، عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ أنّه سئل عن رجل يتمتّع بالعمرة إلى الحجّ، ولم يكن له هدي، فصام ثلاثة أيّام في الحجّ، ثمّ مات بعد ما رجع إلى أهله قبل أن يصوم السّبعة الأيّام، أعلى وليّه أن يقضي عنه؟

قال: ما أرى عليه قضاء.

وأمّا ما رواه فيه(١) عن «عدّة من أصحابنا، عن أحمد بن محمّد، عن الحسين بن سعيد، عن فضالة بن أيّوب، عن معاوية بن عمّار، قال: من مات ولم يكن له هدى لمتعته، فليصم عنه وليّه»، فحمله في الفقيه(٢) على الاستحباب. ويمكن حمله على أنّه إذا ما تمكّن ولم يصم حتّى مات وإذا صام الثّلاثة الأيّام ثمّ وجد الهدي، وجب.

روى في الكافي(٣) ، عن محمّد بن يحيى، عن محمّد بن الحسين، عن محمّد بن عبد الله بن هلال، عن عقبة بن خالد قال: سألت أبا عبد الله ـ عليه السّلام ـ عن رجل تمتّع وليس معه ما يشتري به هديا.

فلمّا أن صام ثلاثة أيّام في الحجّ، أيسر ان يشترى هديا فينحره؟ أو يدع ذلك ويصوم سبعة أيّام إذا رجع إلى أهله؟

قال: يشتري هديا فينحره. ويكون صيامه الّذي صامه نافلة له.

ولا ينافيه ما رواه عن «أحمد بن محمّد(٤) بن أبي نصر، عن عبد الكريم، عن أبي بصير، عن أحدهما ـ عليهما السّلام ـ قال: سألته عن رجل تمتّع. فلم يجد هديا(٥) . إذا كان يوم النفر وجد ثمن شاة. أيذبح؟ أو يصوم؟.

قال: بل يصوم فإنّ أيّام الذّبح قد مضت.»

فإنه محمول على ما إذا صام الأيّام الثّلاثة ومضى وقت الذّبح. وأمّا إذا لم يصم الثّلاثة، فعليه الذّبح. وكذا إذا لم يصم الثّلاثة حتّى انقضى ذو الحجّة. يدلّ على ذلك ما رواه عليّ بن إبراهيم(٦) ، عن أبيه، عن أبن أبي عمير، عن حفص بن البختريّ، عن منصور، عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام. قال: من لم يصم في ذي الحجّة حتّى يهلّ هلال المحرّم، فعليه دم شاة. فليس له صوم ويذبح بمنى.

( تِلْكَ عَشَرَةٌ ) : فذلكة الحساب. وفائدتها أن لا يتوهّم أنّ «الواو» بمعنى «او» ،

__________________

(١) نفس المصدر ونفس الموضع، ح ١٢.

(٢) من لا يحضره الفقيه ٢ / ٣٠٣، ذيل ح ١٥٠٥.

(٣) الكافي ٤ / ٥١٠، ح ١٤.

(٤) نفس المصدر ٤ / ٥٠٩، ح ٩.

(٥) المصدر: ما يهدي به حتى.

(٦) نفس المصدر ونفس الموضع، ح ١٠.

٢٨٣

نحو: جالس الحسن وابن سرين وأن يعلم(١) العدد جملة، كما علم تفصيلا. فإنّ أكثر العرب لم يحسنوا الحساب.

وأنّ المراد بالسّبعة، هو العدد دون الكثرة. فإنّه يطلق لهما.

( كامِلَةٌ ) :

صفة مؤكّدة تفيد المبالغة في محافظة العدد، او مبينة كمال العشرة. فإنّه أوّل عدد كامل. إذ به تنتهي الآحاد وتتمّ مراتبها، أو مقيّدة تفيد كمال بدليّتها من «الهدى.»

في تهذيب الأحكام(٢) : موسى بن القسم(٣) ، عن محمّد عن زكريّا المؤمن، عن عبد الرّحمن بن عتبة، عن عبد الله بن سليمان الصّيرفيّ قال: قال أبو عبد الله ـ عليه السّلام ـ لسفيان الثّوريّ: ما تقول في قول الله تعالى:( فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ، إِلَى الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيامُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ وَسَبْعَةٍ إِذا رَجَعْتُمْ تِلْكَ عَشَرَةٌ كامِلَةٌ ) ؟ أيّ شيء يعني بكاملة؟

قال: سبعة وثلاثة.

قال: ويختل ذا على ذي حجا أنّ سبعة وثلاثة، عشرة.

قال: فأيّ شيء هو؟ أصلحك الله! قال: انظر! قال: لا علم لي. فأيّ شيء هو؟ أصلحك الله.

قال: الكاملة(٤) ، كما لها، كمال الاضحيّة، سواء أتيت بها، أو لم تأت، فالاضحيّة تمامها كمال الأضحيّة.

( ذلِكَ ) ، أي: التّمتّع [لمن لم يكن أهله حاضري المسجد الحرام ،](٥) إذ لا متعة لحاضري المسجد الحرام.

في الكافي(٦) : محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد، عن عليّ بن الحكم، عن عليّ بن أبي حمزة، عن أبي بصير، عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ قال: قلت: لأهل مكّة متعة(٧) ؟

__________________

(١) أ: لم يعلم.

(٢) تهذيب الأحكام ٥ / ٤٠، ح ١٢٠.

(٣) أو المصدر: القاسم.

(٤) المصدر: الكامل.

(٥) ليس في أ.

(٦) الكافي ٤ / ٢٩٩، ح ٢.

(٧) أ: هل متعت.

٢٨٤

قال: لا. ولا لأهل بستان. ولا لأهل ذات عرق. ولا لأهل عسفان، ونحوها.

عدّة من أصحابنا، عن سهل بن زياد، عن أحمد بن محمد بن أبي نصر، عن عبد الكريم بن عمرو، عن سعيد الأعرج، عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ قال: ليس لأهل سرف ولا لأهل مرّ(١) ولا لأهل مكّة متعة، لقول الله ـ عزّ وجلّ:( لِمَنْ لَمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرامِ ) :(٢)

عليّ بن إبراهيم(٣) ، عن أبيه، عن حمّاد بن عيسى، عن حريز، عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ في قول الله ـ عزّ وجلّ ـ( ذلِكَ لِمَنْ لَمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرامِ ) قال: من كان منزله على ثمانية عشر ميلا من بين يديها(٤) وثمانية عشر ميلا من خلفها وثمانية عشر ميلا عن يمينها وثمانية عشر ميلا عن يسارها، فلا متعة له مثل مرّ وأشباهها.

عليّ بن إبراهيم(٥) ، عن أبيه، عن ابن أبى عمير، عن داود، عن حمّاد قال: سألت أبا عبد الله ـ عليه السّلام ـ عن أهل مكّة، أيتمتّعون؟

قال: ليس لهم متعة.

قلت: فالقاطن بها؟

قال: إذا أقام بها سنة أو سنتين صنع ما(٦) يصنع(٧) اهل مكّة.

قلت: فان مكث الشّهر؟

قال: يتمتّع.

قلت: من أين؟

قال: يخرج من الحرم.

قلت: أين يهلّ بالحجّ؟

قال من مكّة نحوا ممّا يقول النّاس.

__________________

(١) أ: مرو.

(٢) يوجد في أ، بعد ذكر الآية: أي: لم يكن منزله في أطراف مكّة. في الكافي: روى» وشطب عليه في الأصل وغير موجود في ر.

(٣) نفس المصدر ٤ / ٣٠٠، ح ٣.

(٤) كذا في المصدر. وفي النسخ: يديه.

(٥) نفس المصدر، نفس الموضع، ح ٤.

(٦) ليس في المصدر.

(٧) المصدر: صنع. (ظ)

٢٨٥

محمّد بن يحيى(١) ، عن أحمد بن محمّد ابن أبي نصر قال: سألت أبا جعفر ـ عليه السّلام ـ في السّنة الّتي حجّ فيها. وذلك في سنة اثنتي عشرة ومائتين. فقلت: جعلت فداك! بأيّ شيء دخلت مكّة مفردا أو متمتّعا؟

فقال: متمتّعا.

فقلت له: أيّما(٢) أفضل؟ المتمتّع بالعمرة إلى الحجّ، أو من أفرد وساق الهدي؟

فقال: كان أبو جعفر ـ عليه السّلام ـ يقول: المتمتّع بالعمرة إلى الحجّ أفضل من المفرد السّائق للهدي. وكان يقول: ليس يدخل الحاجّ بشيء أفضل من المتعة.

[وفي كتاب الخصال(٣) ، عن الأعمش، عن جعفر بن محمّد ـ عليه السّلام ـ قال: هذه شرائع الدّين ـ إلى أن قال عليه السّلام ـ ولا يجوز القران والافراد إلّا لمن كان أهله حاضري المسجد الحرام].(٤)

( وَاتَّقُوا اللهَ ) في المحافظة على أوامره ونواهيه مطلقا وخصوصا في الحجّ.

( وَاعْلَمُوا أَنَّ اللهَ شَدِيدُ الْعِقابِ ) (١٩٦) لمن لم يتّقه ليصدّكم العلم به عن العصيان.

( الْحَجُ ) أو وقته، كقولك: البرد شهران.

( أَشْهُرٌ مَعْلُوماتٌ ) : معروفات. وهي شوّال وذو القعدة وعشر من ذي الحجّة.

وسمّي شهرين. وبعض شهر أشهرا إقامة البعض مقام الكلّ، أو إطلاق الجمع على ما فوق الواحد، أو الكلام بمعنى أن ليس لأحد أن يحجّ فيما سواهنّ كما في الخبر.

( فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَ ) : فمن أوجبه على نفسه بالإحرام فيهنّ،( فَلا رَفَثَ ) : فلا جماع،( وَلا فُسُوقَ ) :

والفسوق: الكذب.

( وَلا جِدالَ فِي الْحَجِ ) :

والجدال، قول «لا والله» و «بلى والله.»

في الكافي(٥) : عدّة من أصحابنا، عن سهل بن زياد، عن أحمد بن محمّد بن أبي نصر ،

__________________

(١) نفس المصدر ٤ / ٢٩٢، ح ١١.

(٢) النسخ: أيّها.

(٣) الخصال ٢ / ٦٠٦، ح ٩.

(٤) ما بين المعقوفتين ليس في أ.

(٥) الكافي ٤ / ٢٨٩، ح ١.

٢٨٦

عن مثنّى الحناط، عن زرارة، عن أبي جعفر ـ عليه السّلام ـ قال: الحجّ أشهر معلومات: شوّال وذو القعدة وذو الحجّة. ليس لأحد أن يحجّ فيما سواهن.

عليّ بن إبراهيم(١) ، عن أبيه، ومحمّد بن إسماعيل، عن الفضل بن شاذان، جميعا، عن ابن أبي عمير، عن معاوية بن عمّار، عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ في قول الله ـ عزّ وجلّ ـ( الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُوماتٌ فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ ) . والفرض التّلبية والإشعار والتّقليد فأيّ ذلك فعل فقد فرض الحجّ. ولا يفرض الحجّ إلّا في هذه الشّهور الّتي قال الله ـ عزّ وجلّ ـ( الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُوماتٌ ) . وهو شوّال وذو القعدة وذو الحجّة.

عليّ بن إبراهيم(٢) ، بإسناده قال: أشهر الحجّ شوّال وذو القعدة وعشر من ذي الحجّة.

وفي من لا يحضره الفقيه(٣) : روى معاوية بن عمّار، عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ قال: الحجّ أشهر معلومات: شوّال وذو القعدة وذو الحجّة فمن أراد الحجّ وفر شعره إذا نظر إلى هلال ذو القعدة. ومن أراد العمرة وفر شعره شهرا.

وفي مجمع البيان(٤) : وأشهر الحجّ عندنا: شوّال وذو القعدة وعشر من ذي الحجّة، على ما روى عن أبي جعفر ـ عليه السّلام

وقيل: هي شوّال وذو القعدة وذو الحجّة (عن عطاء والرّبيع وطاوس وروى ذلك في أخبارنا.)

وفي الكافي(٥) : عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن إسماعيل بن مرار، عن يونس، عن سماعة، عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ قال: أشهر الحجّ: شوّال وذو القعدة وذو الحجّة.

والحديث طويل. أخذنا منه موضع الحاجة.

عليّ بن إبراهيم(٦) ، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن ابن أذينة. قال: قال أبو عبد الله ـ عليه السّلام: من أحرم بالحجّ في غير أشهر الحجّ، فلا حج له.

عليّ بن إبراهيم(٧) ، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن حمّاد بن عثمان، عن الحلبيّ ،

__________________

(١) نفس المصدر ونفس الموضع، ح ٢.

(٢) نفس المصدر ٤ / ٢٩٠، ح ٣.

(٣) من لا يحضره الفقيه ٢ / ١٩٧، ح ١.

(٤) مجمع البيان ١ / ٢٩٣.

(٥) الكافي ٤ / ٣٠٣، قطعة من ح ١٠.

(٦) نفس المصدر ٤ / ٣٢٢، ح ٤.

(٧) نفس المصدر ٤ / ٣٣٧، ح ١.

٢٨٧

عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ في قوله ـ سبحانه وتعالى ـ( الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُوماتٌ فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلا رَفَثَ وَلا فُسُوقَ وَلا جِدالَ فِي الْحَجِ ) فقال: إنّ الله اشترط على النّاس شرطا. وشرط لهم شرطا.

قلت: فما الّذي اشترط عليهم؟ وما الّذي شرط لهم؟

فقال: أمّا الّذي شرط عليهم فإنّه قال:( الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُوماتٌ. فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلا رَفَثَ وَلا فُسُوقَ وَلا جِدالَ فِي الْحَجِّ ) . وأمّا ما شرط لهم، فإنّه قال:( فَمَنْ تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ وَمَنْ تَأَخَّرَ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ لِمَنِ اتَّقى ) . قال: يرجع لا ذنب له.

قال قلت له: أرأيت من ابتلى بالفسوق ما عليه؟

قال: لم يجعل الله له حدّا. يستغفر الله. ويلبّي.

قلت: فمن ابتلى بالجدال ما عليه؟

قال: إذا جادل فوق مرّتين، فعلى المصيب دم يهريقه، وعلى المخطئ بقرة.

عليّ بن إبراهيم(١) ، عن أبيه، عن ابن أبي عمير. ومحمّد بن إسماعيل، عن الفضل بن شاذان، عن صفوان بن يحيى. وابن أبي عمير، جميعا، عن معاوية بن عمّار قال: قال أبو عبد الله ـ عليه السّلام ـ إذا أحرمت، فعليك بتقوى الله وذكر الله كثيرا وقلّة الكلام إلّا بخير. فإنّ من تمام الحجّ والعمرة أن يحفظ المرء لسانه إلّا من خير، كما قال الله تعالى. فإنّ الله ـ عزّ وجلّ ـ يقول:( فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلا رَفَثَ وَلا فُسُوقَ وَلا جِدالَ فِي الْحَجِّ ) .

والرّفث الجماع والفسوق الكذب والسّباب. والجدال قول الرّجل «لا والله» و «بلى والله.» واعلم أنّ الرّجل إذا حلف بثلاث(٢) أيمان ولاء في مقام واحد وهو محرم، فقد جادل. فعليه دم يهريقه ويتصدّق به. وإذا حلف يمينا واحدة كاذبة، فقد جادل. وعليه دم يهريقه ويتصدّق به.

وقال: سألته عن الرّجل يقول: «لا لعمري» و «بلى لعمري.» قال: ليس هذا من الجدال. إنّما الجدال «لا والله» و «بلى والله.»

الحسين بن محمّد(٣) ، عن معلّى بن محمّد، عن الحسين(٤) بن عليّ، عن أبان بن عثمان، عن أبي بصير، عن أحدهما ـ عليهما السّلام ـ قال: إذا حلف ثلاث أيمان

__________________

(١) نفس المصدر ونفس الموضع، ح ٣.

(٢) كذا في المصدر. وفي النسخ: بثلاثة.

(٣) نفس المصدر ٤ / ٣٣٨، ح ٤.

(٤) المصدر: الحسن.

٢٨٨

متتابعات صادقا فقد جادل. وعليه دم. وإذا حلف بيمين واحدة كاذبة، فقد جادل وعليه دم.

أبو عليّ الأشعريّ(١) عن محمّد بن عبد الجبّار، عن صفوان، عن عبد الله بن مسكان، عن أبي بصير. قال: سألته عن المحرم يريد أن يعمل العمل فيقول لصاحبه(٢) : «والله لا تعمله.» فيقول: «والله لأعملنّه». فيحالفه مرارا أيلزمه ما يلزم الجدال؟

قال: لا. إنما أراد بهذا إكرام أخيه. إنّما ذلك ما كان فيه معصية.

عدّة من أصحابنا(٣) ، عن أحمد بن محمّد، عن الحسين بن سعيد، عن فضالة بن أيّوب، عن أبي المغرا، عن سليمان بن خالد قال: سمعت أبا عبد الله ـ عليه السّلام ـ يقول: في الجدال شاة. وفي السّباب والفسوق بقرة. والرّفث فساد الحجّ.

( وَما تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ يَعْلَمْهُ اللهُ ) : حثّ على الخير عقيب النّهي عن الشّرّ، يستبدل به، ويستعمل مكانه.

( وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوى ) : وتزوّدوا لمعادكم التّقوى. فإنّه خير زاد.

وقيل(٤) : نزلت في أهل اليمن. كانوا يحجّون ولا يتزّودون ويقولون: نحن متوكّلون.

فيكونون كلّا على النّاس. فأمروا أن يتزوّدوا ويتّقوا الإبرام في السّؤال والتّثقيل على النّاس.

وفي نهج البلاغة(٥) : أوصيكم عباد الله بتقوى الله الّتي هي الزّاد وبها المعاد(٦)

( وَاتَّقُونِ يا أُولِي الْأَلْبابِ ) (١٩٧): فإنّ قضيّة اللّبّ خشية وتقوى، حثّهم على التّقوى. ثمّ أمرهم بأن يكون المقصود بها هو الله، فيتبرّؤوا عن كلّ شيء سواه. وهو مقتضى العقل المعرّى(٧) عن شوائب الهوى. فلذا خصّ أولي الألباب، بهذا الخطاب.

( لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُناحٌ أَنْ تَبْتَغُوا ) : في أن تطلبوا.

( فَضْلاً مِنْ رَبِّكُمْ ) : عطاء ورزقا منه يريد به الرّبح في التّجارة.

في مجمع البيان(٨) :( لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُناحٌ أَنْ تَبْتَغُوا فَضْلاً مِنْ رَبِّكُمْ ) ، قيل: كانوا يتأثمون بالتّجارة في الحجّ.

__________________

(١) نفس المصدر ونفس الموضع، ح ٥.

(٢) أو المصدر: له صاحبه.

(٣) نفس المصدر ٤ / ٣٣٩، ح ٦.

(٤) الكشاف ١ / ٢٤٤+ أنوار التنزيل ١ / ١٠٨.

(٥) نهج البلاغة / ١٦٩، ضمن خطبة ١١٤.

(٦) المصدر: المعاذ.

(٧) أ: العريّ.

(٨) مجمع البيان ١ / ٢٩٥.

٢٨٩

فرفع سبحانه بهذا اللّفظ(١) الإثم عمّن يتّجر في الحجّ. ـ عن ابن عبّاس و [هو](٢) المرويّ عن أئمّتنا ـ عليهم السّلام

ـ وقيل: [معناه](٣)

لا جناح عليكم أن تطلبوا المغفرة من ربّكم ـ رواه جابر عن أبي جعفر ـ عليه السّلام.

( فَإِذا أَفَضْتُمْ مِنْ عَرَفاتٍ ) : دفعتم منها بكثرة ـ من أفضت الماء إذا صببته بكثرة.

وأصله أفضتم أنفسكم. فحذف المفعول، كما حذف في دفعت من البصرة.

وعرفات، جمع سمّي به، كأذرعات. وإنّما نوّن وكسر. وفيه العلميّة والتأنيث.

لأنّ تنوين الجمع تنوين المقابلة لا تنوين التّمكّن. ولذلك يجتمع مع اللام وذهاب الكسرة يتبع ذهاب التّنوين من غير عوض لعدم الصّرف وهاهنا ليس كذلك. أو لأنّ التأنيث إمّا أن يكون بالتّاء المذكورة وهي ليست تاء تأنيث وإنّما هي مع الألف الّتي قبلها علامة جمع المؤنّث، أو بتاء مقدّرة كما في سعاد. ولا يصحّ تقديرها. لأنّ المذكورة تمنعه من حيث أنّها كالبدل لها، لاختصاصها بالمؤنّث، كتاء بنت.

وإنّما سمّي الموقف عرفة لأنّه نعت لإبراهيم ـ عليه السّلام ـ فلمّا أبصره عرفه ـ روى ذلك عن علىّ عليه السّلام

(٤) ـ أو لأنّ جبرئيل كان يدور به في المشاعر. فلمّا أراه قال: قد عرفت.

أو لأنّ آدم وحوّاء التقيا فيه، فتعارفا ـ رواه أصحابنا أيضا(٥) . أو لأنّ النّاس يتعارفون فيه(٦) .

وفي كتاب علل الشّرائع(٧) ، بإسناده إلى معاوية بن عمّار وقال: سألت أبا عبد الله ـ عليه السّلام ـ عن عرفات: لم سمّيت عرفات؟

فقال: إنّ جبرئيل ـ عليه السّلام ـ خرج بإبراهيم ـ صلوات الله عليه ـ يوم عرفة. فلمّا زالت الشّمس قال له جبرئيل ـ عليه السّلام: «يا إبراهيم! اعترف بذنبك. واعرف مناسكك.» فسمّيت عرفات لقول جبرئيل ـ عليه السّلام ـ له: «اعترف(٨) .» فاعترف.

وفي الكافي(٩) ، بإسناده إلى أبي بصير، أنّه سمع أبا جعفر وأبا عبد الله ـ عليهما السّلام ـ يذكران أنّه قال جبرئيل ـ عليه السّلام ـ لإبراهيم ـ عليه السّلام: «هذه عرفات.

__________________

(١) المصدر: فرفع الله بهذه اللفظة.

(٢ و ٣) يوجد في المصدر. (٤) مجمع البيان ١ / ٢٩٥. (٥) نفس المصدر ونفس الموضع.

(٦) الكشاف ١ / ٢٤٦+ أنوار التنزيل ١ / ١٠٩. (٧) علل الشرائع ٢ / ٤٣٦، ح ١.

(٨) المصدر: اعترف. اعترف. (٩) الكافي ٤ / ٢٠٧، ح ٩.

٢٩٠

فاعرف بها مناسكك. واعترف بذنبك.» فسمّي عرفات.

والحديث طويل. أخذت منه موضع الحاجة.

( فَاذْكُرُوا اللهَ ) بالتّلبيه والتّهليل والدّعاء. [وقيل(١) : بصلاة العشاءين]( عِنْدَ الْمَشْعَرِ الْحَرامِ ) : قيل(٢) : جبل. ويسمّى قزح. وقيل: ما بين مأزمي عرفة ووادي محسّر. و [إنّما] سمّى(٣) مشعرا لأنّه معلم العبادة. ووصف بالحرام لحرمته. ومعنى( عِنْدَ الْمَشْعَرِ الْحَرامِ ) ، ممّا يليه ويقرب منه. فإنّه أفضل.

( وَاذْكُرُوهُ كَما هَداكُمْ ) : كما علّمكم. و «ما» مصدريّة أو كافّة.

( وَإِنْ كُنْتُمْ مِنْ قَبْلِهِ ) ، أي: الهدى.

( لَمِنَ الضَّالِّينَ ) (١٩٨): الجاهلين بالإيمان والطّاعة. و «إن» هي المخفّفة. و «اللّام» هي الفارقة.

وقيل(٤) : «إن» نافية. و «اللّام» بمعنى «إلّا»، كقوله(٥) ، وإن نظنّك لمن الكاذبين.

( ثُمَّ أَفِيضُوا مِنْ حَيْثُ أَفاضَ النَّاسُ ) :

في مجمع البيان(٦) :( مِنْ حَيْثُ أَفاضَ النَّاسُ ) قيل فيه قولان: أحدهما أنّ المراد به الإفاضة من عرفات(٧) . فإنّه امر لقريش وحلفائهم وهو الخمس لأنّهم كانوا لا يقفون مع النّاس بعرفة، ولا يفيضون منها. ويقولون: نحن أهل حرم الله. فلا نخرج منه. وكانوا يقفون بالمزدلفة، ويفيضون منها. فأمرهم الله بالوقوف بعرفة والإفاضة منها، كما يفيض النّاس. وأراد(٨) بالنّاس سائر العرب. وهو المروىّ عن الباقر ـ عليه السّلام.

والثّاني أنّ المراد به الإفاضة من المزدلفة إلى منى، يوم النّحر، قبل طلوع الشّمس، للرّمي والنّحر.

__________________

(١) أنوار التنزيل ١ / ١٠٩.

(٢) نفس المصدر ونفس الموضع.

(٣) يوجد في المصدر.

(٤) أنوار التنزيل ١ / ١٠٩.

(٥) الشعراء / ١٨٦.

(٦) مجمع البيان ١ / ٢٩٦.

(٧) يوجد بعد هذه الكلمة في النسخ: وأراد بالناس سائر العرب.

(٨) المصدر: المراد.

٢٩١

قال: وممّا يسأل على القول الأوّل أن يقال: إذا كان «ثمّ» للتّرتيب، فما معنى التّرتيب هاهنا؟ وقد روى أصحابنا في جوابه: أنّ هاهنا تقديما وتأخيرا. وتقديره:( لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُناحٌ أَنْ تَبْتَغُوا فَضْلاً مِنْ رَبِّكُمْ ثُمَّ أَفِيضُوا مِنْ حَيْثُ أَفاضَ النَّاسُ فَإِذا أَفَضْتُمْ مِنْ عَرَفاتٍ فَاذْكُرُوا اللهَ عِنْدَ الْمَشْعَرِ الْحَرامِ وَاسْتَغْفِرُوا اللهَ إِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ ) .

وفي تفسير العيّاشيّ(١) : عن زيد الشّحّام، عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ قال: سألته عن قول الله:( أَفِيضُوا مِنْ حَيْثُ أَفاضَ النَّاسُ ) قال: أولئك قريش. كانوا يقولون نحن أولى النّاس بالبيت. ولا يفيضون إلّا(٢) من المزدلفة: فأمرهم الله أن يفيضوا من عرفة.

وعن رفاعة(٣) ، عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام. قال سألته عن قول الله:( ثُمَّ أَفِيضُوا مِنْ حَيْثُ أَفاضَ النَّاسُ ) . قال: إنّ أهل الحرم كانوا يقفون على المشعر الحرام ويقف النّاس بعرفة ولا يفيضون حتّى يطلع عليهم أهل عرفة. وكان رجل يكنّى أبا سيّار. وكان له حمار فاره. وكان يسبق أهل عرفة. فإذا طلع عليهم قالوا: هذا أبو سيّار. ثمّ أفاضوا. فأمرهم الله(٤) أن يقفوا بعرفة وأن يفيضوا منه.

وعن معاوية بن عمّار(٥) ، عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ في قوله:( ثُمَّ أَفِيضُوا مِنْ حَيْثُ أَفاضَ النَّاسُ ) . قال: هم أهل اليمن.

وفي روضة الكافي(٦) : ابن محبوب، عن عبد الله بن غالب، عن أبيه، عن سعيد بن المسيّب قال: سمعت عليّ بن الحسين ـ عليهما السّلام ـ يقول: إنّ رجلا جاء إلى أمير المؤمنين ـ عليه السّلام ـ فقال: أخبرني إن كنت عالما، عن النّاس وعن أشباه النّاس وعن النّسناس.

فقال أمير المؤمنين ـ عليه السّلام: يا حسين! أجب الرّجل.

فقال الحسين ـ عليه السّلام: أمّا قولك أخبرني عن النّاس، فنحن النّاس.

ولذلك قال الله ـ تبارك وتعالى ذكره ـ في كتابه:( ثُمَّ أَفِيضُوا مِنْ حَيْثُ أَفاضَ النَّاسُ ) .

فرسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ الّذي أفاض بالنّاس. وأمّا قولك عن(٧) أشباه النّاس ،

__________________

(١) تفسير العيّاشي ١ / ٩٦، ح ٢٦٣.

(٢) ليس في ر.

(٣) نفس المصدر ١ / ٩٧، ح ٢٦٤.

(٤) «قالوا هذا أبو سيّار ثم أفاضوا فأمرهم الله» ليس في ر.

(٥) نفس المصدر ١ / ٩٨، ح ٢٦٩. وفيه جابر بدل معاوية بن عمار.

(٦) الكافي ٨ / ٢٤٤، ح ٣٣٩.

(٧) ليس في المصدر.

٢٩٢

فهم شيعتنا. وهم موالينا. وهم منّا. ولذلك قال إبراهيم ـ عليه السّلام:( فَمَنْ تَبِعَنِي فَإِنَّهُ مِنِّي ) . وأمّا قولك عن(١) النّسناس، فهم السّواد الأعظم. وأشار بيده إلى جماعة النّاس. ثمّ قال:( إِنْ هُمْ إِلَّا كَالْأَنْعامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلاً ) .(٢)

( وَاسْتَغْفِرُوا اللهَ ) من جاهليّتكم في تغيير المناسك.

( إِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ ) (١٩٩): يغفر ذنب المستغفر وينعم عليه.

وفي الكافي(٣) : عليّ بن إبراهيم، عن أبيه ومحمّد بن إسماعيل، عن الفضل بن شاذان، عن ابن أبي عمير، عن معاوية بن عمّار، عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ قال في حديث طويل: ونزل رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ بمكّة بالبطحا، هو وأصحابه. ولم ينزلوا الدّور. فلمّا كان يوم التّروية عند زوال الشّمس، أمر النّاس أن يغتسلوا ويهلّوا بالحجّ. وهو قول الله تعالى الّذي أنزل الله تعالى على نبيّه ـ صلّى الله عليه وآله(٤) :( فَاتَّبِعُوا مِلَّةَ إِبْراهِيمَ ) . فخرج النّبيّ ـ صلّى الله عليه وآله ـ وأصحابه مهلّين بالحجّ، حتّى أتى منّى. فصلّى الظّهر والعصر والمغرب والعشاء الآخرة والفجر ثمّ غدا والنّاس معه.

وكانت قريش تفيض من المزدلفة. وهي جمع. ويمنعون النّاس أن يفيضوا منها. فأقبل رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ وقريش ترجو أن يكون(٥) إفاضته من حيث كانوا يفيضون. فأنزل الله تعالى:( ثُمَّ أَفِيضُوا مِنْ حَيْثُ أَفاضَ النَّاسُ وَاسْتَغْفِرُوا اللهَ ) ، يعني: إبراهيم وإسماعيل وإسحاق في إفاضتهم منها ومن كان بعدهم.

فلمّا رأت قريش أنّ قبّة رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ قد مضت كأنّه دخل في أنفسهم شيء للّذي كانوا يرجون من الإفاضة(٦) من مكانهم حتّى انتهى إلى نمرة وهي بطن عرنة بحيال الأراك. فضربت قبّته. وضرب النّاس أخبيتهم عندها. فلمّا زالت الشّمس خرج رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ ومعه قريش وقد اغتسل وقطع التّلبية حتّى وقف بالمسجد. فوعظ النّاس. وأمرهم. ونهاهم ثمّ صلّى الظّهر والعصر بأذان وإقامتين. ثمّ مضى إلى الموقف. فوقف به. فجعل النّاس يبتدرون(٧) أخفاف ناقته يقفون إلى

__________________

(١) ليس في المصدر.

(٢) الفرقان / ٤٤.

(٣) نفس المصدر ٤ / ٢٤٧، ح ٤.

(٤) آل عمران / ٩٥.

(٥) ر: تكون. (ظ)

(٦) أ: إفاضته.

(٧) أ: يتدبّرون.

٢٩٣

جانبها. فنحّاها. ففعلوا مثل ذلك. فقال: أيّها النّاس! ليس موضع أخفاف ناقتي بالموقف.

ولكن هذا كلّه.

وأو مأبيده إلى الموقف. فتفرّق النّاس. وفعل مثل ذلك بالمزدلفة. فوقف النّاس حتّى وقع قرص الشّمس. ثمّ أفاض. وأمر النّاس بالدّعة حتّى انتهى إلى المزدلفة. وهي المشعر الحرام.

عليّ بن إبراهيم(١) ، عن أبيه ومحمّد بن إسماعيل، عن الفضل بن شاذان، عن صفوان بن يحيى، عن معاوية بن عمّار قال: قال أبو عبد الله ـ عليه السّلام: إنّ المشركين كانوا يفيضون من قبل أن تغيب الشّمس. فخالفهم رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله.

وأفاض(٢) بعد غروب الشّمس.

قال: وقال أبو عبد الله ـ عليه السّلام: إذا غربت الشّمس فأفض مع النّاس.

وعليك السّكينة والوقار. وأفض بالاستغفار. فان الله ـ عزّ وجلّ ـ يقول:( ثُمَّ أَفِيضُوا مِنْ حَيْثُ أَفاضَ النَّاسُ وَاسْتَغْفِرُوا اللهَ إِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ ) .

والحديث طويل. أخذت منه موضع الحاجة.

( فَإِذا قَضَيْتُمْ مَناسِكَكُمْ ) : فإَذا أدّيتم العبادات الحجّيّة وفرغتم منها،( فَاذْكُرُوا اللهَ كَذِكْرِكُمْ آباءَكُمْ ) : فأكثروا ذكره. وبالغوا فيه، كما تفعلون بذكر آبائكم في المفاخرة.

( أَوْ أَشَدَّ ذِكْراً ) :

إمّا مجرور معطوف على «الذّكر» بجعل الذّكر ذاكرا على المجاز. والمعنى: فاذكروا الله ذكرا، كذكركم آبائكم، أو كذكر أشدّ منه وأبلغ.

أو على ما أضيف إليه بمعنى: أو كذكر قوم أشدّ منكم ذكرا، وإمّا منصوب بالعطف على آبائكم. وذكر من فعل المذكور بمعنى: أو كذكركم أشدّ مذكورا من آبائكم.

أو بمضمر دلّ عليه المعنى، تقديره: أو كونوا أشدّ ذكرا لله منكم لآبائكم.

في الكافي(٣) : أبو عليّ الأشعريّ، عن محمّد بن عبد الجبّار، عن صفوان بن يحيى، عن

__________________

(١) نفس المصدر ونفس الموضع، ح ٣.

(٢) المصدر: فأفاض.

(٣) نفس المصدر ٤ / ٥١٦، ح ٣.

٢٩٤

منصور بن حازم، عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ في قول الله ـ سبحانه وتعالى:( وَاذْكُرُوا اللهَ فِي أَيَّامٍ مَعْدُوداتٍ ) قال: هي أيّام التّشريق. كانوا إذا أقاموا بمنى بعد النّحر تفاخروا.

فقال الرّجل منهم: كان أبي يفعل كذا وكذا. فقال الله تعالى:( فَإِذا أَفَضْتُمْ مِنْ عَرَفاتٍ ) ( ... فَاذْكُرُوا اللهَ كَذِكْرِكُمْ آباءَكُمْ أَوْ أَشَدَّ ذِكْراً ) .

قال: والتّكبير، الله أكبر. الله أكبر. لا إله إلّا الله. والله أكبر.

الله أكبر. ولله الحمد. الله أكبر على ما هدانا. الله أكبر على ما رزقنا من بهيمة الأنعام.»

وفي مجمع البيان(١) :( كَذِكْرِكُمْ آباءَكُمْ ) معناه ما روى عن أبي جعفر الباقر ـ عليه السّلام ـ أنّهم كانوا إذا فرغوا من الحجّ يجتمعون(٢) هناك. ويعدّون مفاخر آبائهم ومآثرهم. ويذكرون أيّامهم القديمة وأياديهم الجسيمة. فأمرهم الله سبحانه أن يذكروه مكان ذكر آبائهم في هذا الموضع أو أشدّ ذكرا ويزيدوا على ذلك بأن يذكروا نعم الله سبحانه ويعدّوا آلاءه ويشكروا نعمائه. لأنّ آباءهم وإن كانت لهم عليهم أياد ونعم.

فنعم الله سبحانه عليهم أعظم وأياديه عندهم أفخم. ولأنّه سبحانه المنعم. لتلك المآثر والمفاخر على آبائهم وعليهم.

وفي تفسير عليّ بن إبراهيم(٣) :( فَاذْكُرُوا اللهَ كَذِكْرِكُمْ آباءَكُمْ أَوْ أَشَدَّ ذِكْراً ) قال :

كانت العرب إذا وقفوا بالمشعر يتفاخرون بآبائهم فيقول: «لا وأبيك. لا وأبي.» فأمرهم(٤) الله لأن يقولوا: «لا والله. وبلى والله.»

وفي تفسير العيّاشيّ(٥) : عن زرارة، عن أبي جعفر ـ عليه السّلام ـ مثله، بدون لفظ «يتفاخرون بآبائهم.»

( فَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ ) : تفصيل للذّاكرين إلى مقلّ لا يطلب بذكر الله إلّا الدّنيا ومكثر يطلب به خير الدّارين. أريد به الحثّ على الإكثار والإرشاد إليه.

( رَبَّنا آتِنا فِي الدُّنْيا ) : اجعل ايتاءنا في الدّنيا.

( وَما لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ خَلاقٍ ) (٢٠٠)، أي: نصيب وحظّ. لأنّ همّه مقصور

__________________

(١) مجمع البيان ١ / ٢٩٧.

(٢) ر: اجتمعوا.

(٣) تفسير القمي ١ / ٧٠.

(٤) المصدر: وأمرهم الله.

(٥) تفسير العياشي ١ / ٩٨، ح ٩٧٢.

٢٩٥

بالدّنيا، أو من طلب خلاق.

( وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ رَبَّنا آتِنا فِي الدُّنْيا حَسَنَةً ) : السّعة في الرّزق والمعاش وحسن، الخلق.

( وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً ) : برضوان الله والجنّة.

( وَقِنا عَذابَ النَّارِ ) (٢٠١): بالعفو والمغفرة.

( أُولئِكَ ) : إشارة إلى الفريق الثّاني أو إليهما.

( لَهُمْ نَصِيبٌ مِمَّا كَسَبُوا ) ، أي من جنسه. وهو جزاؤه، أو من أجله، كقوله:( مِمَّا خَطِيئاتِهِمْ أُغْرِقُوا ) ، أو ممّا دعوا به نعطيهم منه، ما قدرنا. فسمّى الدّعاء كسبا، لأنّه من الأعمال.

( وَاللهُ سَرِيعُ الْحِسابِ ) (٢٠٢): يحاسب العباد على كثرتهم وكثرة أعمالهم في مقدار لمحة، أو يوشك أن يقيم القيامة ويحاسب النّاس، فبادروا إلى الطّاعات واكتساب الحسنات.

في كتاب معاني الأخبار(١) : حدّثنا محمّد بن موسى بن المتوكّل ـ رحمه الله ـ قال حدّثنا عبد الله بن جعفر الحميريّ، عن أحمد بن محمّد، عن الحسن بن محبوب، عن جميل بن صالح، عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ في قول الله ـ عزّ وجلّ ـ( رَبَّنا آتِنا فِي الدُّنْيا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً ) قال: رضوان الله والجنّة في الآخرة. والسّعة في الرّزق والمعاش وحسن الخلق في الدّنيا.

وفي الكافي(٢) : عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير ومحمّد بن إسماعيل، عن الفضل بن شاذان، عن ابن أبي عمير وصفوان بن يحيى، عن معاوية بن عمّار، عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ قال: طف البيت سبعة أشواط. وتقول في الطّواف: أللّهمّ إنّي أسألك ـ إلى أن قال عليه السّلام ـ وتقول فيما بين الرّكن اليمانيّ والحجر الأسود:( رَبَّنا آتِنا فِي الدُّنْيا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنا عَذابَ النَّارِ ) .

عدّة من أصحابنا(٣) ، عن أحمد بن محمّد، عن الحسين بن سعيد، عن النّضر بن سويد، عن عبد الله بن سنان، عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ قال: يستحبّ أن تقول بين

__________________

(١) معاني الأخبار / ١٧٤، ح ١.

(٢) الكافي ٤ / ٤٠٦ ـ ٤٠٧، ح ١.

(٣) نفس المصدر ٤ / ٤٠٨، ح ٧.

٢٩٦

الرّكن والحجر: أللّهمّ آتنا في الدّنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النّار.

وقال: إنّ ملكا موكّلا يقول آمين.

عدّة من أصحابنا(١) ، عن أحمد بن محمّد، عن ابن محبوب، عن جميل بن صالح، عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ في قول الله ـ عزّ وجلّ ـ( رَبَّنا آتِنا فِي الدُّنْيا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً ) : رضوان الله في الجنّة في الآخرة. والمعاش وحسن الخلق في الدّنيا.

عليّ بن إبراهيم(٢) ، عن أبيه وعليّ بن محمّد القاساني، جميعا عن القسم بن محمّد، عن سليمان بن داود المنقريّ، عن سفيان بن عيينة، عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ قال: سأل رجل أبي بعد منصرفه من الموقف. فقال: أترى يخيّب الله هذا الخلق كلّه؟

فقال أبي: ما وقف بهذا الموقف أحد إلّا غفر الله له، مؤمنا كان أو كافرا، إلّا أنّهم في مغفرتهم، على ثلاث منازل مؤمن غفر له ما تقدّم من ذنبه وما تأخّر. وأعتقه الله من النّار.

وذلك قوله تعالى:( رَبَّنا آتِنا فِي الدُّنْيا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنا عَذابَ النَّارِ أُولئِكَ لَهُمْ نَصِيبٌ مِمَّا كَسَبُوا وَاللهُ سَرِيعُ الْحِسابِ ) .

وسنذكر تتمّة الحديث إن شاء الله.

وفي كتاب الاحتجاج(٣) ، للطّبرسيّ ـ رحمه الله ـ روى عن موسى بن جعفر، عن أبيه، عن آبائه، عن الحسن بن عليّ، عن أبيه ـ عليهم السّلام ـ قال: بينما رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ جالس إذ سأل عن رجل من أصحابه. فقالوا: يا رسول الله! إنّه قد صار في البلاء كهيئة الفرخ. لا ريش(٤) عليه.

فأتاه ـ عليه السّلام. فإذا هو كهيئة الفرخ. لا ريش عليه(٥) من شدّة البلاء.

فقال له: قد كنت تدعو في صحّتك دعاء.

قال: نعم كنت أقول: يا ربّ أيّما عقوبة أنت معاقبي بها في الآخرة، فعجّلها لي في الدّنيا.

فقال له النّبيّ ـ صلّى الله عليه وآله: ألا قلت: أللّهمّ آتنا في الدّنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النّار؟.

__________________

(١) نفس المصدر.

(٢) نفس المصدر ٤ / ٥٢١، ح ١٠، قطعة منه.

(٣) الاحتجاج ١ / ٣٣٢.

(٤) المصدر: الّذي لا ريش.

(٥) «لا ريش عليه» ليس في المصدر.

٢٩٧

فقالها الرجل(١) . فكأنّما نشط من عقال. وقام صحيحا. وخرج معنا.

والحديث طويل. أخذنا منه موضع الحاجة.

وفي مجمع البيان(٢) :( وَاللهُ سَرِيعُ الْحِسابِ ) . ورد في الخبر أنّه سبحانه يحاسب الخلائق كلّهم في مقدار لمح البصر، وروي روي بقدر حلب شاة. وروي عن أمير المؤمنين ـ عليه السّلام ـ أنّه قال: معناه أنّه يحاسب الخلائق دفعة كما يرزقهم دفعة.

( وَاذْكُرُوا اللهَ فِي أَيَّامٍ مَعْدُوداتٍ ) . في أدبار الصّلوات في أيّام التّشريق.

في الكافي(٣) : عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن حمّاد بن عيسى، عن حريز، عن محمّد بن مسلم قال: سألت أبا عبد الله ـ عليه السّلام ـ عن قول الله ـ عزّ وجلّ ـ( وَاذْكُرُوا اللهَ فِي أَيَّامٍ مَعْدُوداتٍ ) ، قال: التّكبير في أيّام التّشريق من صلاة الظّهر، من يوم النّحر، إلى صلاة الفجر من يوم الثّالث. وفي الأمصار عشر صلوات. فإذا نفر بعد الأولى أمسك أهل الأمصار. ومن أقام بمنى فصلّى بها الظّهر والعصر، فليكبّر.

وفي كتاب معاني الأخبار(٤) : أبي ـ رحمه الله ـ قال: حدّثنا محمّد بن أحمد بن عليّ بن الصّلت، عن عبد الله بن الصّلت، عن يونس بن عبد الرّحمن، عن المفضّل بن صالح، عن زيد الشّحّام، عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ في قول الله ـ عزّ وجلّ ـ( وَاذْكُرُوا اللهَ فِي أَيَّامٍ مَعْدُوداتٍ ) قال: المعلومات والمعدودات، واحدة. وهو أيّام التّشريق.

وقد سبق من الأخبار ما يدلّ على صورة التّكبير.

( فَمَنْ تَعَجَّلَ ) النّفر،( فِي يَوْمَيْنِ ) ، أي: نفر في ثاني أيّام التّشريق،( فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ ) باستعجاله.

( وَمَنْ تَأَخَّرَ ) في النّفر حتّى رمى اليوم الثّالث،( فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ ) بتأخيره.

ومعنى نفي الإثم بالتّعجيل والتّأخير، التّخيير بينهما والرّدّ على أهل الجاهليّة. فإنّ منهم من أثّم المستعجل، ومنهم من أثّم المتأخّر.

( لِمَنِ اتَّقى ) ، أي: الّذي ذكر من التّخيير لمن اتّقى الصّيد. فإنّ من لم يتّق الصّيد

__________________

(١) النسخ: فقال.

(٢) مجمع البيان ١ / ٢٩٨.

(٣) الكافي ٤ / ٥١٦، ح ١.

(٤) معاني الأخبار / ٢٩٧، ح ٣.

٢٩٨

ليس له التّخيير. بل يتعيّن عليه التّأخير.

في تهذيب الأحكام(١) : محمّد بن عيسى، عن محمّد بن يحيى، عن حمّاد، عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ قال: إذا أصاب المحرم الصّيد فليس له أن ينفر في النّفر الأوّل. ومن نفر في النّفر الأوّل، فليس له أن يصيب الصّيد، حتّى ينفر النّاس. وهو قول الله:( فَمَنْ تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ ) ( ... لِمَنِ اتَّقى ) . قال: اتّقى الصّيد.

عن محمّد بن عيسى(٢) ، عن أحمد بن محمّد، عن عليّ، عن أحدهما ـ عليهما السّلام ـ أنّه قال في رجل بعث بثقله يوم النّفر الأول وأقام هو إلى الأخير قال: هو ممّن تعجّل في يومين.

وفي من لا يحضره الفقيه(٣) : وروى معاوية بن عمّار، عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ قال: سمعته يقول في قول الله ـ عزّ وجلّ ـ( فَمَنْ تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ وَمَنْ تَأَخَّرَ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ لِمَنِ اتَّقى ) ، فقال: يتّقي الصّيد حتّى ينفر أهل منى في النّفر الأخير.

وفي رواية ابن محبوب(٤) ، عن أبي جعفر الأحول، عن سلام بن المستنير، عن أبي جعفر ـ عليه السّلام ـ أنّه قال:( لِمَنِ اتَّقى ) الرّفث والفسوق والجدال وما حرّم الله في إحرامه.

وفي رواية عليّ بن عطيّة(٥) ، عن أبيه، عن أبي جعفر ـ عليه السّلام ـ قال:( لِمَنِ اتَّقى ) الله ـ عزّ وجلّ.

وروى(٦) أنّه يخرج من ذنوبه كهيئة يوم ولدته أمّه.

وروى من وفى وفى الله له(٧) .

وفي الكافي(٨) : عليّ بن إبراهيم، عن أبيه وعليّ بن محمّد القاسانيّ، جميعا، عن القسم بن محمّد، عن سليمان بن داود المنقرىّ، عن سفيان ابن عيينة، عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ قال: سأل رجل أبي بعد منصرفه من الموقف. فقال: أترى يخيّب الله هذا الخلق كلّه؟

__________________

(١) تهذيب الأحكام ٥ / ٤٩٠، ح ١٧٥٨.

(٢) نفس المصدر ونفس الموضع، ح ١٧٥٧.

(٣) من لا يحضره الفقيه ٢ / ٢٨٨، ح ١٤١٥.

(٤) نفس المصدر ونفس الموضع، ح ١٤١٦.

(٥) نفس المصدر ونفس الموضع، ح ١٤١٨.

(٦) نفس المصدر ونفس الموضع، ح ١٤١٩.

(٧) أور: من وقى وقى الله له.

(٨) الكافي ٤ / ٥٢١، ح ١٠.

٢٩٩

فقال أبي: ما وقف بهذا الموقف أحد إلّا غفر الله له، مؤمنا كان أو كافرا، إلّا أنّهم في مغفرتهم على ثلاث منازل ـ إلى قوله ـ ومنهم من غفر الله له ما تقدّم من ذنبه، وقيل له أحسن فيما بقي من عمرك. وذلك قوله تعالى:( فَمَنْ تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ وَمَنْ تَأَخَّرَ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ ) ، يعني: من مات قبل أن يمضي فلا إثم عليه. ومن تأخّر فلا إثم عليه لمن اتّقى الكبائر.

عدّة من أصحابنا(١) ، عن أحمد بن محمّد، عن عليّ بن الحكم، عن داود بن النّعمان، عن أبي أيّوب قال: قلت لأبي عبد الله ـ عليه السّلام: إنّا نريد أن نتعجّل السّير وكانت ليلة النّفر حين سألته، فأي ساعة ننفر؟

فقال لي: أمّا اليوم الثّاني فلا تنفر حتّى تزول الشّمس وكانت ليلة النّفر. وأمّا اليوم الثّالث، فإذا ابيضّت الشّمس فانفر على بركة الله. فإنّ الله تعالى يقول:( فَمَنْ تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ وَمَنْ تَأَخَّرَ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ ) . فلو سكت لم يبق أحد إلّا تعجّل. ولكنّه قال:( وَمَنْ تَأَخَّرَ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ ) .

حميد بن زياد(٢) ، عن الحسن بن محمّد بن سماعة، عن أحمد بن الحسن الميثميّ، عن معاوية بن وهب، عن إسماعيل بن نجيح(٣) الرّماح قال كنّا عند أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ بمنى ليلة من اللّيالي. فقال: ما يقول هؤلاء؟ فيمن(٤) تعجّل في يومين فلا إثم عليه ومن تأخّر فلا إثم عليه.

قلنا: ما ندري.

قال: بلى. يقولون: من تعجّل من أهل البادية، فلا إثم عليه. ومن تأخّر من أهل الحضر، فلا إثم عليه. وليس كما يقولون. قال الله ـ جلّ ثناؤه ـ( فَمَنْ تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ ) . ألا لا إثم عليه.( وَمَنْ تَأَخَّرَ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ ) . ألا لا إثم عليه.( لِمَنِ اتَّقى ) . إنّما هي لكم. والنّاس سواد. وأنتم الحاجّ.

عدّة من أصحابنا(٥) ، عن أحمد بن محمّد، عن عليّ بن الحكم، عن سيف بن عميرة، عن عبد الأعلى قال: قال أبو عبد الله ـ عليه السّلام: كان أبي يقول: «من أمّ هذا

__________________

(١) نفس المصدر ٤ / ٥١٩، ح ١.

(٢) نفس المصدر ٤ / ٥٢٣، ح ١٢.

(٣) ر: النجيح.

(٤) أ: فمن.

(٥) نفس المصدر ٤ / ٢٥٢، ح ٢.

٣٠٠

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

461

462

463

464

465

466

467

468

469

470

471

472

473

474

475

476

477

478

479

480

481

482

483

484

485

486

487

488

489

490

491

492

493