مفاهيم القرآن الجزء ١

مفاهيم القرآن8%

مفاهيم القرآن مؤلف:
الناشر: مؤسّسة الإمام الصادق (عليه السلام)
تصنيف: مفاهيم القرآن
ISBN: 964-357-249-8
الصفحات: 672

الجزء ١ الجزء ٢ الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥ الجزء ٦ الجزء ٧ الجزء ٨ الجزء ٩ الجزء ١٠
  • البداية
  • السابق
  • 672 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 154603 / تحميل: 6005
الحجم الحجم الحجم
مفاهيم القرآن

مفاهيم القرآن الجزء ١

مؤلف:
الناشر: مؤسّسة الإمام الصادق (عليه السلام)
ISBN: ٩٦٤-٣٥٧-٢٤٩-٨
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة


1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

المحتسب كالمجاهد مع الإمام منقذ العالم(1) ، وأنَّ المنتظر المخلص في ولائه من أهل الجنَّة(2) ، وأنَّ الإيمان في دولة الباطل أفضل منهُ في دولة الحقّ.(3)

د : وفي قوله تعالى:( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اصْبِرُ‌وا وَصَابِرُ‌وا وَرَ‌ابِطُوا وَاتَّقُوا اللَّـهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ ) (4) . وجوب الثبات على الاعتقاد بإمامة المهدي عليه السلام وانتظاره وتوقّع ظهوره، فقد ورد عن الإمام الباقر عليه السلام:(اصبروا على أداء الفرائض، وصابروا عدوكم، ورابطوا إمامكم المنتظر) (5) .

2: في العهدين

«أشعيا» يبشّر الجميع بالقائم المنقذ:

في جانب آخر من (سفر اشعيا -ع -) نجد اشارات صريحة بظهور مُنقذ العالم وكيفية حكمه وارتباطه بالله تعالى، التي لها دلالات لما ورد عن الرسول(ص) والائمة (ع) وعموم المسلمين بخصوص الامام المهدي (عج )، وقد جاءت الاشارة الى الامام (عج ) بأحد القابه المهمّة وهو «القائم »:

(10 وفي ذلك اليوم سَيرفَعُ « القائمُ » رايةً للشعوب والامم التي تَطلبُهُ وتَنتظرُهُ ويكونُ محلُّهُ مَجداً).(6)

____________________

(1) انظر: مجمع البيان ج 9 ص 238. الكافي، ج 2ص 21. المحاسن، ص 173.

(2) انظر: الكافي ج 8 ص 76. البحا ج46 ص 361.

(3) انظر: الكافي، ج1 ص 333. الإختصاص، ص20. كمال الدين، ج2 ص 645.

(4) سورة آل عمران: آية 200.

(5) انظر: معجم أحاديث الإمام المهدي (ع)، ج 5، ص 66-67. الزام الناصب: ج 1 ص53.

(6) سفر أشعيا 11: 10:ألأصل العبرى،العهد القديم، ص625. وسنقف على ترك كلمة (يسَّى) دون ترجمة على التوالي.(أهل البيت فى الكتاب المقدس)، ص 123 - 127.

١٦١

وكما هو واضح فانّ هذه الفقرة باطلاقها تؤكّدعلى: أنّ كلّ الشعوب والامم تطلبه وتنتظره قبل مجيئه،وليس قسماً من هذه الشعوب والأمم، وهذا يدلّ على معرفة هذه الشعوب والامم بهذا الرجل الالهيّ المقدس، فهي تعرفه بكلّ أبعاد المعرفة: معرفة فطريّة ومعرفة عقلية ومعرفة سماويّة.

حيث زرع الله عزّ وجلّ في فطرتهم معرفة خليفته الأعظم المدّخر، وأوحى اليهم ذلك عبرَ مختلف العصور، وأدركوا ذلك أيضاً بعقولهم من خلال الأدلّة الهائلة التي لاتحدّ ولاتحصى:

ومنها انّ الخالق القادر الحكيم الذي أتقن صنع كلّ شيء في الوجود بدءً بالفيروس الصغير الذي لايُرى بالعين المجرّدة وانتهاءً بأعظم مجرّةٍٍ تمّ أكتشافها لحدّ الآن؛ فمن دواعي حكمته وربوبيّته أن يُمضي حكمَهُ في الأرض، ويُرينا عدلَهُ وقسطَهُ بواسطة ممثّله الشرعي الدّال عليه والحاكم بأسمه، ولايترك الدنيا هكذا على علاّتها، والشعوبَ لقمةً سائغةً لازال يمضغها بفكّيه فرعون وهامان وجنودهما وبقوانين وضعيّة قد تبرّأَ منها كلّ شريف.

فهذه الشعوب والأمم: تطلبُهُ ناصراً ومعيناً ومغيثاً ومنقذاً لما أصابها من حيفٍٍ وظلم على مدى تعاقب العصور!.

وهي تنتظرُهُ: إنتظارَ الحبيب لحبيبه، انتظاراً فيه الأملُ والرجاءُ، كشوق الأرض الجدباء لقطر السماء؛ وتحنّ اليه حنيناً منقطع النظير.

وبعدما بيّنت الفقرة العاشرة انتظار الشعوب والأمم وطلبهم للقائم، ذكرت نتيجة هذا الطلب والانتظار المقدّس عندما يحلّ بينهم حيث قالت: ( ويكونُ محلهُ مجداً): أي يكون وجودُهُ بين شعوب الأرض وأممها مفخرةً

١٦٢

كبرى، وبركةً ونعمةً، وأرتقاءً بمستوى الانسانيّة الى أعلى ذُرى المجد والعزّة والكرامة ومباركة الربّ جلّ وعلا.

وبسبب أهميّة هذا النصّ وهذه الفقرة منه خاصّة فقد عمد (أعداء الحقّ والصّدق) الى طمس الحقيقة الالهية الدامغة وتشويشها لقلب معناها أو لصرفه عن الأذهان قدَرَ الامكان وقد نجحوا في ذلك الى أمد غير بعيد. ولإماطَة اللّثام عن هذه المحاولة البائسة وكشفها، نشير الى أمرين:

الأول: إنّ اللفظة المخصوصة (يسّسي) (1) التي وردت في الفقرة(10) من النصّ العبري، تعني: (سيرفع)، وقد جاءت بصيغة الاستقبال لدخول حرف (الياء) عليها(2) . والماضي منه (ناسا) بمعنى: (رفع)(3) ، ومترجم (العهد القديم) في النسخة العربيّة(4) لم يترجم لفظة (يسّسي) العبريّة والتي تعني: (سيرفع)، بل أبقاها على حالها من غير ترجمة الى اللّغة العربيّة محاولةً منه لبس المعنى واثارة الغموض حول مفهوم - القائم - (عج).

____________________

(1) (اهل البيت (ع ) في الكتاب المقدس ) ص 127-128، عن سفر أشعيا 11: 10، ص 1005، النسخة العربية. وجاءت في المصادر كلمة (يسَّي) بسينٍ واحدةٍ مشدَّدةٍ ومفتوحةٍ، ولعلّ صاحب (أهل البيت في الكتاب المقدس) أثبتها بسينيين للتوضيح فأُضيفت الشدَّة إشتباهاً.

(2) قواعد اللغة العربية، ص98.

(3) المعجم الحديث، عبري - عربي، ص 315.

(4) العهد القديم، سفر إشعياء، الإصحاح 11، الفقرة، 10، الكتاب المقدّس باللغة العربية، مصر: فقد أردف كلمة (يسّي) بالقائم، فقال: يسّي القائم...الخ.

١٦٣

وأمّا الأمر الثاني: انّ لفظة (عوميد) جاءت (كاسم فاعل)(1) وتعني (القائم)(2) ...الخ.(3)

وأما ما جاء في الكتاب المقدس، طبعة أُولى، بيروت،دار الكتاب المقدس في الشرق الأوسط، جمعية الكتاب المقدس في لبنان، العهد القديم، الإصدار الثاني 1995، في سفر إشعيا 11: (1 و 10) فهو من الروعة بمكان، ويستحقُّ التأمُّل، وهو كالآتي:

(1 يخرُجُ فرعٌ من جذع يَسَّى(4) وينمو غُصنٌ من أُصوله).ثمّ يبيّن عبر ثمانية فقرات صفات ومؤهلات وخيرات هذا الموعود المبارك، ويخلص في القول الى:

____________________

(1) قواعد اللغة العربية، ص38.

(2) (اهل البيت (ع ) في الكتاب المقدس ) ص 127-128 بتصرّف.

(3) المعجم الحديث: 349.

(4) يسّي: هو والدُ داود (ع)، وقد بشّرت التوراة بأن المنقذ ومخلص العالم هو من نسل داود(ع) حيناً، وحينأً آخر من نسل يوسف (ع)... الخ، غير ان مفسري التوراة يصرون على القول أنَّ هذه الشخصيات تمثّلُ المسيح (ع)...، فهل الحقّ كذلك؟ لكن لو رجعنا على سبيل التمثيل لا الحصر: الى المزمور 72، في الكتاب المقدّس، مصر: حيث جاء فيه:

(1 اللهم اعط احكامك للملك و برك لابن الملك* 2 يدين شعبك بالعدل و مساكينك بالحق* 3 تحمل الجبال سلاما للشعب و الاكام بالبر* 4 يقضي لمساكين الشعب يخلص بني البائسين و يسحق الظالم* 5 يخشونك ما دامت الشمس و قدام القمر الى دور فدور* 6 ينزل مثل المطر على الجزاز و مثل الغيوث الذارفة على الارض* 7 يشرق في ايامه الصديق و كثرة السلام الى ان يضمحل القمر* 8 و يملك من البحر الى البحر و من النهر الى اقاصي الارض* =

١٦٤

(في ذلك اليوم يرتفعُ أصلُ يسَّى رايةً للشعوب. تطلُبُهُ الأُمم ويكونُ موطنهُ مجيداً، 11 وفي ذلك اليوم يعودُ الربُّ فيمُدُّ يدَهُ لافتداء بَقيَّة شعبه في أشُّورَ ومصرَ وفتروسَ وكوشَ وعيلامَ وشنعارَ وحماةَ وفي جُزُر البحر، 12 ويرفعُ الربُّ رايةً في الأُمم...).(1)

وهنا سؤالٌ يطرحُ نفسهُ وهو:

____________________

= 9 امامه تجثو اهل البرية و اعداؤه يلحسون التراب* 10 ملوك ترشيش و الجزائر يرسلون تقدمة ملوك شبا و سبا يقدمون هدية* 11 و يسجد له كل الملوك كل الامم تتعبد له* 12 لانه ينجي الفقير المستغيث و المسكين اذ لا معين له* 13 يشفق على المسكين و البائس و يخلص انفس الفقراء* 14 من الظلم و الخطف يفدي انفسهم و يكرم دمهم في عينيه* 15 و يعيش و يعطيه من ذهب شبا و يصلي لاجله دائما اليوم كله يباركه* 16 تكون حفنة بر في الارض في رؤوس الجبال تتمايل مثل لبنان ثمرتها و يزهرون من المدينة مثل عشب الارض* 17 يكون اسمه الى الدهر قدام الشمس يمتد اسمه و يتباركون به كل امم الارض يطوبونه* 18 مبارك الرب الله اله اسرائيل الصانع العجائب وحده* 19 و مبارك اسم مجده الى الدهر و لتمتلئ الارض كلها من مجده امين ثم امين تمت صلوات داود بن يسى*).مع ملاحظة الإختلاف في ألفاظ الترجمة (وكلا المعنيين واحد) في: الكتاب المقدس، طبعة أُولى، بيروت،دار الكتاب المقدس في الشرق الأوسط، العهد القديم، الإصدار الثاني 1995م،ص 787، المزمور 72. ونضيرُ هذا كثير.

فهل يمكن أن يكون هذا المسيح (ع) وهو لم يقم بشيءٍ من هذا؟ انظر: المهدي المنتظر بين الدين والفكر البشري، ص 57 وما بعدها، تحت عنوان: المخلّص في التوراة.

(1) الكتاب المقدس، جمعية الكتاب المقدس في لبنان، العهد القديم، ص 924، سفر إشعيا 11: (1،10، 11، 12).

١٦٥

من هو القضيب المبارك الذي يخرجُ في آخر الزمان كمنقذٍ لكلّ الشعوب والأُمم وهو من ذريّة الأنبياء (عليهم السلام)، ومن جذع (يَسَّى) كما في هذا النصّ وغيره في الكتاب المقدّس، وتارةً في نصوص أُخر قال إنَّه من نسل يوسف (ع)(1) ، و(يَسَّى) هذا، هل هُوَ (يس) في قوله تعالى:

( يس ﴿1﴾ وَالْقُرْ‌آنِ الْحَكِيمِ ﴿2﴾ إِنَّكَ لَمِنَ الْمُرْ‌سَلِينَ ) (2) ؟

و(ياسين) (3) في قوله تعالى:( سَلَامٌ عَلَىٰ إِلْ يَاسِينَ ) (4) ؟

وفي إنجيل برنابا سُمّيَ بـ (مسّيا)؟.(5)

ولو أنا تمعنّا في سفر إشعياء النبيّ (ع)(6) ، الإصحاح 65: 11 - 25، وقارنّاها مع:

____________________

(1) وفي نصوص أُخرى، أنه من نسل يوسف (ع)، انظر: المهدي المنتظر بين الدين والفكر البشري، ص 57.

(2) سورةُ يس: 1- 3.

(3) أحدُ أسماء النبيّ محمد (ص) وقد وردَ في القرآن.

(4) انظر: المسيح الموعود والمهدي النتظر، ص48، وما بعدها.

(5) وشرحُهُ في انجيل برنابا، في الفصل الثامن والثمانون: 15-18، برنابا: من تلاميذ المسيح (ع)، ونسخة الإنجيل المنسوبة اليه، ترجمها العلامة المسيحي اللبناني الدكتور خليل سعادة من الإنكليزية الى العربية، وهي من خزائن الفاتيكان باللغة الإيطالية.

(6) انظر: العهد القديم، سفر إشعياء، الإصحاح 65، الفقرة: 11-25، الكتاب المقدّس باللغة العربية 73 سفراً، مصر. فقد جاءت كما يلي:(11 اما انتم الذين تركوا الرب و نسوا جبل قدسي و رتبوا للسعد الاكبر مائدة و ملاوا للسعد الاصغر خمرا ممزوجة* 12 فاني اعينكم للسيف و تجثون كلكم للذبح لاني دعوت فلم تجيبوا تكلمت فلم تسمعوا بل عملتم =

١٦٦

الآيات المباركة 4 - 8 من سورة الإسراء(1) ، لخلصنا الى نتيجةٍ مهمّةٍ كما أثبتها العلاّمة محمد الصادقي في كتابه (الإسلام في الكتب السماوية)

____________________

= الشر في عيني و اخترتم ما لم اسر به* 13 لذلك هكذا قال السيد الرب هوذا عبيدي ياكلون و انتم تجوعون هوذا عبيدي يشربون و انتم تعطشون هوذا عبيدي يفرحون و انتم تخزون* 14 هوذا عبيدي يترنمون من طيبة القلب و انتم تصرخون من كابة القلب و من انكسار الروح تولولون* 15 و تخلفون اسمكم لعنة لمختاري فيميتك السيد الرب و يسمي عبيده اسما اخر* 16 فالذي يتبرك في الارض يتبرك باله الحق و الذي يحلف في الارض يحلف باله الحق لان الضيقات الاولى قد نسيت و لانها استترت عن عيني* 17 لاني هانذا خالق سماوات جديدة و ارضا جديدة فلا تذكر الاولى و لا تخطر على بال* 18 بل افرحوا و ابتهجوا الى الابد في ما انا خالق لاني هانذا خالق اورشليم بهجة و شعبها فرحا* 19 فابتهج باورشليم و افرح بشعبي و لا يسمع بعد فيها صوت بكاء و لا صوت صراخ* 20 لا يكون بعد هناك طفل ايام و لا شيخ لم يكمل ايامه لان الصبي يموت ابن مئة سنة و الخاطئ يلعن ابن مئة سنة* 21 و يبنون بيوتا و يسكنون فيها و يغرسون كروما و ياكلون اثمارها* 22 لا يبنون و اخر يسكن و لا يغرسون و اخر ياكل لانه كايام شجرة ايام شعبي و يستعمل مختاري عمل ايديهم* 23 لا يتعبون باطلا و لا يلدون للرعب لانهم نسل مباركي الرب و ذريتهم معهم* 24 و يكون اني قبلما يدعون انا اجيب و فيما هم يتكلمون بعد انا اسمع* 25 الذئب و الحمل يرعيان معا و الاسد ياكل التبن كالبقر اما الحية فالتراب طعامها لا يؤذون و لا يهلكون في كل جبل قدسي قال الرب). وللوقوف على النص بجماله وروعته، انظر: سفر أشعيا 65: 11-25،العهد القديم، جمعية الكتاب المقدس في لبنان، الكتاب المقدس، ص 990. والفرقُ في الترجمة واضحٌ!

(1) سورة الإسراء: الآيات، 4-10:( وَقَضَيْنَا إِلَىٰ بَنِي إِسْرَ‌ائِيلَ فِي الْكِتَابِ لَتُفْسِدُنَّ فِي الْأَرْ‌ضِ مَرَّ‌تَيْنِ وَلَتَعْلُنَّ عُلُوًّا كَبِيرً‌ا ﴿4﴾ فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ أُولَاهُمَا بَعَثْنَا عَلَيْكُمْ عِبَادًا لَّنَا أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ فَجَاسُوا خِلَالَ الدِّيَارِ‌ وَكَانَ وَعْدًا مَّفْعُولًا ﴿5﴾ ثُمَّ رَ‌دَدْنَا لَكُمُ الْكَرَّ‌ةَ عَلَيْهِمْ وَأَمْدَدْنَاكُم بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَجَعَلْنَاكُمْ أَكْثَرَ‌ نَفِيرً‌ا ﴿6﴾ إِنْ أَحْسَنتُمْ أَحْسَنتُمْ لِأَنفُسِكُمْ وَإِنْ =

١٦٧

مفسّراً أقوال إشعياء اللنبيّ (ع) الآنفة الذكر على الشكل التالي: هذه الآياتُ البيّناتُ تُبشّرُ عن زمنٍ منيرٍ تبدَّلت شريعة إسرائيل الى أُخرى، وكذلك خيرةُ الله عن إسرائيل لمختارين آخرين، فلا اسمَ إلاّ اسم القائد الديني ألأخير.(1)

مضافاً الى ذلكَ أنَّ العهد الجديد يذكرُ الى جانب المسيح شخصيةً أُخرى وهي شخصية الأمين الصادق، فقد ورد في سفر رؤيا يوحنا اللاهوتي:

(ثم رأيتُ السماء مفتوحة وإذا فرس أبيض والجالس عليه يُدعى أميناً وصادقاً بالعدل يحكم ويحار، وعيناهُ كليب نارٍ، وعلى رأسه تيجانٌ كثيرةٌ ولهُ اسمٌ مكتوبُ ليسَ أحدٌ يعرفهُ إلاّ هو(2) ، وهو متسربلٌ بثوبٍ مغموس بدمٍ ويدعى أسمهُ كلمةُ الله، والأجناد الذين في السماء كانوا يتبعونهُ على خيلٍ بيضٍ لابسينَ بزاً أبيض ونقيّاً).(3)

____________________

=أَسَأْتُمْ فَلَهَا فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ الْآخِرَ‌ةِ لِيَسُوءُوا وُجُوهَكُمْ وَلِيَدْخُلُوا الْمَسْجِدَ كَمَا دَخَلُوهُ أَوَّلَ مَرَّ‌ةٍ وَلِيُتَبِّرُ‌وا مَا عَلَوْا تَتْبِيرً‌ا ﴿7﴾ عَسَىٰ رَ‌بُّكُمْ أَن يَرْ‌حَمَكُمْ وَإِنْ عُدتُّمْ عُدْنَا وَجَعَلْنَا جَهَنَّمَ لِلْكَافِرِ‌ينَ حَصِيرً‌ا ﴿8﴾ إِنَّ هَـٰذَا الْقُرْ‌آنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ وَيُبَشِّرُ‌ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْرً‌ا كَبِيرً‌ا ﴿9﴾ وَأَنَّ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَ‌ةِ أَعْتَدْنَا لَهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا ) . ومفاد هذه الآيات المباركة في: الصحيح من سيرة النبى الأعظم (ص): ج3 ص35-36.

(1) انظر: الإسلام في الكتب السماوية، ص 237-238.المسيح الموعود والمهدي النتظر، ص53 وما بعدها.

(2) هذا الاسم: هل هو اسمُ الله الأعظم؟، والذي يحمله هل هو صاحبُ الخلافة ألأسمائية (الخلافة والإمامة التي قال بها القرآن الكريم) عند أهل الله... الخ، للمزيد: دروس السيد كمال الحيدري، شرح فصوص الحكم للقيصري، ص56 وما قبلها وما بعدها.

(3) العهد الجديد، سفر الرؤيا (رؤيا يوحنا اللاهوتي)، الإصحاح 19، الفقرة 11، الكتاب المقدّس باللغة العربية 73 سفراً، مصر.

١٦٨

فمن هو الصادقُ الأمين الراكب على الفرس الأبيض؟، هل هو يسوع المسيح؟، إنّ الكلامَ عن المسيح يسبقُ هذا المقطع، ثم إنَّ يسوع (ع) يُسمّى أحياناً باسمه وأحياناً بابن الإنسان، فيبقى أن يكون النبيُّ محمد (ص) أو المهدي(ع).

ولما كانت الآثار الإسلامية لاتتحدَّث عن قدوم للرسول (ص) وبهذا الشكل، لاعندما جاء أولاً ولا في آخر الزمان، فيبقى أنهُ المهدي (ع) لتطابق هذه الأوصاف مع بعض مايرد في المصادر الإسلامية.(1)

ثانياً: الضيقُ والحرجُ والعسرُ وتضرُّر المؤمنين

1: في القرآن الكريم والروايات الشريفة

ويكون كلُّ ذلك قبيل الظهور المبارك ويعمُّ جميعَ الموحدين في العالم(2) ، بسبب تسلّط مؤسسات الكفر والجور والظلم العالمية، وطول مدّة الإنتظار المؤلم لمنقذ العالم التي يملُّهاُ الكثيرون بسبب ضعف إيمانهم ووهن عقيدتهم. ولكنَّ الله سبحانه وتعالى تكفَّلَ بلطفهِ وكرمه بتسديد المؤمنين وتثبيتهم على على طريق الحقّ الذي رسمهُ لهم، وذلك في قوله تبارك وتعالى:( يُثَبِّتُ اللَّـهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَ‌ةِ وَيُضِلُّ اللَّـهُ الظَّالِمِينَ وَيَفْعَلُ اللَّـهُ مَا يَشَاءُ ) (3) .

____________________

(1) المهدي المنتظر بين الدين والفكر البشري، ص 61-62، بإيجاز وتصرّثف.

(2) انظر: المهدي المنتظر بين الدين والفكر البشري، ص 141-143.

(3) سورة ابراهيم: آية 27.

١٦٩

فقد جاء في كمال الدين وتمام النعمة: قال حمّاد بن زياد: سألت موسى بن جعفر: يابن رسول الله! أويكون في الائمة من يغيب؟ قال: نعم، يغيب عن ابصار الناس شخصه، ولا يغيب عن قلوب المؤمنين ذكره، وهو الثاني عشر، يسهّل الله له كل عسير... الى ان يقول (عليه السلام):«وله غيبةٌ يطول أمدها خوفاً على نفسه، يرتدُّ فيها أقوام ويثبت آخرون،فطوبى لشيعتنا المتمسكين بحبلنا في غيبة قائمنا، الثابتين على موالاتنا والبرائة من اعدائنا، أولئك منا و نحن منهم، فقد رضوا بنا أئمة ورضينا بهم شيعة، فطوبى لهم ثم طوبى لهم، هم والله معنا في درجتنا» (1) .

أقول: ومن اكبر الامتحانات غبيبة الحجة، ليميز الخببيث من الطيّب، والمؤمن من المنافق، والمخلص من المرتاب، فعلى هذا لا يظهر حتى يتميّزوا كما في الخبر:(لا والله لا يأتيكم إلاّ بعد اليأس، ولا والله لا يأتيكم حتى تتميّزوا ولا والله لا يأتيكم حتى تمحّصوا، ولا والله لا يأتيكم حتى يشقى من شقي ويسعد من سعد.) (2) وقوله:(لايأتيكم إلاّ بعد اليأس ) ، يعني بعد أن ينتظره المنتظر حتى ييأس...(3) .

وفي هذه الايام، فان الامتحان يعسرُ شيئاً فشيئاً، وتضيق الحلقة على المؤمنين والموحدين في كل الدنيا، جرّاءَ الهجمة الشرسة لاقطاب الاستكبار والكفر العالمي، وما زالوا يحشّدونَ العُدَّةِ والعدد، ويرصّونَ

____________________

(1) كمال الدين وتمام النعمة، ص 368. كفاية الأثر، ص27. بحار الأنوار، ج 51 ص 150.

(2) غيبة النعماني، ص208-209. الكافي، ج 1، ص 330 و 331.

(3) نور الأبصار: ص350ـ 354.

١٧٠

الصفوفَ، ويبذلون الأموال الطائلة، ويخطِّطونَ ليلَ نهار، لإحكام القبضةِ على العالم كما يزعمون، لذا فانّ الاختبارات القادمة والفتن الآتية ستكون أشدّ وطئةً واقوى من سابقتها، وستكون النجاة لمن إتّقى، وتمسّك بالعروة الوثقى وحبلَ الله المتين، وسيكون المدُّ والتسديد الإلهي بأروع صوره.

2: في العهدين

في سفر إشعياء (ع): أنَّ المؤمنين يتضرَّرون قبل مجيء يوم الله الأعظم، ويكونون جرّاء الضيق والشدَّة كالمرأة الحامل التي تتلوّى من ألم المخاض:

(16 يا رب في الضيق طلبوك سكبوا مخافتة عند تاديبك اياهم* 17 كما ان الحبلى التي تقارب الولادة تتلوى و تصرخ في مخاضها هكذا كنا قدامك يا رب* 18 حبلنا تلوينا كاننا ولدنا ريحا لم نصنع خلاصاً في الارض...

20 هلم يا شعبي ادخل مخادعك و اغلق ابوابك خلفك اختبئ نحو لحيظة حتى يعبر الغضب* 21 لانه هُوَ ذا الرب يخرج من مكانه ليعاقب إثمَسُكان الارض فيهم فتكشف الارض دماءها و لا تغطي قتلاها في ما بعد*).(1)

____________________

(1) العهد القديم، سفر إشعياء، الإصحاح 26، الفقرات 2-18 و 20-21، الكتاب المقدّس باللغة العربية 73 سفراً، مصر. سفر أشعيا 26: 2-18 و 20-21،العهد القديم، جمعية الكتاب المقدس في لبنان، الكتاب المقدس، ص 938-939.

١٧١

١٧٢

المبحث الثاني: أوصافُ القائم المنقذ

لقد أثنى الله تباركَ وتعالى على وليِّهِ وخليفتهِ (منقذ العالم) وذكرهُ بأسماءٍ وصفاتٍ ونعوتٍ تبيِّنُ مقامَهُ ومَنزلتهُ عندَ ربِّهِ عزَّ وجلَّ، وتحكي تلكَ المهمَّة العظمى الملقات على عاتقهِ (عليه الصلاةُ والسلام) والمدَّخر أساساً لأجلها، وجاء ذلكَ في الكتب السماوية المقدَّسة وصحف الأنبياء والروايات الشريفة المباركة على حدٍّ سواء، وبلغَ ذلكَ من الكثرة والسعةِ مالا نستطيع الوقوف عليهِ هنا ولكن نذكرُ شيئاً منها على نحو الإختصارِ والإجمال، حيث نبدأُ اولاً: بأوصافهِ في القرآن والروايات، وثانياً: بأوصافهِ في العهدين.

اولاً: أوصاف القائم المقذ في القرآن والروايات

1: أنه الكوكب الدري:

في قوله تعالى:( اللَّـهُ نُورُ‌ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْ‌ضِ مَثَلُ نُورِ‌هِ كَمِشْكَاةٍ فِيهَا مِصْبَاحٌ الْمِصْبَاحُ فِي زُجَاجَةٍ الزُّجَاجَةُ كَأَنَّهَا كَوْكَبٌ دُرِّ‌يٌّ يُوقَدُ مِن شَجَرَ‌ةٍ مُّبَارَ‌كَةٍ زَيْتُونَةٍ لَّا شَرْ‌قِيَّةٍ وَلَا غَرْ‌بِيَّةٍ يَكَادُ زَيْتُهَا يُضِيءُ وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نَارٌ‌ نُّورٌ‌ عَلَىٰ نُورٍ‌ يَهْدِي اللَّـهُ لِنُورِ‌هِ مَن يَشَاءُ وَيَضْرِ‌بُ اللَّـهُ الْأَمْثَالَ لِلنَّاسِ وَاللَّـهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ ) (1) .

أن المهدي عليه السلام هو الكوكب الدري في الآية. فعن (أمير المؤمنين عليه السلام):

____________________

(1) سورة النور: آية 35.

١٧٣

النور: القرآن، والنور اسم من أسماء الله تعالى، والنور النورية، والنور ضوء القمر، والنور ضوء المؤمن وهو الموالاة التي يلبس لها نورا يوم القيامة والنور في مواضع من التوراة والإنجيل والقرآن حجة الله على عباده، وهو المعصوم... فقال تعالى:( وَاتَّبَعُوا النُّورَ‌ الَّذِي أُنزِلَ مَعَهُ أُولَـٰئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ ) فالنور في هذا الموضع هو القرآن، ومثله في سورة التغابن قوله تعالى:( فَآمِنُوا بِاللَّـهِ وَرَ‌سُولِهِ وَالنُّورِ‌ الَّذِي أَنزَلْنَا ) يعني سبحانه القرآن وجميع الأوصياء المعصومين، من حملة كتاب الله تعالى، وخزانه، وتراجمته، الذين نعتهم الله في كتابه فقال:( وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّـهُ وَالرَّ‌اسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِّنْ عِندِ رَ‌بِّنَا ) فهم المنعوتون الذين أنار الله بهم البلاد، وهدى بهم العباد، قال الله تعالى في سورة النور:( اللَّـهُ نُورُ‌ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْ‌ضِ مَثَلُ نُورِ‌هِ كَمِشْكَاةٍ فِيهَا مِصْبَاحٌ الْمِصْبَاحُ فِي زُجَاجَةٍ الزُّجَاجَةُ كَأَنَّهَا كَوْكَبٌ دُرِّ‌يٌّ ) إلى آخر الآية، فالمشكاة رسول الله صلى الله عليه وآله والمصباح الوصي، والأوصياء عليهم السلام والزجاجة فاطمة، والشجرة المباركة رسول الله صلى الله عليه وآله والكوكب الدري القائم المنتظر عليه السلام الذي يملأ الأرض عدلا).(1)

____________________

(1) المحكم والمتشابه، ص 112، عن تفسير النعماني.وعنه البحار، ج 93 ص 3. معجم أحاديث الإمام المهدي (ع)، ج 5، ص 274-275. بحار الأنوار، ج90 ص 21.

١٧٤

2: أنَّهُ القوَّة وأصحابهُ الركن الشديد:

في قوله تعالى:( قَالَ لَوْ أَنَّ لِي بِكُمْ قُوَّةً أَوْ آوِي إِلَىٰ رُ‌كْنٍ شَدِيدٍ ) (1) .

- (عن الإمام الصادق (ع) في قوله الله: قالَ لو أنَّ لي بكم قوَّةً أو آوي الى ركنٍ شديد: قال قوَّة القائم والركن الشديد: الثلاث مئة وثلاثة عشر أصحابه).(2)

3: أنَّهُ بقيَّةُ الله:

في قوله تعالى:( بَقِيَّتُ اللَّـهِ خَيْرٌ‌ لَّكُمْ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ ) (3) .

روى محمد بن يحيى، عن جعفر بن محمد قال: حدثني إسحاق بن إبراهيم الدينوري عن عمر بن زاهر، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: سأله رجل عن القائم يسلم عليه بإمرة المؤمنين؟ قال: لا ذاك اسم سمى الله به أمير المؤمنين عليه السلام، لم يسم به أحد قبله ولا يتسمى به بعده إلا كافر، قلت جعلت فداك كيف يسلم عليه؟ قال: يقولون: السلام عليك يا بقية الله، ثم قرأ:( بَقِيَّتُ اللَّـهِ خَيْرٌ‌ لَّكُمْ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ ) (4) .

____________________

(1) سورة هود: آية 80.

(2) تفسير العياشي، ج2 ص 156. تفسير القمي، ج1ص 335. البحار، ج 12ص158 وص170. اثبات الهداة، ج3 ص 551.

(3) سورة هود: آية 86.

(4) الكافي، ج1 ص 411. تفسير فرات الكوفي، ص 193.

١٧٥

4: أنَّهُ السراط السوي:

في قوله تعالى:( فَسَتَعْلَمُونَ مَنْ أَصْحَابُ الصِّرَ‌اطِ السَّوِيِّ وَمَنِ اهْتَدَىٰ ) (1) .

روى (محمد بن العباس عن محمد بن همام عن محمد بن إسماعيل العلوي عن عيسى بن داود عن موسى بن جعفر عن أبيه عليه السلام في قول الله عز وجل:( فَسَتَعْلَمُونَ مَنْ أَصْحَابُ الصِّرَ‌اطِ السَّوِيِّ وَمَنِ اهْتَدَىٰ ) قال: الصراط السوي هو القائم عليه السلام، والهدى من اهتدى إلى طاعته، ومثلها في كتاب الله عز وجل:( وَإِنِّي لَغَفَّارٌ‌ لِّمَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا ثُمَّ اهْتَدَىٰ ) (2) قال: إلى ولايتنا)(3) .

5: وأنَّهُ يُسلِمُ لهُ من في السماوات والأرض:

في قولهِ تعالى:( وَلَهُ أَسْلَمَ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْ‌ضِ طَوْعًا وَكَرْ‌هًا ) (4) .

عن ابن بكير قال: سألت أبا الحسن عليه السلام عن قوله:( وَلَهُ أَسْلَمَ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْ‌ضِ طَوْعًا وَكَرْ‌هًا ) قال: (أنزلت في القائم عليه السلام إذا خرج (أمرَ) باليهود و النصارى والصابئين والزنادقة وأهل الردة والكفار في شرق الأرض وغربها، فعرض عليهم الاسلام فمن أسلم

____________________

(1) سورة طه:آية 135.

(2) سورة طه: آية 82.

(3) كنز الفوائد: 162. بحار الأنوار، ج 24، ص 150.

(4) سورة آل عمران:آية 83.

١٧٦

طوعا أمره بالصلاة والزكاة وما يؤمر به المسلم ويجب لله عليه، ومن لم يسلم ضرب عنقه حتى لا يبقى في المشارق والمغارب ‹ صفحة 184 › أحد الا وحد الله، قلت له: جعلت فداك ان الخلق أكثر من ذلك؟ فقال: ان الله إذا أراد امرا قلل الكثير وكثر القليل)(1) .

6: وأنهُ هو (الغيب والآية)(2) :

في قوله تعالى:( الم ﴿1﴾ ذَٰلِكَ الْكِتَابُ لَا رَ‌يْبَ فِيهِ هُدًى لِّلْمُتَّقِينَ ﴿2﴾ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَمِمَّا رَ‌زَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ ) .(3)

في كمال الدين: (حدثنا علي بن أحمد بن موسي - رحمه الله - قال: حدثنا محمد بن أبي عبد الله الكوفي قال: حدثنا موسى بن عمران النخعي، عن عمه الحسين بن يزيد، عن علي بن أبي حمزة عن يحيى بن أبي القاسم قال: سألت الصادق جعفر بن محمد عليهما السلام عن قول الله عزو جل:( الم ﴿1﴾ ذَٰلِكَ الْكِتَابُ لَا رَ‌يْبَ فِيهِ هُدًى لِّلْمُتَّقِينَ ﴿2﴾ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ ) فقال: المتقون شيعة علي عليه السلام والغيب فهو الحجة الغائب. وشاهد ذلك قول الله عزو جل:( وَيَقُولُونَ لَوْلَا أُنزِلَ عَلَيْهِ آيَةٌ مِّن رَّ‌بِّهِ فَقُلْ إِنَّمَا الْغَيْبُ لِلَّـهِ فَانتَظِرُ‌وا إِنِّي مَعَكُم مِّنَ الْمُنتَظِرِ‌ينَ ) (4) فأخبر (عزّو جلّ)

____________________

(1) تفسير العياشي، ج 1، ص 183-184. البحار ج 13 ص188. اثبات الهداة ج 7 ص 96. البرهان ج 1 ص 296. الصافي ج1 ص276.

(2) أي هو المصداق الأكمل للغيب، وآية من آيات الله الكبرى.

(3) سورة البقرة: 1-3

(4) سورة يونس: آية 20.

١٧٧

أن الآية هي الغيب، والغيب هو الحجة، وتصديق ذلك قول الله (عزو جل):( وَجَعَلْنَا ابْنَ مَرْ‌يَمَ وَأُمَّهُ آيَةً ) (1) يعني حجة)(2) .

وفي كمال الدين وتمام النعمة أيضاً: (حدثنا محمد بن موسى بن المتوكل - رحمه الله - قال: حدثنا محمد بن يحيى العطار قال: حدثنا أحمد بن محمد بن عيسى، عن عمر بن عبد العزيز، عن غير واحد، عن داود ابن كثير الرقي، عن أبي عبد الله عليه السلام في قول الله عز وجل:( هُدًى لِّلْمُتَّقِينَ ﴿2﴾ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ ) قال: من أقر بقيام القائم عليه السلام أنه حق)(3) .

7: ومن بقيَّةِ أسمائهِ وأوصافه ونعوتهِ الشريفة:

أ: في جمالهِ وعدلهِ والرِّضى بخلافته:

- (عن حذيفة بن اليمان، عن النبي صلى الله عليه وآله أنه قال: المهدي من ولدي وجهه كالقمر الدري اللون لون عربي الجسم جسم إسرائيلي يملأ الأرض عدلا كما ملئت جورا يرضى بخلافته أهل السماوات وأهل الأرض والطير في الجو يملك عشرين سنة)(4) .

ب: في عددٍ من أوصافهِ وأسمائهِ وكراماتهِ:

- (عن أبي جعفر محمد بن علي الباقر، عن أبيه، عن جده عليهم السلام قال: قال أمير المؤمنين عليه السلام - وهو على المنبر -: يخرج رجل من ولدي في

____________________

(1) سورة المؤمنون: آية 50.

(2) كمال الدين وتمام النعمة، ص 17-18.

(3) كمال الدين وتمام النعمة، ص 17.

(4) بحار الأنوار، ج 51، ص 91.

١٧٨

آخر الزمان أبيض اللون، مشرب بالحمرة، مبدح البطن(1) عريض الفخذين، عظيم مشاش المنكبين(2) بظهره شامتان: شامة على لون جلده(3) وشامة على شبه شامة النبي صلى الله عليه وآله، له اسمان: اسم يخفى واسم يعلن، فأما الذي يخفى فأحمد وأما الذي يعلن فمحمد، إذا هز رايته أضاء لها ما بين المشرق والمغرب، و وضع يده على رؤوس العباد فلا يبقى مؤمن إلا صار قلبه أشد من زبر الحديد، و أعطاه الله تعالى قوة أربعين رجلا، ولا يبقى ميت إلا دخلت عليه الفرحة (في قلبه) وهو في قبره، وهم يتزاورون في قبورهم، ويتباشرون بقيام القائم صلوات الله عليه)(4) .

ج: في إشياق الجنَّة وحبِّ الله ورسولهُ للقائم المنقذ:

- (عن جابر بن عبد الله، عن النبيِّ (ص): الجنَّةُ تشتاقُ الى أربعةٍ من أهلي، قد أحبَّهم اللهُ وأمرني بحبّهم:عليّ بن أبي طالب والحسن والحسين والمهدي الذي يصلّي خلفهُ عيسى بن مريم)(5) .

____________________

(1) مبدح البطن أي واسعه وعريضه-والبداح: المتسع من الأرض. والبدح-بالكسر -: الفضاء الواسع وامرأة بيدح أي بادن. والأبدح: الرجل الطويل (السمين والعريض الجنين من الدواب (القاموس).

(2) مشاش: جمع المشاشة-بالضم-وهي رأس العظم الممكن المضغ.

(3) الشامة علامة تخالف البدن الذي هي فيه اما باللون أو التورم، وهي الخال.

(4) كمال الدين وتمام النعمة، ص 653.

(5) كشف اليقين، ص117. كشف الغمة، ج1ص52. المعجم الموضوعي لأحاديث الإمام المهدي، ص274.

١٧٩

د: في شجاعتهِ الإلهية وكرمهِ وعلمهِ وخُلُقِهِ:

- (عن سليمان بن هلال قال: حدثنا جعفر بن محمد، عن أبيه، عن جده، عن الحسين بن علي عليهم السلام قال: جاء رجل إلى أمير المؤمنين عليه السلام فقال له: يا أمير المؤمنين نبئنا بمهديكم هذا؟ فقال: إذا درج الدارجون، وقل المؤمنون، وذهب المجلبون، فهناك، فقال: يا أمير المؤمنين عليك السلام ممن الرجل؟ فقال: من بني هاشم من ذروة طود العرب وبحر مغيضها إذا وردت، ومجفو أهلها إذا أتت، ومعدن صفوتها إذا اكتدرت لا يجبن إذا المنايا هلعت، ولا يحور إذا المؤمنون اكتنفت ولا ينكل إذا الكماة اصطرعت مشمر مغلولب طفر ضرغامة حصد مخدش ذكر سيف من سيوف الله رأس قثم نشق رأسه في باذخ السؤدد، وغارز مجده في أكرم المحتد، فلا يصرفنك عن تبعته صارف عارض ينوص إلى الفتنة كل مناص إن قال فشر قائل وإن سكت فذو دعاير.

ثم رجع إلى صفة المهدي عليه السلام فقال: أوسعكم كهفاً، وأكثركم علماً وأوصلكم رحماً اللهم فاجعل بيعته خروجاً من الغمة واجمع به شمل الأمة فأنى جاز لك فاعزم ولا تنثن عنه إن وفقت له ولا تجيزن عنه إن هديت إليه هاه وأومأ بيده إلى صدره شوقاً إلى رؤيته)(1) .

هـ: أنَّه محبوب في عموم الخلائق:

- (عن الإمام الصادق (ع) قال: المهدي محبوبٌ في الخلائق يُطفيء الله بهِ الفتنة الصمّاء)(2) .

____________________

(1) الغيبة، النعماني، ص 212. اثبات الهداة، ج3 ص 537. بحار الأنوار، ج 51، ص 115.

(2) بشارة الإسلام، ص185.

١٨٠

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

461

462

463

464

465

466

467

468

469

470

471

472

473

474

475

476

477

478

479

480

481

482

483

484

485

486

487

488

489

490

491

492

493

494

495

496

497

498

499

500

501

502

503

504

505

506

507

508

509

510

511

512

513

514

515

516

517

518

519

520

521

522

523

524

525

526

527

528

529

530

531

532

533

534

535

536

537

538

539

540

541

542

543

544

545

546

547

548

549

550

551

552

553

554

555

556

557

558

559

560

561

562

563

564

565

566

567

568

569

570

571

572

573

574

575

576

577

578

579

580

581

582

583

584

585

586

587

588

589

590

591

592

593

594

595

596

597

598

599

600

601

602

603

604

605

606

607

608

609

610

611

612

613

614

615

616

617

618

619

620

عنوانه وصورته، فبالنسبة لروابط الحكومة الإسلامية وعلاقتها مع الأجانب ـ مثلاً ـ لا يمكن اتخاذ نظر واحد غير متغيّر.

فقد توجب بعض الظروف أن تتعامل الحكومة الإسلامية مع الأجانب وتوسّع الروابط السياسية والثقافية والتجارية معها، وربما أوجبت ظروف أُخرى أن تقطع هذه العلاقات أو تحرمها إلى أمد، أو تحددها على الأقل، غير أنّ هذا التغيير والتبدّل إنّما هو في شكل هذا القانون الحاكم على العلاقات وفي كيفية التطبيق والتنفيذ لا في أصل القانون وحقيقته، لأنّ على الحاكم الإسلامي أن يصون مصالح الأُمّة الإسلامية، ويحفظ مكانتها العالية، ولا يسمح لأن تقع تحت سيطرة الكفار والمستعمرين، وهذا القانون هو ما يصرح به القرآن، إذ يقول :

( وَلَنْ يَجْعَلَ اللهُ لِلْكَافِرينَ عَلَىٰ المُؤْمِنينَ سَبِيلاً ) (١) .

وتدل الآيات والأحاديث الأُخرى على أنّ هذا القانون لا يقبل التغيّر والتبدّل أبداً، غاية ما في الأمر أنّ صيانة الكيان الإسلامي قد تكون في قطع الروابط وقد تكون في إقامتها مع الآخرين.

وأنت إذا لاحظت الآيتين التاليتين تقف على أنّ أساس السياسة الإسلامية مع الدول الأُخرى مذكور فيهما بوضوح قال سبحانه :

( لا يَنْهَاكُمْ اللهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللهَ يُحِبُّ المُقْسِطِينَ *إِنَّما يَنْهَاكُمُ اللهَ عَنِ الذَّينَ قَاتَلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَأَخْرَجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ وَظَاهَرُوا عَلَىٰ إِخْرَاجِكُمْ أَنْ تَوَلَّوْهُمْ وَمَنْ يَتَولَّهُمْ فَأُولَئِكَ هُمْ الظَّالِمُونَ ) (٢) .

__________________

(١) النساء: ١٤١.

(٢) الممتحنة: ٨ ـ ٩.

٦٢١

وحاصل الآيتين: أنّ الله سبحانه ينهى عن إيجاد العلاقات الدبلوماسية مع الأُمم المحاربة للإسلام والمسلمين الذين أخرجوهم عن أوطانهم وظاهروا على عدوانهم.

وأمّا الأُمم المسالمة مع الحكومة الإسلامية فلا ضير في إقامة العلاقات معها وبذل البر والقسط إليهم.

قل لي بربك، هل يمكن أن نعتبر عمل حكومة مصر « لا شعبها » عملاً إسلامياً منطبقاً مع الموازين الإسلامية التي جاء بها القرآن ؟

أو ما أخرجت إسرائيل الأُمّة الإسلامية من وطنها السليب فلسطين ؟!

أو ما ظاهرت على إخراجهم، وانتزعت منهم حقوقهم المشروعة وشرّدتهم شرّ تشريد، وفرّقتهم شر تفريق ؟!

* * *

وهكذا الأمر في مسألة تقوية بنية الدفاع الإسلامي فإنّ هناك أصلاً كليّاً بيّنه القرآن على هذا الصعيد، إذ قال :

( وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ ) (١) .

فهذا القانون الذي يقرر ضرورة التفوق العسكري الإسلامي على جميع الجيوش العالمية قانون لا يتبدل ولا يقبل التغيير، غاية ما في الباب أنّ طريقة تطبيقه هي التي تقبل التغيير حسب الأدوار المختلفة.

ففي ما مضى كان الجيش الإسلامي يتسلّح بالرماح والسهام والسيوف ويتخذ من هذه الأسلحة ما كان يضمن له التفوق والغلبة، غير أنّ تطبيق هذا

__________________

(١) الأنفال: ٦٠.

٦٢٢

القانون في هذا العصر يقتضي تسليح الجيش الإسلامي بأحدث الأسلحة وأكثرها تطوراً، وقوّة وتفوقاً، في كل المجالات البرية والجوية والبحرية.

وخلاصة القول: إنّ زمام التشريع الإلهي ليس في أيدي الناس حتى هذا القسم من القوانين الأساسية التي ينبغي أن تساير تطور الحياة البشرية، فهي ثابتة روحاً وجوهراً، متغيرة تطبيقاً وشكلاً حسب ما تقتضي الظروف المتجددة.

ومع الإمعان في هذين المثالين والموردين يتضح حكم الموارد الأُخرى من القوانين المتغيرة :

الصنف الخامس

وهي الآيات التي تذم اليهود والنصارى لاتّخاذهم أحبارهم ورهبانهم أرباباً من دون الله، كقوله تعالى :

( اتَّخَذُوا أَحْبارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَاباً مِنْ دُونِ اللهِ وَالمَسِيحَ بْنَ مَرْيَمَ ) (١) .

كيف كانوا يتخذون رهبانهم وأحبارهم أرباباً، هل كانوا يعبدونهم ؟ كلا، بل كانوا يعطونهم حق التشريع الذي هو من الشؤون الإلهية، فإذا أحل الرهبان والأحبار لهم شيئاً أو حرّموا اتّبعوهم في ذلك.

أخرج الكليني، عن الإمام الصادقعليه‌السلام في تفسير قول الله جل وعزّ( اتَّخذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَاباً مِنْ دُونِ اللهِ ) (٢) :

« والله ما صاموا لهم، ولا صلّوا لهم، ولكن أحلّوا لهم حراماً وحرّموا عليهم

__________________

(١) التوبة: ٣١.

(٢) التوبة: ٣١.

٦٢٣

حلالاً فاتّبعوهم »(١) .

وروى الثعلبي باسناده عن عدي بن حاتم قال: أتيت رسول الله وفي عنقي صليب من ذهب، فقال لي: « يا عدي اطرح هذا الربق من عنقك » قال: فطرحته، ثم انتهيت إليه وهو يقرأ هذه الآية:( اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَاباً ) حتى فرغ منها، فقلت: إنّا لسنا نعبدهم، فقال: « أليس يحرّمون ما أحله الله فتحرمونه، ويحلّون ما حرّم الله فتستحلّونه ؟ » قال: فقلت: بلى، قال: « فتلك عبادة »(٢) .

وفي حديث آخر :

« أمّا والله ما دعوهم إلى عبادة أنفسهم، ولو دعوهم ما أجابوهم، ولكن أحلّوا لهم حراماً وحرّموا عليهم حلالاً فعبدوهم من حيث لا يشعرون »(٣) .

الصنف السادس

تحثّ آيات هذا الصنف على أن لا يتقدّم المؤمنون على الله ورسوله واتّباعه على ما يأمر وينهى، إذ يقول :

( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لاَ تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللهِ وَرَسُولِهِ وَاتَّقُوا اللهَ إِنَّ اللهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ ) (٤) .

وقد ورد في المأثور أنّهصلى‌الله‌عليه‌وآله أمر بالإفطار في السفر غير أنّ بعضهم تمرّدوا عليه فسماهم رسول الله عصاة(٥) .

__________________

(١) و (٢) أُصول الكافي: ١ / ٥٣ وقد روى العلاّمة البحراني في تفسيره البرهان أحاديث جمة بهذا المضمون فراجع: ٢ / ١٢٠.

(٣) البرهان: ٢ / ١٢١.

(٤) الحجرات: ١.

(٥) وسائل الشيعة: ٤ / ١٢٥ باب وجوب الإفطار في السفر.

٦٢٤

ولأجل هذا يستنكر القرآن الكريم بشدة ـ في هذه السورة اتباع طلب النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ـ لآراء الناس ومشتهياتهم فيقول :

( وَاعْلَمُوا أَنَّ فِيكُمْ رَسُولَ اللهِ لَوْ يُطِيعُكُمْ فِي كَثِيرٍ مِنَ الأمْرِ لََعَنِتُّم ) (١) .

أي لأصابكم بسبب ذلك العنت والنصب.

وهنا يمكن أن ندرك عمق ما قاله الإمام أمير المؤمنين عليعليه‌السلام ، إذ قال :

« لأنسبنّ الإسلام نسبة لم ينسبها أحد من قبلي، ألا وإنّ الإسلام هو التسليم، والتسليم هو اليقين، واليقين هو التصديق، والتصديق هو الإقرار، والإقرار هو الأداء، والأداء هو العمل »(٢) .

ماذا يراد من الشرك في التشريع ؟

إذا وقفت على مضامين هذه الآيات وعرفت أنّ الله تعالى لم يعط زمام التشريع لأحد من عباده، تقف على أنّ العدول عنه عدول عن جادة التوحيد وتورط في الشرك.

إنّ التقنين والتشريع من الأفعال الإلهية التي يقوم سبحانه بها حسب، فلو أنّ أحداً اعتقد بأنّ غير الله يملك هذا الحق إلى جانب الله وإنّ الحبر اليهودي أو الراهب النصراني مثلاً أو من يشاكلهما له الحق في أن يسن للناس القوانين، ويعين من لدن نفسه لهم الحلال والحرام، فإنّه اتخذ سوى الله ربّاً، وبذلك نسب فعل الله إلى غيره، وتجاوز حد التوحيد بتعميم هذا الحق على غيره سبحانه، وكان بذلك مشركاً.

__________________

(١) الحجرات: ٧.

(٢) نهج البلاغة الكلمات القصار: الرقم ١٢٠.

٦٢٥

فلو اعتقد أحد بأنّ لغيره سبحانه حق التقنين وأنّ بيده زمام التحليل والتحريم ومصير العباد في حياتهم الاجتماعية والفردية فقد اتخذه ربّاً أي مالكاً لما يرجع إلى عاجل العباد وآجلهم، فلو خضع مع هذا الاعتقاد أمامه صار خضوعه عبادة، وعمله شركاً.

ولأجل هذا نجد القرآن يقول: إنّ اليهود والنصارى اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أرباباً، إذ معنى الربوبية في هذا المورد هو امتلاك الأمر وامتلاك زمام الاختيار في التحليل والتحريم، في حين أنّ الله سبحانه لم يعط لأحد مثل هذا الاختيار.

سؤال وإجابة

إذا ثبت أنّ زمام التشريع بيده سبحانه دون سواه فكيف يفسّر ما ورد في الأحاديث من :

١. انّ الله فرض الصلاة ركعتين ركعتين، ليكون المجموع عشر ركعات، فأضاف رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله إلى الركعتين ركعتين، وإلى المغرب ركعة.

٢. انّ الله فرض في السنة صوم شهر رمضان وسنَّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله صوم شعبان وثلاثة أيام من كلِّ شهر.

٣. انّ الله حرم الخمر بعينها وحرم رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله المسكر من كل شراب.

٤. انّ الله فرض الفرائض في الإرث ولم يقسم للجد شيئاً، ولكن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله أطعمه السدس.(١) ؟

__________________

(١) أُصول الكافي: ١ / ٢٦٦، الحديث ٤.

٦٢٦

يمكن أن يقال: انّ الله سبحانه أدّب رسوله فأحسن تأديبه وعلّمه مصالح الأحكام ومفاسدها وأوقفه على ملاكاتها ومناطاتها، ولما كانت الأحكام تابعة لمصالح ومفاسد كامنة في متعلّقاتها، وكان النبي بتعليم منه سبحانه واقفاً على المصالح والمفاسد على اختلاف درجاتها ومراتبها كان له أن ينص على أحكامه سبحانه من طريق الوقوف على عللها وملاكاتها، ولا يكون الاهتداء إلى أحكامه سبحانه من طريق التعرّف على عللها بأقصر من الطرق الأُخر التي يقف بها النبي على حلاله وحرامه، وإلى هذا يشير الإمام أمير المؤمنينعليه‌السلام بقوله :

« عقلوا الدين عقل وعاية ورعاية لا عقل سماع ورواية، فإنّ رواة العلم كثير ورعاته قليل »(١) .

غير أنّ اهتداءهصلى‌الله‌عليه‌وآله إلى الأحكام وتنصيصه بها من هذا الطريق قليل جداً لا يتجاوز عما ذكرناه، وبذلك يعلم حال الأئمّة المعصومين: في هذا المورد.

وقد يجاب عنه أنّ عمل الرسول لم يكن في هاتيك الموارد سوى مجرّد طلب وقد نفذ الله طلبه، لا أنّه قام بنفسه بتشريع وتقنين، ويشير إلى ذلك قوله: « فأجاز الله عزّ وجل له ذلك ».

ولو أنّ النبي كان يمتلك زمام التشريع وكان قد فوّض إليه أمر التقنين ـ على نحو ما تفيده كلمة التفويض(٢) ـ إذن لما احتاج إلى إذنه وإجازته المجدّدة، ولما كان للجملة المذكورة أي معنى.

* * *

__________________

(١) نهج البلاغة: الخطبة ٢٣٤ طبعة محمد عبده.

(٢) أي أنّ الله فوض هذا الحق إلى رسول الله واعتزل هو ليفعل النبي ما يشاء.

٦٢٧

قد تبيّن من هذا البحث الضافي أنّه لا مكان للسلطة التشريعية بمفهومها الشائع في ظل النظام الإسلامي، فليس لأحد ولا لجماعة حق في سن القانون، غير أنّه يبقى هناك سؤال، وهو: ماذا يخلف هذه السلطة في الحكومة الإسلامية ؟ نقول يخلفها جهازان :

١. فريق الإفتاء، وهم المجتهدون الذين يستنبطون الأحكام الشرعية عن الأدلّة وهؤلاء الجماعة يستكشفون الأحكام ببركة الأدلة وليست لآرائهم وأفكارهم من دون الاستناد إلى إحدى الأدلة الشرعية أيّة قيمة.

٢. فريق الشورى، ووظيفته تخطيط شؤون البلاد في الاقتصاد والسياسة والعمران على ضوء القوانين الإسلامية.

وأمّا تفصيل عمل هذين الفريقين فموكول إلى الجزء الثاني من كتابنا، الذي يتضمن البحث عن شؤون النبوة وقيادة النبي الأعظمصلى‌الله‌عليه‌وآله .

الشيعة وفكرة حق التشريع للأئمّة

نشر الكاتب إبراهيم السليمان الجهمان مقالاً في مجلة « الدعوة » تحت عنوان « مزاعم طائفة الشيعة » جاء فيه بأكاذيب وافتراءات على هذه الطائفة هم برآء منها، وممّا جاء فيه: أنّ الشيعة تزعم أنّ للأئمّة حقّ التشريع والنسخ ( أي نسخ الأحكام ).

إنْ هذا إلّا افتراء وكذب ألصقه بهم هذا الكاتب غير المكترث بما يقول، ونحن نرشد ـ هنا ـ القارئ الكريم إلى عقيدة الشيعة في حقّ أئمتهم بنقل ما تواتر عن إمامهم الخامس أبي جعفر الباقرعليه‌السلام حيث قال مخاطباً لجابر :

« يا جابر أنّا لو كنا نحدثكم برأينا وهوانا لكنّا من الهالكين، ولكنّا نحدثكم

٦٢٨

بأحاديث نكنزها عن رسول الله كما يكنز هؤلاء ذهبهم وفضّتهم ».

وفي رواية أُخرى: « ولكنّا نفتيهم بآثار من رسول الله وأُصول علم عندنا نتوارثها كابراً عن كابر ».

وفي رواية محمد بن شريح عن الصادقعليه‌السلام :

« والله ما نقول بأهوائنا ولا نقول برأينا، ولا نقول إلّا ما قال ربنا ».

وفي رواية عنهعليه‌السلام :

« مهما أجبتك فيه بشيء فهو عن رسول الله، لسنا نقول برأينا من شيء »(١) .

إلى غير ذلك من الأحاديث المتضافرة عنهم وكلّها تفيد أنّ علومهم وأحاديثهم مأخوذة عن نبيهم وجدهم الأطهر.

غير أنّا لا نريد أن نؤاخذ بالمثل، ولا نريد أن نعكر الصفو، فإنّ ما نسبه إلى تلك الطائفة أولى بأن ينسب إلى غيرهم فإنّ منهم من يعد الصحابة ممن حق لهم التشريع !!

يقول مؤلّف « السنّة قبل التدوين »: انّه تطلق السنّة أحياناً على ما عمل أصحاب رسول الله وإن لم يكن في القرآن، أو في المأثور عنه، وقد كان يفرق بعض المحدثين فيرى الحديث هو ما ينقل عن النبي والسنّة ما كان عليه العمل المأثور في الصدر الأوّل، وعلى ذلك يحمل قول عبد الرحمن بن مهدي: لم أر أحداً قط أعلم بالسنة ولا بالحديث الذي يدخل في السنّة من حماد بن زيد، وقوله: سفيان الثوري إمام في الحديث وليس بإمام في السنّة، والأوزاعي إمام في السنّة وليس بإمام في الحديث، ومالك إمام فيهما، ومن أبرز ما ثبت في السنّة بهذا المعنى سنّة

__________________

(١) راجع جامع أحاديث الشيعة، المقدمة: ١ / ١٧.

٦٢٩

الصحابة في الخمر، وتضمين الصناع، ويحتج بذلك بقوله: عليكم بسنتي وسنة الخلفاء المهديين الراشدين تمسّكوا بها وعضّوا عليها بالنواجذ.

وبما قال علي بن أبي طالب بعد ما جلد الشارب أربعين جلدة: « كف، جلد رسول الله أربعين، وأبو بكر أربعين وكملها عمر ثمانين، وكل سنّة ».

وقال ابن قيم الجوزية، في توجيه الحديث الأوّل: فقرن سنّة خلفائه بسنته، وأمر باتّباعها كما أمر باتّباع سنَّته، وهذا يتناول ما أفتوا به وسنّوه للأُمّة وإن لم يتقدّم من بينهم فيه شيء وإلاّ كان ذلك سنَّته(١) .

وهذه الروايات تدل على أنّ للصحابة سنة كسنّة النبي وآراءهم وفتاواهم حجّة كحديث رسول الله، فعندهم سنَّة أبي بكر، سنَّة عمر، وسنَّة علي.

وما أتفه ما رواه السيوطي في « تاريخ الخلفاء » قال: قال حاجب بن خليفة شهدت عمر بن عبد العزيز يخطب وهو خليفة فقال في خطبته: ألا إنّ ما سنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله وصاحباه، فهو دين نأخذ به وننتهي إليه وما سنَّ سواهما فإنّا نرجئه(٢) .

وفي محاورة ثعلبة بن أبي مالك القرضي مع عبد الملك بن مروان: وليست سنّة أحب إلي من سنّة عمر وقد أخّر صلاته إلى مزدلفة(٣) .

ومنهم من يجعل قول الصحابي حجة، من دون تسميته سنّة، فقد نقل الشيخ أبو زهرة عن ابن القيم انّه استدل على حجية آرائهم بنحو ستة وأربعين وجهاً.

__________________

(١) السنّة قبل التدوين: ١٨، راجع أعلام الموقعين: ٤ / ١٤٠.

(٢) تاريخ الخلفاء: ١٦٠.

(٣) طبقات ابن سعد: ٥ / ١٧٢.

٦٣٠

نعم خالف الشوكاني في المقام وجاء بالحق حيث قال: والحق أنّ قول الصحابي ليس بحجة، فإنّ الله سبحانه وتعالى لم يبعث إلى هذه الأُمّة إلّا نبينا محمداً وليس لنا إلّا رسول واحد، والصحابة ومن بعدهم مكلّفون على السواء باتّباع شرعه والكتاب والسنّة، فمن قال: إنّه تقوم الحجة من دين الله بغيرهما فقد قال في دين الله بما لا يثبت، وأثبت شرعاً لم يأمر الله به(١) .

وما ذكره الشوكاني حق والحق أحق أن يتّبع وقال سبحانه:( وَلاَ تَقُولُوا لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الكَذِبَ هٰذَا حَلاَلٌ وَهَذَا حَرَامٌ ) (٢) .

وقال سبحانه:( ءَاللهُ أَذِنَ لَكُمْ أَمْ عَلَىٰ اللهِ تَفْتَرُونَ ) (٣) .

إنّ حق التشريع من حقوقه سبحانه لم يعطه لأحد حسب مفاد هذه الآيات ولم يشرك فيه أحداً غير أنّ بعض أهل السنّة قد جانب الحق وأثبته للأُمراء، وراء الصحابة يسمّونه « صوافي الأُمراء ».

فعن المسيب بن رافع قال: إذا كان الشيء من القضاء وليس في الكتاب ولا في السنّة سمّي « صوافي الأُمراء » فجمع له أهل العلم فما اجتمع عليه رأيهم فهو الحق(٤) .

وعن هشام بن عروة قال: ما سمعت أبي يقول في شيء قط برأيه، قال: ربما سئل عن الشيء فيقول هذا من خالص السلطان(٥) .

__________________

(١) راجع ص: ٢٣١ ـ ٢٣٩ كتاب بحوث مع أهل السنّة والسلفية.

(٢) النحل: ١١٦.

(٣) يونس: ٥٩.

(٤) جامع بيان العلم: ٢ / ١٧٤.

(٥) جامع بيان العلم: ٢ / ١٤٧.

٦٣١

وبالاسناد عن أبي هرمز قال: أدركت أهل المدينة ما فيها الكتاب والسنّة والأمر ينزل فينظر فيه السلطان(١) .

هذا وذاك بل وغيره من الكلمات تفيد ـ بصراحة ـ أنّ الصحابة والأُمراء لهم حق التشريع والتقنين، وأنّ آراءهم ونظرياتهم تعدّ أحكاماً إلهية ـ حسب منطق أهل السنّة ـ وعلى ذلك فرعوا حجية القياس والرأي للعلماء قائلين بأنّا أمرنا بطاعة أُولي الأمر بمقتضى قوله:( أَطِيْعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الأمْرِ مِنْكُمْ ) ، فيدخل في هذه الاطاعة ما قالوه بقياس أو رأي(٢) .

ولقد أشبع الكلام في المقام العلاّمة الحجّة السيد مهدي الروحاني في كتابه القيّم « بحوث مع أهل السنّة والسلفية » فراجعه.

وقد عد الأُستاذ عبد الوهاب خلاف في كتابه « مصادر التشريع الإسلامي » في ما لا نص فيه، من الأدلة: إجماع أهل المدينة، وقول الصحابي، وإجماع أهل الكوفة، وإجماع الخلفاء الأربعة. فراجع ص ١٠٩ واقرأ ما فيه ثم أقض في التهمة التي ألصقها الجهمان بالشيعة، وأنّ أي طائفة أحرى بهذه النسبة.

__________________

(١) المصدر السابق.

(٢) لا يخفى ما في هذا الاستدلال من الوهن والضعف.

٦٣٢

الفصل الحادي عشر

الله والتوحيد في الطاعة

٦٣٣

الله والتوحيد في الطاعة

١. انحصار حق الطاعة في الله.

٢. الطوائف التي وجب طاعتها بإذن الله.

٣. الرسول الأعظمصلى‌الله‌عليه‌وآله .

٤. وظائف الرسول.

٥. أُولو الأمر.

٦. الوالدان.

٧. محدودية إطاعتهما.

٦٣٤

انحصار حق الطاعة في الله سبحانه

تعتبر مسألة التوحيد في الطاعة من أهم مسائله والمراد منه الاعتقاد بأنّه ليس هناك من تجب طاعته بالذات إلّا الله تعالى، فهو وحده الذي يجب أن يُطاع وتمتثل أوامره، وأمّا طاعة غيره فإنّما تجوز إذا كانت بإذنه وأمره وإلاّ تكون محرمة، ووجه ذلك هو أنّ الطاعة من شؤون المالكية والمملوكية، ومن فروع الربوبية والمربوبية، فالمالك للوجود بأسره ورب الكون الذي منه وإليه كل شؤوننا هو الذي يجب أن يُطاع دون سواه، ولا تعني الطاعة ـ في الحقيقة ـ سوى أن نضع ما وهبنا من آلاء ونعم بما في ذلك « وجودنا » و « إرادتنا » ـ في الموضع الذي يرضاه ولا ريب أنّ المروق من هذه الطاعة لا يكون إلّا ظلماً تقبّحه العقول السليمة، وتنفر منه الطباع المستقيمة.

وبعبارة أوضح: أنّ التوحيد في الطاعة يعد في الحقيقة من شؤون التوحيد في الأفعال.

فعندما نعتقد بأنّه ليس للكون إلّا خالق ومنعم واحد وأنّ وجود العالم مستمد من ذلك الخالق المنعم، في هذه الصورة يتعين بالضرورة أن نعترف بأنّه ليس في الوجود سوى مطاع واحد هو الذي تجب طاعته دون غيره، وإلى ذلك يشير قوله سبحانه:( يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَنْتُمُ الفُقَراءُ إِلَىٰ اللهِ واللهُ هُوَ الغَنِيُّ الحَمِيدُ ) (١) .

__________________

(١) فاطر: ١٥.

٦٣٥

ولأجل ذلك نجد القرآن الكريم يطرح مسألة الطاعة لله وحده مشعراً بانحصارها فيه، إذ قال :

( فَاتَّقُوا اللهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ وَاسْمَعُوا وَأَطِيعُوا وَأَنفِقُوا خَيْراً لأنْفُسِكُمْ ) (١) .

وتقرب من ذلك الآية التالية حيث تمدح فريقاً من المؤمنين بأنّهم يسمعون أوامر الله ويطيعونها مشعرة بانحصار الطاعة فيه سبحانه إذ تقول :

( وَقَالُوا سَمِعْنَا وََأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ المَصِيرُ ) .(٢)

وفي آية ثالثة تصرح بأنّ النبي لا يُطاع إلّا بإذنه سبحانه :

( وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إلّا لِيُطَاعَ بِإِذْنِ اللهِ ) (٣) .

فهذه الآية تفيد ـ بوضوح ـ أنّ طاعة النبي فرع لطاعة الله، وأنّها في طول طاعته تعالى وليس في عرضها ومصافها، بمعنى أنّها ليست واجبة بذاتها وأنّ النبي ليس مطاعاً بذاته، فلو لم يأمر بها لما وجبت طاعته ولما كان مطاعاً.

وفي آية رابعة تعد طاعة النبي طاعة الله نفسه، إذ تقول :

( مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللهُ ) (٤) .

فإذا كان هذا حال النبي فحال غيره أوضح، فتلخص أنّه ليس هناك من تجب طاعته بالذات إلّا الله سبحانه وأمّا إطاعة غيره فإنّما تجب بأمر من تجب طاعته بالذات.

__________________

(١) التغابن: ١٦.

(٢) البقرة: ٢٨٥.

(٣) النساء: ٦٤.

(٤) النساء: ٨٠.

٦٣٦

الذين تجب طاعتهم بأمره

يصرح القرآن الكريم بوجوب طاعة طوائف خاصة بإذنه وأمره، وفي مقدّمتهم النبي الأكرم ثم أُولو الأمر من المؤمنين ثم الوالدان.

ولـمّا كان البحث عن المطاع الثاني يرتبط بمباحث الحكومة والولاية التي تأتي في الجزء الثاني من هذا الكتاب، لذلك نرجئ البحث عنه إلى ذلك الجزء، ونخص البحث في هذا الفصل بالأوّل والثالث فنقول :

١. الرسول الأكرمصلى‌الله‌عليه‌وآله

إنّ النبي الأعظمصلى‌الله‌عليه‌وآله ممّن افترض الله طاعته والانقياد لأوامره والانتهاء عن نواهيه، وهذه حقيقة صرّحت بها الآيات التالية مضافاً إلى الآيات التي مر ذكرها عليك :

وهذه الآيات هي :

( قُلْ أَطِيعُوا اللهَ وَالرَّسُولَ فَإِنْ تَولَّوْا فَإِنَّ اللهَ لا يُحِبُّ الكَافِرِينَ ) (١) .

( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ ) (٢) .

( وَأَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَاحْذَرُوا ) (٣) .

( وَأَطِيعُوا اللهَ وَرَسُولَهُ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنينَ ) (٤) .

__________________

(١) آل عمران: ٣٢.

(٢) النساء: ٥٩.

(٣) المائدة: ٩٢.

(٤) الأنفال: ١.

٦٣٧

( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللهَ وَرَسُولَهُ وَلاَ تَولَّوا عَنْهُ وَأَنْتُمْ تَسْمَعُونَ ) (١) .

( وَأَطِيعُوا اللهَ وَرَسُولَهُ وَلا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا ) (٢) .

( قُلْ أَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ فَإِنْ تَوَلَّوا فَإِنَّمَا عَلَيْهِ مَا حُمِّلَ وَعَلَيْكُمْ مَا حُمِّلْتُمْ وَإِنْ تُطِيعُوهُ تَهْتَدُوا ) (٣) .

( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَلاَ تُبْطِلُوا أَعْمَالَكُمْ ) (٤) .

( وَأَطِيعُوا اللهَ وَرَسُولَهُ واللهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ ) (٥) .

( وَأَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ فَإِن تَوَلَّيْتُمْ فَإِنَّمَا عَلَىٰ رَسُولِنَا البَلاَغُ المُبِينُ ) (٦) .

وقد ورد لزوم طاعة النبي في آيات أُخرى في صورة التسوية، بين طاعة الله وطاعة الرسول مثل قوله:( وَمَنْ يُطِعِ اللهَ والرَّسُولَ فَأُولَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللهُ عَلَيْهِمْ ) (٧) .

( مَنْ يُطِع الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللهَ ) (٨) .

( وَمَنْ يُطِعِ اللهَ وَرَسُولَهُ وَيَخْشَ اللهَ وَيَتَّقْهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الفَائِزُونَ ) (٩) .

__________________

(١) الأنفال: ٢٠.

(٢) الأنفال: ٤٦.

(٣) النور: ٥٤.

(٤) محمد: ٣٣.

(٥) المجادلة: ١٣.

(٦) التغابن: ١٢.

(٧) النساء: ٦٩.

(٨) النساء: ٨٠.

(٩) النور: ٥٢.

٦٣٨

( وَمَنْ يُطِعِ اللهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً ) (١) .

( وَمَنْ يُطِعِ اللهَ وَرَسُولَهُ يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأنْهَارُ ) (٢) .

( وَيُطِيعُونَ اللهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللهُ ) (٣) .

( وَأَقِمْنَ الصَّلاَةَ وَآتِينَ الزَّكَاةَ وَأَطِعْنَ اللهَ وَرَسُولَهُ ) (٤) .

ثم يعود القرآن فيصف معصية الرسول بالكفر، لأنّ رد الرسول والتمرّد عليه رد على الله وتمرّد عليه، إذ يقول :

( قُلْ أَطِيعُوا اللهَ وَالرَّسُولَ فَإِنْ تَوَلَّوا فَإِنَّ اللهَ لا يُحِبُّ الكَافِرِينَ ) (٥) .

وعلى هذا الأساس يعتبر القرآن تكذيب النبي بمنزلة التكذيب لله والجحد لآياته سبحانه، إذ يقول :

( قَدْ نَعْلَمُ إِنَّهُ لَيَحْزُنُكَ الَّذِي يَقُولُونَ فَإِنَّهُمْ لاَ يُكَذِّبُونَكَ وَلَكِنَّ الظَّالِمِينَ بِآياتِ الله يَجْحَدُونَ ) (٦) .

وعلى هذا يعتبر تكذيب القرآن، وتكذيب النبي بل وتكذيب أي شخص أو شيء مرتبط بالله ارتباطاً مسلماً، تكذيباً لله تعالى، في الحقيقة.

__________________

(١) الأحزاب: ٧١.

(٢) الفتح: ١٧.

(٣) التوبة: ٧١.

(٤) الأحزاب: ٣٣.

(٥) آل عمران: ٣٢.

(٦) الأنعام: ٣٣.

٦٣٩

ما هو المراد من إطاعة النبي ؟

إنّ النبي الأعظم بما هو نبي ورسول كان يتحمل من جانبه سبحانه أُموراً ووظائف هامّة تنبع من صميم نبوته ورسالته ونشير إلى أهمها :

الأوّل: تلاوة وتعليم الآيات القرآنية، التي كان ينزل بها أمين الوحي جبرائيل، على قلبه الشريف، تلك الآيات التي كانت تتضمن الأوامر والنواهي الإلهية، مثل أقيموا الصلاة، وآتوا الزكاة، وما شابه ذلك.

الثاني: إبلاغ الأحكام والأوامر والنواهي بالبيان الشخصي، والمراد من البيان الشخصي هو « الأحاديث » والألفاظ التي يكون إنشاؤها من النبي نفسه، فيما يكون معانيها من جانب الله تعالى، وهو ما يطلق عليه « الحديث النبوي » حسب ما اصطلح عليه.

ولم يكن للنبي في إبلاغه لرسالات ربه من شأن ـ سواء أكان عن طريق تلاوة القرآن أم عن طريق أحاديثه ـ إلّا كونه رسولاً ومبلغاً لأوامره ونواهيه سبحانه.

وإذا ما وجدنا القرآن الكريم يصف النبي بأنّه: « الشاهد والبشير والنذير » وما شابه ذلك، فإنّ تلك الأوصاف ليست ناظرة إلّا إلى هذه الوظائف التي ما كان للنبي فيها من دور إلّا دور المبلغ حسب.

الثالث: أعمال الولاية الإلهية الموهوبة له من الله سبحانه بقوله:( النَّبِيُّ أَوْلَىٰ بِالمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ ) (١) ومن الواضح أنّ إعمالها يحتاج إلى إصدار أوامر ونواهي إلى المؤمنين، ولا ينجح النبي في هذا المقام إلّا أن يكون مطاعاً بين أُمّته.

__________________

(١) الأحزاب: ٦.

٦٤٠

641

642

643

644

645

646

647

648

649

650

651

652

653

654

655

656

657

658

659

660

661

662

663

664

665

666

667

668

669

670

671

672