تفسير كنز الدّقائق وبحر الغرائب الجزء ٢

تفسير كنز الدّقائق وبحر الغرائب12%

تفسير كنز الدّقائق وبحر الغرائب مؤلف:
تصنيف: تفسير القرآن
الصفحات: 493

الجزء ١ الجزء ٢ الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥ الجزء ٦ الجزء ٧
  • البداية
  • السابق
  • 493 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 187680 / تحميل: 5854
الحجم الحجم الحجم
تفسير كنز الدّقائق وبحر الغرائب

تفسير كنز الدّقائق وبحر الغرائب الجزء ٢

مؤلف:
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة


1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

وبـلـؤلؤ مـبسمكَ الـمنظو

مِ ولـؤلـؤ دمـعي إذ يُـنثرْ

إن تـتركْ هـذا الـهجرِ فليـ

سَ يـليق بـمثلي أن يُـهْجَرْ

فـاجلُ الأقـداحِ بصرفِ الرا

حِ عـسى الأفـراح بها تُنْشَرْ

واشـغل يـمناكَ بـصبِّ الكا

سِ وخـلِّ يـساركَ لـلمزهرْ

فـدمُ الـعنقودِ ولـحنُ الـعو

دِ يـعيدُ الـخيرَ ويـنفي الشرْ

بَـكِّـرْ لـلسُكْرِ قـبيلَ الـفجـ

رِ فـصفو الـدهرِ لِـمَنْ بَكَّرْ

هـذا عـملي فـاسلك سُـبلي

إن كـنتَ تُـقِرُّ عـلى المنكرْ

فـلقد أسـرفت ومـا أسـلفْـ

تُ لـنفسي مـا فـيه أُعْـذَرْ

سَــوَّدتُ صـحيفةَ أعـمالي

ووكّـلتُ الأمـرَ إلـى حيدرْ

هـو كـهفي مـن نوبِ الدنيا

وشـفيعي فـي يـومِ المحشرْ

قــد تَـمَّـتْ لـي بـولايته

نِـعَمٌ جَـمَّتْ عـن أن تُشكرْ

لأصـيبَ بـها الـحظّ الأوفى

واخـصص بـالسهمِ الأوفـرْ

بـالحفظِ مـن الـنارِ الكبرى

والأمـنِ مـن الـفزعِ الأكبرْ

هـل يـمنعني وهـو الساقي

أن أشـربَ من حوضِ الكوثرْ

أم يـطـردني عــن مـائدة

وُضِـعَـتْ لـلقانعِ والـمُعْتَرْ

يـا مَـنْ قـد أنـكرَ من آيا

تِ أبـي حـسنٍ مـا لا يُنْكَرْ

إن كـنـتَ، لـجهلكَ، بـالأيّا

مِ، جـحدتَ مـقامَ أبـي شُبَّرْ

فـاسأل بـدراً واسـأل أُحُدا

وسـلِ الأحـزابَ وسلْ خيبرْ

مَـنْ دبَّـرَ فـيها الأمرَ ومَنْ

أردى الأبـطالَ ومَـنْ دَمَّـرْ

مَـنْ هدَّ حصونَ الشركِ ومَنْ

شـادَ الإسـلامَ ومَـنْ عَـمَّرْ

مَــنْ قـدَّمهُ طـه وعـلى

أهــلِ الإيـمانِ لـهُ أَمَّـرْ

قـاسوكَ أبـا حـسنٍ بـسوا

كَ وهـل بالطودِ يُقاسُ الذرْ؟

أنّـى سـاووكَ بـمَنْ نـاوو

كَ وهـل سـاووا نعلَيْ قنبرْ؟

مَـنْ غـيركَ مَنْ يُدعى للحر

بِ ولـلـمحرابِ ولـلـمنبرْ

٢١

وإذا ذُكــرَ الـمعروفُ فـما

لـسواكَ بـهِ شـيءٌ يُـذْكَرْ

أفـعالُ الـخيرِ إذا انـتشرت

فـي الـناسِ فأنتَ لها مصدرْ

أحـييتَ الـدينَ بـأبيضِ قد

أودعـتَ بـهِ الموتَ الأحمرْ

قـطباً لـلحربِ يُـديرُ الضر

بَ ويـجلو الكربَ بيومِ الكرْ

فـاصدع بـالأمرِ فناصركَ الـ

بَـتَّـارُ وشـانـئكَ الأبـترْ

لو لم تؤمر بالصبرِ وكظمِ الغيـ

ظِ ولـيـتكَ لــم تـؤمـرْ

مـا آلَ الأمـرُ إلـى التحكيـ

مِ وزايــلَ مـوقفهُ الأشـترْ

لـكن أعـراضُ الـعاجلِ ما

عـلقت بـردائكَ يـا جوهرْ

أنـتَ الـمهتمّ بـحفظِ الـديـ

نِ وغـيـركَ بـالدنيا يـغترْ

أفـعـالكَ مـا كـانت فـيها

إلاّ ذكــرى لِـمَـنِ اذَّكَّـرْ

حُـججاً ألـزمتَ بها الخصما

وتـبـصرةً لِـمَنِ اسـتبصرْ

آيــاتُ جـلالكَ لا تُـحصى

وصـفاتُ كـمالكَ لا تُحصرْ

مَـنْ طـوَّلَ فـيكَ مـدائحه

عـن أدنـى واجـبها قـصَّرْ

فـاقـبل يـا كـعبةَ آمـالي

مـن هدي مديحي ما استيسرْ

٢٢

في عيد الغدير

سـلِ المُجدبَ الظمآنَ أينَ مصيره

وهـا عندنا روضُ الهدى وغديرهُ

وسـلْ خابطَ الظلماءَ كم هو تائهٌ

ألـم يـرَ بدرَ الرشدِ يسطعُ نورهُ

ألاّ نـظرة نـحو الـيمينِ تـدلُّهُ

عـلى قـصدهِ كي يستقيمَ مسيرهُ؟

إذا مـا اقتفى في السيرِ آثارَ حائر

فـمِنْ عدلِ ديانِ الورى مَنْ يجيرهُ

أبـا حـسنٍ تاللهِ أنـتَ لأحـمد

أخـوهُ وقـاضي ديـنهُ ووزيرهُ

وإنّـكَ عونُ المصطفى ونصيره

أو إنّـكَ عينُ المصطفى ونظيرهُ

فـلا مـشكلٌ إلاّ وأنـتَ مـداره

ولا فـلـكٌ إلاّ وأنــتَ مـديرهُ

ولا أُمّــةٌ إلاّ وأنــتَ أمـينها

ولا مـؤمـنٌ إلاّ وأنـتَ أمـيرهُ

وأنـتَ يـدُ اللهِ القويِّ وحبلهُ الـ

مـتينُ وحـامي ديـنهُ وسـفيرهُ

وأنتَ الصراطُ المستقيمُ وعندكَ الـ

جـوازُ فـمَنْ تمنحهُ جازَ عبورهُ

بـكَ الـشركُ أودى خيلهُ ورجاله

وثـقلَ قـريشٍ عِـيرُهُ ونـفيرهُ

فـما زلـتَ لـلحقِّ المبينِ تُبِينُهُ

وبـالسيفِ مَنْ يبغيهِ سوءاً تبيرهُ

إلـى أن عـلا هامَ الجبالَ مناره

وأشـرقَ فـي كلِّ الجهاتِ منيرهُ

فـمَنْ جـاءَ مـغتالاً فأنتَ تميته

ومَـنْ جـاءَ مـمتاراً فأنتَ تميرهُ

وأنـتَ قـسيمُ الـنارَ قسمٌ تجيزهُ

عـليها، وقـسمٌ من لظاها تجيرهُ

ولـمّا اسـتتمَ الدينُ أوفى نصابه

وشِـيدَتْ مـبانيهِ وأُحـكمَ سورهُ

رقـدتَ قـريرَ العينِ لستَ بحافل

بـحقدِ أخـي حـقدٍ عـليكَ يثيرهُ

٢٣

ومـثلكَ مَـنْ إن تَـمَّ للدينِ أمره

فـمـا ضَـرَّهُ ألاّ تـتمَّ أمـورهُ

ولـو شـئتَ أثكلتَ العدو بنفسه

فـأصبحَ يـعلو ويـلُهُ وثـبورهُ

بـبأسِ يدٍ لوْ صُلْتَ يوماً بها على

ثـبيرٍ إذاً لانـدكَّ مـنها ثـبيرهُ

ولكن رأيتَ الصبرَ أحجى ولم ينل

ثــوابَ مـقامِ اللهِ إلاّ صَـبُورهُ

فـديتكَ أدركْ بـالشفاعةِ مـذنبا

إذا أنـتَ لـم تنصرهُ عَزَّ نصيرهُ

ولايـتـهُ إيـاكَ أقـوى وسـيلة

سَـيُمْحى بـها تقصيرهُ وقصورهُ

٢٤

في التشوّق إلى النجف

يـا أيّها النجفُ الأعلى لكَ الشرفُ

ضمنتَ خيرَ الورى يا أيّها النجفُ

فـيكَ الإمـامُ أميرُ المؤمنينَ ثوى

فـالدرُّ فيكَ وما في غيركَ الصدفُ

يا سائرينَ إلى أرضِ الغري ضحى

نـشدتكم بـأميرِ الـمؤمنينَ قـفو

مـا ضَـرَّكُمْ لـو حملتم ما يبثكمو

صَـبُّ غـريبٌ كئيبٌ هائمٌ دنفُ

في مدح الإمام عليّ

لمّا دعاكَ اللّهُ قدما لأن

تولدَ في البيتِ فلبيتَهُ

جزيتهُ بينَ قريشٍ بأن

طهَّرتَ من أصنامهم بيتَهُ

٢٥

الإمام المهديّ (1)

يـمـثِّلُكَ الـشـوقُ الـمُبَرِّحُ والـفكرُ

فـلا حُـجُبٌ تـخفيكَ عـنّي ولا سترُ

ولـو غـبتَ عـنّي ألـفَ عامٍ فإنّ لي

رجـاءَ وصـالٍ لـيسَ يـقطعهُ الـدهرُ

تـراكَ بـكلّ الـناسِ عـيني فلم يكن

لـيـخلو ربـعٌ مـنكَ أو مَـهْمَهٌ قـفرُ

ومـا أنـتَ إلاّ الـشمسُ يـنأى محلها

ويـشرقُ مـن أنـوارها الـبرُّ والبحرُ

تـمـادى زمـانُ الـبعدِ وامـتدَّ لـيله

ومـا أبـصرتْ عـيني مُحيّاكَ يا بدرُ

ولـو لـم تـعلّلني بـوعدكِ لـم يـكن

لـيألفَ قـلبي فـي تـباعدكَ الـصبرُ

ولـكـن عـقبى كـلّ ضـيقٍ وشـدّة

رخـاءٌ وإنّ الـعسرَ مـن بـعدهِ يـسرُ

وإنّ زمــانَ الـظلمُ إن طـالَ لـيله

فـعن كـثبٍ يـبدو بـظلمائهِ الـفجرُ

ويُـطوى بـساطُ الـجورِ في عدلِ سيدٍ

لألـويـةِ الـدينِ الـحنيفِ بـهِ نـشرُ

هـو الـقائمُ الـمهدي ذو الـوطأةِ التي

بـها يـذرُ الأطـوادَ يـرجحها الـذرُّ

هـو الـغائبُ الـمأمولُ يـوم ظهوره

يـلبّيهِ بـيتُ الـلّهِ والـركنُ والـحجرُ

هـو ابـنُ الإمـامِ الـعسكري مـحمّد

بـذا كـلّه قـد أنـبأ المصطفى الطهرُ

كـذا مـا روى عـنهُ الـفريقانِ مجملا

بـتـفصيلهِ تُـفـنى الـدفاترُ والـحبرُ

____________________

1 - جاء من بغداد سنة 1317 هـ إلى النجف قصيدة من أحد الآلوسيين يستبعد فيها وجود الإمام المهدي وغيبته، وأوّلها:

أيـا علماءَ العصرِ يا مَنْ لهم خُبْرُ

بـكلّ دقـيقٍ حارَ في مثلهِ الفكرُ

لقد حارَ منّي الفكرُ في القائمِ الذي

تـنازعَ فيهِ الناسُ والتبسَ الأمرُ

فـمِنْ قائلٍ في القشرِ لُبّ وجوده

ومِـنْ قائلٍ قد ذبَّ عن لُبِّه القشرُ

وقد تصدّى للردّ عليه جماعة من الأعلام منهم السيد رضا بهذه القصيدة.

٢٦

فـأخـبارهم عـنـهُ بــذاكَ كـثيرة

وأخـبارنا قـلَّت لـها الأنـجمُ الـزهرُ

ومـولدهُ (نـورٌ) بـهِ يـشرقُ الهدى

وقـيلَ لـظامي العدلِ مولدهُ (نهرُ) (1)

فـيا سـائلاً عـن شـأنهِ اسـمعْ مقالة

هـي الـدرُّ والـفكرُ الـمحيطُ لها بحرُ

ألــم تــدرِ أنَّ اللهَ كــوَّنَ خـلـقه

لـيـمتثلوهُ كــي يـنـالهمُ الأجــرُ

ومـــا ذاكَ إلاّ رحــمـةً بـعـباده

وإلاّ فـمـا فـيـهِ إلـى خـلقهم فـقرُ

ويـعـلمُ أنَّ الـفـكرَ غـايةُ وسـعهم

وهــذا مـقـامٌ دونـهُ يـقفُ الـفكرُ

فـأكـرمـهم بـالـمـرسلينَ أدلَّــةً

لِـما فـيهِ يُرجى النفعُ أو يُختشى الضرُّ

ولـم يُـؤمنُ الـتبليغُ مـنهم مِنَ الخطا

إذا كـانَ يـعروهم مِـنَ السهوِ ما يعرو

ولـو أنّـهم يـعصونهُ لاقـتدى الورى

بـعـصيانهم فـيهم وقـامَ لـهم عـذرُ

فـنزههم عـن وصـمةِ السهوِ والخطا

كـما لـم يـدنّس ثوبَ عصمتهم وزرُ

وأيّــدهـم بـالـمعجزاتِ خـوارقـا

لـعاداتنا كـي لا يُـقال هـي الـسحرُ

ولـم أدرِ لِـمْ دلَّـت على صدقِ قولهم

إذا لـم يـكن لـلعقلِ نـهي ولا أمـرُ

ومَـنْ قـالَ للناسِ انظروا في ادعائهم

فـإنْ صـحّ فـليتّبعهم الـعبدُ والـحرُّ

ولـو أنّـهم فـيما لـهم مـن مـعاجزٍ

عـلى خصمهم طولُ المدى لهم النصرُ

لـغـالى بـهـم كـلّ الأنـامِ وأيـقنوا

بـأنّـهمُ الأربــابُ والـتبسَ الأمـرُ

كـذلكَ تـجري حـكمةُ اللهِ في الورى

وقـدرتهِ فـي كـلّ شـي‌ء لـهُ قـدرُ

وكـانَ خـلافُ اللطفِ، واللطفُ واجب

إذا مـن نـبيٍّ أو وصـيٍّ خـلا عصرُ

أيُـنـشى‌ء لـلإنسانِ خـمسَ جـوارح

تـحسُّ وفـيها تُـدْرَكُ الـعينُ والأثـرُ

وقـلـباً لـهـا مـثلُ الأمـيرِ يـردّها

إذا أخـطأت فـي الحسِّ واشتبه الأمرُ

____________________

1 - في هذا البيت إشارة إلى تاريخ ميلاد الإمام المهدي، وفيه قولان: أوّلهما: إنّه ولد سنة 256 هـ، وذلك ما تشير إليه كلمة (نور) في صدر البيت؛ إذ أنّ مجموع هذه الكلمة بحساب التاريخ الأبجدي 256. وثانيهما: إنّه ولد سنة 255 هـ، وذلك ما تشير إليه كلمة (نهر) في عجز البيت ومجموعها 255.

٢٧

ويـتركُ هـذا الـخلقَ فـي ليلِ ضلَّةٍ

بـظلمائهِ لا تـهتدي الأنـجمُ الـزهرُ

فـذلـكَ أدهـى الـداهياتِ ولـم يـقل

بــهِ أحــدٌ إلاّ أخـو الـسفهِ الـغرُ

فـأنتجَ هـذا الـقولُ، إن كنتَ مصغيا،

وجـوبَ إمـامٍ عـادلٍ أمـرهُ الأمـرُ

وإمـكانُ أن يـقوى وإن كـانَ غـائبا

عـلى رفـعِ ضرِّ الناسِ إن نالها الضرُّ

وإن رمتَ نجحَ السؤلِ فاطلبْ مطالبَ الـ

سـؤولِ فـمَنْ يـسلكهُ يسهل لهُ الأمرُ

فـفـيهِ أقـرَّ الـشافعي ابـن طـلحة

بـرأي عـليهِ كـلّ أصـحابنا قـرُّوا

وجــادلَ مَـنْ قـالوا خـلافَ مـقاله

فـكانَ عـليهم فـي الـجدالِ لهُ نصرُ

وكــم لـلـجوينيِّ انـتـظمنَ فـرائد

مـن الـدرِّ لـم يـسعد بمكنونها البحرُ

(فـرائدُ سـمطين) الـمعاني بـدرّها

تـحـلَّت لأنّ الـحـلي أبـهجهُ الـدرُّ

فـوكّـل بـها عـينيكَ فـهي كـواكب

لـدرِّيـها أعـيـاني الـعدُّ والـحصرُ

ورِدْ مـن (يـنابيعِ الـمودّة) مـوردا

بـهِ يـشتفي منْ قبلِ أن يصدرَ الصدرُ

وفـتّشْ عـلى (كـنزِ الفوائد) فاستعن

بـهِ فـهو نِـعْمَ الذخرُ إن أعوزَ الذخرُ

ولاحـظ بـهِ ما قد رواه (الكراجكي)

مـن خـبرِ الـجارودِ إن أغـنتِ النذرُ

وقـد قـيلَ قُـدماً فـي ابـن خولة إنّه

لــهُ غـيـبة والـقائلونَ بـهِ كـثرُ

وفـي غـيرهِ قـد قـالَ ذلـك غيرهم

ومـا هـم قـليلٌ فـي العدادِ ولا نزرُ

ومـــا ذاك إلاّ لـلـيـقينِ بـقـائم

يـغيبُ وفـي تـعيّنهِ الـتبسَ الأمـرُ

وكـم جـدَّ فـي التفتيشِ طاغي زمانه

لـيُـفشي ســرَّ اللهِ فـانـكتمَ الـسرُّ

وحــاولَ أن يـسعى لإطـفاءِ نـوره

ومــا ربـحهُ إلاّ الـندامةُ والـخسرُ

ومــا ذاكَ إلاّ أنّــهُ كــانَ عـنده

مـن الـعترةِ الـهادينَ فـي شأنهِ خبرُ

وحـسبكَ عـن هـذا حـديثٌ مسلسلٌ

لـعـائشةَ يـنـهيهِ أبـنـاؤها الـغرُّ

بـأنّ الـنبيّ الـمصطفى كـانَ عندهم

وجـبريلُ إذ جـاءَ الـحسينُ ولم يدروا

فـأخـبرَ جـبـريلُ الـنـبي بـأنّـه

سـيُـقتلُ عـدوانـاً وقـاتـلهُ شـمرُ

وإنّ بـنـيهِ تـسـعةٌ ثــمّ عـدَّهـم

بـأسـمائهم والـتاسعُ الـقائمُ الـطهرُ

٢٨

وأن سـيـطيلُ اللهُ غـيـبةَ شـخصه

ويـشقى بـهِ مـن بـعدِ غـيبتهِ الكفرُ

ومـا قـالَ فـي أمـرِ الإمـامةِ أحمد

وأن سـيـليها اثـنانِ بـعدهم عـشرُ

فـقـد كـادَ أن يـرويهِ كـلُّ مـحدّث

ومـا كـادَ يـخلو مـن تـواترهِ سفرُ

وفــي جـلّـها أنّ الـمطيعَ لأمـرهم

سـينجو إذا مـا حـاقَ في غيرهِ المكرُ

فـفي (أهـلِ بـيتي فلكُ نوحٍ) دلالة

عـلى مَـنْ عـناهم بـالإمامةِ يا حبرُ

فـمَنْ شـاءَ تـوفيقَ النصوصِ وجمعها

أصــابَ وبـالـتوفيقِ شُـدَّ لـهُ أزرُ

وأصـبـحَ ذا جـزمٍ بـنصبِ ولاتـنا

لـرفعِ الـعمى عـنّا بـهم يُجبرُ الكسرُ

وآخـرهـم هــذا الـذي قـلتُ إنّـه

(تـنازعُ فـيهِ الـناسُ واشتبه الأمرُ)

وقــولـكَ إنّ الـوقـتَ داعٍ لـمـثله

إذا صَـحَّ لِـمْ لا ذبَّ عـن لـبّهِ القشرُ

وقــولـكَ إنّ الاخـتـفاءَ مـخـافة

مـن الـقتلِ شـي‌ءٌ لا يـجوزهُ الحجرُ

فـقل لـي لـماذا غابَ في الغارِ أحمد

وصـاحبهُ الـصدّيقُ إذ حَـسُنَ الـحذرُ

ولِــمْ أُمِــرَتْ أُمّ الـكـليمِ بـقـذفه

إلـى نيلِ مصرَ حينَ ضاقت بهِ مصرُ؟

وكـم مـن رسـولٍ خافَ أعداهُ فاختفى

وكــم أنـبياءٍ مـن أعـاديهمُ فـرّوا

أيـعجزُ ربُّ الـخلقِ عـن نصرِ دينه

عـلى غـيرهم؟ كـلاّ فـهذا هو الكفرُ

وهـل شـاركوهُ فـي الـذي قـلتَ إنّه

يــؤول إلـى جـبنِ الإمـامِ ويـنجرُّ

فـإن قـلتَ هـذا كـانَ فيهم بأمرِ مَنْ

لـهُ الأمـرُ في الأكوانِ والحمدُ والشكرُ

فـقلْ فـيهِ مـا قـد قـلتَ فيهم فكلّهم

عـلى مـا أرادَ اللهُ أهـواؤهم قـصرُ

وإظـهارُ أمـرِ اللهِ مـن قـبلِ وقتهِ الـ

مـؤجّلِ لـم يـوعد عـلى مثلهِ النصرُ

ولـيـسَ بـموعودٍ إذا قـامَ مـسرعا

إلـى وقتِ (عيسى) يستطيلُ لهُ العمرُ

وإن تـسـترب فـيـهِ لـطولِ بـقائه

أجـابكَ إدريـسُ وإلـياسُ والـخضرُ

ومـكْـثُ نـبـيِّ اللهِ نــوحٍ بـقومه

كـذا نـومُ أهـلِ الكهفِ نصَّ بهِ الذكرُ

وقـد وُجِـدَ الـدجالُ فـي عـهدِ أحمد

ولـم يـنصرم مـنهُ إلى الساعةِ العمرُ

وقـد عـاشَ عـوجٌ ألـفَ عامٍ وفوقها

ولـولا عـصى مـوسى لأخَّـرهُ الدهرُ

٢٩

ومَـنْ بـلغت أعـمارُهم فـوقَ مـائة

ومـا بـلغت ألـفاً فـليس لـهم حصرُ

ومـا أسـعدَ السرداب في سرِّ مَنْ رأى

وأسـعـدَ مـنـهُ مـكة فـلها الـبشْرُ

سـيشرقُ نـورُ اللهِ مـنها فـلا تـقلْ

(لـهُ الفضلُ عن أُمّ القرى ولها الفخرُ)

فــإنْ أخَّــرَ اللهُ الـظهورَ لـحكمة

بـهِ سـبقت فـي عـملهِ ولـهُ الأمـرُ

فـكـم مـحـنةٌ لـلـهِ بـيـن عـباده

يُـمَـيَّزُ فـيها فـاجرُ الـناسِ والـبَرُّ

ويـعـظمُ أجــرَ الـصابرينَ لأنّـهم

أقـاموا عـلى مـا دونَ موطئهِ الجمرُ

ولـم يـمتحنهم كـي يُـحيطَ بـعلمهم

عـليمٌ تـساوى عـندهُ الـسرُّ والجهرُ

ولـكن لـيبدوا عـندهم سوءَ ما اجتروا

عـلـيهم فـلا يـبقى لإثـمهم عـذرُ

وإنّــي لأرجـو أن يـحينَ ظـهوره

لـينتشرَ الـمعروفُ فـي الناسِ والبرُّ

ويُـحيى بـهِ قـطرُ الـحيا ميِّتَ الثرى

(فـتضحكُ من بشرٍ إذا ما بكى القطر)

(فـتخضرُّ مـن وكَّـاف نـائلُ كفّه)

ويـمـطرها فـيضُ الـنجيعِ فَـتَحْمَرُّ

ويَـطْهُرُ وجـهُ الأرضِ مـن كلّ مأثم

ورجـسٍ فـلا يـبقى عـليها دمٌ هـدرُ

وتـشقى بـهِ أعـناقُ قـومٍ تـطوّلت

فـتأخذُ مـنها حـظّها الـبيضُ والسمرُ

فـكم مـن كـتابيٍّ عـلى مـسلمٍ علا

وآخـرَ (حـربيٍّ) بـهِ شـمخَ الكبرُ

ولــولا أمـيـرُ الـمؤمنينَ وعـدله

إذن لـتـوالى الـظلمُ وانـتشرَ الـشرُّ

فـلا تـحسبنَّ الأرضَ ضـاقت بظلمها

فـذلـكَ قــولٌ عـن مـعايب يَـفْتَرُّ

وذا الـدينُ فـي (عـبدِ الحميد) بناؤه

رفـيـعٌ وفـيهِ الـشركُ أربـعهُ دثـرُ

إذا خـفـقت بـالنصرِ رايـاتُ عـزّه

فـأحشاءُ أعـداهُ بـها يـخفقُ الـذعرُ

وعـنهُ سـلِ الـيونانَ كـم مـيتَ لهم

لـهُ جـدثانِ الـذئبِ والـقشعمِ الـنسرُ

وكــم جـحـفلٍ إذ ذاكَ قـبلَ لـقائه

بـنو الأصـفرِ انحازت وأوجهها صفرُ

عـشـيةَ جــاءَ الـمـسلمونَ كـتائبا

مـؤيّـدةً بـالـرعبِ يـقدمها الـنصرُ

بـبيضِ مـواضٍ تـمطرُ الموتَ أحمرا

ورقـشِ صـلالٍ تـحتها الدهمُ والشقرُ

فــلا يـبرحُ الـسلطانُ مـنهُ مـخلّدا

ولا يـخلُ مـن آثـارِ قـدرتهِ قـطرُ

٣٠

وخــذهُ جـوابـاً شـافياً لـكَ كـافيا

مـعـانيهُ آيــاتٌ وألـفـاظهُ سـحرُ

ومـا هـو إن أنـصفتهُ قـولُ شـاعر

ولـكـنّهُ عـقـدٌ تـحلَّى بـهِ الـشعرُ

ولــو شـئتَ إحـصاءَ الأدلّـةِ كـلِّها

عـليكَ لَـكَلَّ الـنظمُ عـن ذاكَ والنثرُ

فـكم قـد روى أصـحابكم مـن رواية

هـي الـصحو للسكرانِ والشُبَهُ السكرُ

وفـي بـعضِ مـا أُسْـمِعْتُهُ لـكَ مقنع

إذا لـم يـكن فـي أذنِ سـامعهِ وقـرُ

وإن عــادَ إشـكالٌ فـعُدْ قـائلاً لـنا:

(أيـا عـلماءَ العصرِ يا مَنْ لهم خُبْرُ)

٣١

رضي اللّه عليّاً (1)

أيُّ عـيد مـثل هذا اليومِ فينا

رضـي اللهُ بـهِ الإسـلامَ دينا

بَـلَّغَ الهادي بهِ ما أنزلَ اللهُ فـ

ي شــأنِ أمـيـرِ الـمؤمنينا

قـائـلاً إنّ عـلـيّاً وارثــي

ووزيـري وإمـامَ الـمسلمينا

أيّـها الـناسُ أطيعوا واسمعوا

إنّـني لستُ على الغيبِ ضنينا

لـستُ مـن تـلقاءِ نفسي قلته

إنّـما أتَـبِعُ الـوحي الـمبينا

فـاستجابوا قـولهُ الشافي الذي

هـاجَ مـن بعضهم الداءُ الدفينا

إن نـوى أعداؤهُ العصيانَ والـ

غـدرَ إنّـا قـد أجبنا طائعينا

إنّه مَنْ ينقلب ليسَ يضرُّ اللهُ شـ

يـئـاً وسـيجزي الـشاكرينا

رضــي اللهُ عـلـيّاً هـاديا

بـعدَ طـه فـسمعنا ورضـينا

هـو حـبلُ اللهِ لـم يختلف الـ

نـاسُ لـو كانوا بهِ معتصمينا

قــد أطـعـناهُ يـقـيناً إنّـه

فـي غـدٍ من لهبِ النارِ يقينا

ويـمـيـناً بــهـداهُ بَــرَّةً

تـمنعُ المؤْلي بها من أن يمينا

لا نـبالي بـعد أن لـذنا بـه

أن لـقـينا بـولاهُ مـا لـقينا

قـد بـدا الـحقُ لـنا فيهِ كما

لابنِ عمران بدا في طورِ سينا

وصـمونا فيهِ بالرفضِ وذو الـ

حـلمِ لا يـعنيهِ قولُ الجاهلينا

عَـيَّرونا غـيرَ أنّ الـعارَ فينا

لـم يروا من موضعٍ للعارِ فينا

____________________

1 - قالها في عيد الغدير سنة 1355 هـ.

٣٢

أيّ عيبٍ في الذي خافَ من الـ

يَـمِّ فـاختارَ بأن يأوى السفينا

مـن صـبا للعاجلِ الفاني فإنَّا

نـؤثرُ الـباقي عـليه ما بقينا

بـأبي مَـنْ أظـهرَ الحقَ وما

زالَ لـلهادي ظـهيراً ومـعينا

ثـمّ بعد المصطفى قد قاتلَ الـ

نـاكثينَ الـقاسطينَ الـمارقينا

٣٣

في رثاء الحسن السبط (عليه السّلام)

يـا دمـعُ سـحَّ بـوبلكَ الـهتنِ

لـتحولَ بـينَ الـجفنِ والوَسَنِ

كـيفَ الـعزاءُ وليسَ وجدي من

فـقدِ الأنـيسِ ووحـشةِ الـدمنِ

بـل هـذهِ قـوسُ الـزمانِ غدا

مـنـها الـفؤادُ رَمِـيَّةَ الـمحنِ

واسـتـوطنت قـلـبي نـوائبه

حـتى طـفقتُ أهـيمُ في وطني

وأذلـتُ دمـعاً كـنتُ أحـبسه

وأصـونُ لـؤلؤهُ عـن الـثمنِ

مـا الـصبرُ سـهلاً لي فأركبه

فـدع الـفؤادَ يـذوبُ بـالحزنِ

مـا لـلزمانِ إذا اسـتلنتُ قـسا

ورُمـيتُ مـنهُ بـجانبٍ خـشنِ

أَوَ كــانَ ذنـبي أن ألـنتُ لـه

جـنبي ولـولا الـحلم لـم يلنِ

أم دهـرنـا كـبـنيهِ عـادتهم

يـجزونَ بـالسوأي عن الحسنِ

أم كـلّ مَـنْ تـنميهِ هـاشمُ لا

يـنفكُّ فـي حـربٍ مـع الزمنِ

أوَ مـا نـظرتَ إلـى صفيِّ بني

مـضرِ الـكرامِ وخـيرِ مؤتمنِ

شـبلِ الـوصيِّ وفـرخِ فاطمة

وابـنِ الـنبيّ وسـبطهِ الحسنِ

كـم نـالَ بعد أبيهِ من غُصص

يـطوي الضلوعَ بها على شجنِ

حُـشدت لـنصرتهِ الجنودُ وهم

بـيـنَ الـبغاةِ وطـالبي الـفتنِ

ومـحـكمٌ ومُـؤَمِّـلٌ طـمـعا

ومـشـكّكٌ بـالـحقِ لـم يـدنِ

حـتى إذا امـتحنَ الجموعَ لكي

يـمتارَ صـفوهمُ مـن الأجِـنِ

٣٤

نـقضوا مـواثقهم سـوى نـفرٍ

نـصحوا لـهُ فـي السرِّ والعلنِ

وبـما عـليهِ ضـلوعهم طويت

مــن لاعـجٍ لـلحقدِ مـكتمنِ

نـسبوا إليهِ الشركَ وهو من الـ

إيـمـانِ مـثلُ الـروحِ لـلبدنِ

جـذبـوا مـصلاهُ فـداهُ أبـي

مــن كـاظمٍ لـلغيظِ مُـمْتَحنِ

قـسـماً بـسـؤددهِ ومـحـتده

وبـحلمهِ الـموفي عـلى الـقننِ

لــو شــاءَ أفـناهم بـمقدرةٍ

لـو لـم تـكن في الكونِ لم يكنِ

لـهـفي لـهُ مـن واجـدٍ كَـمدٍ

مـستضعفٍ فـي الأرضِ ممتهنِ

مـا أبـصرت عينٌ ولا سمعت

أذنٌ بـمَنْ سـاواهُ فـي الـمحنِ

يـرعـى عـداهُ بـعينهِ ويـعي

شـتمَ الـوصي أبـيهِ فـي أذنِ

ويــرى أذلَّ الـنـاسِ شـيعته

وأعـزّهـم عـبَّـادةَ الـوثـنِ

وقـد ارتـدى بـالصبرِ مشتملا

بـالحلمِ مـحتفظاً عـلى الـسننِ

حـتى سـقوهُ الـسمَّ فـاقتطعوا

مـن دَوْحِ أحـمدَ أيَّـما غـصنِ

سـمّـاً يـقـطِّعُ قـلبَ فـاطمة

وجـداً عـلى قـلبِ ابنها الحسنِ

وهـوى شـهيداً صـابراً فهوت

حـزناً عـليهِ كـواكبُ الـدجنِ

وتـجـهّزت بـالـجندِ طـائفة

مـقـتادةٌ لـلبغي فـي شـطنِ

يــا لـلورى لـصدورِ طـائفة

شُـحِنَتْ مـن الـشحناءِ والإحنِ

أقصت حشا الزهراءِ عن حرمِ الـ

هـادي وأدنـت مـنهُ كـلَّ دني

أفـسـبعُ أثـمانٍ تـضيقُ وقـد

وسـعَ الـعدى تسعانُ من ثُمُن؟

اللهُ مـن صـبرِ الـحسينِ، بـهِ

حـاطت ذوو الأحـقادِ والضغنِ

تـركوا جـنازةَ صـنوهُ غرضا

لـلنُبْلِ يـثبتُ مـنهُ فـي الكفنِ

ويـصـدّهُ عـنـهم وصـيـته

حـاشاهُ مـن فـشلٍ ومـن وهنِ

فـمضى بـهِ نـحو الـبقيعِ إلى

خـيرِ الـبقاعِ بـأشرفِ الـمدنِ

واراهُ والأرزاءُ مـــوريــة

بـحـشاهُ زنـدَ الـهَمِّ والـحزنِ

٣٥

ودعـا وأدمـعهُ قـد انـحدرت

مـن أعـينٍ نـابت عن المزنِ

أيـطيبُ بـعدكَ مـجلسٌ لي أم

عـيشي الهنيُّ، وقد فقدتُ، هني

أفـديـكَ مــن ثـاوٍ بـحفرته

مـستودعٍ فـي الأرضِ مـرتهنِ

٣٦

في رثاء الحسين (عليه السّلام)

بينَ بيضِ الظبى وسمرِ الأَسنَّهْ

نـالت الـقصدَ نفسكَ المطمئنّهْ

لـكَ يـا موضحُ الهدى للبرايا

أيُّ فـضلٍ عـلى البرايا ومِنَّهْ

بـدمِ الـنحرِ قد كتبتَ سطورا

أرشـدتهم لـكلِّ فـرضٍ وسُنَّه

كـلّما مَـرَّت الـليالي تـجلَّت

فـهي شمسٌ تجلو ظلامَ الدجنه

كادَ نبلُ الضلالِ يصمي فؤادَ الـ

ديـنِ لـو لم يكن لهُ منكَ جُنَّه

وعـلى الرمحِ نورُ وجهكَ أبدى

مـن عـداكَ الفضائحَ المستكنّه

في زيارة المدينة المنوّرة

جاشت النفسُ بالهمومِ ولكن

سكنت عندما وردنا المدينه

كيف لا تسكنُ النفوسُ ارتياحا

عند مَنْ أُنزِلَتْ عليهِ السكينه

٣٧

وقفة على قبور الأئمّة في البقيع

أَعَـزَّ اصطباري وأجري دموعي

وقـوفي ضـحى في بقاعِ البقيعِ

عـلى عترةِ المصطفى الأقربين

وأُمِّـهـمُ بـنتِ طـه الـشفيعِ

هـمُ آمـنوا الناسَ من كلّ خوفٍ

وهم أطعموا الناسَ من كلّ جوعِ

وهـم روَّعـوا الـكفرَ في بأسهم

عـلى أنّ فـيهم أمـانُ المروعِ

وقـفتُ عـلى رسـمهم والـدمو

عُ تسيلُ ونارُ الجوى في ضلوعي

وكـانَ مـن الحزمِ حبسُ البكاء

لـو أنّ هـنالكَ صبري مطيعي

وهـل يـملكُ الـصبرُ مَنْ مقلتاه

تـرى مهبطَ الوحي عافي الربوعِ

وقَـيِّـمَهُ يـمـنعُ الـزائـرين

مـن لـثمِ ذاك الـمقامِ الـمنيعِ

إذا همَّ زوَّارهُ بـالـدنـوِّ

يـذودونـهم عـنهُ ذودَ الـقطيعِ

وهــذا مـقامٌ يُـذمُ الـصبور

عـليهِ ويُـحمدُ حـالُ الـجزوعِ

ويـا لـيتَ شعري ولا تبرح الـ

لـيالي تـجيء بـخطبٍ فـظيعِ

أكــانَ إلـيـهم أسـاءَ الـنبيُّ

فـيـجزونهُ بـالـفعالِ الـشنيعِ

لـئن كـانَ فـي مـكةَ صنعهم

بـحجّاجها نـحو هـذا الصنيعِ

فـلستُ أرى الـحجّ بـالمستطا

عِ ولا واجـدُ الـمالَ بالمستطيعِ

٣٨

تَذَكُّرُ الموت

أرى عـمري مْـؤذِناً بالذهابِ

تَـمُرُّ لـياليهِ مَـرَّ الـسحابِ

وتُـفـجِئُني بـيـضُ أيـامه

فـتسلخُ مـنّي سـوادَ الشبابِ

فـمَنْ لي إذا حانَ منّي الحمام

ولـم أسـتطع منهُ دفعاً لما بي

ومَـنْ لـي إذا قـلَّبتني الأكفُّ

وجـرّدني غـاسلي من ثيابي

ومَنْ لي إذا صرتُ فوق السريـ

رِ وشيلَ سريري فوقَ الرقابِ

ومَـنْ لـي إذا ما هجرتُ الديا

رَ وأعتضتُ عنها بدارِ الخرابِ

ومَـنْ لـي إذا آبَ أهلُ الودا

دِ عـنِّي وقـد يئسوا من إيابي

ومَـنْ لي إذا ما غشاني الظلا

مُ وأمسيتُ في وحشةِ واغترابِ

ومَـنْ لـي إذا مـنكرٌ جدَّ في

سـؤالي فـأذهلني عن جوابي

ومَـنْ لـي إذا دُرسـتْ رمّتي

وأبـلى عـظامي عفرَ الترابِ

ومَـنْ لـي إذا قـامَ يومُ النشو

رِ وقـمتُ بـلا حجّةٍ للحسابِ

ومَـنْ لـي إذا نـاولوني الكتا

بَ ولم أدرِ ماذا أرى في كتابي

ومَـنْ لـي إذا امتازت الفرقتا

نِ أهـلُ الـنعيمِ وأهلُ العذابِ

وكـيفَ يُـعاملني ذو الـجلال

فـأعرفُ كـيفَ يكونُ انقلابي

أباللطفِ، وهو الغفورُ الرحيم،

أمْ الـعدلِ وهـو شديدُ العقابِ

ويـاليتَ شـعري إذا سـامني

بـذنبي وواخـذني بـاكتسابي

٣٩

فـهل تُـحرقُ النارُ عيناً بكت

لـرزءِ القتيلِ بسيفِ الضبابي؟

وهـل تُحرقُ النارُ رجلاً مشت

إلـى حـرمٍ منهُ سامي القبابِ؟

وهـل تُـحرقُ النارُ قلباً أُذيب

بـلوعةِ نـيرانِ ذاك المصابِ؟

٤٠

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

وهما جميعا غيبان. وهما في الغيب مقرونان. لأنّ «الكرسيّ» هو الباب الظّاهر من الغيب الّذي منه مطلع البدع ومنه الأشياء كلّها. و «العرش» هو الباب الباطن الّذي يوجد فيه علم الكيف والكون والقدر والحدّ والأين والمشيئة وصفة الإرادة وعلم الألفاظ والحركات والتّرك وعلم العود والبداء(١) . فهما في العلم بابان مقرونان. لأنّ ملك العرش سوى ملك الكرسيّ. وعلمه أغيب من علم الكرسيّ. فمن ذلك قال(٢) :( رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ ) ، أي: صفته أعظم من صفة الكرسيّ. وهما في ذلك مقرونان.

وقيل(٣) : «الكرسيّ جسم بين يدي العرش. ولذلك سمّي كرسيّا. محيط بالسّموات السّبع»، لمارواه في كتاب التّوحيد(٤) ، بإسناده عن النّبيّ ـ صلّى الله عليه وآله ـ في حديث طويل، يذكر فيه عظمة الله ـ جلّ جلاله ـ يقول فيه ـ عليه السّلام ـ بعد أن ذكر الأرضين السّبع ثمّ السّموات السّبع والبحر المكفوف وجبال البرد: وهذه السّبع والبحر المكفوف والحجب(٥) عند الهواء الّذي تحار فيه القلوب، كحلقة في فلاة قيّ. والسّبع والبحر المكفوف وجبال البرد (والهواء والحجب) في الكرسيّ، كحلقة في فلاة قيّ. ثمّ تلا هذه الآية:( وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ. وَلا يَؤُدُهُ حِفْظُهُما وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ ) .

وفي روضة الكافي(٦) ، بإسناده إلى النّبيّ ـ صلّى الله عليه وآله ـ مثله.

[وفي تفسير عليّ بن إبراهيم(٧) : حدّثني أبي، عن بن سويد، عن موسى بن بكر، عن زرارة، عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ في قوله:( وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ ) ، أيّما أوسع، الكرسيّ أو السّموات؟

قال: لا بل الكرسيّ وسع السّموات والأرض والعرش. وكلّ شيء خلق الله في الكرسيّ.

حدّثني أبي(٨) ، عن إسحاق بن الهيثم، عن سعد بن طريف، عن](٩) الأصبغ بن

__________________

(١) المصدر: البدء.

(٢) التوبة / ١٢٩.

(٣) أنوار التنزيل ١ / ١٣٣.

(٤) التوحيد / ٢٧٧، ح ١.

(٥) هكذا في المصدر. وفي النسخ: الهواء والحجب.

(٦) الكافي ٨ / ١٥٣، ح ١٤٣.

(٧) تفسير القمي ١ / ٨٥.

(٨) نفس المصدر نفس الموضع.

(٩) بين المعقوفتين ليس في أ.

٤٠١

نباتة: أنّ عليّا ـ صلوات الله عليه ـ سئل عن قول الله ـ تبارك وتعالى:( وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ ) ، قال: السّموات والأرض وما بينهما من مخلوق في جوف الكرسيّ: وله أربعة أملاك يحملونه بإذن الله.

فأمّا ملك منهم في صورة الآدميّين. وهي أكبر الصّور على الله. وهو يدعو الله.

ويتضرّع إليه. ويطلب السّعة في الرّزق لبني آدم :

والملك الثّاني في صورة الثّور. وهو سيّد البهائم. ويطلب إلى الله. ويتضرّع إليه.

ويطلب السّعة والرّزق للبهائم.

والملك الثّالث في صورة النّسر. وهو سيّد الطيّور. وهو يطلب إلى الله ـ تبارك وتعالى. ويتضرّع إليه. ويطلب السّعة والرّزق لجميع الطّيور.

والملك الرّابع في صورة الأسد. وهو سيّد السّباع. وهو يرغب إلى الله. ويتضرّع إليه. ويطلب السّعة والرّزق لجميع السباع.

ولم يكن في هذه الصّور، أحسن من الثّور(١) . ولا أشدّ انتصابا منه حتّى اتّخذ الملأ من بني إسرائيل العجل. فلمّا عكفوا عليه وعبدوه من دون الله، خفض الملك الّذي في صورة الثّور رأسه، استحياء من الله أن عبد من دون الله شيء يشبهه. وتخوّف أن ينزل به العذاب.

وعلى هذا العرش جسم ـ أيضا.

روى في كتاب التّوحيد(٢) ، عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ في حديث طويل وفيه: قال السّائل: فقوله(٣) :( الرَّحْمنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوى ) .

قال أبو عبد الله ـ عليه السّلام: بذلك وصف نفسه. وكذلك هو مستول على العرش، بائن من خلقه من [غير](٤) أن يكون العرش حاملا، ولا أن يكون العرش حاويا له، ولا أن يكون العرش مختارا له. ولكنّا نقول: هو حامل العرش، وممسك العرش.

ونقول: من ذلك ما قال:( وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ ) . فثبتّنا من العرش والكرسيّ، ما ثبّته. ونفينا أن يكون العرش والكرسيّ حاويا له، أو أن(٥) يكون ـ عزّ وجلّ ـ

__________________

(١) أ: الصور.

(٢) التوحيد / ٢٤٨، ح ١.

(٣) طه / ٥.

(٤) يوجد في المصدر.

(٥) ليس في المصدر.

٤٠٢

محتاجا إلى مكان، أو إلى شيء ممّا خلق. بل خلقه محتاجون إليه.

[وفيه(١) ـ أيضا: حدّثنا أحمد بن محمّد بن يحيى العطّار، عن أبيه، عن أحمد بن محمّد بن عيسى، عن حجّال عن ثعلبة بن ميمون، عن زرارة قال: سألت أبا عبد الله ـ عليه السّلام ـ عن قول الله ـ عزّ وجلّ:( وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ ) ، وسعن الكرسيّ؟ أم الكرسيّ وسع السّماوات والأرض؟

فقال: بل الكرسيّ وسع السّماوات والأرض والعرش. وكلّ شيء في الكرسي.

وفيه(٢) ، بإسناده إلى عاصم بن حميد، عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ أنّه قال: الكرسيّ جزء من سبعين جزء من نور العرش.

والحديث طويل. أخذت منه موضع الحاجة].(٣) وقيل(٤) : إنّه الفلك المشهور بفلك البروج. كما أنّ العرش الفلك المشهور بالفلك الأطلس والأعظم.

وقيل(٥) : تصوير لعظمته. وتمثيل مجرّد. ولا كرسيّ في الحقيقة.

( وَلا يَؤُدُهُ ) : لا يثقله. من الأود. وهو الاعوجاج.

( حِفْظُهُما ) ، أي: حفظه السّموات والأرض.

فحذف الفاعل. وهو أحد المواضع الأربعة الّتي حذف الفاعل. فيه قياس.

[وأضيف المصدر إلى المفعول.

( وَهُوَ الْعَلِيُ ) : المتعالي عن الأنداد والأشباه،( الْعَظِيمُ ) (٢٥٥): المستحقر بالإضافة إليه كلّ ما سواه.

وفي عيون الأخبار(٦) ، بإسناده إلى محمّد بن سفيان قال: سألت أبا الحسن الرّضا ـ عليه السّلام: هل كان الله عارفا بنفسه قبل أن يخلق الخلق؟

قال: نعم.

قلت: يراها ويسمعها؟

قال: ما كان يحتاج(٧) إلى ذلك. لأنّه لم يكن يسألها ولا يطلب منها. هو نفسه.

__________________

(١) نفس المصدر / ٣٢٧، ح ٤.

(٢) نفس المصدر / ١٠٨، ح ٣.

(٣) ما بين المعقوفتين ليس في أ.

(٤) أنوار التنزيل ١ / ١٣٣.

(٥) نفس المصدر ونفس الموضع.

(٦) عيون أخبار الرضا ١ / ١٠٦.

(٧) المصدر: محتاجا.

٤٠٣

ونفسه هو. قدرة نافذة. فليس يحتاج إلى أن يسمّى نفسه. ولكنّه اختار لنفسه اسما لغيره يدعوه بها. لأنّه إذا لم يدع باسمه، لم يعرف. فأوّل ما اختار لنفسه( الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ ) . لأنّه أعلى الأشياء كلّها. فمعناه، الله. واسمه العليّ العظيم. هو أوّل أسمائه. لأنّه علا كلّ شيء.

واعلم! أنّ المشهور أنّ آية الكرسيّ هي هذه. وما رواه في أصول الكافي(١) ، مثله، وفي روضة الكافي(٢) ، عن محمّد بن خالد، عن حمزة بن عبيد(٣) ، عن إسماعيل بن عباد، عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ( وَلا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِنْ عِلْمِهِ إِلَّا بِما شاءَ ) وآخرها:( وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ ) ، والحمد لله ربّ العالمين، وآيتين بعدها، بظاهره يدلّ عليه. لأنّ الظّاهر رجوع الضّمير في آخرها، إلى آية الكرسيّ.

وروى عليّ بن إبراهيم(٤) ، عن أبيه، عن الحسين بن خالد: أنّه قرأ عليّ بن موسى ـ صلوات الله عليهما ـ على التّنزيل:( اللهُ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ. لا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلا نَوْمٌ. لَهُ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ ) ( وَما بَيْنَهُما وَما تَحْتَ الثَّرى. عالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهادَةِ. هُوَ الرَّحْمنُ الرَّحِيمُ ) .( مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلَّا بِإِذْنِهِ. يَعْلَمُ ما بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَما خَلْفَهُمْ. وَلا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِنْ عِلْمِهِ إِلَّا بِما شاءَ. وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ وَلا يَؤُدُهُ حِفْظُهُما وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ ) .

وذكر محمّد بن يعقوب الكلينيّ ـ رضي الله عنه(٥) ـ بإسناده أنّه يقرأ بعدها: «والحمد لله ربّ العالمين.» وفي الرّواية الأولى:( لا إِكْراهَ فِي الدِّينِ. قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ. فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللهِ، فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقى. لَا انْفِصامَ لَها. وَاللهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ. اللهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا يُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُماتِ إِلَى النُّورِ. وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَوْلِياؤُهُمُ الطَّاغُوتُ ) هم الظّالمون لآل محمّد( يُخْرِجُونَهُمْ مِنَ النُّورِ إِلَى الظُّلُماتِ. أُولئِكَ أَصْحابُ النَّارِ هُمْ فِيها خالِدُونَ ) . والحمد لله ربّ العالمين. كذا نزلت.

( لا إِكْراهَ فِي الدِّينِ ) . إذ الإكراه إلزام الغير فعلا لا يرى فيه خيرا. ولكن:( قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِ ) : تميّز كلّ ما هو رشد، عن كلّ ما هو غيّ، إذ يجب

__________________

(١) الكافي ١ / ١١٣، ح ٢.

(٢) نفس المصدر ٨ / ٢٩٠، ح ٤٣٨.

(٣) هكذا في المصدر. وفي النسخ: حميد.

(٤) تفسير القمي ١ / ٨٤.

(٥) الكافي ٨ / ٢٩٠، ح ٤٣٨+ تفسير القمي ١ / ٨٤ ـ ٨٥، مع بعض الاختلاف.

٤٠٤

حمل اللام على الاستغراق، لعدم قرينة التّخصيص، في المقام الخطابيّ. وتبيّن الرّشد من الغيّ، لا تخصيص فيه بزمان دون زمان، وبأحد دون أحد. فيفيد تبيّن الرّشد، في كلّ زمان، لكلّ أحد. فيدلّ على وجود معصوم في كلّ زمان اتّباعه هو الرّشد وعدم اتّباعه هو الغيّ.

( فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ ) : فعلوة من الطّغيان.

قلب عينه ولامه. وهم ظالمو حقّ آل محمّد.

روى الشّيخ أبو جعفر الطّوسيّ(١) ، بإسناده إلى الفضل بن شاذان، عن داود بن كثير قال: قلت لأبي عبد الله ـ عليه السّلام: أنتم الصلاة في كتاب الله ـ عزّ وجلّ؟ وأنتم الزكاة؟ وأنتم الحجّ؟

فقال: يا داود! نحن الصّلاة في كتاب الله ـ عزّ وجلّ. ونحن الزكاة. ونحن الصّيام.

ونحن الحجّ. [ونحن الشّهر الحرام].(٢) ونحن البلد الحرام. ونحن كعبة الله. ونحن قبلة الله.

ونحن وجه الله. قال الله تعالى(٣) :( فَأَيْنَما تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللهِ ) . ونحن الآيات ونحن البيّنات.

وعدوّنا في كتاب الله ـ عزّ وجلّ ـ الفحشاء والمنكر والبغي والخمر والميسر والأنصاب والأزلام والأصنام والأوثان والجبت والطّاغوت والميتة والدّم ولحم الخنزير.

يا داود! إنّ الله خلقنا. فأكرم خلقنا. وجعلنا أمناءه وحفظته وخزّانه على ما في السّموات وما في الأرض. وجعل لنا أضدادا وأعداء. فسمّانا في كتابه. وكنّى عن أسمائنا بأحسن الأسماء وأحبّها اليه تكنية عن العدد. وسمّى أضدادنا وأعداءنا في كتابه. وكنّى عن أسمائهم. وضرب لهم الأمثال في كتابه في أبغض الأسماء إليه وإلى عباده المتّقين.

وفي مجمع البيان(٤) : في «الطّاغوت» خمسة أقوال: أحدها ـ أنّه الشّيطان. وهو المرويّ عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام.

( وَيُؤْمِنْ بِاللهِ ) : بالتّوحيد والتّصديق للرّسل، في كلّ ما جاءوا به. ومن جملتها بل عمدتها ولاية الائمّة من آل محمّد ـ عليهم السّلام.

( فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقى ) : طلب الإمساك من نفسه بالعروة الوثقى، من

__________________

(١) لم نعثر عليه في أمالي الطوسي. وهو موجود في تأويل الآيات الباهرة، مخطوط / ٣، نقلا عن أمالى الطوسي.

(٢) ليس في المصدر.

(٣) البقرة / ١١٥.

(٤) مجمع البيان ١ / ٣٦٤.

٤٠٥

الحبل الوثيق وهي مستعارة لمستمسك المحقّ من الرّأي القويم. أطلق هنا على الإيمان بالله.

وهو يلازم ولاية الأئمّة ـ عليهم السّلام.

في أصول الكافي(١) : حميد بن زياد، عن الحسن بن محمد(٢) ، عن غير واحد، عن أبان، عن محمّد بن مسلم، عن أحدهما ـ عليهما السّلام ـ في قول الله ـ عزّ وجلّ:( فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقى ) ، قال: هي الإيمان.

عليّ بن إبراهيم(٣) ، عن أبيه، ومحمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد، جميعا، عن بن محبوب، عن عبد الله بن سنان، عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ أنّه قال في قوله ـ عزّ وجلّ:( فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقى لَا انْفِصامَ لَها ) . قال: هي الإيمان بالله، وحده لا شريك له.

والحديثان طويلان. أخذنا منهما موضع الحاجة.

وفي محاسن البرقيّ(٤) ، عنه، عن محسن بن أحمد، عن أبان الأحمر، عن أبي جعفر الأحول، عن محمّد بن مسلم، عن أبي جعفر ـ عليه السّلام ـ قال: عروة الله الوثقى، التّوحيد. والصبغة، الإسلام.

وفي كتاب المناقب(٥) ، لابن شهر آشوب: موسى بن جعفر، عن آبائه ـ عليهما السّلام ـ وأبو الجارود عن الباقر ـ عليه السّلام ـ في قوله تعالى:( فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقى ) ، قال: مودّتنا أهل البيت.

وفي عيون الأخبار(٦) ، بإسناده إلى أبي الحسن الرّضا ـ عليه السّلام ـ عن أبيه، عن آبائه، عن عليّ ـ عليهم السّلام ـ قال: قال رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله: من أحبّ أن يركب سفينة النّجاة ويستمسك بالعروة الوثقى ويعتصم بحبل الله المتين، فليوال عليّا بعدي، وليعادي عدوّه، وليأتمّ بالأئمّة الهداة من ولده.

وفيه(٧) ، فيما جاء عن الرّضا ـ عليه السّلام ـ من الأخبار المجموعة، بإسناده قال: قال رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله: [من أحبّ أن يستمسك بالعروة الوثقى، فليستمسك بحبّ عليّ وأهل بيتي.

__________________

(١) الكافي ٢ / ١٤، ح ٣.

(٢) المصدر: الحسن بن محمد بن سماعة.

(٣) نفس المصدر ٢ / ١٤، ح ١.

(٤) المحاسن / ١٨٨، ح ٢٢١.

(٥) تفسير نور الثقلين ١ / ٢٦٣، ح ١٠٥٤، نقلا عن المناقب+ بحار الأنوار ٢٤ / ٨٤.

(٦) عيون أخبار الرضا ١ / ٢٢٧، ح ٤٣.

(٧) نفس المصدر ٢ / ٥٨، ح ٢١٦.

٤٠٦

وبإسناده(١) قال: قال رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله :](٢) والأئمّة من ولد الحسين ـ عليهم السّلام. من أطاعهم فقد أطاع الله. ومن عصاهم فقد عصى الله. هم العروة الوثقى. وهم الوسيلة إلى الله تعالى.

وفي باب ما كتبه الرّضا ـ عليه السّلام ـ للمأمون من محض الإسلام وشرائع الدّين(٣) : أنّ الأرض لا تخلوا من حجّة الله تعالى على خلقه في كلّ عصر وأوان. وأنّهم العروة الوثقى وأئمّة الهدى والحجّة على أهل الدّنيا، إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها.

وفي كتاب الخصال(٤) ، عن عبد الله بن العبّاس قال: قام رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ فينا خطيبا. فقال في آخر خطبته: نحن كلمة التّقوى وسبيل الهدى والمثل الأعلى والحجّة العظمى والعروة الوثقى.

وفي كتاب التّوحيد(٥) ، بإسناده إلى أبي بصير، عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ قال: قال أمير المؤمنين ـ عليه السّلام ـ في خطبته: أنا حبل الله المتين. وأنا عروة الله الوثقى.

وفي كتاب كمال الدّين وتمام النّعمة(٦) ، بإسناده إلى إبراهيم بن أبي محمود، عن الرّضا ـ عليه السّلام ـ في حديث طويل: نحن حجج الله في أرضه وكلمة التّقوى والعروة الوثقى.

وفي كتاب معاني الأخبار(٧) ، بإسناده إلى عبد الله بن عبّاس قال: قال رسول ـ صلّى الله عليه وآله ـ من أحبّ أن يستمسك بالعروة الوثقى الّتي لا انفصام لها، فليستمسك(٨) بولاية أخي ووصيّي عليّ بن أبي طالب. فإنّه لا يهلك من أحبّه وتولاه.

ولا ينجو من أبغضه وعاداه.

في شرح الآيات الباهرة(٩) : ذكر صاحب نهج الإيمان في معنى هذه الآية، ما هذا لفظه: روى أبو عبد الله الحسين بن جبير ـ رحمه الله ـ في كتاب نخب المناقب لآل

__________________

(١) نفس المصدر ونفس الموضع، ح ٢١٧.

(٢) ما بين المعقوفتين ليس في أ.

(٣) نفس المصدر ٢ / ١٢١، ح ١.

(٤) الخصال ٢ / ٤٣٢، ح ١٤.

(٥) التوحيد / ١٦٥، ح ٢.

(٦) كمال الدين وتمام النعمة ١ / ٢٠٢، ح ٦.

(٧) معاني الأخبار / ٣٦٨.

(٨) المصدر: فليتمسّك.

(٩) تأويل الآيات الباهرة، مخطوط / ٣٤.

٤٠٧

أبي طالب، حديثا مسندا إلى الرّضا ـ عليه السّلام ـ قال: قال رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله: من أحبّ أن يستمسك بالعروة الوثقى، فليستمسك بحبّ عليّ بن أبي طالب ـ عليه السّلام.

واعلم! أنّ ما ذكر من الأخبار من تفسير العروة الوثقى، تارة بحبّ أهل البيت، وتارة بالأئمّة، وتارة بولاية الأئمّة، وتارة بالنّبيّ، وتارة بأمير المؤمنين، مؤدّاه واحد. وكذا

ما رواه في عيون الأخبار(١) ، بإسناده إلى الرّضا ـ عليه السّلام ـ أنّه ذكر القرآن يوما، وعظّم الحجّة فيه والآية المعجزة في نظمه، فقال: «هو حبل الله المتين وعروته الوثقى وطريقته المثلى»

، لا ينافي ما سبق من الأخبار. لأنّ كلا منها يستلزم الآخر. إذ المراد بالمحبّة والولاية ما هو بالطّريق المقرّر من الله في القرآن.

( لَا انْفِصامَ لَها ) : لا انقطاع لها. يقال: فصمته، فانفصم، إذا كسرته.

( وَاللهُ سَمِيعٌ ) بالأقوال،( عَلِيمٌ ) (٢٥٦) بالنّيّات وسائر الأعمال. وهو وعد للكافر بالطّاغوت، وتهديد لغيره.

( اللهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا ) : محبّهم أو متولّي أمرهم.

والمراد بالّذين آمنوا، الّذين كفروا بالطّاغوت وآمنوا بالله، بمعنى ذكرناه.

( يُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُماتِ ) ، أي: ظلمات الذّنوب.

( إِلَى النُّورِ ) ، إلى نور التّوبة والمغفرة لولايتهم كلّ إمام عادل كما يأتي في الخبر، أو يخرجهم بالإيمان من الظّلمات الّتي فيه غيرهم إلى نور الإيمان، أي: يجعل لهم نورا ليس لغيرهم.

وفي كتاب الخصال(٢) ، عن أبي عبد الله، عن أبيه، عن آبائه، عن عليّ بن أبي طالب ـ عليهم السّلام ـ قال: المؤمن يتقلّب في خمسة من النّور: مدخله نور، ومخرجه نور، وعلمه نور، وكلامه نور، ومنظره يوم القيامة إلى النّور.

أو يخرجهم من ظلمات الجهل واتّباع الهوى والوساوس والشّبهة المؤدّية إلى الكفر، إلى النّور، إلى الهدى الموصل إلى الإيمان.

والجملة خبر بعد خبر، أو حال من المستكنّ في الخبر، أو من الموصول، أو منهما، أو

__________________

(١) عيون أخبار الرضا ٢ / ١٢٨، ح ٩.

(٢) الخصال ١ / ٢٧٧، ح ٢٠.

٤٠٨

استئناف مبيّن، أو مقرّر للولاية.

( وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَوْلِياؤُهُمُ الطَّاغُوتُ ) :

في روضة الكافي(١) : سهل، عن ابن محبوب، عن ابن رئاب، عن حمران بن أعين، عن أبي جعفر ـ عليه السّلام: والّذين كفروا أولياؤهم الطّواغيت.

قيل(٢) : الشّياطين، أو المضلات من الهوى والشّياطين وغيرهما.

وعلى الخبر الّذي سبق: الظّالمون لآل محمّد حقّهم، والّذين كفروا: أشياعهم.

( يُخْرِجُونَهُمْ مِنَ النُّورِ إِلَى الظُّلُماتِ ) : من النّور الّذي منحوه بالفطرة، إلى الكفر وفساد الاستعداد، أو من نور البيّنات، إلى ظلمات الشّكوك والشّبهات.

( أُولئِكَ أَصْحابُ النَّارِ هُمْ فِيها خالِدُونَ ) (٢٥٧): وعيد وتحذير.

وفي تفسير العيّاشيّ(٣) : عن مسعدة بن صدقة قال أبو عبد الله ـ عليه السّلام: قصّة الفريقين جميعا في الميثاق، حتّى بلغ الاستثناء من الله في الفريقين.

فقال: إنّ الخير والشّرّ خلقان من خلق الله. له فيهما المشيئة، في تحويل ما شاء الله، فيما قدّر فيهما(٤) ، حال عن حال. والمشيئة فيما خلق (لهما)(٥) من خلقه، في منتهى ما قسم لهم من الخير والشّرّ. وذلك أنّ الله قال في كتابه:( اللهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا يُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُماتِ إِلَى النُّورِ وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَوْلِياؤُهُمُ الطَّاغُوتُ يُخْرِجُونَهُمْ مِنَ النُّورِ إِلَى الظُّلُماتِ ) . فالنّور هم آل محمّد ـ عليهم السّلام. والظّلمات، عدوّهم.

عن مهزم الأسديّ(٦) قال: سمعت أبا عبد الله ـ عليه السّلام ـ يقول: قال الله ـ تبارك وتعالى: لأعذّبنّ كلّ رعيّة دانت بإمام ليس من الله، وإن كانت الرّعية في أعمالها برّة تقيّة. ولأغفرنّ عن كلّ رعيّة دانت بكلّ إمام من الله، وإن كانت الرّعيّة في أعمالها سيئة.

قلت: فيعفو عن هؤلاء، ويعذّب هؤلاء؟

قال: نعم. إنّ الله تعالى يقول:( اللهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا يُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُماتِ إِلَى النُّورِ ) .

__________________

(١) الكافي ٨ / ٢٨٩، ح ٤٣٦.

(٢) أنوار التنزيل ١ / ١٣٤.

(٣) تفسير العياشي ١ / ١٣٨، ح ٤٦١.

(٤) المصدر: فيها.

(٥) المصدر: لها.

(٦) نفس المصدر ١ / ١٣٩، ح ٤٦٢.

٤٠٩

ثمّ ذكر(١) حديث ابن أبي يعفور، رواية محمّد بن الحسين. ويزاد(٢) فيه: «فأعداء عليّ أمير المؤمنين هم الخالدون في النّار، وإن كانوا في أديانهم على غاية الورع والزّهد والعبادة.»

وفي أصول الكافي(٣) ، عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ حديث طويل، في طينة المؤمن والكافر. وفيه:( أَوَمَنْ كانَ مَيْتاً فَأَحْيَيْناهُ ) (٤) فكان موته اختلاط طينته مع طينة الكافر. فكان حياته حين فرّق الله بينهما بكلمته. كذلك يخرج الله ـ جلّ

وعزّ ـ المؤمن في الميلاد من الظّلمة، بعد دخوله فيها إلى النّور. ويخرج الكافر من النّور إلى الظّلمة، بعد دخوله إلى النّور.

وبإسناده(٥) إلى الباقر ـ عليه السّلام ـ في حديث طويل، في شأن( إِنَّا أَنْزَلْناهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ ) يقول فيه ـ عليه السّلام ـ وقد ذكر نزول الملائكة بالعلم: فإن قالوا: من سماء إلى سماء. فليس في السّماء أحد يرجع من طاعة إلى معصية. وإن قالوا: من سماء إلى أرض، وأهل الأرض أحوج الخلق إلى ذلك، فقل لهم: فهل بدّ من سيّد يتحاكمون إليه؟

فإن قالوا: فإنّ الخليفة هو حكمهم.

فقل:( اللهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا يُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُماتِ إِلَى النُّورِ ) (إلى قوله)( هُمْ فِيها خالِدُونَ ) . لعمري ما في الأرض ولا في السّماء وليّ لله ـ عزّ ذكره ـ إلّا وهو مؤيّد. ومن أيّده(٦) لله لم يخط(٧) . وما في الأرض عدوّ لله عزّ ذكره ـ إلّا وهو مخذول. ومن خذل لم يصب. كما أنّ الأمر لا بدّ من تنزيله من السّماء، يحكم به أهل الأرض. كذلك لا بدّ من وال.

عدّة من أصحابنا(٨) ، عن أحمد بن محمّد بن عيسى، عن ابن محبوب، عن عبد العزيز العبديّ، عن عبد الله بن أبي يعفور قال: قلت لأبي عبد الله ـ عليه السّلام: إنّي أخالط النّاس. فيكثر عجبي من أقوام لا يتولّونكم ويتولّون فلانا وفلانا، لهم أمانة وصدق ووفاء.

وأقوام يتولّونكم ليس لهم تلك الأمانة ولا الوفاء والصّدق.

__________________

(١) المصدر: ثم ذكر حديث الأوّل.

(٢) المصدر: زاد.

(٣) الكافي ٢ / ٥، ح ٧.

(٤) الأنعام / ١٢٢.

(٥) نفس المصدر ١ / ٢٤٥، ح ١.

(٦) المصدر: أيّد.

(٧) كذا في النسخ والمصدر. ولعله: لم يحطّ.

(٨) نفس المصدر ١ / ٣٧٥، ح ٣.

٤١٠

قال: فاستوى أبو عبد الله ـ عليه السّلام ـ جالسا. فأقبل عليّ كالغضبان. ثمّ قال: لا دين لمن دان الله بولاية إمام جائر. ليس من الله. ولا عتب على من دان الله بولاية إمام عادل من الله.

قلت: لا دين لأولئك؟ ولا عتب على هؤلاء؟

قال: نعم. لا دين لأولئك. ولا عتب على هؤلاء.

ثمّ قال: ألا تسمع لقول الله ـ عزّ وجلّ:( اللهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا يُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُماتِ إِلَى النُّورِ ) ، يعني: ظلمات الذّنوب إلى نور التّوبة والمغفرة لولايتهم كلّ إمام عادل من الله ـ عزّ وجلّ. وقال:( وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَوْلِياؤُهُمُ الطَّاغُوتُ. يُخْرِجُونَهُمْ مِنَ النُّورِ إِلَى الظُّلُماتِ ) [قال:( وَالَّذِينَ كَفَرُوا ) .

قال: فقال: وأي نور للكافر وهو كافر فأخرج من الظّلمات؟ إنّما عنى الحجج(١) : (كذا في تفسير العيّاشيّ) إنّما عنى [الله](٢) بهذا أنّهم كانوا على نور الإسلام. فلمّا أن تولّوا كلّ إمام جائر. ليس من الله، خرجوا بولايتهم(٣) من نور الإسلام، إلى ظلمات الكفر.

فأوجب الله(٤) لهم النّار، مع الكفّار.( أُولئِكَ أَصْحابُ النَّارِ هُمْ فِيها خالِدُونَ ) .(٥) ] [وفي شرح الآيات الباهرة، مثلة، سواء(٦) ].(٧)

وفي أمالي شيخ الطّائفة ـ قدّس سرّه(٨) ـ بإسناده إلى عليّ ـ عليه السّلام ـ عن النّبيّ ـ صلّى الله عليه وآله ـ أنّه تلا هذه الآية:( أُولئِكَ أَصْحابُ النَّارِ هُمْ فِيها خالِدُونَ ) قيل: يا رسول الله! من أصحاب النّار؟

قال: من قاتل عليّا بعدي. فأولئك أصحاب النّار مع الكفّار. فقد كفروا بالحقّ لـمّا جاءهم.

[وفي تفسير عليّ بن إبراهيم(٩) ، متّصلا بما سبق.

__________________

(١) «إنّما عنى الحجج» ليس في المصدر.

(٢) يوجد في المصدر.

(٣) المصدر: بولايتهم إيّاهم.

(٤) ليس في المصدر.

(٥) ما بين المعقوفتين يوجد في تفسير العياشي ١ / ١٣٨، ح ٤٦٠ وليس في الكافي.

(٦) تأويل الآيات الباهرة، مخطوط / ٣٤.

(٧) ليس في أ.

(٨) أمالي الشيخ ١ / ٣٧٤.

(٩) تفسير القمي ١ / ٨٤ ـ ٨٥.

٤١١

( يَعْلَمُ ما بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَما خَلْفَهُمْ ) قال: ما بين أيديهم من أمور الأنبياء وما كان وما خلفهم لم يكن بعد.

( إِلَّا بِما شاءَ ) ، أي: بما يوحى إليهم.

( وَلا يَؤُدُهُ حِفْظُهُما ) ، أي: لا يثقل عليه حفظهما في السّماوات وما في الأرض.

قوله:( لا إِكْراهَ فِي الدِّينِ ) ، أي: لا يكره أحد على دينه إلّا بعد أن تبيّن له وتبيّن له الرّشد من الغيّ.

( فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللهِ ) الّذين غصبوا آل محمّد حقّهم.

قوله:( فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقى ) ، يعني: الولاية.

( لَا انْفِصامَ لَها ) ، أي: حبل لا انقطاع له.

قوله:( اللهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا ) ، يعني: أمير المؤمنين والأئمّة ـ عليهم السّلام.

( يُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُماتِ إِلَى النُّورِ. وَالَّذِينَ كَفَرُوا ) وهم الظّالمون آل محمّد.

( أَوْلِياؤُهُمُ الطَّاغُوتُ ) . وهم الّذين تبعوا من غصبهم.

( يُخْرِجُونَهُمْ مِنَ النُّورِ إِلَى الظُّلُماتِ أُولئِكَ أَصْحابُ النَّارِ هُمْ فِيها خالِدُونَ ) .

والحمد لله ربّ العالمين. كذا نزلت].(١)

( أَلَمْ تَرَ ) : تعجيب.

( إِلَى الَّذِي حَاجَّ إِبْراهِيمَ فِي رَبِّهِ ) ، وهو نمرود.

( أَنْ آتاهُ اللهُ الْمُلْكَ ) : لأن أتاه، أي: أبطره إيتاء الملك وحمله على المحاجّة، أو حاجّ لأجله شكرا له على طريق العكس، كقولك: عاديتني لأن أحسنت إليك، أو وقت أن أتاه الملك.

قيل(٢) : وهو حجّة على من منع إيتاء الله الملك الكافر.

وفيه احتمال كون معنى الإيتاء التّخلية، فلا يكون حجّة عليه.

وفي كتاب الخصال(٣) ، عن محمّد بن خالد، بإسناده رفعه قال: ملك الأرض كلّها أربعة مؤمنان وكافران. فأمّا المؤمنان: فسليمان بن داود، وذو القرنين. وأمّا الكافران: نمرود وبخت نصر.

__________________

(١) ما بين المعقوفتين ليس في أ.

(٢) أنوار التنزيل ١ / ١٣٥.

(٣) الخصال ١ / ٢٥٥، ح ١٣٠.

٤١٢

وفي تفسير العيّاشيّ(١) : عن أبي بصير قال: لـمّا دخل يوسف على الملك قال له: كيف أنت يا إبراهيم؟

قال: إنّي لست بإبراهيم. أنا يوسف بن يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم.

قال: وهو صاحب إبراهيم الّذي حاجّ إبراهيم في ربّه.

قال: وكان أربعة مائة سنة شابّا.

وفي مجمع البيان(٢) : واختلف في وقت المحاجّة. قيل: بعد إلقائه في النّار، وجعلها بردا وسلاما ـ عن الصّادق عليه السّلام.

( إِذْ قالَ إِبْراهِيمُ ) :

ظرف لحاجّ، أو بدل من أتاه على الوجه الثّاني.

( رَبِّيَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ ) : يخلق الحياة والموت في الأجساد. وقرأ حمزة: ربّ.

(بحذف الياء).

( قالَ أَنَا أُحْيِي وَأُمِيتُ ) : بالعفو عن القتل والقتل.

وقرأ نافع: انا (بالألف.)( قالَ إِبْراهِيمُ فَإِنَّ اللهَ يَأْتِي بِالشَّمْسِ مِنَ الْمَشْرِقِ. فَأْتِ بِها مِنَ الْمَغْرِبِ ) : أعرض إبراهيم عن الاعتراض على معارضته الفاسدة إلى الاحتجاج بما لا يقدر فيه، على نحو هذا التّمويه، دفعا للمشاغبة. فهو في الحقيقة عدول عن مثال خفيّ إلى مثال جليّ، من مقدوراته الّتي يعجز عن الإتيان بها غيره، لا من حجّة إلى أخرى. ولعلّ نمرود زعم أنّه يقدر أن يفعل كلّ جنس(٣) يفعله الله. فنقضه إبراهيم ـ عليه السّلام ـ بذلك. وإنّما حمله عليه بطر الملك وحماقته.

( فَبُهِتَ الَّذِي كَفَرَ ) : فصار مبهوتا.

وقرئ فبهت، أي: فغلب إبراهيم الكافر.

( وَاللهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ ) (٢٥٨): الّذين ظلموا أنفسهم بالامتناع عن قبول الهداية.

وقيل(٤) : لا يهديهم محجّة الاحتجاج، أو سبيل النّجاة، أو طريق النّجاة يوم القيمة.

__________________

(١) تفسير العياشي ١ / ١٣٩، ح ٤٦٣.

(٢) مجمع البيان ١ / ٣٦٧.

(٣) أ: فعل. (ظ)

(٤) أنوار التنزيل ١ / ١٣٥.

٤١٣

في روضة الكافي(١) : عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن أحمد بن محمّد بن أبي نصر، عن أبان بن عثمان، عن حجر، عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ قال: خالف إبراهيم ـ صلّى الله عليه وآله ـ قومه، وعاب آلهتهم حتّى أدخل على نمرود. فخاصمهم. فقال إبراهيم: «ربّي الّذي (إلى آخر الآية.)

والحديث طويل. أخذت منه موضع الحاجة.

وفي كتاب ثواب الأعمال(٢) ، بإسناده إلى حنان بن سدير قال: حدّثني رجل من أصحاب أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ قال: سمعته يقول: إنّ أشدّ النّاس عذابا يوم القيامة لسبعة نفر: أوّلهم ابن آدم الّذي قتل أخاه، ونمرود الّذي حاجّ إبراهيم في ربّه.

الحديث يأتي بقيّته.

وفيه بإسناده(٣) إلى إسحاق بن عمّار الصّيرفيّ، عن أبي الحسن الماضي، في حديث طويل يقول في آخره: وإنّ في جوف تلك الحيّة، لسبع صناديق، فيها خمسة من الأمم السّالفة واثنان من هذه الأمّة.

قال: قلت: جعلت فداك! ومن الخمسة؟ ومن الاثنان؟

قال: أمّا الخمسة: فقابيل الّذي قتل هابيل، ونمرود الّذي حاجّ إبراهيم في ربّه، قال:( أَنَا أُحْيِي وَأُمِيتُ ) .، وفرعون الّذي قال:( أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلى ) .، ويهود الّذي هوّد اليهود، وبولس الّذي نصر النّصارى. ومن هذه الأمة، أعرابيّان.

( أَوْ كَالَّذِي مَرَّ عَلى قَرْيَةٍ ) : تقديره: «أو رأيت.» فحذف لدلالة «ألم تر عليه. وتخصيصه بحرف التّشبيه، لأنّ المنكر للإحياء كثير والجاهل بكيفيّته أكثر من أن يحصى، بخلاف مدّعي الرّبوبيّة.

وقيل(٤) : الكاف مزيدة. وتقدير الكلام: «ألم تر إلى الّذي مرّ.» وقيل(٥) : إنّه عطف محمول على المعنى. كأنّه قيل: ألم تر كالّذي حاجّ، أو كالّذي مرّ.

وقيل(٦) : إنّه من كلام إبراهيم ذكره جواب المعارضة(٧) ، تقديره: «أو إن كنت

__________________

(١) الكافي ٨ / ٢٦٨، ح ٥٥٩.

(٢) ثواب الأعمال / ٢٥٥، ح ١.

(٣) ثواب الأعمال / ٢٥٦.

(٤ و ٥) أنوار التنزيل ١ / ١٣٥.

(٦) نفس المصدر والموضع.

(٧) أ: جوابا لمعارضته. (ظ)

٤١٤

تحيى فأحي كإحياء الله.» ويؤيّده ما روى عن الصّادق ـ عليه السّلام(١) : أنّ إبراهيم قال له: أحي من قتلته، إن كنت صادقا.

قال البيضاويّ(٢) : الّذي مرّ، عزيز بن شرحيا، أو الخضر، أو كافر بالبعث. ويؤيّده نظمه مع نمرود.

وفي مجمع البيان(٣) : «أو كالّذي مرّ» هو عزير. وهو المرويّ عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام.

وقيل(٤) : هو إرميا. وهو المرويّ عن أبي جعفر ـ عليه السّلام.

أقول: أمّا ما يدلّ على أنّه عزير :

فما روى ـ أيضا ـ عن عليّ ـ عليه السّلام(٥) . أنّ عزيرا خرج من أهله وامرأته حبلى. وله خمسون سنة. فأماته الله مائة سنة. ثمّ بعثه. فرجع إلى أهله ابن خمسين. وله ابن. له مائة سنة. فكان ابنه أكبر منه. فذلك من آيات الله.

وما رواه في كتاب كمال الدّين وتمام النّعمة(٦) ، بإسناده إلى محمّد بن إسماعيل القرشيّ، عمّن حدّثه، عن إسماعيل بن أبي رافع، عن أبيه، عن النّبيّ ـ صلّى الله عليه وآله ـ في حديث طويل، وقد ذكر بخت نصر، وأنّه قتل من اليهود سبعين ألف مقاتل على دم يحيى بن زكريا(٧) ـ عليهما السّلام ـ وخرّب بيت المقدس، وتفرّقت اليهود في البلدان، وفي سبع(٨) وأربعين سنة من ملكه، بعث الله ـ عزّ وجلّ ـ العزير نبيّا إلى أهل القرى الّتي أمات الله ـ عزّ وجلّ ـ أهلها، ثمّ بعثهم له وكانوا من قرى شتّى، فهربوا فرقا من الموت، فنزلوا في جوار عزير وكانوا مؤمنين، وكان عزير يختلف إليهم، ويسمع كلامهم وإيمانهم، وأحبّهم على ذلك، وآخاهم عليه، فغاب عنهم يوما واحدا، ثمّ أتاهم فوجدهم موتى صرعى، فحزن عليهم، وقال:( أَنَّى يُحْيِي هذِهِ اللهُ بَعْدَ مَوْتِها ) تعجّبا منه حيث أصابهم، وقد ماتوا أجمعين في يوم واحد، فأماته الله ـ عزّ وجلّ ـ عند ذلك مائة عام، وهي(٩) مائة سنة ،

__________________

(١) مجمع البيان ١ / ٣٦٧.

(٢) أنوار التنزيل ١ / ١٣٥.

(٣ و ٤) مجمع البيان ١ / ٣٧٠.

(٥) نفس المصدر ونفس الموضع.

(٦) كمال الدين وتمام النعمة ١ / ٢٢٦، ح ٢٠.

(٧) كذا في أ. وفي الأصل ور: زكريا بن يحيى.

(٨) النسخ: سبعة. وما في المتن موافق المصدر.

(٩) المصدر: فلبث وهم. (ظ)

٤١٥

ثمّ بعثه الله وايّاهم، وكانوا مائة ألف مقاتل، ثمّ قتلهم الله أجمعين، لم يفلت منهم أحد على يدي بخت نصر.

وما رواه عليّ بن إبراهيم في تفسيره(١) : قال: حدّثني أبي، عن إسماعيل بن أبان، عن عمر بن عبد الله الثّقفيّ قال: أخرج هشام بن عبد الملك أبا جعفر ـ عليه السّلام ـ من المدينة إلى الشّام، وكان ينزله(٢) معه، وكان يقعد مع النّاس في مجالسهم. فبينا هو قاعد، وعنده جماعة من النّاس، يسألونه إذ نظر إلى النّصارى يدخلون في جبل هناك. فقال: ما لهؤلاء؟ ألهم عيد اليوم؟

فقالوا: لا يا ابن رسول الله! لكنّهم يأتون عالما في هذا الجبل، في كلّ سنة في [مثل](٣) هذا اليوم. فيخرجونه. فيسألونه عمّا يريدون، وعمّا يكون في عامهم.

فقال أبو جعفر ـ عليه السّلام: وله علم؟

فقالوا: هو من أعلم النّاس. قد أدرك أصحاب الحواريّين من أصحاب عيسى ـ عليه السّلام.

قال: فهل(٤) نذهب إليه؟

قالوا: ذاك إليك، يا ابن رسول الله! قال: فقنّع أبو جعفر ـ عليه السّلام ـ رأسه بثوبه. ومضى هو وأصحابه. فاختلطوا بالنّاس حتّى أتوا الجبل. فقعد أبو جعفر ـ عليه السّلام ـ وسط النصارى هو وأصحابه.

وأخرج النّصارى بساطا. ثمّ وضعوا الوسائد. ثمّ دخلوا. فأخرجوه. ثمّ ربطوا عينيه. فقلب عينيه. كأنّهما عينا افعى. ثمّ قصد أبا جعفر ـ عليه السّلام.

فقال: يا شيخ(٥) ! أمنّا أنت أم من الأمّة المرحومة؟

فقال: أبو جعفر ـ عليه السّلام: بل(٦) من الأمّة المرحومة.

فقال: أفمن علمائهم أنت أم من جهّالهم؟

قال: لست من جهّالهم.

__________________

(١) تفسير القمي ١ / ٩٨.

(٢) أ: فأنزله. ر: ما ينزله. وما في المتن موافق المصدر. والكلمة في الأصل غير واضحة.

(٣) يوجد في المصدر.

(٤) المصدر: لهم.

(٥ و ٦) ليس في المصدر.

٤١٦

فقال النّصرانيّ: أسألك أم تسألني؟

فقال أبو جعفر ـ عليه السّلام: سلني.

فقال النّصراني: يا معشر النّصارى! رجل من أمّة محمّد يقول سلني(١) . إنّ هذا لعالم بالمسائل.

ثمّ قال: يا عبد الله! أخبرني عن ساعة ما هي من اللّيل ولا هي من النّهار، أي ساعة هي؟

فقال أبو جعفر ـ عليه السّلام: ما بين طلوع الفجر إلى طلوع الشّمس.

(إلى أن قال النّصرانيّ :) فأسالك أو تسألني؟

قال أبو جعفر ـ عليه السّلام: سلني.

فقال: يا معشر النّصارى! والله لأسألنّه مسألة يرتطم فيها كما يرتطم الحمار في الوحل.

فقال له: سل.

فقال: أخبرني عن رجل دنا من امرأته فحملت باثنين(٢) ، حملتهما جميعا في ساعة واحدة، وولدتهما(٣) في ساعة واحدة، وماتا في ساعة واحدة، ودفنا(٤) في قبر واحد، عاش أحدهما خمسين ومائة سنة، وعاش الآخر خمسين سنة، من هما؟

فقال أبو جعفر ـ عليه السّلام: هما عزير وعزرة: كانا(٥) حملت أمّهما على ما وصفت، ووضعتهما على ما وصفت. وعاش عزير وعزرة كذا وكذا(٦) سنة. ثمّ أمات الله ـ تبارك وتعالى ـ عزيرا مائة سنة(٧) . ثمّ بعث الله عزيرا فعاش مع عزرة هذه الخمسين سنة(٨) . وماتا كلاهما(٩) في ساعة واحدة(١٠) .

فقال النّصرانيّ: يا معشر النّصارى! ما رأيت بعيني قط أعلم من هذا الرّجل.

لا تسألوني عن حرف وهذا بالشّام. ردّوني [إلى كهفي](١١) .

__________________

(١) المصدر: أسألني.

(٢) المصدر: فحملت منه بابنين.

(٣) المصدر: ووضعتها.

(٤) المصدر: ودفنا في ساعة واحدة.

(٥) المصدر: كانت.

(٦) المصدر: ثلاثين، بدل «كذا وكذا.»

(٧) يوجد في المصدر بعد هذه الجملة: وبقي غررة يحيى.

(٨) المصدر: عشرين سنه، بدل «هذه الخمسين سنه.»

(٩) المصدر: جميعا.

(١٠) يوجد في المصدر بعد هذه الفقرة: فدفنا في قبر واحد.

(١١) يوجد في المصدر.

٤١٧

فقال(١) : فردّوه إلى كهفه. ورجع النّصارى مع أبي جعفر ـ صلوات الله عليه.

وما رواه العيّاشيّ(٢) في تفسيره: [أبو طاهر العلويّ ،](٣) عن عليّ بن محمّد العلويّ، عن عليّ بن مرزوق، عن إبراهيم بن محمّد قال: ذكر جماعة من أهل العلم: أنّ ابن الكوّاء قال لعليّ ـ عليه السّلام: يا أمير المؤمنين! ما ولد أكبر من أبيه من أهل الدّنيا؟

قال [نعم].(٤) أولئك ولد عزير، حين مرّ على قرية خربة، وقد جاء من ضيعة له تحته حمار ومعه سلّة(٥) ، فيها تين وكوز، فيه عصير. فمرّ على قرية خربة. فقال:( أَنَّى يُحْيِي هذِهِ اللهُ بَعْدَ مَوْتِها ) . فأماته الله مائة عام. فتوالد ولده. وتناسلوا. ثمّ بعث الله إليه. فأحياه في المولد(٦) الّذي أماته فيه. فأولئك ولد(٧) أكبر من أبيه.

وأمّا ما يدلّ على أنّه إرميا :

فما رواه العيّاشيّ، أيضا، في تفسيره(٨) : عن أبي بصير(٩) ، عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ في قول الله:( أَوْ كَالَّذِي مَرَّ عَلى قَرْيَةٍ وَهِيَ خاوِيَةٌ عَلى عُرُوشِها، قالَ: أَنَّى يُحْيِي هذِهِ اللهُ بَعْدَ مَوْتِها ) ، فقال: إنّ الله بعث على بني إسرائيل نبيّا، يقال له: إرميا.

فقال(١٠) لهم: ما بلد تنقيته من كرائم البلدان، وغرس فيه من كرائم الغرس. وتنقيته من كلّ غرس.(١١) فأخلف. فأنبت خرنوبا.

قال: فضحكوا. واستهزؤا به. فشكاهم إلى الله.

قال: فأوحى الله إليه أن: قل لهم: إنّ البلد بيت المقدس، والغرس بنو إسرائيل، تنقيته من كلّ غرس(١٢) . ونحيّت عنهم كلّ جبّار. فأخلفوا. فعملوا المعاصي. فلا سلّطنّ عليهم في بلدهم من يسفك دماءهم، ويأخذ أموالهم. فإن بكوا(١٣) لي، لم أرحم(١٤) بكاءهم.

وإن دعوا، لم أستجب دعاءهم. فشلتهم. وفشلت. ثمّ لأخرّبنّها مائة عام. ثمّ لأعمّرنّها.

__________________

(١) ليس في المصدر.

(٢) تفسير العياشي ١ / ١٤١، ح ٤٦٧.

(٣) يوجد في المصدر.

(٤) يوجد في المصدر.

(٥) المصدر: شنّة.

(٦) هكذا في المصدر. وفي النسخ. الموتى.

(٧) هكذا في أ. وفي الأصل ور: ولده. (٨) نفس المصدر ١ / ١٤٠، ح ٤٦٦.

(٩) يوجد في أ، فقط.(١٠) المصدر: فقال: قل.

(١١ و ١٢) المصدر: غريبة.

(١٣) المصدر: إلىّ.

(١٤) المصدر: فلم ارحم.

٤١٨

فلمّا حدّثهم، جزعت العلماء. فقالوا: يا رسول الله! ما ذنبنا نحن؟ ولم نكن نعمل بعملهم. فعاود لنا ربّك.

فصام سبعا. فلم يوح إليه شيء. فأكل أكلة. ثمّ صام سبعا. فلم يوح إليه شيء.

فأكل أكلة. ثمّ صام سبعا. فلمّا أن كان اليوم الواحد والعشرين، أوحى الله إليه: لترجعنّ عمّا تصنع. أتراجعني في أمر قضيته، أو لأردّنّ وجهك على دبرك.

ثمّ أوحى الله إليه: قل لهم: لأنّكم رأيتكم المنكر. فلم تنكروه.

فسلّط الله عليهم. بخت نصر. فصنع بهم ما قد بلغك. ثمّ بعث بخت نصر إلى النبيّ. فقال: إنّك قد نبّئت عن ربّك. وحدّثتهم بما أصنع بهم. فإن شئت فأقم عندي فيمن شئت. وإن شئت فاخرج.

فقال: لا بل أخرج.

فتزوّد عصيرا وتينا. وخرج. فلمّا أن غاب مدّ البصر، التفت إليها. فقال:( أَنَّى يُحْيِي هذِهِ اللهُ بَعْدَ مَوْتِها. فَأَماتَهُ اللهُ مِائَةَ عامٍ ) .

أماته غدوة. وبعثه عشيّة قبل أن تغيب الشّمس. وكان أوّل شيء خلق منه عيناه في مثل غرقئ البيض.

ثمّ قيل له:( كَمْ لَبِثْتَ؟ قالَ: لَبِثْتُ يَوْماً ) .

فلمّا نظر إلى الشّمس، لم تغب، قال:( أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ. قالَ: بَلْ لَبِثْتَ مِائَةَ عامٍ. فَانْظُرْ إِلى طَعامِكَ وَشَرابِكَ، لَمْ يَتَسَنَّهْ. وَانْظُرْ إِلى حِمارِكَ وَلِنَجْعَلَكَ آيَةً لِلنَّاسِ. وَانْظُرْ إِلَى الْعِظامِ كَيْفَ نُنْشِزُها ثُمَّ نَكْسُوها لَحْماً ) ؟

قال: فجعل ينظر إلى عظامه، كيف يصل بعضها إلى بعض. ويرى العروق كيف تجري. فلمّا استوى قائما( قالَ: أَعْلَمُ أَنَّ اللهَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ) .

وفي رواية هارون: فتزوّد عصيرا ولبنا.

عن جابر(١) ، عن أبي جعفر ـ عليه السّلام ـ قال: نزلت هذه الآية على رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ هكذا: ألم تر إلى العظام كيف ننشزها ثمّ نكسوها لحما. فلمّا تبيّن له.

__________________

(١) نفس المصدر ١ / ١٤١، ح ٤٦٧.

٤١٩

قال: ما تبيّن لرسول الله أنّها في السّموات، قال رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله :( أَعْلَمُ أَنَّ اللهَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ) . سلم رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ للرّب. وآمن بقول الله فلمّا تبيّن له. قال: أعلم أنّ الله على كلّ شيء قدير.

وما رواه الشّيخ الطبرسيّ، في احتجاجه(١) ، عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ في حديث طويل يقول فيه ـ عليه السّلام: وأمات الله إرمياء النّبيّ ـ عليه السّلام ـ الّذي نظر إلى خراب بيت المقدس وما حوله حين غزاه بخت نصر، فقال:( أَنَّى يُحْيِي هذِهِ اللهُ بَعْدَ مَوْتِها فَأَماتَهُ اللهُ مِائَةَ عامٍ ثُمَ ) أحياه. ونظر إلى أعضائه [كيف يلتئم وكيف يلبس اللّحم، وإلى مفاصله وعروقه كيف توصل. فلمّا استوى قاعدا قال:( أَعْلَمُ أَنَّ اللهَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ) .

وما رواه عليّ بن إبراهيم، في تفسيره(٢) : قال حدّثني أبي، عن النّضر بن سويد، عن يحيى الحلبيّ، عن هارون بن خارجة، عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ قال: لـمّا عملت بنو إسرائيل المعاصي وعتوا عن أمر ربّهم، أراد الله أن يسلّط عليهم من يذلّهم ويقتلهم. فأوحى الله إلى إرميا: يا إرميا! ما بلد انتخبته من بين البلدان، وغرست فيه من كرائم الشّجر؟ فأخلف. فأنبت خرنوبا.

فأخبر إرميا أخيار بني إسرائيل. فقالوا له: راجع ربّك ليخبرنا ما معنى هذا المثل.

فصام إرميا سبعا. فأوحى الله إليه: يا إرميا! أمّا البلد، فبيت المقدس. [وأمّا الغرس، فإسرائيل وكرام ولده].(٣) وأمّا ما أنبت فيها، فبنو إسرائيل الّذين أسكنتهم فيه.

فعملوا بالمعاصي. وغيّروا ديني. وبدّلوا نعمتي كفرا. فبي حلفت لأمتحنّهم بفتنة يضلّ الحكيم منها(٤) حيرانا. ولأسلّطنّ عليهم شرّ عبادي ولادة. وشرّهم مطعما(٥) . وليتسلّطنّ عليهم بالجبريّة. فيقتل مقاتليهم. ويسبي حريمهم. ويخرّب بيتهم(٦) الّذي يعتزّون(٧) به. ويلقى حجرهم الّذي يفتخرون به على النّاس في المزابل مائة سنة.

وأخبر إرميا أخيار(٨) بني إسرائيل. فقالوا له: راجع ربّك فقل له: ما ذنب الفقراء

__________________

(١) الاحتجاج ٢ / ٨٨.

(٢) تفسير القمي ١ / ٨٦ ـ ٩١.

(٣) ليس في المصدر.

(٤) المصدر: فيها.

(٥) المصدر: طعاما.

(٦) المصدر: ديارهم.

(٧) المصدر: يفترون.

(٨) المصدر: أحبار.

٤٢٠

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

461

462

463

464

465

466

467

468

469

470

471

472

473

474

475

476

477

478

479

480

481

482

483

484

485

486

487

488

489

490

491

492

493