تفسير كنز الدّقائق وبحر الغرائب الجزء ٢

تفسير كنز الدّقائق وبحر الغرائب8%

تفسير كنز الدّقائق وبحر الغرائب مؤلف:
تصنيف: تفسير القرآن
الصفحات: 493

الجزء ١ الجزء ٢ الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥ الجزء ٦ الجزء ٧
  • البداية
  • السابق
  • 493 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 187807 / تحميل: 5860
الحجم الحجم الحجم
تفسير كنز الدّقائق وبحر الغرائب

تفسير كنز الدّقائق وبحر الغرائب الجزء ٢

مؤلف:
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة


1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

وفي تفسير عليّ بن إبراهيم(١) : حدّثني أبي، عن النّضر بن سويد، عن يحيى الحلبيّ، عن هارون بن خارجة، عن أبي بصير، عن أبي جعفر ـ عليه السّلام: أنّ بني إسرائيل بعد موسى عملوا بالمعاصي(٢) وغيّروا دين الله وعتوا عن أمر ربّهم. وكان فيهم نبيّ يأمرهم وينهاهم. فلم يطيعوه. وروى أنّه إرميا النّبيّ فسلّط الله عليهم جالوت. وهو من القبط.

فاذلّهم. وقتل رجالهم. وأخرجهم من ديارهم وأموالهم. واستعبد نساءهم. ففزعوا إلى نبيّهم. وقالوا: سل أن الله(٣) يبعث لنا ملكا نقاتل في سبيل الله.

وكانت النّبوّة في بني إسرائيل في بيت، والملك والسّلطان في بيت آخر. لم يجمع الله لهم (النّبوّة والملك) في بيت واحد. فمن ذلك قالوا:( ابْعَثْ لَنا [مَلِكاً نُقاتِلْ فِي سَبِيلِ اللهِ ) . فقال لهم نبيّهم:( هَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتالُ أَلَّا تُقاتِلُوا. قالُوا: وَما لَنا أَلَّا نُقاتِلَ فِي سَبِيلِ اللهِ وَقَدْ أُخْرِجْنا مِنْ دِيارِنا وَأَبْنائِنا ) .

وكان كما قال الله ـ تبارك وتعالى:( فَلَمَّا كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقِتالُ تَوَلَّوْا إِلَّا قَلِيلاً مِنْهُمْ وَاللهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ ) ].(٤) فقال( لَهُمْ نَبِيُّهُمْ: إِنَّ اللهَ قَدْ بَعَثَ لَكُمْ طالُوتَ مَلِكاً ) . فغضبوا من ذلك.

و( قالُوا: أَنَّى يَكُونُ لَهُ الْمُلْكُ عَلَيْنا. وَنَحْنُ أَحَقُّ بِالْمُلْكِ مِنْهُ. وَلَمْ يُؤْتَ سَعَةً مِنَ الْمالِ ) .

وكانت النّبوّة في ولد لاوي والملك في ولد يوسف. وكان طالوت من ولد بنيامين(٥) أخي(٦) يوسف لأمّه. لم يكن من بيت النّبوّة ولا من بيت المملكة.

فقال لهم نبيّهم:( إِنَّ اللهَ اصْطَفاهُ عَلَيْكُمْ وَزادَهُ بَسْطَةً فِي الْعِلْمِ وَالْجِسْمِ وَاللهُ يُؤْتِي مُلْكَهُ مَنْ يَشاءُ وَاللهُ واسِعٌ عَلِيمٌ ) . وكان أعظمهم جسما. وكان شجاعا قويّا. وكان أعلمهم. إلّا أنّه كان فقيرا. فعابوه بالفقر. فقالوا:( لَمْ يُؤْتَ سَعَةً مِنَ الْمالِ ) .

فقال لهم نبيّهم:( إِنَّ آيَةَ مُلْكِهِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ التَّابُوتُ فِيهِ سَكِينَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَبَقِيَّةٌ مِمَّا تَرَكَ آلُ مُوسى وَآلُ هارُونَ تَحْمِلُهُ الْمَلائِكَةُ ) . وكان التّابوت الذي أنزل(٧) على موسى ،

__________________

(١) تفسير القمي ١ / ٨١ ـ ٨٢.

(٢) المصدر: المعاصي.

(٣) المصدر: سل الله. (ظ)

(٤) ما بين المعقوفتين ليس في المصدر.

(٥) النسخ والمصدر: ابن يامين.

(٦) النسخ: أخو.

(٧) المصدر: أنزل الله.

٣٨١

فوضعته فيه أمّه، فألقته(١) في اليمّ. فكان في بني إسرائيل [معظّما].(٢) يتبرّكون به. فلمّا حضر موسى الوفاة وضع فيه الألواح ودرعه(٣) وما كان عنده من آيات النّبوّة. وأودعه يوشع، وصيّه. فلم يزل التّابوت بينهم استخفّوا(٤) . وكان الصّبيان يلعبون به في الطّرقات. فلم يزل بنو إسرائيل في عزّ وشرف ما دام التّابوت عندهم. فلمّا عملوا بالمعاصي واستخفّوا بالتّابوت، رفعه الله عنهم.

فلمّا سألوا النّبيّ بعث الله طالوت إليهم ملكا يقاتل(٥) معهم، ردّ الله عليهم التّابوت، كما قال الله:( إِنَّ آيَةَ مُلْكِهِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ التَّابُوتُ. فِيهِ سَكِينَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَبَقِيَّةٌ مِمَّا تَرَكَ آلُ مُوسى وَآلُ هارُونَ تَحْمِلُهُ الْمَلائِكَةُ ) قال: البقيّة ذرّيّة الأنبياء قوله فيه سكينة من ربّكم. فإنّ التّابوت كان يوضع بين يدي العدوّ وبين المسلمين، فيخرج منه ريح طيّبة، لها وجه كوجه الإنسان.

وما في هذا الخبر من أنّ ذلك النّبيّ إرميا، ينافي ما نقل

في مجمع البيان(٦) ، عن أبي جعفر ـ عليه السّلام ـ أنّه اسمويل. ويمكن الجمع بأنّهما واحد. والاختلاف من النّقلة، أو من اختلاف التّسمية، بأن عبّر عنه باسمين عند أهل زمانه. وقوله في آخر الخبر «البقيّة ذرّيّة الأنبياء» معناه أنّ البقيّة ممّا تركه ذرّيّة الأنبياء

، كما يشرح في خبر آخر سيجيء.

( وَقالَ لَهُمْ نَبِيُّهُمْ إِنَّ آيَةَ مُلْكِهِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ التَّابُوتُ ) :

الصّندوق، فعلوت من التّوب. فإنّه لا يزال يرجع إليه ما يخرج منه، وفي تفسير العيّاشيّ(٧) : عن العبّاس بن هلال، قال: سأل عليّ بن أسباط أبا الحسن الرّضا ـ عليه السّلام ـ فقال: أي شيء التّابوت الّذي كان في بني إسرائيل؟

قال: كان فيه ألواح موسى التي تكسّرت والطست الّتي تغسل فيها قلوب الأنبياء.

وفي كتاب معاني الأخبار(٨) : حدّثنا محمّد بن الحسن بن أحمد بن الوليد، عن محمّد بن الحسن الصّفّار، عن إبراهيم بن هاشم، عن إسماعيل بن مرار، عن يونس بن عبد الرّحمن، عن أبي الحسن ـ عليه السّلام قال: سألته(٩) ما كان تابوت موسى؟ وكم كان سعته؟

__________________

(١) المصدر: وألقته. (ظ)

(٢) يوجد في المصدر.

(٣) ليس في المصدر.

(٤) المصدر: حتّى استخفّوا به.

(٥) المصدر: بعث الله طالوت عليهم يقاتل.

(٦) مجمع البيان ١ / ٣٥٠.

(٧) تفسير العياشي ١ / ١٣٣، ح ٤٤٢.

(٨) معاني الأخبار / ٢٨٤ ـ ٢٨٥، ح ٢. (٩) المصدر: قال: سألته فقلت: جعلت فداك.

٣٨٢

قال: ثلاثة(١) أذرع في ذراعين.

قلت: ما كان فيه؟

قال: عصى موسى والسّكينة.

قلت: وما السّكينة؟

قال: روح الله يتكلم. كانوا إذا اختلفوا في شيء كلّمهم وأخبرهم ببيان ما يريدون.

ولا ينافيه ما يأتي في الخبر(٢) من أنّه ريح كذا، لاحتمال أن يكون الرّيح والرّوح واحدا.

وفي أصول الكافي(٣) : عدّة من أصحابنا، عن أحمد بن محمّد، عن عليّ بن الحكم، عن معاوية بن وهب، عن سعيد السّمّان قال: سمعت عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ أنّه يقول: إنّما مثل السّلاح فينا، مثل التّابوت في بني إسرائيل. كانت بنو إسرائيل أيّ أهل بيت وجد التّابوت على بابهم أوتوا النّبوّة. فمن صار إليه السّلاح منّا أوتي الإمامة.

وبهذا المعنى من الأخبار، كثيرة(٤) .

( فِيهِ سَكِينَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ ) :

قيل(٥) : أي في إيتاء التّابوت، أو في التّابوت ما تسكنون إليه. وهو التّوراة. وكان موسى إذا قاتل، قدّمه، فتسكن نفوس بني إسرائيل ولا يفرّون.

وقيل(٦) : صورة كانت فيه من زبرجد أو ياقوت. لها رأس وذنب كرأس الهرّة.

وذنبها وجناحان فتئن. فيزفّ التّابوت نحو العدوّ. وهم يتبعونه. فإذا استقرّ ثبتوا وسكنوا ونزل النّصر.

قال في مجمع البيان(٧) : روى ذلك في أخبارنا.

وقيل(٨) : صور الأنبياء من آدم إلى محمّد ـ صلّى الله عليه وآله.

وقيل(٩) : «التّابوت»: القلب. والسّكينة ما فيه من العلم والإخلاص. وإتيانه

__________________

(١) المصدر: ثلاث.

(٢) ر. تفسير القمي ١ / ٨٢. وسيأتى ـ إن شاء الله.

(٣) الكافي ١ / ٢٣٨، ح ١.

(٤) ر. نفس المصدر والموضع.

(٥ و ٦) أنوار التنزيل ١ / ١٣٠.

(٧) مجمع البيان ١ / ٣٥٣.

(٨ و ٩) أنوار التنزيل ١ / ١٣٠.

٣٨٣

تصيير قلبه مقرّ العلم والوقار، بعد أن لم يكن.

والصّحيح ما ذكر في الخبر السّالف، من أنّه ريح طيّبة تخرج من التّابوت له وجه كوجه الإنسان.

وفي تفسير عليّ بن إبراهيم(١) : حدّثني أبي، عن الحسن بن خالد، عن الرّضا ـ عليه السّلام ـ أنّه قال: السّكينة ريح من الجنّة. لها وجه كوجه الإنسان.

( وَبَقِيَّةٌ مِمَّا تَرَكَ آلُ مُوسى وَآلُ هارُونَ ) ، أي: ذرّيّة الأنبياء. وهما موسى وهارون والآل لتفخيم مفخّم، أو أنبياء بني إسرائيل لأنّهم أبناء عمّهما.

في تفسير العيّاشي(٢) : عن حريز، عن رجل، عن أبي جعفر ـ عليه السّلام ـ في قول الله:( يَأْتِيَكُمُ التَّابُوتُ فِيهِ سَكِينَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَبَقِيَّةٌ مِمَّا تَرَكَ آلُ مُوسى وَآلُ هارُونَ تَحْمِلُهُ الْمَلائِكَةُ ) ، فقال: رضاض الألواح. فيها العلم والحكمة. العلم جاء من السّماء. فكتب في الألواح. وجعل في التّابوت.

( تَحْمِلُهُ الْمَلائِكَةُ ) :

قيل(٣) : رفعه الله بعد موسى، فنزلت به الملائكة وهم ينظرون.

وقيل(٤) : كان مع أنبيائهم، يستفتحون به حتّى أفسدوا. فغلبهم الكفّار عليه. وكان في أرض جالوت إلى أن ملّك الله طالوت. فأصابهم ببلاء حتّى هلكت خمس مدائن.

فتشاءموا بالتّابوت. فوضعوه على ثورين. فساقهما الملائكة إلى طالوت.

وفي كتاب المناقب(٥) ، لابن شهر آشوب: وفي حديث جابر بن يزيد الجعفيّ: أنّه لـمّا شكت الشّيعة إلى زين العابدين ـ عليه السّلام ـ ممّا يلقونه من بني أميّة. دعا الباقر ـ عليه السّلام. وأمر أن يأخذ الخيط الّذي نزل به جبرئيل إلى النّبيّ ـ عليه السّلام.

ويحركه تحريكا خفيفا(٦) .

قال: فمضى إلى المسجد، فصلّى فيه ركعتين. ثمّ وضع خدّه على الثّرى(٧) . وتكلّم بكلمات. ثمّ رفع رأسه. فأخرج من كمّه خيطا رقيقا(٨) يفوح منه رائحة المسك. وأعطاني

__________________

(١) تفسير القمي ١ / ٨٢.

(٢) تفسير العياشي ١ / ١٣٣، ح ٤٤٠.

(٣ و ٤) الكشاف ١ / ٢٩٣+ أنوار التنزيل ١ / ١٣٠.

(٥) المناقب ٤ / ١٨٣.

(٦) ليس في المصدر.

(٧) المصدر: التراب.

(٨) المصدر: دقيقا.

٣٨٤

طرفا منه. فمشيت رويدا.

فقال: قف، يا جابر! فحرّك الخيط تحريكا ليّنا خفيفا.

ثمّ قال: اخرج! فانظر ما حال النّاس؟

فخرجت من المسجد. فإذا صياح وصراخ وولولة من كلّ ناحية. وإذا زلزلة شديدة وهدّة ورجفة قد أخربت عامّة دور المدينة وهلك تحتها أكثر من ثلاثين ألف إنسان ـ إلى قوله ـ سألته عن الخيط.

قال: هذا من البقيّة.

قلت: وما البقيّة؟ يا ابن رسول الله! قال: يا جابر «بقيّة ممّا ترك آل موسى وآل هارون تحمله الملائكة» ويضعه جبرئيل الدنيا(١) .

( إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ ) (٢٤٨) :

يحتمل أن يكون من تمام كلام النّبيّ، وأن يكون ابتداء خطاب من الله تعالى.

( فَلَمَّا فَصَلَ طالُوتُ بِالْجُنُودِ ) : [انفصل بهم عن بلده لقتال العمالقة. وأصله فصل نفسه عنه. ولكن لـمّا كثر حذف مفعوله صار كاللازم.

قيل(٢) : إنّه قال لهم: «لا يخرج معي إلّا الشّابّ النّشيط الفارغ.» فاجتمع إليه ممّن اختاره ثمانون ألفا.

والأظهر أنّه اجتمع إليه ستّون ألفا وثلاثمائة وثلاثة عشر رجلا. لما سيأتي من أنّ من شرب ستّون ألفا، ومن لم يشرب ثلاثمائة وثلاثة عشر رجلا. وكان الوقت قيظا.

فسلكوا مفازة. وسألوا أن يجري الله لهم نهرا.

( قالَ ) ، أي: نبيّهم.

( إِنَّ اللهَ مُبْتَلِيكُمْ بِنَهَرٍ ) : يعاملكم معاملة المختبر بما اقترحتموه.

( فَمَنْ شَرِبَ مِنْهُ فَلَيْسَ مِنِّي ) : فليس من أشياعي، أو بمتّحد معي.

( وَمَنْ لَمْ يَطْعَمْهُ فَإِنَّهُ مِنِّي ) ، أي: من لم يذقه من طعم الشيء إذا أذاقه(٣) ، مأكولا أو مشروبا.

__________________

(١) هكذا في المصدر والنسخ. والظاهر: لدينا.

(٢) الكشاف ١ / ٢٩٤+ أنوار التنزيل ١ / ١٣٠.

(٣) كذا في النسخ. ولعله: ذاقه.

٣٨٥

( إِلَّا مَنِ اغْتَرَفَ غُرْفَةً بِيَدِهِ ) :

استثناء من قوله «فشرب.» وقدّم عليه الجملة الثّانية، للعناية بها.

والمعنى: الرّخصة في القليل، دون الكثير.

وقرئ بفتح الغين.

( فَشَرِبُوا مِنْهُ إِلَّا قَلِيلاً مِنْهُمْ ) ، أي: فكرعوا فيه إذا الأصل في الشّرب منه أن لا يكون بوسط، أو أفرطوا في الشّرب إلّا قليلا منهم.

وقرئ بالرّفع، حملا على المعنى، أي: لم يطيعوه.

وروى أنّ الّذين شربوا منه كانوا ستّين ألفا(١) .

وروى عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام(٢) ـ أنّه قال: القليل الّذي لم يشربوا ولم يغترفوا، ثلاثمائة وثلاثة عشر رجلا.

( فَلَمَّا جاوَزَهُ ) ، أي: طالوت النّهر إلى جنود جالوت،( هُوَ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ ) ، أي: القليل الّذين لم يخالفوه،( قالُوا ) ، أي: الّذين شربوا منه،( لا طاقَةَ لَنَا الْيَوْمَ بِجالُوتَ وَجُنُودِهِ ) لكثرتهم وقوّتهم. هذا اعتذار منهم في التّخلّف وتحذير للقليل.

( قالَ الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ مُلاقُوا اللهِ ) ، أي: الخلّص منهم الّذين تيقّنوا لقاء الله وثوابه بالموت. وسمّاه ظنّا لشبه اليقين بالموت بالظّنّ والشّكّ، كما ورد في الخبر: أنّه ما من يقين لا شكّ فيه أشبه بشكّ لا يقين فيه من الموت.

وهم القليل الّذين لم يشربوا.

( كَمْ مِنْ فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللهِ ) : بتيسيره وتوفيقه.

و «كم»، يحتمل الخبر والاستفهام.

و «من»، مبنيّة، أو مزيدة.

و «الفئة»: الفرقة من النّاس، من فأوت رأسه، أي: شققته، أو من فاء إذا رجع فوزنها فعة، أو فلة. ولا ينافي إطلاق الفئة هنا على أقلّ من عشرة آلاف، ما رواه العيّاشيّ(٣)

__________________

(١) تفسير القمي ١ / ٨٣.

(٢) نفس المصدر ونفس الموضع.

(٣) تفسير العياشي ١ / ١٣٤، ح ٤٤٤.

٣٨٦

«عن حمّاد بن عثمان قال: قال أبو عبد الله ـ عليه السّلام: لا يخرج القائم ـ عليه السّلام ـ في أقلّ من الفئة. ولا تكون الفئة أقلّ من عشرة آلاف.» من وجهين :

الأوّل: أنّ الإطلاق على الأقلّ هنا للفئة الموصوفة بالقلّة، لا الفئة المطلق. وفي الخبر، مطلقة.

والثّاني: أنّ المراد بالفئة في الخبر المعهودة المذكورة سابقا، بأنّها يكون مع القائم ـ عليه السّلام ـ لا مطلق الفئة.

( وَاللهُ مَعَ الصَّابِرِينَ ) (٢٤٩): بالنّصر والإثابة.

( وَلَمَّا بَرَزُوا لِجالُوتَ وَجُنُودِهِ ) ، أي: ظهروا لهم، ودنوا منهم،( قالُوا رَبَّنا أَفْرِغْ عَلَيْنا صَبْراً وَثَبِّتْ أَقْدامَنا وَانْصُرْنا عَلَى الْقَوْمِ الْكافِرِينَ ) (٢٥٠): سألوا ـ أوّلا ـ إفراغ الصّبر في قلوبهم. وهو الّذي ملاك الأمر. وثانيا: ثبات القدم في مداحض الحرب المسبّب عنه.

وثالثا: النّصر على العدوّ المترتّب عليهما.

( فَهَزَمُوهُمْ بِإِذْنِ اللهِ ) : فكسروهم بنصره، أو مصاحبين لنصره إيّاهم إجابة لدعائهم.

روى في تفسير عليّ بن إبراهيم(١) ، عن الرّضا ـ عليه السّلام: لـمّا تأذّى بنو إسرائيل من جالوت، أوحى الله إلى نبيّهم: أنّ جالوت يقتله من يستوي عليه درع موسى ـ عليه السّلام. وهو رجل من ولد لاوي بن يعقوب ـ عليه السّلام ـ اسمه داود بن أسى.

وكان أسى راعيا. وكان له عشر بنين، أصغرهم داود. فلمّا بعث طالوت إلى بني إسرائيل وجمعهم لحرب جالوت، بعث إلى أسى أن احضر ولدك فلمّا حضروا دعا واحدا واحدا من ولده فألبسه درع موسى ـ عليه السّلام ـ فمنهم من طالت عليه ومنهم من قصرت عنه.

فقال لأسى: هل خلّفت من ولدك أحدا؟

قال: نعم. أصغرهم. تركته في الغنم راعيا(٢) .

فبعث إليه [ابنه].(٣) فجاء به فلمّا دعي أقبل ومعه مقلاع. فناداه(٤) ثلاث صخرات في طريقه. فقالت(٥) : «خذنا.» فأخذها في مخلاته. وكان شديد البطش، قويّا في

__________________

(١) تفسير القمي ١ / ٨٢.

(٢) المصدر: يرعاها.

(٣) يوجد في المصدر.

(٤) المصدر: قال: فنادته. (ظ)

(٥) المصدر: فقالت: يا داود.

٣٨٧

بدنه، شجاعا، فلمّا جاء إلى طالوت ألبسه درع موسى. فاستوت عليه. ففصل طالوت بالجنود حتّى برزوا لجالوت وجنوده. فجاء داود(١) ووقف بحذاء جالوت. وكان جالوت على الفيل وعلى رأسه التّاج وفي جبهته ياقوتة يلمع نورها(٢) وجنوده من بين يديه. فأخذ داود من تلك الأحجار حجرا. فرمى به ميمنة جالوت فمر في الهواء. ووقع عليهم. فانهزموا. وأخذ حجرا آخر. فرمى به في ميسرة جالوت. فوقع عليهم. فانهزموا. ورمى جالوت بحجر. فصكّ الياقوتة في جبهته. ووصلت إلى دماغه. ووقع إلى الأرض ميّتا. وهو(٣) قوله:( فَهَزَمُوهُمْ بِإِذْنِ اللهِ وَقَتَلَ داوُدُ جالُوتَ وَآتاهُ اللهُ الْمُلْكَ وَالْحِكْمَةَ ) .

( وَقَتَلَ داوُدُ جالُوتَ ) بالوجه الّذى روي.

( وَآتاهُ اللهُ الْمُلْكَ ) ، أي ملك: بني إسرائيل.

قيل(٤) : ولم يجتمعوا قبل داود على ملك.

( وَالْحِكْمَةَ ) : النّبوّة. وأنزل عليه الزّبور.

( وَعَلَّمَهُ مِمَّا يَشاءُ ) : وعلمه صنعة الحديد وليّنه له.

في كتاب الخصال(٥) ، عن أبي جعفر ـ عليه السّلام ـ قال: إنّ الله تبارك وتعالى لم يبعث أنبياء ملوكا(٦) إلّا أربعة بعد نوح: ذا القرنين(٧) واسمه عياش، وداود وسليمان ويوسف ـ عليهم السّلام. فأمّا عياش فملك ما بين المشرق والمغرب. وأمّا داود فملك ما بين الشّامات إلى بلاد إصطخر. وكذلك كان ملك سليمان. وأمّا يوسف فملك مصر وبراريها(٨) ولم يتجاوزها إلى غيرها.

وعن أبي الحسن الأوّل ـ عليه السّلام(٩) ـ قال: قال رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله: إنّ الله ـ تبارك وتعالى ـ اختار من كلّ شيء أربعة. اختار من الأنبياء للسّيف، إبراهيم وداود وموسى وأنا.

وفي كتاب كمال الدّين وتمام النّعمة(١٠) ، بإسناده إلى جعفر بن محمّد، عن أبيه ،

__________________

(١) المصدر: حتّى.

(٢) المصدر: نوره.

(٣) المصدر: فهو.

(٤) أنوار التنزيل ١ / ١٣١.

(٥) الخصال ١ / ٢٤٨.

(٦) المصدر: الأنبياء ملوكا في الأرض.

(٧) المصدر: ذو القرنين.

(٨) كذا في المصدر وفي النسخ. ولعله: بواديها.

(٩) نفس المصدر ١ / ٢٢٥، ح ٥٨.

(١٠) كمال الدين وتمام النعمة ٢ / ٥٢٤، ح ٣.

٣٨٨

عن جدّه، عن رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ قال: عاش داود ـ عليه السّلام ـ مائة سنة. منها أربعين سنة في ملكه.

وفي تفسير عليّ بن إبراهيم(١) : قال: وكان بين موسى وبين داود، خمسمائة سنة، وبين داود وعيسى ألف سنة وخمسمائة سنة.

( وَلَوْ لا دَفْعُ اللهِ ) :

وقرأ نافع هنا وفي الحجّ دفاع الله.

( النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَفَسَدَتِ الْأَرْضُ وَلكِنَّ اللهَ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْعالَمِينَ ) (٢٥١): قيل(٢) : أي: لولا أنّه تعالى يدفع بعض النّاس ببعض وينصر المسلمين على الكفّار، لغلبوا وأفسدوا في الأرض، أو فسدت الأرض بشؤمتهم.

وفي أصول الكافي(٣) : عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن عليّ بن سعيد(٤) ، عن عبد الله بن القسم، عن يونس بن ظبيان، عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ قال: انّ الله ليدفع بمن يصلّي من شيعتنا عمّن لا يصلّي من شيعتنا. ولو اجتمعوا(٥) على ترك الصلاة لهلكوا. وإنّ الله ليدفع بمن يزكّي من شيعتنا عمّن لا يزكّي. ولو اجتمعوا(٦) على ترك الزّكاة لهلكوا. وانّ الله ليدفع بمن يحجّ من شيعتنا عمّن لا يحجّ. ولو اجتمعوا(٧) على ترك الحجّ لهلكوا. وهو قول الله ـ عزّ وجلّ:( وَلَوْ لا دَفْعُ اللهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَفَسَدَتِ الْأَرْضُ وَلكِنَّ اللهَ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْعالَمِينَ ) . فو الله ما نزلت إلّا فيكم. ولا عنى بها غيركم.

وفي تفسير عليّ بن إبراهيم(٨) : حدّثني أبي، عن ابن أبي عمير، عن جميل قال: قال أبو عبد الله ـ عليه السّلام: إنّ الله ليدفع ـ وذكر مثله إلّا قوله: فو الله ما أنزلت (الخ.)

وفي مجمع البيان(٩) :( وَلَوْ لا دَفْعُ اللهِ النَّاسَ ) (الآية) فيه ثلاثة أقوال. الثّاني: أنّ معناه يدفع الله بالبرّ عن الفاجر الهلاك ـ عن عليّ ـ عليه السّلام. وقريب منه ما روى

__________________

(١) تفسير القمي ١ / ١٦٥.

(٢) أنوار التنزيل ١ / ١٣١.

(٣) الكافي ٢ / ٤٥١، ح ١.

(٤) «على بن سعيد» ليس في ر. وفي المصدر: عليّ بن معبد.

(٥ و ٦ و ٧) المصدر: أجمعوا. (ظ)

(٨) تفسير القمي ١ / ٨٣.

(٩) مجمع البيان ١ / ٣٥٧.

٣٨٩

عن النّبيّ ـ صلّى الله عليه وآله أنّه قال: لولا عباد ركّع وصبيان رضّع وبهائم رتّع، لصبّ عليهم العذاب صبّا.

وروى جابر بن عبد الله(١) ، قال: قال رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله: إنّ الله يصلح بصلاح الرّجل السلم ولده وولد ولده وأهل دويرته. ودويرات حوله لا يزالون في حفظ الله ما دام فيهم.

( تِلْكَ ) إشارة إلى ما قصّ من القصص السّالفة.

( آياتُ اللهِ ) : دلائله على قدرته وإرسالك رسولا.

( نَتْلُوها عَلَيْكَ بِالْحَقِ ) : بالوجه المطابق الّذي لا يشكّ فيه أهل الكتاب وأرباب التّواريخ.

( وَإِنَّكَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ ) (٢٥٢) لما أخبرت بها من غير تعرّف واستماع.

( تِلْكَ الرُّسُلُ ) ، أي: الجماعة المذكورة قصصهم، أو المعلومة لك أيّها النّبيّ، أو جماعة الرّسل.

و «اللّام»، للاستغراق.

( فَضَّلْنا بَعْضَهُمْ عَلى بَعْضٍ ) بأن خصّصناه بما ليس لغيره.

( مِنْهُمْ مَنْ كَلَّمَ اللهُ ) :

قيل(٢) : هو موسى.

وقيل(٣) : موسى ليلة الخيرة في الطّور، ومحمّد ـ صلّى الله عليه وآله ـ ليلة المعراج.

وقرئ: كلّم الله وكالم الله. (بنصب لفظ الجلالة.)( وَرَفَعَ بَعْضَهُمْ ) ، يعني: محمّدا ـ صلّى الله عليه وآله.

( دَرَجاتٍ ) [بأن فضّله على غيره. قيل(٤) : وهو محمّد ـ صلّى الله عليه وآله. فإنّه فضّل](٥) بأن فضّله على غيره من وجوه متعدّدة: فإنّه خصّ بالدّعوة العامّة والحجج المتكاثرة والمعجزات المستمرّة والفضائل العمليّة والعمليّة الفائتة للحصر.

وفي عيون الأخبار(٦) ، بإسناده إلى عليّ بن موسى، عن أبيه، عن آبائه، عن عليّ بن أبي طالب ـ عليهم السّلام ـ قال: قال رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله: ما خلق الله خلقا

__________________

(١) نفس المصدر نفس الموضع.

(٢ و ٣ و ٤) أنوار التنزيل ١ / ١٣٢.

(٥) يوجد في أ، فقط.

(٦) عيون أخبار الرضا ١ / ٢٠٤.

٣٩٠

أفضل منّي. ولا أكرم عليه منّي.

قال عليّ ـ عليه السّلام: فقلت: يا رسول الله! أفأنت أفضل أم جبرئيل؟

فقال ـ عليه السّلام: إنّ الله(١) تعالى فضّل أنبياءه المرسلين على ملائكته المقرّبين.

وفضّلني على جميع النّبيّين والمرسلين. والفضل بعدي لك يا عليّ وللائمّة من بعدك. وإنّ الملائكة لخدّامنا وخدّام محبّينا.

والحديث طويل. أخذت منه موضع الحاجة.

وقيل(٢) : إبراهيم خصّصه بالخلّة الّتي هي أعلى المراتب.

وقيل(٣) : إدريس لقوله تعالى(٤) :( وَرَفَعْناهُ مَكاناً عَلِيًّا ) وقيل(٥) : أولو العزم من الرّسل.

والإبهام في جميع تلك الاحتمالات، للتّفخيم. ويحتمل الحمل على الكلّ. والإبهام لعدم التّعيين. يدلّ عليه ما رواه العيّاشيّ في تفسيره(٦) ، عن أبي عمرو الزّبيريّ، عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام. قال: بالزّيادة بالإيمان يفضّل(٧) المؤمنون بالدّرجات عند الله.

قلت: وإنّ للإيمان درجات ومنازل يتفاضل بها المؤمنون عند الله؟

فقال: نعم.

قلت: صف لي ذلك ـ رحمك الله ـ حتّى أفهمه.

فقال: ما فضّل الله أولياءه(٨) بعضهم على بعض. فقال:( تِلْكَ الرُّسُلُ فَضَّلْنا بَعْضَهُمْ عَلى بَعْضٍ. مِنْهُمْ مَنْ كَلَّمَ اللهُ. وَرَفَعَ بَعْضَهُمْ دَرَجاتٍ ) . (إلى آخر الآية.) وقال(٩) :( وَلَقَدْ فَضَّلْنا بَعْضَ النَّبِيِّينَ عَلى بَعْضٍ ) . وقال(١٠) :( انْظُرْ كَيْفَ فَضَّلْنا بَعْضَهُمْ عَلى بَعْضٍ وَلَلْآخِرَةُ أَكْبَرُ دَرَجاتٍ ) . وقال(١١) :( هُمْ دَرَجاتٌ عِنْدَ اللهِ ) . فهذا ذكر الله درجات الإيمان ومنازله عند الله.

[وفي أصول الكافي(١٢) : عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن بكر بن صالح، عن القاسم

__________________

(١) المصدر: يا عليّ إنّ الله.

(٢ و ٣) أنوار التنزيل ١ / ١٣٢.

(٤) مريم / ٥٧.

(٥) أنوار التنزيل ١ / ١٣٢.

(٦) تفسير العياشي ١ / ١٣٥، ح ٤٤٧.

(٧) المصدر: تتفاضل.

(٨) المصدر: به أولياءه.

(٩) البقرة / ٢٥٣. (١٠) الإسراء / ٢١. (١١) آل عمران / ١٦٣.

(١٢) الكافي ٢ / ٤١، ح ١.

٣٩١

بن يزيد قال: حدّثنا أبو عمرو الزّبيريّ، عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ وذكر حديثا طويلا. وفيه يقول ـ عليه السّلام: ثمّ ذكر ما فضّل الله ـ عزّ وجلّ ـ به أولياءه بعضهم على بعض. فقال ـ عزّ وجلّ:( تِلْكَ الرُّسُلُ فَضَّلْنا بَعْضَهُمْ عَلى بَعْضٍ. مِنْهُمْ مَنْ كَلَّمَ اللهُ. وَرَفَعَ بَعْضَهُمْ ) فوق بعض درجات. (إلى آخر الآية.)](١)

( وَآتَيْنا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ الْبَيِّناتِ ) : المعجزات. أفرده لإفراط اليهود والنّصارى في تحقيره وتعظيمه. وجعل معجزاته مخصوصة بالذّكر. لأنّها آيات واضحة، أو معجزات عظيمة. لم يستجمعها غيره.

( وَأَيَّدْناهُ بِرُوحِ الْقُدُسِ ) :

في أصول الكافي(٢) : عدّة من أصحابنا، عن أحمد بن محمّد بن خالد، عن أبيه رفعه، عن محمّد بن داود الغنويّ، عن الأصبغ بن نباتة، عن أمير المؤمنين ـ عليه السّلام ـ في حديث طويل. يقول فيه ـ عليه السّلام: فأمّا ما ذكر من أمر السّابقين، فإنّهم أنبياء مرسلون وغير مرسلين. جعل الله فيهم خمسة أرواح: روح القدس وروح الإيمان وروح القوّة وروح الشّهوة وروح البدن. فبروح القدس بعثوا أنبياء مرسلين وغير مرسلين. وبها علّموا الأشياء. وبروح الإيمان عبدوا الله ولم يشركوا به شيئا. وبروح القوّة جاهدوا(٣) عدوّهم وعالجوا معاشهم. وبروح الشّهوة أصابوا لذيذ الطّعام ونكحوا الحلال(٤) من شباب النّساء.

وبروح البدن دبّوا ودرجوا. فهؤلاء مغفور مصفوح عن ذنوبهم.

ثمّ قال: قال الله ـ عزّ وجلّ:( تِلْكَ الرُّسُلُ فَضَّلْنا بَعْضَهُمْ عَلى بَعْضٍ مِنْهُمْ مَنْ كَلَّمَ اللهُ. وَرَفَعَ بَعْضَهُمْ دَرَجاتٍ وَآتَيْنا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ الْبَيِّناتِ. وَأَيَّدْناهُ بِرُوحِ الْقُدُسِ ) .

ثمّ قال في جماعتهم(٥) :( وَأَيَّدَهُمْ بِرُوحٍ مِنْهُ ) . يقول: أكرمهم ففضّلهم على من سواهم.

فهؤلاء مغفور لهم. مصفوح عن ذنوبهم.

( وَلَوْ شاءَ اللهُ ) إلزام النّاس على طريقة واحدة، مشيئة حتم،( مَا اقْتَتَلَ الَّذِينَ مِنْ بَعْدِهِمْ ) : من بعد الرّسل،( مِنْ بَعْدِ ما جاءَتْهُمُ الْبَيِّناتُ ) : المعجزات.

__________________

(١) ما بين المعقوفتين ليس في أ.

(٢) الكافي ٢ / ٢٨١ ـ ٢٨٢، ح ١٦.

(٣) أ: جاهدوهم.

(٤) أ: النكاح.

(٥) المجادلة / ٢٢.

٣٩٢

( وَلكِنِ اخْتَلَفُوا ) . لأنّه لم يجبرهم على الاهتداء للابتلاء.

( فَمِنْهُمْ مَنْ آمَنَ ) بتوفيقه.

( وَمِنْهُمْ مَنْ كَفَرَ ) لإعراضه عنه بخذلانه.

( وَلَوْ شاءَ اللهُ مَا اقْتَتَلُوا ) : التّكرار للتّوكيد.

( وَلكِنَّ اللهَ يَفْعَلُ ما يُرِيدُ ) (٢٥٣): فيوفّق من يشاء فضلا ويخذل من يشاء عدلا.

وفي هذه الآية دلالة على أنّ المختلفين بعد الرّسل، بين مؤمن وكافر، لا ثالث لهما.

وفي كتاب الاحتجاج(١) ، للطّبرسي ـ رحمه الله: وعن الأصبع بن نباتة قال: كنت واقفا مع أمير المؤمنين ـ عليه السّلام ـ يوم الجمل. فجاء رجل حتّى توقّف بين يديه. فقال: يا أمير المؤمنين! كبّر القوم وكبّرنا. وهلّل القوم وهلّلنا. وصلّى القوم وصلّينا. فعلام(٢) نقاتلهم؟

فقال أمير المؤمنين ـ عليه السّلام: على ما أنزل الله ـ عزّ وجلّ ـ في كتابه.

فقال: يا امير المؤمنين! ليس كلّ ما أنزل الله في كتابه أعلمه فعلّمنيه؟

فقال عليّ ـ عليه السّلام: لـمّا(٣) أنزل الله في سورة البقرة.

فقال: يا أمير المؤمنين! ليس كلّ ما أنزل الله في سورة البقرة أعلمه فعلّمنيه؟

فقال عليّ ـ عليه السّلام: هذه الآية:( تِلْكَ الرُّسُلُ ) . ـ وقرأ الى( يَفْعَلُ ما يُرِيدُ ) ـ فنحن الّذين آمنا. وهم الّذين كفروا.

فقال الرّجل: كفر القوم وربّ الكعبة! ثمّ حمل، فقاتل حتّى قتل ـ رحمه الله.

وفي أمالي شيخ الطّائفة(٤) ، شبهه مع تغيير غير مغيّر للمعنى.

وفي آخره بعد قوله: ومنهم من كفر. فلمّا وقع الاختلاف كنّا نحن أولى بالله ـ عزّ وجلّ ـ وبالنّبيّ ـ صلّى الله عليه وآله ـ وبالكتاب وبالحقّ. فنحن الّذين آمنوا. وهم الّذين كفروا. وشاء الله قتالهم بمشيئته وإرادته.

وفي روضة الكافي(٥) : ابن محبوب، عن عمرو بن أبي المقدام، عن أبيه قال: قلت لأبي جعفر ـ عليه السّلام: انّ العامّة يزعمون أن بيعة أبي بكر حيث اجتمع النّاس كانت

__________________

(١) الاحتجاج ١ / ٢٤٨.

(٢) المصدر: فعلى ما.

(٣) المصدر: ما.

(٤) أمالي الشيخ ١ / ٢٠٠.

(٥) الكافي ٨ / ٢٧٠، ح ٣٩٨.

٣٩٣

رضا لله ـ عزّ ذكره. وما كان الله ليفتن أمّة محمّد ـ صلّى الله عليه وآله ـ من بعده.

فقال أبو جعفر ـ عليه السّلام: او ما يقرءون كتاب الله؟ أو ليس الله يقول(١) :( وَما مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ. أَفَإِنْ ماتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلى أَعْقابِكُمْ. وَمَنْ يَنْقَلِبْ عَلى عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَّ اللهَ شَيْئاً وَسَيَجْزِي اللهُ الشَّاكِرِينَ ) ؟

قال: قلت: إنّهم يفسّرون على وجه آخر.

قال: أو ليس من أخبر الله ـ عزّ وجلّ ـ عن الّذين من قبلهم من الأمم، أنّهم قد اختلفوا من بعد ما جاءتهم البيّنات، [حيث قال:( وَآتَيْنا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ الْبَيِّناتِ. وَأَيَّدْناهُ بِرُوحِ الْقُدُسِ. وَلَوْ شاءَ اللهُ مَا اقْتَتَلَ الَّذِينَ مِنْ بَعْدِهِمْ، مِنْ بَعْدِ ما جاءَتْهُمُ الْبَيِّناتُ ]. ) (٢) ( وَلكِنِ اخْتَلَفُوا. فَمِنْهُمْ مَنْ آمَنَ. وَمِنْهُمْ مَنْ كَفَرَ. وَلَوْ شاءَ اللهُ مَا اقْتَتَلُوا. وَلكِنَّ اللهَ يَفْعَلُ ما يُرِيدُ ) ؟ في هذا يستدلّ به على أنّ أصحاب محمّد ـ صلّى الله عليه وآله ـ قد اختلفوا من بعده. فمنهم من آمن. ومنهم من كفر.

( يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنْفِقُوا مِمَّا رَزَقْناكُمْ ) : ما أوجب عليكم إنفاقه،( مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ يَوْمٌ لا بَيْعٌ فِيهِ وَلا خُلَّةٌ وَلا شَفاعَةٌ ) : وهو يوم القيامة الّذي لا بيع فيه، فيحصل ما ينفق بالبيع، أو يفتدى النّفس ويخلص من العذاب، بإعطاء شيء وشرائها، ولا خلّة حتّى يستغنى بالأخلّاء، ولا شفاعة إلا لمن رضى له قولا حتّى يتّكل على الشّفعاء.

( وَالْكافِرُونَ هُمُ الظَّالِمُونَ ) (٢٥٤): يريد التّاركون للزكاة الّذين ظلموا أنفسهم، أو(٣) وضعوا المال في غير موضعه وصرفوه على غير وجهه. فوضع الكافرون موضعه تغليظا وتهديدا، كقوله: «( وَمَنْ كَفَرَ ) ، مكان من لم يحجّ، وإيذانا بأن ترك الزّكاة من صفات الكفّار لقوله:( وَوَيْلٌ لِلْمُشْرِكِينَ الَّذِينَ لا يُؤْتُونَ الزَّكاةَ ) .

وفي من لا يحضره الفقيه(٤) : وفي رواية أبي بصير، عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ أنّه قال: من منع قيراطا من الزكاة فليس بمؤمن ولا مسلم. وهو قوله ـ عزّ وجلّ(٥) .( حَتَّى إِذا جاءَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قالَ رَبِّ ارْجِعُونِ لَعَلِّي أَعْمَلُ صالِحاً فِيما تَرَكْتُ ) .

واعلم! أنّ الأخبار في فضل آية الكرسيّ كثيرة. فمنها ما مرّ في صدر الكتاب. ومنها

__________________

(١) آل عمران / ١٤٤.

(٢) ما بين المعقوفتين ليس في أ.

(٣) ر: و. (ظ)

(٤) من لا يحضره الفقيه ٢ / ٧، ح ٢١.

(٥) المؤمنون / ٩٩.

٣٩٤

ما رواه في الخرايج والجرائح(١) ، عن عبد الله بن يحيى الكاهليّ قال: قال أبو عبد الله ـ عليه السّلام: إذا لقيت السّبع ما ذا تقول؟

قلت: لا أدري.

قال: إذا لقيته فاقرأ في وجهه آية الكرسيّ وقل: «عزمت عليك بعزيمة الله وعزيمة رسوله وعزيمة سليمان بن داود وعزيمة عليّ أمير المؤمنين والأئمّة من بعده.» فإنّه ينصرف عنك.

قال عبد الله: فقدمت الكوفة. فخرجت مع ابن عمّ لي إلى قرية. فإذا سبع قد اعترض لنا في الطّريق. فقرأت في وجهه آية الكرسيّ وقلت: عزمت عليك بعزيمة الله (إلى آخرها) إلّا تنحّيت عن طريقنا. ولم تؤذنا. فإنّا لا نؤذيك.

ومنها ما رواه في الكافي(٢) ، عن عليّ بن إبراهيم [عن محمّد بن عيسى](٣) وعدّة من أصحابنا، عن أحمد بن أبي عبد الله وسهل بن زياد، جميعا، عن محمّد بن عيسى، عن أبي محمّد الأنصاريّ، عن أبان بن عثمان، عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ قال: شكا إليه رجل عبث أهل الأرض بأهل بيته وبعياله. فقال: كم سقف بيتك؟

قال(٤) : عشرة أذرع.

فقال اذرع ثمانية أذرع ثمّ اكتب آية الكرسيّ فيما بين الثمانية إلى العشرة كما تدور. فإنّ كلّ بيت سمكه أكثر من ثمانية أذرع، فهو محتضر تحضره الجنّ، يكون فيه مسكنه(٥)

وعن عليّ بن إبراهيم،(٦) عن أبيه، عن إسماعيل بن مرار، وأحمد بن أبي عبد الله، عن أبيه، جميعا، عن يونس، عمّن ذكره، عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ قال في سمك البيت: إذا رفع ثمانية أذرع، كان مسكونا. فإذا زاد على ثمان فليكتب على رأس (الثّمانية)(٧) آية الكرسيّ.

وبإسناده(٨) إلى محمّد بن إسماعيل، عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ قال: إذا كان

__________________

(١) بحار الأنوار ٤٧ / ٩٥، ح ١٠٨، نقلا عن الخرايج والجرائح.

(٢) الكافي ٦ / ٥٢٩، ح ٣.

(٣) ليس في أو في المصدر.

(٤) المصدر: فقال. (ظ)

(٥) كذا في المصدر. وفي النسخ: تكون فيه تسكنه.

(٦) نفس المصدر نفس الموضع، ح ٤.

(٧) المصدر: الثمان.

(٨) نفس المصدر ٦ / ٦٢٩، ح ٧.

٣٩٥

البيت فوق ثمانية أذرع، فاكتب في أعلاه آية الكرسيّ.

ومنها ما رواه في من لا يحضره الفقيه(١) ، في وصيّة النّبيّ ـ صلّى الله عليه وآله ـ لعليّ ـ عليه السّلام: يا عليّ! ومن كان في بطنه ماء أصفر فليكتب على بطنه آية الكرسيّ ويشربه. فإنّه يبرأ بإذن الله ـ عزّ وجلّ.

ومنها ما رواه في كتاب الخصال(٢) ، عن عتبة بن عمير الليثي، عن أبي ذرّ ـ ره ـ قال: دخلت على رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ وهو في المسجد جالس وحده (إلى أن قال) قلت له: فأي آية أنزلها الله عليك أعظم؟

قال: آية الكرسيّ. ثمّ قال: يا أبا ذرّ! ما السّموات السّبع في الكرسيّ إلّا كحلقة ملقاة في أرض فلاة.

وفيه(٣) ، فيما علّم أمير المؤمنين ـ عليه السّلام ـ أصحابه: وإذا اشتكى أحدكم عينه فليقرأ آية الكرسيّ. وليضمر في نفسه أنّها تبرء. فإنّه يعافى ـ إن شاء الله تعالى.

ومنها ما رواه في أصول الكافي(٤) ، عن محمّد بن يحيى، عن عبد الله بن جعفر، عن السّيّاريّ، عن محمّد بن بكر، عن أبي الجارود، عن الأصبغ بن نباتة، عن أمير المؤمنين ـ عليه السّلام ـ أنّه قام إليه رجل فقال: يا أمير المؤمنين! إنّ في بطني ماء أصفر. فهل من شفاء؟

فقال: نعم بلا درهم ولا دينار. ولكن اكتب على بطنك آية الكرسيّ.

وتغسلها. وتشربها. وتجعلها ذخيرة في بطنك. فتبرأ بإذن الله ـ عزّ وجلّ.

ففعل الرّجل. فبرئ بإذن الله ـ عزّ وجلّ.

ومنها ما رواه في كتاب ثواب الأعمال(٥) ، بإسناده عن رجل سمع أبا الحسن الرّضا ـ عليه السّلام ـ يقول: من قرأ آية الكرسيّ عند منامه، لم يخف الفالج ـ إن شاء الله. ومن قرأها بعد كلّ صلاة لم يضرّه ذو حمّة.

ومنها ما رواه في عيون الأخبار(٦) ، في باب ما جاء عن الرّضا ـ عليه السّلام ـ من الأخبار المجموعة، بإسناده عن عليّ ـ عليه السّلام. قال: قال النّبيّ ـ صلّى الله عليه وآله :

__________________

(١) من لا يحضره الفقيه ٤ / ٢٦٩.

(٢) الخصال ٢ / ٥٢٤، ح ١٣.

(٣) نفس المصدر ٢ / ٦١٦، ح ١٠.

(٤) الكافي ٢ / ٦٢٥، ح ٢١.

(٥) ثواب الأعمال / ١٣١، ح ١.

(٦) عيون أخبار الرضا ٢ / ٦٥، ح ٢٨٩.

٣٩٦

من قرأ آية الكرسيّ مائة مرّة، كان كمن عبد الله طول حياته.

[وفي مجمع البيان(١) : روى جعفر بن محمّد، عن أبيه، عن آبائه، عن النّبيّ ـ صلّى الله عليه وآله ـ قال: لـمّا أراد الله ـ عزّ وجلّ ـ أن ينزل «فاتحة الكتاب» و «آية الكرسيّ» و «شهد الله» و( قُلِ ألْلَّهُمَّ مالِكَ الْمُلْكِ ) (إلى قوله)( بِغَيْرِ حِسابٍ ) ، تعلّقن بالعرش. وليس بينهنّ وبين الله حجاب. وقلن: يا ربّ! تهبطنا دار الذّنوب(٢) وإلى من يعصينّك. ونحن معلّقات بالطّهور وبالقدس.

فقال: وعزّتي وجلالي! ما من عبد قرأ كنّ في دبر كلّ صلاة(٣) إلّا أسكنته حضيرة القدس، على ما كان فيه، وإلّا نظرت إليه بعيني المكنونة في كلّ يوم سبعين نظرة، وإلّا قضيت له في كلّ يوم سبعين حاجة أدناه المغفرة، وإلّا أعذته من كلّ عدوّ ونصرته عليه ولا يمنعه دخول الجنّة إلّا أن يموت. وقد مرّ في أوّل الفاتحة](٤)

( اللهُ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ ) : مبتدا وخبر. وللنّحاة خلاف في أنّه هل يضمر للأخير مثل في الوجود، أو يصحّ، أو يوجد؟ وإلّا صحّ أنّ إلّا هو خبره.

والمعنى: أنّ الله انتفى مستحقّ للعبادة غيره بحسب الإمكان والوجود، يعني: لا يمكن ولا يوجد مستحقّ للعبادة غيره.

( الْحَيُ ) :

قيل(٥) : الحيّ الّذي له صفة يقتضي الحسّ والحركة الإراديّة ويقتضي صحّة العلم والقدرة. والمراد به في صفة الله تعالى أنّه غير مرتبط الوجود بغيره، بطريق المعلوليّة، مع كونه قديرا عالما.

وفي كتاب التّوحيد(٦) ، بإسناده إلى أبي بصير، عن أبي جعفر ـ عليه السّلام ـ في حديث طويل يذكر فيه صفة الرّبّ ـ عزّ وجلّ ـ وفيه يقول: لم يزل حيّا بلا حياة. [كان حيّا بلا حياة حادثة.

وبإسناده(٧) إلى عبد الأعلى، عن العبد الصّالح، يعني: موسى بن جعفر

__________________

(١) مجمع البيان ١ / ٤٢٦.

(٢) المصدر: إلى دار الذنوب.

(٣) كلّ صلاة مكتوبة.

(٤) ما بين المعقوفتين ليس في أ.

(٥) ر. تفسير صدر المتألهين ٤ / ٧٩ ـ ٨٠.

(٦) التوحيد / ١٧٣، ح ٢.

(٧) نفس المصدر / ١٣٨، ح ١٣.

٣٩٧

ـ عليه السّلام ـ حديث طويل. وفيه: كان حيّا بلا كيف ولا أين. حيّا بلا حياة حادثة.

بل حيّ لنفسه.

وبإسناده(١) إلى جابر الجعفيّ، عن أبي جعفر ـ عليه السّلام ـ قال: سمعته يقول: إنّه نور لا ظلمة فيه، وعلم لا جهل فيه، وحياة لا موت فيه].(٢)

( الْقَيُّومُ ) : الدّائم القيام بتدبير الخلق وحفظه. فيعول من قام الأمر، إذا حفظه.

وفي تفسير عليّ بن إبراهيم(٣) . حدّثنا محمّد بن أبي عبد الله قال: حدّثنا محمّد بن إسماعيل، عن عليّ بن العبّاس، عن جعفر بن محمّد، عن الحسين بن أسد، عن يعقوب بن جعفر قال سمعت موسى بن جعفر ـ عليهم السّلام ـ يقول: إنّ الله ـ تبارك وتعالى ـ أنزل على عبده محمّد ـ صلّى الله عليه وآله ـ أنّه لا إله إلّا هو الحيّ القيّوم. ويسمّى بهذه الأسماء الرّحمن الرّحيم العزيز الجبّار العليّ العظيم. فتاهت هنا لك عقولهم. واستخفّت أحلامهم. فضربوا له الأمثال. وجعلوا له أندادا. وشبّهوه بالأمثال. ومثّلوه أشباها. وجعلوه يزول ويحول. فتاهوا في بحر عميق لا يدرون ما غوره، ولا يدركون بكيفيّته بعده.

( لا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلا نَوْمٌ ) :

«السّنة»: فتور يتقدّم النّوم.

و «النّوم»: حال يعرض للحيوان من استرخاء أعصاب الدّماغ، من رطوبات الأبخرة المتصاعدة، بحيث تقف الحواسّ الظّاهرة عن الإحساس، رأسا. وهنا إشكال مشهور. وهو تقديم السّنة عليه. وقياس المبالغة عكسه. وأجيب بأنّه قدّمه على ترتيب الوجود، وبأنّه على القياس. وهو التّرقّي من الأدنى إلى الأعلى. [لأنّ عدم الأخذ من النّوم، أعلى لقوّته من عدم أخذ السّنة الضعيفة. ففي ترتيبهما التّرقّي من الأدنى إلى الأعلى.

وفي أصول الكافي(٤) : أبو عبد الله الأشعريّ، عن معلّى بن محمّد، عن الوشّاء، عن حمّاد بن عثمان قال: جلس أبو عبد الله ـ عليه السّلام ـ متورّكا رجله اليمنى على فخذه اليسرى. فقال له رجل: جعلت فداك! هذه جلسة مكروهة.

فقال: لا. إنّما هو شيء قالته اليهود: لـمّا أن فرغ الله ـ عزّ وجلّ ـ من خلق السّماوات والأرض واستوى على العرش، جلس هذه الجلسة، ليستريح. فأنزل الله عزّ

__________________

(١) نفس المصدر والموضع.

(٢) ما بين المعقوفتين ليس في أ.

(٣) تفسير القمي ٢ / ٣٦١.

(٤) الكافي ٢ / ٦٦١، ح ٥.

٣٩٨

وجلّ:( اللهُ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ. لا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلا نَوْمٌ ) .

وبقي أبو عبد الله ـ عليه السّلام ـ متورّكا كما هو].(١)

والجملة تأكيد لما قبله. ولذلك ترك العاطف. فإنّ عدم أخذ السّنة والنّوم يؤكّد كونه قيّوما. وكذا في قوله:( لَهُ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ ) . لأنّه تقرير لقيّوميّته واحتجاج على تفرّده في الإلهيّة. وما فيهما أعمّ من أن يكون داخلا في حقيقتهما، أو خارجا عنهما، متمكّنا فيهما.

( مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلَّا بِإِذْنِهِ ) : «من»، استفهاميّة. مبتدأ. و «ذا» موصول خبره. والموصول صفته. والاستفهام على سبيل الإنكار. وهو بيان لكبرياء شأنه، أي: لا أحد يساويه، أو يداينه. يستقلّ بدفع ما يريد شفاعة فضلا عن أن يقاومه(٢) عنادا.

ومن يشفع، يشفع بإذنه. وله مكانه عنده.

وفي محاسن البرقيّ(٣) ، بإسناده، قال: قلت لأبي عبد الله ـ عليه السّلام: قوله( مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلَّا بِإِذْنِهِ يَعْلَمُ ما بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَما خَلْفَهُمْ ) . [أي من هم؟](٤) قال: نحن أولئك الشّافعون.

[وفي تفسير عليّ بن إبراهيم(٥) : وأمّا آية الكرسيّ، فإنّه حدّثني أبي، عن الحسن بن خالد أنّه قرأ أبو الحسن الرّضا ـ عليه السّلام ـ الم( اللهُ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ لا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلا نَوْمٌ ) ، أي: نعاس له ما في السّموات وما في الأرض وما بينهما وما تحت الثّرى. عالم الغيب والشّهادة. هو الرّحمن الرّحيم.( مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلَّا بِإِذْنِهِ ) .

وفي روضة الكافي(٦) : عليّ بن إبراهيم، عن أبيه(٧) ، عن أحمد بن محمّد بن خالد(٨) ، عن محمّد بن سنان، عن أبي جرير القميّ، وهو محمّد بن عبيد الله، وفي نسخة: عبد الله، عن أبي الحسن ـ عليه السّلام:( لَهُ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ ) وما بينهما وما تحت الثّرى.

عالم الغيب والشّهادة(٩) . هو الرّحمن الرّحيم.( مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلَّا بِإِذْنِهِ ) .(١٠) ]

__________________

(١) ما بين المعقوفتين ليس في أ.

(٢) هكذا في أ. وفي الأصل ور: يعاوقه.

(٣) المحاسن / ١٤٠، ح ١٧٤.

(٤) يوجد في المصدر.

(٥) تفسير القمي ١ / ٨٤.(٦) الكافي ٨ / ٢٩، ح ٤٣٨.

(٧) ليس في المصدر. (٨) المصدر: أحمد بن محمد عن محمد بن خالد.

(٩) ليس في المصدر. (١٠) ما بين المعقوفتين ليس في أ.

٣٩٩

( يَعْلَمُ ما بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَما خَلْفَهُمْ ) : ما قبلهم وما بعدهم، أو بالعكس. لأنّك مستقبل المستقبل ومستدبر الماضي، أو أمور الدّنيا وأمور الآخرة، أو عكسه، أو ما يحسّونه وما يعقلونه، أو ما يدركونه وما لا يدركونه.

والضّمير لما في السّموات والأرض. لأنّ فيهم العقلاء، أو لما دلّ عليه.

«من ذا» من الملائكة والأنبياء والأئمّة.

( وَلا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِنْ عِلْمِهِ ) : من معلوماته،( إِلَّا بِما شاءَ ) : أن يعلموا.

( وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ ) :

«الكرسيّ» في الأصل، اسم لما يقعد عليه. ولا يفضل عن مقعد القاعد. وكأنّه منسوب إلى الكرس. وهو الملبد. مجاز عن علمه تعالى.

في كتاب التّوحيد(١) ، قال: حدّثنا أبي ـ رحمه الله ـ قال: حدّثنا سعد بن عبد الله، عن القسم بن محمّد، عن سليمان بن داود(٢) ، عن حفص بن غياث قال: سألت أبا عبد الله ـ عليه السّلام ـ عن قول الله ـ عزّ وجلّ:( وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ ) .

قال: علمه.

حدّثنا محمّد بن الحسن بن أحمد بن الوليد ـ رحمه الله(٣) ـ قال: حدّثنا محمّد بن الحسن(٤) قال: حدّثنا يعقوب بن يزيد، عن حمّاد بن عيسى، عن ربعي، عن فضيل بن يسار قال: سألت أبا عبد الله ـ عليه السّلام ـ عن قول الله ـ عزّ وجلّ:( وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ ) ، فقال: يا فضيل! السّموات والأرض وكلّ شيء في الكرسيّ.

وفي الكافي(٥) ، مثله، سواء.

وكذا «العرش» مجاز عن علم له تعالى أعلى من الأوّل، كما رواه في كتاب التّوحيد(٦) ، بإسناده إلى حنان بن سدير، عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ في حديث طويل يقول فيه: ثمّ العرش في الوصل منفرد(٧) من الكرسيّ. لأنّهما بابان من أكبر أبواب الغيوب.

__________________

(١) التوحيد / ٣٢٧، ح ١.

(٢) المصدر: سليمان بن داود المنقريّ.

(٣) نفس المصدر ونفس الموضع، ح ٣.

(٤) المصدر: محمد بن الحسن الصفّار.

(٥) الكافي ١ / ١٣٢، ح ٥ ـ ٣.

(٦) التوحيد / ٣٢١، ح ١.

(٧) المصدر: متفرّد.

٤٠٠

وهما جميعا غيبان. وهما في الغيب مقرونان. لأنّ «الكرسيّ» هو الباب الظّاهر من الغيب الّذي منه مطلع البدع ومنه الأشياء كلّها. و «العرش» هو الباب الباطن الّذي يوجد فيه علم الكيف والكون والقدر والحدّ والأين والمشيئة وصفة الإرادة وعلم الألفاظ والحركات والتّرك وعلم العود والبداء(١) . فهما في العلم بابان مقرونان. لأنّ ملك العرش سوى ملك الكرسيّ. وعلمه أغيب من علم الكرسيّ. فمن ذلك قال(٢) :( رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ ) ، أي: صفته أعظم من صفة الكرسيّ. وهما في ذلك مقرونان.

وقيل(٣) : «الكرسيّ جسم بين يدي العرش. ولذلك سمّي كرسيّا. محيط بالسّموات السّبع»، لمارواه في كتاب التّوحيد(٤) ، بإسناده عن النّبيّ ـ صلّى الله عليه وآله ـ في حديث طويل، يذكر فيه عظمة الله ـ جلّ جلاله ـ يقول فيه ـ عليه السّلام ـ بعد أن ذكر الأرضين السّبع ثمّ السّموات السّبع والبحر المكفوف وجبال البرد: وهذه السّبع والبحر المكفوف والحجب(٥) عند الهواء الّذي تحار فيه القلوب، كحلقة في فلاة قيّ. والسّبع والبحر المكفوف وجبال البرد (والهواء والحجب) في الكرسيّ، كحلقة في فلاة قيّ. ثمّ تلا هذه الآية:( وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ. وَلا يَؤُدُهُ حِفْظُهُما وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ ) .

وفي روضة الكافي(٦) ، بإسناده إلى النّبيّ ـ صلّى الله عليه وآله ـ مثله.

[وفي تفسير عليّ بن إبراهيم(٧) : حدّثني أبي، عن بن سويد، عن موسى بن بكر، عن زرارة، عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ في قوله:( وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ ) ، أيّما أوسع، الكرسيّ أو السّموات؟

قال: لا بل الكرسيّ وسع السّموات والأرض والعرش. وكلّ شيء خلق الله في الكرسيّ.

حدّثني أبي(٨) ، عن إسحاق بن الهيثم، عن سعد بن طريف، عن](٩) الأصبغ بن

__________________

(١) المصدر: البدء.

(٢) التوبة / ١٢٩.

(٣) أنوار التنزيل ١ / ١٣٣.

(٤) التوحيد / ٢٧٧، ح ١.

(٥) هكذا في المصدر. وفي النسخ: الهواء والحجب.

(٦) الكافي ٨ / ١٥٣، ح ١٤٣.

(٧) تفسير القمي ١ / ٨٥.

(٨) نفس المصدر نفس الموضع.

(٩) بين المعقوفتين ليس في أ.

٤٠١

نباتة: أنّ عليّا ـ صلوات الله عليه ـ سئل عن قول الله ـ تبارك وتعالى:( وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ ) ، قال: السّموات والأرض وما بينهما من مخلوق في جوف الكرسيّ: وله أربعة أملاك يحملونه بإذن الله.

فأمّا ملك منهم في صورة الآدميّين. وهي أكبر الصّور على الله. وهو يدعو الله.

ويتضرّع إليه. ويطلب السّعة في الرّزق لبني آدم :

والملك الثّاني في صورة الثّور. وهو سيّد البهائم. ويطلب إلى الله. ويتضرّع إليه.

ويطلب السّعة والرّزق للبهائم.

والملك الثّالث في صورة النّسر. وهو سيّد الطيّور. وهو يطلب إلى الله ـ تبارك وتعالى. ويتضرّع إليه. ويطلب السّعة والرّزق لجميع الطّيور.

والملك الرّابع في صورة الأسد. وهو سيّد السّباع. وهو يرغب إلى الله. ويتضرّع إليه. ويطلب السّعة والرّزق لجميع السباع.

ولم يكن في هذه الصّور، أحسن من الثّور(١) . ولا أشدّ انتصابا منه حتّى اتّخذ الملأ من بني إسرائيل العجل. فلمّا عكفوا عليه وعبدوه من دون الله، خفض الملك الّذي في صورة الثّور رأسه، استحياء من الله أن عبد من دون الله شيء يشبهه. وتخوّف أن ينزل به العذاب.

وعلى هذا العرش جسم ـ أيضا.

روى في كتاب التّوحيد(٢) ، عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ في حديث طويل وفيه: قال السّائل: فقوله(٣) :( الرَّحْمنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوى ) .

قال أبو عبد الله ـ عليه السّلام: بذلك وصف نفسه. وكذلك هو مستول على العرش، بائن من خلقه من [غير](٤) أن يكون العرش حاملا، ولا أن يكون العرش حاويا له، ولا أن يكون العرش مختارا له. ولكنّا نقول: هو حامل العرش، وممسك العرش.

ونقول: من ذلك ما قال:( وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ ) . فثبتّنا من العرش والكرسيّ، ما ثبّته. ونفينا أن يكون العرش والكرسيّ حاويا له، أو أن(٥) يكون ـ عزّ وجلّ ـ

__________________

(١) أ: الصور.

(٢) التوحيد / ٢٤٨، ح ١.

(٣) طه / ٥.

(٤) يوجد في المصدر.

(٥) ليس في المصدر.

٤٠٢

محتاجا إلى مكان، أو إلى شيء ممّا خلق. بل خلقه محتاجون إليه.

[وفيه(١) ـ أيضا: حدّثنا أحمد بن محمّد بن يحيى العطّار، عن أبيه، عن أحمد بن محمّد بن عيسى، عن حجّال عن ثعلبة بن ميمون، عن زرارة قال: سألت أبا عبد الله ـ عليه السّلام ـ عن قول الله ـ عزّ وجلّ:( وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ ) ، وسعن الكرسيّ؟ أم الكرسيّ وسع السّماوات والأرض؟

فقال: بل الكرسيّ وسع السّماوات والأرض والعرش. وكلّ شيء في الكرسي.

وفيه(٢) ، بإسناده إلى عاصم بن حميد، عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ أنّه قال: الكرسيّ جزء من سبعين جزء من نور العرش.

والحديث طويل. أخذت منه موضع الحاجة].(٣) وقيل(٤) : إنّه الفلك المشهور بفلك البروج. كما أنّ العرش الفلك المشهور بالفلك الأطلس والأعظم.

وقيل(٥) : تصوير لعظمته. وتمثيل مجرّد. ولا كرسيّ في الحقيقة.

( وَلا يَؤُدُهُ ) : لا يثقله. من الأود. وهو الاعوجاج.

( حِفْظُهُما ) ، أي: حفظه السّموات والأرض.

فحذف الفاعل. وهو أحد المواضع الأربعة الّتي حذف الفاعل. فيه قياس.

[وأضيف المصدر إلى المفعول.

( وَهُوَ الْعَلِيُ ) : المتعالي عن الأنداد والأشباه،( الْعَظِيمُ ) (٢٥٥): المستحقر بالإضافة إليه كلّ ما سواه.

وفي عيون الأخبار(٦) ، بإسناده إلى محمّد بن سفيان قال: سألت أبا الحسن الرّضا ـ عليه السّلام: هل كان الله عارفا بنفسه قبل أن يخلق الخلق؟

قال: نعم.

قلت: يراها ويسمعها؟

قال: ما كان يحتاج(٧) إلى ذلك. لأنّه لم يكن يسألها ولا يطلب منها. هو نفسه.

__________________

(١) نفس المصدر / ٣٢٧، ح ٤.

(٢) نفس المصدر / ١٠٨، ح ٣.

(٣) ما بين المعقوفتين ليس في أ.

(٤) أنوار التنزيل ١ / ١٣٣.

(٥) نفس المصدر ونفس الموضع.

(٦) عيون أخبار الرضا ١ / ١٠٦.

(٧) المصدر: محتاجا.

٤٠٣

ونفسه هو. قدرة نافذة. فليس يحتاج إلى أن يسمّى نفسه. ولكنّه اختار لنفسه اسما لغيره يدعوه بها. لأنّه إذا لم يدع باسمه، لم يعرف. فأوّل ما اختار لنفسه( الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ ) . لأنّه أعلى الأشياء كلّها. فمعناه، الله. واسمه العليّ العظيم. هو أوّل أسمائه. لأنّه علا كلّ شيء.

واعلم! أنّ المشهور أنّ آية الكرسيّ هي هذه. وما رواه في أصول الكافي(١) ، مثله، وفي روضة الكافي(٢) ، عن محمّد بن خالد، عن حمزة بن عبيد(٣) ، عن إسماعيل بن عباد، عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ( وَلا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِنْ عِلْمِهِ إِلَّا بِما شاءَ ) وآخرها:( وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ ) ، والحمد لله ربّ العالمين، وآيتين بعدها، بظاهره يدلّ عليه. لأنّ الظّاهر رجوع الضّمير في آخرها، إلى آية الكرسيّ.

وروى عليّ بن إبراهيم(٤) ، عن أبيه، عن الحسين بن خالد: أنّه قرأ عليّ بن موسى ـ صلوات الله عليهما ـ على التّنزيل:( اللهُ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ. لا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلا نَوْمٌ. لَهُ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ ) ( وَما بَيْنَهُما وَما تَحْتَ الثَّرى. عالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهادَةِ. هُوَ الرَّحْمنُ الرَّحِيمُ ) .( مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلَّا بِإِذْنِهِ. يَعْلَمُ ما بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَما خَلْفَهُمْ. وَلا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِنْ عِلْمِهِ إِلَّا بِما شاءَ. وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ وَلا يَؤُدُهُ حِفْظُهُما وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ ) .

وذكر محمّد بن يعقوب الكلينيّ ـ رضي الله عنه(٥) ـ بإسناده أنّه يقرأ بعدها: «والحمد لله ربّ العالمين.» وفي الرّواية الأولى:( لا إِكْراهَ فِي الدِّينِ. قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ. فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللهِ، فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقى. لَا انْفِصامَ لَها. وَاللهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ. اللهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا يُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُماتِ إِلَى النُّورِ. وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَوْلِياؤُهُمُ الطَّاغُوتُ ) هم الظّالمون لآل محمّد( يُخْرِجُونَهُمْ مِنَ النُّورِ إِلَى الظُّلُماتِ. أُولئِكَ أَصْحابُ النَّارِ هُمْ فِيها خالِدُونَ ) . والحمد لله ربّ العالمين. كذا نزلت.

( لا إِكْراهَ فِي الدِّينِ ) . إذ الإكراه إلزام الغير فعلا لا يرى فيه خيرا. ولكن:( قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِ ) : تميّز كلّ ما هو رشد، عن كلّ ما هو غيّ، إذ يجب

__________________

(١) الكافي ١ / ١١٣، ح ٢.

(٢) نفس المصدر ٨ / ٢٩٠، ح ٤٣٨.

(٣) هكذا في المصدر. وفي النسخ: حميد.

(٤) تفسير القمي ١ / ٨٤.

(٥) الكافي ٨ / ٢٩٠، ح ٤٣٨+ تفسير القمي ١ / ٨٤ ـ ٨٥، مع بعض الاختلاف.

٤٠٤

حمل اللام على الاستغراق، لعدم قرينة التّخصيص، في المقام الخطابيّ. وتبيّن الرّشد من الغيّ، لا تخصيص فيه بزمان دون زمان، وبأحد دون أحد. فيفيد تبيّن الرّشد، في كلّ زمان، لكلّ أحد. فيدلّ على وجود معصوم في كلّ زمان اتّباعه هو الرّشد وعدم اتّباعه هو الغيّ.

( فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ ) : فعلوة من الطّغيان.

قلب عينه ولامه. وهم ظالمو حقّ آل محمّد.

روى الشّيخ أبو جعفر الطّوسيّ(١) ، بإسناده إلى الفضل بن شاذان، عن داود بن كثير قال: قلت لأبي عبد الله ـ عليه السّلام: أنتم الصلاة في كتاب الله ـ عزّ وجلّ؟ وأنتم الزكاة؟ وأنتم الحجّ؟

فقال: يا داود! نحن الصّلاة في كتاب الله ـ عزّ وجلّ. ونحن الزكاة. ونحن الصّيام.

ونحن الحجّ. [ونحن الشّهر الحرام].(٢) ونحن البلد الحرام. ونحن كعبة الله. ونحن قبلة الله.

ونحن وجه الله. قال الله تعالى(٣) :( فَأَيْنَما تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللهِ ) . ونحن الآيات ونحن البيّنات.

وعدوّنا في كتاب الله ـ عزّ وجلّ ـ الفحشاء والمنكر والبغي والخمر والميسر والأنصاب والأزلام والأصنام والأوثان والجبت والطّاغوت والميتة والدّم ولحم الخنزير.

يا داود! إنّ الله خلقنا. فأكرم خلقنا. وجعلنا أمناءه وحفظته وخزّانه على ما في السّموات وما في الأرض. وجعل لنا أضدادا وأعداء. فسمّانا في كتابه. وكنّى عن أسمائنا بأحسن الأسماء وأحبّها اليه تكنية عن العدد. وسمّى أضدادنا وأعداءنا في كتابه. وكنّى عن أسمائهم. وضرب لهم الأمثال في كتابه في أبغض الأسماء إليه وإلى عباده المتّقين.

وفي مجمع البيان(٤) : في «الطّاغوت» خمسة أقوال: أحدها ـ أنّه الشّيطان. وهو المرويّ عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام.

( وَيُؤْمِنْ بِاللهِ ) : بالتّوحيد والتّصديق للرّسل، في كلّ ما جاءوا به. ومن جملتها بل عمدتها ولاية الائمّة من آل محمّد ـ عليهم السّلام.

( فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقى ) : طلب الإمساك من نفسه بالعروة الوثقى، من

__________________

(١) لم نعثر عليه في أمالي الطوسي. وهو موجود في تأويل الآيات الباهرة، مخطوط / ٣، نقلا عن أمالى الطوسي.

(٢) ليس في المصدر.

(٣) البقرة / ١١٥.

(٤) مجمع البيان ١ / ٣٦٤.

٤٠٥

الحبل الوثيق وهي مستعارة لمستمسك المحقّ من الرّأي القويم. أطلق هنا على الإيمان بالله.

وهو يلازم ولاية الأئمّة ـ عليهم السّلام.

في أصول الكافي(١) : حميد بن زياد، عن الحسن بن محمد(٢) ، عن غير واحد، عن أبان، عن محمّد بن مسلم، عن أحدهما ـ عليهما السّلام ـ في قول الله ـ عزّ وجلّ:( فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقى ) ، قال: هي الإيمان.

عليّ بن إبراهيم(٣) ، عن أبيه، ومحمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد، جميعا، عن بن محبوب، عن عبد الله بن سنان، عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ أنّه قال في قوله ـ عزّ وجلّ:( فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقى لَا انْفِصامَ لَها ) . قال: هي الإيمان بالله، وحده لا شريك له.

والحديثان طويلان. أخذنا منهما موضع الحاجة.

وفي محاسن البرقيّ(٤) ، عنه، عن محسن بن أحمد، عن أبان الأحمر، عن أبي جعفر الأحول، عن محمّد بن مسلم، عن أبي جعفر ـ عليه السّلام ـ قال: عروة الله الوثقى، التّوحيد. والصبغة، الإسلام.

وفي كتاب المناقب(٥) ، لابن شهر آشوب: موسى بن جعفر، عن آبائه ـ عليهما السّلام ـ وأبو الجارود عن الباقر ـ عليه السّلام ـ في قوله تعالى:( فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقى ) ، قال: مودّتنا أهل البيت.

وفي عيون الأخبار(٦) ، بإسناده إلى أبي الحسن الرّضا ـ عليه السّلام ـ عن أبيه، عن آبائه، عن عليّ ـ عليهم السّلام ـ قال: قال رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله: من أحبّ أن يركب سفينة النّجاة ويستمسك بالعروة الوثقى ويعتصم بحبل الله المتين، فليوال عليّا بعدي، وليعادي عدوّه، وليأتمّ بالأئمّة الهداة من ولده.

وفيه(٧) ، فيما جاء عن الرّضا ـ عليه السّلام ـ من الأخبار المجموعة، بإسناده قال: قال رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله: [من أحبّ أن يستمسك بالعروة الوثقى، فليستمسك بحبّ عليّ وأهل بيتي.

__________________

(١) الكافي ٢ / ١٤، ح ٣.

(٢) المصدر: الحسن بن محمد بن سماعة.

(٣) نفس المصدر ٢ / ١٤، ح ١.

(٤) المحاسن / ١٨٨، ح ٢٢١.

(٥) تفسير نور الثقلين ١ / ٢٦٣، ح ١٠٥٤، نقلا عن المناقب+ بحار الأنوار ٢٤ / ٨٤.

(٦) عيون أخبار الرضا ١ / ٢٢٧، ح ٤٣.

(٧) نفس المصدر ٢ / ٥٨، ح ٢١٦.

٤٠٦

وبإسناده(١) قال: قال رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله :](٢) والأئمّة من ولد الحسين ـ عليهم السّلام. من أطاعهم فقد أطاع الله. ومن عصاهم فقد عصى الله. هم العروة الوثقى. وهم الوسيلة إلى الله تعالى.

وفي باب ما كتبه الرّضا ـ عليه السّلام ـ للمأمون من محض الإسلام وشرائع الدّين(٣) : أنّ الأرض لا تخلوا من حجّة الله تعالى على خلقه في كلّ عصر وأوان. وأنّهم العروة الوثقى وأئمّة الهدى والحجّة على أهل الدّنيا، إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها.

وفي كتاب الخصال(٤) ، عن عبد الله بن العبّاس قال: قام رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ فينا خطيبا. فقال في آخر خطبته: نحن كلمة التّقوى وسبيل الهدى والمثل الأعلى والحجّة العظمى والعروة الوثقى.

وفي كتاب التّوحيد(٥) ، بإسناده إلى أبي بصير، عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ قال: قال أمير المؤمنين ـ عليه السّلام ـ في خطبته: أنا حبل الله المتين. وأنا عروة الله الوثقى.

وفي كتاب كمال الدّين وتمام النّعمة(٦) ، بإسناده إلى إبراهيم بن أبي محمود، عن الرّضا ـ عليه السّلام ـ في حديث طويل: نحن حجج الله في أرضه وكلمة التّقوى والعروة الوثقى.

وفي كتاب معاني الأخبار(٧) ، بإسناده إلى عبد الله بن عبّاس قال: قال رسول ـ صلّى الله عليه وآله ـ من أحبّ أن يستمسك بالعروة الوثقى الّتي لا انفصام لها، فليستمسك(٨) بولاية أخي ووصيّي عليّ بن أبي طالب. فإنّه لا يهلك من أحبّه وتولاه.

ولا ينجو من أبغضه وعاداه.

في شرح الآيات الباهرة(٩) : ذكر صاحب نهج الإيمان في معنى هذه الآية، ما هذا لفظه: روى أبو عبد الله الحسين بن جبير ـ رحمه الله ـ في كتاب نخب المناقب لآل

__________________

(١) نفس المصدر ونفس الموضع، ح ٢١٧.

(٢) ما بين المعقوفتين ليس في أ.

(٣) نفس المصدر ٢ / ١٢١، ح ١.

(٤) الخصال ٢ / ٤٣٢، ح ١٤.

(٥) التوحيد / ١٦٥، ح ٢.

(٦) كمال الدين وتمام النعمة ١ / ٢٠٢، ح ٦.

(٧) معاني الأخبار / ٣٦٨.

(٨) المصدر: فليتمسّك.

(٩) تأويل الآيات الباهرة، مخطوط / ٣٤.

٤٠٧

أبي طالب، حديثا مسندا إلى الرّضا ـ عليه السّلام ـ قال: قال رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله: من أحبّ أن يستمسك بالعروة الوثقى، فليستمسك بحبّ عليّ بن أبي طالب ـ عليه السّلام.

واعلم! أنّ ما ذكر من الأخبار من تفسير العروة الوثقى، تارة بحبّ أهل البيت، وتارة بالأئمّة، وتارة بولاية الأئمّة، وتارة بالنّبيّ، وتارة بأمير المؤمنين، مؤدّاه واحد. وكذا

ما رواه في عيون الأخبار(١) ، بإسناده إلى الرّضا ـ عليه السّلام ـ أنّه ذكر القرآن يوما، وعظّم الحجّة فيه والآية المعجزة في نظمه، فقال: «هو حبل الله المتين وعروته الوثقى وطريقته المثلى»

، لا ينافي ما سبق من الأخبار. لأنّ كلا منها يستلزم الآخر. إذ المراد بالمحبّة والولاية ما هو بالطّريق المقرّر من الله في القرآن.

( لَا انْفِصامَ لَها ) : لا انقطاع لها. يقال: فصمته، فانفصم، إذا كسرته.

( وَاللهُ سَمِيعٌ ) بالأقوال،( عَلِيمٌ ) (٢٥٦) بالنّيّات وسائر الأعمال. وهو وعد للكافر بالطّاغوت، وتهديد لغيره.

( اللهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا ) : محبّهم أو متولّي أمرهم.

والمراد بالّذين آمنوا، الّذين كفروا بالطّاغوت وآمنوا بالله، بمعنى ذكرناه.

( يُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُماتِ ) ، أي: ظلمات الذّنوب.

( إِلَى النُّورِ ) ، إلى نور التّوبة والمغفرة لولايتهم كلّ إمام عادل كما يأتي في الخبر، أو يخرجهم بالإيمان من الظّلمات الّتي فيه غيرهم إلى نور الإيمان، أي: يجعل لهم نورا ليس لغيرهم.

وفي كتاب الخصال(٢) ، عن أبي عبد الله، عن أبيه، عن آبائه، عن عليّ بن أبي طالب ـ عليهم السّلام ـ قال: المؤمن يتقلّب في خمسة من النّور: مدخله نور، ومخرجه نور، وعلمه نور، وكلامه نور، ومنظره يوم القيامة إلى النّور.

أو يخرجهم من ظلمات الجهل واتّباع الهوى والوساوس والشّبهة المؤدّية إلى الكفر، إلى النّور، إلى الهدى الموصل إلى الإيمان.

والجملة خبر بعد خبر، أو حال من المستكنّ في الخبر، أو من الموصول، أو منهما، أو

__________________

(١) عيون أخبار الرضا ٢ / ١٢٨، ح ٩.

(٢) الخصال ١ / ٢٧٧، ح ٢٠.

٤٠٨

استئناف مبيّن، أو مقرّر للولاية.

( وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَوْلِياؤُهُمُ الطَّاغُوتُ ) :

في روضة الكافي(١) : سهل، عن ابن محبوب، عن ابن رئاب، عن حمران بن أعين، عن أبي جعفر ـ عليه السّلام: والّذين كفروا أولياؤهم الطّواغيت.

قيل(٢) : الشّياطين، أو المضلات من الهوى والشّياطين وغيرهما.

وعلى الخبر الّذي سبق: الظّالمون لآل محمّد حقّهم، والّذين كفروا: أشياعهم.

( يُخْرِجُونَهُمْ مِنَ النُّورِ إِلَى الظُّلُماتِ ) : من النّور الّذي منحوه بالفطرة، إلى الكفر وفساد الاستعداد، أو من نور البيّنات، إلى ظلمات الشّكوك والشّبهات.

( أُولئِكَ أَصْحابُ النَّارِ هُمْ فِيها خالِدُونَ ) (٢٥٧): وعيد وتحذير.

وفي تفسير العيّاشيّ(٣) : عن مسعدة بن صدقة قال أبو عبد الله ـ عليه السّلام: قصّة الفريقين جميعا في الميثاق، حتّى بلغ الاستثناء من الله في الفريقين.

فقال: إنّ الخير والشّرّ خلقان من خلق الله. له فيهما المشيئة، في تحويل ما شاء الله، فيما قدّر فيهما(٤) ، حال عن حال. والمشيئة فيما خلق (لهما)(٥) من خلقه، في منتهى ما قسم لهم من الخير والشّرّ. وذلك أنّ الله قال في كتابه:( اللهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا يُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُماتِ إِلَى النُّورِ وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَوْلِياؤُهُمُ الطَّاغُوتُ يُخْرِجُونَهُمْ مِنَ النُّورِ إِلَى الظُّلُماتِ ) . فالنّور هم آل محمّد ـ عليهم السّلام. والظّلمات، عدوّهم.

عن مهزم الأسديّ(٦) قال: سمعت أبا عبد الله ـ عليه السّلام ـ يقول: قال الله ـ تبارك وتعالى: لأعذّبنّ كلّ رعيّة دانت بإمام ليس من الله، وإن كانت الرّعية في أعمالها برّة تقيّة. ولأغفرنّ عن كلّ رعيّة دانت بكلّ إمام من الله، وإن كانت الرّعيّة في أعمالها سيئة.

قلت: فيعفو عن هؤلاء، ويعذّب هؤلاء؟

قال: نعم. إنّ الله تعالى يقول:( اللهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا يُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُماتِ إِلَى النُّورِ ) .

__________________

(١) الكافي ٨ / ٢٨٩، ح ٤٣٦.

(٢) أنوار التنزيل ١ / ١٣٤.

(٣) تفسير العياشي ١ / ١٣٨، ح ٤٦١.

(٤) المصدر: فيها.

(٥) المصدر: لها.

(٦) نفس المصدر ١ / ١٣٩، ح ٤٦٢.

٤٠٩

ثمّ ذكر(١) حديث ابن أبي يعفور، رواية محمّد بن الحسين. ويزاد(٢) فيه: «فأعداء عليّ أمير المؤمنين هم الخالدون في النّار، وإن كانوا في أديانهم على غاية الورع والزّهد والعبادة.»

وفي أصول الكافي(٣) ، عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ حديث طويل، في طينة المؤمن والكافر. وفيه:( أَوَمَنْ كانَ مَيْتاً فَأَحْيَيْناهُ ) (٤) فكان موته اختلاط طينته مع طينة الكافر. فكان حياته حين فرّق الله بينهما بكلمته. كذلك يخرج الله ـ جلّ

وعزّ ـ المؤمن في الميلاد من الظّلمة، بعد دخوله فيها إلى النّور. ويخرج الكافر من النّور إلى الظّلمة، بعد دخوله إلى النّور.

وبإسناده(٥) إلى الباقر ـ عليه السّلام ـ في حديث طويل، في شأن( إِنَّا أَنْزَلْناهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ ) يقول فيه ـ عليه السّلام ـ وقد ذكر نزول الملائكة بالعلم: فإن قالوا: من سماء إلى سماء. فليس في السّماء أحد يرجع من طاعة إلى معصية. وإن قالوا: من سماء إلى أرض، وأهل الأرض أحوج الخلق إلى ذلك، فقل لهم: فهل بدّ من سيّد يتحاكمون إليه؟

فإن قالوا: فإنّ الخليفة هو حكمهم.

فقل:( اللهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا يُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُماتِ إِلَى النُّورِ ) (إلى قوله)( هُمْ فِيها خالِدُونَ ) . لعمري ما في الأرض ولا في السّماء وليّ لله ـ عزّ ذكره ـ إلّا وهو مؤيّد. ومن أيّده(٦) لله لم يخط(٧) . وما في الأرض عدوّ لله عزّ ذكره ـ إلّا وهو مخذول. ومن خذل لم يصب. كما أنّ الأمر لا بدّ من تنزيله من السّماء، يحكم به أهل الأرض. كذلك لا بدّ من وال.

عدّة من أصحابنا(٨) ، عن أحمد بن محمّد بن عيسى، عن ابن محبوب، عن عبد العزيز العبديّ، عن عبد الله بن أبي يعفور قال: قلت لأبي عبد الله ـ عليه السّلام: إنّي أخالط النّاس. فيكثر عجبي من أقوام لا يتولّونكم ويتولّون فلانا وفلانا، لهم أمانة وصدق ووفاء.

وأقوام يتولّونكم ليس لهم تلك الأمانة ولا الوفاء والصّدق.

__________________

(١) المصدر: ثم ذكر حديث الأوّل.

(٢) المصدر: زاد.

(٣) الكافي ٢ / ٥، ح ٧.

(٤) الأنعام / ١٢٢.

(٥) نفس المصدر ١ / ٢٤٥، ح ١.

(٦) المصدر: أيّد.

(٧) كذا في النسخ والمصدر. ولعله: لم يحطّ.

(٨) نفس المصدر ١ / ٣٧٥، ح ٣.

٤١٠

قال: فاستوى أبو عبد الله ـ عليه السّلام ـ جالسا. فأقبل عليّ كالغضبان. ثمّ قال: لا دين لمن دان الله بولاية إمام جائر. ليس من الله. ولا عتب على من دان الله بولاية إمام عادل من الله.

قلت: لا دين لأولئك؟ ولا عتب على هؤلاء؟

قال: نعم. لا دين لأولئك. ولا عتب على هؤلاء.

ثمّ قال: ألا تسمع لقول الله ـ عزّ وجلّ:( اللهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا يُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُماتِ إِلَى النُّورِ ) ، يعني: ظلمات الذّنوب إلى نور التّوبة والمغفرة لولايتهم كلّ إمام عادل من الله ـ عزّ وجلّ. وقال:( وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَوْلِياؤُهُمُ الطَّاغُوتُ. يُخْرِجُونَهُمْ مِنَ النُّورِ إِلَى الظُّلُماتِ ) [قال:( وَالَّذِينَ كَفَرُوا ) .

قال: فقال: وأي نور للكافر وهو كافر فأخرج من الظّلمات؟ إنّما عنى الحجج(١) : (كذا في تفسير العيّاشيّ) إنّما عنى [الله](٢) بهذا أنّهم كانوا على نور الإسلام. فلمّا أن تولّوا كلّ إمام جائر. ليس من الله، خرجوا بولايتهم(٣) من نور الإسلام، إلى ظلمات الكفر.

فأوجب الله(٤) لهم النّار، مع الكفّار.( أُولئِكَ أَصْحابُ النَّارِ هُمْ فِيها خالِدُونَ ) .(٥) ] [وفي شرح الآيات الباهرة، مثلة، سواء(٦) ].(٧)

وفي أمالي شيخ الطّائفة ـ قدّس سرّه(٨) ـ بإسناده إلى عليّ ـ عليه السّلام ـ عن النّبيّ ـ صلّى الله عليه وآله ـ أنّه تلا هذه الآية:( أُولئِكَ أَصْحابُ النَّارِ هُمْ فِيها خالِدُونَ ) قيل: يا رسول الله! من أصحاب النّار؟

قال: من قاتل عليّا بعدي. فأولئك أصحاب النّار مع الكفّار. فقد كفروا بالحقّ لـمّا جاءهم.

[وفي تفسير عليّ بن إبراهيم(٩) ، متّصلا بما سبق.

__________________

(١) «إنّما عنى الحجج» ليس في المصدر.

(٢) يوجد في المصدر.

(٣) المصدر: بولايتهم إيّاهم.

(٤) ليس في المصدر.

(٥) ما بين المعقوفتين يوجد في تفسير العياشي ١ / ١٣٨، ح ٤٦٠ وليس في الكافي.

(٦) تأويل الآيات الباهرة، مخطوط / ٣٤.

(٧) ليس في أ.

(٨) أمالي الشيخ ١ / ٣٧٤.

(٩) تفسير القمي ١ / ٨٤ ـ ٨٥.

٤١١

( يَعْلَمُ ما بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَما خَلْفَهُمْ ) قال: ما بين أيديهم من أمور الأنبياء وما كان وما خلفهم لم يكن بعد.

( إِلَّا بِما شاءَ ) ، أي: بما يوحى إليهم.

( وَلا يَؤُدُهُ حِفْظُهُما ) ، أي: لا يثقل عليه حفظهما في السّماوات وما في الأرض.

قوله:( لا إِكْراهَ فِي الدِّينِ ) ، أي: لا يكره أحد على دينه إلّا بعد أن تبيّن له وتبيّن له الرّشد من الغيّ.

( فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللهِ ) الّذين غصبوا آل محمّد حقّهم.

قوله:( فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقى ) ، يعني: الولاية.

( لَا انْفِصامَ لَها ) ، أي: حبل لا انقطاع له.

قوله:( اللهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا ) ، يعني: أمير المؤمنين والأئمّة ـ عليهم السّلام.

( يُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُماتِ إِلَى النُّورِ. وَالَّذِينَ كَفَرُوا ) وهم الظّالمون آل محمّد.

( أَوْلِياؤُهُمُ الطَّاغُوتُ ) . وهم الّذين تبعوا من غصبهم.

( يُخْرِجُونَهُمْ مِنَ النُّورِ إِلَى الظُّلُماتِ أُولئِكَ أَصْحابُ النَّارِ هُمْ فِيها خالِدُونَ ) .

والحمد لله ربّ العالمين. كذا نزلت].(١)

( أَلَمْ تَرَ ) : تعجيب.

( إِلَى الَّذِي حَاجَّ إِبْراهِيمَ فِي رَبِّهِ ) ، وهو نمرود.

( أَنْ آتاهُ اللهُ الْمُلْكَ ) : لأن أتاه، أي: أبطره إيتاء الملك وحمله على المحاجّة، أو حاجّ لأجله شكرا له على طريق العكس، كقولك: عاديتني لأن أحسنت إليك، أو وقت أن أتاه الملك.

قيل(٢) : وهو حجّة على من منع إيتاء الله الملك الكافر.

وفيه احتمال كون معنى الإيتاء التّخلية، فلا يكون حجّة عليه.

وفي كتاب الخصال(٣) ، عن محمّد بن خالد، بإسناده رفعه قال: ملك الأرض كلّها أربعة مؤمنان وكافران. فأمّا المؤمنان: فسليمان بن داود، وذو القرنين. وأمّا الكافران: نمرود وبخت نصر.

__________________

(١) ما بين المعقوفتين ليس في أ.

(٢) أنوار التنزيل ١ / ١٣٥.

(٣) الخصال ١ / ٢٥٥، ح ١٣٠.

٤١٢

وفي تفسير العيّاشيّ(١) : عن أبي بصير قال: لـمّا دخل يوسف على الملك قال له: كيف أنت يا إبراهيم؟

قال: إنّي لست بإبراهيم. أنا يوسف بن يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم.

قال: وهو صاحب إبراهيم الّذي حاجّ إبراهيم في ربّه.

قال: وكان أربعة مائة سنة شابّا.

وفي مجمع البيان(٢) : واختلف في وقت المحاجّة. قيل: بعد إلقائه في النّار، وجعلها بردا وسلاما ـ عن الصّادق عليه السّلام.

( إِذْ قالَ إِبْراهِيمُ ) :

ظرف لحاجّ، أو بدل من أتاه على الوجه الثّاني.

( رَبِّيَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ ) : يخلق الحياة والموت في الأجساد. وقرأ حمزة: ربّ.

(بحذف الياء).

( قالَ أَنَا أُحْيِي وَأُمِيتُ ) : بالعفو عن القتل والقتل.

وقرأ نافع: انا (بالألف.)( قالَ إِبْراهِيمُ فَإِنَّ اللهَ يَأْتِي بِالشَّمْسِ مِنَ الْمَشْرِقِ. فَأْتِ بِها مِنَ الْمَغْرِبِ ) : أعرض إبراهيم عن الاعتراض على معارضته الفاسدة إلى الاحتجاج بما لا يقدر فيه، على نحو هذا التّمويه، دفعا للمشاغبة. فهو في الحقيقة عدول عن مثال خفيّ إلى مثال جليّ، من مقدوراته الّتي يعجز عن الإتيان بها غيره، لا من حجّة إلى أخرى. ولعلّ نمرود زعم أنّه يقدر أن يفعل كلّ جنس(٣) يفعله الله. فنقضه إبراهيم ـ عليه السّلام ـ بذلك. وإنّما حمله عليه بطر الملك وحماقته.

( فَبُهِتَ الَّذِي كَفَرَ ) : فصار مبهوتا.

وقرئ فبهت، أي: فغلب إبراهيم الكافر.

( وَاللهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ ) (٢٥٨): الّذين ظلموا أنفسهم بالامتناع عن قبول الهداية.

وقيل(٤) : لا يهديهم محجّة الاحتجاج، أو سبيل النّجاة، أو طريق النّجاة يوم القيمة.

__________________

(١) تفسير العياشي ١ / ١٣٩، ح ٤٦٣.

(٢) مجمع البيان ١ / ٣٦٧.

(٣) أ: فعل. (ظ)

(٤) أنوار التنزيل ١ / ١٣٥.

٤١٣

في روضة الكافي(١) : عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن أحمد بن محمّد بن أبي نصر، عن أبان بن عثمان، عن حجر، عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ قال: خالف إبراهيم ـ صلّى الله عليه وآله ـ قومه، وعاب آلهتهم حتّى أدخل على نمرود. فخاصمهم. فقال إبراهيم: «ربّي الّذي (إلى آخر الآية.)

والحديث طويل. أخذت منه موضع الحاجة.

وفي كتاب ثواب الأعمال(٢) ، بإسناده إلى حنان بن سدير قال: حدّثني رجل من أصحاب أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ قال: سمعته يقول: إنّ أشدّ النّاس عذابا يوم القيامة لسبعة نفر: أوّلهم ابن آدم الّذي قتل أخاه، ونمرود الّذي حاجّ إبراهيم في ربّه.

الحديث يأتي بقيّته.

وفيه بإسناده(٣) إلى إسحاق بن عمّار الصّيرفيّ، عن أبي الحسن الماضي، في حديث طويل يقول في آخره: وإنّ في جوف تلك الحيّة، لسبع صناديق، فيها خمسة من الأمم السّالفة واثنان من هذه الأمّة.

قال: قلت: جعلت فداك! ومن الخمسة؟ ومن الاثنان؟

قال: أمّا الخمسة: فقابيل الّذي قتل هابيل، ونمرود الّذي حاجّ إبراهيم في ربّه، قال:( أَنَا أُحْيِي وَأُمِيتُ ) .، وفرعون الّذي قال:( أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلى ) .، ويهود الّذي هوّد اليهود، وبولس الّذي نصر النّصارى. ومن هذه الأمة، أعرابيّان.

( أَوْ كَالَّذِي مَرَّ عَلى قَرْيَةٍ ) : تقديره: «أو رأيت.» فحذف لدلالة «ألم تر عليه. وتخصيصه بحرف التّشبيه، لأنّ المنكر للإحياء كثير والجاهل بكيفيّته أكثر من أن يحصى، بخلاف مدّعي الرّبوبيّة.

وقيل(٤) : الكاف مزيدة. وتقدير الكلام: «ألم تر إلى الّذي مرّ.» وقيل(٥) : إنّه عطف محمول على المعنى. كأنّه قيل: ألم تر كالّذي حاجّ، أو كالّذي مرّ.

وقيل(٦) : إنّه من كلام إبراهيم ذكره جواب المعارضة(٧) ، تقديره: «أو إن كنت

__________________

(١) الكافي ٨ / ٢٦٨، ح ٥٥٩.

(٢) ثواب الأعمال / ٢٥٥، ح ١.

(٣) ثواب الأعمال / ٢٥٦.

(٤ و ٥) أنوار التنزيل ١ / ١٣٥.

(٦) نفس المصدر والموضع.

(٧) أ: جوابا لمعارضته. (ظ)

٤١٤

تحيى فأحي كإحياء الله.» ويؤيّده ما روى عن الصّادق ـ عليه السّلام(١) : أنّ إبراهيم قال له: أحي من قتلته، إن كنت صادقا.

قال البيضاويّ(٢) : الّذي مرّ، عزيز بن شرحيا، أو الخضر، أو كافر بالبعث. ويؤيّده نظمه مع نمرود.

وفي مجمع البيان(٣) : «أو كالّذي مرّ» هو عزير. وهو المرويّ عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام.

وقيل(٤) : هو إرميا. وهو المرويّ عن أبي جعفر ـ عليه السّلام.

أقول: أمّا ما يدلّ على أنّه عزير :

فما روى ـ أيضا ـ عن عليّ ـ عليه السّلام(٥) . أنّ عزيرا خرج من أهله وامرأته حبلى. وله خمسون سنة. فأماته الله مائة سنة. ثمّ بعثه. فرجع إلى أهله ابن خمسين. وله ابن. له مائة سنة. فكان ابنه أكبر منه. فذلك من آيات الله.

وما رواه في كتاب كمال الدّين وتمام النّعمة(٦) ، بإسناده إلى محمّد بن إسماعيل القرشيّ، عمّن حدّثه، عن إسماعيل بن أبي رافع، عن أبيه، عن النّبيّ ـ صلّى الله عليه وآله ـ في حديث طويل، وقد ذكر بخت نصر، وأنّه قتل من اليهود سبعين ألف مقاتل على دم يحيى بن زكريا(٧) ـ عليهما السّلام ـ وخرّب بيت المقدس، وتفرّقت اليهود في البلدان، وفي سبع(٨) وأربعين سنة من ملكه، بعث الله ـ عزّ وجلّ ـ العزير نبيّا إلى أهل القرى الّتي أمات الله ـ عزّ وجلّ ـ أهلها، ثمّ بعثهم له وكانوا من قرى شتّى، فهربوا فرقا من الموت، فنزلوا في جوار عزير وكانوا مؤمنين، وكان عزير يختلف إليهم، ويسمع كلامهم وإيمانهم، وأحبّهم على ذلك، وآخاهم عليه، فغاب عنهم يوما واحدا، ثمّ أتاهم فوجدهم موتى صرعى، فحزن عليهم، وقال:( أَنَّى يُحْيِي هذِهِ اللهُ بَعْدَ مَوْتِها ) تعجّبا منه حيث أصابهم، وقد ماتوا أجمعين في يوم واحد، فأماته الله ـ عزّ وجلّ ـ عند ذلك مائة عام، وهي(٩) مائة سنة ،

__________________

(١) مجمع البيان ١ / ٣٦٧.

(٢) أنوار التنزيل ١ / ١٣٥.

(٣ و ٤) مجمع البيان ١ / ٣٧٠.

(٥) نفس المصدر ونفس الموضع.

(٦) كمال الدين وتمام النعمة ١ / ٢٢٦، ح ٢٠.

(٧) كذا في أ. وفي الأصل ور: زكريا بن يحيى.

(٨) النسخ: سبعة. وما في المتن موافق المصدر.

(٩) المصدر: فلبث وهم. (ظ)

٤١٥

ثمّ بعثه الله وايّاهم، وكانوا مائة ألف مقاتل، ثمّ قتلهم الله أجمعين، لم يفلت منهم أحد على يدي بخت نصر.

وما رواه عليّ بن إبراهيم في تفسيره(١) : قال: حدّثني أبي، عن إسماعيل بن أبان، عن عمر بن عبد الله الثّقفيّ قال: أخرج هشام بن عبد الملك أبا جعفر ـ عليه السّلام ـ من المدينة إلى الشّام، وكان ينزله(٢) معه، وكان يقعد مع النّاس في مجالسهم. فبينا هو قاعد، وعنده جماعة من النّاس، يسألونه إذ نظر إلى النّصارى يدخلون في جبل هناك. فقال: ما لهؤلاء؟ ألهم عيد اليوم؟

فقالوا: لا يا ابن رسول الله! لكنّهم يأتون عالما في هذا الجبل، في كلّ سنة في [مثل](٣) هذا اليوم. فيخرجونه. فيسألونه عمّا يريدون، وعمّا يكون في عامهم.

فقال أبو جعفر ـ عليه السّلام: وله علم؟

فقالوا: هو من أعلم النّاس. قد أدرك أصحاب الحواريّين من أصحاب عيسى ـ عليه السّلام.

قال: فهل(٤) نذهب إليه؟

قالوا: ذاك إليك، يا ابن رسول الله! قال: فقنّع أبو جعفر ـ عليه السّلام ـ رأسه بثوبه. ومضى هو وأصحابه. فاختلطوا بالنّاس حتّى أتوا الجبل. فقعد أبو جعفر ـ عليه السّلام ـ وسط النصارى هو وأصحابه.

وأخرج النّصارى بساطا. ثمّ وضعوا الوسائد. ثمّ دخلوا. فأخرجوه. ثمّ ربطوا عينيه. فقلب عينيه. كأنّهما عينا افعى. ثمّ قصد أبا جعفر ـ عليه السّلام.

فقال: يا شيخ(٥) ! أمنّا أنت أم من الأمّة المرحومة؟

فقال: أبو جعفر ـ عليه السّلام: بل(٦) من الأمّة المرحومة.

فقال: أفمن علمائهم أنت أم من جهّالهم؟

قال: لست من جهّالهم.

__________________

(١) تفسير القمي ١ / ٩٨.

(٢) أ: فأنزله. ر: ما ينزله. وما في المتن موافق المصدر. والكلمة في الأصل غير واضحة.

(٣) يوجد في المصدر.

(٤) المصدر: لهم.

(٥ و ٦) ليس في المصدر.

٤١٦

فقال النّصرانيّ: أسألك أم تسألني؟

فقال أبو جعفر ـ عليه السّلام: سلني.

فقال النّصراني: يا معشر النّصارى! رجل من أمّة محمّد يقول سلني(١) . إنّ هذا لعالم بالمسائل.

ثمّ قال: يا عبد الله! أخبرني عن ساعة ما هي من اللّيل ولا هي من النّهار، أي ساعة هي؟

فقال أبو جعفر ـ عليه السّلام: ما بين طلوع الفجر إلى طلوع الشّمس.

(إلى أن قال النّصرانيّ :) فأسالك أو تسألني؟

قال أبو جعفر ـ عليه السّلام: سلني.

فقال: يا معشر النّصارى! والله لأسألنّه مسألة يرتطم فيها كما يرتطم الحمار في الوحل.

فقال له: سل.

فقال: أخبرني عن رجل دنا من امرأته فحملت باثنين(٢) ، حملتهما جميعا في ساعة واحدة، وولدتهما(٣) في ساعة واحدة، وماتا في ساعة واحدة، ودفنا(٤) في قبر واحد، عاش أحدهما خمسين ومائة سنة، وعاش الآخر خمسين سنة، من هما؟

فقال أبو جعفر ـ عليه السّلام: هما عزير وعزرة: كانا(٥) حملت أمّهما على ما وصفت، ووضعتهما على ما وصفت. وعاش عزير وعزرة كذا وكذا(٦) سنة. ثمّ أمات الله ـ تبارك وتعالى ـ عزيرا مائة سنة(٧) . ثمّ بعث الله عزيرا فعاش مع عزرة هذه الخمسين سنة(٨) . وماتا كلاهما(٩) في ساعة واحدة(١٠) .

فقال النّصرانيّ: يا معشر النّصارى! ما رأيت بعيني قط أعلم من هذا الرّجل.

لا تسألوني عن حرف وهذا بالشّام. ردّوني [إلى كهفي](١١) .

__________________

(١) المصدر: أسألني.

(٢) المصدر: فحملت منه بابنين.

(٣) المصدر: ووضعتها.

(٤) المصدر: ودفنا في ساعة واحدة.

(٥) المصدر: كانت.

(٦) المصدر: ثلاثين، بدل «كذا وكذا.»

(٧) يوجد في المصدر بعد هذه الجملة: وبقي غررة يحيى.

(٨) المصدر: عشرين سنه، بدل «هذه الخمسين سنه.»

(٩) المصدر: جميعا.

(١٠) يوجد في المصدر بعد هذه الفقرة: فدفنا في قبر واحد.

(١١) يوجد في المصدر.

٤١٧

فقال(١) : فردّوه إلى كهفه. ورجع النّصارى مع أبي جعفر ـ صلوات الله عليه.

وما رواه العيّاشيّ(٢) في تفسيره: [أبو طاهر العلويّ ،](٣) عن عليّ بن محمّد العلويّ، عن عليّ بن مرزوق، عن إبراهيم بن محمّد قال: ذكر جماعة من أهل العلم: أنّ ابن الكوّاء قال لعليّ ـ عليه السّلام: يا أمير المؤمنين! ما ولد أكبر من أبيه من أهل الدّنيا؟

قال [نعم].(٤) أولئك ولد عزير، حين مرّ على قرية خربة، وقد جاء من ضيعة له تحته حمار ومعه سلّة(٥) ، فيها تين وكوز، فيه عصير. فمرّ على قرية خربة. فقال:( أَنَّى يُحْيِي هذِهِ اللهُ بَعْدَ مَوْتِها ) . فأماته الله مائة عام. فتوالد ولده. وتناسلوا. ثمّ بعث الله إليه. فأحياه في المولد(٦) الّذي أماته فيه. فأولئك ولد(٧) أكبر من أبيه.

وأمّا ما يدلّ على أنّه إرميا :

فما رواه العيّاشيّ، أيضا، في تفسيره(٨) : عن أبي بصير(٩) ، عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ في قول الله:( أَوْ كَالَّذِي مَرَّ عَلى قَرْيَةٍ وَهِيَ خاوِيَةٌ عَلى عُرُوشِها، قالَ: أَنَّى يُحْيِي هذِهِ اللهُ بَعْدَ مَوْتِها ) ، فقال: إنّ الله بعث على بني إسرائيل نبيّا، يقال له: إرميا.

فقال(١٠) لهم: ما بلد تنقيته من كرائم البلدان، وغرس فيه من كرائم الغرس. وتنقيته من كلّ غرس.(١١) فأخلف. فأنبت خرنوبا.

قال: فضحكوا. واستهزؤا به. فشكاهم إلى الله.

قال: فأوحى الله إليه أن: قل لهم: إنّ البلد بيت المقدس، والغرس بنو إسرائيل، تنقيته من كلّ غرس(١٢) . ونحيّت عنهم كلّ جبّار. فأخلفوا. فعملوا المعاصي. فلا سلّطنّ عليهم في بلدهم من يسفك دماءهم، ويأخذ أموالهم. فإن بكوا(١٣) لي، لم أرحم(١٤) بكاءهم.

وإن دعوا، لم أستجب دعاءهم. فشلتهم. وفشلت. ثمّ لأخرّبنّها مائة عام. ثمّ لأعمّرنّها.

__________________

(١) ليس في المصدر.

(٢) تفسير العياشي ١ / ١٤١، ح ٤٦٧.

(٣) يوجد في المصدر.

(٤) يوجد في المصدر.

(٥) المصدر: شنّة.

(٦) هكذا في المصدر. وفي النسخ. الموتى.

(٧) هكذا في أ. وفي الأصل ور: ولده. (٨) نفس المصدر ١ / ١٤٠، ح ٤٦٦.

(٩) يوجد في أ، فقط.(١٠) المصدر: فقال: قل.

(١١ و ١٢) المصدر: غريبة.

(١٣) المصدر: إلىّ.

(١٤) المصدر: فلم ارحم.

٤١٨

فلمّا حدّثهم، جزعت العلماء. فقالوا: يا رسول الله! ما ذنبنا نحن؟ ولم نكن نعمل بعملهم. فعاود لنا ربّك.

فصام سبعا. فلم يوح إليه شيء. فأكل أكلة. ثمّ صام سبعا. فلم يوح إليه شيء.

فأكل أكلة. ثمّ صام سبعا. فلمّا أن كان اليوم الواحد والعشرين، أوحى الله إليه: لترجعنّ عمّا تصنع. أتراجعني في أمر قضيته، أو لأردّنّ وجهك على دبرك.

ثمّ أوحى الله إليه: قل لهم: لأنّكم رأيتكم المنكر. فلم تنكروه.

فسلّط الله عليهم. بخت نصر. فصنع بهم ما قد بلغك. ثمّ بعث بخت نصر إلى النبيّ. فقال: إنّك قد نبّئت عن ربّك. وحدّثتهم بما أصنع بهم. فإن شئت فأقم عندي فيمن شئت. وإن شئت فاخرج.

فقال: لا بل أخرج.

فتزوّد عصيرا وتينا. وخرج. فلمّا أن غاب مدّ البصر، التفت إليها. فقال:( أَنَّى يُحْيِي هذِهِ اللهُ بَعْدَ مَوْتِها. فَأَماتَهُ اللهُ مِائَةَ عامٍ ) .

أماته غدوة. وبعثه عشيّة قبل أن تغيب الشّمس. وكان أوّل شيء خلق منه عيناه في مثل غرقئ البيض.

ثمّ قيل له:( كَمْ لَبِثْتَ؟ قالَ: لَبِثْتُ يَوْماً ) .

فلمّا نظر إلى الشّمس، لم تغب، قال:( أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ. قالَ: بَلْ لَبِثْتَ مِائَةَ عامٍ. فَانْظُرْ إِلى طَعامِكَ وَشَرابِكَ، لَمْ يَتَسَنَّهْ. وَانْظُرْ إِلى حِمارِكَ وَلِنَجْعَلَكَ آيَةً لِلنَّاسِ. وَانْظُرْ إِلَى الْعِظامِ كَيْفَ نُنْشِزُها ثُمَّ نَكْسُوها لَحْماً ) ؟

قال: فجعل ينظر إلى عظامه، كيف يصل بعضها إلى بعض. ويرى العروق كيف تجري. فلمّا استوى قائما( قالَ: أَعْلَمُ أَنَّ اللهَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ) .

وفي رواية هارون: فتزوّد عصيرا ولبنا.

عن جابر(١) ، عن أبي جعفر ـ عليه السّلام ـ قال: نزلت هذه الآية على رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ هكذا: ألم تر إلى العظام كيف ننشزها ثمّ نكسوها لحما. فلمّا تبيّن له.

__________________

(١) نفس المصدر ١ / ١٤١، ح ٤٦٧.

٤١٩

قال: ما تبيّن لرسول الله أنّها في السّموات، قال رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله :( أَعْلَمُ أَنَّ اللهَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ) . سلم رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ للرّب. وآمن بقول الله فلمّا تبيّن له. قال: أعلم أنّ الله على كلّ شيء قدير.

وما رواه الشّيخ الطبرسيّ، في احتجاجه(١) ، عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ في حديث طويل يقول فيه ـ عليه السّلام: وأمات الله إرمياء النّبيّ ـ عليه السّلام ـ الّذي نظر إلى خراب بيت المقدس وما حوله حين غزاه بخت نصر، فقال:( أَنَّى يُحْيِي هذِهِ اللهُ بَعْدَ مَوْتِها فَأَماتَهُ اللهُ مِائَةَ عامٍ ثُمَ ) أحياه. ونظر إلى أعضائه [كيف يلتئم وكيف يلبس اللّحم، وإلى مفاصله وعروقه كيف توصل. فلمّا استوى قاعدا قال:( أَعْلَمُ أَنَّ اللهَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ) .

وما رواه عليّ بن إبراهيم، في تفسيره(٢) : قال حدّثني أبي، عن النّضر بن سويد، عن يحيى الحلبيّ، عن هارون بن خارجة، عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ قال: لـمّا عملت بنو إسرائيل المعاصي وعتوا عن أمر ربّهم، أراد الله أن يسلّط عليهم من يذلّهم ويقتلهم. فأوحى الله إلى إرميا: يا إرميا! ما بلد انتخبته من بين البلدان، وغرست فيه من كرائم الشّجر؟ فأخلف. فأنبت خرنوبا.

فأخبر إرميا أخيار بني إسرائيل. فقالوا له: راجع ربّك ليخبرنا ما معنى هذا المثل.

فصام إرميا سبعا. فأوحى الله إليه: يا إرميا! أمّا البلد، فبيت المقدس. [وأمّا الغرس، فإسرائيل وكرام ولده].(٣) وأمّا ما أنبت فيها، فبنو إسرائيل الّذين أسكنتهم فيه.

فعملوا بالمعاصي. وغيّروا ديني. وبدّلوا نعمتي كفرا. فبي حلفت لأمتحنّهم بفتنة يضلّ الحكيم منها(٤) حيرانا. ولأسلّطنّ عليهم شرّ عبادي ولادة. وشرّهم مطعما(٥) . وليتسلّطنّ عليهم بالجبريّة. فيقتل مقاتليهم. ويسبي حريمهم. ويخرّب بيتهم(٦) الّذي يعتزّون(٧) به. ويلقى حجرهم الّذي يفتخرون به على النّاس في المزابل مائة سنة.

وأخبر إرميا أخيار(٨) بني إسرائيل. فقالوا له: راجع ربّك فقل له: ما ذنب الفقراء

__________________

(١) الاحتجاج ٢ / ٨٨.

(٢) تفسير القمي ١ / ٨٦ ـ ٩١.

(٣) ليس في المصدر.

(٤) المصدر: فيها.

(٥) المصدر: طعاما.

(٦) المصدر: ديارهم.

(٧) المصدر: يفترون.

(٨) المصدر: أحبار.

٤٢٠

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

461

462

463

464

465

466

467

468

469

470

471

472

473

474

475

476

477

478

479

480

481

482

483

484

485

486

487

488

489

490

491

492

493