تفسير كنز الدّقائق وبحر الغرائب الجزء ٢

تفسير كنز الدّقائق وبحر الغرائب8%

تفسير كنز الدّقائق وبحر الغرائب مؤلف:
تصنيف: تفسير القرآن
الصفحات: 493

الجزء ١ الجزء ٢ الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥ الجزء ٦ الجزء ٧
  • البداية
  • السابق
  • 493 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 187795 / تحميل: 5859
الحجم الحجم الحجم
تفسير كنز الدّقائق وبحر الغرائب

تفسير كنز الدّقائق وبحر الغرائب الجزء ٢

مؤلف:
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة


1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

البيت حاجّا أو معتمرا مبرّا من الكبر، رجع من ذنوبه كهيئة يوم ولدته أمّه.» ثمّ قرأ:( فَمَنْ تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ. وَمَنْ تَأَخَّرَ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ لِمَنِ اتَّقى ) .

قلت: ما الكبر؟

قال: قال رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله: إنّ أعظم الكبر غمص الخلق وسفه الحقّ.

قلت: ما غمص الخلق وسفه الحقّ؟

قال: يجهل الحقّ ويطعن على أهله. فمن فعل ذلك نازع الله رداءه.

عليّ بن إبراهيم(١) ، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن حمّاد بن عثمان، عن الحلبيّ، عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ قال:( فَمَنْ تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ وَمَنْ تَأَخَّرَ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ لِمَنِ اتَّقى ) قال: يرجع لا ذنب له.

وفي كتاب معاني الأخبار(٢) : حدّثنا أبى ـ رحمه الله ـ قال: حدّثنا الحسن بن محمّد بن عامر، عن أبي عبد الله بن عامر، عن محمّد بن أبي عمير، عن حمّاد بن عثمان، عن عبد الله بن عليّ [الحلبيّ](٣) ، عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ في قول الله ـ عزّ وجلّ ـ( فَمَنْ تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ وَمَنْ تَأَخَّرَ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ لِمَنِ اتَّقى ) قال: يرجع ولا ذنب له.

والحديث طويل. أخذنا منه موضع الحاجة.

وفي تفسير العيّاشيّ(٤) : عن أبي بصير، عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ قال: إنّ العبد المؤمن حين يخرج من بيته حاجّا لا يخطو خطوة ولا تخطو به راحلته إلّا كتب الله له بها حسنة ومحى عنه سيّئة ورفع له بها درجة. فإذا وقف بعرفات، فلو كانت ذنوبه عدد الثّرى، رجع كما ولدته أمّه.

فقال له: استأنف العمل. يقول الله:( فَمَنْ تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ وَمَنْ تَأَخَّرَ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ لِمَنِ اتَّقى ) .

عن أبي حمزة الثّماليّ(٥) عن أبي جعفر ـ عليه السّلام ـ في قوله:( فَمَنْ تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ ) . (الآية) قال: أنتم، والله! هم. إنّ رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ

__________________

(١) نفس المصدر ٤ / ٣٣٧، ضمن ح ١.

(٢) معاني الأخبار / ٢٩٤، ح ١.

(٣) يوجد في المصدر.

(٤) تفسير العياشي ١ / ١٠٠، ح ٢٨٣.

(٥) نفس المصدر ونفس الموضع، ح ٢٨٥.

٣٠١

قال: لا يثبت على ولاية عليّ ـ عليه السّلام ـ إلّا المتّقون.

عن حمّاد، عنه، في قوله:( لِمَنِ اتَّقى ) الصّيد. فإن ابتلى بشيء من الصّيد، ففداه، فليس له أن ينفر في يومين.

( وَاتَّقُوا اللهَ ) في مجامع أموركم ليعبأ بكم.

( وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ ) (٢٠٣) للجزاء بعد الإحياء.

وأصل الحشر، الجمع. وهو ضمّ المتفرّق.

( وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ ) : يروقك ويعظم في نفسك.

و «التعجب» حيرة تعرض الإنسان لجهله بسبب المتعجّب منه.

( فِي الْحَياةِ الدُّنْيا ) :

متعلّق بالقول، أي: ما يقول في أمور الدّنيا وأسباب المعاش وفي معنى الدّنيا. فإنّها مرادة من ادّعاء المحبّة وإظهار الإيمان، أو يعجبك، أي: يعجبك قوله في الدّنيا حلاوة وفصاحة. ولا يعجبك في الآخرة لما يعتريه من الدّهشة والحبسة، أو لأنّه لا يؤذن له في الكلام.

( وَيُشْهِدُ اللهَ عَلى ما فِي قَلْبِهِ ) : يحلف. ويشهد الله على أنّ ما في قلبه موافق لكلامه.

( وَهُوَ أَلَدُّ الْخِصامِ ) (٢٠٤): شديد العداوة والجدال للمسلمين.

و «الخصام»، المخاصمة. ويجوز أن يكون جمع خصم، كصعب وصعاب، بمعنى أشدّ الخصوم خصومة.

[قيل(١) : نزلت في الأخنس بن شريف الثّقفيّ. وكان حسن المنظر، حلو المنطق.

يوالي رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله. ويدّعي الإسلام.

وقيل(٢) : في المنافقين كلّهم.

( وَإِذا تَوَلَّى ) : أدبر وانصرف عنك.

وقيل(٣) : إذا غلب وصار واليا.

( سَعى فِي الْأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيها وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ ) كما فعل الأخنس بثقيف ،

__________________

(١) مجمع البيان ١ / ٣٠٠.

(٢) نفس المصدر والموضع.

(٣) أنوار التنزيل ١ / ١١١.

٣٠٢

إذ بيّتهم وأحرق ذروعهم وأهلك مواشيهم، أو كما يفعله ولاة السّوء بالقتل والإتلاف، أو بالظّلم حتّى يمنع. بشؤمتهم القطر، فيهلك الحرث والنّسل.

( وَاللهُ لا يُحِبُّ الْفَسادَ ) (٢٠٥): لا يرتضيه. فاحذروا غضبه عليه.

«النسل»، الذّرّيّة. و «الحرث»، الزرع.

عن سعد الإسكاف(١) ، عن أبي جعفر ـ عليه السّلام ـ قال: إنّ الله يقول في كتابه:( وَهُوَ أَلَدُّ الْخِصامِ ) بل هم يختصمون.

قال: قلت: وما ألدّ؟

قال: [شديد](٢) الخصومة.

عن زرارة(٣) ، عن أبي جعفر وأبي عبد الله ـ عليهما السّلام ـ قال: سألتهما عن قوله( وَإِذا تَوَلَّى سَعى فِي الْأَرْضِ ) (إلى آخر الآية).

فقال: «النّسل»، الولد و «الحرث»، الأرض.

وقال أبو عبد الله ـ عليه السّلام: «الحرث»، الذّرّية.

وفي روضة الكافي(٤) : عدّة من أصحابنا، عن سهل بن زياد، عن ابن محبوب، عن محمّد بن سليمان الأزديّ، عن أبي الجارود، عن أبي إسحاق، عن أمير المؤمنين ـ عليه السّلام: و( إِذا تَوَلَّى سَعى فِي الْأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيها وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ ) بظلمه وسوء سيرته.( وَاللهُ لا يُحِبُّ الْفَسادَ ) .

وفي مجمع البيان(٥) : روى عن الصّادق ـ عليه السّلام: أنّ «الحرث» في هذا الموضع، الدّين و «النّسل»، النّاس.

وفي تفسير عليّ بن إبراهيم(٦) : قال: «الحرث» في هذا الموضع الدّين و «النّسل»، النّاس. ونزلت في معاوية.

__________________

(١) نفس المصدر ١ / ١٠١، ح ٢٨٨.

(٢) يوجد في المصدر.

(٣) نفس المصدر ونفس الموضع، ح ٢٨٩.

(٤) الكافي ٨ / ٢٨٩، ح ٤٣٥.

(٥) مجمع البيان ١ / ٣٠٠.

(٦) تفسير القمي ١ / ٧١.

٣٠٣

( وَإِذا قِيلَ لَهُ اتَّقِ اللهَ أَخَذَتْهُ الْعِزَّةُ بِالْإِثْمِ ) : حملته الأنفة على الإثم. وألزمته إيّاه، من قولك: أخذته بكذا، حملته عليه.

( فَحَسْبُهُ جَهَنَّمُ ) كفته جزاء وعذابا.

و «جهنم» علم لدار العقاب، غير متصرّف للتّأنيث والعلميّة. وهو في الأصل مرادف للنّار. وقيل(١) : معرب.

( وَلَبِئْسَ الْمِهادُ ) (٢٠٦) :

جواب قسم مقدّر. والمخصوص بالذّمّ، محذوف للعلم به.

و «المهاد»، الفراش. وقيل(٢) : ما يوطأ للجنب.

( وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغاءَ مَرْضاتِ اللهِ ) : طلبا لرضاه.

[وفي شرح الآيات الباهرة(٣) :](٤) روى الثّعلبيّ في تفسيره، قال: لـمّا أراد النّبيّ ـ صلّى الله عليه وآله ـ الهجرة، خلّف عليّا ـ عليه السّلام ـ لقضاء ديونه وردّ الودائع الّتي كانت عنده. وأمره ليلة خروجه إلى الغار وقد أحاط المشركون بالدّار، أن ينام على فراشه.

وقال له: يا عليّ! اتّشح ببردي الحضرميّ. ثمّ نم على فراشي. فإنّه لا يخلص(٥) إليك منهم مكروه ـ إن شاء الله.

ففعل ما أمره به. فأوحى الله ـ عزّ وجلّ ـ إلى جبرئيل وميكائيل: انّي قد آخيت بينكما. وجعلت(٦) عمر أحدكما أطول من الآخر. فأيّكما يؤثر صاحبه بالحياة؟

فاختار كلّ منهما الحياة. فأوصى الله ـ عزّ وجلّ ـ إليهما: ألا كنتما مثل عليّ بن أبي طالب. آخيت بينه وبين محمّد. فبات على فراشه يفديه بنفسه ويؤثره بالحياة. اهبطا إلى الأرض. فاحفظاه من عدوّه.

فنزلا. فكان جبرئيل عند رأسه، وميكائيل عند رجليه. وجبرئيل يقول: بخ بخ من مثلك يا عليّ بن أبي طالب. يباهى الله بك ملائكته.

فأنزل الله ـ عزّ وجلّ ـ على رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ وهو متوجّه إلى المدينة، في شأن عليّ بن أبي طالب ـ عليه السّلام:( وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْرِي ) . (الآية).

__________________

(١) أنوار التنزيل ١ / ١١١.

(٢) نفس المصدر ونفس الموضع.

(٣) تأويل الآيات الباهرة، مخطوط / ٣١.

(٤) ليس في أ.

(٥) المصدر: يلحق.

(٦) المصدر: جعل.

٣٠٤

وروى أخطب خوارزم حديثا يرفعه بإسناده إلى النّبي ـ صلّى الله عليه وآله ـ قال: قال رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله: نزل عليّ(١) جبرئيل ـ عليه السّلام ـ صبيحة يوم الغار.

فقلت: حبيبي جبرئيل! أراك فرحا؟

فقال: يا محمّد! وكيف لا أكون كذلك. وقد قرّت عيني بما أكرم الله به أخاك ووصيّك وإمام أمّتك عليّ بن أبي طالب.

فقلت: وبماذا أكرمه الله؟

قال: باهى بعباده(٢) البارحة ملائكته وقال: ملائكتي انظروا إلى حجّتي في أرضي بعد نبيّي. وقد بذل نفسه. وعفّر خدّه في التّراب، تواضعا لعظمتي أشهدكم أنّه إمام خلقي ومولى برّيتى.

وفي أمالي شيخ الطّائفة ـ رحمه الله ـ(٣) بإسناده إلى حكيم بن جبير، عن عليّ بن الحسين ـ صلوات الله عليهما ـ في قول الله ـ عزّ وجلّ ـ( وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغاءَ مَرْضاتِ اللهِ ) ، قال: نزلت في عليّ ـ عليه السّلام ـ حين بات على فراش رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله.

وبإسناده(٤) إلى سعيد بن أوس، قال: كان أبو عمرو بن العلا إذا قرأ( وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغاءَ مَرْضاتِ اللهِ ) قال: كرّم الله عليّا ـ عليه السّلام ـ فيه، نزلت هذه الآية.

وبإسناده(٥) إلى أنس بن مالك، قال: لـمّا توجّه رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ إلى الغار ومعه أبو بكر، أمر النّبيّ ـ صلّى الله عليه وآله ـ عليّا ـ عليه السّلام ـ أن ينام على فراشه ويتغشّى ببرده(٦) . فبات عليّ ـ عليه السّلام ـ موطّنا نفسه على القتل. وجاءت رجال قريش من بطونها، يريدون قتل رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ فلمّا أرادوا أن يضعوا عليه أسيافهم لا يشكّون أنّه محمّد ـ صلّى الله عليه وآله. فقالوا: أيقظوه ليجد ألم القتل(٧) .

__________________

(١) المصدر: إليّ.

(٢) المصدر: بعبادته. (ظ)

(٣) أمالى الشيخ ٢ / ٦١، ح ٢.

(٤) نفس المصدر ونفس الموضع، ح ٣.

(٥) نفس المصدر ونفس الموضع، ح ٤.

(٦) المصدر: ويتوشّح ببردته.

(٧) المصدر: ليجد ألم القتل ويرى السيوف تأخذه.

٣٠٥

فلمّا أيقظوه فرأوه(١) عليّا، تركوه. فتفرّقوا في طلب رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله.

فأنزل الله ـ عزّ وجلّ:( وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغاءَ مَرْضاتِ اللهِ وَاللهُ رَؤُفٌ بِالْعِبادِ ) .

وفي تفسير عليّ بن إبراهيم(٢) : قوله( وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغاءَ مَرْضاتِ اللهِ ) ، قال: ذاك أمير المؤمنين ـ عليه السّلام. ومعنى( يَشْرِي نَفْسَهُ ) ، يبذلها.

وفي مجمع البيان(٣) : روى السّديّ، عن ابن عباس قال: نزلت هذه الآية في عليّ بن أبي طالب ـ عليه السّلام ـ حين هرب النّبيّ ـ صلّى الله عليه وآله ـ من المشركين إلى الغار ونام [عليّ](٤) (ع) على فراش النّبيّ ـ صلّى الله عليه وآله. ونزلت الآية بين مكّة والمدينة.

وروى(٥) أنّه لـمّا نام على فراشه، قام (جبرئيل) عند رأسه وميكائيل عند رجليه.

وجبرئيل ينادي: بخ بخ من مثلك يا عليّ بن ابى طالب(٦) . يباهي الله تعالى الملائكة بك.

وما روى عن عليّ ـ عليه السّلام ـ من أنّ المراد(٧) بالآية الرّجل [الّذي](٨) يقتل على الأمر بالمعروف والنّهي عن المنكر، فلا ينافي ما سبق من الأخبار. لأنّ ما ذكر في الأخبار، سبب نزوله أوّلا، ثمّ جرى فيمن يشاركه في بعض أوصافه ممّن ذكر في هذا الخبر.

وقد روى في كتاب الخصال(٩) ، عن الحسن بن عليّ الدّيلميّ مولى الرّضا ـ عليه السّلام ـ قال سمعت الرّضا ـ عليه السّلام ـ يقول: من حجّ بثلاثة نفر من المؤمنين فقد اشترى نفسه من الله ـ عزّ وجلّ ـ بالثّمن. ولم يسأله من اين كسب ماله؟ من حلال أو حرام؟

( وَاللهُ رَؤُفٌ بِالْعِبادِ ) (٢٠٧) حيث أرشدهم إلى مثل هذا الشّراء ويجازيهم عليه الجزاء.

__________________

(١) المصدر: ورأه.

(٢) تفسير القمي ١ / ٧١.

(٣) مجمع البيان ١ / ٣٠١.

(٤) يوجد في المصدر.

(٥) نفس المصدر ونفس الموضع.

(٦) المصدر: يا ابن أبي طالب.

(٧) المصدر: عن عليّ ـ عليه السّلام ـ وابن عباس أنّ المراد.

(٨) يوجد في المصدر.

(٩) الخصال ١ / ١١٨، ح ١٠٣.

٣٠٦

وورد في تفسير الامام أبي محمّد الحسن بن عليّ العسكريّ ـ صلوات الله عليهما(١) ـ قال ـ عليه السّلام: قال رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله: معاشر عباد الله! عليكم بخدمة من أكرمه الله بالارتضاء واجتباه بالاصطفاء وجعله أفضل أهل الأرض والسّماء، بعد محمّد سيّد الأنبياء، علىّ بن أبي طالب وبموالاة أوليائه ومعاداة أعدائه وقضاء حقوق إخوانكم الّذين هم في موالاته ومعاداة أعدائه شركاؤكم. فإنّ رعاية عليّ أحسن من رعاية هؤلاء التّجّار الخارجين بصاحبكم الّذي ذكرتموه إلى الصّين الّذي عرضوه للغناء وأعانوه بالشّراء. أما إنّ من الشّيعة عليّ لمن يأتي يوم القيامة وقد وضع له في كفّة الميزان، سيّئاته من الآثام ما هو أعظم من الجبال الرّواسي والبحار السّيّارة، يقول الخلائق: «قد هلك هذا العبد»، فلا يشكّون في أنّه من الهالكين وفي عذاب الله تعالى من الخالدين.

فيأتيه النّداء من قبل الله تعالى ـ عزّ وجلّ: أيّها العبد الجاني هذه الذّنوب الموبقات! فهل لك بإزائها حسنات تكافئها فتدخل جنّة الله برحمة الله أو تزيد عليها فتدخلها بوعد الله؟

فيقول العبد: لا أدري.

فيقول منادي: ربّنا عزّ وجلّ. فإنّ ربّي يقول: نار في عرصات القيمة، ألا وإنّي فلان بن فلان من أهل بلد كذا وكذا وقرية كذا وكذا قد رهنت بسيّئاتي كأمثال الجبال والبحار ولا حسنات لي بإزائها. فأيّ أهل المحشر كان لي عنده يد او عارفة فليغثني بمجازاتي عنها فهذا أوان شدّة حاجتي إليها؟

فينادي الرّجل بذلك.

فأوّل من يجيبه عليّ بن أبي طالب ـ عليه السّلام: لبيك! لبيك! أيّها الممتحن في محبّتي المظلوم بعد، أوتي! ثمّ يأتي هو ومعه عدد كثير وجمّ غفير وإن كانوا أقل عدد من خصمائه الّذين لهم قبله الظّلامات. فيقول العدد: يا أمير المؤمنين! نحن إخوانه المؤمنون. وقد كان بنا بارّا ولنا مكرما وفي معاشرته إيّانا مع كثرة إحسانه إلينا متواضعا وقد بذلنا(٢) له عن جميع طاعتنا.

وبذلناها له.

__________________

(١) تأويل الآيات الباهرة، مخطوط / ٣١، نقلا عن تفسير العسكري.

(٢) أ: نزلنا.

٣٠٧

فيقول عليّ ـ عليه السّلام: فبما ذا تدخلون جنّة ربّكم؟

فيقولون: برحمة الله الواسعة الّتي لا يعدمها من والاك ووالى وليّك، يا أخا رسول الله! فيأتي النّداء من قبل الله تعالى: يا أخا رسول الله! هؤلاء إخوانه المؤمنون قد بذلوا له. فأنت ما ذا تبذل له. فإنّي أنا الحكم أمّا ما بيني وبينه من الذنوب، فقد غفرتها له بموالاته إيّاك. وما بينه وبين عبادي من الظّلامات، فلا بدّ من فصل الحكم بينه وبينهم.

فيقول عليّ ـ عليه السّلام: يا ربّ! افعل ما تأمرني.

فيقول الله تعالى: يا عليّ! اضمن لخصمائه تعويضهم عن ظلاماتهم قبله.

فيضمن لهم عليّ ـ عليه السّلام ـ ذلك. ويقول لهم اقترحوا عليّ. ما شئتم أعطيكم عوضا عن ظلاماتكم.

فيقولون: يا أخا رسول الله! تجعل لنا بإزاء ظلاماتنا قبله ثواب نفس من أنفاسك ليلة بيتوتتك على فراش محمّد رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله.

فيقول عليّ ـ عليه السّلام: قد وهبت ذلك لكم.

فيقول الله ـ عزّ وجلّ: فانظروا عبادي الآن إلى ما نلتموه من عليّ فداء لصاحبه من ظلاماتكم ويظهر لهم ثواب نفس واحد في الجنان من عجائب قصورها وخيراتها.

فيكون ذلك ما يرضي الله ـ عزّ وجلّ ـ به خصماءه المؤمنين. ثمّ يريهم بعد ذلك من الدّرجات والمنازل ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر.

فيقولون: يا ربّنا! هل بقي من جنتك شيء إذا كان هذا كلّه لنا؟ فأين يحل سائر عبادك المؤمنين والأنبياء والصّدّيقين والشّهداء والصّالحين؟

ويخيّل إليهم عند ذلك أنّ الجنّة بأسرها قد جعلت لهم.

فيأتي النّداء من قبل الله تعالى: يا عبادي! هذا ثواب نفس من أنفاس علىّ الّذي اقترحتموه عليه جعلته لكم. فخذوه وانظروا.

فيصيّرونهم(١) وهذا المؤمن الّذي عوض عليّ ـ عليه السّلام ـ عنه، إلى تلك الجنان ثمّ يرون ما يضيفه الله ـ عزّ وجلّ ـ إلى ممالك عليّ ـ عليه السّلام ـ في الجنان ما هو أضعاف ما بذله عن وليّه وليّ الموالي ممّا شاء الله ـ عزّ وجلّ ـ من الأضعاف الّتي لا يعرفها غيره.

__________________

(١) أ: فيبصرونهم.

٣٠٨

ثمّ قال رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله:( أَذلِكَ خَيْرٌ نُزُلاً أَمْ شَجَرَةُ الزَّقُّومِ ) (١) المعدّة لمخالفي أخي ووصيّي عليّ بن أبي طالب ـ عليه السّلام.

( يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً ) :

«السلم» (بالكسر والفتح): الاستسلام والطاعة. ولذلك يطلق في الصّلح والإسلام.

فتحه ابن كثير ونافع والكسائيّ. والباقون كسروه(٢) .

«كافّة» اسم للجملة. لأنّها تكفّ الأجزاء عن التفرّق. حال من الضّمير، أو السّلم. لأنّها تؤنّث كالحرب.

والمراد بها ولاية أمير المؤمنين والأئمّة ـ عليهم السّلام ـ كما سيجيء. والخطاب للمؤمنين بالله والرّسول.

( وَلا تَتَّبِعُوا خُطُواتِ الشَّيْطانِ ) بالتّفرّق والتّفريق.

( إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ ) (٢٠٨): ظاهر العداوة.

في أصول الكافي(٣) : الحسين بن محمّد، عن معلّى بن محمّد، عن الحسين بن عليّ الوشّاء، عن مثنّى الخياط، عن عبد الله بن عجلان، عن أبي جعفر ـ عليه السّلام ـ في قول الله ـ عزّ وجلّ:( يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً وَلا تَتَّبِعُوا خُطُواتِ الشَّيْطانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ ) قال: في ولايتنا.

وفي تفسير عليّ بن إبراهيم(٤) : قوله( ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً ) ، قال: في ولاية أمير المؤمنين ـ عليه السّلام.

وفي أمالي شيخ الطّائفة، بإسناده إلى محمّد بن إبراهيم، قال: سمعت الصّادق، جعفر بن محمّد ـ عليهما السّلام ـ يقول في قوله تعالى:( ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً ) ، قال: في ولاية عليّ بن أبي طالب ـ عليه السّلام.( وَلا تَتَّبِعُوا خُطُواتِ الشَّيْطانِ ) [قال لا تتّبعوا غيره.

وفي تفسير العيّاشيّ(٥) . عن أبي بصير، قال: سمعت أبا عبد الله ـ عليه السّلام ـ

__________________

(١) الصافات / ٦٢.

(٢) أنوار التنزيل ١ / ١١١.

(٣) الكافي ١ / ٤١٧، ح ٢٩.

(٤) تفسير القمي ١ / ٧١.

(٥) تفسير العيّاشي ١ / ١٠٢، ح ٢٩٤.

٣٠٩

يقول:( يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً ]) (١) ( وَلا تَتَّبِعُوا خُطُواتِ الشَّيْطانِ ) قال: أتدري ما السّلم؟

قال: قلت: لا أعلم(٢) .

قال: ولاية عليّ والأئمّة الأوصياء من بعده.

عن زرارة وحمران ومحمّد بن مسلم(٣) ، عن أبي جعفر وأبي عبد الله ـ عليهما السّلام ـ قالوا: سألناهما عن قول الله:( يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً ) .

قالا: أمروا بمعرفتنا.

عن جابر(٤) ، عن أبي جعفر ـ عليه السّلام ـ في قول الله ـ عزّ وجلّ:( يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً وَلا تَتَّبِعُوا خُطُواتِ الشَّيْطانِ ) قال: «السّلم»، هم آل محمّد ـ صلّى الله عليه وآله. أمر الله بالدّخول فيه(٥) .

عن أبي بكر الكلبيّ، عن أبي جعفر، عن أبيه ـ عليهما السّلام ـ في قوله:( ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً ) ، هو ولايتنا.

عن سعدة بن صدقة(٦) ، عن جعفر بن محمّد، عن أبيه، عن جدّه قال: قال أمير المؤمنين ـ عليه السّلام: وقد ذكر عترة خاتم النّبيّين والمرسلين وهم باب السّلم فادخلوا في السلم ولا تتّبعوا خطوات الشّيطان.

والحديث طويل. أخذت منه موضع الحاجة.

وروى الشّيخ أبو جعفر بن بابويه ـ ره ـ في أماليه(٧) ، عن محمّد بن القطّان، بإسناده عن عليّ بن بلال، عن الإمام عليّ بن موسى، عن موسى بن جعفر عن جعفر بن محمّد، عن محمّد بن عليّ، عن عليّ بن الحسين، عن الحسين بن عليّ، عن عليّ بن أبي طالب، عن النّبيّ ـ عليهم السّلام ـ عن جبرئيل، عن ميكائيل، عن إسرافيل، عن اللّوح عن القلم قال: يقول الله ـ تبارك وتعالى: ولاية عليّ بن أبي طالب حصني. ومن

__________________

(١) ما بين المعقوفتين ليس في أ.

(٢) المصدر: أنت أعلم.

(٣) نفس المصدر ونفس الموضع، ح ٢٩٥.

(٤) نفس المصدر ونفس الموضع، ح ٢٩٦.

(٥) نفس المصدر ونفس الموضع، ح ٢٩٧.

(٦) نفس المصدر ونفس الموضع، ح ٣٠٠.

(٧) أمالي الصدوق / ١٩٥، المجلس ٤١، ح ٩.

٣١٠

دخل حصني أمن من ناري.

[وفي شرح الآيات الباهرة(١) : ذكر الحسن بن الحسن الدّيلميّ(٢) ـ رحمه الله ـ بإسناده عن جابر بن يزيد، عن أبي جعفر ـ عليه السّلام ـ في قول الله ـ عزّ وجلّ:( يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً ) قال: «السّلم»، ولاية أمير المؤمنين وولاية أولاده ـ صلوات الله عليهم أجمعين].(٣)

( فَإِنْ زَلَلْتُمْ ) عن الدّخول في السّلم،( مِنْ بَعْدِ ما جاءَتْكُمُ الْبَيِّناتُ ) : الآيات والحجج على أنّه الحقّ،( فَاعْلَمُوا أَنَّ اللهَ عَزِيزٌ ) لا يعجزه الانتقام،( حَكِيمٌ ) (٢٠٩) لا ينتقم إلا على الحقّ.

( هَلْ يَنْظُرُونَ ) : استفهام في معنى النّفي. ولذلك جاء بعده.

( إِلَّا أَنْ يَأْتِيَهُمُ اللهُ ) ، أي: يأتيهم أمره، أو بأسه، أو يأتيهم الله بأمره، أو بأسه.

فحذف المأتيّ به للقرينة.

( فِي ظُلَلٍ ) : جمع ظلّة، كقلّة وقلل. وهي ما أظلّك. وقرئ ظلال، كقلال.

( مِنَ الْغَمامِ ) : السّحاب الأبيض.

وإنّما يأتيهم العذاب فيه، لأنّه مظنّة الرّحمة. فإذا جاء منه العذاب، كان أفظع.

لأنّ الشّرّ إذا جاء من حيث لا يحتسب كان أصعب. فكيف إذا جاء من حيث يحتسب الخير.

( وَالْمَلائِكَةُ ) فإنّهم الواسطة في إتيان أمره والآتون على الحقيقة ببأسه.

وقرئ بالجرّ عطفا على ظلل، أو الغمام.

وفي عيون الأخبار(٤) : محمّد بن أحمد بن إبراهيم المعاذي(٥) ، قال: حدّثنا أحمد بن محمد بن سعيد الكوفي الهمدانيّ، قال: حدّثنا عليّ بن الحسن بن عليّ بن فضال، عن أبيه، قال: سألت الرّضا ـ عليه السّلام ـ إلى أن قال: وسألته عن قول الله تعالى:( هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا أَنْ يَأْتِيَهُمُ اللهُ فِي ظُلَلٍ مِنَ الْغَمامِ وَالْمَلائِكَةُ ) .

__________________

(١) تأويل الآيات الباهرة، مخطوط / ٢٨.

(٢) المصدر: الحسن بن أبي الحسن الديلمي.

(٣) ما بين المعقوفتين ليس في أ.

(٤) عيون أخبار الرضا ١ / ١٢٥ ـ ١٢٦، مقطع من ح ١٩.

(٥) كذا في المصدر. وفي النسخ: المعادى.

٣١١

قال: يقول: هل ينظرون إلى أن يأتيهم [الله](١) بالملئكة في ظلل من الغمام.

وهكذا نزلت.

وأمّا ما روى [في تفسير العيّاشيّ(٢) ](٣) عن جابر قال: قال أبو جعفر ـ عليه السّلام ـ في قوله تعالى:( فِي ظُلَلٍ مِنَ الْغَمامِ وَالْمَلائِكَةُ وَقُضِيَ الْأَمْرُ ) قال: «ينزل في سبع قباب(٤) من نور لا يعلم في ايّها هو حين ينزل في ظهر الكوفة، فهذا حين ينزل»، فيمكن أن يكون المراد منه بيان كيفيّة نزول أمره حينئذ. ويكون فاعل «نزل» الملك الموكّل بالأمر.

( وَقُضِيَ الْأَمْرُ ) : اتمّ أمر إهلاكهم وفرغ منه.

وضع الماضي موضع المستقبل، لدنوّه وتيقّن وقوعه.

وقرئ «وقضاء الأمر» عطفا على الملائكة

[وفي تفسير العيّاشي(٥) :](٦) عن أبي حمزة، عن أبي جعفر ـ عليه السّلام ـ في حديث طويل وفي آخره: وأمّا قضاء الأمر فهو الوسم على الخرطوم، يوم يوسم الكافر.

( وَإِلَى اللهِ تُرْجَعُ الْأُمُورُ ) (٢١٠) :

قراءة ابن كثير ونافع وأبي عمر وعاصم بالبناء للمفعول. وعلى أنّه من الرّجع. وقرأ الباقون على البناء للفاعل بالتّأنيث، غير يعقوب، على أنّه من الرّجوع. وقرئ، أيضا.

بالتّذكير وبناء المفعول.

وفي تفسير عليّ بن إبراهيم(٧) : حدّثني أبي، عن محمّد بن أبي عمير، عن منصور بن يونس، عن عمرو بن شيبة، عن أبي جعفر ـ عليه السّلام ـ قال: سمعته يقول ابتداء منه: إنّ الله إذا بدا له أن يبين خلقه ويجمعهم لما لا بدّ منه، أمر مناديا ينادي. فاجتمع الجنّ والإنس في أسرع من طرفة عين. ثمّ أذن لسماء الدّنيا. فتنزل. وكان من وراء النّاس. وأذن للسّماء الثّانية. فتنزل. وهي ضعف الّتي تليها.

فإذا رآها أهل سماء الدّنيا قالوا: جاء ربّنا.

قالوا: لا. وهوآت، يعني: أمره. حتّى تنزل. كلّ سماء يكون كلّ واحدة منها من

__________________

(١) يوجد في المصدر.

(٢) تفسير العياشي ١ / ١٠٣، ح ٣٠١.

(٣) ليس في أ.

(٤) أ: قبّات.

(٥) نفس المصدر ونفس الموضع، ح ٣٠٣.

(٦) ليس في أ.

(٧) تفسير القمي ٢ / ٧٧.

٣١٢

وراء الأخرى. وهي ضعف الّتي يليها. ثمّ ينزل أمر الله في ظلل من الغمام والملائكة وقضي الأمر وإلى ربّكم ترجع الأمور.

ثمّ يأمر الله مناديا ينادي: يا معشر الجنّ والإنس!( إِنِ اسْتَطَعْتُمْ أَنْ تَنْفُذُوا مِنْ أَقْطارِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ فَانْفُذُوا لا تَنْفُذُونَ إِلَّا بِسُلْطانٍ ) (١) .

والحديث طويل. أخذت منه موضع الحاجة.

( سَلْ بَنِي إِسْرائِيلَ ) :

أمر للرّسول، أو لكلّ أحد. والمراد بهذا السّؤال تقريعهم.

( كَمْ آتَيْناهُمْ مِنْ آيَةٍ بَيِّنَةٍ ) : معجزة ظاهرة، أو آية في الكتب شاهدة على الحقّ والصّواب على أيدي الأنبياء.

و «كم» خبريّة أو استفهاميّة مقرّرة. ومحلها النّصب على المفعوليّة، أو الرّفع بالابتداء على حذف العائد من الخبر وآية مميّزها.

و «من» للفصل.

( وَمَنْ يُبَدِّلْ نِعْمَةَ اللهِ ) ، أي: آياته. فإنّها سبب الهدى الّذي هو أجلّ النّعم بجعلها سبب الضّلالة وازدياد الرّجس، أو بالتّحريف والتّأويل الزّائغ.

ومن جملة نعم الله العظمى، ولاية أمير المؤمنين ـ عليه السّلام ـ والأئمّة الأوصياء من بعده.

( مِنْ بَعْدِ ما جاءَتْهُ ) : من بعد ما وصلت إليه وتمكّن من معرفتها.

( فَإِنَّ اللهَ شَدِيدُ الْعِقابِ ) (٢١١): فيعاقبه أشدّ عقوبة. لأنّه ارتكب أشدّ جريمة.

وفي روضة الكافي(٢) : عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن عليّ بن أسباط، عن عليّ بن أبي حمزة، عن أبي بصير، عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام( وَاتَّبَعُوا ما تَتْلُوا الشَّياطِينُ ) بولاية الشّياطين( عَلى مُلْكِ سُلَيْمانَ ) . ويقرأ ايضا،:( سَلْ بَنِي إِسْرائِيلَ كَمْ آتَيْناهُمْ مِنْ آيَةٍ بَيِّنَةٍ ) فمنهم من آمن ومنهم من جحد ومنهم من أقرّ ومنهم من بدّل.( وَمَنْ يُبَدِّلْ نِعْمَةَ اللهِ مِنْ بَعْدِ ما جاءَتْهُ فَإِنَّ اللهَ شَدِيدُ الْعِقابِ ) .

( زُيِّنَ لِلَّذِينَ كَفَرُوا الْحَياةُ الدُّنْيا ) : حسنت في أعينهم وأشربت(٣) محبّتها في قلوبهم

__________________

(١) الرحمن / ٣٣.

(٢) الكافي ٨ / ٢٩٠، ح ٤٤٠.

(٣) ر: شربت.

٣١٣

حتّى تهالكوا عليها وأعرضوا عن غيرها.

وفي وصفهم بالكفر، إشعار بأنّ لذلك الوصف دخلا في التّزيين. وهو كذلك لأنّهم بسبب دين الكفر وقساوته صارت طبائعهم أميل إلى ما تشتهيه القوّة الحيوانيّة وغفلوا عن المثوبات الأخرويّة.

[وفي مجمع البيان(١) :( زُيِّنَ لِلَّذِينَ كَفَرُوا الْحَياةُ الدُّنْيا ) ، فإنّ الإنسان إنّما يكلّف بأن يدعى إلى شيء تنفر نفسه عنه، أو يزجر عن تتوق شيء نفسه إليه. وهذا معنى

قول النّبيّ ـ صلّى الله عليه وآله: حفّت الجنّة بالمكاره. وحفّت النّار بالشّهوات].(٢)

( وَيَسْخَرُونَ مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا ) : يريد فقراء المؤمنين، كبلال وعمّار وصهيب، أي: يسترذلونهم، أو يستهزؤن بهم على رفضهم الدّنيا وإقبالهم على العقبى.

و «من» للابتداء. كأنّهم جعلوا السّخرية مبتدئة منهم.

( وَالَّذِينَ اتَّقَوْا فَوْقَهُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ ) . لأنّهم في أعلى علّييّن وهم في أسفل السّافلين. أو لأنّهم في كرامة وهم في مذلّة. أو لأنّهم يتطاولون عليهم فيسخرون منهم كما سخروا منهم في الدّنيا. وإنّما قال:( وَالَّذِينَ اتَّقَوْا ) ، بعد قوله:( الَّذِينَ آمَنُوا ) ليدلّ على أنّهم متّقون. وأنّ استعلاءهم للتّقوى.

( وَاللهُ يَرْزُقُ مَنْ يَشاءُ ) في الدّارين،( بِغَيْرِ حِسابٍ ) (٢١٢): بغير تقدير. فيوسع في الدّنيا استدراجا، تارة، وابتلاء أخرى.

( كانَ النَّاسُ أُمَّةً واحِدَةً ) : كلّهم ضلّالا، قبل نوح.

( فَبَعَثَ اللهُ النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ ) :

عن كعب(٣) : الّذي علمته من عدد الأنبياء، مائة وأربعة وعشرون ألفا. والمرسل منهم، ثلاثمائة وثلاثة عشر. والمذكور في القرآن باسم العلم، ثمانية وعشرون.

( وَأَنْزَلَ مَعَهُمُ الْكِتابَ ) : يريد به الجنس. ولا يريد به أنّه أنزل مع كلّ واحد كتابا يخصّه. فإنّ أكثرهم لم يكن لهم كتاب يخصّهم. وإنّما يأخذون بكتاب من قبلهم.

( بِالْحَقِ ) : حال من الكتاب، أي: متلبّسا بالحقّ، شاهرا به.

__________________

(١) مجمع البيان ١ / ٣٠٥.

(٢) ما بين المعقوفتين ليس في أ.

(٣) أنوار التنزيل ١ / ١١٣.

٣١٤

( لِيَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ ) ، أي: الله، أو النّبيّ المبعوث، أو الكتاب.

( فِيمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ ) ، أي: فيما التبس عليهم. وتخلّفوا فيه عن الحقّ.

( وَمَا اخْتَلَفَ فِيهِ إِلَّا الَّذِينَ أُوتُوهُ ) ، أي: ما اختلف في الكتاب أو الحقّ بعد إتيانه إلّا الّذين أوتوه. وصار مبدأ الخلاف ناشئا عنهم وتبعهم فيه من بعدهم، أي: عكسوا الامر فجعلوا ما أنزل، مزيحا للالتباس، سببا لاستحكامه.

( مِنْ بَعْدِ ما جاءَتْهُمُ الْبَيِّناتُ بَغْياً بَيْنَهُمْ ) : حسدا بينهم وظلما لحرصهم على الدّنيا.

( فَهَدَى اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا لِمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ ) ، أي: للحقّ الّذي اختلف فيه من اختلف.

( مِنَ الْحَقِ ) : بيان لما اختلفوا فيه.

( بِإِذْنِهِ ) : بأمره ولطفه.

( وَاللهُ يَهْدِي مَنْ يَشاءُ إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ ) (٢١٣): لا يضلّ سالكه.

وفي روضة الكافي(١) : حميد بن زياد، عن الحسن بن محمّد الكنديّ، عن أحمد بن عديس(٢) ، عن يعقوب بن شعيب أنّه سأل أبا عبد الله ـ عليه السّلام ـ عن قول الله ـ عزّ وجلّ:( كانَ النَّاسُ أُمَّةً واحِدَةً ) فقال: كان(٣) قبل نوح أمّة ضلال فبدا لله(٤) فبعث المرّسلين. وليس كما يقولون. ولم يزل. وكذبوا.

وفي تفسير العيّاشيّ(٥) : عن يعقوب بن شعيب قال: سألت أبا عبد الله ـ عليه السّلام ـ عن قول الله ـ عزّ وجلّ:( كانَ النَّاسُ أُمَّةً واحِدَةً ) قال: كان هذا قبل نوح أمّة واحدة. فبدا لله. فأرسل الرّسل قبل نوح. قلت: أعلى هدى كانوا أم على ضلالة؟

قال: بل كانوا(٦) ضلالا(٧) لا مؤمنين ولا كافرين ولا مشركين.

وعن مسعدة(٨) ، عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ في قول الله(٩) :

__________________

(١) الكافي ٨ / ٨٢، ح ٤٠، وله تتمة. وفي ر: روضة الكافي: علي بن إبراهيم.

(٢) المصدر: أحمد بن عيسى عن أبان.

(٣) المصدر: كان الناس.

(٤) النسخ: عند الله. وما في المتن موافق المصدر.

(٥) تفسير العياشي ١ / ١٠٤، ح ٣٠٦.

(٦) ليس في ر.

(٧) المصدر: ضلالا كانوا.

(٨) نفس المصدر ونفس الموضع، ح ٣٠٩.

(٩) «في قول الله» ليس في ر.

٣١٥

( كانَ النَّاسُ أُمَّةً واحِدَةً فَبَعَثَ اللهُ النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ ) فقال: كان ذلك قبل نوح.

قيل: فعلى هدى كانوا؟

قال: لا. كانوا ضلّالا(١) . وذلك أنّه لـمّا انقرض آدم وصالح(٢) ذرّيّته بقي شيث وصيّه لا يقدر على إظهار دين الله الّذي كان عليه آدم وصالح ذرّيّته وذلك أنّ قابيل توعّده(٣) بالقتل كما قتل أخاه هابيل. فسار فيهم بالتّقيّة والكتمان. فازداد وأكل يوم ضلالا حتّى لم يبق على الأرض معهم إلّا من هو سلف. ولحق الوصيّ بجزيرة في البحر يعبد الله. فبدا لله ـ تبارك وتعالى ـ أن يبعث الرّسل. ولو سئل هؤلاء الجهّال لقالوا: «قد فرغ من الأمر.» وكذبوا. إنّما(٤) هو شيء يحكم به الله في كلّ عام ـ ثمّ قرأ(٥) :( فِيها يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ ) .

ـ فيحكم الله ـ تبارك وتعالى ـ ما يكون في تلك السّنة، من شدّة، أو رخاء، أو مطر، أو غير ذلك.

قلت: أفضلالا(٦) كانوا قبل النّبيّين، أم على هدى؟

قال: لم يكونوا على هدى. كانوا على فطرة الله الّتي فطرهم عليها لا تبديل لخلق الله(٧) . ولم يكونوا ليهتدوا حتّى يهديهم الله. أما تسمع يقول إبراهيم(٨) :( لَئِنْ لَمْ يَهْدِنِي رَبِّي لَأَكُونَنَّ مِنَ الْقَوْمِ الضَّالِّينَ ) ، أي: ناسيا(٩) للميثاق.

وأمّا ما رواه في مجمع البيان(١٠) ، عن أبي جعفر الباقر ـ عليه السّلام ـ أنّه قال: «كانوا قبل نوح أمّة واحدة على فطرة الله، لا مهتدين ولا ضالّين(١١) . فبعث الله النّبيّين»

فالمراد من الضّالّ، الكافر. والمراد به في الأخبار السّابقة الّذي على الفطرة لم يهتد إلى الحقّ بالبرهان، فلا منافاة.

__________________

(١) ر: اضلالا.

(٢) المصدر: صلح.

(٣) المصدر: تواعده.

(٤) المصدر: هي.

(٥) الدخان / ٤.

(٦) كذا في المصدر. وفي النسخ: أفضلّال.

(٧) إشاره الى آية.

(٨) الأنعام / ٧٧.

(٩) كذا في المصدر. وفي النسخ: ثابتا.

(١٠) مجمع البيان ١ / ٣٠٧.

(١١) المصدر: لا ضلّالا.

٣١٦

[وفي تفسير عليّ بن إبراهيم(١) : قوله:( كانَ النَّاسُ أُمَّةً واحِدَةً ) قال: قبل نوح ـ عليه السّلام ـ على مذهب واحد. فاختلفوا. فبعث الله النّبيّين مبشّرين ومنذرين. وأنزل معهم الكتاب بالحقّ، ليحكم بين النّاس فيما اختلفوا فيه].(٢) ( أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ ) : خاطب به النّبيّ والمؤمنين، بعد ما ذكر اختلاف الأمم على الأنبياء بعد مجيء الآيات، تشجيعا لهم على الثّبات، مع مخالفيهم.

و «أم منقطعة». ومعناها الإنكار.

( وَلَمَّا يَأْتِكُمْ ) : ولم يأتكم.

قيل(٣) : وأصل «لمّا»، لم. زيدت عليها «ما.» وفيها توقّع. ولذلك جعل مقابل «قد.»( مَثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ ) ، أي: حالهم الّتي هي مثل في الشّدّة.

( مَسَّتْهُمُ الْبَأْساءُ وَالضَّرَّاءُ ) : بيان له على الاستئناف.

( وَزُلْزِلُوا ) ، أي: أزعجوا إزعاجا شديدا بما أصابهم من الشّدائد.

( حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ ) لتناهى الشّدّة واستطالة المدّة، بحيث تقطّعت حبال الصّبر.

وقرأ نافع يقول (بالرّفع) على أنّها حكاية حال ماضية، كقولك: مرض فلان حتّى لا يرجونه.

( مَتى نَصْرُ اللهِ ) : استبطاء له لتأخّره.

( أَلا إِنَّ نَصْرَ اللهِ قَرِيبٌ ) (٢١٤): استئناف على إرادة القول، أي: فقيل لهم ذلك إسعافا لهم إلى طلبتهم من عاجل النّصر.

في الخرائج والجرائح،(٤) عن زين العابدين، عن آبائه ـ عليهم السّلام ـ قال: فما تمدّون أعينكم. ألستم آمنين؟ لقد كان من قبلكم ممّن هو على ما أنتم عليه. يؤخذ. فتقطع يده ورجله. ويصلب. ثمّ تلا(٥) :( أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُمْ مَثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ ) .

__________________

(١) تفسير القمي ١ / ٧١.

(٢) ما بين المعقوفتين ليس في أ.

(٣) أنوار التنزيل ١ / ١١٣.

(٤) تفسير نور الثقلين ١ / ٢٠٩، ح ٧٨٦، نقلا عن الخرائج والجرائح.

(٥) البقرة / ٢١٤.

٣١٧

(الآية).

وفي روضة الكافي: محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد بن عيسى، عن الحسين بن سيف، عن أخيه، عن أبيه، عن أبي بكر بن محمّد قال: سمعت أبا عبد الله ـ عليه السّلام ـ يقرأ: وزلزلوا ثمّ زلزلوا حتّى يقول الرّسول.

( يَسْئَلُونَكَ ما ذا يُنْفِقُونَ ) :

عن ابن عبّاس(١) : أنّ عمرو بن الجموح الأنصاريّ كان همّا ذا مال عظيم. فقال: يا رسول الله! ما ذا ننفق من أموالنا؟ وأين نضعها؟ فنزلت:( قُلْ ما أَنْفَقْتُمْ مِنْ خَيْرٍ فَلِلْوالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ وَالْيَتامى وَالْمَساكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ ) : سئل عن المنفق، فأجيب ببيان المصرف. لأنّه أهم. فإنّ اعتداد النّفقة باعتباره.

ولأنّه كان في سؤال عمرو وإن لم يكن مذكورا في الآية. ذكر بعض المصارف. ثمّ عمّم بقوله:( وَما تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ ) : «ما»، شرطيّة.

( فَإِنَّ اللهَ بِهِ عَلِيمٌ ) (٢١٥)، جوابه، أي: إن تفعلوا خيرا فإنّ الله يعلمه ويجازي عليه.

( كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَكُمْ ) : مكروه طبعا.

وهو مصدر نعت به للمبالغة، أو فعل بمعنى المفعول كالخبر.

وقرئ بالفتح، على أنّه لغة فيه كالضّعف، أو بمعنى الإكراه، على المجاز.

( وَعَسى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئاً وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ ) : حفّت الجنّة بالمكاره.

( وَعَسى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئاً وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ ) : حفّت النّار بالشّهوات.

( وَاللهُ يَعْلَمُ ) ما هو خير لكم.

( وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ ) (٢١٦) ذلك، أو لستم من أهل العلم.

( يَسْئَلُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرامِ ) :

قال البيضاوىّ(٢) : روى أنّه ـ عليه الصلاة والسّلام ـ بعث عبد الله بن جحش ،

__________________

(١) مجمع البيان ١ / ٣٠٨.

(٢) أنوار التنزيل ١ / ١١٤.

٣١٨

ابن عمّته، على سريّة، في جمادي الآخرة، قبل بدر، بشهرين، يترصّد عيرا لقريش، فيهم عمرو بن عبد الله الحضرميّ وثلاثة معه. فقتلوه. وأسروا اثنين واستاقوا العير. وفيها تجار الطّايف. وكان ذلك غرّة رجب وهم يظنّونه من جمادي الآخرة.

فقالت قريش: استحلّ محمّد الشّهر الحرام، شهرا يأمن فيه الخائف(١) .

وشقّ ذلك على أصحاب السّريّة. وقالوا: ما نبرح حتّى تنزل توبتنا.

وردّ رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ العير والأسارى.

وعن ابن عبّاس: لـمّا نزلت، أخذ رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ الغنيمة.

وهي أوّل غنيمة في الإسلام. والسّائلون هم المشركون كتبوا إليه في ذلك تشنيعا وتعييرا.

وقيل: أصحاب السّريّة.

( قِتالٍ فِيهِ ) :

بدل اشتمال.

وقرئ: عن قتال.

( قُلْ قِتالٌ فِيهِ كَبِيرٌ ) ، أي: كبير لو لم يكن يعارضه ما هو أكبر منه.

( وَصَدٌّ عَنْ سَبِيلِ اللهِ ) ، أي: المنع والصّرف عن الإسلام وما يوصل إلى الله.

( وَكُفْرٌ بِهِ ) ، أي: بالله.

( وَالْمَسْجِدِ الْحَرامِ ) ، أي: وصدّ عن المسجد الحرام.

( وَإِخْراجُ أَهْلِهِ مِنْهُ ) : وهم النّبيّ والمؤمنون.

( أَكْبَرُ عِنْدَ اللهِ ) ممّا فعلته السّريّة، خطأ بناء على الظّنّ. وهو خبر عن الأشياء الأربعة المعدودة. وإفراده بناء على تنكيره.

( وَالْفِتْنَةُ أَكْبَرُ مِنَ الْقَتْلِ ) ، أي: ما ارتكبوه من الإخراج والشّرك، أفظع ممّا ارتكبوه من قتل الحضرميّ.

( وَلا يَزالُونَ يُقاتِلُونَكُمْ حَتَّى يَرُدُّوكُمْ عَنْ دِينِكُمْ ) : إخبار عن دوام عداوة الكفّار لهم وأنّهم لا ينفكّون عنها، حتّى يردّوهم عن دينهم.

و «حتّى»، للتّعليل.

( إِنِ اسْتَطاعُوا ) : وهو استبعاد لاستطاعتهم، كقول الواثق بقوّته على قرنه: «إن

__________________

(١) المصدر: يأمن فيه الخائف ويذعر فيه الناس إلى معايشهم.

٣١٩

ظفرت بي فلا تبق علىّ» وإيذان بأنّهم لا يردّونهم.

( وَمَنْ يَرْتَدِدْ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كافِرٌ فَأُولئِكَ حَبِطَتْ أَعْمالُهُمْ ) : وقرئ: «حبطت» (بالفتح) وهو لغة فيه.

( فِي الدُّنْيا ) ، لبطلان ما تخيّلوه وفوات ما للإسلام من الفوائد الدّنيويّة( وَالْآخِرَةِ ) ، بسقوط الثّواب.

( وَأُولئِكَ أَصْحابُ النَّارِ هُمْ فِيها خالِدُونَ ) (٢١٧)، كسائر الكفرة.

( إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا ) :

قيل(١) : نزلت في السّريّة، لما ظنّ بهم أنّهم إن سلموا من الإثم، فليس لهم أجر.

( وَالَّذِينَ هاجَرُوا وَجاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللهِ ) :

كرّر الموصول لتعظيم الهجرة والجهاد. فكأنّهما مستقلّان في تحقيق الرّجاء.

( أُولئِكَ يَرْجُونَ رَحْمَتَ اللهِ ) : ثوابه. أثبت لهم الرّجاء، اشعارا بأنّ العمل غير موجب ولا قاطع في الدّلالة، سيّما والعبرة بالخواتيم.

( وَاللهُ غَفُورٌ ) للكبير الّذي عارضه أكبر،( رَحِيمٌ ) (٢١٨) بإجزال الأجر والثّواب.

( يَسْئَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ ) :

«الخمر» في الأصل، مصدر خمرة، إذا ستره سمّي بها. لأنّه يخمر العقل.

في مجمع البيان(٢) : «الخمر» كلّ شراب مسكر مخالط للعقل مغطّ عليه. وما أسكر كثيره فقليله، خمر. هذا هو الظّاهر في روايات أصحابنا.

و «الميسر»، أيضا، مصدر كالموعد سمّي به القمار. لأنّه أخذ مال الغير بيسر، أو سلب يساره.

وفي تفسير العيّاشيّ(٣) : عن حمدوية، عن محمّد بن عيسى قال: سمعته يقول: كتب إليه إبراهيم بن عتبه(٤) ، يعني: إلى عليّ بن محمّد ـ عليهما السّلام: إن رأى سيدي ومولاي أن يخبرني عن الخمر والميسر الآية. فما الميسر(٥) ؟ جعلت فداك!

__________________

(١) مجمع البيان ١ / ٣١٣.

(٢) مجمع البيان ١ / ٣١٦.

(٣) تفسير العياشي ١ / ١٠٥ ـ ١٠٦، ح ٣١١.

(٤) هكذا في النسخ. وفي المصدر: عنبسة. ولعلم: عتبة.

(٥) كذا في المصدر. وفي النسخ: المنفعة.

٣٢٠

فكتب: كلّ ما قومر به فهو الميسر. وكلّ مسكر حرام.

وعن عامر بن السبط(١) ، عن عليّ بن الحسين ـ عليهما السّلام ـ قال: الخمر من ستّة أشياء: التّمر والزّبيب والحنطة والشّعير والعسل والذرة.

وفي الكافي(٢) : محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد، عن معمّر بن خلّاد، عن أبي الحسن ـ عليه السّلام ـ قال: النّرد والشّطرنج، بمنزلة واحدة. وكل ما قومر عليه فهو ميسر.

عدّة من أصحابنا(٣) ، عن سهل بن زياد، عن ابن أبي نجران، عن مثنى الحنّاط(٤) ، عن أبي بصير، عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ قال: قال أمير المؤمنين ـ عليه السّلام: الشّطرنج والنّرد هما الميسر.

محمّد بن يحيى(٥) عن أحمد بن محمّد، عن محمّد بن سنان، عن عبد الملك القمي قال: كنت أنا وإدريس أخي عند أبي عبد الله ـ عليه السّلام. فقال إدريس: جعلنا الله فداك! ما الميسر؟

فقال أبو عبد الله ـ عليه السّلام. هي الشّطرنج.

قال: فقلت عندهم(٦) يقولون: إنّها النّرد.

قال: والنّرد أيضا.

قال البيضاويّ(٧) : روى أنّه نزل بمكّة، قوله(٨) ( وَمِنْ ثَمَراتِ النَّخِيلِ وَالْأَعْنابِ تَتَّخِذُونَ مِنْهُ سَكَراً ) .(٩) فأخذ المسلمون يشربونها. ثمّ أنّ عمر ومعاذا في نفر من الصّحابة، قالوا: أفتنا، يا رسول الله! في الخمر؟ فإنّها مذهبة للعقل(١٠) فنزلت هذه الآية. فشربها قوم وتركها آخرون. [ثمّ دعا عبد الرّحمن بن عوف ناسا منهم. فشربوا. فسكروا. فأمّ أحدهم.

فقرأ: «أعبد ما تعبدون.» فنزلت:( لا تَقْرَبُوا الصَّلاةَ وَأَنْتُمْ سُكارى ) (١١) . فقلّ من

__________________

(١) نفس المصدر ونفس الموضع، ح ٣١٣.

(٢) الكافي ٦ / ٤٣٥، ح ١.

(٣) نفس المصدر ونفس الموضع، ح ٣.

(٤) أ: الخيّاط.

(٥) نفس المصدر ٦ / ٤٣٦، ح ٨.

(٦) المصدر: أما أنتم.

(٧) أنوار التنزيل ١ / ١١٥ ـ ١١٦.

(٨) النحل / ٦٧.

(٩) المصدر: سكرا ورزقا حسنا.

(١٠) مذهبة للعقل مسلبة للمال.

(١١) النساء / ٤٣.

٣٢١

يشربها].(١) ثمّ دعا عتبان بن مالك، سعد بن أبي وقّاص في نفر. فلمّا سكروا افتخروا وتناشدوا. فأنشد سعد شعرا، فيه هجاء الأنصار. فضربه أنصاريّ بلحى بعير. فشجّه.

فشكى إلى رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله. فقال عمر: «اللهمّ بيّن لنا في الخمر بيانا شافيا.» فنزلت:( إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ ) ـ إلى قوله ـ( فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ ) . فقال عمر: انتهينا يا ربّ.

وهذا النّقل منه يدلّ على عدم حرمة الخمر في أوّل الإسلام وعدم انتهاء عمر عن الخمر قبل نزول «إنّما الخمر» (إلى آخره.) والصّحيح أنّ الخمر كان حراما وهذا أوّل آية نزلت في التّحريم.

روى في الكافي(٢) : عن بعض أصحابنا ـ مرسلا ـ قال: إنّ أوّل ما نزل في تحريم الخمر، قول الله ـ عزّ وجلّ:( يَسْئَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِما إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنافِعُ لِلنَّاسِ وَإِثْمُهُما أَكْبَرُ مِنْ نَفْعِهِما ) . فلمّا نزلت الآية أحسّ القوم بتحريم الخمر. وعلموا أنّ الإثم ينبغي(٣) اجتنابه. ولا يحمل الله ـ عزّ وجلّ ـ عليهم من كلّ طريق. لأنه قال:( وَمَنافِعُ لِلنَّاسِ ) . ثمّ أنزل ـ عزّ وجلّ ـ آية أخرى. (الحديث).

ويدلّ عليه أيضا الأخبار السّابقة وقوله :

( قُلْ فِيهِما إِثْمٌ كَبِيرٌ ) من حيث أنّه يؤدّي إلى الانتكاب عن المأمور به وارتكاب المنهيّ عنه.

( وَمَنافِعُ لِلنَّاسِ ) من كسب المال والطّرب والالتّذاذ ومصادفة الفتيان.

( وَإِثْمُهُما أَكْبَرُ مِنْ نَفْعِهِما ) ، أي: المفاسد الّتي تنشأ منهما أعظم من المنافع المتوقّعة منهما. والمفسدة إذا ترجّحت على المصلحة، اقتضت تحريم الفعل.

[وفي أصول الكافي(٤) : عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن الرّيّان بن الصّلت قال: سمعت الرّضا ـ عليه السّلام ـ يقول: ما بعث الله نبيّا إلّا بتحريم الخمر، وأن يقرّ لله بالبداء.

( وَيَسْئَلُونَكَ ما ذا يُنْفِقُونَ ) قيل: سائله عمرو بن الجموح. سأل أوّلا عن المنفق والمسرف، وثانيا عن كيفيّة

__________________

(١) ما بين المعقوفتين ليس في أ.

(٢) الكافي ٦ / ٤٠٦، ح ٢.

(٣) المصدر: فما ينبغي.

(٤) الكافي ١ / ١٤٨، ح ١٥.

٣٢٢

الإنفاق.

( قُلِ الْعَفْوَ ) ، أي: الوسط، لا إقتار ولا إسراف. والعفو» ضدّ الجهد. ومنه يقال للأرض السّهلة: العفو].(١)

وفي الكافي(٢) : عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير(٣) ، عن رجل(٤) ، عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ في قول الله ـ عزّ وجلّ:( وَيَسْئَلُونَكَ ما ذا يُنْفِقُونَ قُلِ الْعَفْوَ ) قال: العفو، الوسط.

وفي تفسير عليّ بن إبراهيم(٥) : قوله:( وَيَسْئَلُونَكَ ما ذا يُنْفِقُونَ قُلِ الْعَفْوَ ) قال :لا إقتار ولا إسراف.

وفي مجمع البيان(٦) :( قُلِ الْعَفْوَ ) فيه أقوال ـ إلى قوله ـ وثالثها أنّ العفو ما فضل عن قوت السّنة

ـ عن الباقر ـ عليه السّلام. قال: ونسخ ذلك بآية الزّكاة.

( كَذلِكَ ) ، أي: مثل ما بيّن أنّ العفو أصلح، أو ما ذكر من الأحكام.

والكاف في موضع النّصب، صفة لمصدر محذوف، أي: تبيينا مثل هذا التّبيين. ووحدّ العلامة. والمخاطب جمع على تأويل القبيل والجمع.

( يُبَيِّنُ اللهُ لَكُمُ الْآياتِ ) الدّالّة على ما فيه إرشادكم.

( لَعَلَّكُمْ تَتَفَكَّرُونَ ) (٢١٩) في الدّلائل والأحكام.

( فِي الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ ) : في أمور الدّارين، فتأخذون بالأصلح وتتركون المضرّ.

( وَيَسْئَلُونَكَ عَنِ الْيَتامى ) :

في تفسير عليّ بن إبراهيم(٧) : حدّثني أبي، عن صفوان، عن عبد الله بن مسكان، عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام: أنّه لـمّا أنزلت(٨) ( إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوالَ الْيَتامى ظُلْماً إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ ناراً وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيراً ) أخرج كلّ من كان عنده يتيم، وسألوا رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ في إخراجهم. فأنزل الله ـ تبارك وتعالى:( وَيَسْئَلُونَكَ عَنِ الْيَتامى قُلْ إِصْلاحٌ لَهُمْ خَيْرٌ وَإِنْ تُخالِطُوهُمْ فَإِخْوانُكُمْ وَاللهُ يَعْلَمُ الْمُفْسِدَ مِنَ الْمُصْلِحِ ) .

__________________

(١) ما بين المعقوفتين ليس في أ.

(٢) الكافي ٤ / ٥٢، ح ٣.

(٣) هكذا في المصدر. وفي النسخ: ابن أبي بصير.

(٤) المصدر: عن بعض أصحابه.

(٥) تفسير القمي ١ / ٧٢.

(٦) مجمع البيان ١ / ٣١٦.

(٧) تفسير القمي ١ / ٧٢.

(٨) المصدر: أنزلت. (ظ)

٣٢٣

وفي مجمع البيان(١) ، عند قوله( وَآتُوا الْيَتامى أَمْوالَهُمْ ) (الآية) :

روى أنّه لـمّا نزلت هذه الآية، كرهوا مخالطة اليتامى. فشقّ ذلك عليهم فشكوا ذلك إلى رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله. فأنزل الله سبحانه وتعالى( وَيَسْئَلُونَكَ عَنِ الْيَتامى قُلْ إِصْلاحٌ لَهُمْ خَيْرٌ وَإِنْ تُخالِطُوهُمْ فَإِخْوانُكُمْ ) . (الآية) ـ عن الحسن. وهو المرويّ عن السّيدين الباقر والصّادق ـ عليهما السّلام.

( قُلْ إِصْلاحٌ لَهُمْ خَيْرٌ ) ، أي: مداخلتهم لإصلاحهم خير من مجانبتهم.

قال الصّادق ـ عليه السّلام(٢) : لا بأس بأن تخالط طعامك بطعام اليتيم. فإنّ الصّغير يوشك أن يأكل كما يأكل الكبير.

وأمّا الكسوة وغيره، فيحسب على رأس كلّ صغير وكبير وكم يحتاج إليه.

( وَإِنْ تُخالِطُوهُمْ فَإِخْوانُكُمْ ) : حثّ على المخالطة، أي: أنّهم إخوانكم في الدّين.

ومن حقّ الأخ أن يخالط الأخ.

وقيل(٣) : المراد بالمخالطة المصاهرة.

( وَاللهُ يَعْلَمُ الْمُفْسِدَ مِنَ الْمُصْلِحِ ) : وعيد ووعد لمن خالطهم لإفساد وإصلاح، أي: يعلم أمره فيجازيه عليه.

وفي الكافي(٤) : عثمان، عن سماعة قال: سألت أبا عبد الله ـ عليه السّلام ـ عن قول الله ـ عزّ وجلّ:( وَإِنْ تُخالِطُوهُمْ فَإِخْوانُكُمْ ) .

قال: يعني اليتامى. إذا كان الرّجل يلي الأيتام»(٥) . في حجره، فليخرج من ماله على قدر ما يخرج لكلّ إنسان منهم. فيخالطهم. ويأكلون جميعا. ولا يرز أنّ من أموالهم شيئا. إنّما هي النّار.

أحمد بن محمّد(٦) ، عن محمّد بن الفضيل، عن أبي الصّباح الكنانيّ، عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ قال: قلت: أرأيت قول الله ـ عزّ وجلّ:( وَإِنْ تُخالِطُوهُمْ فَإِخْوانُكُمْ ) ؟

قال: تخرج من أموالهم بقدر ما يكفيهم. وتخرج من مالك قدر ما يكفيك. ثمّ شفّعه(٧) .

__________________

(١) مجمع البيان ٢ / ٣ ـ ٤.

(٢) تفسير القمي ١ / ٧٢.

(٣) أنوار التنزيل ١ / ١١٦ ـ ١١٧.

(٤) الكافي ٥ / ١٢٩، ح ٢.

(٥) المصدر: لا يتام.

(٦) الكافي ٥ / ١٣٠، ح ٥.

(٧) المصدر: تنفقه. (ظ)

٣٢٤

قلت: أرأيت إن كانوا يتامى صغارا وكبارا وبعضهم أعلى كسوة من (بعضهم(١) ) وبعضهم آكل من بعض وما لهم جميعا؟

فقال: أمّا الكسوة، فعلى كلّ إنسان منهم ثمن كسوته. وأمّا الطّعام(٢) فاجعلوه [جميعا].(٣) فإنّ الصّغير يوشك أن يأكل مثل الكبير.

والحديث طويل. أخذت منه موضع الحاجة.

محمّد بن يحيى(٤) ، عن أحمد بن محمّد، عن عليّ بن الحكم، عن عبد الله بن يحيى الكاهليّ قال: قيل لأبي عبد الله ـ عليه السّلام: إنّا ندخل على أخ لنا في بيت أيتام، ومعهم خادم لهم، فنقعد على بساطهم، ونشرب من مائهم، ويخد منا خادمهم. وربّما طعمنا فيه الطّعام من غير صاحبنا. وفيه من طعامهم. فما ترى في ذلك؟ فقال: إن كان في دخولكم عليه(٥) منفعة لهم، فلا بأس. وإن كان فيه ضرر، فلا.

وقال ـ عليه السّلام:( بَلِ الْإِنْسانُ عَلى نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ ) .(٦) فأنتم لا يخفى عليكم.

وقد قال الله ـ عزّ وجلّ:( وَاللهُ يَعْلَمُ الْمُفْسِدَ مِنَ الْمُصْلِحِ ) (٧) .

وفي تفسير العيّاشي(٨) : عن أبي حمزة، عن أبي جعفر ـ عليه السّلام ـ قال: جاء رجل إلى النّبيّ ـ صلّى الله عليه وآله ـ فقال: يا رسول الله! إنّ أخي هلك وترك أيتاما ولهم ماشية. فما يحلّ لي منها؟

فقال رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله: إن كنت تليط حوضها وترد نادتها(٩) وتقوم على رعيتها، فاشرب من ألبانها غير مجتهد للحلب ولا ضارّ بالولد.( وَاللهُ يَعْلَمُ الْمُفْسِدَ مِنَ الْمُصْلِحِ ) .

عن عليّ(١٠) ، عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ قال: سألته عن قول الله في اليتامى:( وَإِنْ تُخالِطُوهُمْ فَإِخْوانُكُمْ )

__________________

(١) المصدر: بعض. (ظ)

(٢) المصدر: أكل الطعام.

(٣) يوجد في المصدر.

(٤) الكافي ٥ / ١٢٩، ح ٤.

(٥) المصدر: عليهم.

(٦) القيامة / ١٤.

(٧) المصدر: وقد قال الله ـ عزّ وجلّ:( وَإِنْ تُخالِطُوهُمْ فَإِخْوانُكُمْ ) في الدين( وَاللهُ يَعْلَمُ الْمُفْسِدَ مِنَ الْمُصْلِحِ ) .

(٨) تفسير العيّاشي ١ / ١٠٧ ـ ١٠٨، ح ٣٢١.

(٩) المصدر: فاديتها.

(١٠) نفس المصدر ١ / ١٠٨، ح ٣٢٤.

٣٢٥

قال: يكون له التّمر واللّبن. ويكون لك مثله على قدر ما يكفيك ويكفيهم.

ولا يخفى على الله المفسد من المصلح.

عنه(١) ، عن عبد الله بن حجّاج، عن أبي الحسن موسى ـ عليه السّلام ـ قال: قلت له: يكون لليتيم عندي الشّيء. وهو في حجري، أنفق عليه منه. وربّما أصيب بما(٢) يكون له من طعام(٣) . وما يكون منّى إليه أكثر.

فقال: لا بأس بذلك.( وَاللهُ ) (٤) ( يَعْلَمُ الْمُفْسِدَ مِنَ الْمُصْلِحِ ) .

( وَلَوْ شاءَ اللهُ لَأَعْنَتَكُمْ ) ، أي: ولو شاء الله إعناتكم لأعنتكم، أي: كلّفكم ما يشقّ عليكم من العنت وهي المشقّة ولم يجوز(٥) لكم مداخلتهم.

( إِنَّ اللهَ عَزِيزٌ ) : غالب يقدر على الإعنات.

( حَكِيمٌ ) (٢٢٠): يحكم ما تقتضيه الحكمة ويتّسع له الطّاقة.

( وَلا تَنْكِحُوا الْمُشْرِكاتِ حَتَّى يُؤْمِنَ ) ، أي: ولا تتزوجهنّ.

وقرئ بالضّمّ، أي: ولا تزوجوهنّ من المسلمين.

روى(٦) أنّه ـ عليه السّلام ـ بعث مرشد الغنويّ إلى مكّة، ليخرج أناسا من المسلمين. فأتته عناق. وكان يهوديّا في الجاهليّة.

فقالت: ألا تخلو؟

فقال: إنّ الإسلام حال بيننا.

فقالت: لك أن تتزوّج بي؟

فقال: نعم. ولكن أستأمر رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله.

فاستأمره. فنزلت. والمشركات تعمّ الكتابيّات وغيرهم.

وفي مجمع البيان(٧) ، عند قوله:( وَالْمُحْصَناتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ ) : روى أبو الجارود، عن أبي جعفر ـ عليه السّلام ـ أنّه منسوخ بقوله:( وَلا تَنْكِحُوا الْمُشْرِكاتِ حَتَّى يُؤْمِنَ ) وبقوله(٨) :( وَلا تُمْسِكُوا بِعِصَمِ الْكَوافِرِ ) .

__________________

(١) نفس المصدر ونفس الموضع، ح ٣٢٥.

(٢) المصدر: ربّما أصبت ممّا.

(٣) المصدر: الطعام.

(٤) المصدر: إن الله.

(٥) كذا في أ. وفي الأصل ور: لم تجوز.

(٦) مجمع البيان ١ / ٣١٧.

(٧) نفس المصدر ٢ / ١٦٢.

(٨) الممتحنة / ١٠.

٣٢٦

وفي الكافي(١) : محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد، عن ابن فضال، عن الحسن بن الجهم قال: قال لي أبو الحسن الرّضا ـ عليه السّلام: يا أبا محمّد! ما تقول في رجل يتزوّج نصرانيّة على مسلمة؟

قلت: جعلت فداك! وما قولي بين يديك؟

قال: لتقولنّ فإنّ ذلك يعلم به قولي.

قلت: لا يجوز تزويج النّصرانيّة على مسلمة ولا غير مسلمة.

قال: لم؟

قلت: لقول الله ـ عزّ وجلّ:( وَلا تَنْكِحُوا الْمُشْرِكاتِ حَتَّى يُؤْمِنَ ) ؟

قال: فما تقول في هذه الآية:( وَالْمُحْصَناتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ مِنْ قَبْلِكُمْ ) ؟

قلت: قوله( وَلا تَنْكِحُوا الْمُشْرِكاتِ حَتَّى يُؤْمِنَ ) نسخت هذه الآية.

فتبسّم ثمّ سكت.

والمراد بالنّكاح، العقد الدّائم.

وروى جواز التّمتّع باليهوديّة والنّصرانيّة، في من لا يحضره الفقيه(٢) : وسأل الحسن التّفليسيّ الرّضا ـ عليه السّلام: يتمتّع الرّجل من اليهوديّة والنّصرانيّة؟

قال أبو الحسن الرّضا ـ عليه السّلام: يتمتّع من الحرة المؤمنة. وهي أعظم حرمة منها.

( وَلَأَمَةٌ مُؤْمِنَةٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكَةٍ ) ، أي: لأمرأة مؤمنة حرّة كانت، أو مملوكة. فإنّ النّاس عبيد الله وإماؤه.

( وَلَوْ أَعْجَبَتْكُمْ ) بحسنها وشمائلها.

و «الواو» للحال. و «لو» بمعنى «إن» و «هو» كثير.

( وَلا تُنْكِحُوا الْمُشْرِكِينَ حَتَّى يُؤْمِنُوا ) : ولا تزوّجوا منهم المؤمنات حتّى يؤمنوا. وهو على عمومه.

( وَلَعَبْدٌ مُؤْمِنٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكٍ وَلَوْ أَعْجَبَكُمْ ) : تعليل للنّهي عن مواصلتهم. وترغيب في مواصلة المؤمنين.

( أُولئِكَ ) : إشارة إلى المذكورين من المشركين والمشركات.

__________________

(١) الكافي ٥ / ٣٥٧، ح ٦.

(٢) من لا يحضره الفقيه ٣ / ٢٩٣، ح ١٣٩٠.

٣٢٧

( يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ ) : إلى الكفر المؤدّي إلى النّار. فلا يجوز مصاهرتهم.

( وَاللهُ ) ، أي: أولياؤه المؤمنون. حذف المضاف. وأقيم المضاف إليه مقامه، تفخيما لشأنهم، أو الله.

( يَدْعُوا ) بهذا التّكليف.

( إِلَى الْجَنَّةِ وَالْمَغْفِرَةِ ) ، أي: أسبابهما من الاعتقاد والعمل الموصلين إليهما.

( بِإِذْنِهِ ) : بتوقيفه أو بقضائه.

( وَيُبَيِّنُ آياتِهِ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ ) (٢٢١)، أي: لكي يتذكّروا، أو ليكونوا بحيث يرجى منهم التّذكّر لما ركز(١) في العقول من ميل الخير ومخالفة الهوى.

( وَيَسْئَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ ) : هو مصدر كالمجيء والمبيت.

قيل: ولعلّه سبحانه إنّما ذكر يسألونك بغير واو ثلاثا ثمّ بها ثلاثا، لان السؤالات الاول كانت في أوقات متفرّقة والثلاث الأخيرة كانت في وقت واحد. فلذلك ذكرها بحرف الجمع.

في كتاب علل الشّرائع(٢) ، بإسناده إلى أبي عبيدة الحذّاء، عن أبي جعفر محمّد بن عليّ ـ عليه السّلام ـ قال: الحيض من النّساء نجاسة. رماهنّ الله بها.

قال: وقد كنّ النّساء في زمان نوح إنّما تحيض المرأة في كلّ سنة حيضة حتّى خرجن نسوة من حجابهن. وهنّ سبعمائة امرأة. فانطلقن. فلبسن المعصفر(٣) من الثّياب.

وتحلّين وتعطّرن. ثمّ خرجن. فتفرّقن في البلاد. فجلسن مع الرّجال. وشهدن الأعياد معهم وجلسن في صفوفهم. فرماهنّ الله بالحيض، عند ذلك، في كلّ شهر. أولئك النسّوة بأعيانهنّ. فسالت دماؤهنّ من بين الرّجال. وكنّ يحضن في كلّ شهر حيضة.

قال: فأشغلهنّ الله ـ تبارك وتعالى ـ بالحيض. وكسر(٤) شهوتهنّ.

قال: وكان غير حضّ من النّساء اللّواتي، لم يفعلن مثل فعلهنّ. يحضن(٥) في كلّ سنة حيضة.

قال: فتزّوج بنو اللّاتي يحضن في كلّ شهر حيضة، بنات اللّاتي يحضن في كلّ سنة حيضة.

__________________

(١) ر: ذكر.

(٢) علل الشرائع ١ / ٢٩٠، ح ٢.

(٣) هكذا في النسخ. وفي المصدر: المعصفرات.

(٤) المصدر: كثر.

(٥) المصدر: كنّ يحضن.

٣٢٨

قال: فامتزج القوم فحضن بنات هؤلاء وهؤلاء في كلّ شهر حيضة.

قال: وكثر أولاد اللّاتي(١) يحضن في كلّ شهر حيضة، لاستقامة الحيض. وقلّ أولاد اللّاتي(٢) . لا يحضن في السّنة إلّا حيضة لفساد الدّم.

قال: وكثر نسل هؤلاء. وقلّ نسل أولئك.

روى(٣) أنّ أهل الجاهليّة كانوا لم يساكنوا الحيّض ولم يؤاكلوها كفعل اليهود والمجوس. واستمرّ ذلك إلى أن سأل أبو الدّحداء، في نفر من الصّحابة عن ذلك، فنزلت.

( قُلْ هُوَ أَذىً ) ، أي: المحيض مستقذر مؤذ من يقربه.

( فَاعْتَزِلُوا النِّساءَ فِي الْمَحِيضِ ) ، أي: فاجتنبوا مجامعتهن. وهو الاقتصاد بين إفراط اليهود وإخراجهنّ من البيوت، وتفريط النّصارى ومجامعتهنّ في المحيض. وإنّما وصف بأنّه «أذى» ورتّب الحكم عليه بالفاء، إشعارا بأنّه العلّة.

في الكافي(٤) : عليّ بن محمّد، عن صالح بن أبي حمّاد، عن الحسين بن بريد، عن الحسن بن عليّ، عن أبي حمزة، عن أبي إبراهيم، عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ قال: إنّ الله لـمّا أصاب آدم وزوجته الخطيئة، أخرجهما من الجنّة وأهبطهما إلى الأرض. فأهبط آدم على الصّفا. وأهبطت حوّاء على المروة.

فقال آدم: ما فرّق بيني وبينها، إلّا أنّها لا تحلّ لي. ولو كانت تحلّ لي هبطت معي على الصّفا. ولكنّها حرّمت عليّ من أجل ذلك وفرّق بيني وبينها.

فمكث آدم معتزلا حوّاء. فكان يأتيها نهارا. فيحدّث عندها على المروة. فإذا كان اللّيل وخاف أن تغلبه نفسه، يرجع إلى الصّفا. فيبيت عليه. ولم يكن لآدم أنس غيرها ولذلك سمّين «النّساء» من أجل أنّ حوّاء كانت أنسا لآدم. لا يكلّمه الله. ولا يرسل إليه رسولا.

عدّة من أصحابنا(٥) ، عن سهل بن زياد، عن أحمد بن محمّد القلانسيّ، عن عليّ بن حسّان، عن عمّه عبد الرّحمن بن كثير، عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ مثله.

وفي كتاب علل الشّرائع(٦) ، بإسناده إلى عذافر الصّيرفيّ قال أبو عبد الله

__________________

(١ و ٢) كذا في المصدر. وفي الأصل ور: الذين.

(٣) الكشاف ١ / ٢٦٥+ أنوار التنزيل ١ / ١١٧.

(٤) الكافي ٤ / ١٩٠، ح ١. وله تتمة.

(٥) نفس المصدر ٤ / ١٩١، ح ١. وله تتمة.

(٦) علل الشرائع ١ / ٨٢، ح ١.

٣٢٩

ـ عليه السّلام: ترى هؤلاء المشوّهين(١) ؟

قال: نعم(٢) .

قال: هؤلاء(٣) الذين يأتي آباؤهم نساءهم في الطّمث.

( وَلا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ ) : تأكيد للحكم وبيان لغايته.

وفي رواية بن عبّاس(٤) : يطّهرن بتشديد الطّاء، أي: يتطهّرن.

والمراد به: إن كان انقطاع الدّم.

فالنّهي، نهي تحريم. وإن كان الغسل بعد الانقطاع، فنهي تنزيه. يدلّ عليه الأخبار.

( فَإِذا تَطَهَّرْنَ فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللهُ ) ، أي: المأتيّ الّذي حلّله لكم.

( إِنَّ اللهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ ) من الذّنوب.

( وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ ) (٢٢٢)، أي: المتنزّهين عن الفواحش والأقذار، كمجامعة الحائض.

في كتاب الخصال(٥) ، عن موسى بن جعفر، عن أبيه جعفر بن محمّد ـ عليهما السّلام ـ أنّه قال: سئل أبي عمّا حرّم الله تعالى من الفروج في القرآن وعمّا حرمّه رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ في السّنّة(٦) .

فقال: الّذي حرّم الله تعالى من ذلك(٧) أربعة وثلاثين وجها: سبعة عشر في القرآن وسبعة عشر في السّنّة. فأمّا الّتي في القرآن: فالزّنى ـ إلى قوله ـ والحائض، حتّى تطهر، لقوله تعالى:( وَلا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ ) .

عن جعفر بن محمّد(٨) عن أبيه، عن عليّ ـ عليهما السّلام ـ قال: قال رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله: إنّ الله كرّه لكم، أيتها الأمّة! أربعا وعشرين خصلة، ونهاكم عنها كرّه لكم: العبث في الصّلاة ـ إلى أن قال ـ وكرّه للرّجل أن يغشى امرأته وهي حائض.

فإن غشيها فخرج الولد مجذوما(٩) أو أبرص(١٠) ، فلا يلومنّ إلّا نفسه.

__________________

(١) المصدر: المشوّهين في خلقهم.

(٢) المصدر: قال: قلت: نعم.

(٣) المصدر: قال: هم هؤلاء.

(٤) أنوار التنزيل: ١ / ١١٨.

(٥) الخصال ٢ / ٥٣٢، ح ١٠.

(٦) المصدر: سنّته.

(٧) «من ذلك» ليس في المصدر.

(٨) نفس المصدر / ٥٢٠، ح ٩.

(٩) أ: مخروما.

(١٠) كذا في المصدر. وفي النسخ: أبرصا.

٣٣٠

عن بعض أصحابنا(١) ، قال: دخلت على أبي الحسن عليّ بن محمّد العسكريّ.

ـ عليه السّلام ـ يوم الأربعاء. وهو يحتجم، قلت(٢) له: إنّ أهل الحرمين يروون عن رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ أنّه قال: من احتجم يوم الأربعاء فأصابه بياض، فلا يلومنّ إلّا نفسه.

فقال: كذبوا. إنّما يصيب ذلك من حملته أمّه في طمث.

وفي كتاب علل الشرائع(٣) ، بإسناده إلى أبي خديجة، عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ قال: كان النّاس يستنجون بثلاثة أحجار لأنّهم كانوا يأكلون البرّ(٤) .

فكانوا يبعرون بعرا. فأكل رجل من الأنصار الدبا فلان بطنه. واستنجى بالماء(٥) .

فقال له رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله: هل عملت في يومك هذا شيئا؟

فقال: يا رسول الله! ما حملني(٦) على الاستنجاء بالماء إلّا أنّي أكلت طعاما فلان بطني. فلم تغن عنّى الأحجار(٧) شيئا. فاستنجيت بالماء.

فقال رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله: هنيا لك. فإنّ الله ـ عزّ وجلّ ـ قد أنزل فيك آية فابشر( إِنَّ اللهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ ) .

فكنت أنت أوّل من صنع هذا أوّل التّوّابين وأوّل المتطهّرين.

وفي أصول الكافي(٨) : عليّ بن إبراهيم، عن أبيه وعدّة من أصحابنا، عن سهل بن زياد ومحمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد، جميعا، عن ابن محبوب، عن محمّد بن النّعمان الأحول، عن سلام بن المستنير قال: قال أبو جعفر ـ عليه السّلام: قال رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ لأصحابه في حديث طويل: ولو لا أنكم تذنبون فتستغفرون الله، لخلق الله خلقا حتّى يذنبوا ثمّ يستغفروا الله. فيغفر لهم. إنّ المؤمن مفتن توّاب. أما سمعت قول الله ـ عزّ وجلّ:( إِنَّ اللهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ ) وقال(٩) : استغفروا ربكم

__________________

(١) نفس المصدر / ٣٨٦، ح ٧٠.

(٢) المصدر: فقلت. (ظ)

(٣) علل الشرائع / ٢٨٦، ح ١.

(٤) المصدر: البسر.

(٥) المصدر: واستنجى بالماء. بعث [فبعث. ظ] إليه النبي ـ صلى الله عليه وآله ـ قال: فجاء الرجل وهو خائف ـ يظن أن يكون قد نزل فيه أمر سوؤه في استنجائه بالماء.

(٦) المصدر: فقال: نعم، يا رسول الله. إني، والله ما حملني.

(٧) المصدر الحجارة.

(٨) الكافي ٢ / ٤٢٣ ـ ٤٢٤، ح ١.

(٩) هود / ٩٠.

٣٣١

ثم توبوا إليه.

محمّد بن يحيى(١) ، عن أحمد بن محمّد بن عيسى، عن محمّد بن إسماعيل، عن عبد الله بن عثمان، عن أبي جميلة قال: قال أبو عبد الله ـ عليه السّلام: إنّ الله يحبّ المفتن التّوّاب. ومن لا يكون ذلك منه، كان أفضل.

عليّ بن إبراهيم(٢) ، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن بعض أصحابنا، رفعه، قال: إنّ الله ـ عزّ وجلّ ـ أعطى التّائبين ثلاث خصال، لو أعطى خصلة منها جميع أهل السّماوات والأرض لنجوا بها: قوله ـ عزّ وجلّ:( إِنَّ اللهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ ) .

فمن أحبّه الله لم يعذّبه.

والحديث طويل. أخذت منه موضع الحاجة.

عليّ بن إبراهيم(٣) ، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن عمر بن أذينة، عن أبي عبيدة قال: سمعت أبا جعفر ـ عليه السّلام ـ يقول: إنّ الله تعالى أشدّ فرحا بتوبة عبده من رجل أضلّ راحلته ومزاده(٤) في ليلة ظلماء، فوجدها. فالله أشدّ فرحا بتوبة عبده، من ذلك الرّجل براحلته حين وجدها.

وفي الكافي(٥) : محمّد بن إسماعيل، عن الفضل وعليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن جميل بن درّاج قال: قال في قول الله ـ عزّ وجلّ:( إِنَّ اللهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ ) ، قال: وكان النّاس يستنجون بالكرسف والأحجار. ثمّ أحدث الوضوء. وهو خلق كريم. فأمر به رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ وصنعه. فأنزل الله في كتابه:( إِنَّ )

( اللهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ ) .

وفي كتاب الخصال(٦) ، فيما علّم أمير المؤمنين ـ عليه السّلام ـ أصحابه: توبوا إلى الله ـ عزّ وجلّ. وادخلوا في محبّته. ف( إِنَّ اللهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ ) . والمؤمن توّاب.

وفي مصباح الشّريعة(٧) : قال الصّادق ـ عليه السّلام: خلق القلب طاهرا صافيا.

__________________

(١) نفس المصدر ٢ / ٤٣٥، ح ٩.

(٢) نفس المصدر ٢ / ٤٣٢، ح ٥.

(٣) نفس المصدر ٢ / ٤٣٥، ح ٨.

(٤) المصدر: وزاده.

(٥) نفس المصدر ٣ / ١٨، ح ١٣.

(٦) الخصال ٢ / ٦٢٣، ح ١٠.

(٧) شرح فارسى لمصباح الشريعة ومفتاح الحقيقة / ٦٩.

٣٣٢

وجعل (غذاءه) الذّكر والفكر والهيبة والتّعظيم. فإذا شيب القلب الصّافي في التّغذية(١) بالغفلة والكدر، صقل بمصقل(٢) التوبة [ونظّف](٣) بماء الإنابة، ليعود على حالته الأولى وجوهريّته الأصليّة الصّافية. قال الله تعالى:( إِنَّ اللهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ ) .

( نِساؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ ) : مواضع حرث لكم. شبّهن بها تشبيها لما يلقى في أرحامهنّ من النّطف بالبذور.

( فَأْتُوا حَرْثَكُمْ ) ، أي: فأتوهنّ كما تأتون المحارث. وهو كالبيان لقوله(٤) :( فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللهُ ) .

( أَنَّى شِئْتُمْ ) : من أي جهة شئتم.

روى(٥) أنّ اليهود كانوا يقولون: من جامع امرأته من دبرها في قبلها كان ولدها أحول. فذكر ذلك لرسول الله ـ صلّى الله عليه وآله. فنزلت.

( وَقَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُمْ ) :

قيل(٦) : ما يدّخر لكم الثّواب.

وقيل(٧) : هو طلب الولد.

وقيل(٨) : التّسمية على الوطء.

( وَاتَّقُوا اللهَ ) بالاجتناب عن معاصيه،( وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ مُلاقُوهُ ) : فتزوّدوا ممّا لا تفضحون به عنده.

( وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ ) (٢٢٣)، الكاملين في الإيمان(٩) بالكرامة والنّعيم الدّائم.

أمر الرّسول ـ صلّى الله عليه وآله ـ أن يبشّر من صدّقه وامتثل أمره.

واعلم! أنّ الوطء في دبر المرأة جائزة إذا رضى(١٠) . مكروه. وليس بحرام. وفي الآية دلالة عليهما.

وفي تهذيب الأحكام(١١) : أحمد بن محمّد بن عيسى، عن عليّ بن أسباط، عن محمّد بن

__________________

(١) المصدر: تغذيته.

(٢) المصدر: بمصقلة. (ظ)

(٣) يوجد في المصدر.

(٤) البقرة / ٢٢٢.

(٥) مجمع البيان ١ / ٣٢٠.

(٦ و ٧ و ٨) أنوار التنزيل ١ / ١١٨.

(٩) ر: بالايمان. (ظ)

(١٠) هكذا في جميع النسخ. ولعله الصواب: جائز إذا رضيت.

(١١) تهذيب الأحكام ٧ / ٤١٤، ح ١٦٥٧.

٣٣٣

حمران، عن عبد الله بن أبي يعفور قال: سألت أبا عبد الله ـ عليه السّلام ـ عن الرّجل يأتى المرأة في دبرها.

قال: لا بأس إذا رضيت. [قلت :](١) فأين قول الله:( فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللهُ ) ؟

قال: هذا في طلب الولد. فاطلبوا الولد من حيث أمركم الله. إنّ الله يقول:( نِساؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ ) .

وفي تفسير العيّاشيّ(٢) : عن عبد الله بن أبي يعفور قال: سألت أبا عبد الله ـ عليه السّلام ـ عن إتيان النّساء في أعجازهنّ.

قال: لا بأس. ثمّ تلا هذه الآية:( نِساؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ ) .

وعن زرارة(٣) ، عن أبي جعفر ـ عليه السّلام ـ في قوله:( نِساؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ ) قال: حيث شاءوا

وأمّا ما رواه :

عن صفوان بن يحيى(٤) ، عن بعض أصحابنا قال: سألت أبا عبد الله ـ عليه السّلام ـ في قول الله:( نِساؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ ) . فقال: من قدامها ومن خلفها في القبل.

وعن معمر بن خلّاد(٥) ، عن أبي الحسن الرّضا ـ عليه السّلام ـ قال: أي شيء تقولون في إتيان النّساء في أعجازهن؟

قلت: بلغني أنّ أهل المدينة لا يرون به بأسا.

قال: إنّ اليهود كانت تقول: «إذا أتى الرّجل من خلفها خرج ولده أحول.» فأنزل الله:( نِساؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ ) ، يعني: من قدّام وخلف(٦) ، خلافا لقول اليهود. ولم يعن في أدبارهنّ.

وعن الحسن بن عليّ(٧) ، عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ مثله.

__________________

(١) يوجد في المصدر.

(٢) تفسير العياشي ١ / ١١٠، ح ٣٣٠.

(٣) نفس المصدر ١ / ١١١، ح ٣٣١.

(٤) نفس المصدر ونفس الموضع، ح ٣٣٢.

(٥) نفس المصدر ونفس الموضع، ح ٣٣٣.

(٦) المصدر: خلف أو قدّام.

(٧) نفس المصدر ونفس الموضع.

٣٣٤

وعن زرارة(١) ، عن أبي جعفر ـ عليه السّلام ـ [قال سألته عن قول الله:( نِساؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ ) .

قال: من قبل.

عن أبي بصير(٢) ، عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام].(٣) قال: سألته عن الرجل يأتي اهله في دبرها. فكره ذلك. وقال: وإيّاكم ومحاش النّساء.

قال: إنّما معنى( نِساؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ ) ، أي: ساعة شئتم.

وعن الفتح بن يزيد الجرجانيّ(٤) قال: كتبت إلى الرّضا ـ عليه السّلام ـ في مسألة(٥) فورد منه الجواب: سألت عمّن أتى جاريته في دبرها والمرأة: لعبه(٦) لا تؤذي. وهي حرث كما قال الله.

محمولة على الكراهية، بقرينة الأخبار السّابقة. وفي بعض ألفاظ تلك الأخبار، أيضا، دلالة على ذلك.

( وَلا تَجْعَلُوا اللهَ عُرْضَةً لِأَيْمانِكُمْ أَنْ تَبَرُّوا وَتَتَّقُوا وَتُصْلِحُوا بَيْنَ النَّاسِ ) : «العرضة»، فعله بمعنى المفعول، كالقبضة بمعنى المقبوض. يطلق لما يعرض دون الشيء وللمعرض للأمر.

ومعنى الآية على الأوّل: لا تجعلوا الله حاجزا لما حلفتم عليه من أنواع الخير. فيكون المراد بالإيمان الأمور المحلوف عليها، يعني: إن حلفتم على الأمور الّتي تركها مرجوح شرعا، لا ينعقد يمينكم. فأتوا بما هو الرّاجح شرعا منها. وحينئذ أن مع صلتها عطف بيان «للإيمان.» و «اللّام» صلة «عرضة»، لما فيها من معنى الاعتراض. ويجوز أن يكون للتّعليل، ويتعلّق «أن» بالفعل، أو بعرضة، أي: ولا تجعلوا الله عرضة لأنّ تبرّوا لأجل: أيمانكم به.

وعلى الثّاني: ولا تجعلوه متعرّضا لأيمانكم. فتتبدّلوه بكثرة الحلف به. و «أن تبرّوا» علّة النّهي، أي: أنهاكم عنه إرادة برّكم تقواكم وإصلاحكم بين النّاس. فإنّ الحلّاف مجترئ على السرّ. والمجترئ عليه لا يكون برّا متّقيا ولا موثوقا به في إصلاح ذات البين.

والآية ـ قيل(٧) ـ نزلت في أبي بكر، لـمّا حلف أن لا ينفق على مسطح لافترائه على

__________________

(١) نفس المصدر ونفس الموضع، ح ٣٣٤.

(٢) نفس المصدر ونفس الموضع، ح ٣٣٥.

(٣) ما بين المعقوفتين ليس في أ.

(٤) نفس المصدر ونفس الموضع، ح ٣٣٦.

(٥) المصدر: مثله.

(٦) المصدر: لعبة الرجل. (٧) أنوار التنزيل ١ / ١١٨.

٣٣٥

عائشة.

وقيل(١) : في عبد الله بن رواحة حين حلف أن لا يكلّم ختنة بشير بن النعمان ولا يصلح بينه وبين أخته(٢) .

في أصول الكافي(٣) : عليّ، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن عليّ بن إسماعيل، عن إسحاق بن عمّار، عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ في قول الله ـ عزّ وجلّ:( وَلا تَجْعَلُوا اللهَ عُرْضَةً لِأَيْمانِكُمْ أَنْ تَبَرُّوا وَتَتَّقُوا وَتُصْلِحُوا بَيْنَ النَّاسِ ) ، قال: إذا دعيت لصلح بين اثنين، فلا تقل: عليّ يمين أن لا أفعل(٤) .

وفي تفسير عليّ بن إبراهيم(٥) : قوله:( وَلا تَجْعَلُوا اللهَ عُرْضَةً لِأَيْمانِكُمْ أَنْ تَبَرُّوا وَتَتَّقُوا وَتُصْلِحُوا بَيْنَ النَّاسِ ) قال: هو قول الرّجل في كلّ حالة «لا والله» و «بلى والله.»

وفي الكافي(٦) : عدّة من أصحابنا [عن سهل بن زياد](٧) ، عن أحمد بن محمّد، عن عثمان بن عيسى، عن أبي أيّوب الخزّاز قال: سمعت أبا عبد الله ـ عليه السّلام ـ يقول: لا تحلفوا بالله صادقين ولا كاذبين. فإن الله ـ عزّ وجلّ ـ يقول:( وَلا تَجْعَلُوا اللهَ عُرْضَةً لِأَيْمانِكُمْ ) .

عدّة من أصحابنا(٨) ، عن أحمد بن محمّد بن خالد، عن يحيى بن إبراهيم، عن أبيه، عن أبي سلام المتعبّد، أنّه سمع أبا عبد الله ـ عليه السّلام ـ يقول لسدير: يا سدير! من حلف بالله كاذبا، كفر. ومن حلف بالله صادقا، أثم. إنّ الله ـ عزّ وجلّ ـ يقول:( وَلا تَجْعَلُوا اللهَ عُرْضَةً لِأَيْمانِكُمْ ) .

وفي تفسير العيّاشيّ(٩) : عن زرارة وحمران ومحمّد بن مسلم، عن أبي جعفر وأبي عبد الله ـ عليهما السّلام:( وَلا تَجْعَلُوا اللهَ عُرْضَةً لِأَيْمانِكُمْ ) قالا: هو الرجل يصلح [بين الرجل].(١٠) فيحمل ما بينهما من الإثم.

__________________

(١) أنوار التنزيل ١ / ١١٨.

(٢) يوجد في أ، بعد هذه الفقرة: «والله سميع لايمانكم، عليم بنياتكم.» وهو مشطوب في الأصل.

(٣) الكافي ٢ / ٢١٠، ح ٦.

(٤) المصدر: ألّا أفعل.

(٥) تفسير القمي ١ / ٧٣.

(٦) نفس المصدر ٧ / ٤٣٤، ح ١.

(٧) ليس في المصدر.

(٨) نفس المصدر ٧ / ٤٣٤ ـ ٤٣٥، ح ٤.

(٩) تفسير العياشي ١ / ١١٢، ح ٣٣٨.

(١٠) يوجد في المصدر.

٣٣٦

عن منصور بن حازم(١) ، عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ ومحمّد بن مسلم، عن أبي جعفر ـ عليه السّلام ـ [في قول الله:( وَلا تَجْعَلُوا اللهَ عُرْضَةً لِأَيْمانِكُمْ ) ].(٢) قال: يعني الرّجل يحلف أن لا يكلّم أخاه. وما أشبه ذلك. ولا يكلّم أمّه.

وعن أيّوب(٣) : قال سمعته يقول: لا تحلفوا بالله صادقين ولا كاذبين. فإنّ الله يقول:( وَلا تَجْعَلُوا اللهَ عُرْضَةً لِأَيْمانِكُمْ ) قال: إذا استعان رجل برجل على صلح بينه وبين رجل، فلا يقولن(٤) «إنّ عليّ يمينا أن لا أفعل.» وهو قول الله ـ عزّ وجلّ:( وَلا تَجْعَلُوا اللهَ عُرْضَةً لِأَيْمانِكُمْ أَنْ تَبَرُّوا وَتَتَّقُوا وَتُصْلِحُوا بَيْنَ النَّاسِ ) .

وفي من لا يحضره الفقيه(٥) : وروى محمّد بن إسماعيل، عن سلام بن سهم الشّيخ المتعبّد، أنّه سمع أبا عبد الله ـ عليه السّلام ـ يقول ـ وذكر مثله.

[( وَاللهُ سَمِيعٌ ) لأيمانكم،( عَلِيمٌ ) (٢٢٤) بنيّاتكم].(٦) ( لا يُؤاخِذُكُمُ اللهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمانِكُمْ ) : «اللّغو»: السّاقط، الّذي لا يعتدّ به من كلام وغيره. ولغو اليمين، ما لا عقد معه كما سبق به اللّسان، أو تكلّم به جاهلا بمعناه.

( وَلكِنْ يُؤاخِذُكُمْ بِما كَسَبَتْ قُلُوبُكُمْ ) ، أي: بما قصدتم من الأيمان وواطأت فيها قلوبكم ألسنتكم.

( وَاللهُ غَفُورٌ ) حيث لا يؤاخذكم باللّغو،( حَلِيمٌ ) (٢٢٥) حيث لم يعاجل بالمواخذة على يمين الجدّ، تربّصا للتّوبة.

( لِلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِنْ نِسائِهِمْ ) ، أي: يحلفون على أن لا يجامعوهنّ مطلقا، أو مقيّدا بالدّوام، أو بأكثر من أربعة أشهر، إذا كنّ مدخولا بهنّ.

و «الإيلاء»: الحلف. وتعديته بعلى ولكن لـمّا ضمّن هذا القسم معنى البعد، عدّى بمن.

__________________

(١) نفس المصدر ونفس الموضع، ح ٣٣٩.

(٢) ليس في أ.

(٣) ر: عن أبي. والحديث في نفس المصدر ونفس الموضع، ح ٣٤٠.

(٤) المصدر: تقولنّ.

(٥) من لا يحضره الفقيه ٣ / ٢٣٤ ـ ٢٣٥، ح ١١٠٨.

(٦) ليس في أ.

٣٣٧

( تَرَبُّصُ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ ) :

مبتدأ، ما قبله خبره، أو فاعل الظّرف.

و «التّربّص»: التّوقف. أضيف إلى الظّرف، على الاتّساع، أي: للمولى حقّ التّربّص في هذه المدّة، لا يطالب بفيء، ولا طلاق.

( فَإِنْ فاؤُ ) ، أي: رجعوا في اليمين بالحنث والكفّارة،( فَإِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ ) (٢٢٦): للمولى إثم حنثه إذا كفّر، أو ما توخّى بالإيلاء من إضرار المرأة.

( وَإِنْ عَزَمُوا الطَّلاقَ ) ، أي: همّموا(١) قصده،( فَإِنَّ اللهَ سَمِيعٌ ) لطلاقهم،( عَلِيمٌ ) (٢٢٧) بغرضهم ونيّاتهم.

في كتاب علل الشّرائع(٢) ، بإسناده إلى أبي خالد(٣) الهيثم قال: سألت أبا الحسن الثّاني ـ عليه السّلام: كيف صار(٤) عدّة المطلّقة ثلاث حيض، أو ثلاثة أشهر وعدّة المتوفّى عنها زوجها أربعة أشهر وعشرة أيّام(٥) ؟

قال: أمّا عدّة المطلّقة ثلاث حيض، أو ثلاثة أشهر فلاستبراء الرّحم من الولد.

وأمّا عدة(٦) المتوفى عنها زوجها، فإنّ الله ـ عزّ وجلّ ـ شرط للنّساء شرطا، فلم يكملهن(٧) فيه.

وفيما شرط عليهنّ، بل شرط عليهنّ مثل ما شرط لهم فأمّا ما شرط لهنّ: فإنّه جعل لهنّ في الإيلاء أربعة أشهر. لأنّه علم أنّ ذلك غاية صبر النّساء. فقال ـ عزّ وجلّ:( لِلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِنْ نِسائِهِمْ تَرَبُّصُ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ ) . فلا يجوز(٨) للرّجل.

والحديث طويل. أخذت منه موضع الحاجة.

وفي تفسير عليّ بن إبراهيم(٩) : حدّثني أبي، عن صفوان، عن ابن مسكان، عن أبي بصير، عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ قال: «الإيلاء» هو أن يحلف الرّجل على امرأته

__________________

(١) أور: صمّموا.

(٢) علل الشرائع / ٥٠٧ ـ ٥٠٨، ح ١.

(٣) «خالد» ليس في المصدر.

(٤) المصدر: صارت.

(٥) المصدر: أربعة أشهر وعشرا.

(٦) ليس في أو في المصدر.

(٧) المصدر: فلم يحلّهن. (ظ)

(٨) المصدر: فلم يجز.

(٩) تفسير القمي ١ / ٧٣.

٣٣٨

أن لا يجامعها. فإن صبرت عليه فلها أن تصبر. وإن(١) رفعته إلى الإمام، أنظره أربعة أشهر.

ثمّ يقول له بعد ذلك: إمّا أن ترجع إلى المناكحة، وإمّا أن تطلقه. فان أبى جئته أبدا(٢) .

وروى عن أمير المؤمنين ـ عليه السّلام(٣) ـ أنّه من(٤) بنى حظيرة من قصب. وجعل فيها رجلا آلى من امرأته بعد أربعة أشهر. فقال(٥) : إمّا أن ترجع إلى المناكحة، وإمّا أن تطلّق وإلا أحرقت عليك الحظيرة.

وفي الكافي(٦) : أبو عليّ الأشعريّ، عن محمّد بن عبد الجبّار، وأبو العبّاس محمّد بن جعفر، عن أيّوب بن نوح، ومحمّد بن إسماعيل، عن الفضل بن شاذان، وحميد بن زياد، عن ابن سماعة، جميعا، عن صفوان، عن ابن مسكان، عن أبي بصير، عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ قال: سألته عن الإيلاء، ما هو؟

قال: هو أن يقول الرّجل لامرأته: «والله لا أجامعك كذا وكذا.» ويقول: «والله لأغيظنّك.» فيتربّص بها أربعة أشهر. ثمّ يؤخذ فيوقف بعد الأربعة أشهر. فإن فاءوا. وهو أن يصالح أهله.( فَإِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ ) . وإن لم يفئ جبر على أن يطلق ولا يقع طلاق فيما بينهما، ولو كان بعد الأربعة الأشهر، ما لم ترفعه(٧) إلى الإمام.

عليّ(٨) ، عن أبيه، عن حمّاد بن عيسى، عن عمر بن أذينه، عن بكر بن أعين، وبريد بن معاوية، عن أبي جعفر وأبي عبد الله ـ عليهما السّلام ـ أنّهما قالا: إذا آلى الرجل أن لا يقرب امرأته، فليس لها قول ولا حقّ في الأربعة الأشهر. ولا إثم عليه في كفّه عنها في الأربعة الأشهر. فإن مضت الأربعة الأشهر قبل ان يمسّها فسكنت(٩) ورضيت، فهو في حلّ وسعة. فإن رفعت أمرها قيل له: إمّا أن تفيء فتمسّها، وإمّا أن تطلّق. وعزم الطّلاق أن يخلّى عنها. فإذا حاضت وطهرت طلّقها وهو أحقّ برجعتها، ما لم تمض ثلاثة قروء فهذا الإيلاء الّذي أنزل(١٠) الله ـ تبارك وتعالى ـ في كتابه وسنّة رسول الله(١١) ـ صلّى الله عليه وآله

__________________

(١) المصدر: فان.

(٢) المصدر: وإمّا أن تطلق وإلّا جئتك أبدا.

(٣) نفس المصدر ١ / ٧٤.

(٤) ليس في ر. (ظ)

(٥) المصدر: وقال له: (ظ)

(٦) الكافي ٦ / ١٣٢، ح ٩.

(٧) المصدر: لم يرفعه.

(٨) نفس المصدر ٦ / ١٣١، ح ٤.

(٩) المصدر: فسكتت.

(١٠) المصدر: أنزله. (ظ)

(١١) المصدر: سنة.

٣٣٩

محمّد بن يحيى(١) ، عن أحمد بن محمّد، عن محمّد بن إسماعيل، عن محمّد بن الفضيل، عن أبي الصّباح الكنانيّ قال: سألت أبا عبد الله ـ عليه السّلام ـ عن رجل آلى من امرأته بعدها دخل بها.

قال(٢) : إذا مضت أربعة أشهر وقف، وإن كان بعد حين. فإن فاء فليس بشيء.

فهي امرأته. وإن عزم الطّلاق، فقد عزم.

وقال: «الإيلاء» أن يقول الرّجل لامرأته: «والله لأغيظنك(٣) ولأسوءنك.» ثمّ يهجرها ولا يجامعها، حتّى تمضى أربعة أشهر. فإذا مضت أربعة أشهر، فقد وقع الإيلاء وينبغي للإمام أن يجبره على أن يفيء أو يطلّق. فإن فاء( فَإِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ ) . وإن عزم الطّلاق،( فَإِنَّ اللهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ ) . وهو قول الله ـ تبارك وتعالى ـ في كتابه.

( وَالْمُطَلَّقاتُ ) : يريد بها المدخول بهنّ، من ذوات الأقراء، لما دلّت الآيات والأخبار على أنّ حكم غيرهنّ خلاف ما ذكر.

( يَتَرَبَّصْنَ ) :

خبر، صورة. وأمر، معنى.

وتغيير العبارة للتأكيد والإشعار بأنّه ممّا يجب أن يسارع إلى امتثاله. وكأنّ المخاطب قصد أن يمتثل الأمر فيخبر عنه.

وبناؤه على المبتدأ، يفيد فضل تأكيد.

( بِأَنْفُسِهِنَ ) : تهييج(٤) وبعث لهنّ على التّربّص. فإنّ نفوس النّساء طوامح إلى الرّجال. فأمرن بأن يقمعنها ويحملنها على التّربّص.

( ثَلاثَةَ قُرُوءٍ ) : نصب على الظّرف، أو المفعول به، أي: يتربّصن مضيّها.

و «القروء»، جمع قرء. كأنّ القياس أن يذكر بصيغة القلّة الّتي هي الأقراء. ولكنّهم يتّسعون في ذلك، فيستعملون كل واحد من البناءين مكان الآخر.

ولعلّ الحكم لـمّا عمّ المطلّقات ذوات الأقراء، تضمّن معنى الكثرة. فحسن بناؤها.

و «القرء» يطلق للحيض، وللطهر الفاصل بين حيضتين. وهو المراد هاهنا.

__________________

(١) نفس المصدر ٦ / ١٣٢، ح ٧.

(٢) المصدر: فقال.

(٣) المصدر: لأغيضنّك.

(٤) ر: يهتج.

٣٤٠

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

461

462

463

464

465

466

467

468

469

470

471

472

473

474

475

476

477

478

479

480

481

482

483

484

485

486

487

488

489

490

491

492

493