تفسير كنز الدّقائق وبحر الغرائب الجزء ٢

تفسير كنز الدّقائق وبحر الغرائب12%

تفسير كنز الدّقائق وبحر الغرائب مؤلف:
تصنيف: تفسير القرآن
الصفحات: 493

الجزء ١ الجزء ٢ الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥ الجزء ٦ الجزء ٧
  • البداية
  • السابق
  • 493 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 187787 / تحميل: 5859
الحجم الحجم الحجم
تفسير كنز الدّقائق وبحر الغرائب

تفسير كنز الدّقائق وبحر الغرائب الجزء ٢

مؤلف:
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة


1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

والحاصل أنّ الأمر لا ينفكّ عن الإرادة بمعنى أنّه لا يجوز أن يأمر ولا يريد. والآية لم تدلّ على الجواز بهذا المعنى، كما قرّرنا. بل التّحقيق أنّ أمره كاشف عن إرادته. وأمّا أنّ مراده هل ينفكّ عن إرادته أم لا؟ فشيء آخر يستحقّ في موضعه.

وعلى المعتزلة والكراميّة: أنّه يحتمل أن يكون التّعليق باعتبار التّعلّق، أو كان المعنى لو كان شاء الله هدايتنا الآن، لنهتدي. والحقّ أنّ الأمر لا ينفك عن الإرادة، بالمعنى الّذي حقّقته. وأنّ الإرادة حاثّة من صفات الفعل. وسنحقّق ذلك في موضع آخر ـ ان شاء الله.

( قالَ: إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّها بَقَرَةٌ لا ذَلُولٌ تُثِيرُ الْأَرْضَ وَلا تَسْقِي الْحَرْثَ ) ، أي: لم تذلّل للكراب وسقي الحرث.

و «لا ذلول» صفة البقرة، بمعنى غير ذلول.

و «لا» الثّانية. مزيدة(١) لتأكيد الأولى.

والفعلان، صفتا «ذلول»، كأنّه قيل: لا ذلول مثيرة وساقية.

وقرئ لا ذلول (بالفتح)، أي: هناك، أي: حيث هي: كقولك: مررت برجل لا بخيل ولا جبان، أي: هناك، أي: حيث هو.

و «تسقي» من السّقي.

( مُسَلَّمَةٌ ) :

سلّمها الله من العيوب، أو أهلها من العمل، أو خلص لونها من سلم له كذا إذا خلص له، أي: لم يشب صفرتها شيء من الألوان.

( لا شِيَةَ فِيها ) : لا لون فيها يخالف لون جلدها. فهي صفراء كلّها. حتّى قرنها وظلفها.

وهي في الأصل، مصدر وشاه وشيا وشية، إذا خلط بلونه لون آخر.

( قالُوا الْآنَ جِئْتَ بِالْحَقِ ) ، أي: الحقّ البيّن الّذي لا يشتبه علينا.

وقرئ الآن (بالمدّ) على الاستفهام، ولآن (بحذف الهمزة وإلقاء حركتها على اللّام.)(٢) ( فَذَبَحُوها ) :

__________________

(١) أ: تزايدة.

(٢) أنوار التنزيل ١ / ٦٣.

٤١

فيه اختصار. والتّقدير: فحصلوا البقرة المنعوتة، فذبحوها.

( وَما كادُوا يَفْعَلُونَ ) (٧١) لتطويلهم في السّؤال وكثرة مراجعاتهم.

وروي(١) أنّهم كانوا يطلبون البقرة الموصوفة، أربعين سنة

، أو لخوف الفضيحة في ظهور القاتل، أو لغلاء ثمنها إذ روي أنّه كان في بني إسرائيل شيخ صالح، له عجلة. فأتى بها الغيضة. وقال: أللّهمّ إنّي أستودعكها لابني حتّى تكبر. وكان برّا بوالديه. فثبت. وكانت من أحسن البقرة وأسمنها. ووحيدة بتلك الصّفات. فساوموها اليتيم وأمّه حتّى اشتروها بملء مسكها ذهبا. وكانت البقرة إذ ذاك بثلاثة دنانير.

وفي رواية العيّاشيّ:(٢) أنّه قال الرّضا ـ عليه السّلام: قال لرسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ بعض أصحابه: إنّ هذه البقرة ما شأنها؟

فقال: إنّ فتى من بني إسرائيل كان بارّا بأبيه. وإنّه اشترى سلعة، فجاء إلى أبيه. فوجده نائما والإقليد تحت رأسه. فكره أن يوقظه. فترك ذلك. واستيقظ أبوه.

فأخبره. فقال له: أحسنت! خذ هذه البقرة. فهي لك عوض لما فاتك.

قال: فقال رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله: انظروا إلى البرّ ما بلغ بأهله.

وروي أنّ ذلك الشّابّ من بني إسرائيل، قد رأى محمّدا وعليّا في منامه وأحبّهما.

وقالا له: لأنّك تحبّنا نجزيك ببعض جزائك في الدّنيا. فإذا جاءك بنو إسرائيل يريدون شراء البقرة منك، فلا تبعها إلّا برضى من أمّك.

فلّمّا أرادوا شراءها، كلّما زادوا في ثمنها، لم ترض أمّه، حتّى شرطوا على أن يملئوا ثور(٣) بقرة عظيمة في ثمنها، فرضيت.

والحديث طويل. أخذت منه موضع الحاجة. والحديث بتمامه مذكور في شرح الآيات الباهرة، منقولا عن التّفسير المنسوب إلى الحسن العسكريّ ـ عليه السّلام.(٤) وقد ذكرته بتمامه في تفسيرنا الموسوم بالتّبيان. وعلى الله التّكلان.

و «كاد» من أفعال المقاربة. وضع لدنوّ الخبر، حصولا فإذا دخل عليه النّفي، قيل معناه الإثبات، مطلقا. وقيل ماضيا. والحقّ أنّه كسائر الأفعال. ولا ينافي قوله تعالى

__________________

(١) الكشاف ١ / ١٥٣.

(٢) تفسير العياشي ١ / ٤٦، ح ٥٧، بتفاوت+ مجمع البيان ١ / ١٣٦.

(٣) الظاهر: مسك.

(٤) تفسير العسكري / ١٣١.

٤٢

( وَما كادُوا يَفْعَلُونَ ) ، قوله( فَذَبَحُوها ) لاختلاف وقتيهما، إذ المعنى أنّهم ما قاربوا أن يفعلوا حتّى انتهت سؤالاتهم. وانقطعت تعلّلاتهم. ففعلوا كالمضطرّ الملجأ إلى الفعل.(١) ( وَإِذْ قَتَلْتُمْ نَفْساً ) :خاطب الجمع، لوجود القتل فيهم.

( فَادَّارَأْتُمْ فِيها ) : اختصمتم في شأنها، إذ الخصمان يدفع بعضهم بعضا.

وأصل الدّرء: الدّفع. ومنه الحديث ادرؤوا الحدود بالشّبهات، وقول رؤبة.

أدركتها قدّام كلّ مدرة

بالدّفع عنّي درء كلّ غنجة(٢)

فعلى هذا يحتمل أن يكون المعنى تدافعتم بأن طرح قتلها كلّ عن نفسه إلى صاحبه.

وقيل(٣) : الدّرء: العوج. ومنه قول الشّاعر :

فنكّب عنهم درء الأعادي

وداووا بالجنون من الجنون

وأصله: تدارأتم. فأدغمت التّاء في الدّال. واجتلبت لها همزة الوصل.

( وَاللهُ مُخْرِجٌ ما كُنْتُمْ تَكْتُمُونَ ) (٧٢) :

مظهره وأعمل مخرج، لأنّه حكاية مستقبل، كما أعمل باسط ذراعيه. لأنّه حكاية حال ماضية.

( فَقُلْنا اضْرِبُوهُ ) :

عطف على «ادّارأتم» وما بينهما اعتراض.

والضّمير للنّفس. وتذكيره على تأويل الشّخص، أو القتيل.

( بِبَعْضِها ) ، أي: بعض كان.(٤) [وقيل(٥) : بأصغريها.

وقيل(٦) : بلسانها.

__________________

(١) أنوار التنزيل ١ / ٦٣.

(٢) هو الظاهر. وفي الأصل ور: غنيجة. وفي أ: عيجة. وفي المصدر (مجمع البيان ١ / ١٣٧): عنجه.

(٣) نفس المصدر ونفس الموضع.

(٤) يوجد في أبعد هذه العبارة: وفيه أقول أخذ مستندها غير معلوم.

(٥ و ٦) أنوار التنزيل ١ / ٦٣.

٤٣

وقيل(١) : بفخذها اليمنى.

وقيل(٢) : بالاذن.

وقيل(٣) : بالعجب. وهو اصل الذنب وفي الأحاديث الآتية: أنّ الضرب بذنبها].(٤) نقل(٥) أنّه لما ضرب ببعضها قام حيا وأوداجه تشخب دما. قال: قتلني فلان ابن عمّي. ثم قبض.

[وفيما يأتي من الخبر، أنّه عاش بعد ذلك سبعين سنة].(٦) ( كَذلِكَ يُحْيِ اللهُ الْمَوْتى ) : يدلّ على ما حذف، أي: فضربوه، فحيى.

والخطاب مع من حضر حياة القتيل، أو نزول الآية.

( وَيُرِيكُمْ آياتِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ ) (٧٣): لكي بكمل عقلكم وتعلموا أنّ من قدر على إحياء نفس، قدر على إحياء الأنفس.

وفي الآية مع ما ذكر في بيانه من الأحاديث الدّلالة على انّ التّموّل والغنى من عند الله، ينبغي أن يطلب منه، لا بمخالفة أمره، كما ناله الفتى من بني إسرائيل ولم ينله القاتل ابن عمّه.

[وفي عيون الأخبار(٧) : حدّثني(٨) أبي ـ رضي الله عنه. قال: حدّثني(٩) عليّ بن موسى بن جعفر بن أبي جعفر الكميدانيّ ومحمّد بن يحيى العطّار، عن أحمد بن محمّد بن عيسى، عن أحمد بن محمّد بن أبي نصر البزنطيّ. قال: سمعت أبا الحسن الرّضا ـ عليه السّلام ـ يقول: إنّ رجلا من بني إسرائيل قتل قرابة له. ثمّ أخذه فطرحه(١٠) على طريق أفضل سبط من أسباط بني إسرائيل. ثمّ جاء يطلب بدمه.

فقالوا لموسى ـ عليه السّلام: إنّ سبط آل فلان قتلوا فلانا. فأخبرنا من قتله؟

قال: ائتوني ببقرة.

( قالُوا: أَتَتَّخِذُنا هُزُواً ) ؟

( قالَ: أَعُوذُ بِاللهِ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْجاهِلِينَ ) .

__________________

(١ و ٢ و ٣) أنوار التنزيل ١ / ٦٣.

(٤) ما بين المعقوفتين ليس في أ.

(٥) الكشاف ١ / ١٥٣+ مجمع البيان ١ / ١٣٧.

(٦) ما بين المعقوفتين ليس في أ.

(٧) عيون الأخبار ٢ / ١٣ ـ ١٤، ح ٣١.

(٨ و ٩) المصدر: حدّثنا.

(١٠) المصدر: وطرحه.

٤٤

ولو أنّهم عمدوا إلى أيّ بقرة، أجزأتهم. ولكن شدّدوا، فشدّد الله عليهم.

( قالُوا: ادْعُ لَنا رَبَّكَ يُبَيِّنْ لَنا ما هِيَ ) ؟

( قالَ: إِنَّهُ يَقُولُ: إِنَّها بَقَرَةٌ لا فارِضٌ وَلا بِكْرٌ ) ، يعني: لا صغيرة ولا كبيرة،( عَوانٌ بَيْنَ ذلِكَ ) ».

ولو أنّهم عمدوا إلى أيّ بقرة، أجزأتهم. ولكن شدّدوا، فشدّد الله عليهم.

( قالُوا: ادْعُ لَنا رَبَّكَ يُبَيِّنْ لَنا ما لَوْنُها ) ؟

( قالَ: إِنَّهُ يَقُولُ: إِنَّها بَقَرَةٌ صَفْراءُ فاقِعٌ لَوْنُها تَسُرُّ النَّاظِرِينَ ) .

ولو أنّهم عمدوا إلى أيّ بقرة، لأجزأتهم. ولكن شدّدوا، فشدّد الله عليهم.

( قالُوا: ادْعُ لَنا رَبَّكَ يُبَيِّنْ لَنا ما هِيَ؟ إِنَّ الْبَقَرَ تَشابَهَ عَلَيْنا. وَإِنَّا إِنْ شاءَ اللهُ لَمُهْتَدُونَ ) .

( قالَ: إِنَّهُ يَقُولُ: إِنَّها بَقَرَةٌ لا ذَلُولٌ تُثِيرُ الْأَرْضَ وَلا تَسْقِي الْحَرْثَ، مُسَلَّمَةٌ لا شِيَةَ فِيها. قالُوا: الْآنَ جِئْتَ بِالْحَقِّ ) .

فطلبوها فوجدوها عند فتى من بني إسرائيل.

فقال: لا أبيعها إلّا بملء مسكها ذهبا.

فجاءوا إلى موسى ـ عليه السّلام. فقالوا له ذلك. فقال: اشتروها. فاشتروها.

وجاؤوا بها. فأمر بذبحها. ثمّ أمروا بأن يضربوا(١) الميّت، بذنبها. فلمّا فعلوا ذلك، حيي المقتول. وقال: يا رسول الله! إنّ ابن عمّي قتلني دون من يدّعي عليه قتلي. فعلموا بذلك قاتله.

فقال: رسول(٢) الله، موسى [بن عمران](٣) ـ عليه السّلام ـ لبعض(٤) أصحابه: إنّ هذه البقرة لهابنا.

فقال: وما هو؟

فقال: إنّ فتى من بني إسرائيل كان بارّا بأبيه و [إنّه](٥) اشترى تبيعا(٦) . فجاء إلى أبيه. والأقاليد(٧) تحت رأسه. فكره أن يوقظه. فترك ذلك البيع. فاستيقظ أبوه. فأخبره.

__________________

(١) المصدر: أن يضرب.

(٢) كذا في المصدر. وفي الأصل ور: لرسول.

(٣) يوجد في المصدر.

(٤) كذا في المصدر. وفي الأصل ور: بعض.

(٥) يوجد في المصدر.

(٦) كذا في المصدر. وفي الأصل ور: بيعا.

(٧) المصدر: ورأى أنّ المقاليد.

٤٥

فقال له: أحسنت! خذ هذه البقرة. فهي لك عوضا لما فاتك.

قال: فقال له رسول الله، موسى [بن عمران](١) ـ عليه السّلام. انظروا إلى البرّ، ما يبلغ(٢) بأهله.

وفي كتاب الخصال، مثله سواء.(٣)

وفي تفسير عليّ بن إبراهيم(٤) : حدّثني أبي، عن ابن أبي عمير، عن بعض رجاله(٥) ، عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام. قال: إنّ رجلا من خيار بني إسرائيل وعلمائهم، خطب امرأة منهم. فأنعمت له. وخطبها ابن عمّ لذلك الرّجل. وكان فاسقا رديئا. فلم ينعموا له.

فحسد ابن عمّه الّذي أنعموا له. فقعد له. فقتله غيلة. ثمّ حمله إلى موسى ـ عليه السّلام.

فقال: يا نبيّ الله! هذا ابن عمّى. قد قتل.

فقال موسى: من قتله؟

قال: لا أدري.

وكان القتل في بني إسرائيل، عظيما جدّا. فعظم ذلك على موسى. فاجتمع إليه بنوا إسرائيل.

فقالوا: ما ترى؟ يا نبيّ الله! وكان في بني إسرائيل رجل له بقرة. وكان له ابن بارّ. وكان عند ابنه، سلعة.

فجاء قوم يطلبون سلعته. وكان مفتاح بيته تحت رأس أبيه. وكان نائما وكره ابنه أن ينبّهه وينغّص عليه نومه. فانصرف القوم: فلم يشتروا سلعته.

فلمّا انتبه أبوه قال له: يا بنيّ! ما صنعت في سلعتك؟

قال: هي قائمة. لم أبعها. لأنّ المفتاح كان تحت رأسك، فكرهت أن أنبّهك وأنغّص عليك نومك.

قال له أبوه: قد جعلت هذه البقرة لك عوضا عمّا فاتك من ربح سلعتك.

وشكر الله لابنه ما فعل بأبيه. وأمر بني إسرائيل أن يذبحوا تلك البقرة بعينها.

__________________

(١) يوجد في المصدر.

(٢) المصدر: بلغ.

(٣) بل في تفسير العياشي ١ / ٤٦، ح ٥٧، وكذلك عنه في البحار ١٣ / ٢٦٣، بعد نقله الحديث عن عيون الأخبار. والظاهر أنّ هذا سهو من صاحب تفسير نور الثقلين، كما يبدو من ملاحظة تفسيره ١ / ٨٨ (!)

(٤) تفسير القمي ١ / ٤٩ ـ ٥٠.

(٥) المصدر: رجالهم.

٤٦

فلمّا اجتمعوا إلى موسى وبكوا وضجّوا قال لهم موسى:( إِنَّ اللهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تَذْبَحُوا بَقَرَةً ) .» فتعجّبوا. و( قالُوا أَتَتَّخِذُنا هُزُواً ) ؟» إنا نأتيك بقتيل. فتقول اذبحوا بقرة! فقال لهم موسى:( أَعُوذُ بِاللهِ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْجاهِلِينَ ) .

فعلموا أنّهم قد أخطأوا. فقالوا:( ادْعُ لَنا رَبَّكَ يُبَيِّنْ لَنا، ما هِيَ ) ؟»( قالَ إِنَّهُ يَقُولُ: إِنَّها بَقَرَةٌ لا فارِضٌ وَلا بِكْرٌ ) (الفارض الّتي قد ضربها الفحل. ولم تحمل. والبكر الّتي لم يضربها.)( قالُوا: ادْعُ لَنا رَبَّكَ يُبَيِّنْ لَنا ما لَوْنُها ) ؟

( قالَ إِنَّهُ يَقُولُ: إِنَّها بَقَرَةٌ صَفْراءُ فاقِعٌ لَوْنُها ) ، أي: لونها شديد الصّفرة(١) ،( تَسُرُّ النَّاظِرِينَ ) إليها.

( قالُوا: ادْعُ لَنا رَبَّكَ يُبَيِّنْ لَنا ما هِيَ؟ إِنَّ الْبَقَرَ تَشابَهَ عَلَيْنا. وَإِنَّا إِنْ شاءَ اللهُ لَمُهْتَدُونَ. قالَ: إِنَّهُ يَقُولُ: إِنَّها بَقَرَةٌ لا ذَلُولٌ تُثِيرُ الْأَرْضَ ) ، أي، لم تذلّل( وَلا تَسْقِي الْحَرْثَ ) ، أي: لا تسقي الزّرع.( مُسَلَّمَةٌ لا شِيَةَ فِيها ) ، أي، لا نقط فيها إلّا الصّفرة.

( قالُوا: الْآنَ جِئْتَ بِالْحَقِ ) (٢) هي بقرة فلان. فذهبوا يشتروها.

فقال: لا أبيعها إلّا بملء جلدها ذهبا.

فرجعوا إلى موسى. فأخبروه.

فقال لهم موسى: لا بدّ لكم من ذبحها بعينها. فاشتروها(٣) بملء جلدها ذهبا، فذبحوها.

ثمّ قالوا: ما تأمرنا؟ يا نبيّ الله! فأوحى الله ـ تبارك وتعالى ـ إليه: قل لهم: اضربوه ببعضها. وقولوا من قتلك.

فأخذوا الذّنب، فضربوه به. وقالوا: من قتلك؟ يا فلان! فقال: فلان بن فلان. (ابن عمّه(٤) الّذي جاء به.) وهو قوله:( فَقُلْنا اضْرِبُوهُ بِبَعْضِها. كَذلِكَ يُحْيِ اللهُ الْمَوْتى. وَيُرِيكُمْ آياتِهِ

__________________

(١) المصدر: شديدة الصفرة.

(٢) يوجد في المصدر بعدها: فذبحوها. وما كادوا يفعلون.

(٣) ليس في المصدر.

(٤) المصدر: ابن عمى.

٤٧

لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ ) .

وفي شرح الآيات الباهرة(١) : قال الإمام ـ عليه السّلام: فألزم موسى ـ عليه السّلام ـ أهل القبيلة(٢) بأمر الله، أن يخلف خمسون رجلا من أماثلهم بالله القويّ الشّديد، إله بني إسرائيل مفضّل محمّد وآله الطّيّبين على البرايا أجمعين، إنّا ما قتلنا.

ولا علمنا له قاتلا. ثمّ بعد ذلك أجمع(٣) بنو إسرائيل(٤) على أنّ موسى ـ عليه السّلام ـ يسأل الله ـ عزّ وجلّ ـ أن يحييّ المقتول، ليسألوه من قتله. واقترحوا عليه ذلك.

قال الإمام ـ عليه السّلام: فأوحى الله ـ عزّ وجلّ ـ إليه: يا موسى! أجبهم إلى ما اقترحوه. وسلني أن أبيّن لهم القاتل، ليقتل ويسلم غيره من التّهمة والغرامة. فإنّي أريد إجابتهم إلى ما اقترحوه، توسعة الرّزق(٥) على رجل من خيار أمّتك دينه الصّلاة على محمّد وآله الطّيّبين والتّفضيل لمحمّد وعليّ بعده على سائر البرايا، أن أغنيه في الدّنيا ليكون ذلك بعض ثوابه عن تعظيمه لمحمّد وآله.

فقال موسى ـ عليه السّلام: يا ربّ! بيّن لنا قاتله.

فأوحى الله تعالى إليه: قل لبني إسرائيل: إنّ الله يبيّن لكم ذلك بأن أمركم أن تذبحوا بقرة، فتضربوا ببعضها المقتول، فيحيى. أفتسلمون(٦) لربّ العالمين ذلك؟

ثمّ قال الإمام ـ عليه السّلام: فلمّا استقرّ الأمر، طلبوا هذه البقرة. فلم يجدوها، إلّا عند شابّ من بني إسرائيل، أراه الله تعالى في منامه محمّدا وعليّا، فقالا: إنّك كنت لنا محبّا ومفضّلا. ونحن نريد أن نسوق إليك بعض جزائك في الدّنيا. فإذا راموا منك شراء بقرتك، فلا تبعها، إلّا بأمر أمّك.

ثمّ قال ـ عليه السّلام: فما زالوا يطلبون على النّصف ممّا تقول أمّه ويرجع إلى أمّه، فتضعف الثّمن، حتّى بلغ ملء مسك ثور أكبر ما يكون دنانير. فأوجبت لهم البيع.

فذبحوها. وأخذوا قطعة منها. فضربوه بها. وقالوا: أللّهمّ بجاه محمّد وآله الطّيّبين لـمّا أحييت هذا الميّت. وأنطقته ليخبرنا عن قاتله. فقام سالما سويّا.

فقال: يا نبيّ الله! قتلني هذان ابنا عمّي. حسداني على ابنة عمّي. فقتلاني.

__________________

(١) شرح الآيات الباهرة / ٢٢ ـ ٢٣.

(٢) المصدر: القتلة.

(٣) المصدر: امر.

(٤) المصدر: بني إسرائيل.

(٥) المصدر: للرزق.

(٦) المصدر: فتسلموا.

٤٨

فقال بعض بني إسرائيل لموسى ـ عليه السّلام: لا ندري أيّهما أعجب: إحياء الله هذا وإنطاقه بما نطق، أو إغناؤه لهذا الفتى بهذا المال العظيم؟

فأوحى الله إليه: يا موسى! قل لبني إسرائيل: من أحبّ منكم أن أطيّب في الدّنيا عيشه وأعظّم في جناني محلّه وأجعل لمحمّد وآله الطّيّبين فيها منادمته، فليفعل كما فعل هذا الفتى: إنّه كان قد سمع من موسى ابن عمران ذكر محمّد وعليّ وآلهما الطّيّبين فكان عليهم مصلّيا، ولهم على جميع الخلائق من الملائكة والجنّ والإنس مفضّلا. فلذلك صرفت إليه هذا المال العظيم.

ثمّ قال ـ عليه السّلام: فقال الفتى: يا نبيّ الله! كيف أحفظ هذه الأموال؟ وكيف لا أحذر عداوة من يعاديني فيها وحسد من يحسدني من أجلها؟

فقال له: قل عليه(١) من الصّلاة على محمّد وآله الطيبين ما كنت تقول، قبل أن تنالها.

فقالها الفتى. فما رامها حاسد، أو لصّ، أو غاصب، إلّا دفعه الله ـ عزّ وجلّ ـ بلطفه.

فلمّا قال موسى ـ عليه السّلام ـ للفتى ذلك، قال المقتول المنشور: أللّهمّ إنّي أسألك بما سألك به هذا الفتى، من الصّلاة على محمّد وآله الطيّبين والتّوسّل بهم، أن تبقيني في الدّنيا متمتّعا بابنة عمّي وتخزي أعدائي وحسّادي وترزقني منها كثيرا(٢) طيّبا.

قال: فأوحى الله إليه: يا موسى! إنّه كان لهذا الفتى المنشور بعد القتل، ستّون سنة. وقد وهبت له بمسألته وتوسّله بمحمّد وآله الطّيّبين، سبعين سنة تمام. مائة وثلاثين سنة صحيحه حواسّه، ثابتة فيها جنانه وقوّته وشهواته. يتمتّع بحلال هذه الدّنيا. ويعيش.

ولا يفارقها. ولا تفارقه. فإذا حان حينه، حان حينها. وماتا جميعا. فصارا إلى جناني. وكانا زوجين فيها ناعمين.

ثمّ قال ـ عليه السّلام: فضجّوا إلى موسى ـ عليه السّلام ـ وقالوا: افتقرت القبيلة ودفعت إلى التّلف وأسلخنا بلجاجنا عن قليلنا وكثيرنا؟ فادع الله تعالى لنا بسعة الرّزق.

فقال موسى ـ عليه السّلام: يا ويحكم! ما أعمى قلوبكم! أما سمعتم دعاء الفتى صاحب البقرة وما رزقه الله تعالى من الغنى! أو ما سمعتم دعاء(٣) المقتول المنشور وما أثمر

__________________

(١) ليس في المصدر.

(٢) المصدر: أولادا كثيرا.

(٣) ليس في المصدر.

٤٩

له من العمر الطّويل والسّعادة والتّنعّم والتّمتّع بحواسّه وساير بدنه وعقله؟ لم لا تدعون الله تعالى بمثل دعائهما وتتوسّلون إلى الله تعالى بمثل وسيلتهما؟ ليسدّ فاقتكم ويجبر كسركم ويسدّ خلّتكم.

فقالوا: أللّهمّ إليك التجأنا وعلى فضلك اعتمدنا. فأزل فقرنا، وسدّ خلّتنا، بجاه محمّد وعليّ وفاطمة والحسن والحسين والطّيّبين من آلهم.

فأوحى الله تعالى إليه: يا موسى! قل لهم: ليذهب رؤساؤكم إلى خربة بني فلان، ويكشفوا في موضع كذا وجه الأرض قليلا، ويستخرجوا ما هناك، فإنّه عشرة آلاف ألف دينار، ليردّوا على كلّ من دفع من(١) ثمن البقرة ما دفع، لتعود أموالهم. ثمّ ليتقاسموا بعد ذلك ما فضل، وهو خمسة آلاف ألف دينار. على قدر ما دفع كلّ واحد منهم في هذه المحنة، لتتضاعف أموالهم، جزاء على توسّلهم بمحمّد وآله الطّيّبين واعتقادهم لتفضيلهم.

ثمّ قال ـ عزّ وجلّ:( وَيُرِيكُمْ آياتِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ ) ، أي: يريكم سائر آياته، سوى هذه من الدّلالات على توحيده ونبوّة موسى ـ عليه السّلام ـ نبيّه وفضل محمّد على الخلائق سيّد إمائه وعبيده وتثبيت(٢) فضله وفضل آله الطّيّبين، على سائر خلق الله أجمعين، لعلّكم تعقلون وتتفكّرون أن الّذي يفعل هذه العجائب، لا يأمر الخلق إلّا بالحكمة. ولا يختار محمّدا وآله إلّا لأنّهم أفضل ذوي الألباب].(٣) .

( ثُمَّ قَسَتْ قُلُوبُكُمْ ) :

القساوة: الغلظ مع الصّلابة، كما في الحجر.

وقساوة القلب، مثل في نبوه(٤) عن الاعتبار، وأنّ المواعظ لا تؤثّر فيه. ثمّ لاستبعاد القسوة ونحوه. ثمّ أنتم تمترون.

( مِنْ بَعْدِ ذلِكَ ) ، يعني: إحياء القتيل، أو جميع ما عدّد من الآيات. فإنّها ممّا توجب لين القلب.

( فَهِيَ كَالْحِجارَةِ ) في قسوتها.

( أَوْ أَشَدُّ قَسْوَةً ) : منها، يعني: أنّها في القساوة مثل الحجارة [أو زائدة عليها، أو أنّها

__________________

(١) المصدر: في.

(٢) المصدر: ثبت.

(٣) ما بين المعقوفتين ليس في أ.

(٤) أ: بثوه.

٥٠

مثلها، أو مثل ما هو أشدّ منها قسوة، كالحديد. فحذف المضاف وأقيم المضاف إليه مقامه.

ويعضده قراءة الحجرّ بالفتح، عطفا على الحجارة](١) .

وإنّما لم يقل أقسى، لما في أشدّ من المبالغة. والدّلالة على اشتداد القوتين واشتمال المفضّل على زيادة واو للتخيير أو للتّرديد، بمعنى أنّ من عرف حالها شبّهها بالحجارة، أو بما هو أقسى منها.

( وَإِنَّ مِنَ الْحِجارَةِ لَما يَتَفَجَّرُ مِنْهُ الْأَنْهارُ. وَإِنَّ مِنْها لَما يَشَّقَّقُ فَيَخْرُجُ مِنْهُ الْماءُ. وَإِنَّ مِنْها لَما يَهْبِطُ مِنْ خَشْيَةِ اللهِ ) : تعليل للتّفضيل. فإنّ الحجارة ينفعل. فإنّ منها لما يتفجّر منه الأنهار.

والتّفجر: الفتح بسعة. ومنها ما ينبع منه الماء. ومنها ما يتردّى من أعلى الجبل انقيادا لما أراد الله تعالى به. وقلوب هؤلاء لا تتأثّر عن أمر الله تعالى.

والخشية مجاز من الانقياد.

( وَمَا اللهُ بِغافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ ) (٧٤): وعيد على ذلك.

وقرأ ابن كثير ونافع ويعقوب وخلف وأبو بكر، بالياء والباقون، بالتّاء(٢) .

وقد ورد عن النّبيّ ـ صلّى الله عليه وآله ـ قال:(٣) لا تكثروا الكلام بغير ذكر الله فإنّ كثرة الكلام بغير ذكر الله يقسي القلب. وإنّ أبعد النّاس من الله، القاسي القلب.

[وفي كتاب الاحتجاج، للطّبرسيّ:(٤) وقال أبو محمّد العسكريّ ـ عليه السّلام: لـمّا نزلت هذه الآية( ثُمَّ قَسَتْ قُلُوبُكُمْ مِنْ بَعْدِ ذلِكَ فَهِيَ كَالْحِجارَةِ أَوْ أَشَدُّ قَسْوَةً ) في حقّ اليهود والنّواصب، فغلظ ما(٥) وبّخهم به رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله. فقال جماعة من رؤسائهم وذوي الألسن والبيان منهم. يا محمّد! إنّك لمجنون. فتدّعي(٦) على قلوبنا ما الله يعلم منها خلافه إنّ فيها خيرا كثيرا نصوم ونتصدّق ونواسي الفقراء.

فقال رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله: إنّما الخير ما أريد به وجه الله وعمل على ما أمر الله تعالى. فأمّا ما أريد به الرّياء والسّمعة ومعاندة رسول الله ـ صلّى الله عليه

__________________

(١) ما بين المعقوفتين ليس في أ.

(٢) مجمع البيان ١ / ١٣٩.

(٣) نفس المصدر ونفس الموضع.

(٤) الاحتجاج ١ / ٥٠.

(٥) المصدر: على اليهود ما.

(٦) المصدر: إنّك تهجونا وتدّعي.

٥١

وآله ـ وإظهار الغنى له والتّمالك والشّرف، فليس بخير. بل هو الشّرّ الخاصّ.(١) ووبال على صاحبه. يعذّبه الله به أشدّ العذاب.

فقالوا له: يا محمّد! أنت تقول هذا ونحن نقول: بل ما ننفقه إلّا لإبطال أمرك ودفع رئاستك ولتفريق أصحابك عنك. وهو الجهاد الأعظم. نؤمل به من الله الثّواب الأجلّ الأجسم.(٢)

والحديث طويل. أخذت منه موضع الحاجة. وفيه إلزامهم على الوجه الأعظم.

وفي الخرائج والجرائح،(٣) روي عن الحسين بن عليّ ـ عليهما السّلام ـ في قوله تعالى( ثُمَّ قَسَتْ قُلُوبُكُمْ مِنْ بَعْدِ ذلِكَ. فَهِيَ كَالْحِجارَةِ أَوْ أَشَدُّ قَسْوَةً ) : قال إنّه يقول: يبست قلوبكم، معاشر اليهود! كالحجارة اليابسة. لا ترشح برطوبة، أي: أنّكم لا حقّ الله تؤدّون، ولا بأموالكم تتصدّقون، ولا بالمعروف تتكرّمون، ولا للضّيف تقرون، ولا مكروبا تغيثون، ولا بشيء من الإنسانية تعاشرون، وتواصلون. أو( أَشَدُّ قَسْوَةً ) : أبهم على السّامعين. ولم يبيّن لهم كما يقول القائل: أكلت خبزا أو لحما، وهو لا يريد به أنّه لا أدري ما أكلت، بل يريد أن يبهم على السّامع حتّى لا يعلم ما ذا أكل. وإن يعلم أن قد أكل أيّهما.

( وَإِنَّ مِنَ الْحِجارَةِ لَما يَتَفَجَّرُ مِنْهُ الْأَنْهارُ ) ، أي: قلوبكم في القساوة بحيث لا يجيء منها خير، يا يهود! في الحجارة ما يتفجّر الأنهار، فيجيء بالخير والنّبات لبني آدم. و( إِنَّ مِنْها ) ، أي: من الحجارة( لَما يَشَّقَّقُ فَيَخْرُجُ مِنْهُ الْماءُ ) دون الأنهار. وقلوبكم لا يجيء منها الكثير من الخير ولا القليل.( وَإِنَّ مِنْها لَما يَهْبِطُ ) ، أي: من الحجارة، إن أقسم عليها باسم الله تهبط. وليس في قلوبكم شيء منه.

فقالوا: يا محمّد! زعمت أنّ الحجارة ألين من قلوبنا؟ وهذه الجبال بحضرتنا.

فاستشهدها على تصديقك. فإن نطقت بتصديقك، فأنت المحقّ.

فخرجوا إلى أوعر جبل. فقالوا: استشهده.

فقال رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ أسألك يا جبل! بجاه محمّد وآله الطّيّبين الّذين بذكر أسمائهم خفّف الله العرش على كواهل ثمانية من الملائكة بعد أن لم يقدروا على تحريكه.

__________________

(١) كذا في المصدر وفي الأصل ور. ولعله: الخالص.

(٢) المصدر: العظيم.

(٣) تفسير نور الثقلين ١ / ٩٠، ح ٢٤٥، نقلا الخرائج والجرائح.

٥٢

فتحرّك الجبل. وفاض الماء. ونادى: أشهد أنّك رسول الله. وأنّ قلوب هؤلاء اليهود، كما وصفت، أقسى من الحجارة.

فقال اليهود: علينا تلبس. أجلست أصحابك خلف هذا الجبل، ينطقون بمثل هذا؟ فإن كنت صادقا، فتنحّ من موضعك إلى ذي القرار. ومر هذا الجبل، يسير إليك.

ومره أن ينقطع بنصفين، ترتفع السّفلى وتنخفض العليا.

فأشار إلى حجر مد حرج. فتدحرج. ثمّ قال لمخاطبه: خذه. فقرّبه. فسيعيد عليك ما سمعت. فإنّ هذا جزء من ذلك الجبل.

فأخذه الرّجل. فأدناه من أذنه. فنطق الحجر بمثل ما نطق به الجبل.

قال: فإنّني بما اقترحت.

قال: فتباعد رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ إلى فضاء واسع، ثمّ نادى: أيّها الجبل! بحقّ محمّد وآله الطّيّبين، لـمّا اقتلعت من مكانك بإذن الله وجئت إلى حضرتي.

فتزلزل الجبل. وصار(١) مثل الفرس الهملاج. فنادى: أنا سامع لك، ومطيع أمرك.

فقال: هؤلاء اقترحوا على أن أمرك إن تنقطع من أصلك، فتصير نصفين، فينحطّ أعلاك ويرتفع أسفلك.

فانقطع نصفين. وارتفع أسفله. وانخفض أعلاه. فصار فرعه أصله.

ثمّ نادى الجبل: أهذا الّذي ترون دون معجزات موسى الّذي تزعمون أنّكم به تؤمنون؟

فقال رجل منهم: هذا رجل تتأتّى له العجائب. فنادى الجبل: يا عدوّ الله! أبطلتم بما تقولون نبوّة موسى حيث كان وقوف الجبل فوقهم كالظّلل فيقال هو رجل تتأتّى له العجائب. فلزمتهم الحجّة ولم يسلموا؟

وفي مجمع البيان(٢) : وروى عن النّبيّ ـ صلّى الله عليه وآله ـ أنّه قال: إنّ حجرا كان يسلّم عليّ في الجاهليّة، وإنّي لأعرفه الآن.

وفي كتاب الخصال(٣) ، عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ أنّه قال: كان فيما أوصى

__________________

(١) المصدر: سار. وهو الظاهر.

(٢) مجمع البيان: ١ / ١٤٠ ـ ١٤١.

(٣) الخصال ١٢٥ ـ ١٢٦، مقطع من ح ١٢٢.

٥٣

به رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ عليّا ـ عليه السّلام: يا عليّ! ثلاث يقسين القلب :استماع اللهو، وطلب الصّيد، وإتيان باب السّلطان.

وفيه(١) ، فيما علّم أمير المؤمنين ـ عليه السّلام ـ أصحابه: ولا يطول عليكم الأمل(٢) ، فتقسو قلوبكم.

عن أبي عبد الله، عن أبيه(٣) ـ عليهما السّلام. قال: أوحى الله ـ تبارك وتعالى ـ إلى موسى ـ عليه السّلام: لا تفرح بكثرة المال ـ إلى قوله ـ وترك ذكري يقسي القلوب.

وفي كتاب علل الشّرائع(٤) ، بإسناده إلى الأصبغ بن نباتة. قال: قال أمير المؤمنين ـ عليه السّلام: ما جفّت الدّموع إلّا لقسوة القلوب. وما قست القلوب إلّا لكثرة الذّنوب.

وفي أصول الكافي(٥) : عدّة من أصحابنا، عن أحمد بن محمّد، عن عمرو ابن عثمان، عن عليّ بن عيسى رفعه. قال: فيما ناجى الله ـ عزّ وجلّ ـ به موسى ـ عليه السّلام: يا موسى! لا يطول في الدّنيا أملك، فيقسو قلبك. والقاسي القلب، منّي بعيد.

وفي شرح الآيات الباهرة(٦) : قال الإمام ـ عليه السّلام ـ في تأويل ذلك: وقلوبهم لا يتفجّر(٧) منها الخيرات ولا تنشقّ فيخرج منها قليل من الخيرات وإن لم يكن كثيرا.

ثمّ قال ـ عزّ وجلّ:( وَإِنَّ مِنْها لَما يَهْبِطُ مِنْ خَشْيَةِ اللهِ ) إذا أقسم عليها باسم الله وبأسماء أوليائه، محمّد وعليّ وفاطمة والحسن والحسين والطّيّبين من آلهم ـ صلّى الله عليهم. وليس في قلوبكم شيء من هذه الخيرات.

ثمّ قال ـ عليه السّلام: وهذا التّقريع من الله تعالى لليهود والنّواصب. واليهود جمعوا الأمرين واقترفوا الخطيئتين. فغلظ على اليهود ما وبّخهم به رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله. وقال جماعة من رؤسائهم: يا محمّد! إنّك مجنون. تدّعي على قلوبنا ما الله(٨) يعلم منها خلافه. وإن فيها خيرا كثيرا، نصوم ونتصدّق ونواسي الفقراء.

ثمّ قال ـ عليه السّلام: فقالوا: يا محمّد! زعمت أنّه ما في قلوبنا شيء من مواساة الفقراء ومعاونة الضّعفاء؟ وإنّ الأحجار ألين من قلوبنا. وأطوع لله منّا. وهذه الجبال

__________________

(١) نفس المصدر: ٦٢٢.

(٢) المصدر: الأمد.

(٣) نفس المصدر / ٣٩، ح ٢٣.

(٤) علل الشرائع / ٨١، ح ١.

(٥) الكافي ٢ / ٣٢٩، ح ١.

(٦) تأويل الآيات الباهرة / ٢٤ ـ ٢٥.

(٧) المصدر: لا تنفجر. (٨) المصدر: فالله.

٥٤

بحضرتنا، هلمّ بنا إلى بعضها فاستشهده على تصديقك وتكذيبنا؟

فقال رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله: نعم. فهلمّوا بنا إلى أيّها شئتم استشهده ليشهد لي عليكم.

قال: فخرجوا إلى أوعر جبل رأوه.

فقالوا: يا محمّد! هذا الجبل. فاستشهده! فقال رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله: أيّها الجبل! إنّي أسألك بجاه محمّد وآله الطّيّبين الّذين بذكر أسمائهم خفّف الله العرش على كواهل ثمانية من الملائكة بعد أن لم يقدروا على تحريكه وهم خلق كثير لا يعرف عددهم إلّا الله ـ عزّ وجلّ ـ، وبحقّ محمّد وآله الطّيّبين الّذين بذكر أسمائهم تاب الله تعالى على آدم وغفر خطيئته وأعاده إلى مرتبته، وبحقّ محمّد وآله الطّيّبين الّذين بذكر أسمائهم وسؤال الله بهم رفع إدريس في الجنّة مكانا عليّا، لـمّا شهدت لمحمّد بما أودعك الله بتصديقه على هؤلاء اليهود، في ذكر(١) قساوة قلوبهم وتكذيبهم في جحودهم لقول محمّد رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله.

قال: فتحرّك الجبل. فتزلزل.(٢) وفاض عنه الماء. ونادى: يا محمّد! أشهد أنّك رسول الله ربّ العالمين، وسيّد الخلائق أجمعين صلّى الله عليك وآلك إلى العالمين والخلائق أجمعين. وأشهد أن قلوب هؤلاء اليهود أقسى من الحجارة. لا يخرج منها خير. وقد يخرج من الحجارة الماء سيلا وتفجيرا. وأشهد أنّ هؤلاء الكاذبون عليك بما به قذفوك من الفرية على ربّ العالمين.

ثمّ قال رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله: وأسألك، أيّها الجبل! أمرك الله بطاعتي فيما التمسه(٣) منك بجاه محمّد وآله الطّيّبين الّذين بهم نجّى الله تعالى نوحا من الكرب العظيم وبهم برّد الله النار على إبراهيم وجعلها عليه سلاما ومكّنه في جوف النّار على سرير وفراش وبرد(٤) وأنبت مواليه من الأشجار الخضرة النّضرة الزهرة(٥) وعمّر ما حوله من انواع ما لا يوجد إلّا في الفصول الأربعة من جميع السّنة.

قال: فقال الجبل: بلى. أشهد، يا محمّد! لك بذلك. وأشهد أنّك لو اقترحت على

__________________

(١) المصدر: ذكره في.

(٢) المصدر: وتزلزل.

(٣) كذا في المصدر. وفي الأصل ور: التمسته.

(٤) كذا في المصدر. وفي الأصل ور: بئر.

(٥) المصدر: آنس هيئة.

٥٥

ربّك أن يجعل رجال الدّنيا قرودا وخنازير، لفعل. وأن يجعلهم ملائكة، لفعل وأن يقلب النّيران جليدا والجليد نيرانا، لفعل. وأن يهبط السّماء إلى الأرض أو يرفع الأرض إلى السّماء، لفعل. وأن يصيّر أطراف المشارق والمغارب والوهاد كلّها ضرب طرف الكبش(١) ، لفعل. وأنّه قد جعل الأرض والسّماء طوعك والبحار والجبال تنصرف(٢) بأمرك. وسائر ما خلق الله من الرّياح والصّواعق وجوارح الإنسان وأعضاء الحيوان لك مطيعة. وما أمرتها به من شيء ائتمرت.

تمّ كلامه صلوات الله عليه. فقالت اليهود بعد: أنت تلبس علينا واقترحوا عليه أشياء أن يفعلها الجبل المشار إليها فأجابهم إليها.

قال الإمام ـ عليه السّلام: فتباعد رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ إلى فضاء واسع. ثمّ نادى الجبل: يا أيّها الجبل! بحقّ محمّد وآله الطّيّبين الّذين بجاههم ومسألة عباد الله بهم أرسل الله على قوم عاد ريحا صرصرا عاتية تنزع النّاس كأنّهم أعجاز نخل خاوية، وأمر جبرئيل أن يصيح صيحة واحدة في قوم صالح حتّى صاروا كالهشيم المحتضر، لـمّا انقلعت من مكانك بإذن الله وجئت إلى حضرتي.

قال: فتزلزل(٣) الجبل، وصار كالقدح الهملاج، حتّى دنى من إصبعه. فلصق بها.

ووقف. ونادى: ها أنا سامع لك مطيع، يا رسول الله! وإن رغمت أنوف هؤلاء المعاندين، فمرني بأمرك.

فقال رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله: إنّ هؤلاء المعاندين اقترحوا عليّ أن أمرك أن تنقلع(٤) من أصلك، فتصير نصفين، ثمّ ينحطّ أعلاك، ويرتفع أسفلك، وتصير ذروتك أصلك، وأصلك ذروتك.

فقال الجبل: أفتأمرنى بذلك، يا رسول الله؟

قال: بلى.

قال: فانقطع الجبل نصفين. وانحطّ أعلاه إلى الأرض. وارتفع أسفله فوق أعلاه.

__________________

(١) المصدر: ظرف الكيش. وفي هامش المصدر: صرة كصرة الكيس (خ ل). وكذلك في تفسير البرهان ١ / ١١٤.

(٢) المصدر: تتصرّف.

(٣) المصدر: فتحرّك.

(٤) المصدر: تنقطع.

٥٦

فصار فرعه أصله، وأصله فرعه.

ثمّ نادى الجبل: معاشر اليهود! هذا الّذي ترون دون معجزات موسى الّذي تزعمون أنّكم به مؤمنون.

فنظر اليهود بعضهم إلى بعض. فقال بعضهم: ما عن هذا محيص. وقال آخرون منهم: هذا رجل مبخوت. ومبخوت(١) تتأتّى له(٢) العجائب. فلا يغرّنّكم ما تشاهدون منه.

فناداهم الجبل: يا أعداء الله! أبطلتم بما تقولون نبوّة موسى؟ هلّا قلتم لموسى إذا قلب العصا ثعبانا وانفلق له البحر طرقا ووقف الجبل كالظّلّة فوقكم: إنّك تؤتى لك العجائب. فلا يغرّنا ما نشاهده منك؟

فألقمهم الجبل بمقالة الصّخور وألزمهم(٣) حجّة ربّ العالمين. (انتهى)](٤)

( أَفَتَطْمَعُونَ ) :

الخطاب لرسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ والمؤمنين.

( أَنْ يُؤْمِنُوا لَكُمْ ) ، أي: اليهود.

( وَقَدْ كانَ فَرِيقٌ مِنْهُمْ ) : من أسلافهم،( يَسْمَعُونَ كَلامَ اللهِ ) ، أي: التوراة، أو حين كلّم موسى،( ثُمَّ يُحَرِّفُونَهُ ) : يغيّرونه أو يأوّلونه بما يشتهون،( مِنْ بَعْدِ ما عَقَلُوهُ ) : ولم يبق لهم فيه ريبة.

( وَهُمْ يَعْلَمُونَ ) (٧٥) أنّهم مبطلون.

فإذا كان أخبار هؤلاء وأسلافهم بهذه الحالة، فما طمعكم بجهّالهم وسفلتهم؟

( وَإِذا لَقُوا الَّذِينَ آمَنُوا ) ، أي: اليهود.

( قالُوا: آمَنَّا ) ، أي: قال منافقوهم: آمنّا بأنّكم على الحقّ، ورسولكم هو المبشّر به في التوراة.

( وَإِذا خَلا بَعْضُهُمْ إِلى بَعْضٍ قالُوا ) ، أي: الّذين لم ينافقوا عاتبين على من نافق.

( أَتُحَدِّثُونَهُمْ بِما فَتَحَ اللهُ عَلَيْكُمْ ) وبيّنه في التوراة، من نعت محمّد ـ صلّى الله عليه وآله ـ أو الّذين نافقوا لأعقابهم إظهارا، للتّصلّب في اليهوديّة ومنعا لهم عن إبداء ما

__________________

(١) المصدر: فوتآله

(٢) المصدر: لك.

(٣) المصدر: فالقاهم الجبل بمقالتهم الزور ولزومهم.

(٤) ما بين المعقوفتين ليس في أ.

٥٧

وجدوا في كتابهم، فيتناول الفريقين.

فالاستفهام على الأوّل، تقريع، وعلى الثّاني، إنكار ونهي.

( لِيُحَاجُّوكُمْ بِهِ عِنْدَ رَبِّكُمْ ) ليحتجّوا بما فتح الله عليكم، حال كونه ثابتا عند ربّكم، أي: من جملة ما ثبت عند ربّكم، أي: من جملة ما أنزل الله في كتابه.

( أَفَلا تَعْقِلُونَ ) (٧٦)، إمّا من كلام اللائمين، وتقديره «أفلا تعقلون أنّهم يحاجّوكم فيغلبون به عليكم»، أو متّصل بقوله أفتطمعون.

والمعنى: أفلا تعقلون حالهم. وأن لا مطمع لكم في إيمانهم.

[وفي مجمع البيان(١) :( تُحَدِّثُونَهُمْ بِما فَتَحَ اللهُ عَلَيْكُمْ ) . (الآية) وروي عن أبي جعفر الباقر ـ عليه السّلام ـ أنّه قال: كان قوم من اليهود ليسوا من المعاندين المتواطئين. إذا لقوا المسلمين حدّثوهم بما في التّوراة من صفة محمّد ـ صلّى الله عليه وآله. فنهاهم كبراؤهم عن ذلك. وقالوا: لا تخبروهم بما في التّوراة من صفة محمّد ـ صلّى الله عليه وآله. فيحاجّوكم به عند ربّكم. فنزلت هذه الآية].(٢)

( أَوَلا يَعْلَمُونَ ) هؤلاء( أَنَّ اللهَ يَعْلَمُ ما يُسِرُّونَ ) من الكفر وما فتح الله وتحريف الكلم وغيره؟

( وَما يُعْلِنُونَ ) (٧٧) من الإيمان وغير ما فتح الله وتأويلاتهم وتحريفاتهم؟

( وَمِنْهُمْ أُمِّيُّونَ لا يَعْلَمُونَ الْكِتابَ ) ، اي: التّوراة( إِلَّا أَمانِيَ ) : استثناء منقطع.

والأمانيّ، جمع أمنيّة. وهي في الأصل: ما يقدّره الإنسان في نفسه.

( وَإِنْ هُمْ إِلَّا يَظُنُّونَ ) (٧٨): لا علم لهم.

روي أنّ رجلا قال للصّادق(٣) ـ عليه السّلام: إذا كان هؤلاء العوامّ(٤) من اليهود(٥) ، لا يعرفون الكتاب إلا ما يسمعونه من علمائهم، لا سبيل لهم إلى غيره، فكيف ذمّهم

__________________

(١) مجمع البيان ١ / ١٤٢.

(٢) ما بين المعقوفتين ليس في أ.

(٣) الاحتجاج ٢ / ٢٦٣.

(٤) ليس في ر.

(٥) ر: اليهود من العوامّ.

٥٨

بتقليدهم والقبول من علمائهم؟ وهل عوامّ اليهود إلّا كعوامّنا؟ يقلّدون علماءهم. فإن لم يجز لأولئك القبول من علمائهم، لم يجز لهؤلاء القبول من علمائهم.

فقال ـ عليه السّلام: بين عوامّنا وعلمائنا وبين عوامّ اليهود وعلمائهم، فرق من جهة وتسوية من جهة: أمّا من حيث استووا، فإنّ الله قد ذمّ عوامّنا بتقليدهم علماءهم كما قد ذمّ عوامّهم. وأمّا من حيث افترقوا، فلا.

قال: بيّن لي ذلك، يا بن رسول الله! قال ـ عليه السّلام: إنّ عوامّ اليهود كانوا قد عرفوا علماءهم بالكذب الصّراح وبأكل الحرام والرّشاء وبتغيير الأحكام عن واجبها بالشّفاعات والعنايات والمضايقات.(١) وعرفوهم بالتّعصّب الشّديد الّذي يفارقون به أديانهم. وأنّهم إذا تعصّبوا أزالوا حقوق من تعصّبوا عليه وأعطوا ما لا يستحقّه من تعصّبوا له من أموال غيرهم وظلموهم من أجلهم.

وعرفوهم يقارفون المحرّمات واضطرّوا بمعارف قلوبهم إلى أنّ من فعل ما يفعلونه، فهو فاسق، لا يجوز أن يصدق على الله ولا على الوسائط بين الخلق وبين الله. فلذلك ذمّهم لـمّا قلّدوا من قد عرفوا ومن قد علموا أنّه لا يجوز قبول خبره ولا تصديقه في حكايته ولا العمل بما يؤدّيه إليهم عمّن لم يشاهدوه. ووجب عليهم النّظر بأنفسهم، في أمر رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ إذ كانت دلالته أوضح من أن تخفى وأشهر من أن لا تظهر (ص) لهم. وكذلك عوامّ أمّتنا، إذا عرفوا من فقهائهم الفسق الظّاهر والعصبية الشّديدة والتّكالب على حطام الدّنيا وحرامها وإهلاك من يتعصّبون عليه. وإن كان لإصلاح أمره مستحقّا. وبالرّفق(٢) والبر والإحسان على من تعصّبوا له. وإن كان للإذلال والإهانة مستحقّا. فمن قلّد من عوامّنا مثل هؤلاء الفقهاء، فهم مثل اليهود الّذين ذمّهم الله تعالى بالتّقليد لفسقة فقهائهم.

وأمّا من كان من الفقهاء، صائنا لنفسه، حافظا لدينه، مخالفا على هواه، مطيعا لأمر مولاه، فللعوامّ أن يقلدوه. وذلك لا يكون إلّا بعض فقهاء الشيعة، لا جميعهم. فأنّ من يركب(٣) من القبائح والفواحش، مراكب فسقة فقهاء(٤) العامّة، فلا تقبلوا منهم عنّا(٥) شيئا.

ولا كرامة لهم.(٦)

__________________

(١) المصدر: المضانعات.

(٢) المصدر: بالزخرف.

(٣) المصدر: فانّه من ركب.

(٤) ليس في المصدر.

(٥) المصدر: منّا عنه.

(٦) ليس في المصدر.

٥٩

( فَوَيْلٌ ) ، أي: تحسر وهلك.

مصدر. لا فعل له.

( لِلَّذِينَ يَكْتُبُونَ الْكِتابَ ) ، أي: المحرّف.

( بِأَيْدِيهِمْ ) : تأكيد.

( ثُمَّ يَقُولُونَ: هذا مِنْ عِنْدِ اللهِ، لِيَشْتَرُوا بِهِ ثَمَناً قَلِيلاً ) ، أي: يحصلوا غرضا من أغراض الدّنيا. فإنّه قليل بالنّسبة إلى عقابهم.

( فَوَيْلٌ لَهُمْ مِمَّا كَتَبَتْ أَيْدِيهِمْ ) من المحرّف.

( وَوَيْلٌ لَهُمْ مِمَّا يَكْسِبُونَ ) (٧٩) من الرّشى.

[وفي كتاب الاحتجاج،(١) للطّبرسيّ ـ رحمه الله ـ بإسناده إلى أبي محمّد العسكريّ ـ عليه السّلام ـ في قوله تعالى( وَمِنْهُمْ أُمِّيُّونَ لا يَعْلَمُونَ الْكِتابَ إِلَّا أَمانِيَ ) : إن الأمّيّ، منسوب إلى أمّه، أي: كما هو خرج من بطن أمّه لا يقرأ ولا يكتب.( لا يَعْلَمُونَ الْكِتابَ ) المنزل من السّماء، ولا المتكلّم(٢) به. ولا يميّزون بينهما،( إِلَّا أَمانِيَ ) ، أي: إلّا أن يقرأ عليهم.

ويقال لهم: إنّ هذا كتاب الله وكلامه. لا يعرفون إن قرئ من الكتاب، خلاف ما هم فيه.( وَإِنْ هُمْ إِلَّا يَظُنُّونَ ) ، أي: ما يقرأ عليهم رؤساؤهم، من تكذيب محمّد ـ صلّى الله عليه وآله ـ في نبوّته وإمامة عليّ، سيّد عترته. وهم يقلّدونهم. مع أنّه محرّم عليهم تقليدهم( فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ يَكْتُبُونَ الْكِتابَ بِأَيْدِيهِمْ ثُمَّ يَقُولُونَ هذا مِنْ عِنْدِ اللهِ لِيَشْتَرُوا بِهِ ثَمَناً قَلِيلاً ) .

قال ـ عليه السّلام: قال الله تعالى: هذا القوم من اليهود، كتبوا صفة، زعموا أنّها صفة محمّد ـ صلّى الله عليه وآله. وهي خلاف صفته. وقالوا للمستضعفين منهم: هذه صفة النّبيّ المبعوث في آخر الزّمان، أنّه طويل عظيم البدن والبطن، أهدف، أصهب الشّعر.

ومحمّد ـ صلّى الله عليه وآله ـ بخلافه. وهو يجيء بعد هذا الزّمان، بخمسمائة سنة. وإنّما أرادوا بذلك، لتبقى لهم على ضعفائهم رئاستهم. وتدوم لهم إصاباتهم. ويكفوا أنفسهم مؤنة خدمة رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ وخدمة عليّ ـ عليه السّلام ـ وأهل خاصّته.

فقال الله ـ عزّ وجلّ:( فَوَيْلٌ لَهُمْ مِمَّا كَتَبَتْ أَيْدِيهِمْ. وَوَيْلٌ لَهُمْ مِمَّا يَكْسِبُونَ ) » من هذه الصّفات المحرّمات المخالفات، لصفة محمّد ـ صلّى الله عليه وآله ـ وعليّ ـ عليه السّلام ـ الشّدة لهم من العذاب، في أسوء بقاع جهنم. وويل لهم الشّدّة من العذاب، ثانية مضافة

__________________

(١) الاحتجاج ٢ / ٢٦١.

(٢) المصدر: لا المتكذّب.

٦٠

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

قال: إذا سافر الرّجل في شهر رمضان، أفطر. وإن صامه بجهالة لم يقضه.

وفي من لا يحضره الفقيه(١) : روى ابن بكير، عن زرارة قال: سألت أبا عبد الله ـ عليه السّلام ـ ما حدّ المرض الّذي يفطر فيه الرّجل(٢) ويدع الصّلاة من قيام؟

قال:( بَلِ الْإِنْسانُ عَلى نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ ) . هو أعلم بما يطيقه.

وروى جميل بن درّاج(٣) ، عن الوليد بن صبيح، قال: حممت بالمدينة يوما في شهر رمضان. فبعث إليّ أبو عبد الله ـ عليه السّلام ـ بقصعة. فيها خلّ وزيت. وقال لي: أفطر.

وصلّ، وأنت قاعد.

وفي رواية حريز(٤) ، عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ قال: الصّائم إذا خاف على عينيه من الرّمد، أفطر.

( وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ ) ، أي: على الّذين كانوا يطيقون الصّوم، فلم يطيقوه الآن لمرض، كعطاش(٥) أو كبر أو أفطروا لمرض أو سفر، ثمّ زال عذرهم وأطاقوا ولم يقضوا حتّى دخل رمضان آخر،( فِدْيَةٌ طَعامُ مِسْكِينٍ ) : بمدّ من كلّ يوم.

في الكافي(٦) : محمّد بن يحيى، عن محمّد بن الحسين، عن صفوان بن يحيى، عن العلا بن رزين، عن محمّد بن مسلم، عن أبي جعفر ـ عليه السّلام ـ في قول الله ـ عزّ وجلّ ـ( وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعامُ مِسْكِينٍ ) قال: الشّيخ الكبير(٧) والّذي يأخذه العطاش.

أحمد بن محمّد(٨) ، عن ابن فضّال، عن ابن بكير، عن بعض أصحابنا، عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ في قول الله تعالى:( وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعامُ مِسْكِينٍ ) (٩) »، قال: الّذين كانوا يطيقون الصّوم فأصابهم كبر أو عطاش(١٠) أو شبه ذلك، فعليهم بكل(١١) يوم مدّ.

__________________

(١) من لا يحضره الفقيه ٢ / ٨٣، ح ٣٦٩.

(٢) المصدر: الصائم. (ظ)

(٣) نفس المصدر ونفس الموضع، ح ٣٧٠.

(٤) نفس المصدر ٢ / ٨٤، ح ٣٧٣.

(٥) أ: العطاش.

(٦) الكافي ٤ / ١١٦، ح ١.

(٧) أ: قال: الذين كانوا يطيقون الصوم الشيخ الكبير.

(٨) نفس المصدر ونفس الموضع، ح ٥.

(٩) أ: مسكين.

(١٠) ر: كبرا أو عطاشا.

(١١) المصدر: لكلّ.

٢٤١

وفي تفسير عليّ بن إبراهيم(١) : قوله:( وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعامُ مِسْكِينٍ ) (٢) ، قال: من مرض في شهر رمضان، فأفطر، ثمّ صحّ، فلم يقض ما فاته حتى جاء شهر رمضان آخر، فعليه ان يقضي ويتصدّق عن كلّ يوم بمدّ من الطّعام.

وقرأ نافع وابن عامر بإضافة الفدية إلى «الطّعام» وجمع «المساكين(٣)( فَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْراً ) : فزاد في الفدية.

( فَهُوَ ) ، أي: التّطوّع أو الخير،( خَيْرٌ لَهُ وَأَنْ تَصُومُوا ) ، أي: صومكم على تقدير عدم المانع، وتكلف الصّوم على تقدير وجوده.

( خَيْرٌ لَكُمْ ) من الفدية، أو تطوّع الخير، أو منهما،( إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ ) (١٨٤) ما في الصّوم من الفضيلة.

وجوابه محذوف، أي اخترتموه، أو إن كنتم من أهل العلم والتّدبّر، علمتم أنّ الصّوم خير لكم من ذلك.

( شَهْرُ رَمَضانَ ) :

مبتدأ. خبره ما بعده. أو خبر مبتدأ محذوف. تقديره «ذلكم شهر رمضان.» أو بدل من الصّيام، على حذف المضاف، أي: كتب عليكم الصّيام، صيام شهر رمضان.

وقرئ بالنّصب على إضمار صوموا أو على أنّه بدل من( أَيَّاماً مَعْدُوداتٍ ) أو مفعول( وَأَنْ تَصُومُوا ) . وفيه ضعف.

و «رمضان» مصدر رمض، إذا احترق. فأضيف إليه الشّهر. وجعل علما له.

ومنع من الصّرف للعلميّة والألف والنّون.

وفي أصول الكافي(٤) : محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد ومحمّد بن الحسين، عن محمّد بن يحيى الخثعمىّ، عن غياث بن إبراهيم، عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ عن أبيه ـ عليه السّلام ـ قال: قال أمير المؤمنين ـ عليه السّلام: لا تقولوا «رمضان». ولكن قولوا «شهر رمضان». فانّكم لا تدرون ما رمضان؟

__________________

(١) تفسير القميّ ١ / ٦٦.

(٢) أ: مسكين.

(٣) مجمع البيان ١ / ٢٧٢.

(٤) بل في فروع الكافي، ر. الكافي ٤ / ٦٩، ح ١.

٢٤٢

عدّة من أصحابنا(١) ، عن أحمد بن محمّد، عن أحمد بن محمّد بن أبي نصر، عن هشام بن سالم، عن سعد، عن أبي جعفر ـ عليه السّلام ـ قال: كنّا عنده ثمانية رجال. فذكرنا رمضان. فقال: لا تقولوا «هذا رمضان» ولا «ذهب رمضان» ولا «جاء رمضان». فإنّ «رمضان» اسم من أسماء الله ـ عزّ وجلّ. لا يجيء ولا يذهب. وإنّما يجيء ويذهب الزّائل.

ولكن قولوا «شهر رمضان». فالشّهر(٢) مضاف إلى الاسم. والاسم اسم الله عزّ ذكره. وهو الشّهر الّذي أنزل فيه القرآن. جعله مثلا وعيدا(٣) .

( الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ ) ، الموصول بصلته خبر لمبتدأ او صفته والخبر «فمن شهد». أي: أنزل في شأنه القرآن. وهو قوله( كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيامُ ) ، أو( أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ ) جملة واحدة إلى البيت المعمور، ثمّ نزل منجّما.

وفي أصول الكافي(٤) ، عليّ بن إبراهيم، عن أبيه. ومحمّد بن القاسم، عن محمّد بن سليمان، عن داود، عن حفص بن غياث، عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ قال: سألته عن قول الله ـ عزّ وجلّ ـ( شَهْرُ رَمَضانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ ) . وإنّما أنزل في عشرين سنة بين أوّله وآخره. فقال أبو عبد الله ـ عليه السّلام: نزل القرآن جملة واحدة في جملة شهر رمضان، إلى البيت المعمور. ثمّ نزل في طول عشرين سنة.

ثمّ قال: قال النّبيّ ـ صلّى الله عليه وآله: نزلت صحف إبراهيم في أوّل ليلة من شهر رمضان. وأنزلت التوراة لستّ مضين من شهر رمضان. وأنزل الإنجيل لثلاث عشرة ليلة خلت من شهر رمضان. وانزل الزّبور لثمان عشرة خلون من شهر رمضان. وانزل القرآن في ثلاث وعشرين من شهر رمضان.

وفي الكافي(٥) : عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن عبد الله بن المغيرة، عن عمرو الشّاميّ، عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ قال: ونزل القرآن في أوّل ليلة من شهر رمضان. واستقبل الشّهر بالقرآن.

ويمكن الجمع بين الخبرين، بحمل الإنزال جملة واحدة في ثلاث وعشرين

__________________

(١) نفس المصدر ونفس الموضع، ح ٢.

(٢) المصدر: فأن الشهر.

(٣) ليس في أ.

(٤) الكافي ٢ / ٦٢٨، ح ٦.

(٥) نفس المصدر ٤ / ٦٥، ح ١.

٢٤٣

إلى البيت المعمور. وحمل الإنزال في أوّل اللّيلة، على ابتداء إنزاله منجّما إلى الدّنيا.

عدّة من أصحابنا(١) ، عن سهيل بن زياد. وعليّ بن إبراهيم، عن أبيه ـ جميعا ـ عن ابن محبوب، عن أبي حمزة، عن أبي يحيى، عن الأصبغ بن نباته قال: سمعت أمير المؤمنين ـ عليه السّلام ـ يقول: نزل القرآن أثلاثا: ثلث فينا وفي عدوّنا، وثلث سنن وأمثال، وثلث فرائض وأحكام.

وفي أصول الكافي(٢) : عدّة من أصحابنا، عن أحمد بن محمّد، عن الحجّال، عن عليّ بن عقبة، عن داود بن فرقد، عمّن ذكره، عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ قال: إنّ القرآن نزل أربعة أرباع: ربع حلال، وربع حرام، وربع سنن وأحكام، وربع خبر ما كان قبلكم ونبأ ما يكون بعدكم وفصل ما يكون بينكم.

أبو عليّ الأشعريّ،(٣) عن محمّد بن عبد الجبّار، عن صفوان، عن إسحاق بن عمّار، عن أبي بصير، عن أبي جعفر ـ عليه السّلام ـ قال: نزل القرآن أربعة أرباع: ربع فينا، وربع في عدوّنا، وربع سنن وأمثال، وربع فرائض وأحكام.

والجمع بين الخبر الأوّل والثّاني، أنّ المراد بالخبر الأوّل، أنّ ثلث القرآن فينا وفي عدوّنا، بحسب بطونه، وإن كان بحسب ظاهر ألفاظه في شيء من السّنن والأحكام والقصص وغير ذلك. وثلثاه الآخران، ليسا كذلك.

والجمع بينه وبين الثّالث، بأن قائله أمير المؤمنين ـ عليه السّلام ـ وله لاختصاص ببعض الآيات لم يشركه فيها باقي الأئمّة ـ عليهم السّلام. وقائل الخبر الثّالث، أبو جعفر ـ عليه السّلام. ومراده ـ عليه السّلام ـ أنّ الرّبع يشترك فيه كلّنا.

وروى عليّ بن إبراهيم(٤) ، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن عمر بن أذينة، عن الفضيل بن يسار، قال: قلت: إنّ النّاس يقولون إنّ القرآن نزل على سبعة أحرف.

فقال: كذبوا أعداء الله. ولكنّه نزل على حرف واحد من عند الواحد.

( هُدىً لِلنَّاسِ وَبَيِّناتٍ مِنَ الْهُدى وَالْفُرْقانِ ) :

حالان من القرآن، أي: أنزل وهو هداية للنّاس، باعجازه، وآيات واضحات ممّا يهدي إلى الحقّ، ويفرق به بينه وبين الباطل بما فيه من الحكم والأحكام.

__________________

(١) نفس المصدر ٢ / ٦٢٧، ح ٢.

(٢) نفس المصدر ونفس الموضع، ح ٣.

(٣) نفس المصدر ٢ / ٦٢٨، ح ٤.

(٤) نفس المصدر ٢ / ٦٣٠، ح ١٣.

٢٤٤

وفي كتاب معاني الأخبار(١) ، بإسناده إلى ابن سنان وغيره، عمّن ذكره قال: سألت أبا عبد الله ـ عليه السّلام ـ عن «القرآن» و «الفرقان» أهما شيئان؟ أم شيء واحد؟

قال: فقال: «القرآن» جملة الكتاب. و «الفرقان» المحكم الواجب العمل به.

( فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ ) :

في الفاء إشعار بأنّ الإنزال فيه سبب اختصاصه بوجوب الصّوم فيه.

( الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ ) فيه.

وضع المظهر، موضع المضمر، للتّعظيم. نصب على الظّرف. وحذف الجارّ.

ونصب الضّمير على الاتّساع.

وقيل(٢) : من شهد منكم هلال الشّهر، فليصمه على أنّه مفعول به، كقولك شهدت يوم الجمعة، أي: صلاتها.

في كتاب الخصال(٣) ، فيما علّم أمير المؤمنين ـ عليه السّلام ـ أصحابه: ليس للعبد أن يخرج إلى سفر إذا حضر شهر رمضان، لقوله تعالى:( فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ ) .

وفي من لا يحضره الفقيه(٤) : وسأل عبيد بن زرارة، أبا عبد الله ـ عليه السّلام ـ عن قول الله ـ عزّ وجلّ ـ( فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ ) .

[قال: ما أبينها من شهد فليصمه].(٥) ومن سافر، فلا يصمه.

وروى الحلبيّ(٦) ، عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ قال: سألته عن الرّجل يدخل شهر رمضان وهو مقيم لا يريد براحا. ثمّ يبدو له بعد ما يدخل شهر رمضان أن يسافر.

فسكت. فسألته غير مرّة.

فقال: يقيم أفضل إلّا أن تكون له حاجة لا بدّ له من الخروج فيها، أو يتخوّف على ماله.

وفي تفسير العيّاشيّ(٧) : عن الصّباح بن سيابة، قال: قلت لأبي عبد الله

__________________

(١) معاني الاخبار / ١٨٩، ح ١.

(٢) أنوار التنزيل ١ / ١٠٢.

(٣) الخصال ٢ / ٦١٤.

(٤) من لا يحضره الفقيه ٢ / ٩١، ح ٤٠٤.

(٥) ليس في أ.

(٦) الكافي ٤ / ١٢٦، ح ٢.

(٧) تفسير العياشي ١ / ٨٠، ح ١٨٦.

٢٤٥

ـ عليه السّلام: إن ابن يعقوب(١) أمرني أن أسألك عن مسائل.

فقال: وما هي؟

قال: يقول لك: إذا دخل شهر رمضان وأنا في منزلي إليّ أن أسافر؟

قال: إنّ الله يقول:( فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ ) . فمن دخل عليه شهر رمضان وهو في أهله، فليس له أن يسافر، إلّا إلى الحج(٢) ، أو عمرة، أو في طلب مال يخاف تلفه.

( وَمَنْ كانَ مَرِيضاً أَوْ عَلى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ ) :

مخصّص لسابقه. لأنّ المسافر والمريض ممّن شهد الشّهر. ولعلّ تكريره لذلك.

( يُرِيدُ اللهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ ) ، أي: يريد أن ييسّر عليكم، ولا يعسّر عليكم. ولذلك أوجب الفطر للسّفر والمرض.

وفي تفسير العيّاشيّ(٣) : عن أبي حمزة الثّماليّ، عن أبي جعفر ـ عليه السّلام ـ في قول الله ـ عزّ وجلّ ـ( يُرِيدُ اللهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ ) ، قال: «اليسر» عليّ.

( وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللهَ عَلى ما هَداكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ ) (١٨٥): علل لفعل محذوف. دلّ عليه ما سبق، أي: شرع جملة ما ذكر من أمر الشّاهد بالصّوم والمسافر والمريض بالإفطار ومراعاة عدّة ما أفطر فيه، لتكملوا العدّة إلى آخرها، على سبيل اللّفّ. فإنّ قوله «ولتكملوا» علّة الأمر بمراعاة العدّة.( وَلِتُكَبِّرُوا اللهَ ) علّة أمر الشّاهد بالصّوم.( وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ ) علّة أمر المسافر والمريض بالإفطار، أو لأفعال كلّ لفعله، أو معطوفة على علّة مقدّرة، مثل: ليسهّل عليكم، أو لتعملوا ما تعملون، ولتكملوا. ويجوز أن يعطف على «اليسر»، أي: يريد لكم لتكملوا، كقوله(٤) :( يُرِيدُونَ لِيُطْفِؤُا ) .

والمعنى بالتّكبير وتعظيم الله، بالحمد والثّناء عليه. ولذلك عدّي بعلى. ومن جملته تكبير يوم الفطر.

وقيل(٥) : المراد التّكبير عند الإهلال. و «ما» يحتمل المصدر والخبر، أي: الّذي

__________________

(١) المصدر: ابن أبي يعفور. (ظ)

(٢) المصدر: لحج.

(٣) تفسير العياشي ١ / ٨٢، ح ١٩١.

(٤) الصف / ٨.

(٥) أنوار التنزيل ١ / ١٠٢.

٢٤٦

هداكم إليه. وعن عاصم: ولتكملوا بالتّشديد.

وفي الكافي(١) : عدّة من أصحابنا، عن سهيل بن زياد، عن محمّد بن إسماعيل، عن بعض أصحابه، عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ قال: انّ الله ـ تبارك وتعالى ـ خلق الدّنيا في ستّة أيّام ثمّ اختزلها عن ايّام السّنة. والسّنة ثلاثمائة وأربعة(٢) وخمسون يوما.

شعبان لا يتمّ أبدا. ورمضان لا ينقص، والله أبدا. ولا تكون فريضة ناقصة. إنّ الله ـ عزّ وجلّ ـ يقول( وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ ) . وشوّال تسعة وعشرون يوما.

والحديث طويل. أخذت منه موضع الحاجة.

وفي تفسير العيّاشيّ(٣) : عن ابن أبي عمير، عن رجل، عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ قال: قلت له: جعلت فداك! ما نتحدث(٤) به عندنا أنّ النّبيّ ـ صلّى الله عليه وآله ـ صام تسعة وعشرين أكثر ممّا صام ثلاثين. أحقّ هذا؟

قال: ما خلق الله من هذا حرفا. ما صامه النّبيّ ـ صلّى الله عليه وآله ـ إلّا ثلاثين. لأنّ الله يقول:( وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ ) وكان رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ ينقصه؟

وفي الكافي(٥) : عليّ بن محمّد، عن أحمد بن أبي عبد الله، عن أبيه، عن خلف بن حمّاد، عن سعيد النّقّاش. قال: قال أبو عبد الله ـ عليه السّلام ـ لي: أما إنّ في الفطر تكبيرا ولكنّه مسنون(٦) .

قال: قلت: وأين هو؟

قال: في ليلة الفطر، في المغرب والعشاء الآخرة، وفي صلاة الفجر، وفي صلاة العيد. ثمّ يقطع.

قال: قلت: كيف أقول؟

قال: تقول «الله أكبر. الله أكبر. لا إله إلّا الله. والله أكبر. الله أكبر. ولله الحمد.

الله أكبر على ما هدانا.» وهو قول الله تعالى:( وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ ) ، يعني: الصّيام. ولتكبّروا الله على ما هداكم.

وفي محاسن البرقيّ(٧) ، عنه عن بعض أصحابنا، رفعه، في قول الله

__________________

(١) الكافي ٤ / ٧٨، ح ٢.

(٢) المصدر: وأربع.

(٣) تفسير العياشي ١ / ٨٢، ح ١٩٤.

(٤) المصدر: يتحدث.

(٥) الكافي ٤ / ١٦٦، ح ١.

(٦) المصدر: مستور.

(٧) المحاسن / ١٤٢، ح ٣٦.

٢٤٧

( وَلِتُكَبِّرُوا اللهَ عَلى ما هَداكُمْ ) ، [قال: التكبير، التّعظيم لله والهداية الولاية.

عنه(١) ، عن بعض أصحابنا، رفعه، في قول الله( وَلِتُكَبِّرُوا اللهَ عَلى ما هَداكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ ) ، قال: التّكبير، التّعظيم لله والهداية الولاية.

عنه(٢) ، عن بعض أصحابنا، في قول الله ـ تبارك وتعالى ـ( وَلِتُكَبِّرُوا اللهَ عَلى ما هَداكُمْ ) (٣) ( ]وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ ) ، قال: الشّكر المعرفة.

وفي من لا يحضره الفقيه(٤) ، وفي العلل الّتي تروى عن الفضل بن شاذان النّيشابوريّ ـ رضي الله عنه. ويذكر أنّه سمعها عن الرّضا ـ عليه السّلام ـ إنّه إنّما جعل يوم الفطر العيد ـ إلى أن قال ـ: وإنّما جعل التّكبير فيها أكثر منه في غيرها من الصّلوات. لأنّ التّكبير إنّما هو تعظيم الله وتمجيد على ما هدى وعافى، كما قال ـ عزّ وجلّ:( وَلِتُكَبِّرُوا اللهَ عَلى ما هَداكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ ) .

( وَإِذا سَأَلَكَ عِبادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ ) : فقل لهم إنّي قريب.

وهو تمثيل لكمال علمه بأفعال العباد وأقوالهم واطّلاعه على أحوالهم بحال من قرب مكانه منهم.

روى(٥) أنّ أعرابيّا قال لرسول الله ـ صلّى الله عليه وآله: أقريب ربّنا فنناجيه؟ أم بعيد فنناديه؟ فنزلت.

( أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذا دَعانِ ) :

تقرير للقرب ووعد للدّاعي بالإجابة.

( فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي ) إذا دعوتهم للإيمان والطّاعة، كما أجيبهم إذا دعوني لمهمّاتهم.

( وَلْيُؤْمِنُوا بِي ) : أمر بالدّوام والثّبات.

__________________

(١ و ٢) نفس المصدر / ١٤٩، ح ٦٥، هكذا: عنه، عن بعض أصحابنا، رفعه في قول الله ـ تبارك وتعالى ـ( وَلِتُكَبِّرُوا اللهَ عَلى ما هَداكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ ) قال: الشكر المعرفة، وفي قوله( وَلا يَرْضى لِعِبادِهِ الْكُفْرَ وَإِنْ تَشْكُرُوا يَرْضَهُ لَكُمْ ) فقال: الكفر، هاهنا، الخلاف. والشكر، الولاية والمعرفة.

(٣) ما بين المعقوفتين ليس في ر.

(٤) من لا يحضره الفقيه ١ / ٣٣٠، ح ١٤٨٨.

(٥) مجمع البيان ١ / ٢٧٨.

٢٤٨

( لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ ) (١٨٦): راجين إصابة الرّشد. وهو إصابة الحقّ.

وقرئ بفتح الشّين وكسرها.

وفي أصول الكافي(١) : محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد بن عيسى، عن أحمد بن محمّد بن أبي نصر قال: قال لي أبو الحسن الرّضا ـ عليه السّلام: أخبرني عنك، لو أنّي قلت لك قولا، أكنت تثق به؟

فقلت له: جعلت فداك! إذا لم أثق بقولك فبمن أثق؟ وأنت حجّة الله على خلقه.

قال فكن بالله أوثق. فإنّك على موعد من الله. أليس الله ـ عزّ وجلّ ـ يقول:( وَإِذا سَأَلَكَ عِبادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذا دَعانِ ) . وقال(٢) :( لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللهِ ) وقال(٣) : والله( يَعِدُكُمْ مَغْفِرَةً مِنْهُ وَفَضْلاً ) . فكن بالله ـ عزّ وجلّ ـ أوثق منك بغيره. ولا تجعلوا في أنفسكم إلّا خيرا. فإنّه مغفور لكم.

والحديث طويل. أخذت منه موضع الحاجة.

وفي روضة الكافي(٤) ، خطبة طويلة مسندة لأمير المؤمنين ـ عليه السّلام. يقول ـ عليه السّلام فيها: فاحترسوا من الله ـ عزّ وجلّ ـ بكثرة الذّكر. واخشوا منه بالتّقى وتقرّبوا إليه بالطّاعة فإنّه قريب مجيب. قال الله تعالى:( وَإِذا سَأَلَكَ عِبادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذا دَعانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ ) .

وفي نهج البلاغة(٥) : قال ـ عليه السّلام: ثم جعل في يديك مفاتيح خزائنه بما أذن لك فيه، من مسألته فمتى شئت استفتحت بالدّعاء أبواب نعمه. واستمطرت شآبيب رحمته. فلا يقنطك إبطاء إجابته. فإنّ العطيّة على قدر النّيّة. وربّما أخّرت عنك الإجابة ليكون ذلك أعظم لأجر السّائل وأجزل لعطاء الآمل. وربّما سألته(٦) الشيء فلا تؤتاه وأوتيت خيرا منه عاجلا(٧) وآجلا.(٨) وصرف عنك لما هو خير لك. فلربّ أمر قد طلبته فيه هلاك دينك لو أوتيته. فلتكن مسألتك فيما يبقى لك جماله وينفى عنك وباله. فالحال لا يبقى لك ولا تبقى له.

__________________

(١) الكافي ٢ / ١.

(٢) الزمر / ٥٣.

(٣) البقرة / ٢٦٨.

(٤) الكافي ٨ / ٣٩٠، ح ٥٨٦.

(٥) نهج البلاغة / ٣٩٩، ضمن رسائله ٣١.

(٦) المصدر: سألت.

(٧ و ٨) المصدر: أو. (ظ)

٢٤٩

وفيه(١) : قال ـ عليه السّلام: إذا كانت لك إلى الله سبحانه حاجة، فابدأ بمسألة الصلاة على النّبيّ ـ صلّى الله عليه وآله ـ ثمّ سل حاجتك. فإنّ الله أكرم من أن يسأل حاجتين، فيقضي إحداهما ويمنع الأخرى.

وفي مجمع البيان(٢) : روى عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ أنّه قال:( وَلْيُؤْمِنُوا بِي ) »، أي: وليتحقّقوا أنّي قادر على إعطائهم ما سألوه،( لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ ) »، أي: لعلّهم يصيبون الحقّ ويهتدون إليه.

وروى(٣) عن جابر بن عبد الله. قال: قال رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله: إنّ العبد ليدعو الله وهو يحبّه. فيقول: يا جبرائيل! لا تقض(٤) لعبدي هذا حاجته. وأخّرها. فإنّي أحبّ أن لا أزال أسمع صوته. وإنّ العبد ليدعو الله وهو مبغضه(٥) فيقول: يا جبرئيل! اقض لعبدي هذا حاجته بإخلاصه وعجّلها. فإنّي أكره أن أسمع صوته.

ثمّ بيّن أحكام الصّوم، فقال :

( أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيامِ الرَّفَثُ إِلى نِسائِكُمْ ) :

( لَيْلَةَ الصِّيامِ ) »، اللّيلة الّتي يصبح منها صائما.

و «الرّفث» كناية عن الجماع لأنّه لا يكاد يخلو من رفث. وهو الإفصاح بما يجب أن يكنّى عنه. وعدّي بإلى، لتضمّنه معنى الإفضاء وإيثاره، هاهنا، لتقبيح ما ارتكبوه.

ولذلك سمّاه خيانة. وقرئ الرّفوث.

وفي كتاب الخصال(٦) ، فيما علّم أمير المؤمنين ـ عليه السّلام ـ أصحابه من الأربعمائة باب. قال ـ عليه السّلام: يستحبّ للرّجل أن يأتي أهله أوّل ليلة من شهر رمضان، لقوله تعالى:( أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيامِ الرَّفَثُ إِلى نِسائِكُمْ ) .» والرّفث، المجامعة.

وفي الكافي(٧) : عدّة من أصحابنا، عن أحمد بن محمّد، عن القسم بن يحيى، عن جدّه الحسن بن راشد، عن أبي بصير، عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ قال: حدّثني أبي، عن جدّي، عن آبائه ـ عليهم السّلام: أنّ عليّا ـ صلوات الله عليه ـ قال: يستحبّ للرّجل أن

__________________

(١) نفس المصدر / ٥٣٨، حكمة ٣٦١.

(٢) مجمع البيان ١ / ٢٧٨.

(٣) نفس المصدر ١ / ٢٧٩.

(٤) النسخ: اقض.

(٥) المصدر: يبغضه.

(٦) الخصال ٢ / ٦١٢.

(٧) الكافي ٤ / ١٨٠، ح ٣.

٢٥٠

يأتي أهله (وذكر كما في كتاب الخصال، سواء).

وفي مجمع البيان(١) : وروى عن أبي جعفر وأبي عبد الله ـ عليهما السّلام ـ كراهية الجماع في أوّل ليلة من كلّ شهر، ألا أوّل ليلة من شهر رمضان. فإنّه يستحبّ ذلك، لمكان الآية.

( هُنَّ لِباسٌ لَكُمْ وَأَنْتُمْ لِباسٌ لَهُنَ ) :

استئناف يبين سبب الإحلال، وهو قلّة الصّبر عنهنّ وصعوبة اجتنابهنّ، لكثرة المخالطة وشدّة الملابسة، ولما كان الرّجل والمرأة يعتنقان، ويشتمل كلّ منهما على صاحبه شبّه باللّباس، أو لأنّ كلّ واحد منهما يستر صاحبه ويمنعه عن الفجور.

( عَلِمَ اللهُ أَنَّكُمْ كُنْتُمْ تَخْتانُونَ أَنْفُسَكُمْ ) : تظلمونها بتعريضها للعقاب وتنقيص حظّها من الثّواب.

والاختيان أبلغ من الخيانة، كالاكتساب من الكسب.

( فَتابَ عَلَيْكُمْ ) لـمّا تبتم ما اقترفتموه.

( وَعَفا عَنْكُمْ ) : ومحى عنكم أثره.

( فَالْآنَ بَاشِرُوهُنَ ) : نسخ عنكم التّحريم والمباشرة.

إلزاق البشرة بالبشرة، كنّى به عن الجماع.

( وَابْتَغُوا ما كَتَبَ اللهُ لَكُمْ ) :

واطلبوا ما قدّره لكم. وأثبته في اللّوح من الولد.

( وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ ) : شبّه أوّل ما يبدو في الفجر المعترض في الأفق وما يمتدّ معه من غلس اللّيل، بخيطين أبيض وأسود. واكتفى ببيان الخيط الأبيض، لقوله «من الفجر» عن بيان الخيط الأسود، لدلالته عليه. وبذلك خرجا عن الاستعارة إلى التّمثيل. ويجوز أن يكون «من» للتّبعيض. فإنّ ما يبدو بعض الفجر.

وفي الكافي(٢) : محمّد بن إسماعيل، عن الفضل بن شاذان، وأحمد بن إدريس، عن محمّد بن عبد الجبّار، جميعا، عن صفوان بن يحيى، عن ابن مسكان، عن أبي بصير، عن

__________________

(١) مجمع البيان ١ / ٢٨٠.

(٢) الكافي ٤ / ٩٨، ح ٤.

٢٥١

أحدهما ـ عليهما السّلام ـ في قول الله ـ عزّ وجلّ ـ( أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيامِ الرَّفَثُ إِلى نِسائِكُمْ ) .» الآية. فقال: نزلت في خوات بين جبير الأنصاري. وكان مع النّبيّ ـ صلّى الله عليه وآله ـ في الخندق. وهو صائم. فأمسى، وهو على تلك الحال. وكانوا قبل أن تنزل هذه الآية إذا نام أحدهم، حرّم عليه الطّعام والشّراب. فجاء خوات إلى أهله حين أمسى.

فقال: هل عندكم طعام؟

قالوا(١) : لا تنم حتى نصلح لك طعاما. فاتكا فنام.

فقالوا له: قد فعلت.

قال: نعم.

فبات على تلك الحال. فأصبح. ثمّ غدا إلى الخندق فجعل يغشى عليه فمرّ به رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله. فلمّا رأى الّذي أخبره به كيف كان أمره، فأنزل الله ـ عزّ وجلّ ـ فيه الآية:( كُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ )

وفي تفسير عليّ بن إبراهيم(٢) : حدّثني أبي ـ رفعه(٣) . قال: قال الصّادق ـ عليه السّلام: كان النّكاح والأكل، محرّمان(٤) في شهر رمضان، باللّيل بعد النّوم، يعني: كلّ من صلّى العشاء ونام ولم يفطر ثمّ انتبه، حرّم عليه الإفطار. وكان النّكاح حراما باللّيل والنّهار، في شهر رمضان. وكان رجل من أصحاب رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ يقال له خوات بن جبير، أخو عبد الله بن جبير الّذي كان رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ وكّله بفم الشّعب، يوم أحد، في خمسين من الرّماة، ففارقه أصحابه، بقي في اثني عشر رجلا، فقتل على باب الشّعب. وكان أخوه هذا، خوات بن جبير شيخا كبيرا ضعيفا. وكان صائما.

فأبطأت عليه أهله بالطّعام. فنام قبل أن يفطر. فلمّا انتبه قال لأهله: «قد حرّم عليّ الأكل في هذه اللّيلة.» فلمّا أصبح حضر حفر الخندق فأغمي عليه. فرآه رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ فرّق له. وكان قوم من الشبّان ينكحون باللّيل، سرّا في شهر رمضان فأنزل الله:( أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيامِ الرَّفَثُ إِلى نِسائِكُمْ هُنَّ لِباسٌ لَكُمْ وَأَنْتُمْ لِباسٌ لَهُنَّ. عَلِمَ اللهُ أَنَّكُمْ كُنْتُمْ تَخْتانُونَ أَنْفُسَكُمْ. فَتابَ عَلَيْكُمْ وَعَفا عَنْكُمْ. فَالْآنَ بَاشِرُوهُنَ

__________________

(١) المصدر: فقالوا: لا.

(٢) تفسير القمي ١ / ٦٦، بتفاوت.

(٣) أ: رفعة.

(٤) كذا في أور وفي المصدر وفي الأصل: محرما.

٢٥٢

وَابْتَغُوا ما كَتَبَ اللهُ لَكُمْ. وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ. ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيامَ إِلَى اللَّيْلِ ) .» فأحلّ الله ـ تبارك وتعالى ـ النّكاح باللّيل، في شهر رمضان، والأكل بعد النّوم إلى طلوع الفجر لقوله:( حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ ) ».

قال: هو بياض النّهار من سواد اللّيل.

وفي من لا يحضره الفقيه(١) : وسئل الصّادق ـ عليه السّلام ـ عن الخيط الأبيض من الخيط الأسود من الفجر.

فقال: بياض النّهار من سواد اللّيل.

وقال في خبر آخر(٢) : هو الفجر الّذي لا شكّ فيه.

وفي الكافي(٣) : عليّ بن محمّد، عن سهل بن زياد، عن عليّ بن مهزيار قال: كتب أبو الحسن بن الحسين(٤) إلى أبي جعفر الثّاني ـ عليه السّلام ـ معي: جعلت فداك! قد اختلف مواليك(٥) في صلاة الفجر. فمنهم من يصلّي إذا طلع الفجر الأوّل المستطيل في السّماء.

ومنهم من يصلّي إذا اعترض مع أسفل الأفق واستبان. ولست أعرف أفضل الوقتين، فأصلّي فيه. فإن رأيت أن تعلّمنى أفضل الوقتين. وتحدّه لي. وكيف أصنع مع القمر والفجر؟ لأتبيّن معه حتّى يحمرّ ويصبح؟ وكيف أصنع مع الغيم؟ وما حدّ ذلك في السّفر والحضر؟ فعلت ـ إن شاء الله.

فكتب ـ عليه السّلام ـ بخطه وقراءته: الفجر ـ يرحمك الله ـ هو الخيط الأبيض المعترض، ليس هو الأبيض صعدا. فلا تصلّ في سفر ولا حضر، حتّى تتبيّنه. فإنّ الله ـ تبارك وتعالى ـ لم يجعل خلقه في شبهة من هذا. فقال( وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ ) .» فالخيط الأبيض، هو المعترض الّذي يحرم به الأكل والشّرب في الصّوم. وكذلك هو الّذي يوجب به الصّلاة.

محمّد بن يحيى(٦) ، عن أحمد بن محمّد، عن عثمان بن عيسى، عن سماعة بن مهران وقال: سألته عن رجلين قاما فنظرا إلى الفجر. فقال أحدهما: هو ذا.» وقال الآخر: «ما

__________________

(١) من لا يحضره الفقيه ٢ / ٨٢، ح ٣٦٣.

(٢) نفس المصدر ونفس الموضع، ح ٣٦٤.

(٣) الكافي ٣ / ٢٨٢، ح ١.

(٤) المصدر: الحصين.

(٥) المصدر: مواليك. (ظ)

(٦) نفس المصدر ٤ / ٩٧، ح ٧.

٢٥٣

أرى شيئا.» قال: فليأكل الّذي لم يتبيّن له الفجر. وقد حرّم على الّذي زعم أنّه رأى الفجر. إنّ الله يقول:( وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ ) .» من الفجر.

( ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيامَ إِلَى اللَّيْلِ ) :

بيان آخر وقته. وإخراج اللّيل عنه. فينفى صوم الوصال.

وفي الكافي(١) : محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد، عن عثمان بن عيسى، عن سماعة قال: سألته عن قوم صاموا شهر رمضان، فغشيهم سحاب أسود عند غروب الشّمس، فظنّوا أنّه ليل، فأفطروا. ثمّ أنّ السّحاب انجلى. فإذا الشّمس.

فقال: على الّذي أفطر، صيام ذلك اليوم. إنّ الله ـ عزّ وجلّ ـ يقول(٢) ( ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيامَ إِلَى اللَّيْلِ ) .» فمن أكل قبل أن يدخل اللّيل، فعليه قضاؤه. لأنّه أكل متعمّدا.

[عليّ بن إبراهيم(٣) ، عن محمّد بن عيسى بن عبيد، عن يونس، عن أبي بصير وسماعة، عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ في قوم صاموا شهر رمضان، فغشيهم سحاب أسود عند غروب الشّمس، فرأوا أنّه اللّيل، فأفطر بعضهم، ثمّ أنّ السّحاب انجلى، فإذا الشّمس، قال: على الّذي أفطر، صيام ذلك اليوم. إنّ الله ـ عزّ وجلّ ـ يقول(٤) : و( أَتِمُّوا الصِّيامَ إِلَى اللَّيْلِ ) .» فمن أكل قبل أن يدخل اللّيل، فعليه قضاؤه. لأنّه أكل متعمّدا].(٥)

وفي تفسير العيّاشيّ(٦) : القاسم بن سليمان، عن جراح، عنه(٧) قال: قال الله:( ثُمَ ) (٨) ( أَتِمُّوا الصِّيامَ إِلَى اللَّيْلِ ) »، يعني: صوم(٩) رمضان فمن رأى الهلال(١٠) بالنّهار، فليتمّ صيامه.

( وَلا تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنْتُمْ عاكِفُونَ فِي الْمَساجِدِ ) : معتكفون فيها.

والاعتكاف، هو اللّبث في المسجد، لقصد القربة.

او المراد بالمباشرة، الوطء.

وعن قتادة(١١) : كان الرّجل يعتكف، فيخرج إلى امرأته، فيباشرها، ثمّ يرجع فنهوا

__________________

(١) الكافي ٤ / ١٠٠، ح ١.

(٢) الأصل ور والمصدر: و.

(٣) الكافي ٤ / ١٠٠، ح ٢. (٤) ثم. (ظ)

(٥) ما بين المعقوفتين ليس في أ. (٦) تفسير العياشي ١ / ٨٤، ح ٢٠١.

(٧) المصدر: عن الصادق ـ عليه السّلام.

(٨) كذا في أ. وفي المصدر والأصل ور: و.

(٩) المصدر: صيام.

(١٠) المصدر: هلال الشوال. (١١) أنوار التنزيل ١ / ١٠٣.

٢٥٤

عن ذلك.

وفي كتاب الخصال(١) ، عن موسى بن جعفر، عن أبيه جعفر بن محمّد ـ عليهما السّلام ـ أنّه قال: سئل أبي عمّا حرّم الله تعالى من الفروج في القرآن، وعمّا حرّمه رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ في سنّته(٢) .

فقال: الّذي حرّم الله من ذلك، أربعة وثلاثين وجها: سبعة عشر في القرآن، وسبعة عشر في السّنّة. وأمّا الّتي في القرآن: فالزّنا ـ إلى قوله عليه السّلام ـ والنّكاح في الاعتكاف، لقوله تعالى:( وَلا تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنْتُمْ عاكِفُونَ فِي الْمَساجِدِ )

وفي الكافي(٣) : عدّة من أصحابنا، عن سهل بن زياد، عن الحسن بن محبوب، عن عمر بن يزيد قال: قلت لأبي عبد الله ـ عليه السّلام: ما تقول في الاعتكاف ببغداد، في بعض مساجدها؟

فقال: لا اعتكاف إلّا في مسجد جماعة قد صلّى فيه إمام عدل بصلاة جماعة.

ولا بأس أن يعتكف في مسجد الكوفة والبصرة ومسجد المدينة ومسجد مكّة.

سهل بن زياد(٤) ، عن أحمد بن محمّد، عن داود بن سرحان، عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ قال: لا اعتكاف إلّا في العشرين من شهر رمضان.

وقال: إنّ عليّا ـ عليه السّلام ـ كان يقول لا أرى الاعتكاف إلّا في المسجد الحرام، أو مسجد الرّسول، أو مسجد جامع. ولا ينبغي للمعتكف أن يخرج من المسجد، إلّا لحاجة لا بدّ منها. ثمّ لا يجلس حتّى يرجع(٥) . والمرأة مثل ذلك.

عليّ بن إبراهيم(٦) ، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن حمّاد، عن الحلبيّ، عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ قال: سئل عن الاعتكاف.

قال: لا يصلح الاعتكاف الّا في مسجد الحرام، أو مسجد الرّسول ـ صلّى الله عليه وآله ـ أو مسجد الكوفة، أو مسجد جماعة. وتصوم ما دمت معتكفا.

واعلم أنّه ينبغي حمل مسجد الجماعة في الأخبار الّتي وقع فيها، على مسجد جمع فيه

__________________

(١) الخصال ٢ / ٥٣٢، ح ١٠.

(٢) أور: سنة.

(٣) الكافي ٤ / ١٧٦، ح ١.

(٤) نفس المصدر ونفس الموضع، ح ٢.

(٥) ر: ثم لا يجلس يرجع حتى لا يرجع.

(٦) نفس المصدر ونفس الموضع، ح ٣.

٢٥٥

الإمام العدل، ليطابق الخبر الأوّل.

( تِلْكَ ) ، أي: الأحكام الّتي ذكرت،( حُدُودُ اللهِ ) : حدود قرّرها الله.

( فَلا تَقْرَبُوها ) : نهى أن يقرَب الحدّ الحاجز بين الحقّ والباطل، لئلّا يدانى الباطل، فضلا على أن يتخطّى

، كما قال ـ عليه السّلام(١) : إنّ لكلّ ملك حمى. وإن حمى الله محارمه. فمن رتع حول الحمى، يوشك أن يقع فيه.

وهو أبلغ من قوله: «فلا تعتدوها.» ويجوز أن يريد بحدود الله، محارمه ومناهيه.

( كَذلِكَ ) : مثل ذلك التّبيين،( يُبَيِّنُ اللهُ آياتِهِ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ ) (١٨٧) مخالفة الأوامر والنّواهي.

( وَلا تَأْكُلُوا أَمْوالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْباطِلِ ) ، أي: ولا يأكل بعضكم مال بعض بالوجه الّذي لم يبحه الله.

و «بين» نصب على الظّرف، أو الحال من «الأموال.»( وَتُدْلُوا بِها إِلَى الْحُكَّامِ ) : عطف على النّهي، أو نصب بإضمار «أن.» والإدلاء: الإلقاء، أي: ولا تلقوا حكومتها إلى حكّام الجور،( لِتَأْكُلُوا ) بالتّحاكم،( فَرِيقاً ) : طائفة،( مِنْ أَمْوالِ النَّاسِ بِالْإِثْمِ ) : بما يوجب إثما، كشهادة الزّور، أو اليمين الكاذبة، أو متلبّسين بالإثم،( وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ ) (١٨٨): أنّكم مبطلون. فإنّ ارتكاب المعصية مع العلم بها أقبح.

وفي الكافي(٢) : عدّة من أصحابنا، عن أحمد بن محمّد، عن عليّ بن الحكم، عن سيف بن عميرة، عن زياد بن عيسى قال: سألت أبا عبد الله ـ عليه السّلام ـ عن قول الله ـ عزّ وجلّ ـ( وَلا تَأْكُلُوا أَمْوالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْباطِلِ ) .» فقال: كانت قريش يتغامز(٣) الرّجل بأهله وماله فنهاهم الله عن ذلك.

محمّد بن يحيى(٤) ، عن أحمد بن محمّد، عن الحسين بن سعيد، عن عبد الله بن بحر، عن

__________________

(١) أنوار التنزيل ١ / ١٠٤.

(٢) الكافي ٥ / ١٢٢، ح ١.

(٣) كذا في الأصل ور. وفي المصدر: تقامر. والظاهر: تتقامر.

(٤) نفس المصدر ٧ / ٤١١، ح ٣.

٢٥٦

عبد الله بن مسكان، عن أبي بصير قال: قلت لأبي عبد الله ـ عليه السّلام: قول الله ـ عزّ وجلّ ـ في كتابه( وَلا تَأْكُلُوا أَمْوالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْباطِلِ وَتُدْلُوا بِها إِلَى الْحُكَّامِ ) .» فقال: يا أبا بصير! إنّ الله ـ عزّ وجلّ ـ قد علم أنّ في الأمّة حكّاما يجورون. أما إنّه لم يعن حكّام أهل العدل ولكنّه عنى حكّام أهل الجور.

وفي تفسير العيّاشى(١) : عن الحسن بن عليّ قال: قرأت في كتاب أبي الأسد.

إلى أبي الحسن الثاني(٢) ـ عليه السّلام ـ وجوابه بخطّه سأل: ما تفسير قوله( وَلا تَأْكُلُوا أَمْوالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْباطِلِ وَتُدْلُوا بِها إِلَى الْحُكَّامِ ) »؟

قال: فكتب إليه الحكّام القضاة.

قال: ثمّ كتب تحته: هو أن يعلم الرّجل، أنّه ظالم عاص. هو غير معذور في أخذه ذلك الّذي حكم له به، إذا كان قد علم أنّه ظالم.

في من لا يحضره الفقيه(٣) : روى سماعة بن مهران قال: قلت لأبي عبد الله ـ عليه السّلام: الرّجل منّا يكون عنده الشّيء يتبلّغ به وعليه الدّين. أيطعمه عياله حتّى يأتيه الله ـ عزّ وجلّ ـ بميسرة، فيقضي دينه؟ أو يستقرض على ظهره في خبث الزّمان وشدّة المكاسبة؟ أو يقبل الصّدقة؟

فقال: يقضي بما عنده دينه. ولا يأكل أموال النّاس إلّا وعنده ما يؤدّي إليهم. إنّ الله ـ عزّ وجلّ ـ يقول:( وَلا تَأْكُلُوا أَمْوالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْباطِلِ )

وفي مجمع البيان(٤) : وروى عن أبي جعفر ـ عليه السّلام ـ أنّه يعنى بالباطل: اليمين الكاذبة، يقطع بها(٥) الأموال.

وفي تفسير عليّ بن إبراهيم(٦) : قوله( وَلا تَأْكُلُوا أَمْوالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْباطِلِ ) » (الآية) فإنّه قال العالم ـ عليه السّلام: قد علم الله أنّه يكون حكّام(٧) يحكمون بغير الحقّ. فنهى أن يحاكم(٨) إليهم لأنّهم(٩) لا يحاكمون بالحقّ، فتبطل الأموال.

__________________

(١) تفسير العياشي ١ / ٨٥، ح ٢٠٦.

(٢) كذا في المصدر وفي تفسير البرهان ١ / ١٨٨. وفي النسخ: الثالث.

(٣) من لا يحضره الفقيه ٣ / ١١٢.

(٤) مجمع البيان ١ / ٢٨٢.

(٥) المصدر: يقتطع به. (ظ)

(٦) تفسير القمي ١ / ٦٧.

(٧) المصدر: حكاما.

(٨) المصدر: يتحاكم.

(٩) المصدر: فانّهم.

٢٥٧

( يَسْئَلُونَكَ عَنِ الْأَهِلَّةِ ) :

سأله معاذ بن جبل وثعلبة بن غنم(١) فقالا: ما بال الهلال يبدو دقيقا كالخيط ثمّ يزيد حتّى يستوي ثمّ لا يزال ينقص حتّى يعود كما بدأ؟

( قُلْ هِيَ مَواقِيتُ لِلنَّاسِ وَالْحَجِ ) :

إنّهم سألوا عن الحكمة في اختلاف حال القمر، وتبدّل أمره. فأمره الله أن يجيب بأنّ الحكمة الظّاهرة في ذلك أن يكون معالم للنّاس. يؤقّتون بها أمورهم ومعالم للعبادات المؤقّتة. يعرف بها أوقاتها. وخصوصا الحجّ. فإنّ الوقت مراعى فيه، أداء وقضاء.

والمواقيت، جمع ميقات، من الوقت. والفرق بينه وبين المدّة والزّمان، أنّ المدّة المطلقة، امتداد حركة الفلك، من مبدئها إلى منتهاها. والزّمان مدّة مقسومة. والوقت، الزّمان المفروض لأمر.

وفي تهذيب الأحكام(٢) : عليّ بن حسن بن فضّال قال: حدّثني محمّد بن عبد الله بن زرارة، عن محمّد بن أبي عمير، عن حمّاد بن عثمان، عن عبيد الله بن عليّ الحلبيّ، عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ قال: سألته عن الأهلّة.

قال: هي أهلّة الشّهور. فإذا رأيت الهلال، فصم. وإذا رأيته، فأفطر.

عليّ بن الحسن بن فضّال(٣) ، عن أبيه، عن محمّد بن سنان، عن أبي الجارود زياد بن المنذر العبديّ قال: سمعت أبا جعفر محمّد بن عليّ ـ عليه السّلام ـ يقول: صم حين يصوم الناس. وأفطر حين يفطر النّاس. فإنّ الله ـ عزّ وجلّ ـ جعل الأهلّة مواقيت.

أبو الحسن محمّد بن أحمد بن داود(٤) قال: أخبرنا محمّد بن أحمد بن سعيد عن الحسين(٥) بن القسم، عن عليّ بن إبراهيم. قال: حدّثني أحمد بن عيسى بن عبد الله، عن عبد الله بن عليّ بن الحسن، عن أبيه، عن جعفر بن محمّد ـ عليهما السّلام ـ في قول الله ـ عزّ وجلّ ـ( قُلْ هِيَ مَواقِيتُ لِلنَّاسِ وَالْحَجِ ) »، قال: لصومهم وفطرهم وحجهم.

( وَلَيْسَ الْبِرُّ بِأَنْ تَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ ظُهُورِها. وَلكِنَّ الْبِرَّ مَنِ اتَّقى ) :

وجه اتّصاله بما قبله أنّهم سألوا عن الأمرين، أو أنّه(٦) لـمّا سألوا عمّا لا يعنونه، ولا

__________________

(١) أنوار التنزيل ١ / ١٠٤.

(٢) تهذيب الأحكام ٤ / ١٦١، ح ٤٥٥.

(٣) نفس المصدر ٤ / ١٦٤، ح ٤٦٢.

(٤) نفس المصدر ٤ / ١٦٦، ح ٤٧٣.

(٥) المصدر: الحسن.

(٦) أ: أو أنّه لـمّا سألوا عن الأمرين، أو انّه.

٢٥٨

يتعلّق بعلم النّبوّة، وتركوا السّؤال عمّا يعنونه، ويختصّ بعلم النّبوّة، عقّب بذكره جواب ما سألوه، تنبيها على أنّ اللائق لهم أن يسألوا أمثال ذلك ويهتمّوا بالعلم بها. أو أنّ المراد به التّنبيه على تعكيسهم السّؤال وتمثيلهم بحال من ترك باب البيت ودخل من ورائه.

والمعنى: وليس البرّ أن تعكسوا في مسائلكم ولكنّ البرّ من اتّقى ذلك، ولم يجسر على مثله.

( وَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ أَبْوابِها ) ، إذ ليس في العدول برّ.

في مجمع البيان(١) : فيه وجوه :

أحدها ـ أنّه كان المجرمون لا يدخلون بيوتهم من أبوابها. ولكنّهم كانوا يتنقّبون(٢) في ظهور بيوتهم، أي: في مؤخّرها نقبا يدخلون ويخرجون منه. فنهوا عن التّديّن بذلك. رواه أبو الجارود عن أبي جعفر ـ عليه السّلام.

وثانيها ـ أنّ معناه ليس البرّ بأن تأتوا الأمور(٣) من غير جهاتها. وينبغي أن تؤتى(٤) الأمور من جهاتها، أيّ الأمور كان. وهو المرويّ عن جابر عن أبي جعفر ـ عليه السّلام.

وثالثها ـ وقال أبو جعفر ـ عليه السّلام ـ آل محمّد أبواب الله وسبله والدّعاة إلى الجنّة والقادة إليها والأدلاء عليها، إلى يوم القيامة، وقال النّبيّ ـ صلّى الله عليه وآله: أنا مدينة العلم. وعلىّ بابها. ولا تؤتى المدينة إلّا من بابها ويروى: أنا مدينة الحكمة.

وفي كتاب الاحتجاج(٥) ، للطبرسيّ ـ رحمه الله ـ عن الأصبغ بن نباتة. قال: كنت عند أمير المؤمنين ـ عليه السّلام. فجاءه ابن الكوّاء فقال: يا أمير المؤمنين! قول الله ـ عزّ وجلّ ـ( لَيْسَ الْبِرُّ بِأَنْ تَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ ظُهُورِها وَلكِنَّ الْبِرَّ مَنِ اتَّقى وَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ أَبْوابِها ) ».

فقال ـ عليه السّلام: نحن البيوت الّتي أمر الله أن تؤتى من أبوابها. نحن باب الله وبيوته الّتي يؤتى منها(٦) . فمن بايعنا وأقرّ بولايتنا، فقد أتى البيوت من أبوابها. ومن خالفنا وفضّل علينا غيرنا، فقد أتى البيوت من ظهورها. إنّ الله ـ عزّ وجلّ ـ لو شاء عرّف النّاس

__________________

(١) مجمع البيان ١ / ٢٨٤.

(٢) كذا في النسخ. وفي المصدر: ينقبون. (ظ)

(٣) المصدر: البيوت.

(٤) المصدر: تأتوا.

(٥) الاحتجاج ١ / ٣٣٨.

(٦) المصدر: منه.

٢٥٩

نفسه حتّى يعرفوه وحده ويأتوه(١) من بابه ولكن جعلنا أبوابه وصراطه وسبيله وبابه الّذي يؤتى منه.

قال: فمن(٢) عدل عن ولايتنا وفضّل علينا غيرنا، فقد أتى البيوت من ظهورها.

وإنّهم عن الصّراط لنا كبون.

وعن أمير المؤمنين ـ عليه السّلام(٣) ـ في حديث طويل وفيه: وقد جعل الله للعلم أهلا. وفرض على العباد طاعتهم بقوله:( وَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ أَبْوابِها ) . والبيوت هي بيوت العلم الّذي استودعته الأنبياء. وأبوابها أوصياؤهم.

وفي تفسير العيّاشيّ(٤) : عن سعد، عن أبي جعفر ـ عليه السّلام ـ قال: سألته عن هذه الآية( وَلَيْسَ الْبِرُّ بِأَنْ تَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ ظُهُورِها وَلكِنَّ الْبِرَّ مَنِ اتَّقى وَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ أَبْوابِها ) .

فقال: آل محمّد أبواب الله وسبله والدّعاة الى الجنّة والقادة إليها والادلّاء عليها، إلى يوم القيامة.

[وفي شرح الآيات الباهرة(٥) :](٦) ويؤيّده ما رواه محمّد بن يعقوب ـ ره ـ عن عليّ(٧) بن(٨) محمّد بن جمهور، عن سليمان بن سماعة، عن عبد الله بن القسم(٩) ، عن أبي بصير قال: قال أبو عبد الله ـ عليه السّلام: الأوصياء هم أبواب الله ـ عزّ وجلّ ـ التي يؤتى منها.

ولولاهم ما عرف الله ـ عزّ وجلّ. وبهم احتجّ على خلقه.

وروى في معنى «من يأتى البيوت من غير أبوابها» ما رواه أبو عمرو الزّاهد(١٠) ، في كتابه، بإسناده إلى محمّد بن مسلم، عن أحدهما ـ عليهما السّلام ـ قال: قلت له: إنّا نرى الرّجل من المخالفين عليكم له عبادة واجتهاد وخشوع. فهل ينفعه ذلك؟

فقال: يا أبا محمّد! إنّما مثلهم كمثل أهل بيت في بني إسرائيل. كان إذا اجتهد أحد منهم أربعين ليلة، ودعا الله أجيب. وإنّ رجلا منهم اجتهد أربعين ليلة، ثم دعا الله ،

__________________

(١) كذا في المصدر. وفي النسخ: يعرفونه ويأتونه.

(٢) المصدر: فقال فيمن.

(٣) نفس المصدر ١ / ٣٦٩.

(٤) تفسير العياشي ١ / ٨٦، ح ٢١٠.

(٥) تأويل الآيات الباهرة، مخطوط / ٢٩ ـ ٣٠.

(٦) ليس في أ.

(٧) المصدر: معلّى.

(٨) المصدر وأ: عن.

(٩) المصدر ور وأ: القاسم.

(١٠) نفس المصدر ونفس الموضع.

٢٦٠

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

461

462

463

464

465

466

467

468

469

470

471

472

473

474

475

476

477

478

479

480

481

482

483

484

485

486

487

488

489

490

491

492

493