مفاهيم القرآن الجزء ١

مفاهيم القرآن8%

مفاهيم القرآن مؤلف:
الناشر: مؤسّسة الإمام الصادق (عليه السلام)
تصنيف: مفاهيم القرآن
ISBN: 964-357-249-8
الصفحات: 672

الجزء ١ الجزء ٢ الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥ الجزء ٦ الجزء ٧ الجزء ٨ الجزء ٩ الجزء ١٠
  • البداية
  • السابق
  • 672 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 155062 / تحميل: 6030
الحجم الحجم الحجم
مفاهيم القرآن

مفاهيم القرآن الجزء ١

مؤلف:
الناشر: مؤسّسة الإمام الصادق (عليه السلام)
ISBN: ٩٦٤-٣٥٧-٢٤٩-٨
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة


1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

سبب وشرط لتحقّق الآخر، وحيث إنّه ليس لأي واحد منهما تحقّق ووجود سابق، فتكون النتيجة لمثل هذا الاشتراط أن لا يتحقّق وأن لا يوجد أي واحد منهما.

ولأجل التوضيح نضرب المثال التالي :

لنفترض أنّ شخصين يريدان حمل متاع معاً، ولكن كل واحد منهما يشترط بأن لا يأخذ طرفاً من ذلك المتاع إلّا إذا أخذ الآخر طرفه قبله، فمن المعلوم ـ حينئذ ـ أنّ هذا المتاع لن يحمل ـ في النتيجة ـ أبداً، لعدم تحقّق شرط أي واحد منهما.

والحقيقة أنّ قضية الدور ليست في جوهرها إلّا كون وجود كل من الحادثين متوقفاً على الوجود القبلي للآخر، وحيث إنّه لا وجود قبلي لأي واحد منهما قبل الإيجاد من جانب الآخر، فلن يوجد أي منهما في المآل.

ب. « التسلسل » ليس إلّا أن تمضي سلسلة العلل والمعاليل إلى ما لا نهاية، أي ما لا يصل إلى نقطة واحدة معينة تكون علة للجميع، دون أن تكون معلولاً لشيء، ويكون موجوداً غنياً غير فقير.

وهذا الفرض هو أيضاً باطل ومحال بالبيان الذي مر في إبطال « الدور ».

لأنّه على فرض التسلسل، فإنّ الحادثة الأخيرة تكون معلولة للحادثة السابقة عليها، والحادثة السابقة تكون معلولة لما قبلها، وهكذا.

وفي الحقيقة فإنّ الحادثة الأُولى التي نواجهها تكون مشروطة الوجود بالحادثة الثانية التي تسبقها والحادثة الثانية تكون متوقفة على الحادثة التي تسبقها، وهكذا الثالثة على الرابعة، والرابعة على الخامسة، وهكذا كلّما نتقدّم فإنّنا لا نقف على موجود غير مشروط بشرط، بل إنّ هذا الوضع سيستمر إلى ما لا نهاية، وفي هذه

٢٠١

الحالة فإنّ الحادثة التي نواجهها ليس فقط هي التي لا تتحقق بل ولا تتحقق أية حلقة من هذه السلسلة الطويلة غير المتناهية.

لأنّه لو أُتيح لهذه الحلقات أن تتكلم وتنطق بلسان حالها لقالت الأخيرة: إنّما أتحقّق أنا لو أنّ ما قبلي تحقّق، وما قبلها تقول: إنّي أتحقّق لو أنّ ما قبلي تحقّق، وحيث إنّ وجود أية واحدة من هذه الحلقات غير خال عن ال‍ « لو » الشرطية كان معناه عدم تحقّق أي شيء من هذه الحلقات بالمرة، لأنّنا لن نصل ـ في هذه السلسلة ـ إلى حلقة غير مشروطة الوجود بشيء.

فينتج أن لا توجد مثل هذه السلسلة بتاتاً، أللّهم إلّا أن يوجد بين حلقات هذه السلسلة ما لا يكون وجوده مشروطاً بشرط أبداً.

فإذا كان هناك مثل هذا الموجود كان معناه حينئذ أنّ هذا الموجود يكون هو « الموجود المطلق »، أو ما يصطلح عليه ب‍ « الواجب الوجود »، ومن الطبيعي حينئذ أن ينقطع تصاعد هذه السلسلة، وينتفي التسلسل.

ولنمثل ـ لتوضيح هذه الحقيقة ـ بنفس المثال الذي ضربناه، أعني: مسألة حمل المتاع.

فلنفترض أنّ الأوّل قال: أنا سأحمل هذا المتاع لو ساعدني عليه الثاني.

وقال الثاني: أنا سأحمله لو ساعدني عليه الثالث.

وقال الثالث: وأنا سأحمله لو ساعدني عليه الرابع.

وهكذا قال الرابع فالخامس فالسادس ـ مثل ذلك الكلام ـ إلى ما لا نهاية، فمن المعلوم أنّ حمل المتاع المذكور لن يتحقّق بالمرّة ما لم يكن في هذه السلسلة من لا يشترط حمل المتاع على شرط.

٢٠٢

أمّا إذا تحقّق حمل المتاع المذكور فسنكتشف أنّ هناك ـ قطعاً ـ من أقدم على حمل المتاع دون أن يعلّق مساعدته وحمله على شرط.

وبعبارة مختصرة حيث نجد أنّ هذه السلسلة تحقّقت بتحقّق آخر حلقاتها نكتشف وصول هذه السلسلة إلى حد معين ونقطة معينة لم يكن وجودها مشروطاً بشرط، ولا متوقفاً على شيء، وهذا هو واجب الوجود والموجود المطلق.

* * *

٢. الآيات التي أتينا بها في مطلع هذا الفصل قابلة للتطبيق على هذا البرهان بنحو ما، إذ لو تمكنا من ملاحظة الوجود نفسه ملاحظة دقيقة أمكن أن نصل إلى الله وأمكن أن نعتبر قوله تعالى:( أَنَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ ) ناظراً إلى هذا المعنى.

أي انّه شاهد على كل شيء حتى نفسه وذاته، أو مشهود لكل الأشياء عموماً وللإنسان المتفكر في الوجود خصوصاً.

كما أنّه يمكن أن يقال بأنّ شهادة الله على وحدانيته(١) على غرار شهادته على وجوده، لا تعني إلّا أن نطالع ونلاحظ نفس الوجود لنصل إلى هذه الحقيقة.

إنّ ملاحظة نفس الوجود تشهد على وجود الله، وأما كيف تشهد على وحدانيته، فسيوافيك بيانه في فصل التوحيد الذاتي.

كما أنّ آية سورة النور، لو قلنا بقابلية انطباقها على هذا البرهان يكون المقصود من أنّ( اللهُ نُورُ السَّمٰوَاتِ وَالأَرْضِ ) حينئذ أنّ وجود الله هو واقع هذا العالم، أو أنّه واهب « الواقعية » للممكنات.

__________________

(١) اشارة إلى الآية ١٨ من سورة آل عمران:( شَهِدَ اللهُ أَنَّهُ لا إِلَهَ إلّا هُوَ ) .

٢٠٣

ومطالعة الوجود هي التي توصلنا إلى هذه « الواقعية ».

والحق أن يقال: انّ استخراج مثل هذا المراد من الآية المذكورة أخيراً ما هو إلّا من قبيل التأويل، أو اكتشاف بعد من أبعاد القرآن، الكثيرة لا أنّه تفسير لظاهر الآية.

وعلى كل حال، سواء أكان تطبيق مفاد الآيات المذكورة على هذا البرهان صحيحاً وصائباً أم كان من قبيل التأويل واكتشاف بعد جديد من أبعاد الآيات فإنّ برهان الصدّيقين ـ في حد ذاته ـ وعلى الطريقة السينائية برهان واضح، وقابل للاعتماد عليه بل وجدير بالاهتمام.

ونأمل أن نعرض الطريقة الصدرائية منه في فرصة أُخرى بإذن الله.

٢٠٤

التوحيد الاستدلالي: البرهان الثاني عشر

آيات الله في عالم الطبيعة

إنّ القرآن الكريم يدعونا إلى التفكّر والتدبّر والنظر في آيات الله في عالم الطبيعة والخلق ويعتبر مثل هذا النظر والتفكّر جديراً بأهل الفكر والألباب وأصحاب الضمائر الحية والعقول السليمة(١) .

والآيات القرآنية في هذا المجال من الكثرة بحيث لا يمكننا نقل عُشرها في هذه الصفحات القلائل، ولذلك سنقتصر على إيراد نماذج معدودة منها، ثم نتحدث عن أهداف هذا القسم من الآيات فيما بعد.

وإليك الآن هذه النماذج التي وعدناك بها :

( إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمٰوَاتِ والأرض وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَالفُلْكِ الَّتِي تَجْري فِي البَحْرِ بِمَا يَنْفَعُ النَّاسَ وَمَا أَنْزَلَ الله مِنَ السَّمَاءِ مِنْ مَاء فَأَحْيَا بِهِ الأرض بَعْدَ مَوْتِهَا وَبَثَّ فِيهَا مِنْ كُلِّ دابَّةٍ وَتَصْرِيفِ الرِّيَاحِ وَالسَّحَابِ المُسَخَّرِ بَيْنَ السَّمَاءِ والأرض لآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ ) (٢) .

__________________

(١)( لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ ) ( البقرة: ١٦٤ )( لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ ) ( الرعد: ٣ )( لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ ) ( إبراهيم: ٢٥ )( لأُولِي الألْبَابِ ) ( ص: ٤٣ ).

(٢) البقرة: ١٦٤.

٢٠٥

هذه الآية تدعونا إلى التدبّر في أُمور عديدة :

١. النظر في العالم من أرض وسماء واختلاف الليل والنهار.

٢. التدبّر في أمر صناعة السفن، والتدبّر في منافعها الاقتصادية.

٣. التفكّر في الكائنات الجوية، كالرياح والسحاب والمطر، وعلل تكوّنها.

٤. التدبّر في الأحياء والدواب التي تعيش على وجه البسيطة، والذي يؤلِّف أساس علم الأحياء.

إنّ للتدبّر في هذه الأُمور والأشياء نتائج مهمة، ويمكن أن يكون منشأ لمعرفة سلسلة من المعارف والعلوم.

فماذا تهدف هذه الآية من دفعنا إلى التدبّر في هذا النظام البديع ؟

هل تهدف إلى أن نهتدي من التدبّر في هذا النظام البديع إلى مبدعه وصانعه ؟

أو أن نتعرّف على صفاته تعالى من هذا السبيل كالقدرة والعلم ؟

أمّ أنّ الهدف هو شيء ثالث وهو: أن نوحّده في العبادة بعد أن وقفنا على أنّه سبحانه هو خالق هذا النظام البديع وتعرفنا على مدى علمه، فتكون هذه الآية في الحقيقة دعوة إلى « التوحيد العبادي ».

هذه الاحتمالات الثلاثة ليست مطروحة في هذه الآية فحسب، بل هي مطروحة ومحتملة في كل الآيات التي تشير إلى النظام الكوني والقدرة الإلهية الكبرى في عالم الطبيعة.

( وَهُوَ الَّذِي مَدَّ الأرض وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِيَ وَأَنْهَاراً وَمِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ جَعَلَ

٢٠٦

فِيهَا زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ يُغشِي الَّليلَ النَّهَارَ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآياتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ ) (١) .

هذه الآية تدعونا إلى التدبّر والنظر في أُمور معينة، ومن المعلوم أنّ للتدبّر في هذه الأُمور نتائج مختلفة متنوعة :

وأمّا هذه الأُمور فهي :

١. كيف امتدت الأرض واتّسعت ؟

٢. كيف ولماذا وجدت الجبال والأنهار في الأرض ؟

٣. كيف خلقت الثمار أزواجاً ؟

٤. كيف يختلف الليل والنهار ؟

إنّ التدبّر في هذه الأُمور كما يمكن أن يقودنا إلى معرفة وجود الله سبحانه، كذلك يدلّنا على علم الله وقدرته، وكذا على وحدانية مدبّر الكون أيضاً، ذلك لأنّ وحدة النظام وترابط أجزائه يكشف عن حاكمية إرادة واحدة على عالم الكون، ولو كان هناك آلهة متعدّدون لتعرض هذا النظام للفوضى والفساد والتبعثر

كما أنّ التعرف على مركز القدرة وصاحب التدبير الحقيقي من شأنّه أن يوقظ ضمائرنا ويدفعنا ـ بالتالي ـ إلى عبادة هذا الخالق الحقيقي والمدبّر الواقعي للكون دون سواه.

( وَفِي الأرض قِطَعٌ مُتَجَاوِرَاتٌ وَجَنَّاتٌ مِنْ أَعْنَاب وَزَرْعٌ وَنَخِيلٌ صِنْوانٌ وَغَيْرُ صِنْوَانٍ يُسْقَىٰ بِمَاءٍ وَاحِدٍ وَنُفَضِّلُ بَعْضَهَا عَلَىٰ بَعْض فِي الأكُلِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآياتٍ لِقَومٍ يَعْقِلُونَ ) (٢) .

__________________

(١) الرعد: ٣.

(٢) الرعد: ٤.

٢٠٧

هذه الآية تدعونا إلى التدبّر في الأُمور التالية :

١. الأرض رغم كونها متصلة ببعضها، فإنّ قسماً منها صالح للزراعة، وقسماً آخر غير صالح للزراعة، منها الخصب، ومنها الجدب، فما هو السبب ؟

٢. في كثير من المزارع والبساتين توجد ثمار متنوعة ومختلفة، من عناقيد العنب وأعذاق التمر، وسنابل القمح إلى غير ذلك من ألوان الثمر والنباتات.

فلماذا ـ ترى ـ هذا التنوّع والاختلاف في الألوان، والتراب واحد، والماء واحد، وأشعة الشمس تتساقط على الجميع بصورة متساوية، والمنطقة واحدة، والظروف كذلك واحدة ؟

٣. رب ثمار بستان واحد تختلف فيما بينها في النوعية والجودة، فلماذا ذلك ؟

إنّ التدبّر والنظر والتفكير في هذه الأُمور الثلاثة لا ريب تستتبع نتائج هامّة ثلاث :

أ. أنّ هذه المشاهد الجميلة للبساتين التي تمثّل معرضاً طبيعياً لأجمل اللوحات تكشف ـ ولا ريب ـ عن وجود صانع وخالق رسم بريشته الخفية هذه النقوش الرائعة الجمال في صفحة هذه البساتين الزاهية المناظر.

ب. أنّ هذه المعارض الجميلة ذات النقوش المتناسقة تكشف ـ أيضاً ـ عن علم صانعها وقدرته المطلقة.

ج. أنّ صاحب هذه النقوش البالغة الروعة وهذه المعارض والمشاهد الجميلة هو الله فهو الذي أوجد هذه المعارض والنقوش، فلماذا إذن لا نعبده وحده، ولماذا نعبد سواه مما لا يكون لا خالقاً ولا مدبّراً.

إنّ الآيات التي تتضمن بيان النظام الكوني البديع والسنن الإلهية في عالم

٢٠٨

الطبيعة التي لا تقبل تحويلاً، وتغيراً، من الكثرة والوفور بحيث لا يمكن نقلها جميعاً في هذه الصفحات، ولكنّنا عرّفنا القارئ الكريم على نماذج منها، ولمزيد الاطّلاع يراجع « المعجم المفهرس » مادة: « آية ».

فمثلاً ذكرت في سورة الروم دلائل وجود الله في ست آيات، وكلها تبدأ بكلمة:( وَمِنْ آياتِهِ ) ، وإليك فيما يلي هذه الآيات نصاً :

( وَمِنْ آياتِهِ أَنْ خَلَقَكُمْ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ إِذَا أَنْتُمْ بَشَرٌ تَنْتَشِرُونَ *وَمِنْ آياتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجاً لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ *وَمِنْ آيَاتِهِ خَلْقُ السَّمٰوَاتِ والأرض وَاخْتِلافُ أَلْسِنَتِكُمْ وَأَلْوَانِكُمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِلْعَالِمِينَ *وَمِنْ آيَاتِهِ مَنَامُكُمْ بِالَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَابْتِغَاؤُكُمْ مِنْ فَضْلِهِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِقَومٍ يَسْمَعُونَ *وَمِنْ آيَاتِهِ يُرِيكُمُ البَرْقَ خَوْفَاً وَطَمَعاً وَيُنَزِّلُ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَيُحْىِ بِهِ الأرض بَعْدَ مَوْتِهَا إِنَّ فِي ذَلِكَ لآياتٍ لِقَومٍ يَعْقِلُونَ *وَمِنْ آيَاتهِ أَنْ تَقُومَ السَّمَاءُ والأرض بِأَمْرِه ثُمَّ إِذَا دَعَاكُمْ دَعْوَةً مِنَ الأرض إِذَا أَنْتُمْ تَخْرُجونَ ) (١) .

لا شك أنّ هذه الآيات تتركز ـ في الأكثر ـ على إيقاظ الوجدان البشري وتوجيهه إلى صفات الله، والتأكيد على أنّه هو الإله الواحد العالم القادر المدبّر الرحيم.

وقد ذكرت هذه النتائج في ذيل الآيات، التي تبدأ في القرآن بكلمة( وَمِنْ آياتِهِ ) .(٢)

__________________

(١) الروم: ٢٠ ـ ٢٥.

(٢) راجع المعجم المفهرس.

٢٠٩

وفي سورة النحل توجد سلسلة من الآيات التي تشير هي أيضاً إلى جوانب من النظام الكوني العجيب البديع وكيفية انتفاع البشر بها، وتبدأ هذه الآيات بقوله:( هُوَ الَّذِي ) :

( هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً لَكُمْ مِنْهُ شَرَابٌ وَمِنْهُ شَجَرٌ فِيهِ تُسِيمُونَ *يُنْبِتُ لَكُمْ بِهِ الزَّرْعَ وَالزَّيْتُونَ وَالنَّخِيلَ وَالأعْنَابَ وَمِنْ كُلِّ الثَّمَراتِ إِنَّ فِي ذِلَكَ لآيَةً لِقَومٍ يَتَفَكّرونَ *وَسَخَّرَ لَكُمُ اللّيلَ والنهارَ والشمس والقمر والنجومُ مُسَخَّراتٌ بأمرِهِ إنَّ في ذلك لآياتٍ لقومٍ يَعْقِلُونَ *وَمَا ذَرَأَ لَكُمْ فِي الأرض مُخْتَلِفاً أَلْوَانُهُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً لِقَوْمٍ يَذَّكَّرُونَ *وَهُوَ الَّذِي سَخَّرَ البَحَرَ لِتَأْكُلُوا مِنْهُ لَحْماً طَريّاً وتسْتَخْرجُوا مِنْهُ حِلْيَةً تَلْبَسُونَهَا وَتَرَىٰ الفُلْكَ مَوَاخِرَ فِيهِ وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ *وَأَلْقَىٰ فِي الأرضِ رَوَاسِيَ أَنْ تَمِيدَ بِكُمْ وَأَنْهَاراً وَسُبُلاً لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ *وَعلامَاتٍ وَبِالنَّجْمِ هُمْ يَهْتَدُونَ ) (١) .

ثم يستنتج القرآن من كل ذلك بقوله:( أَفَمَنْ يَخْلُقُ كَمَنْ لا يَخْلُقُ أَفَلاَ تَذَكَّرُونَ ) (٢) ، إنّ هذه الآية الأخيرة تكشف عن أنّ الهدف من تلك الآيات هو الدعوة إلى التوحيد « العبادي »، ولأجل ذلك صدرت الآية الحاضرة بفاء النتيجة، لأنّ بعض مشركي العرب رغم علمهم بأنّ الله هو الخالق والمدبّر للكون، كانوا يعبدون آلهة مدّعاة مصطنعة، ولذلك يعني التذكير بمظاهر القدرة الإلهية في عالم الطبيعة، إيقاظ ضمائرهم الغافلة، وإثارة عقولهم الغافية، كيما يتذكروا أنّ العبادة لا تصح إلّا لله سبحانه دون سواه، وأنّ ما يعبدون من دونه عاجزون ضعفاء لا

__________________

(١) النحل: ١٠ ـ ١٦.

(٢) النحل: ١٧.

٢١٠

يملكون ضراً ولا نفعاً.

وقد يكون الهدف من التذكير بالنظام الكوني البديع هو التمهيد لطرح موضوع المعاد والحياة الأُخرى، لكي لا ينكر الإنسان المعاد، أو لا يستبعد وقوعه بعد وقوفه على مظاهر وآثار القدرة الإلهية في عالم الكون، إذ صرح سبحانه بهذا الاستنتاج بقوله :

( ثُمَّ إِذَا دَعَاكُمْ دَعوةً مِنَ الأرض إذَا أَنْتُمْ تَخْرُجُونَ ) (١) .

وعلى هذا الأساس فإنّ الاستدلال بهذه الآيات على وجود الله يجب أن يكون بصورة ضمنية لا بصورة أنّه الهدف الأصلي لها، لأنّه إذا كانت أجزاء هذا الكون، من صغيرها إلى كبيرها، من دقيقها إلى جسيمها، تشهد بثبوت صفة القدرة والعلم لله تعالى، وإذا تعرفنا من خلالها على جماله وكماله سبحانه، فإنّ من القطعي البديهي أن تهدينا إلى « أصل وجوده »، ويثبت لنا ذلك بما لا يقبل الشك، كما تهدينا إلى أنّه المعبود دون غيره، وانّه وحده يستحق العبادة.

إنّ الطريق الواضح لمعرفة الله والذي يتناسب مع أذهان كل الطبقات هو « البحث حول أنظمة الكون الدقيقة العجيبة البديعة » التي تشهد بلسان حالها على وجوده وتوحيده وسائر صفاته العليا :

وفي كل شيء له آية

تدل على أنّه واحد

__________________

(١) الروم: ٢٥.

٢١١

التوحيد الاستدلالي ـ البرهان الثالث عشر

الحيوانات والهداية الإلهية

( رَبُّنَا الَّذِي أَعْطَىٰ كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَىٰ ) (١) .

من الأدلّة التي يقيمها القرآن الكريم لمعرفة الله هي تلك الهداية التي تشمل مخلوقات الكون وأحياءه بحيث تهتدي ـ بهذه الهداية ـ إلى طريقها، وتختار ما يصلحها، ويناسبها في ظل هذه الهداية الإلهية.

وهذا هو ما أشار إليه النبي موسى بن عمرانعليه‌السلام ، واصفاً الله تعالى عندما سأله فرعون عن ربه ؟ فأجابه بالآية السابقة.

فاهتداء الحيوانات ـ مثلاً ـ إلى طريقها التي تضمن حياتها وبقاءها دون أن تعرف معلماً أو مدرسة، أو تتلقّى معلوماتها عن طريق الوراثة أو ما شابه، أمر يدلّ على وجود هاد يهديها، ومرشد يوجّهها إلى ما يضمن بقاءها واستمرار وجودها، ومواصلة السير إلى هدفها دون أن تخطأ.

إنّ « اهتداء » هذه الحيوانات إلى ما يناسب طبيعتها ويوافق خلقتها لا يمكن أن يكون بفعل الوراثة ولا بفعل الغريزة كما يدّعي البعض.

__________________

(١) طه: ٥٠.

٢١٢

أمّا أنّها لا يمكن أن تكون عن طريق الوراثة، فلأنّ المعلومات لا يمكن أن تنتقل من أحد إلى أحد من هذا الطريق، وإلاّ لكان ابن الطبيب طبيباً بالوراثة، ولكان ابن العالم عالماً بالوراثة حتماً دون أن يتلقّى العلم أو الطب من أحد.

وأمّا أنّ هذه الحيوانات لا تفعل ما تفعل بتأثير الغريزة فقط، فلأنّ الغريزة لا يمكن أن تخضع للانتخاب والاختيار، بينما نجد كثيراً من هذه الحيوانات عندما تواجه مفترق طرق متعدّدة تختار إحداها بفعل ما تتلقّاه من الهداية والتوجيه، وهذه الهداية التي تعين الحيوانات على الانتخاب والاختيار هو ما يسمّى في منطق القرآن بالوحي أو ما سمّاه بعض العلماء ب‍ « الإلهام »(١) .

ونمثّل لهذا الأمر بما جاء حول النحل في القرآن الكريم، إذ يقول :

( وَأَوْحَىٰ رَبُّكَ إِلَىٰ النَّحْلِ أَنْ اتَّخِذِي مِنَ الجِبَالِ بُيُوتاً وَمِنَ الشَّجَرِ وَمِمَّا يَعْرِشُونَ *ثُمَّ كُلِي مِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ فَاسْلُكِي سُبُلَ رَبِّكِ ذُلُلاً يَخْرُجُ مِنْ بُطُونِهَا شَرَابٌ مُخْتَلِفٌ أَلْوَانُهُ فِيهِ شِفَاءٌ لِلنَّاسِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً لِقَوم يَتَفَكَّرُونَ ) (٢) .

فحشرة النحل الصانعة لألذ الأشياء وأطيبها، نعني: العسل، تبدأ عملها منذ أن تخرج من البيض دون تعب وملل، وفي ذكاء مفرط، وانضباطية فائقة.

فتختار ـ في ذكاء ـ أفضل وأطيب الزهور وتمتص عصارتها بنحو عجيب، وتصنع للبشر شهداً من أطيب الشهد.

وتصنع بيوتها سداسية الشكل في نظم لا يخطئ، وعلى فواصل دقيقة لا تزيد ولا تنقص.

__________________

(١) راجع كتاب العلم يدعو للإيمان: ١١٦.

(٢) النحل: ٦٨ ـ ٦٩.

٢١٣

ويلاحظ أنّها قبل أن تمتص الزهور تقوم بعملية انتخاب وتفتيش عن الزهرة المناسبة لها، وهذا ـ كما نرى ـ لا يصدر إلّا من موجود ملهم، موحى إليه، موجَّه بتوجيه أعلى، لأنّ في أعمالها ما يتجلّى منه القصد والهدفية، وهذا من خصائص « الإلهام » ليس إلاّ.

ومن هنا ندرك معنى قوله تعالى :

( وَأَوْحَىٰ رَبُّكَ إِلَىٰ النَّحْلِ ) .

يقول العلامة كريسي موريسون حول عجائب ما تفعله نحلة العسل :

« إنّ العاملات من نحل العسل تصنع حجرات مختلفات الأحجام في المشط الذي يستخدم في التربية، وتعد الحجرات الصغيرات للعمال، والأكبر منها لليعاسيب ( أي الذكر من النحل ) وتعد غرفة خاصة للملكات الحوامل، والنحلة الملكة تضع بيضاً غير مخصب في الخلايا المخصصة للذكور وبيضاً مخصباً في الحجرات الصحية المعدة للعاملات الإناث والملكات المنتظرات.

والعاملات اللائي هي إناث معدلات بعد أن انتظرن طويلاً مجيء الجيل الجديد، تهيّأن أيضاً لإعداد الغذاء للنحل الصغيرة بمضغ العسل واللقح، ومقدمات هضمه ثم ينقطعن عن عملية المضغ ومقدمات الهضم عند مرحلة معينة من تطور الذكور الإناث ولا يغذين سوى العسل واللقح، والإناث اللائي يعالجن على هذا الشكل يصبحن عاملات فيما بعد.

أمّا الإناث اللائي في حجرات الملكة فإنّ التغذية بالمضغ ومقدمات الهضم تستمر عندهن، وهؤلاء اللائي يعاملن هذه المعاملة الخاصة يتطورن إلى ملكات نحل، وهن وحدهن اللائي ينتجن بيضاً مخصباً، وعملية تكرار الإنتاج هذه

٢١٤

تتضمن حجرات خاصة وبيضاً خاصاً، كما تتضمن الأثر العجيب الذي لتغيير الغذاء. وهذا يتطلب الانتظار والتمييز وتطبيق اكتشاف أثر الغذاء »(١) .

ويقول كريسي موريسون عن النحلة في موضع آخر من كتابه :

« والنحلة تجد خليتها مهما طمست الريح في هبوبها على الأعشاب والأشجار كل ذلك دليل يرى، وحاسة العودة إلى الوطن هذه هي ضعيفة في الإنسان، ولكنه يكمل عتاده القليل منها [ ويصل إلى مقصده ] بأدوات الملاحة »(٢) .

ومن المعلوم أنّ هذه الأعمال المقصودة الدقيقة التي تقوم بها حشرة النحل دون أن تخطىء أو تضل عن طريقها لو كانت بدافع الغريزة، وتحت تأثير الجبلة والخلقة لما حسن أن يقول الله:( وَأوحَىٰ ) ، والوحي كما نعلم نوع من التوجيه المباشر الإلهي للمخلوق الحي، ونوع من الخطاب الصادر من جانب الله إلى الموحى إليه.

ويدل على ما قلناه توجيه الخطاب إلى النحل بقوله: اتخذي، وكلي، واسلكي.

إنّ ما تفعله هذه الحشرة الذكية وكلّ الحشرات المثيلة لها كالنمل ـ مثلاً ـ خير دليل على وجود هاد لها، يوحي إليها ما يوحي، ويهديها إلى سبل حياتها.

فها هو القرآن الكريم يتحدث لنا عن النمل في قصة مواجهتها لعرش سليمان بما يكشف لنا عن فطنة هذه الحشرة، الكاشفة هي بدورها عن « الهداية العليا » التي تحيط هذه الحشرة بالعناية والرعاية.

__________________

(١) و (٢) العلم يدعو للإيمان: ١١٤ ـ ١١٨.

٢١٥

فالقرآن يخبرنا أنّ نملة لما شاهدت جنود سليمان وأدركت الخطر نبهت بني جنسها بذلك :

( قَالَتْ نَمْلَةٌ يَا أَيُّهَا النَّمْلُ ادْخُلُوا مَسَاكِنَكُمْ لا يَحْطِمَنَّكُمْ سُلَيْمَانُ وَجُنُودُهُ ) (١) .

وهي قصة تكشف عن أنّ النملة تدرك بفعل الإلهام الإلهي ما يحيق بها من أخطار فتتحذر منها وتحذر بني نوعها.

ولنلقي نظرة على ما يقوله كريسي موريسون في كتابه المذكور عن النمل :

« والنحل والنمل يبدو أنّها تدرك كيف تنظم وتحكم نفسها، فلها جنودها وعمالها وعبيدها ويعاسيبها.

إنّ هناك أنواعاً من النمل تدفعها الغريزة أو التفكير إلى زرع أعشاش للطعام.

والنمل يأسر طوائف من الدود ويسترقها.

وبعض النمل حين يصنع أعشاشه يقطع الأوراق مطابقة للحجم المطلوب.

كيف يتاح لهذه الحشرة أن تقوم بهذه العمليات المعقدة ؟!

لا شك أنّ هناك خالقاً أرشدها إلى كل ذلك(٢) .

ترى في أية مدرسة وأي معهد تلقّت النمل وغيرها من الحشرات هذه

__________________

(١) النمل: ١٨.

(٢) العلم يدعو للإيمان: ١٣٠ ـ ١٣٢.

٢١٦

المعلومات.

ومن أي شخص تعلّمت كيف تعرف الخطر وتشخص البلايا وتحذر منها أبناء نوعها.

أم بماذا يمكن تفسير هذا التمييز والقصد والاختيار الذي تتصف بها تصرفات النمل والنحل وما سواهما من الحشرات ؟

هل ذلك إلّا بوحي من خالقها وإلهام من بارئها وصانعها ؟

ولكي نقف على المزيد من هذه النماذج التي تدل على وجود الهداية الإلهية والإرشاد الرباني في عالم الحيوانات نقرأ معاً ما يقوله العلاّمة موريسون حول بعض الحيوانات.

فمثلاً يقول موريسون عن سمك « السلمون » :

« إنّ سمكة السلمون التي تسبح في النهر صعداً إذا نقلت إلى نهر آخر، أدركت تواً أنّه ليس جدولها، فهي تشق طريقها خلال النهر، ثم تحيد ضد التيار قاصدة إلى مصيرها.

فما الذي يجعل السمك يرجع إلى مكان مولده بهذا التحديد ؟ »(١) .

ويكتب حول بعض الحيوانات التي تسارع إلى تعويض ما فقدته من الأعضاء فيقول :

« وكثير من الحيوانات هي مثل سرطان البحر الذي إذا فقد مخلباً، عرف أنّ جزءاً من جسمه قد ضاع وسارع إلى تعويضه بإعادة تنشيط الخلايا وعوامل

__________________

(١) المصدر نفسه: ١٢٠.

٢١٧

الوراثة، ومتى تم ذلك كفت الخلايا عن العمل لأنَّها تعرف بطريقة ما أنّ وقت الراحة قد حان »(١) .

ويشير موريسون إلى صفة انطباق الحيوانات مع المحيط والبيئة، فيقول عن هذه الصفة في مجال الخلايا :

« وقد يمكن السؤال عما إذا كان للخلايا فهم وإدراك أم لا.

وسواء اعتقدنا أنّ الطبيعة قد زودت الخلايا بالغريزة ـ مهما تكن هذه ـ أو بقوة التفكير، أم لم نعتقد ذلك، فلا مناص لنا من الاعتراف بأنّ الخلايا ترغم على تغيير شكلها وطبيعتها كلها، لكي تتمشى مع احتياجات الكائن الذي هي جزء منه، وكل خلية تنتج في أي مخلوق حي يجب أن تكيف نفسها لتكون جزءاً من اللحم، أو أن تضحي نفسها كجزء من الجلد الذي لا يلبث حتى يبلى، وعليها أن تضع ميناء الأسنان وأن تنتج السائل الشفاف في العين أو أن تدخل في تكوين الأنف أو الآذان.

ثم على كل خلية أن تكيف نفسها من حيث الشكل وكل خاصية أُخرى لازمة لتأدية مهمتها.

ومن العسير أن نتصور أنّ خلية ما هي ذات يد يمنى أو يسرى، ولكن إحدى الخلايا تصبح جزءاً من الإذن اليمنى، بينما الأُخرى تصبح جزءاً من الأُذن اليسرى »(٢) .

أليس كل هذا يكشف عن وجود القصد والتمييز في هذه الموجودات

__________________

(١) المصدر السابق: ١٢٤.

(٢) المصدر السابق: ١٠٣.

٢١٨

الحية ؟

وهل هذا إلّا تفسير قول النبي موسىعليه‌السلام ، إذ قال:( رَبُّنَا الَّذِي أَعْطَىٰ كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَىٰ ) ؟

يبقى أن نعرف أنّنا نستطيع استنتاج وجود مثل هذا الإلهام والوحي والتوجيه الإلهي الموجّه إلى الحيوانات من قول موسىعليه‌السلام ، إذ يذكر في كلامه أوّلاً ما يتعلّق بالجانب الخلقي الغريزي في الحيوانات بقوله :

( رَبُّنَا الَّذِي أَعْطَىٰ كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ) .

ثم أشار إلى ذلك الإلهام والوحي الإلهي بقوله :

( ثُمَّ هَدَىٰ ) .

بتقريب أنّ في الفصل بين الجملتين( أَعْطَىٰ كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ) و( هَدَىٰ ) ب‍( ثُمَّ ) التي هي للعطف المتراخى المتأخّر، دلالة أدبية على أنّ هذه الهداية لم تخلق مع الحيوانات والحشرات بنحو فطري وجبلي، بل هي هداية تصل إلى الحشرات عندما تحتاج إلى مثل هذه الهداية وعندما تواجه ما يضطرها إلى مثل هذا التوجيه والإرشاد الربانيّين، فحينئذ تأتيها هذه الهداية وينزل إليها ذلك الوحي والإلهام.

إنّنا نستطيع أن نكتشف آثار هذه الهداية وهذا الالهام في عالم الحشرات بجلاء ووضوح، إذا قايسناها بوليد الإنسان الذي لا يعرف شيئاً عندما يولد، ولا يمكنه أن يقوم بأي عمل إلّا بعد مدة من التربية والرشد، وإلاّ بعد فترة من التعلم والدراسة، وتلقّي المعلومات والمعارف في المدارس والمعاهد، وإلاّ بعد سلسلة طويلة من التجارب والأخطاء والهفوات.

٢١٩

وخلاصة القول: إنّنا نلاحظ في فعاليات هذه الحشرات عدة أُمور :

أ. أنّ هذه الحشرات تعرف احتياجاتها وطريق رفعها، بدون معلم مشهود ومنظور.

ب. أنّ هذه الأحياء تعرف ـ على وجه الدقة ـ أُصول تقسيم أعمالها، وانتخاب وظائفها وطرق تنفيذها على أحسن وجه وبصورة جماعية.

ج. أنّ هذه الأحياء تسعى دوماً إلى تطبيق نفسها مع الأوضاع المحيطية المتغيرة، بل وتحدث هي بعض التغييرات في جسمها وأعضائها.

وأمام هذه الظاهرة العجيبة، لنا أن نختار إحدى طرق ثلاث :

١. أمّا أن نحتمل بأنّ هذه الأحياء تملك بنفسها من العقل والإدارك والفهم ما لم يكتشف الإنسان إلّا جزءاً ضئيلاً يساوي واحداً بالمائة منها.

غير أنّ هذا الاحتمال لا يمكن أن يركن إليه، لأنّ الخلايا النباتية والحيوانية لا تملك العقل والفهم لتعالج مشاكلها على ضوئهما.

ومن هنا يتضح سبب عدم إدخالنا للإنسان في أمثلة هذا الفصل، واقتصارنا على الحشرات كالنحل والنمل وما شابههما، لأنّ الإنسان إنّما يقوم بأعماله على ضوء ما أُوتي من عقل وفكر، بمعنى أنّ بيولجيته وخلاياه ودماغه الكبير والمفكّر هي التي تضيء له سبيل حياته دون حاجة إلى إلهام من العالم الأعلى ووحي من خارج.

هذا أمر أدركه البشر ذاته، وهي بالتالي فكرة واردة في شأن الإنسان.

أمّا بالنسبة إلى هذه الحيوانات والحشرات فلا يمكن أن يخطر ببال أحد أنّها تملك عقلاً وفكراً، أو لا يمكن أن يخطر لأحد بأنّ الخلايا النباتية والحيوانية تملك ـ

٢٢٠

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

السلام : « يصبون عليها الماء صباً من وراء الثياب »(1) واستحبّه الشيخ في كتابي الأخبار جمعاً بينهما(2) ، وروي أنهم يغسلون مواضع الوضوء(3) .

مسألة 130 : لو كان مع الرجال الاجانب نساء كافرات ، قال علماؤنا : يأمر الرجال المسلمون امرأة من الكفار بالاغتسال ـ إمّا تعبدا ، أو لزوال النجاسة الطارئة ـ ثم يعلمها تغسيل المسلمات ، فتغسلها ، لقول الصادقعليه‌السلام عن المرأة المسلمة تموت وليس معها امرأة مسلمة ، ولا رجل مسلم من ذوي قرابتها ، ومعها نصرانية ورجال مسلمون ، قال : « تغتسل النصرانية ، ثم تغسلها »(4) وبه قال مكحول مع ذوي أرحامها أيضاً(5) ، وغسلت امرأة علقمة امرأة نصرانية(6) ، ومنع أكثر الجمهور من ذلك ، لأنّه عبادة فلا تصح من الكافر ، بل ييممها الرجال(7) .

مسألة 131 : ولا يغسل الرجل إلّا رجل ، أو زوجته ، ذهب إليه العلماء كافة ـ إلّا رواية عن أحمد(8) ـ قالت عائشة : لو استقبلنا من أمرنا ما استدبرناه ما غسل رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم غير نسائه(9) . ووصّى أبو

__________________

1 ـ التهذيب 1 : 442 / 1427 ، الاستبصار 1 : 202 / 712.

2 ـ التهذيب 1 : 442 ذيل الحديث 1427 ، الاستبصار 1 : 202 ذيل الحديث 712.

3 ـ التهذيب 1 : 443 / 1430 ، الاستبصار 1 : 203 / 715.

4 ـ الكافي 3 : 159 / 12 ، الفقيه 1 : 95 / 440 ، التهذيب 1 : 340 ـ 341 / 997.

5 ـ المغني 2 : 397.

6 ـ المغني 2 : 397.

7 ـ المغني 2 : 397 ، الشرح الكبير 2 : 313 ، المجموع 5 : 141 ، فتح العزيز 5 : 126 ، المبسوط للسرخسي 2 : 72.

8 ـ الشرح الكبير 2 : 311 ، المجموع 5 : 132 و 149 ، فتح العزيز 5 : 124.

9 ـ سنن البيهقي 3 : 387 ، سنن ابي داود 3 : 197 / 3141 ، سنن ابن ماجة 1 : 470 / 1464 ، مسند أحمد 6 : 267.

٣٦١

بكر أن تغسله زوجته أسماء بنت عميس(1) ، ولقول الصادقعليه‌السلام عن الرجل يصلح أن ينظر إلى امرأته حين تموت ، أو يغسلها إن لم يكن عندها من يغسلها ، وعن المرأة هل لها مثل ذلك من زوجها حين يموت : « لا بأس ، إنّما يفعل ذلك أهل المرأة ، كراهة أن ينظر زوجها إلى شيء يكرهونه »(2) .

فروع :

أ ـ قال في النهاية : تغسله هي أو غيرها من محارمه مع عدم الرجال من وراء الثياب ولا يجردنه(3) . وأطلق في غيرها(4) ، وهو الوجه ، والروايات المانعة(5) محمولة على الاستحباب ، وكذا ما روي من اشتراط تغسيلها إياه من وراء الثياب(6) .

ب ـ لو طلق رجعيا ثم مات جاز لها أن تغسله ـ وروى المزني عن الشافعي المنع(7) ـ ولو كان بائنا لم يجز.

ج ـ يجوز لام ولده أن تغسله ـ وهو أحد وجهي الشافعي(8) ـ لأنّها لو ماتت غسلها فأشبهت الزوجين ، وأوصى زين العابدينعليه‌السلام أن تغسله

__________________

1 ـ مصنف ابن ابي شيء بة 3 : 249 ، سنن البيهقي 3 : 397.

2 ـ الكافي 3 : 157 / 2 ، الفقيه 1 : 86 / 401 ، التهذيب 1 : 439 / 1417 ، الاستبصار 1 : 198 / 698.

3 ـ النهاية : 42.

4 ـ الخلاف 1 : 699 مسألة 486.

5 ـ التهذيب 1 : 440 / 1421 ، الاستبصار 1 : 199 / 702.

6 ـ الكافي 3 : 157 / 4 ، التهذيب 439 / 1416 ، الاستبصار 1 : 197 / 695.

7 ـ اُنظر مختصر المزني : 36.

8 ـ المجموع 5 : 137 و 146 ، فتح العزيز 5 : 126.

٣٦٢

اُم ولد إذا مات ، فغسلته(1) .

وقال أبو حنيفة : لا يجوز ، وهو الوجه الآخر للشافعي ، لأنّها عتقت بموت فصارت كالأجنبية(2) ، والعتق بالموت لا يمنع الغُسل كالفرقة به ، وقد ناقض أبو حنيفة بأنها معتدة منه(3) كما أن الزوجة معتدة منه.

د ـ لو لم تكن الامة اُم ولد احتمل أنها كام الولد ، والمنع لانتقال الملك إلى غيره ، ولم يكن بينهما من الاستمتاع ما تصير به في معنى الزوجات ، وكذا لو طلقها قبل الدخول.

هـ ـ لو كانت الزوجة كافرة ، لم يكن لها غسل زوجها إلّا مع عدم المحارم ، ومنع بعض الجمهور مطلقاًً ، لوجوب النيّة ، وليس الكافر من أهلها(4) .

و ـ لو تعذّر المسلم والزوجة ، جاز أن يغسله بعض محارمه من وراء الثياب ، لقول الصادقعليه‌السلام : « إذا مات الرجل مع النساء ، غسلته امرأته ، فإن لم تكن امرأته ، غسلته أولاهن به وتلف على يدها خرقة »(5) وقالعليه‌السلام في الرجل يموت وليس عنده من يغسله إلّا النساء ، هل تغسله النساء؟ قال : « تغسله امرأته أو ذات محرمه ، ويصب عليه الماء صبا من فوق الثياب »(6) .

__________________

1 ـ التهذيب 1 : 444 / 1437 ، الاستبصار 1 : 200 / 704.

2 ـ المبسوط للسرخسي 2 : 70 ، شرح فتح القدير 2 : 76 ، المجموع 5 : 137 ـ 138 و 153 ، فتح العزيز 5 : 126 ، المغني 2 : 395 ، الشرح الكبير 2 : 312.

3 ـ اللباب 3 : 82 ، بدائع الصنائع 3 : 201.

4 ـ المجموع 5 : 145 ، المغني 2 : 395.

5 ـ التهذيب 1 : 444 / 1436 ، الاستبصار 1 : 198 / 696.

6 ـ الكافي 3 : 157 / 4 التهذيب 1 : 439 / 1416 ، الاستبصار 1 : 197 ـ 198 / 695.

٣٦٣

ز ـ لو مات ولا مسلم هناك ولا ذات رحم ، فإن كان هناك كافر ، أمر بعض النساء المسلمات رجلاً كافراً بالاغتسال ، وعلّمنه غسل أهل الإسلام ، ثم يغسله كذلك ، لقول الصادقعليه‌السلام في مسلم مات وليس معه رجل مسلم ، ولا امرأة مسلمة من ذوي قرابته ، ومعه رجال نصارى ونساء مسلمات ، قال : « يغتسل النصارى ثم يغسلونه فقد اضطر »(1) ومنع الجمهور من ذلك(2) .

وإن لم يكن معه أحد من الكفار ، قال علماؤنا : يدفن من غير غسل ، ولا تيمم ، لأنّ النظر إليه حرام ، وبه قال الاوزاعي(3) .

وللشافعي وجهان ، أحدهما : ييمَّم ولا يغسل ـ وبه قال مالك ، وأبو حنيفة ـ لأنّ في غسله النظر إلى من ليس له بمحرم(4) ، والثاني : يغسّل من فوق الثوب ويصب الماء من تحته ، ويمر الغاسل يده عليه وعلى يده خرقة ، وبه قال النخعي(5) ، وعن أحمد روايتان كالوجهين(6) .

ح ـ لو غسله الكافر لتعذر المسلم وذات الرحم ، أو غسلت الكافرة المسلمة ، ثم وجد مسلم أو مسلمة ، فالوجه إعادة الغُسل ما لم يدفن ، لأنّه ساغ للضرورة وقد زالت ، ولم تحصل الطهارة.

ط ـ لو كان الميت خنثى مشكلاً ، فإن كان صغيراً ، فللرجال والنساء

__________________

1 ـ الكافي 3 : 159 / 12 ، التهذيب 1 : 340 / 997.

2 ـ المغني 2 : 397 ، فتح العزيز 5 : 114 ، بُلغة السالك 1 : 194.

3 ـ المجموع 5 : 152.

4 ـ الشرح الصغير 1 : 194 ، المبسوط للسرخسي 2 : 71 ، المجموع 5 : 141 ، فتح العزيز 5 : 126 ، المغني 2 : 396 ، الشرح الكبير 2 : 314.

5 ـ المجموع 5 : 141 ، فتح العزيز 5 : 126.

6 ـ المغني 2 : 396 ، الشرح الكبير 2 : 314.

٣٦٤

غسله ، وإن كان كبيراً ، فإن كان له ذو رحم محرم من الرجال أو النساء غسله ، وإن لم يكن فالوجه دفنه من غير غسل.

وللشافعي وجهان ، أحدهما : ييمَّم ـ وبه قال أبو حنيفة(1) ـ والثاني : يُغَسَّل(2) . ومن يُغَسِّل؟ للشافعية وجوه :

أ ـ يشترى من تركته جارية تغسله ، فإن لم تكن تركة فمن بيت المال ، وهو خطأ لأنّتفاء الملك عنه ، إذ الميت لا يملك شيئاً ، ولا استصحاب هنا.

ب ـ هو في حق الرجال كالمرأة ، وفي حق النساء كالرجل.

ج ـ الأظهر أنّه يجوز للرجال والنساء غسله استصحاباً لما كان في الصغر ، وهو خطأ لأنّتفاء المقتضي في الصغر وهو انتفاء الشهوة(3) .

مسألة 132 : إذا ازدحم جماعة يصلحون للغسل ، فإن كان الميت رجلاً فأولاهم به أولاهم بالميراث ، ولو كان هناك رجال أباعد ومحارم من النساء ، جاز لهن تولي غسله ـ قاله في المبسوط(4) ـ فإن لم يكن محارم فكالأجنبيات.

وقال الشافعي : يترتبون في الغُسل كالصلاة ، الاب ثم الجد ، ثم الابن ، [ ثم ابن الابن )(5) ثم الاخ ، ثم ابنه ، ثم العم ، ثم ابنه(6) ، وهل تقدم زوجته على هؤلاء؟ له وجهان : التقدم لأنّ لها النظر إلى عورته

__________________

1 ـ المجموع 5 : 148 ، فتح العزيز 5 : 126 ، المغني 2 : 396 ، الشرح الكبير 2 : 314.

2 ـ المجموع 5 : 148 ، فتح العزيز 5 : 126 ، الوجيز 1 : 73.

3 ـ المجموع 5 : 148 ، فتح العزيز 5 : 127 ، الوجيز 1 : 73.

4 ـ المبسوط للطوسي 1 : 174 ـ 175.

5 ـ الزيادة من المصدر.

6 ـ المجموع 5 : 130 ، فتح العزيز 5 : 128 ، الوجيز 1 : 73.

٣٦٥

بخلاف القرابات ، فكانت أولى(1) .

وإن كان الميت امرأة ، فالزوج عندنا أولى من كلّ أحد في جميع أحكامها من الغُسل وغيره ، سواء كان الغير رجلاً أو امرأة قريباً أو بعيداً.

وللشافعي في أولوية الزوج على النساء والقرابات من الرجال وجهان : التقديم ، لأنّه ينظر إلى ما لا ينظرون إليه ، وأظهرهما : تقديمهن عليه ، لأنّ الاُنثى أليق بالأنّثى.

وتقديمه على الرجال الأقارب لأنّهم جميعاً ذكور ، وهو ينظر إلى ما لا ينظرون إليه ، ووجه تقديمهم أن النكاح ينتهي بالموت ، وسبب المحرمية باقٍ(2) .

وإن لم يكن هناك زوجة ولا رجل ، فإن كان لها فيهن رحم محرم ـ بمعنى أنّه لو كان رجلاً لم يحل له نكاحها كأمها وجدتها وبنتها ـ فهي أولى من كلّ أحد ، ويترتبن ترتب الارث ، فإن كان فيهن ذات رحم لا محرم كبنت العمة فهي أولى من الاجنبيات.

وإن كان هناك رجال بلا نساء ، فإن كان لها فيهم محرم ، فهو أولى ، وإن لم يكن محرم فكالأجنبي ، فإن اجتمع رجال ونساء من القرابات فالنساء أولى ، لأنّهن أعرف وأوسع في باب النظر إليهن.

وجميع ما ذكرناه من التقديم مشروط بالاسلام ، فالكافر كالمعدوم ، حتى يقدم المسلم الأجنبي على القريب المشرك ، ولو سلم من له التقدمه الغُسل لغيره ، فله القيام به بشرط اتحاد الجنس.

مسألة 133 : لا يغسل الرجل أجنبية ، ولا المرأة أجنبياً ، وهو قول أكثر

__________________

1 ـ المجموع 5 : 130 ، فتح العزيز 5 : 128.

2 ـ المجموع 5 : 135 ، فتح العزيز 5 : 128 ، الوجيز 1 : 73.

٣٦٦

العلماء ـ وبه قال سعيد بن المسيب ، والنخعي ، وحماد ، ومالك ، وأصحاب الرأي ، وابن المنذر ، والشافعي في أحد الوجهين ، وأحمد في إحدى الروايتين لتحريم النظر ، وفي الاُخرى : يغسل من فوق القميص(1) ، وهو قول الحسن ، ومكحول ، والشافعي في الآخر(2) وقد تقدم.

مسألة 134 : أجمع العلماء على أن للنساء غسل الطفل مجرداً من ثيابه وإن كان أجنبياً ، اختياراً واضطراراً ، لأنّ المرأة تربيه ولا تنفك عن الاطلاع على عورته لكن اختلفوا في تقديره ، فلعلمائنا قولان ، قال الشيخ : تغسل ابن ثلاث سنين(3) ، وهو أولى ، لقول أبي عبد اللهعليه‌السلام وقد قيل له : حدثني عن الصبي إلى كم تغسله النساء؟ فقال : « إلى ثلاث سنين »(4) ولأنّه وفاق.

وقال المفيد وسلار : يغسل ابن خمس سنين مجردا ، وإن كان أكبر صبت الماء عليه صبا(5) .

وقال الحسن : إذا كان فطيماً أو فوقه. وقال الأوزاعي : ابن أربع أو خمس. وقال أصحاب الرأي : الذي لم يتكلم(6) ، وقال أحمد : دون سبع سنين ، لأنّه لا عورة له(7) .

__________________

1 ـ بُلغة السالك 1 : 194 ، المجموع 5 : 151 ، فتح العزيز 5 : 126 ، بداية المجتهد 1 : 227 ـ 228 ، الشرح الكبير 2 : 314 ، الإنصاف 2 : 483.

2 ـ المجموع 5 : 151 ، فتح العزيز 5 : 126 ، المغني 2 : 396 ، الشرح الكبير 2 : 314 ، الإنصاف 2 : 483.

3 ـ المبسوط للطوسي 1 : 176.

4 ـ الكافي 3 : 160 / 1 ، الفقيه 1 : 94 / 431 ، التهذيب 1 : 341 / 998.

5 ـ المقنعة : 13 ، المراسم : 50.

6 ـ المجموع 5 : 152 ، الشرح الكبير 2 : 313 ، المغني 2 : 396.

7 ـ الإنصاف 2 : 481 ، المغني 2 : 396 ، الشرح الكبير 2 : 313.

٣٦٧

مسألة 135 : وكذا للرجل غسل الصبية إجماعاً منّا ، لكن اختلف علماؤنا ، فالشيخان جوّزا بنت ثلاث سنين مجردة ، فإن كانت أكبر غسلوها في ثيابها(1) ، وقال الصدوق : إنّ كانت بنت خمس سنين تدفن ولا تغسل ، وإن كانت أقل غسلت(2) ، لرواية محمد بن يحيى(3) ، وهي مرسلة ، والأول أقرب كالصبي.

وقال الثوري : تغسل المرأة الصبي ، والرجل الصبية ، وغسل أبو قلابة بنتاً له ، وسوغه الحسن ، وكرهه أحمد ، والزهري(4) .

مسألة 136 : الصبي إذا غسل الميت ، فإن كان مميزاً فالوجه الجواز ، لأنّه تصح طهارته ، فصح أن يطهر غيره كالكبير ، ويحتمل المنع ، لأنّه ليس من أهل التكليف ، ويصح أن يغسل المحرم الحلال وبالعكس ، لأنّ كلّ واحد منهما تصح طهارته وغسله ، فكان له أن يطهر غيره.

البحث الثالث : المحل.

مسألة 137 : يجب غسل كلّ مسلم للأمر به ، ولا يجب تغسيل الكافر ، ذمياً كان أو حربياً ، مرتداً كان أو أصلياً ، قريباً كان أو بعيداً ، ولا يجوز ذلك ، ذهب إليه علماؤنا أجمع ـ وبه قال مالك ، وأحمد في رواية(5) ـ لأنّتفاء التطهير عنه ، ولأنّه لا يُصَلّى عليه ، ولا يدعى له ، فلم يكن له(6) غسله.

__________________

1 ـ المبسوط للطوسي 1 : 176 ، المقنعة : 13.

2 ـ المقنع : 19.

3 ـ الفقيه 1 : 94 / 432.

4 ـ المغني 2 : 379 ، الشرح الكبير 2 : 314.

5 ـ بُلغة السالك 1 : 194 ، بداية المجتهد 1 : 227 ، المغني 2 : 397 ، الشرح الكبير 2 : 315 ، المجموع 5 : 153.

6 ـ الضمير في ( له ) يقصد به الغاسل.

٣٦٨

وقال الشافعي : يجوز له غسل قريبه الكافر ـ وهو رواية عن أحمد(1) ـ لأنّ النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أمر علياًعليه‌السلام بمواراة أبيه(2) ، ولأن غسله من المعروف ، فيدخل تحت قوله :( وصاحبهما في الدنيا معروف ) (3) والجواب أن أبا طالب مات مسلماً ، وقد اشتهر النقل بذلك(4) ، والغسل من اُمور الآخرة.

فروع :

أ ـ لو ماتت الذمّيّة تحت المسلم لن يغسلها ، وقال الشافعي : له أن يغسلها لأنّ النكاح كالقرابة(5) .

ب ـ أولاد المشركين يجرون مجرى آبائهم في عدم التغسيل ، كما أن أولاد المسلمين كآبائهم في وجوبه.

ج ـ قال المفيد : لا يجوز لأحد من أهل الايمان أن يغسل مخالفاً في الولاية ، ولا يصلّي عليه ، إلّا أن تدعوه ضرورة فيغسله غسل أهل الخلاف(6) .

د ـ ولد الزنا يغسل ، وبه قال الشيخ(7) ، ومن قال من أصحابنا بكفره(8)

__________________

1 ـ المجموع 5 : 142 ، الاُم 1 : 266 ، المهذب 1 : 135 ، المغني 2 : 397 ، الشرح الكبير 2 : 315 ، بداية المجتهد 1 : 227.

2 ـ سنن النسائي 4 : 79 ، مسند أحمد 1 : 97 و 103 و 131 ، سنن ابي داود 3 : 214 / 3214 ، سنن البيهقي 3 : 398 ، مصنف ابن ابي شيء بة 3 : 347.

3 ـ سورة لقمان : 15.

4 ـ شرح نهج البلاغة لابن ابي الحديد 14 : 71 ، السيرة النبوية لزيني دحلأنّ 1 : 43 ـ 49 ، تاريخ ابن كثير 2 : 123 ، خزانة الأدب للبغدادي 2 : 76.

5 ـ المجموع 5 : 144.

6 ـ المقنعة : 13.

7 ـ المبسوط للطوسي 1 : 182.

8 ـ هو ابن إدريس في السرائر : 81 و 183 و 241 و 287.

٣٦٩

منع من غسله.

مسألة 138 : ويجب تغسيل أموات المسلمين من الكبار والصغار ، حتى السقط إذا استكمل أربعة أشهر ـ وبه قال سعيد بن المسيب ، وابن سيرين ، واسحاق ، وأحمد(1) ـ لأنّه مات بعد حياته فيجب غسله ، لما روى الجمهور أن الملائكة غسلت آدمعليه‌السلام ، وقالوا لولده : هذه سنة موتاكم(2) .

ومن طريق الخاصة ما رواه أحمد بن محمد عمن ذكره ، قال : إذا اتم للسقط أربعة أشهر غسل(3) .

وقال أبو حنيفة ، ومالك : يدرج في خرقة ويدفن إلّا أن يستهل لأنّه لم يثبت له حكم الحياة ، ولا يرث ولا يورث ، والإرث منتف لعدم العلم بحياته حال موت مورثه(4) ، وللشافعي كالمذهبين(5) .

فروع :

أ ـ لو كان للسقط أقل من أربعة أشهر لم يغسل ولم يكفن ولم يصل عليه ، ولف في خرقة ودفن ، وهو مذهب العلماء كافة ، إلّا ابن سيرين فإنه قال : يُصَلّى عليه(6) .

__________________

1 ـ المغني 2 : 393 ، الشرح الكبير 2 : 333.

2 ـ مسند أحمد 5 : 136.

3 ـ التهذيب 1 : 328 / 960.

4 ـ المغني 2 : 393 ، الشرح الكبير 2 : 333 ، بدائع الصنائع 1 : 302 ، الشرح الصغير 1 : 193.

5 ـ المجموع 5 : 255 ، المغني 2 : 393 ، الشرح الكبير 2 : 333.

6 ـ المغني 2 : 394 ، الشرح الكبير 2 : 333.

٣٧٠

ب ـ لو وجد ميّت لا يعلم أمسلم هو أم كافر ، نظر إلى العلامات كالختان ، فإن لم تكن عليه علامة ، وكان في دار الإسلام غسل وصلي عليه ، وإلّا فلا.

ج ـ صدر الميت كالميت في أحكامه كلها ، وفي وجوب تحنيطه إشكال ينشأ من اختصاصه بالمساجد ، ومن الحكم بالمساواة.

وغير الصدر ، إن كان فيه عظم ، غسل ، ولف في خرقة ، ودفن ، قال سلار : ويحنط(1) ـ وهو حسن(2) إن كان أحد المساجد وجوباً ، وإلّا فلا ـ وإلّا لفّ من غير غسل ودفن.

د ـ لو ابينت قطعة من حي وفيها عظم ، قيل : تدفن من غير غسل ، لأنّها من جملة لا تغسل(3) ونمنع التعليل ، لأنّ القطعة ميتة ، وكل ميّت يغسل ، والجملة تغسل لو ماتت.

مسألة 139 : الشهيد إذا مات في المعركة لا يغسل ولا يكفن ، ذهب إليه علماؤنا أجمع ، وبه قال أهل العلم إلّا الحسن ، وسعيد بن المسيب ، فإنهما أوجبا غسله ، لأنّه ما مات ميّت إلّا جنب(4) . وفعل النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أحق بالاتباع ، وقد أمر بدفن شهداء احد ، وقال : ( زملوهم بدمائهم فإنهم يحشرون يوم القيمة وأوداجهم تشخب دما ، اللون لون الدم ، والريح ريح المسك )(5) وقال الصادقعليه‌السلام : « الذي يقتل في سبيل الله يدفن في

__________________

1 ـ المراسم : 46.

2 ـ في نسخة ( ش ) : حق.

3 ـ قال به المحقق في المعتبر : 86.

4 ـ المجموع 5 : 264 ، المبسوط للسرخسي 2 : 49 ، بداية المجتهد 1 : 227 ، الكفاية 2 : 104 ، المغني 2 : 398 ، الشرح الكبير 2 : 328 ، سبل السلام 2 : 548.

5 ـ مسند أحمد 5 : 431 ، سنن النسائي 4 : 78 ، سنن البيهقي 4 : 11 و 9 : 164 ـ 165 و 170 ، الجامع الصغير للسيوطي 2 : 30 / 4563.

٣٧١

ثيابه ولا يغسل إلّا أن يدركه المسلمون وبه رمق ، ثم يموت بعد ، فإنه يغسل ويكفن ويحنط ، إنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كفن حمزة في ثيابه ولم يغسله ، ولكنه صلّى عليه »(1) .

فروع :

أ ـ لو كان الشهيد جنباً ، قال الشيخ : لم يغسل(2) ، وبه قال مالك(3) ، لعموم الخبر في الشهداء(4) ، وقال ابن الجنيد والمرتضى : يغسل(5) ، وبه قال أبو حنيفة وأحمد(8) ، وللشافعي كالمذهبين(7) ، لأنّ حنظلة بن الراهب قتل يوم احد(8) ، فقال النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : ( ما شأن حنظلة ، فإني رأيت الملائكة تغسله ) فقالوا : إنّه جامع ثم سمع الهيعة(9) فخرج إلى القتال(10) .

__________________

1 ـ الكافي 3 : 212 / 5 ، التهذيب 1 : 332 / 973.

2 ـ المبسوط للطوسي 1 : 182.

3 ـ المغني 2 : 399 ، الشرح الكبير 2 : 329 ، بُلغة السالك 1 : 204 ، فتح العزيز 5 : 157.

4 ـ سنن النسائي 4 : 78 ، مسند أحمد 5 : 431 ، الجامع الصغير 2 : 30 / 4563.

5 ـ حكى قولهما المحقق في المعتبر : 84.

6 ـ المغني 2 : 399 ، الشرح الكبير 2 : 329 ، المبسوط للسرخسي 2 : 57 ، فتح العزيز 5 : 157 ، الهداية للمرغيناني 1 : 94 ، اللباب 1 : 134.

7 ـ المجموع 5 : 263 ، فتح العزيز 5 : 157 ، الوجيز 1 : 76 ، المغني 2 : 399 ، الشرح الكبير 2 : 329.

8 ـ احد : جبل من جبال المدينة على بعد ميلين أو ثلاثة منها ، واتفقت غزوة احد فيها ، وذلك في سنة ثلاث من الهجرة لسبع خلون من شوال وقيل للنصف منه ، وكانت راية رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بيد أمير المؤمنين عليعليه‌السلام ، واختص بحسن البلاء فيها والصبر وثبوت القدم ، عندما زلت من غيره الاقدام. راجع السيرة النبوية لابن هشام 3 : 64 ، السيرة الحلبية 2 : 216 ، المغازي للواقدي 1 : 199 ، تاريخ الطبري 2 : 499 ، الإرشاد للمفيد : 43.

9 ـ الهيعة والهائعة : الصوت تفزع منه وتخافه من عدو. القاموس المحيط 3 : 101 « هيع ».

10 ـ المستدرك الحاكم 3 : 204 ، سنن البيهقي 4 : 15 ، اسد الغابة 2 : 59 ، الاصابة 1 : 361 ، السيرة النبوية لابن هشام 3 : 79.

٣٧٢

ب ـ لو طهرت المرأة من حيض ، أو نفاس ، ثم استشهدت لم تغسل للعموم(1) . وقال أحمد : تغسل كالجنب ، ولو قتلت في الحيض ، أو النفاس ، سقط الغُسل عنده ، لأنّ الطُهر منهما شرط فيه(2) .

ج‍ ـ المرأة كالرجل ، والعبد كالحر ، والصبي كالبالغ وإن كان رضيعا ـ وبه قال الشافعي ، وأبو يوسف ، ومحمد ، وأحمد ، وأبو ثور ، وابن المنذر(3) ـ لأنّه مسلم قتل في معركة والمشركين فكان كالبالغ ، ولأنّه كان في قتلى احد وبدر(4) أطفال كحارثة بن النعمان ، وعمر بن أبي وقاص ، ولم ينقل أنّ النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم غسلهم ، وفي يوم الطف(5) قتل ولد رضيع للحسينعليه‌السلام ولم يغسله ، وقال أبو حنيفة : لا يثبت حكم الشهادة

__________________

1 ـ مسند أحمد 5 : 431 ، سنن النسائي 4 : 78 ، سنن البيهقي 4 : 11 و 9 : 164 ـ 165 و 170 ، الجامع الصغير 2 : 30 / 4563 ، الكافي 3 : 210 ـ 212 / 1 ـ 5 ، الفقيه 1 : 97 / 446 و 447 ، التهذيب 1 : 330 / 967 ، الاستبصار 1 : 213 ـ 214 / 753.

2 ـ المغني 2 : 399 ، الشرح الكبير 2 : 329.

3 ـ المجموع 5 : 266 ، المغني 2 : 400 ، الشرح الكبير 2 : 330 ، المبسوط للسرخسي 2 : 54 ، شرح العناية 2 : 107.

4 ـ بدر : اسم بئر كانت لرجل يدعى بدراً ، وفيها دارت رحى أول حرب خاضها المسلمون ، وذلك في شهر رمضان يوم تسعة عشر أو سبعة عشر منه ، على رأس تسعة عشر شهراً من هجرتهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم . السيرة النبوية لابن كثير 2 : 380 ، السيرة النبوية لابن هشام 2 : 257 ، تاريخ الطبري 2 : 421 ، الإرشاد للمفيد : 38.

5 ـ يوم الطف : هو عاشر محرم الحرام من سنة احدى وستين يوم استشهاد سيد الشهداء الامام الحسينعليه‌السلام على يد الاراذل الامويين من الشجرة الملعونة. كشف الغمة 2 : 45 ، مناقب ابن شهر آشوب 4 : 84 ، ترجمة الامام الحسينعليه‌السلام من تاريخ ابن عساكر : 165 ، تاريخ الطبري 5 : 400 ، اعلام الورى : 220 ، الكامل في التاريخ 4 : 46 ، الاحتجاج : 301 ، مقتل الحسين للخوارزمي 2 : 32.

٣٧٣

لغير البالغ ، لأنّه ليس من أهل القتال(1) . ويبطل بالمرأة.

د ـ شرط الشيخان في سقوط غسل الشهيد ، أن يقتل بين يدي إمام عادل في نصرته ، أو من نصبّه(2) .

ويحتمل اشتراط تسويغ القتال ، فقد يجب القتال ، وإن لم يكن الامام موجودا ، لقولهمعليهم‌السلام : « إغسل كلّ الموتى إلّا من قتل بين الصفين »(3) .

هـ ـ كلّ مقتول في غير المعركة يغسل ، ويكفن ، ويحنط ، ويُصلّى عليه ، وإن قتل ظلما ، أو دون ماله ، أو نفسه ، أو أهله ، ذهب إليه علماونا أجمع ـ وبه قال الحسن ، ومالك ، والشافعي ، وأحمد في رواية(4) ـ لقول الصادقعليه‌السلام : « إغسل كلّ الموتى ، إلّا من قتل بين الصفين »(5) .

وقال الشعبي ، والأوزاعي ، وإسحاق ، وأحمد في رواية : لا يغسل(6) ، لقول النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : ( من قتل دون ماله فهو شهيد )(7) .

و ـ النفساء تغسل ، وتكفن ، ويُصلّى عليها ، وهو مذهب العلماء

__________________

1 ـ المبسوط للسرخسي 2 : 54 ، شرح العناية 2 : 107 ، المجموع 5 : 266 ، المغني 2 : 400.

2 ـ المقنعة : 12 ، المبسوط للطوسي 1 : 181.

3 ـ الكافي 3 : 213 / 7 ، التهذيب 1 : 330 / 967 ، الاستبصار 1 : 213 / 753 ، والرواية فيها موقوفة.

4 ـ المغني 2 : 403 ، الشرح الكبير 2 : 332 ، بُلغة السالك 1 : 204 ، المجموع 5 : 368 ، فتح العزيز 5 : 154.

5 ـ الكافي 3 : 213 / 7 ، التهذيب 1 : 330 / 967 ، الاستبصار 1 : 213 / 753 والرواية فيها موقوفة.

6 ـ المغني 2 : 403 ، الشرح الكبير 2 : 332.

7 ـ صحيح البخاري 3 : 179 ، صحيح مسلم 1 : 124 ـ 125 / 226 ، سنن النسائي 7 : 116 ، سنن ابن ماجة 2 : 861 / 2580 ، سنن ابي داود 4 : 246 / 4772 ، سنن الترمذي 4 : 28 ـ 30 / 1418 ـ 1421 ، مسند أحمد 1 : 187 و 189 و 190 ، الفقيه 4 : 272 / 828.

٣٧٤

كافة ، إلّا الحسن قال : لا يُصَلّى عليها لأنّها شهيدة(1) ، وفعل النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بخلافه ، فإنه صلّى على امرأة ماتت في نفاسها(2) وتسميتها شهيدة للمبالغة في عظم ثوابها.

ز ـ المطعون والمبطون والغريق ، والمهدوم عليه يغسلون بالإجماع ، وتسميتهم شهداء باعتبار الفضيلة.

ح ـ لا فرق في الشهيد بين من قتل بالحديد ، والخشب ، والصدم ، واللطم باليد أو الرجل ، عملاً بإطلاق اللفظ.

ط ـ لو عاد عليه سلاحه فقتله ، فهو كالمقتول بأيدي العدو ، لأنّه قتل بين الصفين ، وقال رجل من أصحاب النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : أغرنا على حي من جهينة ، فطلب رجل من المسلمين رجلاً منهم فضربه فأخطأ فأصاب نفسه بالسيف ، فقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : ( أخوكم يا معشر المسلمين ) فابتدر الناس ، فوجدوه قد مات ، فلفه رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بثيابه ، ودمائه ، وصلّى عليه ، فقالوا : يا رسول الله أشهيد هو؟ قال : ( نعم ، وأنا له شهيد )(3) .

ي ـ لو وجد غريقاً أو محترقاً في حال القتال ، أو ميتاً لا أثر فيه ، قال الشيخ : لا يغسل(4) ـ وبه قال الشافعي(5) ـ لاحتمال أنّه مات بسبب من أسباب القتال.

__________________

1 ـ المغني 2 : 403.

2 ـ صحيح البخاري 2 : 111 ، صحيح مسلم 2 : 664 / 964 ، سنن أبي داود 3 : 209 / 3195 مسند أحمد 5 : 19 ، سنن النسائي 4 : 72.

3 ـ سنن ابي داود 3 : 21 / 2539.

4 ـ المبسوط للطوسي 1 : 182.

5 ـ المجموع 5 : 267 ، فتح العزيز 5 : 152.

٣٧٥

وقال ابن الجنيد : يغسل(1) ـ وبه قال أبو حنيفة(2) ـ لوجوب الغُسل في الأصل ، وقول الشيخ جيد.

يا ـ قال الشافعي : القتال الذي يثبت به حكم الشهادة هو أن يقتل المسلم في معترك المشركين بسبب من أسباب قتالهم ، مثل أن يقتله المشركون ، أو يحمل على قوم منهم فيتردى في بئر أو يقع من جبل ، أو يسقط من فرسه ، أو يرفسه فرس غيره ، أو يرجع سهم نفسه عليه فيقتله(3) ، وهو جيد.

فإن انكشف الصف عن مقتول من المسلمين ، لم يغسل وإن لم يكن به أثر ، وقال أبو حنيفة وأحمد : إن لم يكن أثر غسل(4) ، قال أبو حنيفة : فإن كان دمه يخرج من عينه أو اذنه لم يغسل ، وإن كان يخرج من أنفه أو ذكره أو دبره غسل(5) .

يب ـ لو نقل من المعركة وبه رمق ، أو انقضى الحرب وبه رمق ، غسل ـ وبه قال الشافعي ، وأحمد(6) ـ سواء أكل أو لا ، وصى أو لم يوص ، للأصل الدال على وجوب الغُسل ، وقال الصادقعليه‌السلام : « الشهيد

__________________

1 ـ حكاه المحقق في المعتبر : 84.

2 ـ المبسوط للسرخسي 2 : 51.

3 ـ الاُم 1 : 268 ، مغني المحتاج 1 : 350 ، كفاية الأخيار 1 : 101 ، المجموع 5 : 261 و 267 ، فتح العزيز 5 : 152 ، السراج الوهاج : 110.

4 ـ اللباب 1 : 133 ، المبسوط للسرخسي 2 : 51 ، شرح فتح القدير 2 : 104 ، المغني 2 : 402 ، الشرح الكبير 2 : 330 ، زاد المستقنع : 22 ـ 23 ، المجموع 5 : 267 ، فتح العزيز 5 : 152.

5 ـ المبسوط للسرخسي 2 : 51 ـ 52 ، شرح فتح القدير 2 : 104 ، اللباب 1 : 133 ، الجامع الصغير : 119.

6 ـ الاُم : 268 ، المجموع 5 : 261 ، فتح العزيز 5 : 154 ، كفاية الأخيار 1 : 101 ، مغني المحتاج 1 : 350 ، الوجيز 1 : 75 ، المغني 2 : 400.

٣٧٦

إذا كان به رمق غسل وكفن وحنط وصلي عليه ، وإن لم يكن به رمق دفن في أثوابه»(1) .

وقال مالك : لا اعتبار بتقضي الحرب ، بل بأن يأكل ، أو يشرب ، أو يبقى يومين أو ثلاثة ، فيغسل حينئذ(2) .

وقال أصحاب أبي حنيفة : إذا خرج عن صفة القتل وصار إلى حال الدنيا نقص بذلك حكم الشهادة ، مثل أن يأكل أو يشرب ، أو يوصي ، فأما غير ذلك فلم يخرج بذلك عن صفة القتلى ، لأنّ القتيل قد يبقى فيه النفس ، ومعنى الشهادة حاصل في حقه(3) ، وليس بجيد ، لأنّه مات بعد تقضي الحرب ، فلم يثبت له حكم الشهادة ، كما لو أوصى.

مسألة 140 : إذا قتل أهل البغي أحدا من أهل العدل ، فهو شهيد ، ذهب إليه علماؤنا ، وبه قال أبو حنيفة(4) ، لأنّ علياًعليه‌السلام لم يغسل من قتل معه(5) ، وأوصى عمار أن لا يغسل ، وقال : ادفنوني في ثيابي فإني مخاصم(6) ، وأوصى أصحاب الجمل إنا مستشهدون غداً ، فلا تنزعوا عنا ثوباً ولا تغسلوا عنا دماً(7) .

__________________

1 ـ الكافي 3 : 211 / 3 ، الفقيه 1 : 97 / 446 ، التهذيب 1 : 331 / 971 ، الاستبصار 1 : 214 / 757.

2 ـ المدونة الكبرى 1 : 183 ، القوانين الفقهية : 93 ، المغني 2 : 401 ، الشرح الكبير 2 : 331 ، فتح العزيز 5 : 155.

3 ـ المبسوط للسرخسي 2 : 51 ، بدائع الصنائع 1 : 321 ، اللباب 1 : 134 ، المغني 2 : 401.

4 ـ المبسوط للسرخسي 2 : 53 ، بدائع الصنائع 1 : 323 ، شرح فتح القدير 2 : 103 ، المجموع 5 : 267 ، فتح العزيز 5 : 152 ـ 153 ، المغني 2 : 402 ، الشرح الكبير 2 : 332.

5 ـ المغني 2 : 402 ، الشرح الكبير 2 : 332.

6 ـ مصنف ابن ابي شيء بة 3 : 253 ، سنن البيهقي 4 : 17 ، المغني 2 : 402 ، المبسوط للسرخسي 2 : 50.

7 ـ مصنف ابن ابي شيء بة 3 : 252 ، سنن البيهقي 4 : 17 ، المغني 2 : 402 ، المبسوط للسرخسي 2 : 50.

٣٧٧

وقال مالك : يغسل(1) ، وللشافعي كالقولين(2) ، وعن أحمد روايتان(3) ، لأنّ أسماء بنت أبي بكر غسلت ابنها عبد الله بن الزبير(4) ، وليس بجيد ، لأنّه اخذ وصلب فهو كالمقتول ظلما ، وليس بشهيد في المعركة.

أما الباغي فللشيخ قولان ، في المبسوط والخلاف : لا يغسل ، ولا يكفن ، ولا يُصَلّى عليه ، سواء مات في المعركة أو لا ، واستدل بأنه كافر(5) ـ وبه قال أبو حنيفة(6) ـ لأنّهم جماعة ليس لهم منعة وقوة باينوا أهل الحق بدار وقتال ، فلا يغسلون ، ولا يُصَلّى عليهم كأهل دارالحرب.

وقال في سير الخلاف : يغسل ويُصلّى عليه(7) ـ وبه قال الشافعي ، ومالك ، وأحمد(8) ـ لقولهعليه‌السلام : ( صلوا على من قال لا إله إلّا الله )(9) ولأنّه مسلم قتل بحق ، فأشبه الزاني.

مسألة 141 : أهل القافلة إذا قتلهم اللصوص غسلوا وكفنوا وصلي عليهم

__________________

1 ـ المدونة الكبرى 1 : 184 ، تفسير القرطبي 4 : 272 ، المجموع 5 : 267 ، فتح العزيز 5 : 153 ـ 154.

2 ـ الوجيز 1 : 75 ، المجموع 5 : 261 و 267 ، فتح العزيز 5 : 152 ، السراج الوهاج : 110 ، مغني المحتاج 1 : 350 ، المغني 2 : 402 ، الشرح الكبير 2 : 332.

3 ـ المغني 2 : 403 ، الشرح الكبير 2 : 332.

4 ـ سنن البيهقي 4 : 17.

5 ـ المبسوط للطوسي 1 : 182 ، الخلاف 1 : 714 مسألة 524.

6 ـ اللباب 1 : 135 ، المجموع 5 : 267 ، فتح العزيز 5 : 154.

7 ـ الخلاف : كتاب البغاة مسألة 13.

8 ـ المجموع 5 : 261 و 267 ، فتح العزيز 5 : 154 ، بداية المجتهد 1 : 239 ، المغني 2 : 402 ، الشرح الكبير 2 : 332.

9 ـ سنن الدارقطني 2 : 56 / 3 و 4. مجمع الزوائد 2 : 67 ، الجامع الصغير 2 : 98 / 5030.

٣٧٨

ودفنو ـ وبه قال مالك ، وأحمد ، وللشافعي قولان(1) ـ للعموم(2) .

وقال أبو حنيفة : من قتل ظلماً بحديد فإنه لا يغسل كالشهيد ، ومن قتل بمثقل غسل(3) . وهو خطأ لأنّ علياًعليه‌السلام قتل بحديد ، وكذا عمر ، وغسلاً(4) .

ولو قتل اللص وقاطع الطريق ، غسل وكفن وصلي عليه ودفن ، لأنّ الفسق لا يمنع هذه الاحكام.

مسألة 142 : قال الشيخان : من وجب عليه القود أو الرجم ، امر بالاغتسال والتحنط ، ثم يقام عليه الحد ويدفن(5) ، ووافقهما الصدوق ، وزاد تقديم الكفن أيضاً(6) ، لأنّ الصادقعليه‌السلام قال : « المرجوم والمرجومة يغسلان ويحنطان ويلبسان الكفن قبل ذلك ، ويُصلّى عليهما ، والمقتص منه بمنزلة ذلك ، يغتسل ويتحنط ويلبس الكفن ويُصلّى عليه »(7) .

وقال الشافعي : المقتول قصاصاً ، أو رجماً ، يغسل ويُصلّى عليه(8) ، والظاهر أن مراده بعد موته.

__________________

1 ـ الاُم 1 : 268 ، المجموع 5 : 262 ، المدونة الكبرى 1 : 184 ، المغني 2 : 403 ، الشرح الكبير 2 : 332.

2 ـ الكافي 3 : 213 / 7 ، التهذيب 1 : 330 / 967 ، الاستبصار 1 : 213 / 753.

3 ـ المبسوط للسرخسي 2 : 52 ، المجموع 5 : 267 ، فتح العزيز 5 : 155 ، الميزان 1 : 209.

4 ـ اُنظر المناقب لابن شهر آشوب 3 : 312 ، كشف الغمة 1 : 429 ، الكامل في التاريخ. 3 : 50 ، تاريخ الخميس 2 : 249 ، الطبقات الكبرى 3 : 337 ، تاريخ الطبري 4 : 191 ، سنن البيهقي 4 : 16 و 17.

5 ـ المبسوط للطوسي 1 : 181 ، المقنعة : 13.

6 ـ المقنع : 20.

7 ـ الكافي 3 : 214 ـ 215 / 1 ، الفقيه 1 : 96 / 443 ، التهذيب 1 : 334 / 978.

8 ـ الاُم 1 : 268 ، الوجيز 1 : 75 ، المجموع 5 : 262 و 267.

٣٧٩

فروع :

أ ـ لا يجب غسله ثانياً ، ولكن يُصَلّى عليه إذا كان مسلماً.

ب ـ لو مسّه بعد القتل ، لم يجب عليه الغُسل ، لأنّه مغتسل وقد طهر به ، وإلّا انتفت فائدته ، وتقديم الغسل يمنع من تجدد النجاسة بالموت ، لتحقق الطهارة به.

ج ـ الشهيد لا يجب بمسه الغُسل ، لطهارته.

د ـ لو اغتسل المقتول قوداً ، فمات قبل القتل ، وجب الغُسل عليه وعلى لامسه.

مسألة 143 : المحرم كالمحل ، إلّا أنّه لا يقرب الكافور والطيب في غسل ولا حنوط ، ولا يمنع من المخيط ، ولا من تغطية الرأس والرجلين ، قاله الشيخان(1) وأكثر علمائنا(2) لقولهعليه‌السلام : ( لا تقربوه طيباً ، فإنه يحشر يوم القيامة ملبيا )(3)

ومن طريق الخاصة ، ما رواه محمد بن مسلم ، عن الباقر والصادقعليهما‌السلام ، قال : سألتهما عن المحرم كيف يصنع به إذا مات؟ قال : « يغطى وجهه ويصنع به كما يصنع بالحلال ، غير أنّه لا يقرب طيباً »(4) .

__________________

1 ـ المبسوط للطوسي 1 : 180 ، المقنعة : 12.

2 ـ منهم : سلار في المراسم : 50 ، وابن إدريس في السرائر 33 ، والمحقق في المعتبر 88 ـ 89.

3 ـ صحيح البخاي 2 : 96 ، مسند أحمد 1 : 333 ، سنن النسائي 5 : 195 و 196 ، سنن أبي داود 3 : 219 / 3241 ، سنن ابن ماجة 2 : 1030 / 3084 ، سنن البيهقي 3 : 392 ، سنن الدارقطني 2 : 295 / 264.

4 ـ التهذيب 1 : 330 / 965.

٣٨٠

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

461

462

463

464

465

466

467

468

469

470

471

472

473

474

475

476

477

478

479

480

481

482

483

484

485

486

487

488

489

490

491

492

493

494

495

496

497

498

499

500

501

502

503

504

505

506

507

508

509

510

511

512

513

514

515

516

517

518

519

520

521

522

523

524

525

526

527

528

529

530

531

532

533

534

535

536

537

538

539

540

541

542

543

544

545

546

547

548

549

550

551

552

553

554

555

556

557

558

559

560

561

562

563

564

565

566

567

568

569

570

571

572

573

574

575

576

577

578

579

580

581

582

583

584

585

586

587

588

589

590

591

592

593

594

595

596

597

598

599

600

601

602

603

604

605

606

607

608

609

610

611

612

613

614

615

616

617

618

619

620

621

622

623

624

625

626

627

628

629

630

631

632

633

634

635

636

637

638

639

640

641

642

643

644

645

646

647

648

649

650

651

652

653

654

655

656

657

658

659

660

661

662

663

664

665

666

667

668

669

670

671

672