مفاهيم القرآن الجزء ١

مفاهيم القرآن8%

مفاهيم القرآن مؤلف:
الناشر: مؤسّسة الإمام الصادق (عليه السلام)
تصنيف: مفاهيم القرآن
ISBN: 964-357-249-8
الصفحات: 672

الجزء ١ الجزء ٢ الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥ الجزء ٦ الجزء ٧ الجزء ٨ الجزء ٩ الجزء ١٠
  • البداية
  • السابق
  • 672 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 154901 / تحميل: 6018
الحجم الحجم الحجم
مفاهيم القرآن

مفاهيم القرآن الجزء ١

مؤلف:
الناشر: مؤسّسة الإمام الصادق (عليه السلام)
ISBN: ٩٦٤-٣٥٧-٢٤٩-٨
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة


1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

هذه تسير بسرعة ألف ميل في الساعة.

فلو تناقص ذلك أي بلغ مقدار سرعتها مائة ميل في الساعة مثلاً، لتضاعف طول الليالي والأيام إلى عشرة أضعاف ما هي عليه الآن، ولأحرقت شمس الصيف بحرارتها الملتهبة كل النباتات في الأيام الطويلة، ولجمدت برودة الليالي الطويلة من جانب آخر كل البراعم والنبتات الصغيرة، وتلفت.

ولو أنّ شعاع الشمس الواصل إلى الأرض تناقص إلى درجة النصف مما هو عليه الآن لهلكت جميع أحياء الأرض من فرط البرد.

ولو تضاعف هذا المقدار لمات كل نبت بل لماتت نطفة الحياة وهي في بطن الأرض.

ولو نقصت المسافة بين الأرض والقمر إلى خمسين ألف ميل بدلاً من المسافة الشاسعة الحاضرة(١) لبلغ المد والجزر من القوة بحيث إنّ جميع الأراضي التي تحت منسوب الماء كانت تغمر مرتين في اليوم بماء متدفق يزيح بقوته الجبال نفسها، وفي هذه الحالة ربما كانت لا توجد الآن قارة قد ارتفعت من الأعماق بالسرعة اللازمة وكانت الكرة الأرضية تتحطم من هذا الاضطراب.

وإذا فرضنا أنّ القارات قد اكتسحها الماء فإنّ معدل عمق الماء فوق الكرة الأرضية كلها يكون نحو ميل ونصف ميل، وعندئذ ما كانت الحياة لتوجد إلّا في أعماق المحيط السحيقة بصورة حيوانات تتغذى على نفسها وتفنى بالتدريج ويؤول نسلها إلى الانقراض.

٥. انّ الهواء المحيط بالأرض سميك بالقدر اللازم لمرور الأشعة الكونية

__________________

(١) المسافة الفعلية بين القمر والأرض هي ٠٠٠/٢٤٠ ميل.

١٨١

ذات التأثير الكيمياوي التي يحتاج إليها الزرع والتي تقتل الجراثيم وتنتج الفيتامينات دون أن تضر بالإنسان، وعلى الرغم من الانبعاثات الغازية من الأرض طول الدهور ومعظمها سام، فإنّ الهواء باق دون تلوث في الواقع ودون تغير في نسبته المتوازنة اللازمة لوجود الإنسان.

إنّ الهواء الذي نستنشقه مكون من غازات مختلفة، فنسبة النتروجين الموجود فيه هي ٧٨% في حين تكون نسبة الاوكسجين فيه ٢١% تقريباً ويتألف ١% من بقية الغازات الأُخرى.

فلو كان الأُوكسجين بنسبة ٥٠% مثلاً، لأصبحت جميع المواد القابلة للاحتراق في العالم عرضة للاشتعال لدرجة أنّ أوّل شرارة من البرق تصيب شجرة لابد أن تلهب الغابة.

فهل يمكن لعاقل منصف وهو يرى ويواجه مثل هذه المحاسبات الدقيقة والتي لم نشر إلّا إلى جزء يسير جداً منها، أن يقول بأنّها وليدة المصادفة العمياء، وانّ انفجار المادة الأُولى، والذي كان يمكن أن ينتهي إلى آلاف الصور غير الصورة الفعلية، انتهى إلى الصورة الفعلية بمحض المصادفة ؟!!

كيف يمكن القول بأنّ هذه العوامل والعلل وغيرها من الظروف التي تؤلّف قوام الحياة وأركانها قد ظهرت فجأة ومصادفة على وجه هذه الأرض في زمان واحد دون مداخلة عقل قادر وإرادة حكيمة، بل كانت العوامل ـ هي بنفسها من حيث الكمية والكيفية ـ بحيث أوجد اجتماعها هذه الحياة المعقدة ؟!!

يقول البروفيسور ايدوين كوبكلين :

« إنّ القول بأنّ الحياة وجدت نتيجة « حادث اتفاقي تصادفي » شبيه في مغزاه

١٨٢

بأن نتوقع إعداد معجم ضخم نتيجة انفجار تصادفي يقع في مطبعة »(١) .

برهان رياضي لإبطال المصادفة

إنّ العلماء لم يهملوا حساب احتمال وجود الشيء عن طريق المصادفة، فها هو العالم الأمريكي الشهير كريسي موريسون يضرب لنا مثلاً لهذا في كتابه الذي أشرنا إليه فيقول :

« لو تناولت عشر قطع، وكتبت عليها الأعداد من واحد إلى عشرة ثم رميتها في جيبك وخلطتها خلطاً جيداً ثم حاولت أن تخرج منها الواحد إلى العاشر بالترتيب العددي بحيث تلقي كل قطعة في جيبك بعد تناولها مرة أُخرى.

فإمكان أن تتناول القطعة رقم (١) في المحاولة الأُولى هو واحد على عشرة، وإمكان أن تتناول القطعة رقم (١) و (٢) متتابعين هو بنسبة واحد على مائة، وفرصة سحب القطع التي عليها أرقام (١ و ٢ و ٣) متتالية هي بنسبة واحد على ألف، وفرصة سحب (١ و ٢ و ٣ و ٤) متوالية هي بنسبة واحد على عشرة آلاف، وهكذا حتى تصبح فرصة سحب القطع بترتيبها الأوّل من ١ إلى ١٠ هي بنسبة واحد من عشرة بلايين محاولة(٢) .

مثال آخر

لنفترض أنّ معك كيساً يحوي مائة قطعة رخام تسع وتسعون منها سوداء وواحدة بيضاء والآن هز الكيس وخذ منه واحدة، انّ فرصة سحب القطعة

__________________

(١) راجع « الله يتجلّى في عصر العلم »: ٧٢.

(٢) العلم يدعو للإيمان: ٥١.

١٨٣

البيضاء هي بنسبة واحدة إلى مائة، والآن أعد الرخام إلى الكيس، وابدأ من جديد، انّ فرصة سحب القطعة البيضاء لا تزال بنسبة واحدة إلى مائة، غير أنّ فرصة سحب القطعة البيضاء مرتين متواليتين هي بنسبة واحد إلى عشرة آلاف ( المائة مضاعفة مرة ).

والآن جرب مرة ثالثة انّ فرصة سحب تلك القطعة البيضاء ثلاث مرات متوالية هي بنسبة مائة مرة عشرة آلاف أي بنسبة واحد من المليون، وهكذا.

ولنعد الآن إلى أصل البحث فنقول :

لابد لتحقق « ظاهرة الحياة » من توفر عوامل لا تحصى حيث لو فقد أحدها لامتنعت الحياة ولصارت مستحيلة وغير ممكنة، والآن لنحاسب :

أليس القول بأنّ انفجار المادة الأُولى وبصورة منتظمة تحتوي على كل الشروط والعوامل اللازمة للحياة، إلّا أنّه انتخاب احتمال واحد من ملياردات من الاحتمالات، لأنّه كان من الممكن للمادة الأُولى ـ أثر الانفجار المذكور ـ أن تنتهي إلى واحدة من ملياردات الصور الأُخرى من جهة الكم والكيف، وتبقى من بين تلك الصور الكثيرة صورة واحدة تضمن ظهور الحياة وبقاءها، وهو الاحتمال المطلوب الذي توفرت فيه الشروط المساعدة للحياة والنظم والترتيب اللازمان، وأمّا بقية الصورة فلا تصلح لظهور الحياة وبقائها.

إنّ احتمال أن يتحقق خصوص هذا الفرض وهذه الصورة ـ عقيب الانفجار التصادفي ـ من بين تلك المحتملات التي لا تعد ولا تحصى لهو ترجيح احتمال في مقابل احتمالات كثيرة، لا يمكن أن يقع موضع القبول لدى عاقل.

إنّ الآية التي ذكرناها في مطلع هذا الفصل يمكن أن تكون ناظرة إلى مثل

١٨٤

هذا الاستدلال، أعني: عدم إمكان توفر كل الشروط والعوامل اللازمة للحياة من باب المصادفة.

فإنّ قوله تعالى :

( إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمٰوَاتِ والأرض وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَالفُلْكِ الَّتِي تَجْري فِي البَحْرِ بِمَا يَنْفَعُ النَّاسَ *وَمَا أَنْزَلَ اللهُ مِنَ السَّمَاءِ مِنْ مَاءٍ فَأَحْيَا بِهِ الأرضَ بَعْدَ مَوْتِهَا وَبَثَّ فِيهَا مِنْ كُلِّ دابَّةٍ وَتَصْرِيفِ الرِّيَاحِ *وَالسَّحَابِ المُسَخَّرِ بَيْنَ السَّمَاءِ والأرض لآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ ) (١) .

إنّ قول الله هذا ـ مضافاً إلى كونه مشيراً إلى « برهان النظم » يمكن أن يكون تلويحاً إلى عوامل استقرار الحياة على الأرض، ومذكراً للعقول بأنّه لا يمكن أن تجتمع كل هذه العوامل ـ مع ما فيها من المحاسبات العلميّة الدقيقة ـ عن طريق المصادفة ومن باب « المصادفة العمياء » دون أن يتدخل في ذلك تدبير « مدبّر عاقل حكيم » ودون أن يكون قد جمعها ـ على هذا النسق المطلوب المناسب لظاهرة الحياة ـ « إله خالق » عارف بالأُمور، محيط بالمحاسبات والسنن.

كما يمكن أن تكون بعض الآيات الأُخر مشيرة إلى هذا البرهان مثل قوله تعالى :

( اللهُ الَّذِي رَفَعَ السَّمٰوَاتِ بِغَيْرِ عَمَد تَرَونَهَا ثُمَّ اسْتَوى عَلَىٰ العَرْشِ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ والقمر كُلٌّ يَجْرِي لأجَل مُسَمّى يُدَبِّرُ الأمْرَ يُفَصِّلُ الآياتِ لَعَلَّكُمْ بِلِقَاءِ رَبِّكُمْ تُوقِنُونَ ) (٢) .

__________________

(١) البقرة: ١٦٤.

(٢) الرعد: ٢.

١٨٥

وقوله تعالى :

( وَهُوَ الَّذِي مَدَّ الأرض وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِيَ وَأَنْهَاراً وَمِنْ كُلّ الثَّمَرَاتِ جَعَلَ فِيهَا زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ يُغشِي الَّليلَ النَّهَارَ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيات لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ ) (١) .

فإنّ كثيراً من العلل والعوامل اللازمة لنشوء ظاهرة الحياة قد ذكرت في هذه الآيات، فهل يمكن أو هل من المعقول والمقبول أنّ كل هذه الشرائط والعوامل اجتمعت دفعة واحدة ودون مخطط سابق، بل مصادفة، وأوجدت ظاهرة الحياة على وجه الأرض بنحو اتفاقي تصادفي ؟!!

__________________

(١) الرعد: ٣.

١٨٦

التوحيد الاستدلالي: البرهان العاشر

الآيات الآفاقية والأنفسية

دلائل وجود الله في الآفاق والأنفس

( قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كَانَ مِنْ عِنْدِ الله ثُمَّ كَفَرْتُمْ بِهِ مَنْ أَضَلُّ مِمَّنْ هُوَ فِي شِقَاقٍ بَعِيدٍ *سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الآفَاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ حَتَّىٰ يَتَبيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الحَقُّ أَوَ لَمْ يَكْفِ بِرَبّكَ أَنَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيءٍ شَهِيدٌ ) (١) .

لقد جرت العادة ـ في الكتب الفلسفية(٢) والكلامية ـ أن يستدل بالآية الثانية على المسائل التوحيدية ( أعم من إثبات وجود الله، أو توحيد ذاته، وصفاته )، وجرت عادة الخطباء كذلك على الاستشهاد بها عند تعرضهم لمباحث التوحيد ومسائله.

لأجل هذا يلزم أن نعرف هنا هدف هذه الآية.

فإن كانت الآية الثانية مرتبطة في مفادها بالآية الأُولى، واعتبرنا السياق، فإنّ الآية تكون حينئذ في مقام بيان مطلب آخر ليس له كثير ارتباط بالتوحيد، إلّا من بعيد.

__________________

(١) فصلت: ٥٣ ـ ٥٤.

(٢) الإشارات: ٣ / ٦٦، الأسفار: ٦ / ٢٦.

١٨٧

توضيح ذلك أنّ محور الحديث في الآية الأُولى هو: القرآن، وضمير « كان » عائد إلى القرآن إذ يقول تعالى :

( قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كَانَ ( القرآن )مِنْ عِنْدِ اللهِ ) .

وبناء على هذا يجب أن يكون الضمير في الآية الثانية في قوله:( أَنَّهُ الحَقُّ ) عائداً إلى القرآن، هذا لو اعتبرنا الآيتين مرتبطتين مفاداً ومتحدتين سياقاً فيكون ملخص الآية الثانية هو: أنّ الآيات الآفاقية والأنفسية التي سيريها الله للبشر خير دليل على صدق جميع ما يحتويه القرآن، لا خصوص « وجود الله » أو خصوص « توحيده الذاتي ».

ومعنى ذلك أنّ الآية تعني: أنّ الله سيثبت صدق ما جاء به القرآن بنحو كلي من خلال ما سوف يريه الباري سبحانه من الآيات الآفاقية والأنفسية المرتبطة ببيئة المشركين، والآيات الموجودة في أنفسهم.

إنّ توسّع الإسلام التدريجي في شبه الجزيرة العربية، وتهافت قلعة الشرك والوثنية على أيدي المؤمنين الموحدين، وقيام دولة التوحيد في تلكم الربوع، لهي بجملتها سلسلة من الآيات الآفاقية التي أخبرها بها القرآن، والتي تثبت مصادفة.

أفليست الآيات القرآنية حملت سلسلة من البشائر والوعود والتنبّؤات التي صرح فيها بوقوع تلك الوعود في المستقبل القريب، ومنها إخبار القرآن باستقرار حكم الله على الأرض بأيدي الموحدين المسلمين والذين آمنوا، إذ يقول :

( وَعَدَ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصالِحَاتِ لِيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الأرضِ ) (١) .

__________________

(١) النور: ٥٥.

١٨٨

إذن يجب علينا أن ننظر كيف عمل الله بوعده في استخلاف المؤمنين.

إنّ انتشار الإسلام وتوسعه في عهد النبي الأكرمصلى‌الله‌عليه‌وآله وبعده لهو أحد تلك الوعود، والبشائر التي تحقّّقت، وهو بالتالي إحدى الآيات الآفاقية الدالة على صدق أخبار القرآن الغيبية المستقبلية.

كما أنّ هلاك صناديد قريش وأقطابها وزعمائها في بدر وأحد والأحزاب واندحار النظام الكسروي والقيصري هي الأُخرى من الآيات الأنفسية الشاهدة على صدق أخبار القرآن ومغيّباته.

وبعد تحقّق هذين النوعين من الآيات والعلامات يجب أن لا يشك أحد في صحة القرآن الكريم وصدقه، لصدق تنبّؤاته، وصحة دعاويه.

لقد ذكر الله تعالى في ذيل الآية الثانية بواحد من أهم أُسس الدعوة القرآنية، ألا وهو حضور الله في كل مكان وشهادته على كل شيء دون استثناء أو أنّ جميع الأشياء تراه وتشهده، إذ قال :

( أَوَ لَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيْء شَهِيدٌ ) .

وعندئذ ـ أي وفق النظرية التي ذكرناها ـ لا تكون الآية الثانية ناظرة إلى الاستدلال على وجود الله سبحانه عن طريق الآيات الآفاقية والأنفسية، بل تكون ناظرة إلى صحة دعوة الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله لتحقّق أخباره.

وهذا التفسير ـ كما قلنا ـ إنّما يكون وجيهاً ومقبولاً إذا ربطنا بين الآيتين وحافظنا على وحدة السياق بينهما.

وأمّا إذا درسنا الآية الثانية بقطع النظر عن الآية المتقدمة عليها، أو احتملنا نزول الآية الثانية مرتين: مرة مع الآية الأُولى وبصحبتها، وأُخرى منفردة وبصورة

١٨٩

مستقلة.

ففي هذه الحالة ( أي في حالة نزولها منفردة مستقلة ) يمكن أن تكون ناظرة إلى دلائل وجود الله في الآفاق والأنفس ويكون ذيلها إشارة إلى برهان ثالث.

وحينئذ يكون مرجع الضمير في قوله( أَنَّهُ الحَقُّ ) هو: الله تعالى، نفسه.

على أنّ ذيل الآية، أعني قوله تعالى:( أَوَ لَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيْء شَهِيدٌ ) ، أنسب مع هذا التفسير.

توضيح الاستدلال

إنّ جميع الأنظمة البديعة الحاكمة على عالم الكون، والسنن السائدة على النجوم، ثابتتها وسيارتها، والأنواع المختلفة من الموجودات التي تعيش على الأرض.

كل ذلك من الدلائل والآيات الآفاقية على وجود الله تعالى.

كما أنّ الأنظمة العجيبة المعقدة الحاكمة في وجود البشر وتكوينه وخلقته منذ نشوئه في رحم الأُم حتى موته أدلة وآيات أنفسية على وجود الله سبحانه.

والنظر إلى هذه الدلائل والآيات في الآفاق والأنفس يقود كل عاقل منصف إلى الإذعان بوجود الله، والاعتراف به.

وهذا هو ما تقصده الآية المطروحة هنا.

إلى هنا تم الاستدلال بصدر الآية على وجوده سبحانه عن طريق آياته الآفاقية، الأنفسية، وبقي الكلام في ذيل الآية، أعني قوله:( أَوَ لَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيْء شَهِيدٌ ) ، فيمكن أن يكون إشارة إلى برهان آخر تسمّيه الفلاسفة ببرهان « الصديقين » وننقل كلاماً لابن سينا في المقام.

١٩٠

كلام ابن سينا

لقد قسّم ابن سينا في كتابه « الإشارات » وهو آخر مؤلفاته الفلسفية مضمون هذه الآية الثانية إلى قسمين :

القسم الأوّل قوله:( سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الآفَاقِ وَفِي أنْفُسِهِمْ ) فيقول فيه ما حاصله: أنّها تعني انّنا سنهتدي من وجود آيات الله في الكون والأنفس إلى وجود الله، فهو ينطوي على البرهان « الإنّي » وهو الاستدلال بوجود المعلول على وجود العلة كما نستدل بنزول المطر وصوت الرعد والبرق على وجود السحب الداكنة(١) .

القسم الثاني من الآية وهو قوله:( أَوَ لَمْ يَكْفِ بِرَبّكَ أَنَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيء شَهِيدٌ ) ، ففي هذا القسم نكون قد توصلنا عن طريق شهود الله إلى معرفة صفاته، ومن معرفة صفاته إلى أنّ له خلقاً ومخلوقات بهذه الصفة أو تلك(٢) .

__________________

(١) ومما يجب التنبيه عليه هو أنّ الشيخ الرئيس قال في كتاب البرهان في منطق الشفاء: إنّ البرهان الإنّي مما لا يفيد اليقين، وهو ما كان السلوك فيه من المعلول إلى العلّة لتوقف العلم بوجود المعلول على العلم بوجود العلة فلو عكس لدار.

وأمّا الاستدلال من الآيات الآفاقية والأنفسية على وجوده سبحانه وصفاته فعلى وجه آخر لا يسع المقام لبيانه.

(٢) والاستدلال فيه ليس لمّياً وهو الذي يسلك فيه من العلة إلى المعلول، إذ ليس الواجب عز شأنه معلولاً ولا إنّياً، وهو ما يسلك فيه من المعلول إلى العلة أو يتناسب مع السلوك من الآيات الآفاقية والأنفسية إلى خالقها، بل هو نوع آخر شبيه بالاستدلال من بعض اللوازم على بعضها، وهذا واضح خصوصاً إذا قررنا البرهان على الطريقة الصدرائية، إذ فيها يسلك من كون الوجود حقيقة ثابتة بذاتها، على كونه واجباً لذاته.

وإن شئت فسمّه برهاناً انياً تحفظاً على حصر البرهان في اللم والإن كما عليه سيدنا الأُستاذ العلاّمة الطباطبائي ـ دام ظله ـ في تعليقاته على الأسفار: ٦ / ٢٩.

١٩١

وهذا النوع من الاستدلال هو استدلال الصدّيقين، الذي يبدأ بحثه ودراسته في الوجود، فمنه إليه سبحانه وإلى صفاته وأفعاله، ثم يختمه في الكائنات، وسوف نشير في الفصل التالي إلى « برهان الصدِّيقين » على الطريقة السينائية(١) .

واكتفاؤنا ببيان هذا البرهان على الطريقة السينائية فحسب، لأنّ بيانها حسب الطريقة الصدرائية يحتاج إلى ذكر مقدمات خارجة عن هدف هذا الكتاب.

ثم إنّ الحكيم الإسلامي الكبير السيد محمد حسين الطباطبائي ـ دام ظله ـ قد قرر هذا البرهان بوجه رائع، ربما يكون أفضل مما قرره « صدر المتألّهين »، فمن أراد أن يقف على تقريره، فليراجع تعاليقه على « الأسفار »(٢) ، وكتابه القيم: « أُصول الفلسفة »(٣) .

__________________

(١) ومن أراد أن يقف على تقرير صدر المتألهين فليراجع الأسفار: ٦ / ١٤ ـ ١٨، والمظاهر الإلهية: ١٠، والمشاعر: ٦٨.

(٢) الأسفار: ٦ / ١٤ ـ ١٥.

(٣) أُصول الفلسفة: ٥ / ٢٧٧.

١٩٢

التوحيد الاستدلالي: البرهان الحادي عشر

برهان الصدّيقين

معرفة الله عن طريق معرفة الوجود

يعتقد الفلاسفة المسلمون أنّ بعض الآيات القرآنية ناظرة إلى برهان خاص هو ما اصطلحوا عليه ببرهان الصدّيقين.

وقد تصدّى لتقرير هذا البرهان قطبان من أقطاب العلوم العقلية هما :

١. الشيخ الرئيس أبو علي بن سينا في كتاب « الإشارات »(١) حيث ذكر هذا البرهان مع مقدماته في ذلك الكتاب في عدة فصول.

وقد أورد المحقّق نصير الدين الطوسي في كتابه الكلامي الشهير المسمّى ب‍ « تجريد الاعتقاد » هذا البرهان باختصار، وقد تصدى العلاّمة الحلي شارح الكتاب المذكور، لشرحه وبيانه.

وإليك نص البرهان كما جاء في تجريد الاعتقاد حيث قال المحقّق الطوسي: « الوجود، إن كان واجباً فهو المطلوب، وإلاّ استلزمه لاستحالة الدور والتسلسل »(٢) .

__________________

(١) ٢ / ١٨ ـ ٢٨ الطبعة الجديدة.

(٢) تجريد الاعتقاد: ١٧٢، طبعة صيدا.

١٩٣

٢. صدر المتألّهين مؤلف الأسفار الأربعة، فقد بيّن هذا البرهان بنحو آخر لا يحتاج إلى أية مقدمات كإبطال « الدور والتسلسل » ثم عد هذا البرهان أفضل البراهين لمعرفة المبدأ تعالى شأنه.

وبهذا الطريق حدثت نقطة عطف في مسألة معرفة الله والطريق إلى ذلك.

وسنكتفي هنا بعرض ذلك البرهان وبيانه وتوضيحه على الطريقة السينائية فحسب للسبب الذي ذكرناه في خاتمة الفصل السابق، موكلين بيان هذا البرهان حسب الطريقة الصدرائية إلى موضع ووقت آخرين.

لقد جاء في كلا التقريرين ( السينائي والصدرائي ) أنّ هناك طائفة من الآيات القرآنية ناظرة إلى هذا البرهان، وإليك الآيات المذكورة :

( اللهُ نُورُ السَّمٰوَاتِ والأرض مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكَاةٍ فِيهَا مِصْبَاحٌ المِصْبَاحُ فِي زُجَاجَةٍ الزُّجَاجَةُ كَأَنَّها كَوْكَبٌ دُرّيٌّ يُوقَدُ مِن شَجَرَةٍ مُبَارَكَةٍ زَيْتُونَةٍ لا شَرْقِيَّةٍ وَلا غَرْبِيَّةٍ يَكَادُ زَيْتُهَا يُضِيءُ وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نَارٌ نُورٌ عَلَىٰ نُورٍ يَهْدِي الله لِنُورِهِ مَنْ يَشَاءُ وَيَضْرِبُ اللهُ الأمْثَالَ لِلنَّاسِ واللهُ بِكُلِّ شَيءٍ عَلِيمٌ ) (١) .

( أَوَ لَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ ) (٢) .

( شَهِدَ اللهُ أَنَّهُ لا إِلَهَ إلّا هُوَ وَالمَلائِكَةُ وَأُوْلُوا العِلْمِ قَائِماً بِالْقِسْطِ لا إِلَهَ إلّا هُوَ الْعَزِيزُ الحَكِيمُ ) (٣) .

هذا ويمكن أن تكون هناك آيات أُخرى على هذا الصعيد، وها نحن نذكر

__________________

(١) النور: ٣٥.

(٢) فصلت: ٥٣.

(٣) آل عمران: ١٨.

١٩٤

البرهان على الطريقة السينائية :

حاصل البرهان ـ على ما لخصه صدر المتألّهين ـ: انّ الموجود ينقسم بحسب المفهوم إلى واجب وممكن، والممكن لذاته لا يترجّح وجوده على عدمه، فلابد له من مرجّح من خارج، وإلاّ ترجحه بذاته، فكان ترجحّه واجباً بذاته، فكان واجب الوجود بذاته وقد فرض ممكناً، وكذا في جانب العدم فكان ممتنعاً وقد فرض ممكناً وهذا خلف، فواجب الوجود لابد من وجوده.

وبما انّ الموجودات حاصلة فإن كان شيء منها واجباً فقد وقع الاعتراف بالواجب، وإلاّ وقع الانتهاء إليه لبطلان ذهاب السلسلة إلى غير نهاية، وبطلان عودها إلى بدئها لكونه مستلزماً للدور وهو باطل لاستلزامه تقدم الشيء على نفسهوذلك ضروري البطلان فلم يبق إلّا الانتهاء إلى الواجب لذاته وهو المطلوب، وهذا المسلك أقرب المسالك إلى منهج الصدِّيقين، وليس بذلك كما زعم(١) .

وأمّا تفصيل البرهان :

١. لا ريب انّ وراء ذهننا، وتصوّراتنا وجوداً خارجياً، وواقعاً غير قابل للإنكار وإنّ ما يتصوّره الإنسان من الصور الذهنية لها مصاديق خارجية ووجوداً عينياً على صعيد الخارج، وهذا على خلاف ما يتصوره السوفسطائيون من قصر الوجود والواقعية على مجرد (الصور الذهنية)، وانّه ليس وراء ذهننا أي شيء، وأية واقعية، بل هو خيال في خيال.

وهذا الذي قلناه نحن أمر لا ينكره من لديه أقل حظ من الفكر السليم.

__________________

(١) الأسفار: ٦ / ٢٦.

١٩٥

٢. الوجود في أي مرتبة من المراتب لا يخلو إمّا أن يكون واجباً أو يكون ممكناً.

وبتعبير آخر: إمّا أن يكون له ضرورة الوجود ويكون وجوده نابعاً من ذاته ونفسه، أو لا يكون كذلك بل يكون وجوده من غيره، ولا شق ثالث لهما.

٣. كل شيء ليس وجوده من ذاته ومن نفسه، فإنّه محتاج في تحقّقه ووجوده إلى « علة » تمنحه الوجود.

وهذا الأمر، أعني: احتياج الممكن إلى العلة من الأُمور البديهية التي لا يشك فيها من له أدنى حظ من العقل.

٤. الممكنات لا يمكن أن توجد من سلسلة لا تنتهي من العلل والمعلولات، لأنّ ذلك يستلزم « التسلسل ».

كما أنّه لا يمكن أن يؤثر كل من الممكنين في الآخر دون واسطة، أو مع الواسطة فيؤثر كل في الآخر، ويعطي كل واحد منها الوجود للآخر، لأنّ نتيجة ذلك هو الدور، والدور والتسلسل من المحالات العقلية.

هذه هي الأُسس والقواعد التي يقيم عليها ابن سينا برهانه المذكور: « برهان الصدِّيقين ».

وإليك صورة البرهان

لو أمكن أن يشك أحد منّا في شيء، فإنّه لا يمكنه أن يشك أبداً في أنّ هناك ـ خارج أذهاننا ـ واقعاً موجوداً وعالماً كائناً قائماً.

ثم إنّه لا ريب أنّ هذه الموجودات من سماء وأرض وإنسان أو أي شيء

١٩٦

آخر موجود، أمّا أن يكون وجودها من لدن نفسها(١) بحيث لا تحتاج في تحققها على صعيد الوجود الخارجي إلى غيرها، بمعنى أنّه لا تكون معلولة لشيء، بل يكون وجودها نابعاً من ذاتها، أو تكون على خلاف هذا الفرض.

أمّا في الصورة الأُولى فنكون قد اعترفنا بوجود « موجود واجب » يكون وجوده نابعاً من ذاته غير آت من غيره ...، موجود يكون علة دون أن يكون معلولاً لشيء، وغنياً غير فقير، لا يكون وجوده مكتسباً من شيء أو أحد سواه.

وأمّا في الصورة الثانية التي يكون وجود الأشياء مفاضاً عليها من غيرها فنحن نسأل عن ذلك « الغير » هل وجوده نابع من ذاته ونفسه، أي أنّه واجب الوجود ؟

فإن كان كذلك ففي هذه الحالة نكون قد اعترفنا بوجود موجود واجب يسمّى في منطق الإلهيين ب‍: الله.

وأمّا إذا كان هذا الموجود الثاني على نمط الموجود الأوّل في كون وجوده غير نابع من ذاته، وإنّما هو مكتسب من غيره ففي هذه الصورة ننقل السؤال إلى الموجود الثالث ونطرح عليه ما طرحناه على الثاني، وهكذا.

وهذه السلسلة إمّا أن تتوقف عند نقطة معينة، أي عند موجود يكون علة غير معلول ويكون وجوده نابعاً من ذاته لا من غيره فهو المطلوب.

وإمّا إذا لم تتوقف هذه السلسلة من العلل والمعاليل عند حد معين في نقطة معينة ف‍ :

__________________

(١) أي بحيث لا ينفك عنها الوجود ولا تنفك هي عن الوجود، فعندئذٍ اعترفنا بأنّ في العالم واجب الوجود.

١٩٧

إمّا أن تمضي إلى غير نهاية بحيث يكون كل واحد من هذه الممكنات قد اكتسب الوجود من سابقه فحينئذ يلزم أن يكون العالم سلسلة غير متناهية من العلل والمعاليل، ومجموعة من الممكنات دون أن تنتهي إلى موجود واجب الوجود، وهذا هو « التسلسل » الذي سنثبت بطلانه بالأدلة القاطعة والبراهين المحكمة.

وأمّا أن يعود بأن يكون الواقع في المرتبة المتقدمة متأثراً من الواقع في المرتبة المتأخرة، وذلك هو « الدور » الذي ثبت بطلانه أيضاً.

ونمثل للصورة الأخيرة بما إذا مضت السلسلة إلى عشر حلقات ولكن الحلقة العاشرة تكون قد اكتسبت وجودها من سابقتها، فهذا هو « الدور ».

والحاصل أنا إذا نظرنا إلى العينية الخارجية المتيقنة لكل إنسان، فإمّا أن تكون تلك العينية نابعة من ذاتها غير مفاضة من غيرها، فقد اعترفنا بوجود واجب قائم بنفسه غير متعلق بغيره، وهذا ما نقصده من « واجب الوجود ».

وإمّا أن يكون ما نتيقنه من العينية الخارجية مفاضة من غيرها وقائمة بغيرها، فهذا الوجود الثاني إمّا أن يكون مفاضاً من ثالث، فرابع، فخامس إلى غير نهاية، فهذا هو التسلسل الذي سنبرهن على بطلانه، وإمّا أن يتوقف فعندئذٍ :

إمّا أن يكون وجود المتوقف عليه نابعاً من ذاته، فهذا هو الواجب سبحانه وإمّا أن يكون وجوده معلولاً لسابقه فهذا هو « الدور ».

وبتعبير ثالث نقول :

الحاصل أنّ صور المسألة لا تخرج من أربع :

١. إمّا أن تكون العينية الخارجية هي الوجود الأزلي النابع من ذاته غير القائم بغيره، فقد اعترفنا عندئذ بواجب الوجود.

١٩٨

٢. وإمّا أن يكون مفاضاً من غيره، وقائماً بذلك الغير لكن ذلك الغير قائم بنفسه، فقد اعترفنا بواجب الوجود، ولكن في الرتبة الثانية.

٣. وإمّا أن يكون الثاني قائماً بالثالث فالرابع فالخامس إلى غير نهاية، فهذا هو « التسلسل » الباطل.

٤. وإمّا أن يكون الأوّل قائماً بالثاني والثاني قائماً بالأوّل وهذا هو « الدور » الثابت بطلانه واستحالته.

صفوة القول: إنّ الوجود الخارجي ـ مع حذف الصور المستلزمة للدور والتسلسل ـ إمّا أن يكون « الواجب الوجود » إن كان وجوده لذاته، أو يكون مستلزماً لمثل ذلك « الوجود الواجب » إن كان وجوده مكتسباً من غيره.

هذا هو توضيح البرهان المعروف ببرهان الصدّيقين والذي راح ابن سينا يعتز به ويفتخر بابتكاره، ويعتقد بأنّه أفضل برهان على وجود « واجب الله ».

ففي هذا البرهان ـ كما لاحظنا ـ لم يدرس إلّا الوجود نفسه.

فمطالعة الوجود وحده هي التي تقودنا إلى واجب الوجود.

ويسمى هذا البرهان ببرهان الصديقين للاستدلال فيه بالله على نفسه، لا بالغير عليه تعالى، وهذا هو غاية التصديق.

إذ في هذا البرهان لم يتخذ النظام الكوني أو وجود المصنوعات طريقاً لإثبات الخالق.

ولذلك يقول ابن سينا.

« تأمّل كيف لم يحتج بياننا لثبوت الأوّل ووحدانيَّته وبراءته عن الصمات إلى تأمل لغير نفس الوجود، ولم يحتج إلى اعتبار من خلقه وفعله وإن كان ذلك دليلاً

١٩٩

عليه. لكن هذا أوثق وأشرف، أي إذا اعتبرنا حال « الموجود » فشهد به الوجود من حيث هو وجود، وهو يشهد بعد ذلك على سائر ما بعده في الواجب.

وإلى مثل هذا أُشير في الكتاب الإلهي في قوله سبحانه:( سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الآفَاقِ وَفِي أَنفُسِهِمْ حَتَّىٰ يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الحَقُّ ) .

أقول: إنّ هذا حكم لقوم، ثم يقول:( أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ ) إنّ هذا حكم للصدّيقين الذين يستشهدون به لا عليه(١) .

هذا ولإكمال البحث نذكر نقطتين هما :

١. لقد جرى الحديث في البرهان المذكور عن بطلان « الدور والتسلسل » ولابد أن نورد هنا التوضيحات اللازمة لمن لا يعرف شيئاً عن هذين المصطلحين وعلة بطلانهما :

ألف. الدور هو أن نفترض موجودين باسم (أ) و (ب) ونعتبر كلا منهما علة لوجود الآخر.

فعندما نلاحظ (أ) نجد أنّ وجوده متوقف على (ب) بمعنى أنّ (ب) كان موجوداً قبل ذلك ليمكنه أن يوجد (أ).

ثم إذا لاحظنا (ب) نجد أن وجوده متوقف على (أ) بمعنى أنّ (أ) كان موجوداً قبل ذلك ليمكنه ايجاد (ب).

ومن الطبيعي أنّ هذا الفرض باطل قطعاً، لأنّ معنى هذا الفرض هو أن يكون وجود كل واحد منهما متوقفاً على وجود الآخر ومشروطاً بوجوده بحيث يمتنع وجوده ما لم يتحقق وجود ذلك الآخر، لأنّ التحقّق السابق لكل واحد منهما

__________________

(١) الإشارات: ٣ / ٦٦.

٢٠٠

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

الليلة الحادية عشر

٢٤١

٢٤٢

المجلس الأول

القصيدة: للشيخ عبد الحسين شكر(١)

ت ١٢٨٧ه

لم أنس زينبَ بعد الخدرِ حاسرةً

تُبدي النياحةَ ألحانا فأحانا

مسجورةَ القلبِ إلا أنَّ أعينَها

كالمعصراتِ تَصُبُّ الدمعَ عُقيانها

تدعو أباها أميرَ المؤمنين ألا

يا والدي حكمتْ فينا رعايانا

وغاب عنا المحامي والكفيلُ فَمن

يحمي حمانا ومن يُؤوي يتامانا

إن عسعس الليلُ وارى بذلَ أوجهِنا

وإن تنفّس وجهُ الصبحِ أبدانا

ندعوا فلا أحدٌ يصبو لدعوتِنا

وإن شكونا فلا يُصغى لشكوانا

قم يا عليُّ فما هذا القعودُ وما

عهدي تغض على الأقذاءِ أجفانا

وتنثني تارةً تدعو مشائخَها

من شيبة الحمد أشياخاً وشبانا

قوموا غِضابا من الأجداث وانتدبوا

واستنقدوا من يد البلوى بقايانا

ويلَ الفراتِ أباد اللهُ غامرَه

وردَّ واردَه بالرغم لهفانا

لم يُطفِ حرَّ غليلِ السبطِ باردُه

حتى قضى في سبيل الله عطشانا

لم يُذبحِ الكبشُ حتى يُروَ من ظمأٍ

ويُذبحُ ابنُ رسولِ الله ظمئانا(٢)

____________________

(١) - أقول وذكر صاحب رياض المدح والرثاء أنها للشاعر الكربلائي الحاج محمد علي كمونة.

(٢) - شعراء الغري ج٥ ص١٥٤.

٢٤٣

(نصاري)

اشحال ام الحزن زينب او كلثوم

عليها الليل من خيَّم او اظلم

اشحال الحرم وشحال اليتامه

ليل اهدعش من خيَّم ظلامه

گامت تذكر احسين او عمامه

او عليها الهظم فوگ الحزن خيَّم

غدت للحرم بالصيوان حَنَّه

هاي اتصيح يبني او تجر ونه

او ذيج اتصيح راحوا كل اهلنه

بعد ذاك الشمل هيهات يلتم

وليله اتصيح يوليدي يالاكبر

نايم عالثره او جسمك امطبَّر

عسن يوم اللفينه يوم الاگشر

إولا هل عالخلگ شهر المحرم

او رمله اتصيح يوليدي يجاسم

ابدال العرس عالتربان نايم

اگعد عاين الحال الفواطم

گبعت بالمذلَّه او لبست الهم

الرباب اتصيح يبني او نور عيناي

ورم صدري او درت لك ثداياي

يعبد الله انگطع برباك رجواي

او عگب عينك عليه النوم يحرم

(أبوذية)

يعاذل لا تلوم الگلب تنلام

عليه امن المصايب ثگل تنلام

خيمه ما بگت للحرم تنلام

بيها او تستچن ذيچ المسيه

الحوراء زينبعليها‌السلام تجمع العيال بعدما شتتها العدو

يا لها من ليلة مؤلمة مرت على بنات رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بعد ذلك العز الشامخ الذي لم يفارقهن منذ أوجد الله كيانهن فلقد كن بالأمس في سرادق العظمة وأخبية الجلالة، وبقين في هذه الليلة في حلك دامس من فقد تلك

٢٤٤

الأنوار الساطعة. بين رحل منتهب، وخباء محترق، وحماة صرعى، لا محامي لهن، ولا كفيل، ولا يدرين من يدافع عنهن إذا دهمهن داهم. ومن يكسن فورة الفاقدات ويخفض من وجدهن.

قال بعض الأكابر: في هذه الليلة، قامت الحوراء زينبعليها‌السلام بجمع العيال، والأطفال في مكان واحد، فلما جمعتهم أخذ الأطفال ينظر بعضهم إلى بعض ودموعهم تتحادر على الخدود، وأخذوا يسألون الحوراء زينب عن أهاليهم من الرجال هذه تنادي: عمه زينب أين أبي؟ وذاك ينادي: أين عمي؟ وأخر ينادي: عمة أين أخي؟ بماذا تجيبهم زينب؟ أتقول لهم إنهم صرعى على وجه الأرض؟ أم عندها جواب آخر؟ نعم قامت إليهم، فأخذت تضم الطفلة إلى صدرها لتهدئها عن البكاء والعويل، فإذا هدأت، أخذت الأخرى ضمتها إلى صدرها. وكأني بها في تلك اللحظات، لحظات اللوعة والألم، تلتفت إلى أبي عبد الله الحسينعليه‌السلام .

(مجردات)

خويه اتحيرت والله ابيتاماك

ما ينحمل يحسين فرگاك

والمثل هذا الوكت ردناك

(نصاري)

صاحت يبو اليمه ابدمع جاري

بناتك زيَّدن عگبك مراري

يخويه المن اسكت يو أباري

او تدري اشچم طفل عگبك تيتم

ولكنها لم تسمع من الحسين جوابا. وأنَّى له بالجواب، وقد فرق بين رأسه وجسده؟ ولهذا حولت بوجهها إلى الغري شاكية مصابها لأبيها أمير

٢٤٥

المؤمنينعليه‌السلام :

(مجردات)

بويه عليه الليل هود

وانه حرمه غريبه او مالي أحد

بيمن يبويه الگلب يضمد

بالحسين هلعندي امدد

وابن والدي العباس مارد

خلصوا هلي الله لحد

(مجردات)

يبويه علينه خيَّم الليل

او دارت علينه الزلم والخيل

او جسام والأكبر مچاتيل

او عباس مرمي ابغير تغسيل

او الحسين بيه مثِّلوا تمثيل

او سجادنه مطروح وانحيل

(فائزي)

امسه المسه والنار ما خلت لنا اخيام

صيوان ما ظل تلتجي ابفيه هاليتام

اگبل عليه الليل وازدادت الوحشه

او ما شوف غير ايتام تتصارخ ابدهشه

او شيخ العشيره احسين محد شال نعشه

مطروح وابجنبه علي الأكبر او جسّام

اصبحت واشبول الهواشم حولي اوگوف

وامسيت مالي اگناع اتستر بالكفوف

اوما شوف غير أطفال تتصارخ امن الخوف

وين المعزّة او وين زهرة ذيچ الأيام

٢٤٦

(أبوذية)

يا ناعي دصيح ابصوت وليان

يحيدر يا امطوع الإنس واليان

ترى زينب بگت من غير وليان

تحشِّم وينكم يهل الحميه

***

أبا حسنٍ تُغضي وتلتذُ بالكرى

وبالكف أمست تَستُر الوجهَ زينبُ

٢٤٧

المجلس الثاني

القصيدة: للسيد أحمد النواب الكربلائي

ت ١٣١١ه

الدمعُ لا يرقى مدى الأزمانِ

لرزيةِ المذبوحِ والعطشانِ

هذي المدامعُ سيلُها متواصلٌ

من كل قاصٍ في الأنام ودانِ

لهفي على العباسِ وهو مجدَّلٌ

والسبطُ يدعو في رحى الميدان

ظهري انحنى من عُظمِ ما قد حلَّ بي

يا أوصلَ الأصحابِ والإخوان

ثم انثنى نحوَ الخيامِ مناديا

هذا الوداعُ ولا وداعٌ ثان

نادته زينبُ والجَوى بفؤادِها

روحي الفدا يا سيدَ الأكوان

أأخيَّ كيف أراك في حرِّ الثرى

داميْ الوريدِ مضرَّجَ الجُثمان

يا ويلتا يا حسرتا يا لهفتا

تبدو السبايا من بني عدنان

جئنا من الحرم المنيعِ بعزةٍ

وحمايةِ الفرسان والشجعان

ثم انثنينا راجعين بلا حمىً

غيرَ اليتامى والأسيرِ العاني

والسبطُ مطروحٌ ثلاثا بالعرى

ملقى بلا غُسلٍ ولا أكفان(١)

____________________

(١) - أدب الطف ج٨، ص٧٨.

٢٤٨

(فائزي)

گوموا انروح الكربله انغسل الشبان

وانشيل جسم احسين وانفصِّل الأكفال

او راسه يشيعه انزّله عن راس السنان

والحرم نرجعها او لزينب ناخذ اخمار

ظلت تراهي امسلبه وحسين مطروح

او عدها عليل او من ونينه ايذوّب الروح

حرمه بلا والي تنادي وين أنا روح

واحسين كلفني ابيتامه اصغار واكبار

حرمه او غريبه او والدمع بالخد همّال

واتصيح وين أهلي اوعمامي اتعاين الحال

عندي جنازه امعطَّله او لا عندي ارجال

سمعوا يشيعه هالمصايب مثلها صار

(أبوذية)

جسمي امن الحزن يا ناس ينهار

او دمع العين علوجنات ينهار

عسنك لا تجي يا ريت ينها

ابشمس وعداي تتفرج عليه

السيدة زينبعليها‌السلام تفتقد

الرباب زوجة الإمام الحسينعليه‌السلام

لا أعرف ليلة أصعب من ليلة الحادي عشر من المحرم مرت على أطفال

٢٤٩

آل الرسول وبنات الزهراء البتول.

أمسوا ليلتهم، والحماة صرعى على وجه الأرض مجزرون، كالأضاحي، وأمسوا ليلتهم وهم بأيدي عدو ليس في قلبه رحمة، بحيث إذا بكت طفلة من أطفال الحسينعليه‌السلام أسكتوها بكعب الرمح، وبالسياط التي تتلوى على متنها، وهي تستغيث وتنادي: وا محمداه، ولا محمد لي اليوم، وا علياه ولا علي لي اليوم، وا حسيناه ولا حسين لي اليوم، وا عباساه ولا عباس لي اليوم.

وفي تلك الليلة افتقدت الحوراء زينب الرباب زوجة الحسين، فأخذت تبحث عنها بين النساء فلم تجدها، فنزلت إلى ساحة المعركة لعلها تجدها عند جسد الحسينعليه‌السلام فلما صارت قريبة من الجسد سمعت أنينا، وحنينا وقائلة تقول: بني عبد الله! صدري اوجعني، وثدياي درّا. فعرفت زينب أنها الرباب قال: رباب ما الذي جاء بك إلى هنا؟ قالت يا بنت رسول الله انه لما أباح لنا القوم الماء در للبن في صدري فجئت لأرضع ولدي.

(مجردات)

جيت ارضع ابني الماشرب ماي

درَّت بيت حيدر ثداياي

بلكت يزينب يسمع انداي

ويگوم روحي اولبة احشاي

وغياب فگده مرَّد اچلاي

هو الكبد والروح والراي

راح الذي زهرتي ابدنياي

والمن اديرن بعد عيناي

بس هذا عندي او گطع رجواي

واشلون بعده ايهوّد ابچاي

وفي تلك اللحظات اغتنمت السيدة زينب الفرصة لتعبر عن آلامها ومصائبها، وبث شكواها إلى أخيا الحسينعليه‌السلام وكأني:

٢٥٠

من أي رزءٍ أشتكي ومصيبةٍ

فراقُكَ أم هتكي وذُلّي وغربتي

أم الجسمُ مرضوضا أم الشيبُ قانيا

أم الرأسُ مرفوعا كبدر الدجنة

أم العابدُ السجادُ أضحى مغلَّلا

عليلا يُقاسي في العدا كلَّ كربةِ

قال الشيخ أسد حيدر (رحمه‌الله ):

توجهت - زينب - إلى مصرع أخيها الحسينعليه‌السلام فأكبت على جسده الطاهر وهي تحاول موضعا يسمح لها بتقبيله لكثرة النبال وجمود الدم على جسده الطاهر فلم تجد، وأخذت تخاطبه بحرارة(١) وكأني:

(مجردات)

أمسى المسه يحسين وحدي

او متحيره ويدي اعلى خدي

بس الأطفال اتنوح عندي

يحسين يومك مرد چبدي

اولا تنطي نيران وجدي

يا ضوه اعيوني او بدر سعدي

لون البگه يحسين يجدي

بالعين إلك والروح لفدي

(أبوذية)

الحرم خويه بالهضم يحسين

من بعدك ابحال الحرم يحسين

يخويه بگت بس نسوان يحسين

وانته اموسد الغبره رميه

***

أأخيَّ مالك عن بناتِك معرضا

والكلُّ منك بمنظرٍ وبمسمع

____________________

(١) - مع الحسين في نهضته ص٢٨٦.

٢٥١

المجلس الثالث

القصيدة: للسيد مهدي الأعرجي

ما بالُ فِهرٍ أغفلتْ أوتارَها

هلا تُثير وغىً فتُدرُكُ ثارَها

أغفت على الضيم الجفونُ وضيعت

يالَلحميةِ عزَّها وفَخارها

عجبا لها هدأت وتلك أميةٌ

قتلت سراةَ قبيلِها وخَيارها

عجبا لها هدأت وتلك نسائُها

بالطفِّ قد هتك العِدى أستارها

لهفي لها بعد التحجُّبِ أصبحت

حسرى تُقاسي ذُلَّها وصَغارها

تدعوا أميرَ المؤمنينَ بمهجةٍ

فيها المنيةُ أنشبتْ أظفارها

قم وانظرِ ابنَك في العراءِ وجسمُه

جعلتْه خيلُ أميةٍ مِضمارها

ثاوٍ تُغسِّله الدماءُ بفيضِها

عارٍ تُكفّنه الرياحُ غُبارها

وخيولُ حربٍ منه رضت أضلُعاً

فيها النبوةُ أودعت أسرارها

وبيوتُ قدسٍ من جلالةِ قدرِها

كانت ملائكةُ السما زوارها

يقف الأمينُ ببابِها مستأذنا

ومقبِّلا أعتابَها وجدارها

أضحت عليها آلُ حربٍ عنوةً

في يوم عاشوراء تَشُنُ مَغارها

كم طفلةٍ ذُعرتْ وكم محجوبةٍ

برزت وقد سلب العدوُّ إزارها(١)

____________________

(١) - ديوان شعراء الحسينعليه‌السلام ص١٥٩.

٢٥٢

(مجردات)

تعنيت للمعركة ابهمَّه

أدور يعمَّه اعله ابو اليمه

لگيت اعله الجسم للگوم لمـَّه

او جرح البگلبه ايسيل دمه

تدنيت مگصودي ارد اشمه

او جسمه المطشَّر عود المـّه

أثاري الشمر موچب يعمَّه

طردني او لخلاني أصل يمَّه

(مجردات)

يحسين يا شيخ العشيره

يبن حامي ادخيله او مجيره

أنا اموجِّله او گلبي ابحيره

يبن والدي شنهي البصيره

منك صدگ تقبل الغيره

يا غيرة الله امشي يسيره

اطوي الفله ابحر الظهيره

وطبَّن ابكل بلده او ديره

(أبوذية)

الگلب من زود ونّي اعليك ولَّم

او گلبي من گبل طرواك ولم

جسمك ما يفيده الجمع واللم

امطشَّر بالفله بسيوف أميه

(تخميس)

أيا سائلا وشظايا القلبِ في شجنِ

هل جهَّزوا لقتيل مات ممتَحَنِ

أجبتُه بفؤادٍ خافقٍ وَهِنِ

ما غسلوه وما لفَّوه في كفنِ

يومَ الطفوفِ ولا مدُّوا عليه رِدا

السيدة زينبعليها‌السلام تبحث عن

فاطمة الصغرى بنت الإمام الحسينعليه‌السلام

في ليلة الحادي عشر: طلبت زينب خيمة من عمر بن سعد تجمع فيها النساء والأيتام، لأن النار لم تبق لهم خيمة، فلما جاءوا لهم بالخيمة وجمعت

٢٥٣

فيها النساء والأيتام، وإذا بها تفتقد فاطمة الصغرى بنت الإمام الحسينعليه‌السلام فجاءت إلى أختها أم كلثوم سألتها عنها، قالت أطلبيها عند جسد المولى أبي عبد الله لعلها هناك.

قامت الحوراء زينبعليها‌السلام وقصدت جسم الحسين في ذلك الليل الدامس، تتعثر بأشلاء القتلى، وهي تقول: عمه فاطمة أين أنت؟ حتى قربت من الجسد الشريف، وإذا بها تسمع أنينا، وحنينا، وقائلة تقول: أبه يا حسين من الذي حزَّ وريديك؟ أبه من الذي أيتمني على صغر سني؟

(مجردات)

يا والدي والله هضيمه

أنه اصير من صغري يتيمه

والنوح من بعدك لجيمه

أثاري الأبو يا ناس خيمه

يفيي على ابناته وحريمه

قال زينبعليها‌السلام فاطمة هذه؟ قالت بلى يا عمة، قالت بنية ما الذي جاء بك إلى هنا؟ قالت عمة عندما هجم القوم على المخيم ارعبتني الخيل والرجال، فقلت ألوذ بجسد والدي.

(نصاري)

للحومه اعتنت زينب ابهمه

تون واتصيح وين انتي يعمه

لگتهه لايذه الجنب ابو اليمه

تون اعليه او وياه اتكلم

تگلَّه من گطع راسك ابسيفه

او من هشَّم اعظامك وأخذ حيفه

يبويه الجيش سلبنه اعله كيفه

او متني ابسوط عدوانك تورَّم

يبويه امست عليه هالمسيه

او بعيده اخيامنه صارت عليه

٢٥٤

ينور العين گلِّي شلون بيه

بعد ياهو الهلي ابردْتي ايتوزم

صاحت زينب ابعبرات وونين

يبعد اهلي اجيتچ لا تخافين

گامت فاطمه من جسم الحسين

شبگتها ودمعها انحدر واسجم

***

يا أخي فاطمُ الصغيرةُ كلمـ

ـها فقد كاد قلبُها أن يذوبا

ما أذلَّ اليتيمَ حين ينادي

بأبيه ولا يراه مجيبا

٢٥٥

المجلس الرابع

القصيدة: للشيخ عبد الحسين شكر

فما لنزارٍ لا تَسُلُّ حِدادَها

وما لِلُؤيٍّ لا تَهُزُّ كِعابَها

أتُغمضُ طرفا عن أميٍّ وإنها

دماً حلبت من آلِ طه رقابها

أثِرْ نقعَها واستنهضِ الغُلْبَ غالبا

وثِرْ مستفزّاً خيلَها وركابها

فتلك بنو حرب على الرغم تَوّجتْ

برأسِ حسينٍ في الطفوفِ حِرابها

وقوسُ أميِّ قد أصابت سهامُه

ذرى العرشِ أوشَقَّتْ لقوسينِ قابها

وتلك جسومُ الهاشميينَ غُودرتْ

طعام ظبىً كانت دماهمْ شرابها

وتلك سرايا شيبةِ الحمدِ هشَّمت

عوادي الأعادي شيبَها وشبابها

أتسطيعُ صبرا أنْ يُقالَ أميةُ

أجالت على جسم الحسينِ عِرابها

وإنَّ برغمِ الغُلبِ أبناءُ غالبٍ

كريمتُه أضحى الدماءُ خضابها

أتنسى هل يُنسى وقوفُ نسائِكم

لدى ابن زيادٍ إذ أماطَ حجابها

فما زينبٌ ذاتُ الحجالِ ومجلسٌ

به أسمع الطاغي عداه خطابها

أتسطيعُ صبرا أن يقالَ نسائِكم

سبايا قد ابتزَّ العدوُّ نقابها

لها الله من مسلوبةٍ ثوبَ عزِّها

كستها سياطُ المارقينَ ثيابها

وعمَّتُك الحوراءُ أنى توجَّهَتْ

رأت نائباتِ الدهرِ تَقرعُ بابها(١)

____________________

(١) - ديوان الشيخ عبد الحسين شكر ١٦.

٢٥٦

(مجردات)

يا عصمة الدين المنيعه

يمهيوب يا عين الطليعه

غيبتك طالت على الشيعه

تنسى الذي ذبحوا رضيعه

ابحضنه او روُّوه ابنجيعه

تنسى الوگع فوگ الشريعه

مطروح واچفوفه گطيعه

تنسى الجره بالطف جميعه

(أبوذية)

يمهدي المحب سل سيفه ولك ثار

ولك جد انذبح بالطف ولك ثار

الأشد واعظم يبو صالح ولكثر

يوم السبوا لبنات الزچيه

الإمام زين العابدينعليه‌السلام ليلة الحادي عشر

لما وضعت معركة بدر أوزارها أوثقوا أسرى المشركين وكان من بينهم العباس عم النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فلما جن الليل، ونام الناس بقي النبي ساهرا، وما نامت عيناه، وكان يتقلب يمينا وشمالا. فقيل له: يا رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ما الذي نزل بك لا تنام عيناك مع ما لقيت من التعب والمشقة وقد نامت العيون؟ فقالصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : كيف أنام وأنا أسمع أنين عمي العباس ونشيجه؟ فقاموا إلى العباس، وحلوا ما عليه من الحبال، فلما سكن أنينه نام رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم تلك الليلة.

أقول سيدي يا رسول الله، ليتك تسمع أنين ولدك الإمام زين العابدين ليلة الحادي عشر من المحرم، وهو عليل، قد فقد أخوته وأباه وأبناء عمومته، ليتك تسمعه ينادي: وا محمداه، ولا محمد لي اليوم، وا علياه ولا علي لي اليوم.

٢٥٧

أتهجعون وهم أسرى وجدُّهمُ

لعمِّه ليلُ بدرٍ قَطُّ ما هجعا

فليت شعري مَنِ العباسُ أرَّقَه

أنينُه كيف لو أصواتَها سَمِعا

ماكان يفعل مذ شِيلتْ هوادجُها

قسرا على كل صَعْبٍ في السُرى ظلعا

ما بين كلِّ دعيٍّ لم يُراعِ بها

من حرمة لا ولا حقَّ النبيّ رعا

(مجردات)

عگب گومه يويلي امگيدينه

تفت حتى الصخر جرَّت ونينه

او حزنه ايزيد من يسمع اسكينه

تگل زينب ابوي احسين وينه

يعمه لو يجي وتشوف عينه

بعده اشجرى والشمر علينه

زينب تگلها يا حزينه

بطلي النشد لا ترتجينه

أبوچ انكتل وحنه انولينه

هذا والإمام يسمع ويرى ما يجري على أخواته وعماته، فتزداد علته وتعظم عليه مصيبته، وليس بمقدوره أن يصنع لهن شيئا يا لله ما أعظمها من مصيبة؟

(أبوذية)

گلبي انكسر بعد اشلون ينشد

على الجبريل اله باللوح ينشد

ما شفنه عليل ابگيد ينشد

يس شفنه عليل الغاضريه

(أبوذية)

عليل او جسمه من المرض ينحل

او خذوه مكتوف لابن زياد ينحل

٢٥٨

الماله احَّد يحلَّه اشلون ينحل

او كل أهله صفت صرعى او رميه

***

وا لهفتاه على خزانةِ علمِك الـ

ـسجادِ وهو يُقاد في الأصفاد

٢٥٩

المجلس الخامس

القصيدة: للسيد عباس البغدادي

فيا راكبا مهريةً شَأَتِ الصَّبا

كأنَّ لها برقَ الغَمامِ زمامُ

إذا جُزْت في وادي قِبا قُل بعَولةٍ

أهاشمُ قومي فالقعودُ حرام

لقد حلّ فيكم حادثٌ أيُّ حادثٍ

هوت فيه للدينِ الحنيفِ دعام

قضى السبطُ ظمآنَ الفؤادِ وشلوُه

لبين المواضي والرماح طعام

وقد قُطعت أوداجُه بشَبا الظبى

ورُضّت له بالصافنات عظام

وأعظمُ رزءٍ زلزل الكون خلبُه

ودَكَّ الراوسي فهي منه رِمام

هجومُ العِدى بغياً على حُجْبِ أحمدٍ

ولم يُرعَ فيها للنبي ذِمام

فبينا بناتُ الوحي في الخدرِ إذ به

أحاط لسلبِ الطاهراتِ طُغام

ففرَّتْ من الأعداءِ حسرى مروعةً

لها الصونُ سِترٌ والعَفافُ لثام

تجيلُ بطرفٍ لِلحماة فلا ترى

سوى جُثثٍ قد غالهن حِمام

فنادت وقد عضّ المصابُ فؤادَها

وشبّ لها بين الضلوع ضَرامُ

فرقّ لها قلبُ العدو كآبةً

وناهيك رزءٌ رقَّ فيه لِئام(١)

(تجليلة)

الليلة اشلون مسّينه حرم كلنه

او كلها اعله الوطيه امذبحه اخوتنه

____________________

(١) - سفينة النجاة ص٣٦٢ العاملي.

٢٦٠

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

461

462

463

464

465

466

467

468

469

470

471

472

473

474

475

476

477

478

479

480

481

482

483

484

485

486

487

488

489

490

491

492

493

494

495

496

497

498

499

500

501

502

503

504

505

506

507

508

509

510

511

512

513

514

515

516

517

518

519

520

521

522

523

524

525

526

527

528

529

530

531

532

533

534

535

536

537

538

539

540

541

542

543

544

545

546

547

548

549

550

551

552

553

554

555

556

557

558

559

560

561

562

563

564

565

566

567

568

569

570

571

572

573

574

575

576

577

578

579

580

581

582

583

584

585

586

587

588

589

590

591

592

593

594

595

596

597

598

599

600

601

602

603

604

605

606

607

608

609

610

611

612

613

614

615

616

617

618

619

620

621

622

623

624

625

626

627

628

629

630

631

632

633

634

635

636

637

638

639

640

641

642

643

644

645

646

647

648

649

650

651

652

653

654

655

656

657

658

659

660

661

662

663

664

665

666

667

668

669

670

671

672