تفسير كنز الدّقائق وبحر الغرائب الجزء ٢

تفسير كنز الدّقائق وبحر الغرائب20%

تفسير كنز الدّقائق وبحر الغرائب مؤلف:
تصنيف: تفسير القرآن
الصفحات: 493

الجزء ١ الجزء ٢ الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥ الجزء ٦ الجزء ٧
  • البداية
  • السابق
  • 493 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 187738 / تحميل: 5858
الحجم الحجم الحجم
تفسير كنز الدّقائق وبحر الغرائب

تفسير كنز الدّقائق وبحر الغرائب الجزء ٢

مؤلف:
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة


1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

يفكّر بآخرته ، قبل أن يفكر بدنياه.

بعيد النظر عميق الفكر ، يتجاوز الحاضر إلى المستقبل ، ويعمل للأجيال.

كما يعلمنا أنّ :

ـ الصلاة عمود الدين.

ـ جولة الباطل ساعة ، وجولة الحق إلى الساعة.

ـ الرجوع عن الخطأ خير من التمادي في الباطل (مثال الحر بن يزيد)

ـ إذا حمّ القضاء ، وقع البلاء.

ـ المسلم أخو المسلم ، ما لم يقع بينهما السيف.

ـ على الباغي تدور الدوائر (مثال عمر بن سعد).

ـ بشّر القاتل بالقتل ولو بعد حين

(مثال عبيد الله بن زياد ، وكل من شرك في دم الحسينعليه‌السلام ).

ـ من قاتل لتكون كلمة الله هي العليا ، فهو في سبيل الله.

ـ كل قتيل في جنب الله شهيد.

ـ الشهيد حيّ بقدر ما يمثل من آمال وأمنيات.

ـ الحق يؤخذ ولا يعطى.

ـ وإذا لم يكن من الموت بدّ فمن العجز أن تموت جبانا

ـ المنية ولا الدنية ، والموت ولا العار.

ـ لا سعادة إلا بالشهادة ، ولا خلود إلا بالفداء.

ـ الجهاد باب من أبواب الجنة.

ـ الجنّة تحت ظلال السيوف.

ـ الناس عبيد الدّنيا ، والدين لعق على ألسنتهم.

ـ حبّ الدّنيا رأس كل خطيئة (مثال عمر بن سعد).

٢١

مقدمة في موضوع الموسوعة

لا يخفى ما لحياة سيد الشهداء الإمام الحسينعليه‌السلام من قيمة مميّزة ومنزلة مرموقة ، في التاريخ العربي والإسلامي ، إذ وجّهت الفكر الإنساني وأيقظت الضمير الإسلامي ، للتمسك بالدين الحنيف ، والانقياد لتعاليم السماء.

لذلك كانت سيرة الحسينعليه‌السلام وكلماته أثناء مسيره إلى الشهادة ، النبراس الحيّ لكل مؤمن حرّ ، ولكل شاب مثقّف ، ينهل منها أصول العقائد والأمر بالمعروف ، ومبادئ التحرر والجهاد ، وفنون الأخلاق والهداية ، عدا عما تحتويه من المعلومات الأدبية والشعرية والتاريخية والسياسية والحربية.

وقد انصبّ الاهتمام في هذه (الموسوعة) على الفترة الزمنية من حياة الحسينعليه‌السلام الممتدة من هلاك معاوية في رجب سنة ٦٠ ه‍ وتولي يزيد الحكم ـ حيث قرر الحسينعليه‌السلام القيام بنهضته الشريفة ـ وحتى رجوع سبايا أهل البيتعليهم‌السلام من دمشق إلى المدينة المنورة مع الإمام زين العابدينعليه‌السلام ، في صفر سنة ٦١ ه‍ ، وهي فترة لا تزيد عن ثمانية أشهر من نهاية عمر الإمام الحسينعليه‌السلام التي ختمت بالشهادة ، التي هي أعلى مراقي السعادة.

وقد قسّمت هذه المدة إلى أقسام توافق الأمكنة التي تنقّل فيها الحسينعليه‌السلام ؛ من إقامته في المدينة إلى خروجه إلى مكة ، إلى مسيره واستشهاده ، في كربلاء ، ثم مسير رأسه الشريف والسبايا إلى الكوفة ، ثم إلى دمشق ، ثم رجوع الركب الحسيني إلى المدينة المنورة (أنظر المخطط التالي).

٢٢

(الشكل ـ ١)

المخطط العام لمسير الحسينعليه‌السلام من المدينة إلى مكة إلى العراق

ونهضة مسلم بن عقيل في الكوفة واستشهاده

ثم استشهاد الحسينعليه‌السلام في كربلاء ومسيرة الرؤوس والسبايا

وكان لا بدّ قبل الدخول في صلب الموضوع من إعطاء فكرة سريعة عن الخلفية السابقة لنهضة الحسينعليه‌السلام ، وكيف نقض معاوية صلحه مع الإمام الحسنعليه‌السلام ، ثم عمل على أخذ البيعة لابنه يزيد. كما كان لزوما لإتمام الفائدة إطلاع القارئ على بعض أعمال يزيد بعد كربلاء ، في مدة خلافته الممسوخة ، والتي قصّرها الله إلى ثلاث سنين وثمانية أشهر لا أكثر.

وختمت الموسوعة بمقارنة بين شخصية الحسينعليه‌السلام وشخصية يزيد ، لأظهر أن هذه الأمة الحائرة لم تكن خير أمة أخرجت للناس ، حين ضنّت بالنور المبين المتمثل بالحسينعليه‌السلام ، واستبدلت به رمز الباطل والغواية المبين ، المتمثل بيزيد بن معاوية اللعين ، فكانت عقوبتها العادلة أن تظل متفرقة متخاصمة إلى يوم الدين.

وقد حاولت في هذه الموسوعة المبينة ، استقصاء كل الأحداث والوقائع المتصلة بالحسينعليه‌السلام وأصحابه وأعدائه ، مأخوذة من أشهر كتب التاريخ والمقاتل ، وكتب الأعلام والتراجم ؛ بدءا من أقدم المؤرخين أبي مخنف (لوط بن يحيى) المتوفى سنة ١٥٧ ه‍ ، وحتى نهاية القرن الحادي عشر الهجري ، الموافق لوفاة العلامة المجلسي صاحب (البحار) سنة ١١١١ ه‍.

٢٣

وكان من أكبر أهداف هذه الموسوعة ، عرض الأحداث وفق تسلسلها الزمني وترابطها المرحلي ، فراعيت التسلسل الزمني والتاريخي لهذه الأحداث قدر الإمكان.

هذا وقد نهجت على تقسيم مواد الموسوعة إلى فقرات ، ووضعت لكل فقرة رقما وعنوانا ، متبوعا بين قوسين بذكر الكتاب الّذي نقلت منه ، مقرونا باسم المؤلف ورقم الصفحة والجزء والطبعة. وذكرت في الحاشية المراجع والمصادر التي أخذ منها ذلك الكتاب.

ولم آل جهدا في شرح بعض المفردات الصعبة والعبارات الغامضة حسب مقتضى الحال ، إضافة إلى بعض التعليقات الضرورية والإيضاحات الهامة.

ويجد القارئ في الفصل التالي مقدمة شاملة عن مصادر الكتاب المعتمدة.

والله أسأل أن يوفقنا لما فيه الخير والسداد ، ويلهمنا الهداية والرشاد ، إنه سميع مجيب.

لبيب

٢٤

الباب الأول

مقدّمات

الفصل ١ ـ مقدمة في مصادر الموسوعة

الفصل ٢ ـ أنساب آل أبي طالبعليهم‌السلام وتراجمهم

الفصل ٣ ـ توطئة في أهل البيتعليهم‌السلام وفضائلهم :

ـ من هم أهل البيتعليهم‌السلام ؟

ـ أهل البيتعليهم‌السلام هم الأئمة الاثنا عشر

ـ أهل البيتعليهم‌السلام هم الخمسة أصحاب الكساء

ـ فضائل أهل البيتعليهم‌السلام

ـ محبة أهل البيتعليهم‌السلام ومودتهم

الفصل ٤ ـ الإمام الحسينعليه‌السلام : جملة من مناقبه وفضائله

الفصل ٥ ـ أنباء باستشهاد الإمام الحسينعليه‌السلام قبل وقوعه

الفصل ٦ ـ الحزن والبكاء وإقامة المآتم على الحسينعليه‌السلام

ـ إقامة العزاء على الحسينعليه‌السلام يوم عاشوراء

الفصل ٧ ـ فلسفة النهضة الحسينية وأهدافها

ـ فلسفة الإبتلاء

٢٥
٢٦

الفصل الأول

مقدمة في مصادر الموسوعة

١ ـ جولة في المراجع القديمة

٢ ـ رواة الطبري وأبي مخنف

٣ ـ أهم المراجع والمصادر المعتمدة

٤ ـ التعريف بالكتب السابقة

٥ ـ تلاحم مصادر الشيعة والسنة في روايات مقتل الحسينعليه‌السلام

٦ ـ ترجمة أصحاب المصادر

٧ ـ فهرس عام للمصادر التاريخية التي اعتمدنا عليها

٨ ـ فهرس لمصادر التراجم والأنساب

٩ ـ مصادر تاريخية (درجة ثانية)

١٠ ـ الكتب التاريخية الحديثة والمعاصرة

١١ ـ كتب الجغرافيا والبلدان.

٢٧
٢٨

الفصل الأول :

مقدمة في مصادر الموسوعة

١ ـ جولة في المراجع القديمة

(نقصد بالمراجع : الكتب الأصلية التي أثبت مؤلفوها فيها الروايات والأخبار مباشرة دون الرجوع إلى غيرهم. أما المصادر : فهي الكتب التي ألّفها أصحابها معتمدين على المراجع الأصلية).

ولقد كان من أهداف هذه الموسوعة الأساسية الاعتماد على المراجع الأصلية والمصادر القديمة ، وبيان قيمة هذه المراجع ومدى وثاقة أصحابها ، دون تفريق في ذلك بين كتب السنّة وكتب الشيعة ، لأنها لا تتعارض مع بعضها من جهة ، ولأنها تؤلف وحدة متكاملة حول الموضوع من جهة أخرى. ذلك أن الحسينعليه‌السلام ونهضته المباركة وشهادته في كربلاء ، ليست ملك مذهب معين ولا دين معيّن ؛ فالحسينعليه‌السلام استشهد من أجل الإسلام والإيمان ، ومن أجل الحق أينما كان.

مراجع صدر الإسلام الأول :

خلافا لما يظن البعض ، فقد اهتم أجدادنا بتدوين التاريخ ، وخاصة منذ صدر الإسلام الأول وعصر الخلفاء الأربعة. فهذا هو المؤرخ الكبير أبو مخنف (الكوفي)(١) يخصص كتابا لكل وقعة من المواقع الهامة في صدر الإسلام ، حتّى عدّوا له أكثر من ثلاثين مؤلفا ، منها : (فتوح الشام) ـ

(الرّدة) ـ (فتوح العراق) ـ (وقعة الجمل) ـ (وقعة صفين) ـ (وقعة النهروان) ـ

__________________

(١) أبو مخنف : بكسر الميم ، وخنف الرجل بأنفه يخنف : لوى أنفه من التيه والكبر.

٢٩

(الأزارقة) ـ (الخوارج والمهلب) ـ (مقتل الإمام عليّعليه‌السلام ) ـ (الشورى) ـ (مقتل عثمان) ـ (مصعب بن الزبير والعراق) ـ (ثورة المختار والأخذ بالثار).

وجاء في دائرة المعارف الإسلامية (المترجمة عن الانكليزية) أن أبا مخنف صنّف ٣٢ رسالة في التاريخ ، عن حوادث مختلفة وقعت إبّان القرن الأول للهجرة.

اندثار كتب المراجع القديمة :

وللأسف فإن كل هذه المراجع الثمينة لأبي مخنف قد اندثرت ولم يصل إلينا منها إلا القليل ، ولم يبق لنا منها إلا بعض ما رواه الآخرون في تواريخهم ، مثل الطبري الّذي جاء بعد نحو ١٥٠ عاما من أبي مخنف.

كتاب مقتل الحسينعليه‌السلام لأبي مخنف :

ومن أشهر كتب أبي مخنف «مقتل الحسينعليه‌السلام » الّذي نقل عنه أعظم العلماء المتقدمين واعتمدوا عليه. ولكن للأسف أنه فقد ، ولا توجد منه نسخة اليوم. وأما المقتل الّذي بأيدينا والمنسوب إليه ، فهو ليس له ، بل ولا لأحد من المؤرخين المعتمدين. ومن أراد تصديق ذلك فليقابل بين ما في هذا المقتل وما نقله الطبري وغيره.

يقول الشيخ محمّد السماوي في تقديمه لكتاب مقتل الحسينعليه‌السلام للخوارزمي (ج ١ صفحة ه) : فإن المقاتل القديمة المفصّلة ، كمقتل أبي مخنف ، لم يبق منها شيء إلا ما نقله الطبري والجزري وأمثالهما ، في ضمن كتبهم ، فأما أعيانها فلم يبق منها شيء ، لأن (مقتل أبي مخنف) لم يوجد منذ خمسة أو ستة قرون ، وكذلك أمثاله.

وقد أورد بروكلمان في كتابه (تاريخ الأدب العربي) ج ١ ص ٢٥٣ ، أن مخطوطة كتاب مقتل الحسينعليه‌السلام المنسوب لأبي مخنف موجودة في امبروزيانا ، وأنها طبعت في بومباي عام ١٣١١ ه‍.

ويقول العلامة المرحوم آغا بزرك الطهراني في (الذريعة) :

«مقتل الحسينعليه‌السلام لأبي مخنف ، طبع مع المجلد العاشر من البحار في بومباي عام ١٢٨٧ ه‍. ونسبته إليه مشهورة ، لكن الظاهر أن فيه بعض الموضوعات. وقد حقّقه شيخنا النوري في كتابه (اللؤلؤ والمرجان)».

٣٠

وقد أورد سليمان القندوزي في (ينابيع المودة) ج ٢ ص ١٥٨ ، مقتلا منسوبا إلى أبي مخنف ، وهو يشبه إلى حدّ ما المقتل المتداول ، ولكنه يختلف اختلافا بيّنا ، حتّى في الأشعار.

مقتل الحسين لأبي مخنف (المقتبس) من الطبري :

وبما أن أغلب روايات الطبري المتعلقة بمقتل الحسينعليه‌السلام هي من رواية أبي مخنف ، فقد قام أحد علمائنا الأفاضل وهو الحاج ميرزا حسن الغفاري بإنجاز مفيد ، فنخب روايات أبي مخنف التي وردت في تاريخ الطبري ، وجمعها في كتاب سمّاه «مقتل الحسين (المقتبس) من الطبري». وهو من منشورات المكتبة العامة لآية الله المرعشي النجفي ، طبع قم عام ١٣٩٨ ه‍ ، وفيه تعليقات هامة ومفيدة.

مقتل أبي مخنف الصغير والكبير :

ولدى مطالعة كتاب (أسرار الشهادة) للفاضل الدربندي ، تبيّن أنه ينقل عن كتابين باسم (مقتل الحسين لأبي مخنف) ، أحدهما صغير والآخر كبير ، والظاهر أن المتداول بأيدينا هو الصغير ، وقد قابلته مع المقتل المتداول فوجدت بينهما شبها كبيرا ، ولكنهما ليسا متطابقين.

مخطوطة نادرة لمقتل أبي مخنف (في مكتبة الأسد):

هذا وقد لفت نظري وجود مخطوطة لمقتل الحسينعليه‌السلام لأبي مخنف في مكتبة الأسد العامرة بدمشق ، برقم (عامّ ٤٣٠٣).

أولها : «هذا مصرع الحسينعليه‌السلام وما جرى له ولأهل بيته من قتلهم وسفك دمائهم وسبي حريمهم ..». وهذه المخطوطة مصرع كامل قديم لمؤلف مجهول وبدون تاريخ.

النسخة مخرومة الأول ، ومهترئة ، والكلام فيها على شاكلة القصص. ويدخل في مجرى القصة قوله : قال أبو مخنف يقصد لوط بن يحيى الأزدي. والمظنون أن هذه القصة منسوبة لأبي مخنف. وإذا صحّ أن جامعها نسبها إليه ، تبيّن الوضع فيها ، من أن لغتها غير لغة عصره ، ومن بعض أغلاط النحو فيها.

وزيد في آخرها فصل ليس في الكتاب الأصلي ، وهو (شرح زيارة أبي عبد اللهعليه‌السلام في يوم عاشوراء من قرب أو بعد).

٣١

وتقع المخطوطة في ٧١ ورقة ، أصابتها الرطوبة بما لم يؤثّر ، حجم ١٨ ١٤ سم ، ١٥ سطرا ، ٣ سم حاشية. خط تعليق ـ القرن التاسع ، بقايا جلد مطبوع.

الثقات الذين حفظوا لنا التاريخ :

كان محمّد بن جرير الطبري [توفي عام ٣١٠ ه‍] مسلما تقيّا ورعا ، ومن أشهر المؤرخين عند السنة. وكان يحترم أهل البيتعليهم‌السلام ويجلّهم باعتبارهم جزءا لا ينفصل عن الإسلام ، وامتدادا عقائديا لجدّهم النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم . ومن مظاهر هذا الإجلال أنه لم يكن يذكر أحدا من أهل البيت إلا وقرنه بكلمةعليه‌السلام ، وهي عبارة تسالم على ذكرها الشيعة دون السنة. إذن فالطبري مؤرّخ سنّي موثوق وغير متعصب.

أما أبو مخنف لوط بن يحيى [ت ١٥٧ ه‍] فقد كان مسلما تقيّا ملتزما ، وهو من أشهر المؤرخين عند الشيعة. ويدل على صدقه وتقواه أن رواياته كانت منقولة عن رجال موثوقين رأوا الحوادث بأمّ أعينهم ، وسمعوا الحوار بآذانهم ، وهو بعد ذلك يذكر الرواية كما هي بحرفيتها ، دون أن يدخل رأيه الشخصي ، حتّى لا يحرّفها عن منطوقها الأصلي. إذن فأبو مخنف مؤرّخ شيعي موثوق وغير متعصب.

وكان من التقاء هذين البحرين الكبيرين ، أكبر نعمة حصلنا عليها ، وهي حفظ الروايات التاريخية الإسلامية ، ومنها ما يختص بمعركة كربلاء والإمام الحسينعليه‌السلام . والذي يدل على وثاقة أبي مخنف من طرف غير مباشر ، اعتماد الطبري على رواياته بشكل مطلق ، حتّى أن تاريخ الطبري فيما يتعلق بكربلاء كأنه تاريخ لأبي مخنف. كل ذلك بفضل التقوى والموضوعية وعدم التعصب ، التي امتاز بها أغلب مؤرخينا من سنّة وشيعة ، لأن الكذب والغش مما لا يقرّه أي مذهب من المذاهب.

جناية التعصب المقيت :

هذا التواشج والتلاحم بين الفريقين في حفظ التاريخ وغيره من التراث الإسلامي ، وهو مما يفتخر به كل مسلم ، لم يرق لبعض العلماء والمؤرخين ، من الذين أعماهم التعصب ، فعملوا على التشكيك بكل المؤرخين ، ليتسنى لهم التشكيك بكل التراث. وقد دفعهم هذا التعصب إلى أن يوثّقوا في الرواية كلّ سنيّ ، حتّى ولو كان قاتل الحسين وحارق أستار الكعبة ، في مقابل أن يوهّنوا في رواية أي

٣٢

شخص شيعي مهما كان صادقا وورعا. وهم ينسون أن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لم يكن له مذهب ، وإنما كان مسلما فحسب. وكذا الخلفاء الأربعة الذين جاؤوا من بعده ، فقد كان مذهبهم الإسلام ليس إلا.

ومن هذا القبيل ما قرأت في أحد كتب التاريخ المعتبرة وقد فاتني اسمه ، أن الحصين بن نمير أو غيره ، لا يجوز لعنه ، والسبب في ذلك أنه ولد قبل وفاة النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بأسبوع ، فاحتراما للصحبة لا يجوز لعنه.

(أقول) : ما ذا بقي من أثر الصحبة لمثل هذا الرجل الّذي اشترك في قتل الحسينعليه‌السلام وضرب الكعبة بالمنجنيق بأمر من يزيد الفاجر ، لا بل ما ذا بقي فيه من الإسلام؟. وكيف نثق به على رواية يرويها ، ونحن لم نثق به على قتل الحسين وأهل البيتعليهم‌السلام وهدم الكعبة وحرقها؟!.

وكيف لا يأسف الإنسان أن يقع في مثل هذا التعصب المقيت حتّى أكابر العلماء ، أمثال ابن كثير [ت ٧٧٤ ه‍] صاحب التفسير الكبير والمؤلفات الشهيرة ، مثل (البداية والنهاية) وغيره. فهو بعد أن وصم الشيعة بأحاديث لم أعثر على ذكرها في أي كتاب من كتبهم ، فإنه حاول الإيقاع بين السنة والشيعة والتشكيك بمؤرخيهم ، حتّى بأبي مخنف.

يقول ابن كثير في (البداية والنهاية) ج ٨ ص ١٨٦ ، في أول حديثه عن مقتل الحسينعليه‌السلام : «صفة مقتلهعليه‌السلام مأخوذ من كلام أئمة هذا الشان ، لا كما يزعمه أهل التشيع من الكذب الصريح والبهتان».

ثم يقول في (البداية والنهاية) ج ٨ ص ٢١٣ ، بعد ذكر تسيير سبايا أهل البيتعليهم‌السلام إلى يزيد : «وهذا يردّ قول الرافضة ، أنهم حملوا على نجائب الإبل سبايا عرايا ، حتّى كذب من زعم منهم أن الإبل البخاتي ، إنما نبتت لها الأسنمة من ذلك اليوم ، لتستر عوراتهم من قبلهن ودبرهن». يقصد بالإبل البخاتي ذات السنامين.

ولا أدري ماذا عنى بالرافضة هنا ، هل الشيعة الإمامية أم غيرهم؟.

إلى أن يقول في (البداية والنهاية) ج ٨ ص ٢١٨ ، علما بأن كل الروايات التي أوردها ابن كثير هي مروية عن الطبري عن أبي مخنف ، يقول :

«وللشيعة والرافضة في صفة مصرع الحسينعليه‌السلام كذب كثير وأخبار باطلة ،

٣٣

وفيما ذكرنا كفاية ، وفي بعض ما أوردناه نظر. ولو لا أن ابن جرير الطبري وغيره من الحفّاظ والأئمة ذكروه ما سقته ، وأكثره من رواية أبي مخنف (لوط بن يحيى) وقد كان شيعيا ، وهو ضعيف الحديث عند الأئمة ، ولكنه إخباري حافظ ، وعنده من هذه الأشياء ما ليس عند غيره ، ولهذا يترامى عليه كثير من المصنفين في هذا الشأن ممن بعده. والله أعلم».

وظاهر تناقضه فيما ذكر ، فإذا كان أبو مخنف ضعيفا عند أئمة السنة ، فلما ذا روى عنه أغلب رواياته ، ولما ذا رووا هم عنه؟ ولما ذا لم يذكر أسباب ضعفه وعدم ثقته ، الله م إلا أن يكون سبب ذلك لكونه شيعيا ، لا سيما أنه ذكر أنه «كان شيعيا «قبل أن يصمه بالضعف ، مما يوحي بالعلاقة بينهما. ومن الغريب أن يكون ميزان الوثاقة عند ابن كثير وغيره مثل هذا الميزان ، علما بأن الشيعي هو بالتعريف كلّ من التزم بمنهج الإمام عليّعليه‌السلام لا يحيد عنه ، ذلك الإمام الّذي نشأ على الإسلام وتربّى على الإسلام وكان ديدنه الإسلام ، وكان صلبا في ذات الله ، لا تأخذه في الله لومة لائم.

٣٤

٢ ـ رواة الطبري وأبي مخنف

بحث قيّم للمؤرخ فلهوزن حول رواة الطبري وأبي مخنف :

كتب المؤرخ الألماني يوليوس فلهوزن عدة كتب حول صدر الإسلام ، منها كتاب (الخوارج والشيعة) وتطرق فيه إلى ذكر وقعة كربلاء ، ومنها كتاب (تاريخ الدولة العربية) وتطرق فيه إلى خلافة الإمام عليّعليه‌السلام وانشقاق معاوية وتأسيس الدولة الأموية. وموضوع هذا الكتاب لا علاقة له بموضوعنا ، إلا أن فلهوزن قد ذكر في مقدمته بحثا قيّما عن الطبري ، وعن الرواة الذين اعتمد عليهم ، نثبته فيما يلي :

الطبري يحفظ لنا تراث أبي مخنف :

قال فلهوزن في (تاريخ الدولة العربية) صفحة (ق) :

إن الروايات القديمة المتعلقة بعصر بني أمية توجد حتّى اليوم على أوثق ما تكون عليه عند الطبري ، لأنها لم تختلط ولم تتناولها يد التوفيق والتنسيق.

والطبري حفظ لنا خصوصا قطعا كبيرة جدا من روايات أبي مخنف ، الراوية المحقق ، فحفظ لنا بذلك أقدم وأحسن ما كتبه ناثر عربي نعرفه.

من هو أبو مخنف؟ : (حوالي ٥٧ ـ ١٥٧ ه‍)

وكان أبو مخنف لوط بن يحيى بن سعيد بن مخنف ، من (أزد) الكوفة. ويدل نسبه الطويل على أنه كان من حيث نسب أبيه ، من أصل نابه. والأغلب أن مخنف بن سليم ـ رئيس الأزد في موقعة صفين ـ كان جدّه.

ونحن لا نعلم متى ولد أبو مخنف ، ولكنه لما قامت ثورة ابن الأشعث في سنة ٨٢ ه‍ كان في سن الرجال(١) .

__________________

(١) يمكن أن نعتبر إعتمادا على كلام فلهوزن هذا ، أن يكون عمر أبي مخنف في هذا التاريخ ٢٥ عاما ، فتكون ولادته سنة ٥٧ ه‍ ، أي قبل وقعة كربلاء بثلاث سنوات. وبناء على هذا الاعتبار يكون عمره نحو مئة عام. وقد ذكر فلهوزن بعد قليل ما يوحي بأن أبا مخنف كان مولودا عندما حدثت موقعة صفين ، وهذا غير صحيح لأن هذه الموقعة حدثت سنة ٣٧ ه‍ ، أي قبل أن يولد بعشرين سنة.

٣٥

وكان أبو مخنف صديقا لمحمد بن السائب الكلبي. ويرجع لهشام الكلبي المؤرخ المشهور [ت ٢٠٦ ه‍] ـ وهو ابن محمّد بن السائب ـ الفضل الأكبر في حفظ كتب أبي مخنف وروايتها وتوريثها للأجيال. والطبري في العادة يذكر روايات أبي مخنف بحسب رواية ابن الكلبي لها. وقد عاش أبو مخنف حتّى شهد سقوط خلافة بني أمية في دمشق. وآخر الروايات المأثورة عنه تتعلق بحوادث سنة ١٣٢ ه‍.

على أن أبا مخنف يذكر في بعض الأحيان رواة آخرين أقدم منه أو معاصرين له ويعتمد على رواياتهم ، مثل عامر الشعبي وأبي المخارق الراسبي ومجالد بن سعيد ومحمد بن السائب الكلبي. أما في الأغلب فإنه لم يأخذ ما رواه عن أقرانه من الرواة المتقدمين ، بل هو جمع رواياته من سماعه لها بنفسه ، ومن السؤال عنها في مختلف مظانّها ، وعند كل من استقاها من مصادرها أو حضرها بنفسه من الناس.وعلى هذا فإن سلسلة الرواة الذين يذكرهم هي دائما قصيرة جدا.

وكل الروايات تذكر في صورة حديث بين الأشخاص الذين كانت تدور حولهم الحوادث ، وكل الروايات وصف لمسرح هذه الحوادث.

(وقد أثبتّ بعد هذا البحث القيّم استقصاء للرواة الذين اعتمد عليهم أبو مخنف والطبري ، لما لذلك من قيمة تاريخية وتوثيقية).

ميزة أبي مخنف أنه يروي أخبارا متنوعة في الموضوع الواحد :

وتابع فلهوزن حديثه قائلا : وأعظم ما صنع أبو مخنف من حيث تقدير قيمة الروايات ، هو أنه جمع طائفة كبيرة من روايات متنوعة ومن أخبار عن الشيء الواحد مختلفة في مصادرها ، بحيث يستطيع الإنسان أن يوازن بينها ويعرف الصحيح المؤكد منها من غيره. وأبو مخنف قد توصّل بذلك إلى أن صارت الأشياء الثانوية تتوارى ، لأنها لا تظهر إلا مرة واحدة ، كما صارت الأشياء الأساسية لا تزال تزداد بروزا ، لأنها تتكرر في جميع الروايات.

أبو مخنف لم يراع الترتيب الزمني للحوادث :

ومع ذلك فإن أبا مخنف لا يتناول برواياته فترة كبيرة من الزمان ، وهو لا يربط بين أجزائها ربطا يراعي الوقائع كما هي ، ويراعي ترتيبها التاريخي ، ويعوزه ترتيب الحوادث ترتيبا مطّردا ، فهو لا يذكر إلا تواريخ متفرقة.

٣٦

ميزة أخرى لأبي مخنف ورواياته :

ومما يتميز به أبو مخنف أن رواياته تبدأ بعصر الفتوحات ، وأنه يخبرنا في الأغلب عن فترة كان هو نفسه يعيش فيها ، وهي تبدأ بوقعة صفين ، ويرجع ذلك إلى أن اهتمامه اقتصر على المكان الّذي كان يعيش هو فيه ، أعني على العراق وعاصمته الكوفة. والموضوعات التي يتناولها بشغف خاص هي ثورات الخوارج والشيعة ، التي كان على رأسها (مثل) حجر بن عدي والحسين بن عليّعليه‌السلام وسليمان بن صرد والمختار الثقفي

أبو مخنف كان موضوعيا رغم أن ميله شيعي :

فأبو مخنف يمثّل الروايات العراقية ، وهواه في جانب أهل العراق على أهل الشام ، وفي جانب عليّعليه‌السلام على بني أمية. ومع ذلك فإن الإنسان لا يلاحظ عند أبي مخنف شيئا من الأغراض يستحق الذكر.

المؤرخون الذين جاؤوا بعده :

وعند الحديث عن الدولة الأموية وأحزاب المعارضة ، لا يقدّم أبو مخنف المادة الغزيرة ، لذلك فإن أصدق مرجع لها هو الروايات المدنية (نسبة إلى المدينة المنوّرة) ، فهي أهم الروايات القديمة ، وهي من حيث أصولها أقدم من الروايات الكوفية. غير أن أصحابها الذين وصلت إلينا عنهم روايات كافية ، أحدث عهدا من أبي مخنف. وأهم حملة هذه الروايات المدنية هم خصوصا : ابن اسحق ، وأبو معشر ، والواقدي [ت ٢٠٧ ه‍]. وهم لم يكونوا يجمعون مادة الروايات من مصادرها الأصلية ، كما فعل الرواة قبلهم ، بل إنما وصلت إليهم الروايات من حفظ رواية العلماء لها. وهؤلاء نظروا فيها ونخلوها ، وكتبوها من جديد ومزجوا بينها ، ولكنهم خصوصا ربطوا بينها ربطا أوسع وأدقّ مما كان قبلهم. وهم في الوقت نفسه رتّبوها ترتيبا زمنيا مطّردا ، بحيث خرج على أيديهم من الروايات المفككة لأخبار الأحداث الكبرى المتفرقة ، تاريخ متصل.

ويمكن أن يعتبر ابن اسحق مؤسس هذا التاريخ ، وهو يتميز ـ هو ومن جاء بعده ـ بكتابة التاريخ في صورة ذكر الأحداث التي وقعت في كل عام ، وهي الصورة التي أصبحت متّبعة.

٣٧

هذا ولم يكن في المدينة ميل لبني أمية ولا لأهل الشام ، فلا يستطيع الإنسان أن ينتظر منهم أكثر من الحكاية الموضوعية.

روايات أهل الشام ضاعت :

ولا شك أنه قد كان هناك عند أهل الشام أيضا ، مأثور من الروايات ، ولكن هذا المأثور ضاع ولم يصل إلينا. ويجد الإنسان آثارا له عند البلاذري [ت ٢٧٩ ه‍] وربما وجدها أيضا عند عوانة الكلبي [ت ١٤٧ ه‍]. ويذكر الطبري في كثير من الأحيان عند روايته لأخبار الشام : وذلك بحسب رواية ابن الكلبي عادة.

أما المدائني [ت ٢٢٥ ه‍] فهو يتبوّأ ما يشبه أن يكون مكانا وسطا بين أبي مخنف وبين مؤرخي المدينة. فهو مؤرخ عالم ، لكنه يسهب في الرواية ، وله اهتمام إقليمي ظاهر فيما يتعلق بالبصرة وخراسان. وتكاد كل الروايات المتعلقة بهما تكون مأخوذة عنه. هذا إلى أنه يمثل وجهة النظر العباسية تماما ، وهو يروي سقوط بني أمية وقيام الأسرة (المباركة) ، رواية تتمشى مع ذلك.

وإنني أكتفي بهذا القدر من الكلام في بيان ما يختص به هؤلاء الرواة الكبار عند الطبري.

(انتهى ما أورده فلهوزن حتّى الصفحة ذ)

الرواة الذين اعتمد عليهم الطبري في رواياته عن مقتل الحسينعليه‌السلام :

إن (محمد بن جرير الطبري) من المؤرخين المتقدمين كما اسلفنا ، إذ كانت مدة حياته بين ٢٢٤ ـ ٣١٠ ه‍ (الموافق ٨٣٩ ـ ٩٢٣ م). ومن الملاحظ أن كل رواياته التي وردت في تاريخه ، والمتعلقة بمقتل الحسينعليه‌السلام كانت منقولة عن ابي مخنف ، الذي توفي سنة ١٥٧ ه‍. وهي منقولة مباشرة عن أبي مخنف باستثناء روايتين رواهما عن (هشام بن محمد الكلبي عن أبي مخنف).

وقد استقصيت كل هذه الروايات وجمعت أسانيدها ، لما لها من الأهمية التاريخية البالغة ، أوردها فيما يلي(١) :

__________________

(١) تاريخ الطبري ـ الجزء السادس ـ نهاية سنة ٦٠ ه‍.

٣٨

(قال هشام بن محمد) حدثني أبو مخنف عن يحيى بن هانئ بن عروة.

(قال هشام بن محمد) حدثني أبو مخنف عن النضر بن صالح بن حبيب بن زهير العبسي عن حسان بن فائد بن بكر العبسي.

(قال أبو مخنف) : حدثني النضر بن صالح بن زهير العبسي.

(قال أبو مخنف) : حدثني الحجاج بن علي عن محمد بن بشير الهمداني.

(قال أبو مخنف) : حدثني يوسف بن يزيد عن عفيف بن زهير بن أبي الأخنس.

(قال أبو مخنف) : حدثني يوسف بن يزيد عن عبد الله بن حازم.

(قال أبو مخنف) : حدثني سليمان بن أبي راشد عن عبد الله بن حازم الكبري.

(قال أبو مخنف) : حدثني سليمان بن أبي راشد عن حميد بن مسلم الأزدي.

(قال أبو مخنف) : حدثني الصقعب بن زهير عن حميد بن مسلم.

(قال أبو مخنف) : حدثني يونس بن أبي إسحاق السبيعي عن عباس الجدلي.

(قال أبو مخنف) : حدثني المجالد بن سعيد الهمداني عن عامر الشعبي.

(قال أبو مخنف) : حدثني قدامة بن سعيد بن زائدة بن قدامة الثقفي.

(قال أبو مخنف) : حدثني جعفر بن حذيفة الطائي.

(قال أبو مخنف) : حدثني سعيد بن مدرك بن عمارة.

(قال أبو مخنف) : حدثني عبد الرحمن بن جندب عن عقبة بن سمعان.

(قال أبو مخنف) : حدثني الحارث بن كعب الوالبي عن عقبة بن سمعان.

(قال أبو مخنف) : حدثني حدثتني دلهم بنت عمرو زوجة زهير بن القين.

(قال أبو مخنف) : حدثني أبو جناب يحيى بن أبي حية الكلبي عن عدى بن حرملة ابن كاهل الأسدي.

(قال أبو مخنف) : حدثني الحارث بن كعب الوالبي عن زين العابدينعليه‌السلام .

(قال أبو مخنف) : حدثني أبو جناب عن هانئ بن ثبيت الحضرمي.

(قال أبو مخنف) : حدثني أبو سعيد عقيصي عن بعض أصحابه.

(قال أبو مخنف) : حدثني هشام بن الوليد عمن شهد ذلك.

(قال أبو مخنف) : حدثني السدي عن رجل من بني فزارة.

٣٩

(قال أبو مخنف) : حدثني الصقعب بن زهير عن عوف بن أبي جحيفة.

(قال أبو مخنف) : حدثني عمر بن خالد عن زيد بن علي بن الحسينعليه‌السلام عن داود بن علي بن عبد الله بن عباس.

(قال أبو مخنف) : حدثني حدثني أبو علي الأنصاري عن بكر بن مصعب المزني.

(قال أبو مخنف) : حدثني لوذان أحد بني عكرمة عن أحد بني عمومته.

(قال أبو مخنف) : حدثني عقبة بن أبي العيزار.

(قال أبو مخنف) : حدثني الحارث بن حصيرة عن عبد الله بن شريك العامري.

(قال أبو مخنف) : حدثني عبد الله بن عاصم الفائشي عن الضحاك بن عبد الله المشرقي.

(قال أبو مخنف) : حدثني فضيل بن خديج الكندي من محمد بن بشر عن عمرو الحضرمي.

(قال أبو مخنف) : حدثني عمرو بن مرة الجملي عن أبي صالح الحنفي عن غلام لعبد الرحمن الأنصاري.

(قال أبو مخنف) : حدثني علي بن حنظلة بن أسعد الشامي عن رجل من قومه.

(قال أبو مخنف) : حدثني حسين أبو جعفر. (قال) حدثني محمد بن قيس.

(قال أبو مخنف) : حدثني سويد بن حية. (قال) حدثني ثابت بن هبيرة.

(قال أبو مخنف) : حدثني جعفر بن محمد بن عليعليه‌السلام .

(قال أبو مخنف) : حدثني عطاء بن السائب عن عبد الجبار بن وائل الحضرمي عن أخيه مسروق بن وائل.

(قال أبو مخنف) : حدثني الحسين بن عقبة المرادي.

(قال أبو مخنف) : حدثني نمر بن وعلة عن أيوب بن مشرح الخيواني.

(قال أبو مخنف) : حدثني زهير بن عبد الرحمن بن زهير الخثعمي.

(قال أبو مخنف) : حدثني الحجاج بن عبد الله بن عمار بن عبد يغوث البارقي.

(قال أبو مخنف) : حدثني جميل بن مرثد من بني معن عن الطرماح بن عدي.

٤٠

والحاصل أنّ الأمر لا ينفكّ عن الإرادة بمعنى أنّه لا يجوز أن يأمر ولا يريد. والآية لم تدلّ على الجواز بهذا المعنى، كما قرّرنا. بل التّحقيق أنّ أمره كاشف عن إرادته. وأمّا أنّ مراده هل ينفكّ عن إرادته أم لا؟ فشيء آخر يستحقّ في موضعه.

وعلى المعتزلة والكراميّة: أنّه يحتمل أن يكون التّعليق باعتبار التّعلّق، أو كان المعنى لو كان شاء الله هدايتنا الآن، لنهتدي. والحقّ أنّ الأمر لا ينفك عن الإرادة، بالمعنى الّذي حقّقته. وأنّ الإرادة حاثّة من صفات الفعل. وسنحقّق ذلك في موضع آخر ـ ان شاء الله.

( قالَ: إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّها بَقَرَةٌ لا ذَلُولٌ تُثِيرُ الْأَرْضَ وَلا تَسْقِي الْحَرْثَ ) ، أي: لم تذلّل للكراب وسقي الحرث.

و «لا ذلول» صفة البقرة، بمعنى غير ذلول.

و «لا» الثّانية. مزيدة(١) لتأكيد الأولى.

والفعلان، صفتا «ذلول»، كأنّه قيل: لا ذلول مثيرة وساقية.

وقرئ لا ذلول (بالفتح)، أي: هناك، أي: حيث هي: كقولك: مررت برجل لا بخيل ولا جبان، أي: هناك، أي: حيث هو.

و «تسقي» من السّقي.

( مُسَلَّمَةٌ ) :

سلّمها الله من العيوب، أو أهلها من العمل، أو خلص لونها من سلم له كذا إذا خلص له، أي: لم يشب صفرتها شيء من الألوان.

( لا شِيَةَ فِيها ) : لا لون فيها يخالف لون جلدها. فهي صفراء كلّها. حتّى قرنها وظلفها.

وهي في الأصل، مصدر وشاه وشيا وشية، إذا خلط بلونه لون آخر.

( قالُوا الْآنَ جِئْتَ بِالْحَقِ ) ، أي: الحقّ البيّن الّذي لا يشتبه علينا.

وقرئ الآن (بالمدّ) على الاستفهام، ولآن (بحذف الهمزة وإلقاء حركتها على اللّام.)(٢) ( فَذَبَحُوها ) :

__________________

(١) أ: تزايدة.

(٢) أنوار التنزيل ١ / ٦٣.

٤١

فيه اختصار. والتّقدير: فحصلوا البقرة المنعوتة، فذبحوها.

( وَما كادُوا يَفْعَلُونَ ) (٧١) لتطويلهم في السّؤال وكثرة مراجعاتهم.

وروي(١) أنّهم كانوا يطلبون البقرة الموصوفة، أربعين سنة

، أو لخوف الفضيحة في ظهور القاتل، أو لغلاء ثمنها إذ روي أنّه كان في بني إسرائيل شيخ صالح، له عجلة. فأتى بها الغيضة. وقال: أللّهمّ إنّي أستودعكها لابني حتّى تكبر. وكان برّا بوالديه. فثبت. وكانت من أحسن البقرة وأسمنها. ووحيدة بتلك الصّفات. فساوموها اليتيم وأمّه حتّى اشتروها بملء مسكها ذهبا. وكانت البقرة إذ ذاك بثلاثة دنانير.

وفي رواية العيّاشيّ:(٢) أنّه قال الرّضا ـ عليه السّلام: قال لرسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ بعض أصحابه: إنّ هذه البقرة ما شأنها؟

فقال: إنّ فتى من بني إسرائيل كان بارّا بأبيه. وإنّه اشترى سلعة، فجاء إلى أبيه. فوجده نائما والإقليد تحت رأسه. فكره أن يوقظه. فترك ذلك. واستيقظ أبوه.

فأخبره. فقال له: أحسنت! خذ هذه البقرة. فهي لك عوض لما فاتك.

قال: فقال رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله: انظروا إلى البرّ ما بلغ بأهله.

وروي أنّ ذلك الشّابّ من بني إسرائيل، قد رأى محمّدا وعليّا في منامه وأحبّهما.

وقالا له: لأنّك تحبّنا نجزيك ببعض جزائك في الدّنيا. فإذا جاءك بنو إسرائيل يريدون شراء البقرة منك، فلا تبعها إلّا برضى من أمّك.

فلّمّا أرادوا شراءها، كلّما زادوا في ثمنها، لم ترض أمّه، حتّى شرطوا على أن يملئوا ثور(٣) بقرة عظيمة في ثمنها، فرضيت.

والحديث طويل. أخذت منه موضع الحاجة. والحديث بتمامه مذكور في شرح الآيات الباهرة، منقولا عن التّفسير المنسوب إلى الحسن العسكريّ ـ عليه السّلام.(٤) وقد ذكرته بتمامه في تفسيرنا الموسوم بالتّبيان. وعلى الله التّكلان.

و «كاد» من أفعال المقاربة. وضع لدنوّ الخبر، حصولا فإذا دخل عليه النّفي، قيل معناه الإثبات، مطلقا. وقيل ماضيا. والحقّ أنّه كسائر الأفعال. ولا ينافي قوله تعالى

__________________

(١) الكشاف ١ / ١٥٣.

(٢) تفسير العياشي ١ / ٤٦، ح ٥٧، بتفاوت+ مجمع البيان ١ / ١٣٦.

(٣) الظاهر: مسك.

(٤) تفسير العسكري / ١٣١.

٤٢

( وَما كادُوا يَفْعَلُونَ ) ، قوله( فَذَبَحُوها ) لاختلاف وقتيهما، إذ المعنى أنّهم ما قاربوا أن يفعلوا حتّى انتهت سؤالاتهم. وانقطعت تعلّلاتهم. ففعلوا كالمضطرّ الملجأ إلى الفعل.(١) ( وَإِذْ قَتَلْتُمْ نَفْساً ) :خاطب الجمع، لوجود القتل فيهم.

( فَادَّارَأْتُمْ فِيها ) : اختصمتم في شأنها، إذ الخصمان يدفع بعضهم بعضا.

وأصل الدّرء: الدّفع. ومنه الحديث ادرؤوا الحدود بالشّبهات، وقول رؤبة.

أدركتها قدّام كلّ مدرة

بالدّفع عنّي درء كلّ غنجة(٢)

فعلى هذا يحتمل أن يكون المعنى تدافعتم بأن طرح قتلها كلّ عن نفسه إلى صاحبه.

وقيل(٣) : الدّرء: العوج. ومنه قول الشّاعر :

فنكّب عنهم درء الأعادي

وداووا بالجنون من الجنون

وأصله: تدارأتم. فأدغمت التّاء في الدّال. واجتلبت لها همزة الوصل.

( وَاللهُ مُخْرِجٌ ما كُنْتُمْ تَكْتُمُونَ ) (٧٢) :

مظهره وأعمل مخرج، لأنّه حكاية مستقبل، كما أعمل باسط ذراعيه. لأنّه حكاية حال ماضية.

( فَقُلْنا اضْرِبُوهُ ) :

عطف على «ادّارأتم» وما بينهما اعتراض.

والضّمير للنّفس. وتذكيره على تأويل الشّخص، أو القتيل.

( بِبَعْضِها ) ، أي: بعض كان.(٤) [وقيل(٥) : بأصغريها.

وقيل(٦) : بلسانها.

__________________

(١) أنوار التنزيل ١ / ٦٣.

(٢) هو الظاهر. وفي الأصل ور: غنيجة. وفي أ: عيجة. وفي المصدر (مجمع البيان ١ / ١٣٧): عنجه.

(٣) نفس المصدر ونفس الموضع.

(٤) يوجد في أبعد هذه العبارة: وفيه أقول أخذ مستندها غير معلوم.

(٥ و ٦) أنوار التنزيل ١ / ٦٣.

٤٣

وقيل(١) : بفخذها اليمنى.

وقيل(٢) : بالاذن.

وقيل(٣) : بالعجب. وهو اصل الذنب وفي الأحاديث الآتية: أنّ الضرب بذنبها].(٤) نقل(٥) أنّه لما ضرب ببعضها قام حيا وأوداجه تشخب دما. قال: قتلني فلان ابن عمّي. ثم قبض.

[وفيما يأتي من الخبر، أنّه عاش بعد ذلك سبعين سنة].(٦) ( كَذلِكَ يُحْيِ اللهُ الْمَوْتى ) : يدلّ على ما حذف، أي: فضربوه، فحيى.

والخطاب مع من حضر حياة القتيل، أو نزول الآية.

( وَيُرِيكُمْ آياتِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ ) (٧٣): لكي بكمل عقلكم وتعلموا أنّ من قدر على إحياء نفس، قدر على إحياء الأنفس.

وفي الآية مع ما ذكر في بيانه من الأحاديث الدّلالة على انّ التّموّل والغنى من عند الله، ينبغي أن يطلب منه، لا بمخالفة أمره، كما ناله الفتى من بني إسرائيل ولم ينله القاتل ابن عمّه.

[وفي عيون الأخبار(٧) : حدّثني(٨) أبي ـ رضي الله عنه. قال: حدّثني(٩) عليّ بن موسى بن جعفر بن أبي جعفر الكميدانيّ ومحمّد بن يحيى العطّار، عن أحمد بن محمّد بن عيسى، عن أحمد بن محمّد بن أبي نصر البزنطيّ. قال: سمعت أبا الحسن الرّضا ـ عليه السّلام ـ يقول: إنّ رجلا من بني إسرائيل قتل قرابة له. ثمّ أخذه فطرحه(١٠) على طريق أفضل سبط من أسباط بني إسرائيل. ثمّ جاء يطلب بدمه.

فقالوا لموسى ـ عليه السّلام: إنّ سبط آل فلان قتلوا فلانا. فأخبرنا من قتله؟

قال: ائتوني ببقرة.

( قالُوا: أَتَتَّخِذُنا هُزُواً ) ؟

( قالَ: أَعُوذُ بِاللهِ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْجاهِلِينَ ) .

__________________

(١ و ٢ و ٣) أنوار التنزيل ١ / ٦٣.

(٤) ما بين المعقوفتين ليس في أ.

(٥) الكشاف ١ / ١٥٣+ مجمع البيان ١ / ١٣٧.

(٦) ما بين المعقوفتين ليس في أ.

(٧) عيون الأخبار ٢ / ١٣ ـ ١٤، ح ٣١.

(٨ و ٩) المصدر: حدّثنا.

(١٠) المصدر: وطرحه.

٤٤

ولو أنّهم عمدوا إلى أيّ بقرة، أجزأتهم. ولكن شدّدوا، فشدّد الله عليهم.

( قالُوا: ادْعُ لَنا رَبَّكَ يُبَيِّنْ لَنا ما هِيَ ) ؟

( قالَ: إِنَّهُ يَقُولُ: إِنَّها بَقَرَةٌ لا فارِضٌ وَلا بِكْرٌ ) ، يعني: لا صغيرة ولا كبيرة،( عَوانٌ بَيْنَ ذلِكَ ) ».

ولو أنّهم عمدوا إلى أيّ بقرة، أجزأتهم. ولكن شدّدوا، فشدّد الله عليهم.

( قالُوا: ادْعُ لَنا رَبَّكَ يُبَيِّنْ لَنا ما لَوْنُها ) ؟

( قالَ: إِنَّهُ يَقُولُ: إِنَّها بَقَرَةٌ صَفْراءُ فاقِعٌ لَوْنُها تَسُرُّ النَّاظِرِينَ ) .

ولو أنّهم عمدوا إلى أيّ بقرة، لأجزأتهم. ولكن شدّدوا، فشدّد الله عليهم.

( قالُوا: ادْعُ لَنا رَبَّكَ يُبَيِّنْ لَنا ما هِيَ؟ إِنَّ الْبَقَرَ تَشابَهَ عَلَيْنا. وَإِنَّا إِنْ شاءَ اللهُ لَمُهْتَدُونَ ) .

( قالَ: إِنَّهُ يَقُولُ: إِنَّها بَقَرَةٌ لا ذَلُولٌ تُثِيرُ الْأَرْضَ وَلا تَسْقِي الْحَرْثَ، مُسَلَّمَةٌ لا شِيَةَ فِيها. قالُوا: الْآنَ جِئْتَ بِالْحَقِّ ) .

فطلبوها فوجدوها عند فتى من بني إسرائيل.

فقال: لا أبيعها إلّا بملء مسكها ذهبا.

فجاءوا إلى موسى ـ عليه السّلام. فقالوا له ذلك. فقال: اشتروها. فاشتروها.

وجاؤوا بها. فأمر بذبحها. ثمّ أمروا بأن يضربوا(١) الميّت، بذنبها. فلمّا فعلوا ذلك، حيي المقتول. وقال: يا رسول الله! إنّ ابن عمّي قتلني دون من يدّعي عليه قتلي. فعلموا بذلك قاتله.

فقال: رسول(٢) الله، موسى [بن عمران](٣) ـ عليه السّلام ـ لبعض(٤) أصحابه: إنّ هذه البقرة لهابنا.

فقال: وما هو؟

فقال: إنّ فتى من بني إسرائيل كان بارّا بأبيه و [إنّه](٥) اشترى تبيعا(٦) . فجاء إلى أبيه. والأقاليد(٧) تحت رأسه. فكره أن يوقظه. فترك ذلك البيع. فاستيقظ أبوه. فأخبره.

__________________

(١) المصدر: أن يضرب.

(٢) كذا في المصدر. وفي الأصل ور: لرسول.

(٣) يوجد في المصدر.

(٤) كذا في المصدر. وفي الأصل ور: بعض.

(٥) يوجد في المصدر.

(٦) كذا في المصدر. وفي الأصل ور: بيعا.

(٧) المصدر: ورأى أنّ المقاليد.

٤٥

فقال له: أحسنت! خذ هذه البقرة. فهي لك عوضا لما فاتك.

قال: فقال له رسول الله، موسى [بن عمران](١) ـ عليه السّلام. انظروا إلى البرّ، ما يبلغ(٢) بأهله.

وفي كتاب الخصال، مثله سواء.(٣)

وفي تفسير عليّ بن إبراهيم(٤) : حدّثني أبي، عن ابن أبي عمير، عن بعض رجاله(٥) ، عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام. قال: إنّ رجلا من خيار بني إسرائيل وعلمائهم، خطب امرأة منهم. فأنعمت له. وخطبها ابن عمّ لذلك الرّجل. وكان فاسقا رديئا. فلم ينعموا له.

فحسد ابن عمّه الّذي أنعموا له. فقعد له. فقتله غيلة. ثمّ حمله إلى موسى ـ عليه السّلام.

فقال: يا نبيّ الله! هذا ابن عمّى. قد قتل.

فقال موسى: من قتله؟

قال: لا أدري.

وكان القتل في بني إسرائيل، عظيما جدّا. فعظم ذلك على موسى. فاجتمع إليه بنوا إسرائيل.

فقالوا: ما ترى؟ يا نبيّ الله! وكان في بني إسرائيل رجل له بقرة. وكان له ابن بارّ. وكان عند ابنه، سلعة.

فجاء قوم يطلبون سلعته. وكان مفتاح بيته تحت رأس أبيه. وكان نائما وكره ابنه أن ينبّهه وينغّص عليه نومه. فانصرف القوم: فلم يشتروا سلعته.

فلمّا انتبه أبوه قال له: يا بنيّ! ما صنعت في سلعتك؟

قال: هي قائمة. لم أبعها. لأنّ المفتاح كان تحت رأسك، فكرهت أن أنبّهك وأنغّص عليك نومك.

قال له أبوه: قد جعلت هذه البقرة لك عوضا عمّا فاتك من ربح سلعتك.

وشكر الله لابنه ما فعل بأبيه. وأمر بني إسرائيل أن يذبحوا تلك البقرة بعينها.

__________________

(١) يوجد في المصدر.

(٢) المصدر: بلغ.

(٣) بل في تفسير العياشي ١ / ٤٦، ح ٥٧، وكذلك عنه في البحار ١٣ / ٢٦٣، بعد نقله الحديث عن عيون الأخبار. والظاهر أنّ هذا سهو من صاحب تفسير نور الثقلين، كما يبدو من ملاحظة تفسيره ١ / ٨٨ (!)

(٤) تفسير القمي ١ / ٤٩ ـ ٥٠.

(٥) المصدر: رجالهم.

٤٦

فلمّا اجتمعوا إلى موسى وبكوا وضجّوا قال لهم موسى:( إِنَّ اللهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تَذْبَحُوا بَقَرَةً ) .» فتعجّبوا. و( قالُوا أَتَتَّخِذُنا هُزُواً ) ؟» إنا نأتيك بقتيل. فتقول اذبحوا بقرة! فقال لهم موسى:( أَعُوذُ بِاللهِ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْجاهِلِينَ ) .

فعلموا أنّهم قد أخطأوا. فقالوا:( ادْعُ لَنا رَبَّكَ يُبَيِّنْ لَنا، ما هِيَ ) ؟»( قالَ إِنَّهُ يَقُولُ: إِنَّها بَقَرَةٌ لا فارِضٌ وَلا بِكْرٌ ) (الفارض الّتي قد ضربها الفحل. ولم تحمل. والبكر الّتي لم يضربها.)( قالُوا: ادْعُ لَنا رَبَّكَ يُبَيِّنْ لَنا ما لَوْنُها ) ؟

( قالَ إِنَّهُ يَقُولُ: إِنَّها بَقَرَةٌ صَفْراءُ فاقِعٌ لَوْنُها ) ، أي: لونها شديد الصّفرة(١) ،( تَسُرُّ النَّاظِرِينَ ) إليها.

( قالُوا: ادْعُ لَنا رَبَّكَ يُبَيِّنْ لَنا ما هِيَ؟ إِنَّ الْبَقَرَ تَشابَهَ عَلَيْنا. وَإِنَّا إِنْ شاءَ اللهُ لَمُهْتَدُونَ. قالَ: إِنَّهُ يَقُولُ: إِنَّها بَقَرَةٌ لا ذَلُولٌ تُثِيرُ الْأَرْضَ ) ، أي، لم تذلّل( وَلا تَسْقِي الْحَرْثَ ) ، أي: لا تسقي الزّرع.( مُسَلَّمَةٌ لا شِيَةَ فِيها ) ، أي، لا نقط فيها إلّا الصّفرة.

( قالُوا: الْآنَ جِئْتَ بِالْحَقِ ) (٢) هي بقرة فلان. فذهبوا يشتروها.

فقال: لا أبيعها إلّا بملء جلدها ذهبا.

فرجعوا إلى موسى. فأخبروه.

فقال لهم موسى: لا بدّ لكم من ذبحها بعينها. فاشتروها(٣) بملء جلدها ذهبا، فذبحوها.

ثمّ قالوا: ما تأمرنا؟ يا نبيّ الله! فأوحى الله ـ تبارك وتعالى ـ إليه: قل لهم: اضربوه ببعضها. وقولوا من قتلك.

فأخذوا الذّنب، فضربوه به. وقالوا: من قتلك؟ يا فلان! فقال: فلان بن فلان. (ابن عمّه(٤) الّذي جاء به.) وهو قوله:( فَقُلْنا اضْرِبُوهُ بِبَعْضِها. كَذلِكَ يُحْيِ اللهُ الْمَوْتى. وَيُرِيكُمْ آياتِهِ

__________________

(١) المصدر: شديدة الصفرة.

(٢) يوجد في المصدر بعدها: فذبحوها. وما كادوا يفعلون.

(٣) ليس في المصدر.

(٤) المصدر: ابن عمى.

٤٧

لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ ) .

وفي شرح الآيات الباهرة(١) : قال الإمام ـ عليه السّلام: فألزم موسى ـ عليه السّلام ـ أهل القبيلة(٢) بأمر الله، أن يخلف خمسون رجلا من أماثلهم بالله القويّ الشّديد، إله بني إسرائيل مفضّل محمّد وآله الطّيّبين على البرايا أجمعين، إنّا ما قتلنا.

ولا علمنا له قاتلا. ثمّ بعد ذلك أجمع(٣) بنو إسرائيل(٤) على أنّ موسى ـ عليه السّلام ـ يسأل الله ـ عزّ وجلّ ـ أن يحييّ المقتول، ليسألوه من قتله. واقترحوا عليه ذلك.

قال الإمام ـ عليه السّلام: فأوحى الله ـ عزّ وجلّ ـ إليه: يا موسى! أجبهم إلى ما اقترحوه. وسلني أن أبيّن لهم القاتل، ليقتل ويسلم غيره من التّهمة والغرامة. فإنّي أريد إجابتهم إلى ما اقترحوه، توسعة الرّزق(٥) على رجل من خيار أمّتك دينه الصّلاة على محمّد وآله الطّيّبين والتّفضيل لمحمّد وعليّ بعده على سائر البرايا، أن أغنيه في الدّنيا ليكون ذلك بعض ثوابه عن تعظيمه لمحمّد وآله.

فقال موسى ـ عليه السّلام: يا ربّ! بيّن لنا قاتله.

فأوحى الله تعالى إليه: قل لبني إسرائيل: إنّ الله يبيّن لكم ذلك بأن أمركم أن تذبحوا بقرة، فتضربوا ببعضها المقتول، فيحيى. أفتسلمون(٦) لربّ العالمين ذلك؟

ثمّ قال الإمام ـ عليه السّلام: فلمّا استقرّ الأمر، طلبوا هذه البقرة. فلم يجدوها، إلّا عند شابّ من بني إسرائيل، أراه الله تعالى في منامه محمّدا وعليّا، فقالا: إنّك كنت لنا محبّا ومفضّلا. ونحن نريد أن نسوق إليك بعض جزائك في الدّنيا. فإذا راموا منك شراء بقرتك، فلا تبعها، إلّا بأمر أمّك.

ثمّ قال ـ عليه السّلام: فما زالوا يطلبون على النّصف ممّا تقول أمّه ويرجع إلى أمّه، فتضعف الثّمن، حتّى بلغ ملء مسك ثور أكبر ما يكون دنانير. فأوجبت لهم البيع.

فذبحوها. وأخذوا قطعة منها. فضربوه بها. وقالوا: أللّهمّ بجاه محمّد وآله الطّيّبين لـمّا أحييت هذا الميّت. وأنطقته ليخبرنا عن قاتله. فقام سالما سويّا.

فقال: يا نبيّ الله! قتلني هذان ابنا عمّي. حسداني على ابنة عمّي. فقتلاني.

__________________

(١) شرح الآيات الباهرة / ٢٢ ـ ٢٣.

(٢) المصدر: القتلة.

(٣) المصدر: امر.

(٤) المصدر: بني إسرائيل.

(٥) المصدر: للرزق.

(٦) المصدر: فتسلموا.

٤٨

فقال بعض بني إسرائيل لموسى ـ عليه السّلام: لا ندري أيّهما أعجب: إحياء الله هذا وإنطاقه بما نطق، أو إغناؤه لهذا الفتى بهذا المال العظيم؟

فأوحى الله إليه: يا موسى! قل لبني إسرائيل: من أحبّ منكم أن أطيّب في الدّنيا عيشه وأعظّم في جناني محلّه وأجعل لمحمّد وآله الطّيّبين فيها منادمته، فليفعل كما فعل هذا الفتى: إنّه كان قد سمع من موسى ابن عمران ذكر محمّد وعليّ وآلهما الطّيّبين فكان عليهم مصلّيا، ولهم على جميع الخلائق من الملائكة والجنّ والإنس مفضّلا. فلذلك صرفت إليه هذا المال العظيم.

ثمّ قال ـ عليه السّلام: فقال الفتى: يا نبيّ الله! كيف أحفظ هذه الأموال؟ وكيف لا أحذر عداوة من يعاديني فيها وحسد من يحسدني من أجلها؟

فقال له: قل عليه(١) من الصّلاة على محمّد وآله الطيبين ما كنت تقول، قبل أن تنالها.

فقالها الفتى. فما رامها حاسد، أو لصّ، أو غاصب، إلّا دفعه الله ـ عزّ وجلّ ـ بلطفه.

فلمّا قال موسى ـ عليه السّلام ـ للفتى ذلك، قال المقتول المنشور: أللّهمّ إنّي أسألك بما سألك به هذا الفتى، من الصّلاة على محمّد وآله الطيّبين والتّوسّل بهم، أن تبقيني في الدّنيا متمتّعا بابنة عمّي وتخزي أعدائي وحسّادي وترزقني منها كثيرا(٢) طيّبا.

قال: فأوحى الله إليه: يا موسى! إنّه كان لهذا الفتى المنشور بعد القتل، ستّون سنة. وقد وهبت له بمسألته وتوسّله بمحمّد وآله الطّيّبين، سبعين سنة تمام. مائة وثلاثين سنة صحيحه حواسّه، ثابتة فيها جنانه وقوّته وشهواته. يتمتّع بحلال هذه الدّنيا. ويعيش.

ولا يفارقها. ولا تفارقه. فإذا حان حينه، حان حينها. وماتا جميعا. فصارا إلى جناني. وكانا زوجين فيها ناعمين.

ثمّ قال ـ عليه السّلام: فضجّوا إلى موسى ـ عليه السّلام ـ وقالوا: افتقرت القبيلة ودفعت إلى التّلف وأسلخنا بلجاجنا عن قليلنا وكثيرنا؟ فادع الله تعالى لنا بسعة الرّزق.

فقال موسى ـ عليه السّلام: يا ويحكم! ما أعمى قلوبكم! أما سمعتم دعاء الفتى صاحب البقرة وما رزقه الله تعالى من الغنى! أو ما سمعتم دعاء(٣) المقتول المنشور وما أثمر

__________________

(١) ليس في المصدر.

(٢) المصدر: أولادا كثيرا.

(٣) ليس في المصدر.

٤٩

له من العمر الطّويل والسّعادة والتّنعّم والتّمتّع بحواسّه وساير بدنه وعقله؟ لم لا تدعون الله تعالى بمثل دعائهما وتتوسّلون إلى الله تعالى بمثل وسيلتهما؟ ليسدّ فاقتكم ويجبر كسركم ويسدّ خلّتكم.

فقالوا: أللّهمّ إليك التجأنا وعلى فضلك اعتمدنا. فأزل فقرنا، وسدّ خلّتنا، بجاه محمّد وعليّ وفاطمة والحسن والحسين والطّيّبين من آلهم.

فأوحى الله تعالى إليه: يا موسى! قل لهم: ليذهب رؤساؤكم إلى خربة بني فلان، ويكشفوا في موضع كذا وجه الأرض قليلا، ويستخرجوا ما هناك، فإنّه عشرة آلاف ألف دينار، ليردّوا على كلّ من دفع من(١) ثمن البقرة ما دفع، لتعود أموالهم. ثمّ ليتقاسموا بعد ذلك ما فضل، وهو خمسة آلاف ألف دينار. على قدر ما دفع كلّ واحد منهم في هذه المحنة، لتتضاعف أموالهم، جزاء على توسّلهم بمحمّد وآله الطّيّبين واعتقادهم لتفضيلهم.

ثمّ قال ـ عزّ وجلّ:( وَيُرِيكُمْ آياتِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ ) ، أي: يريكم سائر آياته، سوى هذه من الدّلالات على توحيده ونبوّة موسى ـ عليه السّلام ـ نبيّه وفضل محمّد على الخلائق سيّد إمائه وعبيده وتثبيت(٢) فضله وفضل آله الطّيّبين، على سائر خلق الله أجمعين، لعلّكم تعقلون وتتفكّرون أن الّذي يفعل هذه العجائب، لا يأمر الخلق إلّا بالحكمة. ولا يختار محمّدا وآله إلّا لأنّهم أفضل ذوي الألباب].(٣) .

( ثُمَّ قَسَتْ قُلُوبُكُمْ ) :

القساوة: الغلظ مع الصّلابة، كما في الحجر.

وقساوة القلب، مثل في نبوه(٤) عن الاعتبار، وأنّ المواعظ لا تؤثّر فيه. ثمّ لاستبعاد القسوة ونحوه. ثمّ أنتم تمترون.

( مِنْ بَعْدِ ذلِكَ ) ، يعني: إحياء القتيل، أو جميع ما عدّد من الآيات. فإنّها ممّا توجب لين القلب.

( فَهِيَ كَالْحِجارَةِ ) في قسوتها.

( أَوْ أَشَدُّ قَسْوَةً ) : منها، يعني: أنّها في القساوة مثل الحجارة [أو زائدة عليها، أو أنّها

__________________

(١) المصدر: في.

(٢) المصدر: ثبت.

(٣) ما بين المعقوفتين ليس في أ.

(٤) أ: بثوه.

٥٠

مثلها، أو مثل ما هو أشدّ منها قسوة، كالحديد. فحذف المضاف وأقيم المضاف إليه مقامه.

ويعضده قراءة الحجرّ بالفتح، عطفا على الحجارة](١) .

وإنّما لم يقل أقسى، لما في أشدّ من المبالغة. والدّلالة على اشتداد القوتين واشتمال المفضّل على زيادة واو للتخيير أو للتّرديد، بمعنى أنّ من عرف حالها شبّهها بالحجارة، أو بما هو أقسى منها.

( وَإِنَّ مِنَ الْحِجارَةِ لَما يَتَفَجَّرُ مِنْهُ الْأَنْهارُ. وَإِنَّ مِنْها لَما يَشَّقَّقُ فَيَخْرُجُ مِنْهُ الْماءُ. وَإِنَّ مِنْها لَما يَهْبِطُ مِنْ خَشْيَةِ اللهِ ) : تعليل للتّفضيل. فإنّ الحجارة ينفعل. فإنّ منها لما يتفجّر منه الأنهار.

والتّفجر: الفتح بسعة. ومنها ما ينبع منه الماء. ومنها ما يتردّى من أعلى الجبل انقيادا لما أراد الله تعالى به. وقلوب هؤلاء لا تتأثّر عن أمر الله تعالى.

والخشية مجاز من الانقياد.

( وَمَا اللهُ بِغافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ ) (٧٤): وعيد على ذلك.

وقرأ ابن كثير ونافع ويعقوب وخلف وأبو بكر، بالياء والباقون، بالتّاء(٢) .

وقد ورد عن النّبيّ ـ صلّى الله عليه وآله ـ قال:(٣) لا تكثروا الكلام بغير ذكر الله فإنّ كثرة الكلام بغير ذكر الله يقسي القلب. وإنّ أبعد النّاس من الله، القاسي القلب.

[وفي كتاب الاحتجاج، للطّبرسيّ:(٤) وقال أبو محمّد العسكريّ ـ عليه السّلام: لـمّا نزلت هذه الآية( ثُمَّ قَسَتْ قُلُوبُكُمْ مِنْ بَعْدِ ذلِكَ فَهِيَ كَالْحِجارَةِ أَوْ أَشَدُّ قَسْوَةً ) في حقّ اليهود والنّواصب، فغلظ ما(٥) وبّخهم به رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله. فقال جماعة من رؤسائهم وذوي الألسن والبيان منهم. يا محمّد! إنّك لمجنون. فتدّعي(٦) على قلوبنا ما الله يعلم منها خلافه إنّ فيها خيرا كثيرا نصوم ونتصدّق ونواسي الفقراء.

فقال رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله: إنّما الخير ما أريد به وجه الله وعمل على ما أمر الله تعالى. فأمّا ما أريد به الرّياء والسّمعة ومعاندة رسول الله ـ صلّى الله عليه

__________________

(١) ما بين المعقوفتين ليس في أ.

(٢) مجمع البيان ١ / ١٣٩.

(٣) نفس المصدر ونفس الموضع.

(٤) الاحتجاج ١ / ٥٠.

(٥) المصدر: على اليهود ما.

(٦) المصدر: إنّك تهجونا وتدّعي.

٥١

وآله ـ وإظهار الغنى له والتّمالك والشّرف، فليس بخير. بل هو الشّرّ الخاصّ.(١) ووبال على صاحبه. يعذّبه الله به أشدّ العذاب.

فقالوا له: يا محمّد! أنت تقول هذا ونحن نقول: بل ما ننفقه إلّا لإبطال أمرك ودفع رئاستك ولتفريق أصحابك عنك. وهو الجهاد الأعظم. نؤمل به من الله الثّواب الأجلّ الأجسم.(٢)

والحديث طويل. أخذت منه موضع الحاجة. وفيه إلزامهم على الوجه الأعظم.

وفي الخرائج والجرائح،(٣) روي عن الحسين بن عليّ ـ عليهما السّلام ـ في قوله تعالى( ثُمَّ قَسَتْ قُلُوبُكُمْ مِنْ بَعْدِ ذلِكَ. فَهِيَ كَالْحِجارَةِ أَوْ أَشَدُّ قَسْوَةً ) : قال إنّه يقول: يبست قلوبكم، معاشر اليهود! كالحجارة اليابسة. لا ترشح برطوبة، أي: أنّكم لا حقّ الله تؤدّون، ولا بأموالكم تتصدّقون، ولا بالمعروف تتكرّمون، ولا للضّيف تقرون، ولا مكروبا تغيثون، ولا بشيء من الإنسانية تعاشرون، وتواصلون. أو( أَشَدُّ قَسْوَةً ) : أبهم على السّامعين. ولم يبيّن لهم كما يقول القائل: أكلت خبزا أو لحما، وهو لا يريد به أنّه لا أدري ما أكلت، بل يريد أن يبهم على السّامع حتّى لا يعلم ما ذا أكل. وإن يعلم أن قد أكل أيّهما.

( وَإِنَّ مِنَ الْحِجارَةِ لَما يَتَفَجَّرُ مِنْهُ الْأَنْهارُ ) ، أي: قلوبكم في القساوة بحيث لا يجيء منها خير، يا يهود! في الحجارة ما يتفجّر الأنهار، فيجيء بالخير والنّبات لبني آدم. و( إِنَّ مِنْها ) ، أي: من الحجارة( لَما يَشَّقَّقُ فَيَخْرُجُ مِنْهُ الْماءُ ) دون الأنهار. وقلوبكم لا يجيء منها الكثير من الخير ولا القليل.( وَإِنَّ مِنْها لَما يَهْبِطُ ) ، أي: من الحجارة، إن أقسم عليها باسم الله تهبط. وليس في قلوبكم شيء منه.

فقالوا: يا محمّد! زعمت أنّ الحجارة ألين من قلوبنا؟ وهذه الجبال بحضرتنا.

فاستشهدها على تصديقك. فإن نطقت بتصديقك، فأنت المحقّ.

فخرجوا إلى أوعر جبل. فقالوا: استشهده.

فقال رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ أسألك يا جبل! بجاه محمّد وآله الطّيّبين الّذين بذكر أسمائهم خفّف الله العرش على كواهل ثمانية من الملائكة بعد أن لم يقدروا على تحريكه.

__________________

(١) كذا في المصدر وفي الأصل ور. ولعله: الخالص.

(٢) المصدر: العظيم.

(٣) تفسير نور الثقلين ١ / ٩٠، ح ٢٤٥، نقلا الخرائج والجرائح.

٥٢

فتحرّك الجبل. وفاض الماء. ونادى: أشهد أنّك رسول الله. وأنّ قلوب هؤلاء اليهود، كما وصفت، أقسى من الحجارة.

فقال اليهود: علينا تلبس. أجلست أصحابك خلف هذا الجبل، ينطقون بمثل هذا؟ فإن كنت صادقا، فتنحّ من موضعك إلى ذي القرار. ومر هذا الجبل، يسير إليك.

ومره أن ينقطع بنصفين، ترتفع السّفلى وتنخفض العليا.

فأشار إلى حجر مد حرج. فتدحرج. ثمّ قال لمخاطبه: خذه. فقرّبه. فسيعيد عليك ما سمعت. فإنّ هذا جزء من ذلك الجبل.

فأخذه الرّجل. فأدناه من أذنه. فنطق الحجر بمثل ما نطق به الجبل.

قال: فإنّني بما اقترحت.

قال: فتباعد رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ إلى فضاء واسع، ثمّ نادى: أيّها الجبل! بحقّ محمّد وآله الطّيّبين، لـمّا اقتلعت من مكانك بإذن الله وجئت إلى حضرتي.

فتزلزل الجبل. وصار(١) مثل الفرس الهملاج. فنادى: أنا سامع لك، ومطيع أمرك.

فقال: هؤلاء اقترحوا على أن أمرك إن تنقطع من أصلك، فتصير نصفين، فينحطّ أعلاك ويرتفع أسفلك.

فانقطع نصفين. وارتفع أسفله. وانخفض أعلاه. فصار فرعه أصله.

ثمّ نادى الجبل: أهذا الّذي ترون دون معجزات موسى الّذي تزعمون أنّكم به تؤمنون؟

فقال رجل منهم: هذا رجل تتأتّى له العجائب. فنادى الجبل: يا عدوّ الله! أبطلتم بما تقولون نبوّة موسى حيث كان وقوف الجبل فوقهم كالظّلل فيقال هو رجل تتأتّى له العجائب. فلزمتهم الحجّة ولم يسلموا؟

وفي مجمع البيان(٢) : وروى عن النّبيّ ـ صلّى الله عليه وآله ـ أنّه قال: إنّ حجرا كان يسلّم عليّ في الجاهليّة، وإنّي لأعرفه الآن.

وفي كتاب الخصال(٣) ، عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ أنّه قال: كان فيما أوصى

__________________

(١) المصدر: سار. وهو الظاهر.

(٢) مجمع البيان: ١ / ١٤٠ ـ ١٤١.

(٣) الخصال ١٢٥ ـ ١٢٦، مقطع من ح ١٢٢.

٥٣

به رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ عليّا ـ عليه السّلام: يا عليّ! ثلاث يقسين القلب :استماع اللهو، وطلب الصّيد، وإتيان باب السّلطان.

وفيه(١) ، فيما علّم أمير المؤمنين ـ عليه السّلام ـ أصحابه: ولا يطول عليكم الأمل(٢) ، فتقسو قلوبكم.

عن أبي عبد الله، عن أبيه(٣) ـ عليهما السّلام. قال: أوحى الله ـ تبارك وتعالى ـ إلى موسى ـ عليه السّلام: لا تفرح بكثرة المال ـ إلى قوله ـ وترك ذكري يقسي القلوب.

وفي كتاب علل الشّرائع(٤) ، بإسناده إلى الأصبغ بن نباتة. قال: قال أمير المؤمنين ـ عليه السّلام: ما جفّت الدّموع إلّا لقسوة القلوب. وما قست القلوب إلّا لكثرة الذّنوب.

وفي أصول الكافي(٥) : عدّة من أصحابنا، عن أحمد بن محمّد، عن عمرو ابن عثمان، عن عليّ بن عيسى رفعه. قال: فيما ناجى الله ـ عزّ وجلّ ـ به موسى ـ عليه السّلام: يا موسى! لا يطول في الدّنيا أملك، فيقسو قلبك. والقاسي القلب، منّي بعيد.

وفي شرح الآيات الباهرة(٦) : قال الإمام ـ عليه السّلام ـ في تأويل ذلك: وقلوبهم لا يتفجّر(٧) منها الخيرات ولا تنشقّ فيخرج منها قليل من الخيرات وإن لم يكن كثيرا.

ثمّ قال ـ عزّ وجلّ:( وَإِنَّ مِنْها لَما يَهْبِطُ مِنْ خَشْيَةِ اللهِ ) إذا أقسم عليها باسم الله وبأسماء أوليائه، محمّد وعليّ وفاطمة والحسن والحسين والطّيّبين من آلهم ـ صلّى الله عليهم. وليس في قلوبكم شيء من هذه الخيرات.

ثمّ قال ـ عليه السّلام: وهذا التّقريع من الله تعالى لليهود والنّواصب. واليهود جمعوا الأمرين واقترفوا الخطيئتين. فغلظ على اليهود ما وبّخهم به رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله. وقال جماعة من رؤسائهم: يا محمّد! إنّك مجنون. تدّعي على قلوبنا ما الله(٨) يعلم منها خلافه. وإن فيها خيرا كثيرا، نصوم ونتصدّق ونواسي الفقراء.

ثمّ قال ـ عليه السّلام: فقالوا: يا محمّد! زعمت أنّه ما في قلوبنا شيء من مواساة الفقراء ومعاونة الضّعفاء؟ وإنّ الأحجار ألين من قلوبنا. وأطوع لله منّا. وهذه الجبال

__________________

(١) نفس المصدر: ٦٢٢.

(٢) المصدر: الأمد.

(٣) نفس المصدر / ٣٩، ح ٢٣.

(٤) علل الشرائع / ٨١، ح ١.

(٥) الكافي ٢ / ٣٢٩، ح ١.

(٦) تأويل الآيات الباهرة / ٢٤ ـ ٢٥.

(٧) المصدر: لا تنفجر. (٨) المصدر: فالله.

٥٤

بحضرتنا، هلمّ بنا إلى بعضها فاستشهده على تصديقك وتكذيبنا؟

فقال رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله: نعم. فهلمّوا بنا إلى أيّها شئتم استشهده ليشهد لي عليكم.

قال: فخرجوا إلى أوعر جبل رأوه.

فقالوا: يا محمّد! هذا الجبل. فاستشهده! فقال رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله: أيّها الجبل! إنّي أسألك بجاه محمّد وآله الطّيّبين الّذين بذكر أسمائهم خفّف الله العرش على كواهل ثمانية من الملائكة بعد أن لم يقدروا على تحريكه وهم خلق كثير لا يعرف عددهم إلّا الله ـ عزّ وجلّ ـ، وبحقّ محمّد وآله الطّيّبين الّذين بذكر أسمائهم تاب الله تعالى على آدم وغفر خطيئته وأعاده إلى مرتبته، وبحقّ محمّد وآله الطّيّبين الّذين بذكر أسمائهم وسؤال الله بهم رفع إدريس في الجنّة مكانا عليّا، لـمّا شهدت لمحمّد بما أودعك الله بتصديقه على هؤلاء اليهود، في ذكر(١) قساوة قلوبهم وتكذيبهم في جحودهم لقول محمّد رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله.

قال: فتحرّك الجبل. فتزلزل.(٢) وفاض عنه الماء. ونادى: يا محمّد! أشهد أنّك رسول الله ربّ العالمين، وسيّد الخلائق أجمعين صلّى الله عليك وآلك إلى العالمين والخلائق أجمعين. وأشهد أن قلوب هؤلاء اليهود أقسى من الحجارة. لا يخرج منها خير. وقد يخرج من الحجارة الماء سيلا وتفجيرا. وأشهد أنّ هؤلاء الكاذبون عليك بما به قذفوك من الفرية على ربّ العالمين.

ثمّ قال رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله: وأسألك، أيّها الجبل! أمرك الله بطاعتي فيما التمسه(٣) منك بجاه محمّد وآله الطّيّبين الّذين بهم نجّى الله تعالى نوحا من الكرب العظيم وبهم برّد الله النار على إبراهيم وجعلها عليه سلاما ومكّنه في جوف النّار على سرير وفراش وبرد(٤) وأنبت مواليه من الأشجار الخضرة النّضرة الزهرة(٥) وعمّر ما حوله من انواع ما لا يوجد إلّا في الفصول الأربعة من جميع السّنة.

قال: فقال الجبل: بلى. أشهد، يا محمّد! لك بذلك. وأشهد أنّك لو اقترحت على

__________________

(١) المصدر: ذكره في.

(٢) المصدر: وتزلزل.

(٣) كذا في المصدر. وفي الأصل ور: التمسته.

(٤) كذا في المصدر. وفي الأصل ور: بئر.

(٥) المصدر: آنس هيئة.

٥٥

ربّك أن يجعل رجال الدّنيا قرودا وخنازير، لفعل. وأن يجعلهم ملائكة، لفعل وأن يقلب النّيران جليدا والجليد نيرانا، لفعل. وأن يهبط السّماء إلى الأرض أو يرفع الأرض إلى السّماء، لفعل. وأن يصيّر أطراف المشارق والمغارب والوهاد كلّها ضرب طرف الكبش(١) ، لفعل. وأنّه قد جعل الأرض والسّماء طوعك والبحار والجبال تنصرف(٢) بأمرك. وسائر ما خلق الله من الرّياح والصّواعق وجوارح الإنسان وأعضاء الحيوان لك مطيعة. وما أمرتها به من شيء ائتمرت.

تمّ كلامه صلوات الله عليه. فقالت اليهود بعد: أنت تلبس علينا واقترحوا عليه أشياء أن يفعلها الجبل المشار إليها فأجابهم إليها.

قال الإمام ـ عليه السّلام: فتباعد رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ إلى فضاء واسع. ثمّ نادى الجبل: يا أيّها الجبل! بحقّ محمّد وآله الطّيّبين الّذين بجاههم ومسألة عباد الله بهم أرسل الله على قوم عاد ريحا صرصرا عاتية تنزع النّاس كأنّهم أعجاز نخل خاوية، وأمر جبرئيل أن يصيح صيحة واحدة في قوم صالح حتّى صاروا كالهشيم المحتضر، لـمّا انقلعت من مكانك بإذن الله وجئت إلى حضرتي.

قال: فتزلزل(٣) الجبل، وصار كالقدح الهملاج، حتّى دنى من إصبعه. فلصق بها.

ووقف. ونادى: ها أنا سامع لك مطيع، يا رسول الله! وإن رغمت أنوف هؤلاء المعاندين، فمرني بأمرك.

فقال رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله: إنّ هؤلاء المعاندين اقترحوا عليّ أن أمرك أن تنقلع(٤) من أصلك، فتصير نصفين، ثمّ ينحطّ أعلاك، ويرتفع أسفلك، وتصير ذروتك أصلك، وأصلك ذروتك.

فقال الجبل: أفتأمرنى بذلك، يا رسول الله؟

قال: بلى.

قال: فانقطع الجبل نصفين. وانحطّ أعلاه إلى الأرض. وارتفع أسفله فوق أعلاه.

__________________

(١) المصدر: ظرف الكيش. وفي هامش المصدر: صرة كصرة الكيس (خ ل). وكذلك في تفسير البرهان ١ / ١١٤.

(٢) المصدر: تتصرّف.

(٣) المصدر: فتحرّك.

(٤) المصدر: تنقطع.

٥٦

فصار فرعه أصله، وأصله فرعه.

ثمّ نادى الجبل: معاشر اليهود! هذا الّذي ترون دون معجزات موسى الّذي تزعمون أنّكم به مؤمنون.

فنظر اليهود بعضهم إلى بعض. فقال بعضهم: ما عن هذا محيص. وقال آخرون منهم: هذا رجل مبخوت. ومبخوت(١) تتأتّى له(٢) العجائب. فلا يغرّنّكم ما تشاهدون منه.

فناداهم الجبل: يا أعداء الله! أبطلتم بما تقولون نبوّة موسى؟ هلّا قلتم لموسى إذا قلب العصا ثعبانا وانفلق له البحر طرقا ووقف الجبل كالظّلّة فوقكم: إنّك تؤتى لك العجائب. فلا يغرّنا ما نشاهده منك؟

فألقمهم الجبل بمقالة الصّخور وألزمهم(٣) حجّة ربّ العالمين. (انتهى)](٤)

( أَفَتَطْمَعُونَ ) :

الخطاب لرسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ والمؤمنين.

( أَنْ يُؤْمِنُوا لَكُمْ ) ، أي: اليهود.

( وَقَدْ كانَ فَرِيقٌ مِنْهُمْ ) : من أسلافهم،( يَسْمَعُونَ كَلامَ اللهِ ) ، أي: التوراة، أو حين كلّم موسى،( ثُمَّ يُحَرِّفُونَهُ ) : يغيّرونه أو يأوّلونه بما يشتهون،( مِنْ بَعْدِ ما عَقَلُوهُ ) : ولم يبق لهم فيه ريبة.

( وَهُمْ يَعْلَمُونَ ) (٧٥) أنّهم مبطلون.

فإذا كان أخبار هؤلاء وأسلافهم بهذه الحالة، فما طمعكم بجهّالهم وسفلتهم؟

( وَإِذا لَقُوا الَّذِينَ آمَنُوا ) ، أي: اليهود.

( قالُوا: آمَنَّا ) ، أي: قال منافقوهم: آمنّا بأنّكم على الحقّ، ورسولكم هو المبشّر به في التوراة.

( وَإِذا خَلا بَعْضُهُمْ إِلى بَعْضٍ قالُوا ) ، أي: الّذين لم ينافقوا عاتبين على من نافق.

( أَتُحَدِّثُونَهُمْ بِما فَتَحَ اللهُ عَلَيْكُمْ ) وبيّنه في التوراة، من نعت محمّد ـ صلّى الله عليه وآله ـ أو الّذين نافقوا لأعقابهم إظهارا، للتّصلّب في اليهوديّة ومنعا لهم عن إبداء ما

__________________

(١) المصدر: فوتآله

(٢) المصدر: لك.

(٣) المصدر: فالقاهم الجبل بمقالتهم الزور ولزومهم.

(٤) ما بين المعقوفتين ليس في أ.

٥٧

وجدوا في كتابهم، فيتناول الفريقين.

فالاستفهام على الأوّل، تقريع، وعلى الثّاني، إنكار ونهي.

( لِيُحَاجُّوكُمْ بِهِ عِنْدَ رَبِّكُمْ ) ليحتجّوا بما فتح الله عليكم، حال كونه ثابتا عند ربّكم، أي: من جملة ما ثبت عند ربّكم، أي: من جملة ما أنزل الله في كتابه.

( أَفَلا تَعْقِلُونَ ) (٧٦)، إمّا من كلام اللائمين، وتقديره «أفلا تعقلون أنّهم يحاجّوكم فيغلبون به عليكم»، أو متّصل بقوله أفتطمعون.

والمعنى: أفلا تعقلون حالهم. وأن لا مطمع لكم في إيمانهم.

[وفي مجمع البيان(١) :( تُحَدِّثُونَهُمْ بِما فَتَحَ اللهُ عَلَيْكُمْ ) . (الآية) وروي عن أبي جعفر الباقر ـ عليه السّلام ـ أنّه قال: كان قوم من اليهود ليسوا من المعاندين المتواطئين. إذا لقوا المسلمين حدّثوهم بما في التّوراة من صفة محمّد ـ صلّى الله عليه وآله. فنهاهم كبراؤهم عن ذلك. وقالوا: لا تخبروهم بما في التّوراة من صفة محمّد ـ صلّى الله عليه وآله. فيحاجّوكم به عند ربّكم. فنزلت هذه الآية].(٢)

( أَوَلا يَعْلَمُونَ ) هؤلاء( أَنَّ اللهَ يَعْلَمُ ما يُسِرُّونَ ) من الكفر وما فتح الله وتحريف الكلم وغيره؟

( وَما يُعْلِنُونَ ) (٧٧) من الإيمان وغير ما فتح الله وتأويلاتهم وتحريفاتهم؟

( وَمِنْهُمْ أُمِّيُّونَ لا يَعْلَمُونَ الْكِتابَ ) ، اي: التّوراة( إِلَّا أَمانِيَ ) : استثناء منقطع.

والأمانيّ، جمع أمنيّة. وهي في الأصل: ما يقدّره الإنسان في نفسه.

( وَإِنْ هُمْ إِلَّا يَظُنُّونَ ) (٧٨): لا علم لهم.

روي أنّ رجلا قال للصّادق(٣) ـ عليه السّلام: إذا كان هؤلاء العوامّ(٤) من اليهود(٥) ، لا يعرفون الكتاب إلا ما يسمعونه من علمائهم، لا سبيل لهم إلى غيره، فكيف ذمّهم

__________________

(١) مجمع البيان ١ / ١٤٢.

(٢) ما بين المعقوفتين ليس في أ.

(٣) الاحتجاج ٢ / ٢٦٣.

(٤) ليس في ر.

(٥) ر: اليهود من العوامّ.

٥٨

بتقليدهم والقبول من علمائهم؟ وهل عوامّ اليهود إلّا كعوامّنا؟ يقلّدون علماءهم. فإن لم يجز لأولئك القبول من علمائهم، لم يجز لهؤلاء القبول من علمائهم.

فقال ـ عليه السّلام: بين عوامّنا وعلمائنا وبين عوامّ اليهود وعلمائهم، فرق من جهة وتسوية من جهة: أمّا من حيث استووا، فإنّ الله قد ذمّ عوامّنا بتقليدهم علماءهم كما قد ذمّ عوامّهم. وأمّا من حيث افترقوا، فلا.

قال: بيّن لي ذلك، يا بن رسول الله! قال ـ عليه السّلام: إنّ عوامّ اليهود كانوا قد عرفوا علماءهم بالكذب الصّراح وبأكل الحرام والرّشاء وبتغيير الأحكام عن واجبها بالشّفاعات والعنايات والمضايقات.(١) وعرفوهم بالتّعصّب الشّديد الّذي يفارقون به أديانهم. وأنّهم إذا تعصّبوا أزالوا حقوق من تعصّبوا عليه وأعطوا ما لا يستحقّه من تعصّبوا له من أموال غيرهم وظلموهم من أجلهم.

وعرفوهم يقارفون المحرّمات واضطرّوا بمعارف قلوبهم إلى أنّ من فعل ما يفعلونه، فهو فاسق، لا يجوز أن يصدق على الله ولا على الوسائط بين الخلق وبين الله. فلذلك ذمّهم لـمّا قلّدوا من قد عرفوا ومن قد علموا أنّه لا يجوز قبول خبره ولا تصديقه في حكايته ولا العمل بما يؤدّيه إليهم عمّن لم يشاهدوه. ووجب عليهم النّظر بأنفسهم، في أمر رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ إذ كانت دلالته أوضح من أن تخفى وأشهر من أن لا تظهر (ص) لهم. وكذلك عوامّ أمّتنا، إذا عرفوا من فقهائهم الفسق الظّاهر والعصبية الشّديدة والتّكالب على حطام الدّنيا وحرامها وإهلاك من يتعصّبون عليه. وإن كان لإصلاح أمره مستحقّا. وبالرّفق(٢) والبر والإحسان على من تعصّبوا له. وإن كان للإذلال والإهانة مستحقّا. فمن قلّد من عوامّنا مثل هؤلاء الفقهاء، فهم مثل اليهود الّذين ذمّهم الله تعالى بالتّقليد لفسقة فقهائهم.

وأمّا من كان من الفقهاء، صائنا لنفسه، حافظا لدينه، مخالفا على هواه، مطيعا لأمر مولاه، فللعوامّ أن يقلدوه. وذلك لا يكون إلّا بعض فقهاء الشيعة، لا جميعهم. فأنّ من يركب(٣) من القبائح والفواحش، مراكب فسقة فقهاء(٤) العامّة، فلا تقبلوا منهم عنّا(٥) شيئا.

ولا كرامة لهم.(٦)

__________________

(١) المصدر: المضانعات.

(٢) المصدر: بالزخرف.

(٣) المصدر: فانّه من ركب.

(٤) ليس في المصدر.

(٥) المصدر: منّا عنه.

(٦) ليس في المصدر.

٥٩

( فَوَيْلٌ ) ، أي: تحسر وهلك.

مصدر. لا فعل له.

( لِلَّذِينَ يَكْتُبُونَ الْكِتابَ ) ، أي: المحرّف.

( بِأَيْدِيهِمْ ) : تأكيد.

( ثُمَّ يَقُولُونَ: هذا مِنْ عِنْدِ اللهِ، لِيَشْتَرُوا بِهِ ثَمَناً قَلِيلاً ) ، أي: يحصلوا غرضا من أغراض الدّنيا. فإنّه قليل بالنّسبة إلى عقابهم.

( فَوَيْلٌ لَهُمْ مِمَّا كَتَبَتْ أَيْدِيهِمْ ) من المحرّف.

( وَوَيْلٌ لَهُمْ مِمَّا يَكْسِبُونَ ) (٧٩) من الرّشى.

[وفي كتاب الاحتجاج،(١) للطّبرسيّ ـ رحمه الله ـ بإسناده إلى أبي محمّد العسكريّ ـ عليه السّلام ـ في قوله تعالى( وَمِنْهُمْ أُمِّيُّونَ لا يَعْلَمُونَ الْكِتابَ إِلَّا أَمانِيَ ) : إن الأمّيّ، منسوب إلى أمّه، أي: كما هو خرج من بطن أمّه لا يقرأ ولا يكتب.( لا يَعْلَمُونَ الْكِتابَ ) المنزل من السّماء، ولا المتكلّم(٢) به. ولا يميّزون بينهما،( إِلَّا أَمانِيَ ) ، أي: إلّا أن يقرأ عليهم.

ويقال لهم: إنّ هذا كتاب الله وكلامه. لا يعرفون إن قرئ من الكتاب، خلاف ما هم فيه.( وَإِنْ هُمْ إِلَّا يَظُنُّونَ ) ، أي: ما يقرأ عليهم رؤساؤهم، من تكذيب محمّد ـ صلّى الله عليه وآله ـ في نبوّته وإمامة عليّ، سيّد عترته. وهم يقلّدونهم. مع أنّه محرّم عليهم تقليدهم( فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ يَكْتُبُونَ الْكِتابَ بِأَيْدِيهِمْ ثُمَّ يَقُولُونَ هذا مِنْ عِنْدِ اللهِ لِيَشْتَرُوا بِهِ ثَمَناً قَلِيلاً ) .

قال ـ عليه السّلام: قال الله تعالى: هذا القوم من اليهود، كتبوا صفة، زعموا أنّها صفة محمّد ـ صلّى الله عليه وآله. وهي خلاف صفته. وقالوا للمستضعفين منهم: هذه صفة النّبيّ المبعوث في آخر الزّمان، أنّه طويل عظيم البدن والبطن، أهدف، أصهب الشّعر.

ومحمّد ـ صلّى الله عليه وآله ـ بخلافه. وهو يجيء بعد هذا الزّمان، بخمسمائة سنة. وإنّما أرادوا بذلك، لتبقى لهم على ضعفائهم رئاستهم. وتدوم لهم إصاباتهم. ويكفوا أنفسهم مؤنة خدمة رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ وخدمة عليّ ـ عليه السّلام ـ وأهل خاصّته.

فقال الله ـ عزّ وجلّ:( فَوَيْلٌ لَهُمْ مِمَّا كَتَبَتْ أَيْدِيهِمْ. وَوَيْلٌ لَهُمْ مِمَّا يَكْسِبُونَ ) » من هذه الصّفات المحرّمات المخالفات، لصفة محمّد ـ صلّى الله عليه وآله ـ وعليّ ـ عليه السّلام ـ الشّدة لهم من العذاب، في أسوء بقاع جهنم. وويل لهم الشّدّة من العذاب، ثانية مضافة

__________________

(١) الاحتجاج ٢ / ٢٦١.

(٢) المصدر: لا المتكذّب.

٦٠

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

461

462

463

464

465

466

467

468

469

470

471

472

473

474

475

476

477

478

479

480

481

482

483

484

485

486

487

488

489

490

491

492

493