تفسير كنز الدّقائق وبحر الغرائب الجزء ٢

تفسير كنز الدّقائق وبحر الغرائب8%

تفسير كنز الدّقائق وبحر الغرائب مؤلف:
تصنيف: تفسير القرآن
الصفحات: 493

الجزء ١ الجزء ٢ الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥ الجزء ٦ الجزء ٧
  • البداية
  • السابق
  • 493 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 187762 / تحميل: 5858
الحجم الحجم الحجم
تفسير كنز الدّقائق وبحر الغرائب

تفسير كنز الدّقائق وبحر الغرائب الجزء ٢

مؤلف:
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة


1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

إلى الأولى، ممّا يكسبونه من الأموال الّتي يأخذونها إذا ثبتوا(١) أعوانهم على الكفر بمحمّد ـ صلّى الله عليه وآله ـ والجحد لوصيّه وأخيه عليّ بن أبي طالب ـ عليه السّلام ـ وليّ الله.

والحديث طويل. أخذت منه ما به كفاية. وتركت الباقي، خوف الإطالة.

وفي مجمع البيان(٢) : وروى الخدريّ، عن النّبيّ ـ صلّى الله عليه وآله: أنّه واد في جهنم. يهوي فيه الكافر، أربعين خريفا، قبل أن يبلغ قعره.

وفيه(٣) : وقيل كتابتهم بأيديهم، أنّهم عمدوا إلى التّوراة. وحرّفوا صفة النّبيّ ـ صلّى الله عليه وآله ـ ليوقعوا الشّك بذلك للمستضعفين من اليهود.

وهو المرويّ عن أبي جعفر الباقر ـ عليه السّلام].(٤)

( وَقالُوا لَنْ تَمَسَّنَا النَّارُ إِلَّا أَيَّاماً مَعْدُودَةً ) محصورة قليلة.

روي أنّ بعضهم قالوا: نُعذّب بعدد أيّام عبادة العجل، أربعين يوما. وبعضهم قالوا: مدّة الدّنيا سبعة آلاف سنة. وإنّما نعذّب مكان كل ألف سنة، يوما(٥) .

( قُلْ أَتَّخَذْتُمْ عِنْدَ اللهِ عَهْداً ) : وعدا.

( فَلَنْ يُخْلِفَ اللهُ عَهْدَهُ؟ ) :

جواب شرط محذوف، أي: إن اتّخذتم عند الله عهدا. فلن يخلف الله عهده.

وقيل: لا تقدير في مثله. ولكن ضمن الاستفهام معنى الشّرط، فأجيب بالفاء.

( أَمْ تَقُولُونَ عَلَى اللهِ ما لا تَعْلَمُونَ ) ؟ (٨٠) :

«أم» معادلة لهمزة الاستفهام، بمعنى: كلا الأمرين كائن على سبيل التّقرير، للعلم بوقوع أحدهما، أو منقطعة، بمعنى: بل تقولون.

[وفي تفسير عليّ بن إبراهيم(٦) : قوله( وَقالُوا لَنْ تَمَسَّنَا النَّارُ إِلَّا أَيَّاماً مَعْدُودَةً ) قال(٧) : قال بنو إسرائيل: لن تمسّنا النّار. ولن نعذّب إلّا الأيّام المعدودات الّتي عبدنا فيها العجل.

فردّ الله عليهم(٨) : قل يا محمّد لهم:( أَتَّخَذْتُمْ عِنْدَ اللهِ عَهْداً فَلَنْ يُخْلِفَ اللهُ عَهْدَهُ؟ أَمْ تَقُولُونَ

__________________

(١) كذا في الأصل ور. ولعله: إذا ثبتوا، أو إذ أثبتوا، أو إذا أثبتوا. (كما في تفسير البرهان ١ / ١١٩.)

(٢) مجمع البيان ١ / ١٤٦.

(٣) نفس المصدر ونفس الموضع.

(٤) ما بين المعقوفتين ليس في أ.

(٥) الكشاف ١ / ١٥٨+ أنوار التنزيل ١ / ٦٥ ـ ٦٦.

(٦) تفسير القمي ١ / ٥١. (٧) ليس في المصدر. (٨) المصدر: فرد الله عليهم فقال: وقالوا لن تمسنا النار الا أياما معدودة. قل

٦١

عَلَى اللهِ ما لا تَعْلَمُونَ ) ؟»](١)

( بَلى ) : إثبات لما نفوه من مساس النّار لهم، زمانا مديدا ودهرا طويلا، على وجه أعمّ، ليكون كالبرهان على بطلان قولهم. ويختصّ بجواب النّفي.

( مَنْ كَسَبَ سَيِّئَةً ) :

والفرق بينها وبين «الخطيئة»، أنّها قد يقال فيما يقصد بالذّات. و «الخطيئة» تغلب فيما يقصد بالعرض. لأنّها من الخطأ.

و «الكسب»: استجلاب النّفع وتعليقه بالسّيّئة، على طريق التّهكّم.

( وَأَحاطَتْ بِهِ خَطِيئَتُهُ ) :

والمراد بها الشّرك. لأنّه ما عداه لا يستحقّ به الخلود في النّار، عندنا.

فالمراد بالإحاطة، الاستيلاء عليه، حتّى لا يخلو عنها شيء من جوانبه، كما هو شأن المشرك. فانّ غيره إن لم يكن له سوى تصديق القلب والإقرار باللسان، فلم تحط الخطيئة به.

( فَأُولئِكَ أَصْحابُ النَّارِ ) : ملازموها في الآخرة، كما أنّهم ملازمو أسبابها في الدنيا.

( هُمْ فِيها خالِدُونَ ) (٨١) لأن نيّاتهم في الدنيا أنّهم لو خلّدوا فيها أن يعصوا الله أبدا. فبالنيات خلّدوا.

[وفي اصول الكافي:(٢) محمد بن يحيى، عن حمدان بن سليمان، عن عبد الله بن محمد اليماني، عن منيع بن الحجاج، عن يونس، عن صالح(٣) المزني، عن أبي حمزة، عن أبي عبد الله(٤) ـ عليه السّلام ـ في قول الله ـ عزّ وجلّ:(٥) ( بَلى مَنْ كَسَبَ سَيِّئَةً وَأَحاطَتْ بِهِ خَطِيئَتُهُ ) قال: إذا جحد امامة أمير المؤمنين ـ عليه السّلام ـ( فَأُولئِكَ أَصْحابُ النَّارِ هُمْ فِيها خالِدُونَ ) .

وفي كتاب التوحيد(٦) : حدثنا احمد بن زياد بن حفص الهمداني ـ رضي الله عنه ـ قال: حدّثنا علي بن ابراهيم بن هاشم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير قال: سمعت موسى بن جعفر ـ عليه السّلام ـ يقول :](٧) لا يخلد الله في النار إلّا أهل الكفر والجحود

__________________

(١) ما بين المعقوفتين ليس في أ.

(٢) الكافي ١ / ٤٢٩، ح ٨٢.

(٣) المصدر: صباح.

(٤) عن أحدهما.

(٥) البقرة / ٨١.

(٦) التوحيد / ٤٠٧، ح ٦.

(٧) ما بين المعقوفتين ليس في أ.

٦٢

وأهل الضلال والشرك.

[وفي الكافي(١) ، عن أحدهما ـ عليهما السّلام. قال: إذا جحد إمامة أمير المؤمنين، فأولئك أصحاب النّار، هم فيها خالدون].(٢)

وقوله :

( وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ أُولئِكَ أَصْحابُ الْجَنَّةِ هُمْ فِيها خالِدُونَ ) (٨٢) :

بناء على ما جرت عادته سبحانه، على أن يقرن الوعد بالوعيد، لترجى رحمته، ويخشى عذابه. ولمّا جاز أن يكون عطف العمل على الإيمان(٣) ، لزيادة الاهتمام، والإشعار بأنّه أدخل أجزاءه، لم يدلّ على خروجه من مسمّاه، مع أنّه معارض بقوله تعالى(٤) :( إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ وَأَقامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكاةَ ) . فإنّه لا نزاع في أنّ إقامة الصّلاة وإيتاء الزكاة، داخلان تحت العمل الصّالح.

[وفي أصول الكافي(٥) ، بإسناده إلى أبي هاشم. قال: قال أبو عبد الله ـ عليه السّلام: إنّما خلّد أهل النّار في النّار، لأنّ نيّاتهم كانت في الدّنيا، أن لو خلّدوا فيها أن يعصوا الله أبدا. وإنّما خلّد أهل الجنّة في الجنّة، لأنّ نيّاتهم كانت في الدّنيا، أن لو أبقوا فيها أن يطيعوا الله أبدا. فبالنّيّات خلّد هؤلاء وهؤلاء. ثمّ تلا قوله تعالى(٦) ( قُلْ كُلٌّ يَعْمَلُ عَلى شاكِلَتِهِ ) قال: على نيّته].(٧)

( وَإِذْ أَخَذْنا مِيثاقَ بَنِي إِسْرائِيلَ لا تَعْبُدُونَ إِلَّا اللهَ ) :

إخبار في معنى النّهي. وهو أبلغ من التصريح، لما فيه من إيهام أنّ المنهيّ سارع إلى الانتهاء. فهو يخبر عنه. وتنصره قراءة «لا تعبدوا». وعطف قولوا عليه، فيكون على إرادة القول.

وقيل(٨) : معنان «أن تعبدوا». فلمّا حذفت، أن رفع كقوله(٩) :

__________________

(١) الكافي ١ / ٤٢٩، ح ٨٢.

(٢) ما بين المعقوفتين، يوجد في أ، فقط.

(٣) في هامش النسخة الأصل: فيه رد على البيضاوي (منه)

(٤) البقرة / ٢٧٧.

(٥) الكافي ٢ / ٨٥، ح ٥.

(٦) الإسراء / ٨٤

(٧) ما بين المعقوفتين ليس في أ.

(٨) أنوار التنزيل ١ / ٦٦.

(٩) هذا البيت من معلقة طرفة بن العبد البكري، ويوجد في شرح ابن عقيل على ألفية ابن مالك، الشاهد ٣٣٣ (٢ / ٣٦٢)

٦٣

ألا أيّهذا الزّاجرى أحضر الواغى(١)

وأن أشهد اللّذّات، هل أنت مخلدي؟

وتنصره قراءة «أن لا تعبدوا» ويحتمل أن تكون «أن»، مفسّرة. وأن تكون مع الفعل، بدلا من الميثاق. أو معمولا له بحذف الجارّ. وإن ادّعى في حذف حرف التّفسير، أنّ فيه نظرا.

وقيل(٢) : إنّه جواب قسم، دلّ عليه المعنى، كأنّه قيل: وإذ أقسمنا عليهم(٣) لا تعبدون وقرئ «بالتّاء»(٤) ، حكاية لما خوطبوا به، و «بالياء» لأنّهم غيّب.

( وَبِالْوالِدَيْنِ إِحْساناً ) ، متعلّق بمضمر. تقديره: وتحسنون، أو أحسنوا.

والإحسان الّذي أخذ عليهم الميثاق، هو ما فرض على أمّتنا، أيضا، من فعل المعروف بهما والقول الجميل وخفض جناح الذّلّ لهما والتّحنّن(٥) عليهما والرّأفة بهما والدّعاء بالخير لهما وما أشبه ذلك.

وفي الكافي(٦) : سئل الصّادق ـ عليه السّلام: ما هذا الإحسان؟

قال: أن تحسن صحبتهما. وأن لا تكلّفهما أن يسألاك شيئا ممّا يحتاجان إليه، وإن كانا مستغنيين. أليس الله يقول(٧) :( لَنْ تَنالُوا الْبِرَّ، حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ ) ؟

وفي التّفسير المنسوب إلى الإمام ـ عليه السّلام:(٨) قال رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله: أفضل والديكم وأحقّهما ببرّكم(٩) ، محمّد وعلى.

وقال عليّ بن أبي طالب ـ عليه السّلام:(١٠) سمعت رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ يقول: أنا وعليّ، أبوا هذه الأمّة. ولحقّنا عليهم، أعظم من حقّ أبوي ولادتهم. فإنّا ننقذهم إن أطاعونا من النّار، إلى دار القرار. ونلحقهم من العبوديّة، بخيار(١١) الأحرار.

__________________

(١) كذا في كلا المصدرين. وفي النسخ: ألا أيّهذا اللائمي أحظر الوغى.

(٢) أنوار التنزيل ١ / ٦٦.

(٣) المصدر: قال حلّقناهم.

(٤) المصدر: وقرأ نافع وابن عامر وابو عمرو وعاصم ويعقوب «بالتاء».

(٥) أ: التحسّن.

(٦) الكافي ٢ / ١٥٧، ح ١.

(٧) آل عمران / ٩٢.

(٨) تفسير العسكري / ١٥٤.

(٩) المصدر: لشكركم.

(١٠) نفس المصدر ونفس الموضع.

(١١) أ: لخيار.

٦٤

( وَذِي الْقُرْبى ) من آبائكم وأمّهاتكم.

قال رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله:(١) من رعى حقّ قرابات أبويه، أعطي في الجنّة ألف ألف درجة.

ثمّ فسّر الدّرجات. ثمّ قال: ومن رعى حقّ قرابة(٢) محمّد وعليّ، أوتي من فضائل الدّرجات وزيادة المثوبات، على قدر زيادة(٣) فضل محمّد وعليّ، على أبوي نسبه.(٤)

( وَالْيَتامى ) :

جمع يتيم، كندامى، جمع نديم. وهم الّذين فقدوا آباءهم المتكفّلين بأمورهم.

وروي(٥) أنّ(٦) أشدّ من يتم هذا اليتيم، يتم يتيم غاب عن إمامه(٧) . لا يقدر على الوصول إليه. ولا يدري كيف حكمه فيما يبتلى به، من شرائع دينه. ألا فمن كان من شيعتنا، عالما بعلومنا، وهذا الجاهل بشريعتنا المنقطع عن مشاهدتنا، يتيم في حجره، ألا فمن هداه وأرشده وعلّمه شريعتنا، كان معنا في الرّفيق الأعلى.

( وَالْمَساكِينِ ) :

جمع مسكين(٨) . والمسكين، مفعيل من السّكون، كأنّ الفقّر، أسكنه.

( وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْناً ) ، أي: قولا حسنا.

وسمّاه «حسنا»، للمبالغة.

وقرئ حسنا (بفتحتين) وحسنا (بضمّتين) ـ وهو لغة الحجاز ـ وحسنى.

[قيل على أنّه مصدر.(٩) وفيه نظر، إذ كون فعلى مصدرا سماعيا(١٠) ولم ينقل من العرب «حسنى»، مصدر «حسن»، كما قال أبو حيّان: و «الأحسن»، أنّه صفة لموصوف محذوف، أي: كلمة حسنى، أو: مقالة حسنى].(١١) قيل على أنّه اسم تفضيل(١٢) ،( وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْناً ) ، أي: معروفا.

__________________

(١) نفس المصدر / ١٥٥.

(٢) المصدر: قربى.

(٣) ليس في المصدر.

(٤) المصدر: نفسه.

(٥) نفس المصدر / ١٥٧.

(٦) المصدر: و.

(٧) المصدر: يتيم ينقطع عن إمامه.

(٨) ليس في أ.

(٩) مجمع البيان ١ / ١٤٩.

(١٠) الأصل ور: سماعي.

(١١) ما بين المعقوفتين ليس في أ.

(١٢) نفس المصدر ونفس الموضع.

٦٥

روى جابر، عن أبي جعفر الباقر ـ عليه السّلام ـ في قوله تعالى( قُولُوا لِلنَّاسِ حُسْناً ) قال(١) : قولوا للنّاس أحسن ما تحبّون أن يقال لكم. فإنّ الله يبغض اللّعّان السّبّاب الطّعّان على المؤمنين الفاحش المتفحّش السّائل الملحف. ويحب الحليم العفيف المتعفّف.

واختلف أنّه هل هو عامّ في المؤمن والكافر؟ أو هو خاصّ في المؤمن :

والأوّل مرويّ عن الصّادق ـ عليه السّلام.(٢)

[وفي كتاب الخصال(٣) ، عن أبي عبد الله، عن أبيه ـ عليهما السّلام ـ في قول الله تعالى( وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْناً ) » قال: نزلت في أهل الذّمّة. ثمّ نسخها قوله تعالى(٤) ( قاتِلُوا الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ ) . (الآية)

والحديث طويل. أخذت منه موضع الحاجة.

وفي تهذيب الأحكام(٥) : أحمد بن محمّد [بن عيسى]،(٦) عن الحسين بن سعيد، عن أبي عليّ. قال: كنّا عند أبي عبد الله ـ عليه السّلام. فقال رجل: جعلت فداك! قول الله ـ عزّ وجلّ ـ( قُولُوا لِلنَّاسِ حُسْناً ) هو الناس(٧) جميعا.

فضحك. وقال: لا! عنى: قولوا محمّد رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ وعلى أهل بيته ـ عليهم السّلام.

والحديث طويل. أخذت منه موضع الحاجة.

وفي تفسير العيّاشيّ(٨) ، عن حريز عن سدير(٩) . قال: قلت لأبي عبد الله ـ عليه السّلام: أطعم رجلا سائلا لا أعرفه مسلما؟

قال: نعم! أطعمه ما لم تعرفه بولاية ولا بعداوة. أنّ الله يقول:( وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْناً ) .

__________________

(١) مجمع البيان ١ / ١٥٠.

(٢) نفس المصدر ونفس الموضع.

(٣) عنه في تفسير الصافي ١ / ١٥٢.

(٤) التوبة / ٢٩.

(٥) تهذيب الأحكام ٣ / ٥٥، ذيل ح ١٩٠.

(٦) يوجد في المصدر.

(٧) المصدر: للناس.

(٨) تفسير العياشي ١ / ٤٨، ح ٦٤ وله تتمة.

(٩) المصدر: برير. والظاهر هي خطأ. ويحتمل أن يكون: بريد. لأن سدير وبريد، كلاهما من أصحاب الصادق ـ عليه السّلام. وبرير من أصحاب أمير المؤمنين ـ صلوات الله عليه ـ (ر. رجال النجاشي / ١١٢+ تنقيح المقال ١ / ١٦٤ ـ ١٦٦، ١٦٧)

٦٦

عن عبد الله بن سنان(١) ، عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام. قال: سمعته يقول: اتقوا الله. ولا تحملوا النّاس على أكتافكم. إنّ الله يقول في كتابه:( وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْناً )

وفي أصول الكافي(٢) ، بإسناده إلى أبي عمرو الزّبيرىّ، عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ أنّه قال: (حديث طويل) إنّ الله ـ تبارك وتعالى ـ فرض الإيمان على جوارح ابن آدم. وقسّمه عليها. وفرّقه فيها. وفرض الله على اللّسان القول والتّعبير عن القلب، بما عقد عليه. وأقرّ به. قال الله ـ تبارك وتعالى ـ( وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْناً ) .

وبإسناده(٣) إلى معاوية بن عمّار، عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ في قول الله ـ عزّ وجلّ ـ( وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْناً ) قال: قولوا للنّاس حسنا. ولا تقولوا إلّا خيرا، حتّى تعلموا ما هو.

وفي مصباح الشّريعة(٤) : قال الصّادق ـ عليه السّلام: ولا تدع النّصيحة في كلّ حال. قال الله ـ عزّ وجلّ:( وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْناً ) .»](٥)

( وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكاةَ ) :

يريد بهما، ما فرض عليهم في ملّتهم.

( ثُمَّ تَوَلَّيْتُمْ إِلَّا قَلِيلاً مِنْكُمْ ) :

يريد به من أقام اليهوديّة على وجهها، ومن أسلم منهم.

( وَأَنْتُمْ مُعْرِضُونَ ) (٨٣)، أي: عادتكم الإعراض عن الوفاء والطّاعة.

وفي هذه الآية، دلالة على ترتيب الحقوق. فبدأ الله سبحانه بذكر حقه وقدمه، على كلّ حقّ. لأنّه المنعم بأصول النّعم. ثمّ ثنّى بحقّ الوالدين. وخصّهما بالمزيّة. لكونهما سببا للوجود. وإنعامهما بالتّربية. ثمّ ذكر ذوي القربى. لأنّهم أقرب إلى المكلّف من غيرهم. ثمّ ذكر حقّ اليتامى لضعفهم، والفقراء لفقرهم.

( وَإِذْ أَخَذْنا مِيثاقَكُمْ لا تَسْفِكُونَ دِماءَكُمْ ) ، على نحو ما سبق.

و «السفك»: الصّبّ.

__________________

(١) نفس المصدر ونفس الموضع، ح ٦٥ وله تتمة.

(٢) الكافي ٢ / ٣٣ ـ ٣٥، مقاطع من ح ١.

(٣) نفس المصدر ٢ / ١٦٤، ح ٩.

(٤) شرح فارسى مصباح الشريعة ومفتاح الحقيقة ١ / ٢٥٧.

(٥) ما بين المعقوفتين ليس في أ.

٦٧

( وَلا تُخْرِجُونَ أَنْفُسَكُمْ مِنْ دِيارِكُمْ ) :

والمراد به، أن لا يتعرّض بعضهم بعضا بالقتل والإجلاء عن الوطن.

وجعل قتل الرّجل غيره قتل نفسه، لاتّصاله به نسبا أو دينا، أو لأنّه يوجبه قصاصا.

وقيل(١) : المراد به أن لا ترتكبوا ما يبيح سفك دمائكم وإخراجكم من دياركم.

وقيل(٢) : لا تفعلوا ما يصرفكم(٣) عن الحياة الأبديّة. فإنّه القتل في الحقيقة.

ولا تقترفوا ما يمنعكم(٤) عن الجنّة الّتي هي داركم. فإنّه الجلاء الحقيقيّ.

( ثُمَّ أَقْرَرْتُمْ ) بالميثاق. واعترفتم بلزومه.

( وَأَنْتُمْ تَشْهَدُونَ ) (٨٤) :

توكيد قولك(٥) أقرّ فلان شاهدا على نفسه.

وقيل(٦) معناه: وأنتم تحضرون سفك دمائكم [وإخراج أنفسكم من دياركم].(٧) وقيل(٨) : يشهد كلّ واحد على إقرار غيره.

وقيل(٩) : معناه: وأنتم، أيّها الموجودون! تشهدون على إقرار أسلافكم. فيكون إسناد الإقرار إليهم، مجازا.

قال بعض المفسّرين(١٠) : نزلت الآية، في بني قريظة. وقيل: نزلت في أسلاف اليهود.

( ثُمَّ أَنْتُمْ هؤُلاءِ ) :

استبعادا لما أسند إليهم، من القتل والإجلاء والعدوان، بعد أخذ الميثاق عنهم وإقرارهم وشهادتهم.

و «أنتم»، مبتدأ و «هؤلاء»، خبره، على معنى «أنتم بعد ذلك هؤلاء الشّاهدون»، يعني: أنّكم قوم آخرون، غير أولئك المقرّين. تنزيلا لتغيّر الصّفة، منزلة تغيّر

__________________

(١) أنوار التنزيل ١ / ٦٧.

(٢) نفس المصدر ونفس الموضع.

(٣) المصدر: ما بردّكم ويصرفكم.

(٤) المصدر: ما يمنعون به.

(٥) أ: لقولك.

(٦) مجمع البيان ١ / ١٥٢.

(٧) ليس في أ.

(٨) نفس المصدر ونفس الموضع، باختلاف في اللفظ.

(٩) أنوار التنزيل ١ / ٦٧.

(١٠) مجمع البيان ١ / ١٥٢.

٦٨

الذّات، كما تقول: «رجعت بغير الوجه الّذي خرجت به» وعدهم باعتبار ما أسند إليهم، حضورا وباعتبار ما سيحكى عنهم، غيبا.

( تَقْتُلُونَ أَنْفُسَكُمْ وَتُخْرِجُونَ فَرِيقاً مِنْكُمْ مِنْ دِيارِهِمْ ) :

إمّا حال، والعامل معنى الإشارة. أو بيان لهذه الجملة.

وقيل(١) : هؤلاء، تأكيد أو بدل(٢) . والخبر، هو الجملة.

وقيل(٣) : بمعنى «الّذين» والجملة صلة والمجموع، هو الخبر، كقوله(٤) :

عدس ما لعباد عليك إمارة

نجوت وهذا تحملين طليق

وقرئ «تقتلون» (على التّفعيل، للتّكثير.)( تَظاهَرُونَ عَلَيْهِمْ بِالْإِثْمِ وَالْعُدْوانِ ) :حال من فاعل «تخرجون»، أو من مفعوله، أو كليهما. ويحتمل أن يكون اعتراضا لبيان أنّ إخراجهم ظلم وعدوان.

والتّظاهر: التّعاون والظّهير: المعين.

والإثم: الفعل القبيح الّذي يستحقّ به اللّوم. وقيل(٥) : هو ما تنفّر منه النّفس.

ولم يطمئنّ إليه القلب. ومنه قول النّبيّ ـ صلّى الله عليه وآله ـ لنواس بن سمعان، حين سأله عن البرّ والإثم، فقال: «البرّ»، ما اطمأنّت إليه نفسك. «والإثم» ما حكّ في صدرك. و «العدوان»، الإفراط في الظّلم.

وقريء بحذف إحدى التّائين وبإثباتهما.

و «تظهرون»، بمعنى تتظهّرون.

( وَإِنْ يَأْتُوكُمْ أُسارى تُفادُوهُمْ ) :

روي(٦) أنّ قريظة، من اليهود. كانوا حلفاء الأوس، من المشركين. والنّضير، من اليهود. كانوا حلفاء الخزرج، من المشركين. وكانت قريظة والنّضير، أخوين، كالأوس والخزرج. فافترقوا. فكانت الخزرج مع النّضير وقريظة مع الأوس. فإذا اقتتل(٧) الحلفاء ،

__________________

(١) أنوار التنزيل ١ / ٦٧.

(٢) ليس في المصدر.

(٣) نفس المصدر ونفس الموضع.

(٤) مجمع البيان ١ / ١٥٣.

(٥) نفس المصدر ونفس الموضع.

(٦) الكشاف ١ / ١٦١+ مجمع البيان ١ / ١٥٣.

(٧) أ: أقتل.

٦٩

عاون كلّ فريق حلفاءه، في القتل وتخريب الدّيار وإجلاء أهلها. وإذا أسر أحد من الفريقين، جمعوا الأسراء حتّى يفدوهم بمثلهم ممّن أسره الفريق الآخر منهم، تصديقا لما في التوراة. فالأوس والخزرج، أهل شرك. يعبدون الأوثان. لا يعرفون جنّة ولا نار ولا قيامة ولا كتابا. فأنّب الله اليهود، بما فعلوه من مخالفة التوراة، في القتل والإجلاء والموافقة في المفاداة.

وقيل(١) : معناه: وإن يأتوكم أسارى في أيدي الشّياطين، تتصدّون لإنقاذهم بالإرشاد والوعظ، مع تضييعكم أنفسكم، كقوله تعالى:(٢) ( أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنْسَوْنَ أَنْفُسَكُمْ ) .

والأوّل أقرب، بحسب اللّفظ، وسياق الكلام.

وقرأ حمزة(٣) : أسرى. وهو جمع أسير، كجريح وجرحى. وأسارى جمعه، كسكرى وسكارى. وقيل: هو ـ أيضا ـ جمع أسير. وكأنّه شبّه بالكسلان وجمع جمعه.

ووجه الشّبه: أنّ كّلا منهما، محبوس عن كثير من تصرّفه.

وقيل(٤) : الأسارى: الّذين هم في الوثاق. والأسرى: الّذين هم في اليد. وإن لم يكونوا في الوثاق.

وقرئ(٥) : تفدوهم.

( وَهُوَ مُحَرَّمٌ عَلَيْكُمْ إِخْراجُهُمْ ) :

متعلّق بقوله( وَتُخْرِجُونَ فَرِيقاً مِنْكُمْ مِنْ دِيارِهِمْ ) ، تعلّق الحال بعاملها، أو صاحبها.

والنكتة في إعادة تحريم الإخراج. وقد أفاده( لا تُخْرِجُونَ أَنْفُسَكُمْ ) بأبلغ وجه. وفي تخصيص تحريم الإخراج بالإعادة دون القتل، أنّهم انقادوا حكما في باب المخرج. وهو الفداء. وخالفوا حكما. وهو الإخراج. فجمع مع الفداء، معرفة الإخراج، ليتّصل به قوله «أفتؤمنون» (إلى آخره)، أشدّ اتصال. ويتّضح كفرهم بالبعض، وإيمانهم بالبعض، كمال الاتّضاح، حيث وقع في حقّ شخص واحد.

__________________

(١) أنوار التنزيل ١ / ٦٧.

(٢) البقرة / ٤٤.

(٣) نفس المصدر ونفس الموضع.

(٤) مجمع البيان ١ / ١٥٣.

(٥) نفس المصدر ونفس الموضع.

٧٠

والضّمير، للشّأن، كما في قوله(١) ( هُوَ اللهُ أَحَدٌ ) أو مبهم، ليفسّره إخراجهم، كقوله(٢) :( إِنْ هِيَ إِلَّا حَياتُنَا الدُّنْيا ) ، أو راجع إلى ما دلّ عليه تخرجون من المصدر.

و «إخراجهم»، تأكيد. ويحتمل أن يكون راجعا إلى إخراجهم. لأنّه مبتدأ، قدّم عليه الخبر. فالمرجع مقدّم رتبة.

( أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتابِ ) ، كالفداء.

( وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ ) ، كحركة القتل والإجلاء.

( فَما جَزاءُ مَنْ يَفْعَلُ ذلِكَ مِنْكُمْ إِلَّا خِزْيٌ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا ) ، كقتل قريظة وسبيهم وإجلاء النضير.

وأصل الخزي: ذلّ يستحى منه. ولذلك يستعمل في كلّ منهما.

( وَيَوْمَ الْقِيامَةِ يُرَدُّونَ إِلى أَشَدِّ الْعَذابِ ) ، من عذاب غيرهم، من نظائرهم. لأنّ عصيانهم أشدّ من عصيانهم.

( وَمَا اللهُ بِغافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ ) (٨٥) :

تأكيد للوعيد: أي: الله تعالى بالمرصاد. لا يغفل عن أفعالهم.

[وفي أصول الكافي(٣) ، بإسناده إلى أبي عمرو الزّبيريّ، عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام. أنّه قال: الوجه الرّابع من الكفر: ترك ما أمر الله ـ عزّ وجلّ ـ به. وهو قول الله ـ عزّ وجلّ:( وَإِذْ أَخَذْنا مِيثاقَكُمْ لا تَسْفِكُونَ دِماءَكُمْ وَلا تُخْرِجُونَ أَنْفُسَكُمْ مِنْ دِيارِكُمْ. ثُمَّ أَقْرَرْتُمْ. وَأَنْتُمْ تَشْهَدُونَ. ثُمَّ أَنْتُمْ هؤُلاءِ تَقْتُلُونَ أَنْفُسَكُمْ. وَتُخْرِجُونَ فَرِيقاً مِنْكُمْ مِنْ دِيارِهِمْ. تَظاهَرُونَ عَلَيْهِمْ بِالْإِثْمِ وَالْعُدْوانِ. وَإِنْ يَأْتُوكُمْ أُسارى تُفادُوهُمْ. وَهُوَ مُحَرَّمٌ عَلَيْكُمْ إِخْراجُهُمْ. أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتابِ وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ. فَما جَزاءُ مَنْ يَفْعَلُ ذلِكَ مِنْكُمْ ) . فكفرهم بترك ما أمر الله ـ عزّ وجلّ ـ به. ونسبهم إلى الإيمان. ولم يقبل(٤) منهم.

ولم ينفعهم عنده. فقال:( فَما جَزاءُ مَنْ يَفْعَلُ ذلِكَ مِنْكُمْ إِلَّا خِزْيٌ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَيَوْمَ الْقِيامَةِ يُرَدُّونَ إِلى أَشَدِّ الْعَذابِ وَمَا اللهُ بِغافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ ) .

والحديث طويل. أخذت منه موضع الحاجة.

وفي كتاب علل الشرايع(٥) ، بإسناده إلى عبد الله بن يزيد بن سلام(٦) . أنّه سأل

__________________

(١) الإخلاص / ١.

(٢) المؤمنون / ٣٧.

(٣) الكافي ٢ / ٣٩٠.

(٤) المصدر: لم يقبله.

(٥) علل الشرائع / ٤٧٠.

(٦) المصدر: أبي عبد الله بن يزيد.

٧١

رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ فقال: أخبرني عن القيامة، لم سمّيت القيامة؟

قال: لأنّ فيها قيام الخلق للحساب.

والحديث طويل. أخذت منه موضع الحاجة.

وفي تفسير عليّ بن إبراهيم(١) : قوله:( وَإِذْ أَخَذْنا مِيثاقَكُمْ لا تَسْفِكُونَ دِماءَكُمْ وَلا تُخْرِجُونَ أَنْفُسَكُمْ مِنْ دِيارِكُمْ ثُمَّ أَقْرَرْتُمْ وَأَنْتُمْ تَشْهَدُونَ ) (الآية)(٢) فإنّها نزلت في أبي ذرّ ـ رحمه الله ـ وعثمان بن عفّان. وكان سبب ذلك، لـمّا أمر عثمان بنفي أبي ذرّ ـ رحمه الله ـ إلى الرّبذة، دخل عليه أبو ذرّ ـ رضى الله عنه. وكان عليلا متوكّئا على عصاه، وبين يدي عثمان، مائة ألف درهم، قد حملت إليه من بعض النّواحي، وأصحابه حوله ينظرون إليه، ويطمعون أن يقسّمها فيهم.

فقال أبو ذرّ لعثمان: ما هذا المال؟

فقال عثمان: مائة ألف درهم حملت إلىّ من بعض النّواحي. أريد أن أضمّ إليها مثلها. ثمّ أرى فيها رأيي.

قال أبو ذرّ: يا عثمان! أيّما أكثر؟ مائة ألف درهم، أو أربعة دنانير؟

فقال عثمان: بل مائة ألف درهم.

فقال أبو ذر: أما تذكر أنا وأنت قد دخلنا على رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ عشاء(٣) ، فرأيناه كئيبا حزينا. فسلّمنا عليه. فلم يردّ علينا السّلام. فلمّا أصبحنا أتيناه.

فرأيناه ضاحكا مستبشرا. فقلنا له: بآبائنا وأمّهاتنا! دخلنا عليك(٤) البارحة، فرأيناك كئيبا حزينا. ثمّ عدنا إليك اليوم، فرأيناك ضاحكا(٥) مستبشرا.

فقال: نعم! كان قد بقي عندي من فيء المسلمين، أربعة دنانير، لم أكن قسّمتها.

خفت أن يدركني الموت، وهي عندي. وقد قسّمتها اليوم. واسترحت منها.

فنظر عثمان إلى كعب الأحبار. وقال له: يا أبا إسحاق! ما تقول في رجل أدّى زكاة ماله المفروضة، هل يجب عليه فيما بعد ذلك شيء؟

__________________

(١) تفسير القمي ١ / ٥١ ـ ٥٤.

(٢) يوجد في المصدر.

(٣) المصدر: عشيّا.

(٤) المصدر: إليك.

(٥) المصدر: فرحا.

٧٢

فقال لا! ولو اتخذ لبنة من ذهب ولبنة من فضة، ما وجب عليه شيء.

فرفع أبو ذرّ عصاه، فضرب بها رأس كعب. ثمّ قال له: يا ابن اليهوديّة الكافرة! ما أنت والنّظر في أحكام المسلمين؟ قول الله أصدق من قولك، حيث قال(١) :( وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلا يُنْفِقُونَها فِي سَبِيلِ اللهِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذابٍ أَلِيمٍ، يَوْمَ يُحْمى عَلَيْها فِي نارِ جَهَنَّمَ، فَتُكْوى بِها جِباهُهُمْ وَجُنُوبُهُمْ وَظُهُورُهُمْ. هذا ما كَنَزْتُمْ لِأَنْفُسِكُمْ فَذُوقُوا ما كُنْتُمْ تَكْنِزُونَ ) .

فقال عثمان: يا أبا ذرّ! إنّك شيخ قد خرفت وذهب عقلك. ولو لا صحبتك لرسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ لقتلتك.

فقال كذبت، يا عثمان! أخبرني حبيبي رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ فقال: «لا يفتنونك يا أبا ذرّ! ولا يقتلونك» وأمّا عقلي فقد بقي منه ما أحفظ(٢) حديثا سمعته من رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ فيك وفي قومك.

قال: وما سمعته(٣) من رسول الله فيّ وفي قومي؟

قال: سمعته(٤) يقول حديثا سمعته من رسول الله إذا بلغ آل أبي العاص ثلاثين رجلا، صيّروا مال الله دولا، وكتاب الله دغلا، وعباده خولا، والفاسقين حزبا، والصّالحين حربا.

فقال عثمان: يا معشر أصحاب محمّد! هل سمع أحد منكم هذا من رسول الله؟

فقالوا: لا! ما سمعنا هذا من رسول الله.

فقال عثمان: ادع عليّا.

فجاء أمير المؤمنين ـ عليه السّلام. فقال له عثمان: يا أبا الحسن! انظر ما يقول هذا الشّيخ الكذّاب.

فقال أمير المؤمنين ـ عليه السّلام: مه، يا عثمان! لا تقل كذّاب. فإنّي سمعت رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ يقول: ما أظلّت الخضراء ولا أقلّت الغبراء، على ذي لهجة أصدق من أبي ذرّ.

فقال أصحاب رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله: صدق أبو ذرّ. فقد سمعنا هذا من

__________________

(١) التوبة / ٣٤.

(٢) المصدر: أحفظه.

(٣) المصدر: فقال: وما سمعت.

(٤) المصدر: سمعت.

٧٣

رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله.

فبكى أبو ذرّ، عند ذلك. فقال: ويلكم! كلّكم قد مدّ عنقه إلى هذا المال، ظننتم أنّى أكذب على رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله.

ثمّ نظر إليهم. فقال: من خيركم(١) ؟

فقالوا: أنت تقول إنّك خيرنا.

قال نعم! خلّفت حبيبي رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ في هذه الجبّة، وهي عليّ بعد.(٢) وأنتم قد أحدثتم أحداثا كثيرة. والله سائلكم عن ذلك. ولا يسألنى.

فقال عثمان: يا أبا ذر! أسألك بحقّ رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ إلا ما أخبرتني عن شيء أسألك عنه.

فقال أبو ذر: والله لو لم تسألني بحقّ محمّد رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ أيضا، لأخبرتك.

فقال: أيّ البلاد أحبّ إليك أن تكون فيها؟

فقال: مكّة حرم الله وحرم رسوله. أعبد الله فيها، حتّى يأتينى الموت.

فقال: لا! ولا كرامة لك.

قال: المدينة حرم رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله.

قال: لا. ولا كرامة لك.

قال(٣) : فسكت أبو ذرّ.

فقال عثمان: أيّ البلاد أبغض إليك أن تكون فيها؟

قال: الرّبذة الّتي كنت فيها على غير دين الإسلام.

فقال عثمان: سر إليها.

فقال أبو ذرّ: قد سألتني، فصدقتك. وأنا أسألك، فأصدقني.

قال: نعم! قال: أخبرني لو بعثتني في بعث من أصحابك إلى المشركين، فأسروني، فقالوا لا نفديه إلّا بثلث ما تملك.

__________________

(١) المصدر: فقال من خيركم؟ فقالوا: من خيرنا؟ فقال: أنا.

(٢) المصدر: وهو عنّي راض.

(٣) ليس في المصدر.

٧٤

قال: كنت أفديك.

قال: فإن قالوا لا نفديه إلّا بنصف ما تملك.

قال: كنت أفديك.

قال: فإن قالوا لا نفديه إلّا بكلّ ما تملك؟

قال: كنت أفديك.

قال: أبو ذرّ: الله أكبر! قال لي حبيبي رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ يوما: يا أبا ذرّ! كيف أنت إذا قيل لك أيّ البلاد أحبّ إليك أن تكون فيها، فتقول مكّه حرم الله وحرم رسوله، أعبد الله فيها حتى يأتيني الموت، فيقال لك لا ولا كرامة لك، فتقول فالمدينة حرم رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ فيقال لك لا ولا كرامة لك، ثمّ يقال فأيّ البلاد أبغض إليك أن تكون فيها، فتقول الربذة الّتي كنت فيها على غير دين الإسلام، فيقال لك سر إليها؟

فقلت: إنّ هذا لكائن؟ يا رسول الله! قال: إي! والّذي نفسي بيده إنّه لكائن.

فقلت: يا رسول الله! أفلا أضع سيفي(١) على عاتقي، فأضرب به قدما قدما؟

قال: لا اسمع، واسكت، ولو لعبد حبشيّ. وقد أنزل الله فيك وفي عثمان آية.

فقلت: وما هي. يا رسول الله! قال: قوله ـ تبارك وتعالى ـ( وَإِذْ أَخَذْنا مِيثاقَكُمْ لا تَسْفِكُونَ دِماءَكُمْ وَلا تُخْرِجُونَ أَنْفُسَكُمْ مِنْ دِيارِكُمْ. ثُمَّ أَقْرَرْتُمْ. وَأَنْتُمْ تَشْهَدُونَ. ثُمَّ أَنْتُمْ هؤُلاءِ تَقْتُلُونَ أَنْفُسَكُمْ، وَتُخْرِجُونَ فَرِيقاً مِنْكُمْ مِنْ دِيارِهِمْ، تَظاهَرُونَ عَلَيْهِمْ بِالْإِثْمِ وَالْعُدْوانِ. وَإِنْ يَأْتُوكُمْ أُسارى، تُفادُوهُمْ. وَهُوَ مُحَرَّمٌ عَلَيْكُمْ إِخْراجُهُمْ. أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتابِ وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ؟ فَما جَزاءُ مَنْ يَفْعَلُ ذلِكَ مِنْكُمْ إِلَّا خِزْيٌ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا، وَيَوْمَ الْقِيامَةِ يُرَدُّونَ إِلى أَشَدِّ الْعَذابِ وَمَا اللهُ بِغافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ ) ].(٢)

( أُولئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الْحَياةَ الدُّنْيا بِالْآخِرَةِ. فَلا يُخَفَّفُ عَنْهُمُ الْعَذابُ ) بأن يهون عليهم.

«واختلف في الخفّة والثّقل :

__________________

(١) المصدر: سيفي هذا.

(٢) ما بين المعقوفتين ليس في أ.

٧٥

فقيل: إنّه يرجع إلى تناقص الجواهر وتزايدها.

وقيل: إنّ الاعتماد اللازم سفلا، يسمّى ثقلا، والاعتقاد اللازم المختصّ بجهة العول، يسمّى خفّة.»(١) والمراد به في الآية، المعنى الشّامل للخفّة، بحسب تناقض الأجزاء، وبحسب انتقاص الكيفيّة.

[وللنّقص، الجزية في الدّنيا والتّعذيب في الآخرة].(٢) ( وَلا هُمْ يُنْصَرُونَ ) (٨٦) بدفعهما عنهم(٣) .

وفي الآية، دلالة على أنّ من آمن ببعض أحكام الله وكفر ببعض آخر، مع معرفته(٤) بأنّهما حكم الله، كافر خالد في العذاب لا تخفيف في عذابه ولا نصر له فيه.

ولا شكّ أنّ النّواصب، أكثرهم بهذه الصّفة. فهم أجدر بأن ينصب لهم علم الكفر.

( وَلَقَدْ آتَيْنا مُوسَى الْكِتابَ وَقَفَّيْنا مِنْ بَعْدِهِ بِالرُّسُلِ ) ، أي: أرسلنا على أثره الرّسل(٥) ، يتبع الآخر الأوّل، في الدّعاء إلى ما دعا الأوّل. لأنّ كلّ نبيّ بعث من بعد موسى، إلى زمن عيسى، فإنّما بعث على إقامة التوراة.

من قفّاه، إذا أتبعه. وقفّاه به: أتبعه إيّاه من القفا، نحو ذنبه من الذّنب.

والرّسل على ما ذكره صاحب الكشّاف(٦) وغيره هم: يوشع وإشمويل وشمعون وداود وسليمان وشعيا وأرميا وعزيز وحزقيل وإلياس واليسع ويونس وزكريّا ويحيى وغيرهم.

( وَآتَيْنا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ الْبَيِّناتِ ) المعجزات الواضحات، كإحياء الموتى وإبراء الأكمه والأبرص والإخبار بالمغيبات، أو الإنجيل.

و «عيسى» بالعبريّة: إيشوع. و «مريم» بمعنى الخادم. وهو بالعربيّة من النّساء، كالزّير من الرّجال. قال رؤبة :

قلت لزير لم تصله مريمه

ضليل أهواء الصّبيّ تندمه

__________________

(١) مجمع البيان ١ / ١٥٤.

(٢) ليس في أ.

(٣) أ: عنه.

(٤) أ: معرفة.

(٥) ليس في أ.

(٦) الكشاف ١ / ١٦١.

٧٦

والزّير (بكسر الزّاي) من الرّجال، الّذي يحبّ محادثة النّساء ومجالستهنّ. ووزنه مفعل، إذ لم يثبت فعيل.

( وَأَيَّدْناهُ ) : قوّيناه.

قيل(١) : قرئ آيدناه، على وزن أفعلناه.

( بِرُوحِ الْقُدُسِ ) : «بالرّوح المقدّسة، كقولك: حاتم الجود. ورجل صدق.

والمراد، جبرئيل ـ عليه السّلام. وقيل: روح عيسى ـ عليه الصلاة والسّلام.

ووصفها به، لطهارته عن مسّ الشّيطان، أو لكرامته على الله تعالى. ولذلك أضافه إلى نفسه تعالى، أو لأنّه لم تضمّه الأصلاب ولا الأرحام الطّوامث، أو الإنجيل، أو اسم الله الأعظم الّذي كان به يحيي الموتى.

وقرا ابن كثير: القدس (بالإسكان)، في جميع القرآن.»(٢)

[وفي أصول الكافي(٣) : محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد، عن الحسين ابن سعيد، عن حمّاد بن عيسى، عن إبراهيم بن عمر اليمانيّ، عن جابر الجعفيّ، عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ حديث طويل. ذكرناه بتمامه أوّل الواقعة. وفيه يقول: هم رسل الله ـ عليهم السّلام ـ وخاصّة الله من خلقه. جعل فيهم خمسة أرواح. أيّدهم بروح القدس.

فبه عرفوا الأشياء.

وبإسناده(٤) إلى المنخّل، عن جابر، عن أبي جعفر ـ عليه السّلام. قال: سألته عن علم العالم.

فقال لي: يا جابر! إنّ في الأنبياء والأوصياء، خمسة أرواح: روح القدس وروح الإيمان وروح الحياة وروح القوّة وروح الشّهوة. فبروح القدس، يا جابر! عرفوا ما تحت العرش، إلى ما تحت الثّرى.

ثمّ قال: يا جابر! إنّ هذه الأربعة الأرواح، يصيبها الحدثان، إلّا روح القدس.

فإنّها لا تلهو ولا تلعب.

وبإسناده(٥) إلى محمّد بن سنان، عن المفضّل بن عمر، عن أبي عبد الله

__________________

(١) مجمع البيان ١ / ١٥٥+ أنوار التنزيل ١ / ٦٨.

(٢) أنوار التنزيل ١ / ٦٨.

(٣) الكافي ١ / ٢٧١ ـ ٢٧٢، ضمن ح ١.

(٤) نفس المصدر ١ / ٢٧٢، ح ٢.

(٥) نفس المصدر ونفس الموضع، ح ٣.

٧٧

ـ عليه السّلام. قال: سألته عن علم الإمام، بما في أقطار الأرض وهو في بيته، مرخى عليه ستره؟

فقال: يا مفضّل! إنّ الله ـ تبارك وتعالى ـ جعل في النّبيّ ـ عليه السّلام ـ خمسة أرواح: روح الحياة. فبه دبّ ودرج، وروح القوّة. فبه نهض وجاهد، وروح الشّهوة. فبه أكل وشرب وآتى النّساء من الحلال، وروح الإيمان. فبه آمن وعدل، وروح القدس. فبه حمل النّبوّة. فإذا قبض النّبيّ ـ صلّى الله عليه وآله ـ انتقل روح القدس. فصار إلى الإمام. وروح القدس، لا ينام ولا يغفل ولا يلهو ولا يزهو ولا يلعب.(١) والأربعة الأرواح، تنام وتغفل وتلهو وتزهو. وروح القدس كان يرى به].(٢)

( أَفَكُلَّما جاءَكُمْ رَسُولٌ بِما لا تَهْوى أَنْفُسُكُمُ ) : بما لا تحبّه.

ووسطت الهمزة، بين الفاء وما تعلّقت به، توبيخا لهم، على تعقيبهم ذلك بهذا، وتعجيبا من شأنهم. ويتحمل أن يكون استئنافا.

و «الفاء» للعطف، على مقدّر.

( اسْتَكْبَرْتُمْ ) عن الإيمان واتباع الرّسل؟

( فَفَرِيقاً كَذَّبْتُمْ ) ، كموسى وعيسى.

( وَفَرِيقاً تَقْتُلُونَ ) (٨٧)، كزكريّا ويحيى.

وفي التّعبير بالمضارع، استحضار للحال الماضية في النّفوس، ورعاية للفواضل، ودلالة على أنّهم بعد فيه. فإنّهم يحومون حول محمّد، لولا أنّي أعصمه منهم.

[وفي أصول الكافي،(٣) بإسناده إلى منخّل، عن جابر، عن أبي جعفر ـ عليه السّلام.

قال: «[ا فكلّما](٤) جاءكم» محمّد( بِما لا تَهْوى أَنْفُسُكُمُ ) بموالاة عليّ( اسْتَكْبَرْتُمْ فَفَرِيقاً ) من آل محمّد( كَذَّبْتُمْ وَفَرِيقاً تَقْتُلُونَ ) ؟»

وفي تفسير العيّاشيّ(٥) ، عن جابر، عن أبي جعفر ـ عليه السّلام. قال: أمّا قوله( أَفَكُلَّما جاءَكُمْ رَسُولٌ بِما لا تَهْوى أَنْفُسُكُمُ ) (الآية)، قال أبو جعفر ـ عليه السّلام: ذلك مثل موسى والرّسل من بعده وعيسى. ضرب مثلا لأمّة محمّد. وقال(٦) الله لهم: فإن

__________________

(١) ليس في المصدر.

(٢) ما بين المعقوفتين ليس في أ.

(٣) الكافي ١ / ٤١٨، ح ٣١.

(٤) يوجد في المصدر.

(٥) تفسير العياشي ١ / ٤٩، ح ٦٨.

(٦) المصدر: ضرب لأمّة محمّد ـ صلّى الله عليه وآله ـ مثلا. فقال.

٧٨

( جاءَكُمْ ) محمّد( بِما لا تَهْوى أَنْفُسُكُمُ ) بموالاة عليّ( اسْتَكْبَرْتُمْ ) (١) ( فَفَرِيقاً ) من آل محمّد( كَذَّبْتُمْ وَفَرِيقاً تَقْتُلُونَ ) فذلك تفسيرها، في الباطن.

وفي شرح الآيات الباهرة(٢) : روى محمّد بن يعقوب الكلينيّ ـ رحمه الله ـ عن أحمد بن إدريس، عن محمّد بن حسّان، عن محمّد بن عليّ، عن عمّار بن مروان، عن منخّل، عن جابر، عن أبي جعفر ـ عليه السّلام ـ أنّه قال:( أَفَكُلَّما جاءَكُمْ رَسُولٌ ) (٣) »، محمّد،( بِما لا تَهْوى أَنْفُسُكُمُ ) بموالاة عليّ( اسْتَكْبَرْتُمْ فَفَرِيقاً ) [من آل محمّد](٤) ( كَذَّبْتُمْ وَفَرِيقاً تَقْتُلُونَ ) ].(٥)

( وَقالُوا قُلُوبُنا غُلْفٌ ) : جمع أغلف، أي: هي خلقة وجبلة مغشّاة بأغطية. لا يصل إليها ما جاء به محمّد. ولا تفقّهه. مستعار من الأغلف الّذي لم يختن.

وقيل(٦) : أصله [غلف](٧) جمع غلاف، [ككتب وكتاب وحمر وحمار](٨) فخفّف.

والمعنى: أنّها أوعية العلم. لا تسمع علما إلّا وعته ولا تعي ما يقول(٩) محمّد ـ صلّى الله عليه وآله ـ أو نحن مستغنون بما فيها، عن غيره.

وروي(١٠) في الشّواذّ، غلف (بضمّ اللّام) عن أبي عمرو.

( بَلْ لَعَنَهُمُ اللهُ بِكُفْرِهِمْ ) :

ردّ لما قالوا، يعني: أنّها خلقت على الفطرة، والتّمكّن من قبول الحقّ. ولكنّ الله خذلهم بسبب كفرهم. فهم الّذين غلفوا قلوبهم، بما أحدثوا من الكفر الزّائغ عن الفطرة. وتسبّبوا بذلك، لمنع الألطاف، أو هم كفرة ملعونون، فمن أين لهم دعوى العلم والاستغناء عن النبيّ ـ صلّى الله عليه وآله؟

( فَقَلِيلاً ما يُؤْمِنُونَ ) (٨٨): فإيمانا قليلا يؤمنون.

و «ما» مزيدة للمبالغة في التّقليل. وهو إيمانهم ببعض الكتاب، كالمفاداة.

__________________

(١) المصدر: استكبرتم بموالاة عليّ.

(٢) تاويل الآيات الباهرة / ٢٥.

(٣) ليس في المصدر.

(٤) يوجد في المصدر.

(٥) ما بين القوسين ليس في أ.

(٦) أنوار التنزيل ١ / ٦٨ ـ ٦٩.

(٧) يوجد في المصدر.

(٨) ليس في المصدر.

(٩) المصدر وأ: تقول.

(١٠) مجمع البيان ١ / ١٥٧.

٧٩

وقيل(١) : معناه «ويؤمنون وهم قليل.» وقيل(٢) : يجوز أن يكون القلّة، بمعنى العدم.

( وَلَمَّا جاءَهُمْ كِتابٌ مِنْ عِنْدِ اللهِ ) : هو القرآن.

( مُصَدِّقٌ لِما مَعَهُمْ ) من كتابهم، لا يخالفه.

وقرئ «مصدّقا»، على الحال، لتخصيصه بالوصف. وهو من عند الله. وجواب «لمّا» محذوف. وهو، «كذّبوا به واستهانوا بمجيئه.»( وَكانُوا مِنْ قَبْلُ يَسْتَفْتِحُونَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُوا ) ، أي: يستنصرون على المشركين، إذا قاتلوهم. قالوا: أللّهمّ انصرنا بالنّبيّ المبعوث في آخر الزّمان الّذي نجد نعته في التوراة.

ويقولون لاعدائهم من المشركين: قد أظلّ زمان نبيّ يخرج بتصديق ما قلنا. فنقتلكم معه، أو يفتحون عليهم. ويعرّفونهم أنّ نبيّا يبعث منهم. وقد قرب زمانه.

و «السّين»، للمبالغة كما في استعجب واستحجر، أي: يسألون أنفسهم الفتح عليهم، أو يسأل بعضهم بعضا أن يفتح عليهم. والشيء بعد الطّلب، أبلغ، كقولهم: مر مستجلا، أي: مر طالبا للعجلة من نفسه. [( فَلَمَّا جاءَهُمْ ما عَرَفُوا ) : من نعت محمّد ـ صلّى الله عليه وآله ـ( كَفَرُوا بِهِ ) حسدا وخوفا على الرّئاسة.( فَلَعْنَةُ اللهِ عَلَى الْكافِرِينَ ) (٨٩).

اللّعن، هو الإقصاء والابعاد. وأتى بالمظهر للدّلالة على أنّهم لعنوا لكفرهم.

فيكون اللّام، للعهد. ويجوز أن يكون للجنس. ويدخل فيه دخولا أوليّا].(٣)

روى العيّاشي(٤) ، بإسناده عن أبي بصير، عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام: [في قوله( وَكانُوا مِنْ قَبْلُ يَسْتَفْتِحُونَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُوا ) ](٥) قال: كانت اليهود تجد في كتبها، أنّ مهاجر محمّد ـ صلّى الله عليه وآله ـ ما بين عير وأحد. فخرجوا يطلبون المواضع فمرّوا بجبل، يقال له «حدّاد». فقالوا: «حدّاد وأحد سواء». فتفرّقوا عنده.

فنزل بعضهم بتيماء وبعضهم بفدك وبعضهم بخيبر. فاشتاق الّذين بتيماء إلى بعض إخوانهم.

فمرّ بهم أعرابي من قيس. فتكاروا منه. وقال لهم: أمرّ بكم ما بين عير وأحد؟

__________________

(١) نفس المصدر ونفس الموضع.

(٢) أنوار التنزيل ١ / ٦٩، باختلاف بسيط في اللفظ.

(٣) ما بين المعقوفتين ليس في أ.

(٤) تفسير العياشي ١ / ٤٩، ح ٦٩.

(٥) ليس في أ.

٨٠

فقالوا له: إذا مررت بهما فآذنّا بها(١) .

فلمّا توسّط بهم أرض المدينة، قال لهم: ذلك عير. وهذا أحد.

فنزلوا عن ظهر إبله. وقالوا له: قد أصبنا بغيتنا. فلا حاجة لنا إلى إبلك.(٢) فاذهب حيث شئت. وكتبوا إلى إخوانهم الّذين بفدك وخيبر، إنّا أصبنا الموضع. فهلمّوا إلينا.

فكتبوا إليهم، إنّا قد استقرّت بنا الدّار، واتّخذنا بها(٣) الأموال، وما أقربنا منكم. فإذا كان ذلك، فما أسرعنا إليكم.

واتّخذوا بأرض المدينة أموالا.(٤) فلمّا كثرت أموالهم بلغ ذلك تبّع. فغزاهم.

فتحصّنوا منهم.(٥) فحاصرهم. [وكانوا يرقّون للضّعفاء أصحاب تبّع ويلقون إليهم باللّيل التّمر والشّعير. فبلغ ذلك تبّع. فرّق لهم].(٦) وآمنهم فنزلوا عليه.

فقال لهم: إنّي قد استطبت بلادكم، ولا أراني إلّا مقيما فيكم.

فقالوا له:(٧) [إنّه] ليس ذلك لك. إنّها مهاجر نبيّ. وليس ذلك لأحد حتّى يكون ذلك.

فقال لهم: فإنّي مخلّف فيكم من أسرتي، من إذا كان ذلك، ساعده ونصره.

فخلّف [فيهم](٨) حيّين الأوس والخزرج. فلمّا كثروا بها، كانوا يتناولون أموال اليهود. فكانت اليهود تقول لهم: أما لو بعث محمّد ـ صلّى الله عليه وآله ـ لنخرجنّكم من ديارنا وأموالنا.

فلمّا بعث الله محمّدا ـ صلّى الله عليه وآله ـ آمنت به الأنصار وكفرت به اليهود.

وهو قول الله ـ عزّ وجلّ ـ( وَكانُوا مِنْ قَبْلُ يَسْتَفْتِحُونَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُوا. فَلَمَّا جاءَهُمْ، ما عَرَفُوا ) [من نعت محمّد ـ صلّى الله عليه وآله ـ](٩) ( كَفَرُوا بِهِ ) [حسدا وخوفا على الرئاسة](١٠) ( فَلَعْنَةُ اللهِ عَلَى الْكافِرِينَ ) .

[وفي روضة الكافي(١١) ، مثله، سواء.

في تفسير عليّ بن إبراهيم(١٢) : حدّثني أبي، عن ابن أبي عمير، عن حمّاد، عن حريز، عن

__________________

(١) المصدر: فارنا.

(٢) المصدر: بغتينا فلا حاجة لنا في إبلك.

(٣) ليس في المصدر.

(٤) المصدر: الأموال. (٥) المصدر: منه. وهو الظاهر.

(٦) ليس في أ.

(٧ و ٨) يوجد في المصدر.

(٩ و ١٠) يوجد في أ، فقط.

(١١) الكافي ٨ / ٣٠٨، ح ٤٨١. (١٢) تفسير القمي ١ / ٣٢ ـ ٣٣.

٨١

أبي عبد الله ـ عليه السّلام. قال: نزلت هذه الآية في اليهود والنّصارى. يقول الله ـ تبارك وتعالى ـ( الَّذِينَ آتَيْناهُمُ الْكِتابَ، يَعْرِفُونَهُ ) ، يعني: رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ( كَما يَعْرِفُونَ أَبْناءَهُمْ ) . لأنّ الله ـ عزّ وجلّ ـ قد أنزل عليهم في التّوراة والإنجيل والزّبور، صفة محمّد ـ صلّى الله عليه وآله ـ وصفة أصحابه ومبعثه ومهاجرته. وهو قوله تعالى(١) :( مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ، أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ، رُحَماءُ بَيْنَهُمْ. تَراهُمْ رُكَّعاً سُجَّداً. يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِنَ اللهِ وَرِضْواناً. سِيماهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ. ذلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْراةِ وَمَثَلُهُمْ فِي الْإِنْجِيلِ ) . فهذه صفة رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ في التوراة والإنجيل وصفة أصحابه.

فلمّا بعثه الله ـ عزّ وجلّ ـ عرفه أهل الكتاب، كما قال ـ جلّ جلاله:( فَلَمَّا جاءَهُمْ، ما عَرَفُوا. كَفَرُوا بِهِ ) .

فكانت اليهود، يقولون للعرب، قبل مجيء النّبيّ ـ صلّى الله عليه وآله: أيّها العرب! هذا أوان نبيّ يخرج بمكّة. ويكون مهاجرته بالمدينة. وهو آخر الأنبياء.

وأفضلهم. في عينيه حمرة. وبين كتفيه خاتم النّبوّة الشّملة. ويجتزئ بالكسرة والتّمرات.

ويركب الحمار العريّ. وهو الضّحوك القتّال. يضع سيفه على عاتقه ولا يبالي من لاقى.

يبلغ سلطانه منقطع الخفّ والحافر. لنقتلنّكم به، يا معشر العرب! قتل عاد.

فلمّا بعث الله نبيّه بهذه الصّفة، حسدوه وكفروا به، كما قال الله:( وَكانُوا مِنْ قَبْلُ يَسْتَفْتِحُونَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُوا. فَلَمَّا جاءَهُمْ ما عَرَفُوا. كَفَرُوا بِهِ ) .

وفي روضة الكافي(٢) : عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن صفوان بن يحيى، عن إسحاق بن عمّار. قال: سألت أبا عبد الله ـ عليه السّلام ـ عن قول الله ـ عزّ وجلّ ـ( وَكانُوا مِنْ قَبْلُ، يَسْتَفْتِحُونَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُوا. فَلَمَّا جاءَهُمْ ما عَرَفُوا. كَفَرُوا بِهِ ) .

قال: كان قوم فيما بين محمّد وعيسى ـ صلّى الله عليهما. وكانوا يتوعّدون أهل الأصنام، بالنّبيّ ـ صلّى الله عليه وآله. ويقولون: ليخرجنّ نبيّ. فليكسرنّ أصنامكم.

وليفعلنّ بكم وليفعلن. فلمّا خرج رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ كفروا به.

وفي أصول الكافي(٣) ، بإسناده إلى أبي عمرو الزّبيريّ، عن أبي عبد الله

__________________

(١) الفتح / ٢٩.

(٢) الكافي ٨ / ٣١٠، ح ٤٨٢.

(٣) الكافي ٢ / ٣٨٩ ـ ٣٦٠.

٨٢

ـ عليه السّلام. قال: قلت له: أخبرني عن وجوه الكفر، في كتاب الله ـ عزّ وجلّ.

قال: الكفر في كتاب الله، على خمسة أوجه: فمنها كفر الجحود. [والجحود](١) على وجهين ـ إلى قوله ـ أمّا الوجه الآخر من الجحود، على معرفة. وهو أن يجحد الجاحد وهو يعلم أنّه حقّ قد استقرّ عنده. وقد قال الله ـ عزّ وجلّ ـ(٢) ( وَجَحَدُوا بِها وَاسْتَيْقَنَتْها أَنْفُسُهُمْ ظُلْماً وَعُلُوًّا ) . وقال الله ـ عزّ وجلّ ـ( وَكانُوا مِنْ قَبْلُ يَسْتَفْتِحُونَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُوا. فَلَمَّا جاءَهُمْ ما عَرَفُوا، كَفَرُوا بِهِ. فَلَعْنَةُ اللهِ عَلَى الْكافِرِينَ ) ].(٣)

( بِئْسَمَا اشْتَرَوْا بِهِ أَنْفُسَهُمْ ) :

«ما» نكرة، موصوفة بالجملة الّتي بعده. مميّز لفاعل «بئس» المستكنّ فيه.

ومعناه: بئس شيء باعوا به أنفسهم، أو شروا به أنفسهم، بحسب ظنّهم، فإنّهم ظنّوا أنّهم أخلصوا أنفسهم من العقاب، بما فعلوا.

( أَنْ يَكْفُرُوا بِما أَنْزَلَ اللهُ ) : هو المخصوص بالذّمّ.

( بَغْياً ) : طلبا لما ليس لهم وحسدا، تعليل للكفر.

( أَنْ يُنَزِّلَ اللهُ ) ، أي: لأن ينزّل الله، أي: حسدوا لذلك.

( مِنْ فَضْلِهِ عَلى مَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ ) : على من اختاره للرّسالة.

( فَباؤُ بِغَضَبٍ عَلى غَضَبٍ ) : فصاروا أحقّاء بغضب مترادف.

( وَلِلْكافِرِينَ عَذابٌ مُهِينٌ ) (٩٠) لهم، بخلاف عذاب العاصي فانّه طهرة لذنوبه.

[وفي شرح الآيات الباهرة(٤) : روى محمّد بن يعقوب ـ رحمه الله ـ عن عليّ بن إبراهيم، عن أحمد بن محمّد البرقيّ، عن أبيه، عن محمّد بن سنان، عن عمّار بن مروان، عن منخّل، عن جابر، عن أبي جعفر ـ عليه السّلام. قال: نزل جبرئيل بهذه الآية على رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ هكذا.( بِئْسَمَا اشْتَرَوْا بِهِ أَنْفُسَهُمْ أَنْ يَكْفُرُوا بِما أَنْزَلَ اللهُ ) في عليّ( بَغْياً ) . (الآية).

وفي تفسير العيّاشيّ(٥) : عن جابر. قال: سألت أبا جعفر ـ عليه السّلام ـ عن هذه الآية،(٦) من قول الله( فَلَمَّا جاءَهُمْ ما عَرَفُوا، كَفَرُوا بِهِ ) ، قال: تفسيرها في الباطن: لما

__________________

(١) يوجد في المصدر.

(٢) النمل / ١٤.

(٣) ما بين المعقوفتين ليس في أ.

(٤) تأويل الآيات الباهرة / ٢٥.

(٥) تفسير العياشي ١ / ٥٠، ح ٧٠.

(٦) المصدر: عن.

٨٣

جاءهم ما عرفوا في عليّ كفروا به فقال الله [فيهم: «( فَلَعْنَةُ اللهِ عَلَى الْكافِرِينَ ) في باطن القرآن.

قال أبو جعفر](١) فيه: يعني بني أميّة. هم الكافرون في باطن القرآن.

قال أبو جعفر ـ عليه السّلام: نزلت هذه الآية على رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ هكذا:( بِئْسَمَا اشْتَرَوْا بِهِ أَنْفُسَهُمْ أَنْ يَكْفُرُوا بِما أَنْزَلَ اللهُ ) في عليّ «( بَغْياً ) . وقال الله في عليّ:( أَنْ يُنَزِّلَ اللهُ مِنْ فَضْلِهِ عَلى مَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ ) ، يعني: عليّا. قال الله:( فَباؤُ بِغَضَبٍ عَلى غَضَبٍ ) ، يعني: بني أميّة. و( لِلْكافِرِينَ ) ، يعني: بني أميّة، «( عَذابٌ مُهِينٌ ) ].(٢)

( وَإِذا قِيلَ لَهُمْ آمِنُوا بِما أَنْزَلَ اللهُ ) : يعمّ جميع ما جاء به أنبياء الله.

( قالُوا: نُؤْمِنُ بِما أُنْزِلَ عَلَيْنا ) ، أي: بالتوراة.

( وَيَكْفُرُونَ بِما وَراءَهُ ) :

قال ابن الأنباريّ(٣) : تمّ الكلام عند قوله( بِما أُنْزِلَ عَلَيْنا ) : ثمّ ابتدأ بالإخبار عنهم.

وصاحب الكشّاف(٤) ، على أنّه حال عن الضّمير في «قالوا»، أي: قالوا ذلك والحال أنّهم يكفرون بما وراء التوراة.

والأوّل، أقرب.

و «وراء»، في الأصل، مصدر. جعل ظرفا. ويضاف إلى الفاعل. فيراد ما يتوارى به، وهو خلفه. وإلى المفعول، فيراد به، ما يواريه، وهو قدّامه. ولذلك عدّ من الأضداد.

وقال الفرّاء: معنى وراءه، سواه، كما يقال للرّجل: «يتكلّم بالكلام الحسن، ما وراء هذا الكلام»، شيء يراد، ليس عند المتكلّم به شيء، سوى ذلك الكلام.

( وَهُوَ الْحَقُ ) ، أي: ما وراءه. أي: القرآن الحقّ.

( مُصَدِّقاً لِما مَعَهُمْ ) ، أي: التوراة.

[وفي تفسير العيّاشيّ:(٥) قال جابر: قال أبو جعفر ـ عليه السّلام: نزلت هذه الآية على

__________________

(١) يوجد في المصدر: وهاهنا ـ أيضا ـ موجود بين المعقوفتين.

(٢) ما بين المعقوفتين، ليس في أ.

(٣) مجمع البيان ١ / ١٦١.

(٤) الكشاف ١ / ١٦٥.

(٥) تفسير العياشي ١ / ٥١، ح ٧١.

٨٤

محمّد ـ صلّى الله عليه وآله ـ هكذا، والله: «( وَإِذا قِيلَ لَهُمْ آمِنُوا بِما أَنْزَلَ اللهُ ) (١) » في عليّ، يعني: بني أميّة،( قالُوا نُؤْمِنُ بِما أُنْزِلَ عَلَيْنا ) ، يعني: في قلوبهم بما أنزل الله عليه.

( وَيَكْفُرُونَ بِما وَراءَهُ ) بما أنزل الله في عليّ.( وَهُوَ الْحَقُّ مُصَدِّقاً لِما مَعَهُمْ ) ، يعني: عليّا].(٢)

و( مُصَدِّقاً ) ، حال مؤكدة يتضمّن ردّ مقالتهم. فإنّهم لـمّا كفروا بما يوافق التوراة، فقد كفروا بها. ثمّ اعترض عليهم بقتلهم الأنبياء، مع ادّعائهم الإيمان بالتوراة. والتوراة لا تسوغه بقوله :

( قُلْ فَلِمَ تَقْتُلُونَ أَنْبِياءَ اللهِ مِنْ قَبْلُ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ ) (٩١) :

وإسناد القتل إليهم، مع أنّه فعل آبائهم، لأنّهم راضون به، عازمون عليه.

[وفي تفسير العيّاشيّ(٣) : عن أبي عمرو الزّبيريّ، عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام.

قال: قال الله في كتابه، يحكي قول اليهود،( إِنَّ اللهَ عَهِدَ إِلَيْنا أَلَّا نُؤْمِنَ لِرَسُولٍ حَتَّى يَأْتِيَنا بِقُرْبانٍ ) . (الآية) فقال:( فَلِمَ تَقْتُلُونَ أَنْبِياءَ اللهِ مِنْ قَبْلُ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ ) .» وإنّما أنزل هذا، في قوم من(٤) اليهود، وكانوا على عهد رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ لم يقتلوا الأنبياء بأيديهم، ولا كانوا في زمانهم. وإنّما قتل(٥) الّذين كانوا من قبلهم. فجعلهم الله منهم.

وأضاف إليهم، فعل أوائلهم، بما تبعوهم وتولّوهم].(٦)

( وَلَقَدْ جاءَكُمْ مُوسى بِالْبَيِّناتِ. ثُمَّ اتَّخَذْتُمُ الْعِجْلَ مِنْ بَعْدِهِ. وَأَنْتُمْ ظالِمُونَ ) (٩٢):( وَأَنْتُمْ ظالِمُونَ ) ، يجوز أن يكون حالا، أي: عبدتم العجل، وأنتم واضعون العبادة غير موضعها. وأن يكون اعتراضا، بمعنى: وأنتم قوم عادتكم الظّلم.

( وَإِذْ أَخَذْنا مِيثاقَكُمْ وَرَفَعْنا فَوْقَكُمُ الطُّورَ خُذُوا ما آتَيْناكُمْ بِقُوَّةٍ وَاسْمَعُوا ) ، أي :قلنا لهم. خذوا ما أمرتم به في التوراة بجدّ. واسمعوا، سماع طاعة.

( قالُوا سَمِعْنا ) قولك.( وَعَصَيْنا ) أمرك.

__________________

(١) المصدر:( وَإِذا قِيلَ لَهُمْ ما ذا أَنْزَلَ رَبُّكُمْ ) (النحل / ٢٤)

(٢) ما بين المعقوفتين ليس في أ.

(٣) تفسير العياشي ١ / ٥١.

(٤) ليس في المصدر.

(٥) المصدر: إنّما قتل أوائلهم الذين كانوا من قبلهم. فنزلوا بهم أولئك القتلة.

(٦) ما بين المعقوفتين ليس في أ.

٨٥

( وَأُشْرِبُوا فِي قُلُوبِهِمُ الْعِجْلَ ) : تداخلهم حبّه. ورسخ في قلوبهم صورته لفرط شغفهم فيه، كما يتداخل الصّبغ، الثّوب والشّرب أعماق البدن.

و( فِي قُلُوبِهِمُ ) بيان لمكان الإشراب.

( بِكُفْرِهِمْ ) : بسبب كفرهم. لأنّهم كانوا مجسّمة، أو حلوليّة. ولم يروا جسما أعجب منه. فتمكّن في قلوبهم، ما سوّل لهم السّامريّ.

[وفي تفسير العيّاشيّ:(١) عن أبي بصير، عن أبي جعفر ـ عليه السّلام ـ في قول الله( وَأُشْرِبُوا فِي قُلُوبِهِمُ الْعِجْلَ ) قال: فعمد موسى. فرد(٢) العجل من أنفه إلى طرف ذنبه.

ثمّ أحرقه بالنّار فذرّه في اليمّ.

قال: فكان أحدهم ليقع في الماء وما به إليه من حاجة، فيتعرّض لذلك الرّماد، فيشربه. وهو قول الله( وَأُشْرِبُوا فِي قُلُوبِهِمُ الْعِجْلَ بِكُفْرِهِمْ ) ].(٣)

( قُلْ بِئْسَما يَأْمُرُكُمْ بِهِ إِيمانُكُمْ ) بالتوراة. لأنّه ليس فيها عبادة العجاجيل.

وإضافة الأمر إلى إيمانهم، تهكّم، كما قال قوم شعيب(٤) :( أَصَلاتُكَ تَأْمُرُكَ ) .

وكذلك إضافة الإيمان إليهم.

والمخصوص بالذّمّ، محذوف، أي: هذا الأمر، أو ما يعمّه وغيره، من قبائحهم المعدودة في الآيات الثلاث، إلزاما(٥) عليهم.

( إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ ) (٩٣) :

تشكيك في إيمانهم. وقدح في صحّة دعواهم له.

وكرّر رفع الطّور، لما نيط به من زيادة ليست مع الأولى. وتلك الزّيادة التّنبيه على أنّ طريقهم مع الرّسول، طريقة أسلافهم مع موسى ـ عليه السّلام.

( قُلْ إِنْ كانَتْ لَكُمُ الدَّارُ الْآخِرَةُ عِنْدَ اللهِ خالِصَةً ) :

والمراد بالدّار الآخرة، الجنّة. وخالصة منصوب على الحال، من الدّار، أي: خاصّة بكم كما قلتم لن يدخل الجنّة إلّا من كان هودا.

( مِنْ دُونِ النَّاسِ ) ، أي: سائر النّاس، أو المسلمين.

__________________

(١) تفسير العياشي ١ / ٥١، ح ٧٣.

(٢) المصدر: فبرّد.

(٣) ما بين المعقوفتين ليس في أ.

(٤) هود / ٨٧.

(٥) أ: التزاما.

٨٦

و «اللّام»، للعهد.

( فَتَمَنَّوُا الْمَوْتَ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ ) (٩٤).

لأنّ من أيقن أنّه من أهل الجنّة، اشتاق إليها، وتمنّى سرعة الوصول إلى النّعيم، والتّخلّص من الدّار ذات النّوائب، كماقال أمير المؤمنين ويعسوب الدّين(١) ، وهو يطوف بين الصّفين في غلالة، فقال ابنه الحسن ـ عليه السّلام: ما هذا بزيّ المحاربين؟ يا بنيّ! إنّ أباك لا يبالي وقع على الموت، أو وقع الموت عليه.

وقال عمّار ـ رضي الله عنه ـ بصفّين(٢) : الآن ألاقي محمّدا وحزبه.

وقال حذيفة، حين احتضر(٣) : جاء حبيب على فاقة. لا أفلح من ندم، أي: التّمنّي.

[وفي كتاب الخصال(٤) : عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام. قال: سمعت أبي يحدّث عن أبيه ـ عليهما السّلام: أنّ رجلا قام إلى أمير المؤمنين ـ عليه السّلام ـ فقال: يا أمير المؤمنين! بما عرفت ربّك؟

قال: بفسخ العزائم.

إلى أن قال: فبما ذا أحببت لقاءه؟

قال لـمّا رأيته قد اختار لي دين ملائكته ورسله وأنبيائه، علمت بأنّ الّذى أكرمني بهذا ليس ينساني، فأحببت لقاءه.

عن جعفر بن محمّد(٥) ، عن أبيه ـ عليهما السّلام. قال: أتى النّبيّ ـ صلّى الله عليه وآله ـ رجل فقال له: مالي لا أحبّ الموت؟

فقال له: ألك مال؟

قال: نعم.

قال: فقدّمته؟

قال: لا.

قال: فمن ثمّ لا تحبّ الموت].(٦)

__________________

(١) الكشاف ١ / ١٦٦+ مجمع البيان ١ / ١٦٤.

(٢) الكشاف ١ / ١٦٧.

(٣) نفس المصدر ١ / ١٦٦.

(٤) الخصال ١ / ٣٣، ح ١.

(٥) نفس المصدر ١ / ١٣، ح ٤٧.

(٦) ما بين المعقوفتين ليس في أ.

٨٧

وأمّا ما روي عن النّبيّ ـ صلّى الله عليه وآله ـ أنّه قال(١) : «لا يتمنّين أحدكم الموت لضرّ، نزل به. ولكن ليقل: أللّهمّ أحيني ما دامت الحيوة خيرا لي. وتوفّني إذا كانت الوفاة، خيرا لي»، فإنّما نهى عن التّمنّي للضّرّ. لأنّه يدلّ على الجزع. والمأمور به الصّبر وتفويض الأمور إليه.

( وَلَنْ يَتَمَنَّوْهُ أَبَداً بِما قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ. وَاللهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ ) (٩٥): والمراد( بِما قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ ) ، ما أسلفوا من موجبات النّار، من الكفر بمحمّد، وما جاء به، وتحريف كتاب الله، وسائر أنواع الكفر والعصيان. ولمّا كانت اليد العاملة، مختصّة بالإنسان، آلة لقدرته. بها عامّة صنائعه(٢) ومنها أكثر منافعه، عبّر بها عن النّفس، تارة، والقدر، أخرى.

وقوله( وَلَنْ يَتَمَنَّوْهُ أَبَداً ) من المعجزات. لأنّه إخبار بالغيب.

وروى الكلبيّ(٣) ، عن ابن عبّاس، أنّه قال: كان رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ يقول لهم(٤) : إن كنتم صادقين في مقالتكم، فقولوا «اللهمّ أمتنا». فو الّذي نفسي بيده! لا يقولها رجل إلّا غصّ بريقه. فمات مكانه.

وروي عنه ـ عليه السّلام ـ(٥) أيضا ـ أنّه [قال :](٦) لو أنّ اليهود تمنّوا الموت، لماتوا، ولرأوا مقاعدهم من النّار.

( وَلَتَجِدَنَّهُمْ أَحْرَصَ النَّاسِ عَلى حَياةٍ ) :

من وجد، بمعنى علم. المتعدّي إلى مفعولين، في قولهم: وجدت زيدا ذا انخفاض.(٧) ومفعولاه، هم أحرص.

وتنكير «حياة»، لأنّه أريد فرد من أفرادها. وهي الحياة المتطاولة. وقرئ باللام.

( وَمِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا ) :

محمول على المعنى. فكأنّه قال: أحرص من النّاس ومن الّذين أشركوا

__________________

(١) مجمع البيان ١ / ١٦٤.

(٢) ر: على صنايعه.

(٣) مجمع البيان ١ / ١٦٤.

(٤) ر: لكم.

(٥) نفس المصدر ونفس الموضع.

(٦) يوجد في المصدر.

(٧) أ: انخفظاظ. الأصل ور: انخفاظ.

٨٨

وإفرادهم بالذّكر، للمبالغة. فإنّ حرصهم شديد إذ لم يعرفوا إلّا الحياة العاجلة، والزّيادة في التّوبيخ والتّقريع. فإنّه لـمّا زاد حرصهم وهو مقرون بالجزاء على حرص المنكرين، دلّ ذلك على علمهم بأنّهم صائرون إلى النّار.

ويجوز أن يراد: وأحرص من الّذين أشركوا. فحذف، لدلالة الأوّل عليه. وأن يكون خبر مبتدأ محذوف صفته.

( يَوَدُّ أَحَدُهُمْ ) على أنّه أريد بالّذين أشركوا اليهود. لأنّهم قالوا: عزير بن الله، أي: ومنهم ناس يودّ أحدهم. وهو على الأوّلين، بيان لزيادة حرصهم على طريق الاستئناف.

( لَوْ يُعَمَّرُ أَلْفَ سَنَةٍ ) :

حكاية لودادتهم.

و «لو» بمعنى ليت. وكأنّ أصله «لو عمّر». فأجرى على الغيبة، لقوله تعالى «يود»، كقولك: حلف بالله، ليفعلنّ.

( وَما هُوَ بِمُزَحْزِحِهِ مِنَ الْعَذابِ أَنْ يُعَمَّرَ ) :

الضّمير لأحدهم.

و «أن يعمّر»، فاعل «مزحزحه»، وما أحدهم ممّن يزحزحه من النّار تعميره، أو لما دلّ عليه يعمّر. و «أن يعمّر» بدل، أو مبهم. و «أن يعمّر»، موضّحه.

وأصل «سنة» سنوة. لقولهم: سنوات. وقيل: سنهة، كجبهة. لقولهم: سانهة وتسنّهت النّحل، إذا أتت عليها السّنوات.

و «الزّحزحة»: التّبعيد.

( وَاللهُ بَصِيرٌ بِما يَعْمَلُونَ ) (٩٦)، فيجازيهم.

وفي هذه الآية، دلالة على أنّ الحرص على طول البقاء، لطلب الدّنيا ونحوه، مذموم. وإنّما المحمود، طلب البقاء للازدياد في الطّاعة، وتلافي الفائت بالتّوبة والإنابة، ودرك السّعادة بالإخلاص في العبادة. وإلى هذا المعنى

أشار أمير المؤمنين ـ عليه السّلام ـ(١) في قوله: بقيّة عمر المؤمن، لا قيمة له. يدرك بها ما فات. ويحيي بها ما أمات.

__________________

(١) مجمع البيان ١ / ١٦٦.

٨٩

( قُلْ مَنْ كانَ عَدُوًّا لِجِبْرِيلَ ) :

قال ابن عبّاس(١) : سبب نزول هذه الآية، ما روى أنّ ابن صوريا وجماعة من اليهود أهل فدك، لـمّا قدم النّبيّ ـ صلّى الله عليه وآله ـ المدينة، سألوه. فقالوا: يا محمّد! كيف نومك؟ فقد أخبرنا عن نوم النّبيّ الّذي يأتي في آخر الزّمان.

فقال: تنام عيناي. وقلبي يقظان.

قالوا: صدقت، يا محمّد! فأخبرنا عن الولد يكون من الرّجل والمرأة.

فقال ـ صلّى الله عليه وآله: أمّا العظام والعصب والعروق، فمن الرّجل. وأمّا اللّحم والدّم والشّعر والظّفر، فمن المرأة.

قالوا: صدقت، يا محمّد! فما بال الولد يشبه أعمامه وليس فيه من شبه أخواله شيء؟ أو يشبه أخواله وليس فيه من شبه أعمامه شيء؟

فقال: أيّهما علا ماؤه، كان الشّبه له.

قالوا: صدقت، يا محمّد! قالوا: أخبرنا عن ربّك، ما هو؟

فأنزل الله سبحانه( قُلْ هُوَ اللهُ أَحَدٌ ) (إلى آخره.) فقال له ابن صوريا: خصلة واحدة، إن قلتها آمنت بك واتّبعتك. أيّ ملك يأتيك بما ينزل الله عليك؟

فقال: جبرئيل.

قال: ذاك عدوّنا. ينزل بالقتال والشّدّة والحرب. وميكائيل ينزل باليسر والرخاء. فلو كان ميكائيل هو الّذي يأتيك، لآمنّا بك.

[وفي كتاب الاحتجاج، للطّبرسيّ ـ رحمه الله(٢) : وقال أبو محمّد ـ عليه السّلام ـ قال جابر بن عبد الله: سأل رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ عبد الله بن صوريا، غلام أعور يهوديّ ـ تزعم اليهود أنّه أعلم يهوديّ بكتاب الله وعلوم أنبيائه ـ عن مسائل كثيره.

تعنّت فيها فأجابه عنها رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ بما لم يجد إلى إنكار شيء منها سبيلا.

فقال له: يا محمّد! من يأتيك بهذه الأخبار عن الله تعالى؟

__________________

(١) نفس المصدر ١ / ١٦٧.

(٢) الاحتجاج ١ / ٤٦.

٩٠

قال: جبرئيل.

قال: لو كان غيره يأتيك بها، لآمنت بك. ولكن جبرئيل عدوّنا من بين الملائكة. فلو كان ميكائيل، أو غيره سوى جبرئيل يأتيك بها، لآمنت بك.

فقال رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله: ولم اتّخذتم جبرئيل عدوّا؟

قال: لأنّه ينزل بالبلاء والشّدّة على بني إسرائيل. ودفع دانيال عن قتل بخت نصر، حتّى قوى أمره وأهلك بني إسرائيل. وكذلك كلّ بأس وشدّة لا ينزلها إلّا جبرئيل وميكائيل يأتينا بالرّحمة.

فقال رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله: ويحك! أجهلت أمر الله؟ وما ذنب جبرئيل إن أطاع الله، فيما يريده الله بكم. أرأيتم ملك الموت أهو عدوّكم؟ وقد وكّله الله تعالى بقبض أرواح الخلق. أرأيتم الآباء والأمّهات إذا وجروا الأولاد الدّواء الكريه لمصالحهم، يجب أن يتّخذهم أولادهم أعداء من أجل ذلك؟ لا! ولكنّكم بالله جاهلون.

وعن حكمته غافلون. وأشهد أنّ جبرئيل وميكائيل بأمر الله عاملان. وله مطيعان. وأنّه لا يعادي أحدهما إلّا من عادى الآخر. وأنّه من زعم أنّه يحبّ أحدهما ويبغض الآخر، فقد كذب. وكذلك محمّد رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ وعليّ، أخوان، كما أنّ جبرئيل وميكائيل، أخوان. فمن أحبّهما، فهو من أولياء الله. ومن أبغضهما، فهو من أعداء الله. ومن أبغض أحدهما وزعم أنّه يحبّ الآخر، فقد كذب وهما منه بريئان. والله تعالى وملائكته وخيار خلقه منه براء.

وقال أبو محمّد ـ عليه السّلام: كان سبب نزول قوله تعالى( قُلْ مَنْ كانَ عَدُوًّا لِجِبْرِيلَ ) (الآيتين)، ما كان من اليهود أعداء الله من قوله من قول السيّئ، في جبرئيل وميكائيل، ومن كان من أعداء الله النّصّاب، من قول أسوء منه، في الله وفي جبرئيل وميكائيل وسائر ملائكة الله. أمّا ما كان من النّصّاب، فهو أنّ رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ لـمّا كان لا يزال يقول في عليّ ـ عليه السّلام ـ الفضائل الّتى خصّه الله ـ عزّ وجلّ ـ بها والشّرف الّذي أهّله الله تعالى له. وكان في كلّ ذلك يقول: أخبرني به جبرئيل، عن الله. ويقول في بعض ذلك، جبرئيل عن يمينه، وميكائيل، عن يساره. يفتخر جبرئيل على ميكائيل، في أنّه عن يمين عليّ ـ عليه السّلام ـ الّذي هو أفضل من اليسار، كما يفتخر نديم ملك عظيم في الدّنيا يجلسه الملك عن يمينه، على النّديم الآخر الّذي يجلسه عن يساره. ويفتخران على إسرافيل الّذي خلفه بالخدمة، وملك الموت الّذي أمامه بالخدمة.

٩١

وأنّ اليمين والشّمال، أشرف من ذلك، كافتخار حاشية الملك، على زيادة قرب محلّهم من ملكهم.

وكان رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ يقول في بعض أحاديثه: إنّ الملائكة أشرفها عند الله، أشدّها لعليّ بن أبي طالب حبّا. وإنّه قسم(١) الملائكة فيما بينهما، والّذي يشرّف(٢) عليّا على جميع الورى بعد محمّد المصطفى.

ويقول مرّة: إنّ ملائكة السّماوات والحجب ليشتاقون إلى رؤية عليّ بن أبي طالب ـ عليه السّلام ـ كما تشتاق الوالدة الشّفيقة إلى ولدها البارّ الشّفيق، آخر من بقي عليها بعد عشرة دفنتهم.

فكان هؤلاء النّصّاب يقولون: إلى متى يقول محمّد: جبرئيل وميكائيل والملائكة؟

وكلّ ذلك تفخيم لعليّ، وتعظيم لشأنه. ويقول الله تعالى لعليّ بن أبي طالب ـ عليه السّلام ـ خاصّ من سائر الخلق. برئنا من ربّ ومن ملائكة ومن جبرئيل وميكائيل هم لعلىّ بعد محمّد، مفضّلون. وبرئنا من رسل الله الّذين هم لعليّ بعد محمّد، مفضّلون.

وأمّا ما قاله اليهود. فهو أنّ اليهود، أعداء الله. لـمّا قدم النّبيّ ـ صلّى الله عليه وآله ـ المدينة، أتوا بعبد الله بن صوريا. فسأله عن أشياء. فأجابه إلى أن قال: بقيت خصلة، إن قلتها، آمنت بك واتّبعتك. أيّ ملك يأتيك بما تقوله عن الله؟

قال: جبرئيل.

قال ابن صوريا: ذلك عدوّنا من بين الملائكة. ينزل بالقتل والشّدّة والحرب.

ورسولنا ميكائيل. يأتي بالسّرور والرّخاء. فلو كان ميكائيل هو الّذي يأتيك، آمنا بك. لأنّ ميكائيل كان يشدّ ملكنا. وجبرئيل كان يهلك ملكنا. فهو عدوّنا لذلك.

فقال سلمان الفارسيّ ـ رضى الله عنه: فما بدوّ عداوته لكم؟

قال: نعم، يا سلمان! عادانا مرارا كثيرة. وكان من أشدّ ذلك علينا، أنّ الله أنزل على أنبيائه أنّ بيت المقدس يخرّب على يد رجل، يقال له «بخت نصر» وفي زمانه. وأخبرنا بالحين الّذي يخرّب فيه. والله يحدث الأمر بعد الأمر. فيمحو ما يشاء. ويثبت. فلمّا بلغنا ذلك الحين الّذى يكون فيه هلاك بيت المقدس، بعث أوائلنا رجلا من أقرباء بني إسرائيل وأفاضلهم، نبيّا كان يعدّ من أنبيائهم، يقال له «دانيال»، في طلب بخت نصر، ليقتله.

__________________

(١) ر: قسيم.

(٢) ر: شرّف.

٩٢

فحمل معه وقر مال لينفقه في ذلك. فلمّا انطلق في طلبه، لقيه ببابل غلاما ضعيفا مسكينا ليس له قوّة ولا منعة. فأخذه صاحبنا ليقتله. فدفع عنه جبرئيل. وقال لصاحبنا: إن كان ربّكم هو الّذي أمر بهلاككم، فإنّه لا يسلّطك عليه. وإن لم يكن هذا، فعلى أيّ شيء تقتله؟

فصدّقه صاحبنا. وتركه. ورجع إلينا. وأخبرنا بذلك. وقوى بخت نصر. وملك قرانا. وخرّب بيت المقدس. فلهذا نتّخذه عدوّا. وميكائيل عدوّ لجبرئيل.

فقال سلمان: يا بن صوريا! بهذا العقل المسلوك به غير سبيله ضللتم. أرأيتم أوائلكم كيف بعثوا من يقتل بخت نصر؟ وقد أخبر الله تعالى، في كتبه، على ألسنة رسله، أنّه يملك ويخرّب بيت المقدس. أرادوا بذلك تكذيب أنبياء الله في أخبارهم؟ أو اتّهموهم في إخبارهم؟ وصدّقوهم في الخبر عن الله؟ ومع ذلك أرادوا مغالبة الله؟ هل كان هؤلاء ومن وجوه، إلا كفّار بالله؟ وأيّ عداوة يجوز أن تعتقد لجبرئيل وهو يصدّ به عن مغالبة الله ـ عزّ وجلّ ـ وينهى عن تكذيب خبر الله تعالى؟

فقال ابن صوريا: قد كان الله أخبر بذلك على ألسن أنبيائه. ولكنّه يمحو ما يشاء ويثبت.

قال سلمان: فإذا لا يتّقنوا بشيء ممّا في التّوراة، من الأخبار عمّا مضى وما يستأنف، فإنّ الله يمحو ما يشاء ويثبت. وإذا لعلّ الله قد كان عزل موسى وهارون عن النّبوّة. وأبطلا في دعواهما؟ لأنّ الله يمحو ما يشاء ويثبت. ولعلّ كلّما أخبراكم أنّه يكون، لا يكون. وما أخبراكم أنّه لا يكون، يكون. وكذلك ما أخبراكم عمّا كان، لعلّه لم يكن.

وما أخبراكم أنّه لم يكن، لعلّه كان. ولعلّ ما وعده من الثّواب، يمحوه. ولعلّ ما توعّد به من العقاب، يمحوه. فإنّه يمحو ما يشاء ويثبت. إنّكم جهلتم معنى( يَمْحُوا اللهُ ما يَشاءُ وَيُثْبِتُ ) فلذلك أنتم بالله كافرون. ولإخباره عن الغيوب مكذّبون وعن دين الله منسلخون.

ثم قال سلمان: إنّي أشهد أنّ من كان عدوّا لجبرئيل، فإنّه عدوّ لميكائيل. وإنّهما جميعا عدوّان لمن عادهما. سلمان لمن سالمهما.

فأنزل الله تعالى عند ذلك موافقا لقول سلمان:( قُلْ مَنْ كانَ عَدُوًّا لِجِبْرِيلَ ) » في مظاهرته لأولياء الله على أعداء الله، ونزوله بفضائل عليّ وليّ الله من عند الله،( فَإِنَّهُ نَزَّلَهُ ) ، فإن جبرئيل نزّل هذا القرآن( عَلى قَلْبِكَ بِإِذْنِ اللهِ ) ، بأمره،( مُصَدِّقاً لِما بَيْنَ يَدَيْهِ ) من سائر كتب الله، «وهدى» من الضلالة،( وَبُشْرى لِلْمُؤْمِنِينَ ) بنبوّة محمّد وولاية عليّ و

٩٣

من بعدهما من الأئمّة، بأنّهم أولياء الله حقّا، إذا ماتوا على موالاتهم لمحمّد وعليّ وآلهما الطّيّبين.

والحديث طويل. أخذت منه موضع الحاجة.

وفي كتاب علل الشّرائع(١) ، بإسناده إلى أنس بن مالك، عن النّبيّ ـ صلّى الله عليه وآله ـ حديث طويل، قال فيه ـ صلّى الله عليه وآله ـ لعبد الله بن سلام، وقد سأله عن مسائل: أخبرني بهنّ جبرئيل ـ عليه السّلام ـ آنفا.

قال: هل خبّرك جبرئيل.

قال: نعم.

قال: ذلك عدوّ اليهود من الملائكة.

قال: ثمّ قرأ هذه الآية:( قُلْ مَنْ كانَ عَدُوًّا لِجِبْرِيلَ، فَإِنَّهُ نَزَّلَهُ عَلى قَلْبِكَ بِإِذْنِ اللهِ ) ](٢)

وفي «جبرئيل»، ثمان لغات: قرئ بهنّ أربع في المشهورات: جبرئيل، كسلسبيل، قراءة حمزة والكسّائيّ. وجبرئيل (بكسر الرّاء وحذف الهمزة)، قراءة ابن كثير. وجبرئيل، كحجمرش، قراءة عاصم برواية أبي بكر. وجبرئيل، كقنديل، قراءة الباقين.

وأربع في الشّواذّ. جبرائيل وجبرائيل، جبرال وجبرين.

ومنع صرفه للعجمة والتّعريف. ومعناه عبد الله.

( فَإِنَّهُ نَزَّلَهُ ) ، أي: جبرئيل نزّل القرآن.

والإرجاع إلى غير المذكور، يدلّ على فخامة شأنه. كأنّه لتعيّنه وفرط شهرته، لم يحتجّ إلى سبق ذكره.

( عَلى قَلْبِكَ ) :

فإنّه القابل الأوّل للوحي. ومحلّ الفهم والحفظ. وكان حقّه على قلبي. لكنّه جاء على حكاية كلام الله تعالى. كأنّه قال: قل ما تكلّمت به من قولي.( مَنْ كانَ عَدُوًّا لِجِبْرِيلَ، فَإِنَّهُ نَزَّلَهُ عَلى قَلْبِكَ ) .

( بِإِذْنِ اللهِ ) : بأمره.

__________________

(١) علل الشرائع ٩٤ ـ ٩٥، ح ٣.

(٢) ما بين المعقوفتين ليس في أ.

٩٤

حال من فاعل «نزّل».

( مُصَدِّقاً لِما بَيْنَ يَدَيْهِ وَهُدىً وَبُشْرى لِلْمُؤْمِنِينَ ) (٩٧) :

أحوال من مفعوله. وجواب الشّرط.

فإنّه نزّله على وجهين :

أحدهما: أنّ من عادى منهم جبرئيل، فلا وجه له. فإنّه نزّل(١) كتابا مصدّقا لما بين يديه من الكتب. فلو أنصفوا، لأحبّوه، وشكروا له صنيعه في إنزاله ما ينفعهم ويصحّح المنزل عليهم.

والثّاني: أنّ من عاداه، فالسّبب في عداوته أنّه نزل عليك بالوحي، وهم كارهون له.

وقيل(٢) : جواب الشّرط محذوف، مثل: فليمت غيظا، أو فهو عدوّ لي. وأنا عدو له، كما قال:( مَنْ كانَ عَدُوًّا لِلَّهِ وَمَلائِكَتِهِ وَرُسُلِهِ وَجِبْرِيلَ وَمِيكالَ فَإِنَّ اللهَ عَدُوٌّ لِلْكافِرِينَ ) (٩٨)، أي: من كان معاديا لله، أي: يفعل فعل المعادي، من المخالفة والعصيان، فإنّ حقيقة العداوة، طلب الإضرار به، وهذا يستحيل على الله تعالى.

وقيل:(٣) المراد به معاداة أوليائه.

صدر الكلام بذكره، تفخيما لشأنهم. وإفراد الملكين بالذّكر، لفضلهما. كأنّهما من جنس آخر.

ووضع الظّاهر، موضع الضّمير، للدّلالة على أنّه تعالى عاداهم لكفرهم. وأنّ عداوة الملائكة والرّسل، كفر. فكيف بعداوة أمير المؤمنين ويعسوب الدّين وإمام المتّقين؟

قرأ نافع، ميكائيل، كميكاعل. وأبو عمرو ويعقوب وعاصم برواية حفص، ميكال، كميعاد. وقرئ ميكئيل وميكائيل وميكال.

( وَلَقَدْ أَنْزَلْنا إِلَيْكَ آياتٍ بَيِّناتٍ وَما يَكْفُرُ بِها إِلَّا الْفاسِقُونَ ) (٩٩)، أي: المتمرّدون من الكفرة.

و «الفسق» إذا استعمل في نوع من المعاصي، دلّ على أعظمه. كأنّه متجاوز عن

__________________

(١) أ: نزّله.

(٢) أنوار التنزيل ١ / ٧٢.

(٣) مجمع البيان ١ / ١٦٧.

٩٥

حدّه.

قال ابن عبّاس(١) : إنّ ابن صوريا قال لرسول الله ـ صلّى الله عليه وآله: يا محمّد! ما جئتنا بشيء نعرفه. وما أنزل عليك بآية بيّنة فنتّبعك لها. فأنزل الله تعالى هذه الآية.

( أَوَكُلَّما عاهَدُوا عَهْداً ) :

الهمزة حرف استفهام للإنكار. ويحتمل أن تكون للتّقرير.

وقال بعضهم(٢) : يحتمل أن تكون زائدة، كزيادة الفاء، في قولك: أفالله لتفعلنّ.

والأوّل أصحّ.

والواو للعطف، على محذوف تقديره «أكفروا بالآيات وكلّما عاهدوا.» وقرئ بسكون الواو، على أنّ التّقدير «إلّا الّذين فسقوا»، أو «كلّما عاهدوا» وقرئ عوهدوا وعهدوا(٣) .

( نَبَذَهُ فَرِيقٌ مِنْهُمْ ) : نقضه.

وأصل النّبذ: الطّرح. لكنّه يغلب فيما ينسى.

وإنّما قال «فريق»، لإنّ بعضهم لم ينقض.

وقرئ نقضه.

[وفي روضة الكافي(٤) ، في رسالة أبي جعفر ـ عليه السّلام ـ إلى سعد الخير: وكلّ أمّة قد رفع الله عنهم علم الكتاب، حين نبذوه. وولّاهم عدوّهم، حين تولّوه. وكان من نبذهم الكتاب، أن أقاموا حروفه، وحرّفوا حدوده. فهم يروونه ولا يرعونه. والجّهال يعجبهم للرّواية. والعلماء يحزنهم تركهم للرّعاية. وكان من نبذهم الكتاب، أن ولّوه الّذين لا يعلمون. فأوردوهم الهوى. وأصدروهم إلى الرّدى. وغيّروا عرى الدّين ـ إلى إن قال ـ عليه السّلام: ثمّ اعرف أشباههم، من هذه الأمّة الّذين أقاموا حروف الكتاب وحرّفوا حدوده. فهم مع السّادة والكبرة. فإذا تفرّقت قادة الأهواء، كانوا مع أكثرهم دنيا. وذلك مبلغهم من العلم. لا يزالون كذلك في طمع وطبع. لا يزال يسمع صوت إبليس، على ألسنتهم، بأباطل كثيرة(٥) .

__________________

(١) مجمع البيان ١ / ١٦٨.

(٢) نفس المصدر ونفس الموضع.

(٣) ر. أنوار التنزيل ١ / ٧٢.

(٤) الكافي ٨ / ٥٢ ـ ٥٤، مقاطع من ح ١٦.

(٥) المصدر: بباطل كثير.

٩٦

والحديث طويل. أخذت منه موضع الحاجة](١)

( بَلْ أَكْثَرُهُمْ لا يُؤْمِنُونَ ) (١٠٠) :

ردّ لما يتوهّم أنّ الفريق هم الأقلّون، أو أنّ من لم ينبذ جهارا، فهم يؤمنون به خفاء.

( وَلَمَّا جاءَهُمْ رَسُولٌ مِنْ عِنْدِ اللهِ ) : كعيسى ومحمّد ـ صلّى الله عليه وآله.

( مُصَدِّقٌ لِما مَعَهُمْ ) من التوراة،( نَبَذَ فَرِيقٌ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ كِتابَ اللهِ ) ، أي: التوراة. لأنّ كفرهم بالرّسول المصدّق لها، كفر بها فيما تصدّقه.

وقيل(٢) : المراد بكتاب الله، القرآن.

( وَراءَ ظُهُورِهِمْ ) :

مثل لإعراضهم عنه، بالإعراض عمّا يرمى به وراء الظّهر، لعدم الالتفات إليه.

( كَأَنَّهُمْ لا يَعْلَمُونَ ) (١٠١) أنّه كتاب الله، يعني: أنّ علمهم به رصين(٣) . ولكن يتجاهلون عنادا.

قال الشّعبيّ:(٤) هو بين أيديهم يقرءونه. ولكن نبذوا العمل به.

قال سفيان بن عيينة:(٥) أدرجوه في الحرير والدّيباج وحلّوه بالذّهب والفضّة.

ولم يحلّوا حلاله. ولم يحرّموا حرامه. فذلك النّبذ. هذا إذا حمل الكتاب على التوراة. وأمّا إذا حمل على القرآن، فإنّه لما جاءهم الرّسول بهذا الكتاب، فلم يقبلوه، صاروا نابذين له.

واعلم: أنّه تعالى دلّ بالآيتين، على أنّ جلّ اليهود، أربع فرق: فرقة آمنوا بالتوراة وقاموا بحقوقها، كمؤمني أهل الكتاب. وهم الأقلّون المدلول عليهم بقوله:( بَلْ أَكْثَرُهُمْ لا يُؤْمِنُونَ ) .

وفرقة جاهروا بنبذ عهودها وتخطّي حدودها، تمرّدا وفسوقا. وهم المعنيّون بقوله: نبذ فريق منهم.

وفرقة لم يجاهروا بنبذها، لكن نبذوا لجهلهم بها. وهم الأكثرون.

__________________

(١) ما بين المعقوفتين ليس في أ.

(٢) مجمع البيان ١ / ١٦٩+ أنوار التنزيل ١ / ٧٢.

(٣) أ: رزين. وهو الظاهر. وما في المتن، موافق أنوار التنزيل.

(٤ و ٥) مجمع البيان ١٦٩ / ١.

٩٧

وفرقة تمسّكوا بها ظاهرا، ونبذوها خفية، عالمين بالحال، بغيا وعنادا. وهم المتجاهلون.

( وَاتَّبَعُوا ما تَتْلُوا الشَّياطِينُ ) : معطوف على «نبذ»، أي: نبذوا كتاب الله. واتّبعوا كتب السّحر الّتي تقرؤها، او تتبعها الشّياطين من الجنّ، أو الإنس، أو منها.

( عَلى مُلْكِ سُلَيْمانَ ) ، أي: على عهد سليمان.

قيل(١) : كانوا يسترقون السّمع، ويضمّون إلى ما سمعوا أكاذيب، ويلقونها إلى الكهنة، وهم يدوّنونها، ويعلّمون النّاس. وفشى ذلك في عهد سليمان، حتّى قيل: إنّ الجنّ يعلم الغيب. وإن ملك سليمان تمّ بهذا العلم. وإنّه تسخّر به الإنس والجنّ والرّيح له.

وروى العيّاشيّ،(٢) بإسناده، عن أبي بصير، عن أبي جعفر ـ عليه السّلام. قال: لـمّا هلك سليمان، وضع إبليس السّحر. ثمّ كتبه في كتاب. وطواه. وكتب على ظهره: «هذا ما وضع آصف بن برخيا، من ملك سليمان بن داود، من ذخائر كنوز العلم. من أراد كذا وكذا فليقل كذا وكذا.» ثمّ دفنه تحت السّرير. ثمّ استأثره لهم. فقال الكافرون: ما كان يغلبنا سليمان إلّا بهذا. وقال المؤمنون: هو عبد الله ونبيّه. فقال الله في كتابه:( وَاتَّبَعُوا ما تَتْلُوا ) . (إلى آخره.)

( وَما كَفَرَ سُلَيْمانُ ) : تكذيب لمن زعم ذلك.

وعبّر عن السّحر، بالكفر، ليدلّ على أنّه كفر. وأنّ من كان نبيّا، كان معصوما عنه.

( وَلكِنَّ الشَّياطِينَ كَفَرُوا ) باستعماله.

وقيل(٣) : بما نسبوا إلى سليمان من السّحر.

وقيل(٤) : عبّر عن السّحر، بالكفر.

وقرأ ابن عامر وحمزة والكسائي(٥) : ولكن (بالتّخفيف)، ورفع الشّياطين.

( يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ ) إغواء وإضلالا.

والجملة حال عن الضّمير في «كفروا.»

__________________

(١) أنوار التنزيل ١ / ٧٣.

(٢) تفسير العياشي ١ / ٥٢، ح ٧٤.

(٣ و ٤) مجمع البيان ١ / ١٧٤.

(٥) نفس المصدر ١ / ١٧٠.

٩٨

والمراد بالسّحر، ما يستعان في تحصيله بالتّقرّب إلى الشّيطان، ممّا لا يستقلّ به الإنسان. وذلك لا يستتبّ إلّا لمن يناسبه في الشّرارة وخبث النّفس. فإنّ التّناسب شرط في التّضامّ والتّعاون. وبهذا يتبيّن(١) السّاحر عن النّبيّ.

وأمّا ما يتعجّب منه كما يفعله أصحاب الحيل، بمعونة الآلات والأدوية، أو يريك صاحب خفّة اليه، فليس بسحر. وتسميته سحرا، على التّجوّز، أو لما فيه من الدّقّة. لأنّه في الأصل لما خفي سببه.

( وَما أُنْزِلَ عَلَى الْمَلَكَيْنِ ) :

عطف على السّحر. والمراد بها واحد. والعطف لتغاير الاعتبار. أو لأنّه أقوى منه.

أو على ما تتلوا.

قيل(٢) : هما ملكان أنزلا لتعليم السّحر، ابتلاء من الله تعالى للنّاس، وتمييزا بينه وبين المعجزة.

وقيل(٣) : رجلان سمّيا ملكين، باعتبار صلاحهما. ويؤيّده قراءة الملكين.

(بالكسر) وما روي(٤) أنّهما مثّلا بشرين. وركّب فيهما الشّهوة. فتعرّضا لامرأة يقال لها زهرة. فحملتهما على المعاصي والشرك. ثمّ صعدت إلى السّماء بما تعلّمت منهما. فمحكيّ عن اليهود.

وقيل(٥) : «ما أنزل» نفي معطوف على «ما كفر [سليمان](٦) »، تكذيب لليهود في هذه القصّة.

( بِبابِلَ ) : ظرف، أو حال من الملكين، أو من الضّمير في أنزل. والمشهور أنّه بلد من سواد كوفة.

( هارُوتَ وَمارُوتَ ) : عطف بيان للملكين. وضع صرفهما، للعجمة والعلمية.

ولو كانا من الهرت والمرت وهو الكسر ـ كما زعم بعضهم ـ لانصرفا.

ومن جعل «ما» نافية، أبدلهما من «الشّياطين»، بدله البعض. وما بينهما اعتراض. وقرئ بالرّفع، على تقدير «هما هاروت وماروت».

__________________

(١) أ: تبيّن.

(٢ و ٣) أنوار التنزيل ١ / ٧٣.

(٤) عيون أخبار الرضا ١ / ٢١١، ح ٢+ تفسير نور الثقلين ١ / ١٩٠+ أنوار التنزيل ١ / ٧٣.

(٥) أنوار التنزيل ١ / ٧٣.

(٦) يوجد في المصدر.

٩٩

( وَما يُعَلِّمانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّى يَقُولا إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ. فَلا تَكْفُرْ ) :

فمعناه على الأوّل: ما يعلّمان أحدا حتّى ينهياه ويقولا له: إنّما نحن ابتلاء من الله.

فمن تعلّم منّا وعمل به كفر. ومن تعلّم وتوقّى عمله ثبت على الإيمان. فلا تكفر باعتقاد جوازه والعمل به.

وعلى الثّاني: ما يعلّمانه حتّى يقولا إنّا مفتونان. فلا تكن مثلنا.

( فَيَتَعَلَّمُونَ مِنْهُما ما يُفَرِّقُونَ بِهِ بَيْنَ الْمَرْءِ وَزَوْجِهِ ) ، أي: من السّحر، ما يكون سبب تفريقهما.

( وَما هُمْ بِضارِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللهِ ) :

لأنّ الأسباب كلّها مؤثّرة بأمره تعالى.

( وَيَتَعَلَّمُونَ ما يَضُرُّهُمْ وَلا يَنْفَعُهُمْ وَلَقَدْ عَلِمُوا ) :

قيل(١) أي: اليهود.

( لَمَنِ اشْتَراهُ ) ، أي: استبدله بكتاب الله،( ما لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ خَلاقٍ ) : نصيب.

( وَلَبِئْسَ ما شَرَوْا بِهِ أَنْفُسَهُمْ ) باعوا أو اشتروا، على ما مرّ.

( لَوْ كانُوا يَعْلَمُونَ ) (١٠٢) قبحه(٢) على اليقين(٣) .

والمثبت لهم، أوّلا على التّوكيد القسميّ العقل الغريزيّ، أو العلم الإجماليّ بقبح الفعل، أو ترتّب لعقاب من غير تحقيق. فلا منافاة بين ما سبق وبين هذا.

[وفي عيون الأخبار(٤) : حدّثنا محمّد بن القسم المفسّر المعروف بأبي الحسن الجرجاني ـ رضى الله عنه. قال: حدّثنا يوسف بن محمّد بن زياد وعليّ بن محمّد بن سيّار، عن أبويهما، عن الحسن بن عليّ، عن أبيه محمّد بن عليّ، عن أبيه عليّ بن موسى الرّضا، عن أبيه موسى بن جعفر، عن أبيه الصّادق جعفر بن محمّد ـ عليهم السّلام ـ في قول الله تعالى( وَاتَّبَعُوا ما تَتْلُوا الشَّياطِينُ عَلى مُلْكِ سُلَيْمانَ. وَما كَفَرَ سُلَيْمانُ ) ، قال: «( اتَّبَعُوا ما تَتْلُوا ) كفرة «الشّياطين» من السّحر والنّيرنجات( عَلى مُلْكِ سُلَيْمانَ ) الّذين يزعمون أنّ سليمان به ملك ونحن ـ أيضا ـ به نظهر(٥) العجائب، حتّى ينقاد لنا النّاس. وقالوا: كان

__________________

(١) ليس في المصدر: والقول يوجد في أنوار التنزيل ١ / ٧٤.

(٢) ليس في ر.

(٣) أ: التعيين.

(٤) عيون الأخبار ١ / ٢٦٦ ـ ٢٧١، ح ١.

(٥) المصدر: فظهر.

١٠٠

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

461

462

463

464

465

466

467

468

469

470

471

472

473

474

475

476

477

478

479

480

481

482

483

484

485

486

487

488

489

490

491

492

493