مفاهيم القرآن الجزء ١

مفاهيم القرآن8%

مفاهيم القرآن مؤلف:
الناشر: مؤسّسة الإمام الصادق (عليه السلام)
تصنيف: مفاهيم القرآن
ISBN: 964-357-249-8
الصفحات: 672

الجزء ١ الجزء ٢ الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥ الجزء ٦ الجزء ٧ الجزء ٨ الجزء ٩ الجزء ١٠
  • البداية
  • السابق
  • 672 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 154552 / تحميل: 6001
الحجم الحجم الحجم
مفاهيم القرآن

مفاهيم القرآن الجزء ١

مؤلف:
الناشر: مؤسّسة الإمام الصادق (عليه السلام)
ISBN: ٩٦٤-٣٥٧-٢٤٩-٨
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة


1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

القذارة المعنوية، فأذهب الله عنها الرجس وطهَّرها تطهيراً.

وهاك طائفة من الأحاديث الصحيحة التي تصرّح بهذا المعنى:

1 - روى القندوزي في ينابيع المودّة ص260 عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : إنّما سمِّيت فاطمةُ البتول لأنّها تبتَّلت في الحيض والنفاس.

2 - روى محمد صالح الكشفي الحنفي في (المناقب) عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله قال: وسُمّيت فاطمة بتولاً لأنّها تبتّلت وتقطَّعت عمّا هو معتاد العورات في كل شهر.

3 - روى الأمرتسري في (أرجح المطالب): أنّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله سُئل عن بتول وقيل: إنَّا سمعناك - يا رسول الله - تقول: مريم بتول وفاطمة بتول؟ فقال: البتول التي لم تر حمرة قط، أي لم تحض، فإنّ الحيض مكروه في بنات الأنبياء. أخرجه الحاكم.

4 - وروى الحافظ أبو بكر الشافعي في (تاريخ بغداد ج13 ص331) عن ابن عباس قال: قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : ابنتي حوراء آدميّة لم تحض ولم تطمث... الخ ورواه النسائي أيضاً.

5 - وروى ابن عساكر في (التاريخ الكبير ج1 ص391) عن أنس بن مالك عن أم سليم قالت: لم تر فاطمةرضي‌الله‌عنها دماً في حيض ولا في نفاس.

6 - الحافظ السيوطي: ومن خصائص فاطمةرضي‌الله‌عنها أنّها كانت لا تحيض، وكانت إذا ولدت طهرت من نفاسها بعد ساعة حتى لا تفوتها صلاة.

7 - وروى الرافعي في التدوين عن أم سلمةرضي‌الله‌عنها قالت: ما رأت فاطمةرضي‌الله‌عنها في نفاسها دماً ولا حيضاً.

١٠١

8 - روى الطبري في (ذخائر العقبى) عن أسماء بنت عُميس قالت: قبلت (أي ولدت) فاطمة بالحسن فلم أر لها دماً في حيض ولا نفاس، فقال النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله : أما علمت أنّ ابنتي طاهرة مطهّرة، لا يُرى لها دمٌ في طمث ولا ولادة.

ورواه الصفوري في (نزهة المجالس) ص227.

9 - عن أبي بصير عن الإمام الصادقعليه‌السلام قال: حرَّم الله عزّ وجل على علي النساء ما دامت فاطمة حيَّة (في قيد الحياة) قلت: وكيف؟ قال: لأنّها طاهرة لا تحيض.

قال شيخنا المجلسي: هذا التعليل يحتمل وجهين:

الأول: أن يكون المراد أنّها لما كانت لا تحيض حتى يكون له عذر في مباشرة غيرها؛ فلذا حرَّم الله عليه غيرها رعاية لحرمتها.

الثاني: أنّ جلالتها منعت من ذلك، وعبَّر عن ذلك ببعض ما يلزمه من الصفات التي اختصت بها.

أقول: ونزاهة السيدة فاطمة الزهراءعليها‌السلام عن هذه الدماء تُعتبر من مصاديق آية التطهير التي تُصرِّح بإذهاب الرجس عنهم وتطهيرهم تطهيراً.

١٠٢

العَذْرَاء

لقد مرّ عليك أنّ من جملة أسمائها: العذراء أي أنّها كانت عذراء دائماً، وقد مرّت عليك أحاديث كثيرة تصرِّح بأنَّ السيدة فاطمة الزهراءعليها‌السلام خُلقت من طعام الجنّة، وصرَّح النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله بأنّها حوراء إنسيّة، وليس في هذا التعبير شيء من المجاز أو الغلوّ، بل هي الحقيقة والحق، ونجد إلى جانب تلك الأحاديث قوله تعالى:( إِنَّا أَنْشَأْنَاهُنَّ إِنْشَاءً * فَجَعَلْنَاهُنَّ أَبْكَاراً ) ومعنى ذلك أنَّ الحور العين أبكار دائماً، وفي مجمع البيان في تفسير الآية: لا يأتيهنّ أزواجهن إلاّ وجدوهنّ أبكاراً.

وهذا حديث يفسِّر الموضوع تفسيراً كاملاً، فقد سأل رجل من الإمام الصادقعليه‌السلام في ضمن مسائل - قال: فكيف تكون الحوراء في كل ما أتاها زوجها - عذراء؟ قال: لأنّها خُلقت من الطيب، لا يعتريها عاهة ولا تخالط جسمها آفة... ولا يدنسها حيض، فالرحم ملتزقة... إلى آخره(1) .

____________________

(1) البرهان في تفسير القرآن ج 4 / 281.

١٠٣

حَيَاتها وَنَشْأَتُهَا

لقد فتحت السيدة فاطمة الزهراء عينها في وجه الحياة، وفي وجه أبيها الرسول ترتضع من أمِّها السيدة خديجة اللبن المزيج بالفضائل والكمال.

وكانت تنمو في بيت الوحي نموًّا متزايداً، وتنبت في مهبط الرسالة نباتاً حسناً، يزقّها أبوها الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله العلوم الإلهيّة، ويفيض عليها المعارف الربّانية، ويعلّمها أحسن دروس التوحيد، وأرقى علوم الإيمان وأجمل حقائق الإسلام.

ويربّيها أفضل تربية وأحسنها؛ إذ وجد الرسول في ابنته المثالية كامل الاستعداد لقبول العلوم ووعيها، ووجد في نفسها الشريفة الطيّبة كل الروحانية والنورانية، والتهيّؤ لصعود مدارج الكمال.

إلى جانب هذا شاءت الحكمة الإلهيّة للسيّدة فاطمة الزهراء أن تكون حياتها ممزوجة بالمكاره، مشفوعة بالآلام والمآسي منذ صغر سنّها، فإنّها فتحت عينها في وجه الحياة وإذا بها ترى أباها خائفاً، يحاربه الأقربون والأبعدون ويناوئه الكفّار والمشركون.

فربّما حضرت فاطمة في المسجد الحرام فرأت أباها جالساً في حِجر إسماعيلعليه‌السلام يتلو القرآن، وترى بعض المشركين يوصلون إليه أنواع الأذى، ويحاربونه محاربة نفسيّة.

وحضرت يوماً فنظرت إلى بعض المشركين وهو يُفرغ سلا الناقة(1)

____________________

(1) هو الكيس الذي يتكوّن فيه الجنين.

١٠٤

على ظهر أبيها الرسول وهو ساجد.

كانت الزهراء تشاهد ذلك المنظر المؤلم، وتمسح ذلك عن ظهر أبيها وثيابه وتوسعهم سبّاً وشتماً، وهم يضحكون من سبابها وشتائمها، شأن السفلة الأوباش.

وعن ابن عباس: إنّ قريشاً اجتمعوا في الحجر، فتعاقدوا باللات والعزّى ومناة: لو رأينا محمداً لقمنا مقام رجل واحد، ولنقتلنّه، فدخلت فاطمةعليها‌السلام على النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله باكية، وحكت مقالهم... إلى آخر كلامه.

واشتدّت الأزمة وزادت المحنة حتى اضطرّ الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله أن يختفي في شعب أبي طالب، ورافقته عائلته، وآل أبي طالب إلى ذلك المكان، وكانوا يعيشون في جوٍّ من الإرهاب والإرعاب. ففي كل ليلة يتوقّعون هجوم المشركين عليهم وخاصة بعد أن كتب المشركون الصحيفة القاطعة، وحاصروا بني هاشم حصاراً اقتصادياً فلا يَدَعونهم يبيعون ولا يشترون شيئاً حتى المواد الغذائية، بل ومنعوا إيصال الطعام إليهم، فاستولى الجوع عليهم، وأثَّر في الأطفال أكثر وأكثر، فلا عجب إذا كانت أصوات بكاء الأطفال تصل إلى مسامع أهل مكّة، فبين شامت بهم مسرور، وبين متألِّم حزين.

وطالت المدّة ثلاث سنين وشهوراً، وكانت السيدة فاطمة من الذين شملتهم هذه المأساة.

وهذه المآسي أيقظت في السيدة فاطمة روح الجهاد والاستقامة والمثابرة، وكأنّها كانت فترة التمرين والتدريب للمستقبل القريب.

وممّا كان يهوِّن الخطب، ويجبر خاطر السيّدة فاطمة الزهراء، ويقرّ عينها أنّها كانت ترى البطل الشهم أبا طالب يقف ذلك الموقف المشرِّف في نصرة أبيها الرسول؛ فكان تارة يحمل سيفه ويرافقه أخوه حمزة ويمشيان

١٠٥

خلف الرسول نحو المسجد الحرام ليعلن مؤازرته ومناصرته للرسول، وكأنّهما جنديان مسلّحان في حالة الإنذار، وربّما انضمّ إلى أبي طالب بعض عبيده ومواليه يمشون خلف الرسول وكأنّهم مفرزة عسكرية أو سَرِيّة جيش.

وتارة أخرى كان يصرّح بتجاوبه وانحيازه إلى الرسول، فكان يعلن إسلامه إظهاراً للحقيقة، فينظم القصائد التي كان لها أحسن أثر في ذلك اليوم في دعم الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله ، ومنها:

ما رواه الطبري بإسناده أنّ رؤساء قريش لما رأوا دفاع أبي طالب عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله اجتمعوا إليه، وقالوا: جئناك بفتى قريش جمالاً وجوداً وشهامة: عمارة بن الوليد، ندفعه إليك وتدفع إلينا ابن أخيك الذي فرّق جماعتنا، وسفّه أحلامنا فنقتله!!

فقال أبو طالب: ما أنصفتموني! تعطوني ابنكم فأغذوه، وأعطيكم ابني فتقتلونه؟ بل، فليأت كل امرئ بولده فأقتله، وقال:

منعنا الرسول رسول المليك

ببيض تلألأ كلمع البروق

أذود وأحمي رسول المليك

حماية حامٍ عليه شفيق

وأقواله وأشعاره المنبئة عن إسلامه كثيرة لا تُحصى، فمن ذلك قوله:

ألم تعلموا أنّا وجدنا محمّداً

نبيّاً كموسى خطَّ في أوّل الكتبِ؟

أليس أبونا هاشم شدَّ أزره

وأوصى بنيه بالطعان وبالحربِ؟

وقوله من قصيدة:

وقالوا لأحمد: أنت امرؤ

خلوف اللسان ضعيف السبب

ألا إنّ أحمد قد جاءهم

بحقٍّ، ولم يأتهم بالكذب

وقوله في حديث الصحيفة، وهو من معجزات النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله :

١٠٦

وقد كان أمر الصحيفة عبرة

متى ما يخبِّر غائب القوم يعجبِ

محا الله منها كفرهم وعقوقهم

وما نقموا من ناطق الحقّ معربِ

وأمسى ابن عبد الله فينا مصدِّقاً

على ساخطٍ من قومنا غير معتبِ

وقوله من قصيدة يخصّ أخاه حمزة على اتباع النبي والصبر في طاعته:

صبراً أبا يعلى على دين أحمدٍ

وكن مظهراً للدين وُفّقت صابرا

فقد سرني إذ قلت إنّك مؤمن

فكن لرسول الله في الله ناصرا

وقوله يحض النجاشي (ملك الحبشة) على نصر النبي:

تعلَّم(1) مليك الحبش أنّ محمداً

نبيٌّ كموسى والمسيح ابن مريمِ

أتى بهدىً مثل الذي أتيا به

وكلٌّ بأمر الله يهدي ويعصمِ

وإنّكمُ تتلونه في كتابكم

بصدق حديث، لا حديث المرجّمِ

فلا تجعلوا لله نداً، وأسلموا

وإنّ طريق الحق ليس بمظلمِ

وقال أيضاً:

لقد أكرم الله النبيَّ محمّداً

فأكرم خلق الله في الناس أحمد

وشقّ له من اسمه ليجلّه

فذو العرش محمود، وهذا محمد(2)

وقال أيضاً:

كذبتم وبيتِ الله نبزي محمّداً

ولما نطاعن دونه ونناضلِ

ونُسلمه حتى نُصرَّع حوله

ونذهل عن أبنائنا والحلائلِ

وأبيض يستسقى الغمام بوجهه

ثمال اليتامى عصمة للأراملِ

يلوذ به الهلاّك من آل هاشم

فهم عنده في رحمةٍ وفواضلِ

____________________

(1) تعلَّم أي إعلم.

(2) وقد ضمنّ حسان بن ثابت هذا البيت في قصيدته في مدح الرسول.

١٠٧

ألم تعلموا أنّ ابننا لا مكذَّبٌ

لدينا، ولا نعبأ بقول الأباطلِ

فأيَّده ربُّ العباد بنصره

وأظهر ديناً حقّه غير باطلِ

أُقيمُ على نصر النبيّ محمّدٍ

أُقاتل عنه بالقنا والقنابلِ(1)

إلى غير ذلك من مواقفه وتصريحاته ومساندته للرسول الأكرمصلى‌الله‌عليه‌وآله ولولا إيمانه بالله واعتقاده بالإسلام لما وقف تلك المواقف، ولما غامَرَ بنفسه وبأولاده في سبيل نصرة النبي وتقوية دينه.

ولم يكن ذلك التفادي والمخاطرة بدافع القرابة، فلقد كان للرسول ثمانية أعمام (غير أبي طالب) فلماذا لم يسجِّل التاريخ لهم تلك المواقف المشرِّفة، بل سجّل التاريخ عن بعض أعمام النبي مواقف مخزية كمواقف عمِّه أبي لهب.

____________________

(1) القنابل: جمع قنبلة - الطائفة من الناس أو الخيل - وفي الاصطلاح الحديث هي القذيفة المحشوّة بمواد متفجّرة أو حارقة.

١٠٨

وَفَاةُ السيِّدَة خَديجَة الكُبْرى

كانت الأعوام تَمرّ، والسنوات تنقضي، وحياة الزهراء مشفوعة بالحوادث والمآسي، وقد بلغت السابعة من عمرها أو قاربت الثامنة وإذا بفاجعة تطلُّ على حياتها، وتخيِّم الهموم وتتراكم الأحزان على قلبها، وهي وفاة أُمّها السيدة خديجة، تلك الأُمّ البارَّة الحنون التي كانت تنظر إلى ابنتها الصغيرة فاطمة العزيزة نظرة حزن وتألّم وتأثّر؛ لأنّها تعلم أنّ الزهراء ستفجع بأُمّها العطوفة الرؤوفة.

كانت السيدة خديجة طريحة الفراش، وقد خيَّم عليها شبح الموت، فدخل عليها رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله وهي تعالج سكرات الموت فقال لها: بالرغم منَّا ما نرى بك يا خديجة، فإذا قدمت على ضرائرك فاقرئيهنّ السلام! قالت: مَن هنَّ يا رسول الله؟ قالصلى‌الله‌عليه‌وآله : مريم بنت عمران، وكلثم أُخت موسى، وآسية امرأة فرعون. فقالت: بالرفاء يا رسول الله(1) .

وكان رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله يقول: أُمرت أن أُبشِّر خديجة ببيت في الجنّة من قصب، لا صخب فيه ولا نصب(2) .

قال ابن الأثير في (النهاية): القصب - في هذا الحديث -: لؤلؤ

____________________

(1) البحار ج 19 / 24 عن من لا يحضره الفقيه.

(2) مسند أحمد.

١٠٩

مجوَّف واسع كالقصر المنيف. والصخب: الضجّة واضطراب الأصوات للخصام.

كانت السيدة خديجة تتأوّه وتبكي فقالت لها أسماء بنت عميس: أتبكين وأنت سيّدة نساء العالمين؟ وأنت زوجة النبي؟ مبشَّرة على لسانه بالجنّة؟ فقالت: ما لهذا بكيت، ولكن المرأة ليلة زفافها لا بدَّ لها من امرأة تفضي إليها بسرِّها وتستعين بها على حوائجها، وفاطمة حديثة عهد بصبا، وأخاف أن لا يكون لها مَن يتولّى أمرها حينئذ!

فقالت أسماء: يا سيّدتي لك عهد الله إن بقيت إلى ذلك الوقت أن أقوم مقامك في هذا الأمر.. إلخ.

وفارقت السيدة خديجة الحياة، وعمرها ثلاث وستون سنة (على قول) فكانت وفاتها ضربة مؤلمة على قلب الرسول، وخاصةً وأنّ النبي قد فُجع بعمِّه أبي طالب بعد أيام أو شهور من وفاة السيدة خديجة فازداد حزناً، حتى سمَّى تلك السنة (عام الحزن)؛ لأنّه أُصيب بمصيبتين عظيمتين على قلبه البار:

مصيبة زوجته خديجة، لا لأنّها زوجته فقط، بل لأنّها أَول مَن صدَّقته بالنبوّة، ولأنّها كانت زوجة ومعاضدة ومساعدة ومحامية لزوجها، لأنّها وهبت الآلاف المؤلّفة من أموالها في سبيل الإسلام، ولأنّها كانت تحمل شخصية فريدة من نوعها في مكّة، بل في نساء العرب.

ودُفنت في الحَجون، فنزل رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله في قبرها. وكانت السيدة فاطمةعليها‌السلام تلوذ برسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله وتدور حوله وتسأله: يا رسول الله أين أُمي؟ فجعل النبي لا يجيبها، وهي تدور على مَن تسأله، فهبط عليه جبرئيل فقال: إنّ ربّك

١١٠

يأمرك أن تقرأ على فاطمة السلام وتقول لها: أُمّك في بيت من قصب، كعابه من ذهب، وأعمدته من ياقوت أحمر، بين آسية امرأة فرعون ومريم بنت عمران.

فقالت فاطمة: إنّ الله هو السلام ومنه السلام، وإليه يعود السلام.

والمصيبة الأخرى مصيبة عمِّه أبي طالب الذي كفل النبي من يوم وفاة جدّه عبد المطلب، وهو ابن ثمان سنوات، واستمرّت الكفالة حتى بلغ النبي من العمر ثلاثاً وخمسين سنة، وهي السنة التي مات فيها أبو طالب.

ولأبي طالب حقوق وخدمات ومواقف تجاه النبي طيلة هذه السنوات تعتبر في قمّة فضائله وفواضله، ولولاه لمات الدين الإسلامي وهو في المهد:

ولولا أبو طالبٍ وابنه

لَما مَثُل الدين شخصاً فقاما

فهذا بمكّة آوى وحام

وهذا بيثرب جسَّ الحِماما

ولله ذا فاتحاً للهدى

ولله ذا للمعالي ختاما

وكان لهاتين الفاجعتين أكبر الأثر في حياة الرسول وتغيير مجراها، لولا موت أبي طالب لما هاجر من مكّة؛ لأنَّه حينذاك شعر بفقدان الناصر والكفيل والمحامي ولم يكن في أعمامه مَن يقوم مقام أبي طالب حتى عمّه حمزة يومذاك.

وقد رثاه ابنه الإمام علي بن أبي طالبعليه‌السلام بأبيات:

أبا طالبٍ عصمة المستجير

وغيث المحول ونور الظُّلَم

لقد هدَّ فقدك أهل الحفاظ

فصلَّى عليك ولي النعم

ولقَّاك ربّك رضوانه

فقد كنت للطهر من خير عم (1)

____________________

(1) كتاب الكنى والألقاب للقمّي.

١١١

فَاطِمَةُ الزّهْرَاءعليها‌السلام والهِجْرَة

ولمّا أُصيب رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله بوفاة السيدة خديجة وعمّه أبي طالب عزم على الهجرة من مكّة، وأمر عليّاً أن يبيت على فراشه تلك الليلة، وسُمّيت تلك الليلة: (ليلة المبيت) وهي الليلة التي اجتمع فيها حوالي أربعين أو أربعة عشر رجلاً من المشركين، وطوَّقوا بيت الرسول، وهم يريدون الهجوم على النبي ليقتلوه في بيته، فخرج النبي إلى الغار، وبقيت السيدة فاطمة في البيت، وهي تتوقّع هجوم الأعداء على دارها في كل ساعة وتستمع إلى هتافات الكفر والإلحاد ضد الرسول، ويعلم الله مدى الخوف والقلق المسيطر عليها طيلة تلك الليلة، وهي تعلم خشونة طباع المشركين وقساوة قلوبهم، فيكون أسوأ الاحتمالات عندها أقرب الاحتمالات.

وإلى أن أصبح الصباح من تلك الليلة، وهجم القوم في الدار شاهرين سيوفهم كأنّهم ذئاب ضارية أو كلاب مستسبعة تطلب فريستها، وقصدوا نحو فراش النبي فلم يجدوه بل وجودوا عليّاًعليه‌السلام راقداً في فراش النبي، ملتحفاً بردة رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله فخابت ظنونهم، وخرجوا من الدار فاشلين، وكادوا أن يتفجَّروا حقداً وغيظاً وغضباً.

فكانت تلك الساعات من أحرج الساعات وأكثرها خوفاً وفزعاً على قلب السيدة فاطمة الزهراءعليها‌السلام .

ويا ليت الأمر كان ينتهي هنا، ولكنّ أحقاد الكفر كانت كامنة في

١١٢

الصدور كأنّها جمرة تحت رماد.

ولمّا خرج أمير المؤمنينعليه‌السلام بالفواطم من مكّة وهُنَّ: فاطمة الزهراء بنت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله وفاطمة بنت أسد (أُمّ أمير المؤمنين) وفاطمة بنت الزبير بن عبد المطلب، فلحقهم العدو، واعترضهم في أثناء الطريق للحيلولة دون الهجرة، وكان الموقف حرجاً، واستولى الرعب والفزع على قلوب الفواطم من الأعداء، وكادت أن تقع هناك كارثة أو كوارث لولا حفظ الله وعنايته، ثم بسالة الإمام علي وبطولته المشهورة، وكفاهم الله شرّ الأعداء، ونجا علي والفواطم بقدرة الله تعالى.

وصلت الفواطم إلى المدينة، وقد كان رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله قد سبقهم إليها، وكان ينتظرهم، ولمّا وصلوا دخل النبي المدينة ونزل في دار أبي أيوب الأنصاري، والتحقت به ابنته فاطمة الزهراء، ونزلت على أُمّ أبي أيوب الأنصاري.

كانت السيدة الزهراء تعيش تحت ظل والدها الرسول في المدينة بعد أن مرَّت بها عواصف شديدة وحوادث مؤلمة: من موت أُمّها خديجة، وهجرة أبيها الرسول من وطنه ومسقط رأْسه، وهجوم الأعداء على الدار، وهجرتها من مكّة إلى المدينة، ومطاردة الأعداء لها

فهل انتهت تلك الحوادث والمصائب؟

كلاّ، بل كانت تلك القضايا بداية مآسي أخرى، وكوارث متسلسلة متعاقبة، إذ ما مضت سنة واحدة على الهجرة وإذا بالمشركين يجتمعون في مكّة ويقصدون التوجّه إلى المدينة لمحاربة الرسول والمسلمين.

فنزل جبرئيل وأخبر النبي بالمؤامرة، فخرجصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بالمسلمين من أهل المدينة وبمَن التحق به من المهاجرين من أهل مكّة، خرج بهم ليستقبل العدو في أثناء الطريق قبل وصولهم المدينة، فوصلوا

١١٣

إلى منطقة بين المدينة ومكّة يُقال لها: (بدر).

وهناك التقوا بالمشركين، وكان عدد المشركين ثلاثة أضعاف المسلمين، ولكن كانت الغلبة والانتصار للمسلمين والهزيمة والاندحار للمشركين، فرجع النبي إلى المدينة مظفَّراً منصوراً.

١١٤

فَاطِمَةُ الزّهْرَاءُعليها‌السلام يَوْم أُحُد

وبعد سنة واحدة وشهر وقعت غزوة أُحد، وقُتل فيها من أصحاب رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله سبعون رجلاً كانوا هم الصفوة والزبدة من أصحابه، وفي طليعتهم عمّه سيّد الشهداء حمزة بن عبد المطلب، وأُصيب رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله بحجر انكسرت منه جبهته الشريفة، وحجر أصاب فمه الطاهر وانكسرت منه ثناياه، وتخثَّر الدم على لحيته كأنّه حنّاء أو خضاب.

وفي تلك الآونة صاح إبليس صيحة سمعها المسلمون في أُحد، وسمعها أهل المدينة، صاح: (قُتل محمد).

اضطربت القلوب في جبهة القتال، وانهزم المنهزمون، وثبت المؤمنون حقّاً، ولم يكن اضطراب العوائل في المدينة بأقل من اضطراب المسلمين في ساحة القتال.

وقد خرجت صفية بنت عبد المطلب (عمّة النبي) وفاطمة الزهراء إلى أحد، فصاحت فاطمة، ووضعت يدها على رأسها، وخرجت تصرخ، وخرجت كل هاشمية وقرشية، واضعة يدها على رأسها.

وكان وصول فاطمة الزهراء وصفية إلى أُحد بعد أن وضعت الحرب أوزارها، وبعد أن قُتل مَن قُتِل، وجُرحَ مَن جُرح، وكان النبي يتفقّد القتلى ويبحث عن المفقودين من أصحابه.

وهو إذ ذاك قد وصل إلى مصرع حمزة، فوجده بحالة لا تُوصف،

١١٥

فقد مثّلوا به أقبح وأبشع مُثلة، فقد قطعوا أصابع يديه ورجليه، وجدعوا أنفه وأذنيه وشقّوا بطنه، وأخرجوا كبده، وقطعوا عورته، وتركوه بهذه الحالة.

كان هذا المنظر المشوَّه مؤلماً ومخدشاً لقلب الرسول، إذ هو نكاية وتنكيل من المشركين لعمِّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله وناصره والمدافع عنه.

كان الحزن والغيظ قد أخذ من الرسول كل مأْخذ، فبينما هو كذلك وإذا به يرى عمَّته صفية وابنته فاطمة قد توجَّهتا نحو تلك المنطقة، فغطى الرسول جثمان حمزة بردائه، وستَرَه من القرن إلى القدم كي لا يُرى شيء من مواضع المثلة.

وأقبلت صفية وفاطمة تعدُوان، وجلستا عند مصرع حمزة، وشرعتا بالبكاء والنحيب، ورسول الله يساعدهما على البكاء، ويشاركهما في الأنين والنحيب، ثم نظرت فاطمة إلى جراحة جبهة الرسول، وإلى الدماء المتخثّرة على وجهه الطاهر ولحيته الشريفة، فصاحت وجعلت تمسح الدم وتقول: اشتدّ غضب الله على مَن أَدمى وجه رسول الله.

فغسلت الدماء عن وجه أبيها، وكان علي يصبّ الماء بالمجنّ(1) .

فلمّا رأت فاطمة أنَّ الماء لا يزيد الدم إلاَّ كثرة عمدت إلى قطعة حصيرة فأحرقتها، وجعلت رمادها ضماداً على جبهة أبيها، وألزمته الجرح، فاستمسك الدم.

أترى كيف انقضت تلك الساعات على قلب فاطمة؟ فقد تداخلها الحزن العظيم والخوف الشديد وهي البنت البارَّة بأبيها، العارفة بحقّه.

ولمّا رجع عليعليه‌السلام من أُحد ناولَ فاطمة سيفه، وقال:

____________________

(1) المجنّ: التُرس.

١١٦

خذي هذا السيف، فلقد صدقني اليوم، وأنشأ يقول:

أفاطم هاكِ السيف غير ذميمِ

فلستُ برعديدٍ، ولا بلئيمِ

لعمري لقد أعذرتُ في نصر أحمدٍ

وطاعة ربٍّ بالعباد عليمِ

أُريد ثواب الله لا شيء غيره

ورضوانه في جنّة ونعيمِ

وكنتُ امرأً يسمو إذ الحرب شمُّرت

وقامت على ساقٍ بغير مليمِ

أممت بن عبد الدار حتى جرحته

بذي رونقٍ يفري العظام صميمِ

فغادرته بالقاع فارفضَّ جمعه

عباديد ممّا قانط وكليمِ

وسيفي بكفّي كالشهاب أهزُّه

أحزُّ به من عاتقٍ وصميمِ

فما زلت حتى فضَّ ربي جموعهم

وأشفيت منهم صدر كل حليمِ

أَميطي دماء القوم عنه فإنّه

سقى آل عبد الدار كأْس حميمِ

فقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : خذيه يا فاطمة فقد أدَّى بعلك ما عليه، قتل الله صناديد قريش بيديه(1) .

لقد مرَّ عليك أنّ السيدة فاطمة الزهراءعليها‌السلام حضرت في أُحد، بعد أن وضعت الحرب أوزارها، ولمّا نظرت إلى جراحة أبيها غسلت الدماء بالماء، وأحرقت قطعة حصيرة وجعلت رمادها على جبهة أبيها الرسول.

هذه الواقعة كما ذكرها المؤرّخون، ولكن في زماننا - هذا - جاءت طائفة من الناس، واعتبروا هذه الواقعة ساحة لمسرحياتهم الشاذة، فكتبوا بكل إصرار وإلحاح وتكرار أنّ فاطمة كانت تحضر جبهات القتال وتضمِّد الجرحى، وتداويهم وتسعفهم!!!

أنا ما أدري ما يقصد هؤلاء الشواذ من اختلاق هذه الأكذوبة؟

إذا قامت سيّدة بتضميد جراحة أبيها فقط وفقط في العمر مرة واحدة بعد انتهاء القتال هل يقال عنها: إنّها كانت تحضر جبهات القتال وتضمِّد

١١٧

الجرحى وتداويهم؟؟

أنا ما أدري ما هدف هؤلاء من ترويج هذا الباطل وإشاعة هذا الافتراء؟

هل يريدون المسَّ بقدسيَّة السيدة فاطمة الزهراء ونزاهتها؟

أم يريدون فتح الطريق للاختلاط بين الجنسين؟

ولنفرض أنّ نسيبة بنت كعب حضرت يوم أُحد لتضميد الجرحى، فهل معنى ذلك أن نعتبر السيدة فاطمة الزهراء، وهي سيّدة نساء العالمين في العفاف والحياء والحشمة والنزاهة والعصمة، نعتبرها كالموظفات في المستشفيات والمستوصفات ومؤسَّسات الإسعاف الدولية؟؟

أنا ما أدري ولعلّهم يدرون ويعرفون ما يبرِّر لهم هذه الأكذوبة!.

١١٨

مَشَاكِلُ السيّدَة فَاطِمَة في دَارِ أبيها

ومن المشاكل التي عكَّرت - على السيدة فاطمة الزهراءعليها‌السلام - حياتها أنّها ابتليت ببعض زوجات أبيها الرسول، من اللواتي قد تكوَّنت عندهنَّ عقدة نفسية، فكنَّ يحسدن السيدة فاطمة الزهراء على مواهبها وفضائلها، وخاصة وأنّ الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله كان يغمر السيدة فاطمة بألطافه ويمطر عليها عواطفه، ويحبّها حبّاً عجيباً يهيِّج في قلوب بعض نسائه الحسد الكامن.

فقد روى شيخنا المجلسي (عليه الرحمة) في السادس من البحار، عن كتاب الخصال، عن أبي عبد الله الصادقعليه‌السلام قال: دخل رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله منزله، فإذا عائشة مقبلة على فاطمة تصايحها، وهي تقول: والله يا بنت خديجة ما ترين إلا أنّ لأُمُّك علينا فضلاً، وأي فضل كان لها علينا؟ وما هي إلاَّ كبعضنا!!

فسمع النبي مقالتها لفاطمة، فلما رأت فاطمة رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله بكت، فقال: ما يبكيك يا بنت محمد؟

قالت: ذكرت عائشة أُمّي فنقّصتها فبكيتُ.

فغضب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ثم قال: مَه يا حميراء! فإنّ الله تبارك وتعالى باركَ في الودود الولود وإن خديجة (رحمها الله) ولدت منّي طاهراً (وهو عبد الله) وهو المطهّر، ووَلدت مني القاسم ورقية وأُمّ كلثوم وزينب، وأنت ممّن أعقم الله رَحِمها. فلم تلدي شيئاً (1) .

____________________

(1) الخصال للشيخ الصدوق.

١١٩

ولعائشة مواقف غير مشكورة تجاه السيدة فاطمة الزهراءعليها‌السلام تدل على جانب كبير من انحرافها العميق العريق المتواصل، بحيث لم يُعهد تلك المواقف المتطرّفة من بقيّة زوجات الرسول تجاه سيّدة العالمين.

فمنها: ما ستقرأه - عند البحث عن فدك - بأنّ عائشة شهدت عند أبيها أبي بكر أنّ الأنبياء لا يورِّثون؛ وذلك لكي تحرم السيدة فاطمةعليها‌السلام عن إرث أبيهاصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .

ومنها: لما بلغ عائشة خبرُ وفاة الزهراءعليها‌السلام تبسّمت!!

وسوف تقرأ أنّ السيدة فاطمة أوصت أسماء بنت عميس بعدم السماح لعائشة أن تحضر عند جنازتها ساعة الوفاة، وهذا يدلّ على سخطها على عائشة وعدم رضاها عنها، وقد قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : (إنّ الله يغضب لغضب فاطمة ويرضى لرضاها).

هذا... وفي هذا الحديث الأول تصريح بأنّ بنات السيدة خديجة الكبرى كلهنّ من رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله لا من زوج آخر، وليس هذا الحديث هو الدليل الوحيد على ذلك بل توجد أدلَّة وبراهين قطعيّة على أنَّهن كنَّ بنات رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله حقيقة، ومن صلبه، إلاّ أنّ المجال - في هذا الكتاب - لا يسع للشرح والتفصيل أكثر من هذا، ولعلّنا نلتقي - إن شاء الله - بالقرّاء في غير هذا الكتاب حول هذا الموضوع، ونؤدّي بعض ما يتطلّبه البحث والتحقيق.

١٢٠

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

461

462

463

464

465

466

467

468

469

470

471

472

473

474

475

476

477

478

479

480

481

482

483

484

485

486

487

488

489

490

491

492

493

494

495

496

497

498

499

500

501

502

503

504

505

506

507

508

509

510

511

512

513

514

515

516

517

518

519

520

521

522

523

524

525

526

527

528

529

530

531

532

533

534

535

536

537

538

539

540

541

542

543

544

545

546

547

548

549

550

551

552

553

554

555

556

557

558

559

560

561

562

563

564

565

566

567

568

569

570

571

572

573

574

575

576

577

578

579

580

581

582

583

584

585

586

587

588

589

590

591

592

593

594

595

596

597

598

599

600

601

602

603

604

605

606

607

608

609

610

611

612

613

614

615

616

617

618

619

620

عنوانه وصورته، فبالنسبة لروابط الحكومة الإسلامية وعلاقتها مع الأجانب ـ مثلاً ـ لا يمكن اتخاذ نظر واحد غير متغيّر.

فقد توجب بعض الظروف أن تتعامل الحكومة الإسلامية مع الأجانب وتوسّع الروابط السياسية والثقافية والتجارية معها، وربما أوجبت ظروف أُخرى أن تقطع هذه العلاقات أو تحرمها إلى أمد، أو تحددها على الأقل، غير أنّ هذا التغيير والتبدّل إنّما هو في شكل هذا القانون الحاكم على العلاقات وفي كيفية التطبيق والتنفيذ لا في أصل القانون وحقيقته، لأنّ على الحاكم الإسلامي أن يصون مصالح الأُمّة الإسلامية، ويحفظ مكانتها العالية، ولا يسمح لأن تقع تحت سيطرة الكفار والمستعمرين، وهذا القانون هو ما يصرح به القرآن، إذ يقول :

( وَلَنْ يَجْعَلَ اللهُ لِلْكَافِرينَ عَلَىٰ المُؤْمِنينَ سَبِيلاً ) (١) .

وتدل الآيات والأحاديث الأُخرى على أنّ هذا القانون لا يقبل التغيّر والتبدّل أبداً، غاية ما في الأمر أنّ صيانة الكيان الإسلامي قد تكون في قطع الروابط وقد تكون في إقامتها مع الآخرين.

وأنت إذا لاحظت الآيتين التاليتين تقف على أنّ أساس السياسة الإسلامية مع الدول الأُخرى مذكور فيهما بوضوح قال سبحانه :

( لا يَنْهَاكُمْ اللهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللهَ يُحِبُّ المُقْسِطِينَ *إِنَّما يَنْهَاكُمُ اللهَ عَنِ الذَّينَ قَاتَلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَأَخْرَجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ وَظَاهَرُوا عَلَىٰ إِخْرَاجِكُمْ أَنْ تَوَلَّوْهُمْ وَمَنْ يَتَولَّهُمْ فَأُولَئِكَ هُمْ الظَّالِمُونَ ) (٢) .

__________________

(١) النساء: ١٤١.

(٢) الممتحنة: ٨ ـ ٩.

٦٢١

وحاصل الآيتين: أنّ الله سبحانه ينهى عن إيجاد العلاقات الدبلوماسية مع الأُمم المحاربة للإسلام والمسلمين الذين أخرجوهم عن أوطانهم وظاهروا على عدوانهم.

وأمّا الأُمم المسالمة مع الحكومة الإسلامية فلا ضير في إقامة العلاقات معها وبذل البر والقسط إليهم.

قل لي بربك، هل يمكن أن نعتبر عمل حكومة مصر « لا شعبها » عملاً إسلامياً منطبقاً مع الموازين الإسلامية التي جاء بها القرآن ؟

أو ما أخرجت إسرائيل الأُمّة الإسلامية من وطنها السليب فلسطين ؟!

أو ما ظاهرت على إخراجهم، وانتزعت منهم حقوقهم المشروعة وشرّدتهم شرّ تشريد، وفرّقتهم شر تفريق ؟!

* * *

وهكذا الأمر في مسألة تقوية بنية الدفاع الإسلامي فإنّ هناك أصلاً كليّاً بيّنه القرآن على هذا الصعيد، إذ قال :

( وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ ) (١) .

فهذا القانون الذي يقرر ضرورة التفوق العسكري الإسلامي على جميع الجيوش العالمية قانون لا يتبدل ولا يقبل التغيير، غاية ما في الباب أنّ طريقة تطبيقه هي التي تقبل التغيير حسب الأدوار المختلفة.

ففي ما مضى كان الجيش الإسلامي يتسلّح بالرماح والسهام والسيوف ويتخذ من هذه الأسلحة ما كان يضمن له التفوق والغلبة، غير أنّ تطبيق هذا

__________________

(١) الأنفال: ٦٠.

٦٢٢

القانون في هذا العصر يقتضي تسليح الجيش الإسلامي بأحدث الأسلحة وأكثرها تطوراً، وقوّة وتفوقاً، في كل المجالات البرية والجوية والبحرية.

وخلاصة القول: إنّ زمام التشريع الإلهي ليس في أيدي الناس حتى هذا القسم من القوانين الأساسية التي ينبغي أن تساير تطور الحياة البشرية، فهي ثابتة روحاً وجوهراً، متغيرة تطبيقاً وشكلاً حسب ما تقتضي الظروف المتجددة.

ومع الإمعان في هذين المثالين والموردين يتضح حكم الموارد الأُخرى من القوانين المتغيرة :

الصنف الخامس

وهي الآيات التي تذم اليهود والنصارى لاتّخاذهم أحبارهم ورهبانهم أرباباً من دون الله، كقوله تعالى :

( اتَّخَذُوا أَحْبارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَاباً مِنْ دُونِ اللهِ وَالمَسِيحَ بْنَ مَرْيَمَ ) (١) .

كيف كانوا يتخذون رهبانهم وأحبارهم أرباباً، هل كانوا يعبدونهم ؟ كلا، بل كانوا يعطونهم حق التشريع الذي هو من الشؤون الإلهية، فإذا أحل الرهبان والأحبار لهم شيئاً أو حرّموا اتّبعوهم في ذلك.

أخرج الكليني، عن الإمام الصادقعليه‌السلام في تفسير قول الله جل وعزّ( اتَّخذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَاباً مِنْ دُونِ اللهِ ) (٢) :

« والله ما صاموا لهم، ولا صلّوا لهم، ولكن أحلّوا لهم حراماً وحرّموا عليهم

__________________

(١) التوبة: ٣١.

(٢) التوبة: ٣١.

٦٢٣

حلالاً فاتّبعوهم »(١) .

وروى الثعلبي باسناده عن عدي بن حاتم قال: أتيت رسول الله وفي عنقي صليب من ذهب، فقال لي: « يا عدي اطرح هذا الربق من عنقك » قال: فطرحته، ثم انتهيت إليه وهو يقرأ هذه الآية:( اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَاباً ) حتى فرغ منها، فقلت: إنّا لسنا نعبدهم، فقال: « أليس يحرّمون ما أحله الله فتحرمونه، ويحلّون ما حرّم الله فتستحلّونه ؟ » قال: فقلت: بلى، قال: « فتلك عبادة »(٢) .

وفي حديث آخر :

« أمّا والله ما دعوهم إلى عبادة أنفسهم، ولو دعوهم ما أجابوهم، ولكن أحلّوا لهم حراماً وحرّموا عليهم حلالاً فعبدوهم من حيث لا يشعرون »(٣) .

الصنف السادس

تحثّ آيات هذا الصنف على أن لا يتقدّم المؤمنون على الله ورسوله واتّباعه على ما يأمر وينهى، إذ يقول :

( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لاَ تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللهِ وَرَسُولِهِ وَاتَّقُوا اللهَ إِنَّ اللهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ ) (٤) .

وقد ورد في المأثور أنّهصلى‌الله‌عليه‌وآله أمر بالإفطار في السفر غير أنّ بعضهم تمرّدوا عليه فسماهم رسول الله عصاة(٥) .

__________________

(١) و (٢) أُصول الكافي: ١ / ٥٣ وقد روى العلاّمة البحراني في تفسيره البرهان أحاديث جمة بهذا المضمون فراجع: ٢ / ١٢٠.

(٣) البرهان: ٢ / ١٢١.

(٤) الحجرات: ١.

(٥) وسائل الشيعة: ٤ / ١٢٥ باب وجوب الإفطار في السفر.

٦٢٤

ولأجل هذا يستنكر القرآن الكريم بشدة ـ في هذه السورة اتباع طلب النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ـ لآراء الناس ومشتهياتهم فيقول :

( وَاعْلَمُوا أَنَّ فِيكُمْ رَسُولَ اللهِ لَوْ يُطِيعُكُمْ فِي كَثِيرٍ مِنَ الأمْرِ لََعَنِتُّم ) (١) .

أي لأصابكم بسبب ذلك العنت والنصب.

وهنا يمكن أن ندرك عمق ما قاله الإمام أمير المؤمنين عليعليه‌السلام ، إذ قال :

« لأنسبنّ الإسلام نسبة لم ينسبها أحد من قبلي، ألا وإنّ الإسلام هو التسليم، والتسليم هو اليقين، واليقين هو التصديق، والتصديق هو الإقرار، والإقرار هو الأداء، والأداء هو العمل »(٢) .

ماذا يراد من الشرك في التشريع ؟

إذا وقفت على مضامين هذه الآيات وعرفت أنّ الله تعالى لم يعط زمام التشريع لأحد من عباده، تقف على أنّ العدول عنه عدول عن جادة التوحيد وتورط في الشرك.

إنّ التقنين والتشريع من الأفعال الإلهية التي يقوم سبحانه بها حسب، فلو أنّ أحداً اعتقد بأنّ غير الله يملك هذا الحق إلى جانب الله وإنّ الحبر اليهودي أو الراهب النصراني مثلاً أو من يشاكلهما له الحق في أن يسن للناس القوانين، ويعين من لدن نفسه لهم الحلال والحرام، فإنّه اتخذ سوى الله ربّاً، وبذلك نسب فعل الله إلى غيره، وتجاوز حد التوحيد بتعميم هذا الحق على غيره سبحانه، وكان بذلك مشركاً.

__________________

(١) الحجرات: ٧.

(٢) نهج البلاغة الكلمات القصار: الرقم ١٢٠.

٦٢٥

فلو اعتقد أحد بأنّ لغيره سبحانه حق التقنين وأنّ بيده زمام التحليل والتحريم ومصير العباد في حياتهم الاجتماعية والفردية فقد اتخذه ربّاً أي مالكاً لما يرجع إلى عاجل العباد وآجلهم، فلو خضع مع هذا الاعتقاد أمامه صار خضوعه عبادة، وعمله شركاً.

ولأجل هذا نجد القرآن يقول: إنّ اليهود والنصارى اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أرباباً، إذ معنى الربوبية في هذا المورد هو امتلاك الأمر وامتلاك زمام الاختيار في التحليل والتحريم، في حين أنّ الله سبحانه لم يعط لأحد مثل هذا الاختيار.

سؤال وإجابة

إذا ثبت أنّ زمام التشريع بيده سبحانه دون سواه فكيف يفسّر ما ورد في الأحاديث من :

١. انّ الله فرض الصلاة ركعتين ركعتين، ليكون المجموع عشر ركعات، فأضاف رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله إلى الركعتين ركعتين، وإلى المغرب ركعة.

٢. انّ الله فرض في السنة صوم شهر رمضان وسنَّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله صوم شعبان وثلاثة أيام من كلِّ شهر.

٣. انّ الله حرم الخمر بعينها وحرم رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله المسكر من كل شراب.

٤. انّ الله فرض الفرائض في الإرث ولم يقسم للجد شيئاً، ولكن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله أطعمه السدس.(١) ؟

__________________

(١) أُصول الكافي: ١ / ٢٦٦، الحديث ٤.

٦٢٦

يمكن أن يقال: انّ الله سبحانه أدّب رسوله فأحسن تأديبه وعلّمه مصالح الأحكام ومفاسدها وأوقفه على ملاكاتها ومناطاتها، ولما كانت الأحكام تابعة لمصالح ومفاسد كامنة في متعلّقاتها، وكان النبي بتعليم منه سبحانه واقفاً على المصالح والمفاسد على اختلاف درجاتها ومراتبها كان له أن ينص على أحكامه سبحانه من طريق الوقوف على عللها وملاكاتها، ولا يكون الاهتداء إلى أحكامه سبحانه من طريق التعرّف على عللها بأقصر من الطرق الأُخر التي يقف بها النبي على حلاله وحرامه، وإلى هذا يشير الإمام أمير المؤمنينعليه‌السلام بقوله :

« عقلوا الدين عقل وعاية ورعاية لا عقل سماع ورواية، فإنّ رواة العلم كثير ورعاته قليل »(١) .

غير أنّ اهتداءهصلى‌الله‌عليه‌وآله إلى الأحكام وتنصيصه بها من هذا الطريق قليل جداً لا يتجاوز عما ذكرناه، وبذلك يعلم حال الأئمّة المعصومين: في هذا المورد.

وقد يجاب عنه أنّ عمل الرسول لم يكن في هاتيك الموارد سوى مجرّد طلب وقد نفذ الله طلبه، لا أنّه قام بنفسه بتشريع وتقنين، ويشير إلى ذلك قوله: « فأجاز الله عزّ وجل له ذلك ».

ولو أنّ النبي كان يمتلك زمام التشريع وكان قد فوّض إليه أمر التقنين ـ على نحو ما تفيده كلمة التفويض(٢) ـ إذن لما احتاج إلى إذنه وإجازته المجدّدة، ولما كان للجملة المذكورة أي معنى.

* * *

__________________

(١) نهج البلاغة: الخطبة ٢٣٤ طبعة محمد عبده.

(٢) أي أنّ الله فوض هذا الحق إلى رسول الله واعتزل هو ليفعل النبي ما يشاء.

٦٢٧

قد تبيّن من هذا البحث الضافي أنّه لا مكان للسلطة التشريعية بمفهومها الشائع في ظل النظام الإسلامي، فليس لأحد ولا لجماعة حق في سن القانون، غير أنّه يبقى هناك سؤال، وهو: ماذا يخلف هذه السلطة في الحكومة الإسلامية ؟ نقول يخلفها جهازان :

١. فريق الإفتاء، وهم المجتهدون الذين يستنبطون الأحكام الشرعية عن الأدلّة وهؤلاء الجماعة يستكشفون الأحكام ببركة الأدلة وليست لآرائهم وأفكارهم من دون الاستناد إلى إحدى الأدلة الشرعية أيّة قيمة.

٢. فريق الشورى، ووظيفته تخطيط شؤون البلاد في الاقتصاد والسياسة والعمران على ضوء القوانين الإسلامية.

وأمّا تفصيل عمل هذين الفريقين فموكول إلى الجزء الثاني من كتابنا، الذي يتضمن البحث عن شؤون النبوة وقيادة النبي الأعظمصلى‌الله‌عليه‌وآله .

الشيعة وفكرة حق التشريع للأئمّة

نشر الكاتب إبراهيم السليمان الجهمان مقالاً في مجلة « الدعوة » تحت عنوان « مزاعم طائفة الشيعة » جاء فيه بأكاذيب وافتراءات على هذه الطائفة هم برآء منها، وممّا جاء فيه: أنّ الشيعة تزعم أنّ للأئمّة حقّ التشريع والنسخ ( أي نسخ الأحكام ).

إنْ هذا إلّا افتراء وكذب ألصقه بهم هذا الكاتب غير المكترث بما يقول، ونحن نرشد ـ هنا ـ القارئ الكريم إلى عقيدة الشيعة في حقّ أئمتهم بنقل ما تواتر عن إمامهم الخامس أبي جعفر الباقرعليه‌السلام حيث قال مخاطباً لجابر :

« يا جابر أنّا لو كنا نحدثكم برأينا وهوانا لكنّا من الهالكين، ولكنّا نحدثكم

٦٢٨

بأحاديث نكنزها عن رسول الله كما يكنز هؤلاء ذهبهم وفضّتهم ».

وفي رواية أُخرى: « ولكنّا نفتيهم بآثار من رسول الله وأُصول علم عندنا نتوارثها كابراً عن كابر ».

وفي رواية محمد بن شريح عن الصادقعليه‌السلام :

« والله ما نقول بأهوائنا ولا نقول برأينا، ولا نقول إلّا ما قال ربنا ».

وفي رواية عنهعليه‌السلام :

« مهما أجبتك فيه بشيء فهو عن رسول الله، لسنا نقول برأينا من شيء »(١) .

إلى غير ذلك من الأحاديث المتضافرة عنهم وكلّها تفيد أنّ علومهم وأحاديثهم مأخوذة عن نبيهم وجدهم الأطهر.

غير أنّا لا نريد أن نؤاخذ بالمثل، ولا نريد أن نعكر الصفو، فإنّ ما نسبه إلى تلك الطائفة أولى بأن ينسب إلى غيرهم فإنّ منهم من يعد الصحابة ممن حق لهم التشريع !!

يقول مؤلّف « السنّة قبل التدوين »: انّه تطلق السنّة أحياناً على ما عمل أصحاب رسول الله وإن لم يكن في القرآن، أو في المأثور عنه، وقد كان يفرق بعض المحدثين فيرى الحديث هو ما ينقل عن النبي والسنّة ما كان عليه العمل المأثور في الصدر الأوّل، وعلى ذلك يحمل قول عبد الرحمن بن مهدي: لم أر أحداً قط أعلم بالسنة ولا بالحديث الذي يدخل في السنّة من حماد بن زيد، وقوله: سفيان الثوري إمام في الحديث وليس بإمام في السنّة، والأوزاعي إمام في السنّة وليس بإمام في الحديث، ومالك إمام فيهما، ومن أبرز ما ثبت في السنّة بهذا المعنى سنّة

__________________

(١) راجع جامع أحاديث الشيعة، المقدمة: ١ / ١٧.

٦٢٩

الصحابة في الخمر، وتضمين الصناع، ويحتج بذلك بقوله: عليكم بسنتي وسنة الخلفاء المهديين الراشدين تمسّكوا بها وعضّوا عليها بالنواجذ.

وبما قال علي بن أبي طالب بعد ما جلد الشارب أربعين جلدة: « كف، جلد رسول الله أربعين، وأبو بكر أربعين وكملها عمر ثمانين، وكل سنّة ».

وقال ابن قيم الجوزية، في توجيه الحديث الأوّل: فقرن سنّة خلفائه بسنته، وأمر باتّباعها كما أمر باتّباع سنَّته، وهذا يتناول ما أفتوا به وسنّوه للأُمّة وإن لم يتقدّم من بينهم فيه شيء وإلاّ كان ذلك سنَّته(١) .

وهذه الروايات تدل على أنّ للصحابة سنة كسنّة النبي وآراءهم وفتاواهم حجّة كحديث رسول الله، فعندهم سنَّة أبي بكر، سنَّة عمر، وسنَّة علي.

وما أتفه ما رواه السيوطي في « تاريخ الخلفاء » قال: قال حاجب بن خليفة شهدت عمر بن عبد العزيز يخطب وهو خليفة فقال في خطبته: ألا إنّ ما سنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله وصاحباه، فهو دين نأخذ به وننتهي إليه وما سنَّ سواهما فإنّا نرجئه(٢) .

وفي محاورة ثعلبة بن أبي مالك القرضي مع عبد الملك بن مروان: وليست سنّة أحب إلي من سنّة عمر وقد أخّر صلاته إلى مزدلفة(٣) .

ومنهم من يجعل قول الصحابي حجة، من دون تسميته سنّة، فقد نقل الشيخ أبو زهرة عن ابن القيم انّه استدل على حجية آرائهم بنحو ستة وأربعين وجهاً.

__________________

(١) السنّة قبل التدوين: ١٨، راجع أعلام الموقعين: ٤ / ١٤٠.

(٢) تاريخ الخلفاء: ١٦٠.

(٣) طبقات ابن سعد: ٥ / ١٧٢.

٦٣٠

نعم خالف الشوكاني في المقام وجاء بالحق حيث قال: والحق أنّ قول الصحابي ليس بحجة، فإنّ الله سبحانه وتعالى لم يبعث إلى هذه الأُمّة إلّا نبينا محمداً وليس لنا إلّا رسول واحد، والصحابة ومن بعدهم مكلّفون على السواء باتّباع شرعه والكتاب والسنّة، فمن قال: إنّه تقوم الحجة من دين الله بغيرهما فقد قال في دين الله بما لا يثبت، وأثبت شرعاً لم يأمر الله به(١) .

وما ذكره الشوكاني حق والحق أحق أن يتّبع وقال سبحانه:( وَلاَ تَقُولُوا لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الكَذِبَ هٰذَا حَلاَلٌ وَهَذَا حَرَامٌ ) (٢) .

وقال سبحانه:( ءَاللهُ أَذِنَ لَكُمْ أَمْ عَلَىٰ اللهِ تَفْتَرُونَ ) (٣) .

إنّ حق التشريع من حقوقه سبحانه لم يعطه لأحد حسب مفاد هذه الآيات ولم يشرك فيه أحداً غير أنّ بعض أهل السنّة قد جانب الحق وأثبته للأُمراء، وراء الصحابة يسمّونه « صوافي الأُمراء ».

فعن المسيب بن رافع قال: إذا كان الشيء من القضاء وليس في الكتاب ولا في السنّة سمّي « صوافي الأُمراء » فجمع له أهل العلم فما اجتمع عليه رأيهم فهو الحق(٤) .

وعن هشام بن عروة قال: ما سمعت أبي يقول في شيء قط برأيه، قال: ربما سئل عن الشيء فيقول هذا من خالص السلطان(٥) .

__________________

(١) راجع ص: ٢٣١ ـ ٢٣٩ كتاب بحوث مع أهل السنّة والسلفية.

(٢) النحل: ١١٦.

(٣) يونس: ٥٩.

(٤) جامع بيان العلم: ٢ / ١٧٤.

(٥) جامع بيان العلم: ٢ / ١٤٧.

٦٣١

وبالاسناد عن أبي هرمز قال: أدركت أهل المدينة ما فيها الكتاب والسنّة والأمر ينزل فينظر فيه السلطان(١) .

هذا وذاك بل وغيره من الكلمات تفيد ـ بصراحة ـ أنّ الصحابة والأُمراء لهم حق التشريع والتقنين، وأنّ آراءهم ونظرياتهم تعدّ أحكاماً إلهية ـ حسب منطق أهل السنّة ـ وعلى ذلك فرعوا حجية القياس والرأي للعلماء قائلين بأنّا أمرنا بطاعة أُولي الأمر بمقتضى قوله:( أَطِيْعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الأمْرِ مِنْكُمْ ) ، فيدخل في هذه الاطاعة ما قالوه بقياس أو رأي(٢) .

ولقد أشبع الكلام في المقام العلاّمة الحجّة السيد مهدي الروحاني في كتابه القيّم « بحوث مع أهل السنّة والسلفية » فراجعه.

وقد عد الأُستاذ عبد الوهاب خلاف في كتابه « مصادر التشريع الإسلامي » في ما لا نص فيه، من الأدلة: إجماع أهل المدينة، وقول الصحابي، وإجماع أهل الكوفة، وإجماع الخلفاء الأربعة. فراجع ص ١٠٩ واقرأ ما فيه ثم أقض في التهمة التي ألصقها الجهمان بالشيعة، وأنّ أي طائفة أحرى بهذه النسبة.

__________________

(١) المصدر السابق.

(٢) لا يخفى ما في هذا الاستدلال من الوهن والضعف.

٦٣٢

الفصل الحادي عشر

الله والتوحيد في الطاعة

٦٣٣

الله والتوحيد في الطاعة

١. انحصار حق الطاعة في الله.

٢. الطوائف التي وجب طاعتها بإذن الله.

٣. الرسول الأعظمصلى‌الله‌عليه‌وآله .

٤. وظائف الرسول.

٥. أُولو الأمر.

٦. الوالدان.

٧. محدودية إطاعتهما.

٦٣٤

انحصار حق الطاعة في الله سبحانه

تعتبر مسألة التوحيد في الطاعة من أهم مسائله والمراد منه الاعتقاد بأنّه ليس هناك من تجب طاعته بالذات إلّا الله تعالى، فهو وحده الذي يجب أن يُطاع وتمتثل أوامره، وأمّا طاعة غيره فإنّما تجوز إذا كانت بإذنه وأمره وإلاّ تكون محرمة، ووجه ذلك هو أنّ الطاعة من شؤون المالكية والمملوكية، ومن فروع الربوبية والمربوبية، فالمالك للوجود بأسره ورب الكون الذي منه وإليه كل شؤوننا هو الذي يجب أن يُطاع دون سواه، ولا تعني الطاعة ـ في الحقيقة ـ سوى أن نضع ما وهبنا من آلاء ونعم بما في ذلك « وجودنا » و « إرادتنا » ـ في الموضع الذي يرضاه ولا ريب أنّ المروق من هذه الطاعة لا يكون إلّا ظلماً تقبّحه العقول السليمة، وتنفر منه الطباع المستقيمة.

وبعبارة أوضح: أنّ التوحيد في الطاعة يعد في الحقيقة من شؤون التوحيد في الأفعال.

فعندما نعتقد بأنّه ليس للكون إلّا خالق ومنعم واحد وأنّ وجود العالم مستمد من ذلك الخالق المنعم، في هذه الصورة يتعين بالضرورة أن نعترف بأنّه ليس في الوجود سوى مطاع واحد هو الذي تجب طاعته دون غيره، وإلى ذلك يشير قوله سبحانه:( يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَنْتُمُ الفُقَراءُ إِلَىٰ اللهِ واللهُ هُوَ الغَنِيُّ الحَمِيدُ ) (١) .

__________________

(١) فاطر: ١٥.

٦٣٥

ولأجل ذلك نجد القرآن الكريم يطرح مسألة الطاعة لله وحده مشعراً بانحصارها فيه، إذ قال :

( فَاتَّقُوا اللهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ وَاسْمَعُوا وَأَطِيعُوا وَأَنفِقُوا خَيْراً لأنْفُسِكُمْ ) (١) .

وتقرب من ذلك الآية التالية حيث تمدح فريقاً من المؤمنين بأنّهم يسمعون أوامر الله ويطيعونها مشعرة بانحصار الطاعة فيه سبحانه إذ تقول :

( وَقَالُوا سَمِعْنَا وََأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ المَصِيرُ ) .(٢)

وفي آية ثالثة تصرح بأنّ النبي لا يُطاع إلّا بإذنه سبحانه :

( وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إلّا لِيُطَاعَ بِإِذْنِ اللهِ ) (٣) .

فهذه الآية تفيد ـ بوضوح ـ أنّ طاعة النبي فرع لطاعة الله، وأنّها في طول طاعته تعالى وليس في عرضها ومصافها، بمعنى أنّها ليست واجبة بذاتها وأنّ النبي ليس مطاعاً بذاته، فلو لم يأمر بها لما وجبت طاعته ولما كان مطاعاً.

وفي آية رابعة تعد طاعة النبي طاعة الله نفسه، إذ تقول :

( مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللهُ ) (٤) .

فإذا كان هذا حال النبي فحال غيره أوضح، فتلخص أنّه ليس هناك من تجب طاعته بالذات إلّا الله سبحانه وأمّا إطاعة غيره فإنّما تجب بأمر من تجب طاعته بالذات.

__________________

(١) التغابن: ١٦.

(٢) البقرة: ٢٨٥.

(٣) النساء: ٦٤.

(٤) النساء: ٨٠.

٦٣٦

الذين تجب طاعتهم بأمره

يصرح القرآن الكريم بوجوب طاعة طوائف خاصة بإذنه وأمره، وفي مقدّمتهم النبي الأكرم ثم أُولو الأمر من المؤمنين ثم الوالدان.

ولـمّا كان البحث عن المطاع الثاني يرتبط بمباحث الحكومة والولاية التي تأتي في الجزء الثاني من هذا الكتاب، لذلك نرجئ البحث عنه إلى ذلك الجزء، ونخص البحث في هذا الفصل بالأوّل والثالث فنقول :

١. الرسول الأكرمصلى‌الله‌عليه‌وآله

إنّ النبي الأعظمصلى‌الله‌عليه‌وآله ممّن افترض الله طاعته والانقياد لأوامره والانتهاء عن نواهيه، وهذه حقيقة صرّحت بها الآيات التالية مضافاً إلى الآيات التي مر ذكرها عليك :

وهذه الآيات هي :

( قُلْ أَطِيعُوا اللهَ وَالرَّسُولَ فَإِنْ تَولَّوْا فَإِنَّ اللهَ لا يُحِبُّ الكَافِرِينَ ) (١) .

( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ ) (٢) .

( وَأَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَاحْذَرُوا ) (٣) .

( وَأَطِيعُوا اللهَ وَرَسُولَهُ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنينَ ) (٤) .

__________________

(١) آل عمران: ٣٢.

(٢) النساء: ٥٩.

(٣) المائدة: ٩٢.

(٤) الأنفال: ١.

٦٣٧

( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللهَ وَرَسُولَهُ وَلاَ تَولَّوا عَنْهُ وَأَنْتُمْ تَسْمَعُونَ ) (١) .

( وَأَطِيعُوا اللهَ وَرَسُولَهُ وَلا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا ) (٢) .

( قُلْ أَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ فَإِنْ تَوَلَّوا فَإِنَّمَا عَلَيْهِ مَا حُمِّلَ وَعَلَيْكُمْ مَا حُمِّلْتُمْ وَإِنْ تُطِيعُوهُ تَهْتَدُوا ) (٣) .

( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَلاَ تُبْطِلُوا أَعْمَالَكُمْ ) (٤) .

( وَأَطِيعُوا اللهَ وَرَسُولَهُ واللهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ ) (٥) .

( وَأَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ فَإِن تَوَلَّيْتُمْ فَإِنَّمَا عَلَىٰ رَسُولِنَا البَلاَغُ المُبِينُ ) (٦) .

وقد ورد لزوم طاعة النبي في آيات أُخرى في صورة التسوية، بين طاعة الله وطاعة الرسول مثل قوله:( وَمَنْ يُطِعِ اللهَ والرَّسُولَ فَأُولَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللهُ عَلَيْهِمْ ) (٧) .

( مَنْ يُطِع الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللهَ ) (٨) .

( وَمَنْ يُطِعِ اللهَ وَرَسُولَهُ وَيَخْشَ اللهَ وَيَتَّقْهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الفَائِزُونَ ) (٩) .

__________________

(١) الأنفال: ٢٠.

(٢) الأنفال: ٤٦.

(٣) النور: ٥٤.

(٤) محمد: ٣٣.

(٥) المجادلة: ١٣.

(٦) التغابن: ١٢.

(٧) النساء: ٦٩.

(٨) النساء: ٨٠.

(٩) النور: ٥٢.

٦٣٨

( وَمَنْ يُطِعِ اللهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً ) (١) .

( وَمَنْ يُطِعِ اللهَ وَرَسُولَهُ يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأنْهَارُ ) (٢) .

( وَيُطِيعُونَ اللهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللهُ ) (٣) .

( وَأَقِمْنَ الصَّلاَةَ وَآتِينَ الزَّكَاةَ وَأَطِعْنَ اللهَ وَرَسُولَهُ ) (٤) .

ثم يعود القرآن فيصف معصية الرسول بالكفر، لأنّ رد الرسول والتمرّد عليه رد على الله وتمرّد عليه، إذ يقول :

( قُلْ أَطِيعُوا اللهَ وَالرَّسُولَ فَإِنْ تَوَلَّوا فَإِنَّ اللهَ لا يُحِبُّ الكَافِرِينَ ) (٥) .

وعلى هذا الأساس يعتبر القرآن تكذيب النبي بمنزلة التكذيب لله والجحد لآياته سبحانه، إذ يقول :

( قَدْ نَعْلَمُ إِنَّهُ لَيَحْزُنُكَ الَّذِي يَقُولُونَ فَإِنَّهُمْ لاَ يُكَذِّبُونَكَ وَلَكِنَّ الظَّالِمِينَ بِآياتِ الله يَجْحَدُونَ ) (٦) .

وعلى هذا يعتبر تكذيب القرآن، وتكذيب النبي بل وتكذيب أي شخص أو شيء مرتبط بالله ارتباطاً مسلماً، تكذيباً لله تعالى، في الحقيقة.

__________________

(١) الأحزاب: ٧١.

(٢) الفتح: ١٧.

(٣) التوبة: ٧١.

(٤) الأحزاب: ٣٣.

(٥) آل عمران: ٣٢.

(٦) الأنعام: ٣٣.

٦٣٩

ما هو المراد من إطاعة النبي ؟

إنّ النبي الأعظم بما هو نبي ورسول كان يتحمل من جانبه سبحانه أُموراً ووظائف هامّة تنبع من صميم نبوته ورسالته ونشير إلى أهمها :

الأوّل: تلاوة وتعليم الآيات القرآنية، التي كان ينزل بها أمين الوحي جبرائيل، على قلبه الشريف، تلك الآيات التي كانت تتضمن الأوامر والنواهي الإلهية، مثل أقيموا الصلاة، وآتوا الزكاة، وما شابه ذلك.

الثاني: إبلاغ الأحكام والأوامر والنواهي بالبيان الشخصي، والمراد من البيان الشخصي هو « الأحاديث » والألفاظ التي يكون إنشاؤها من النبي نفسه، فيما يكون معانيها من جانب الله تعالى، وهو ما يطلق عليه « الحديث النبوي » حسب ما اصطلح عليه.

ولم يكن للنبي في إبلاغه لرسالات ربه من شأن ـ سواء أكان عن طريق تلاوة القرآن أم عن طريق أحاديثه ـ إلّا كونه رسولاً ومبلغاً لأوامره ونواهيه سبحانه.

وإذا ما وجدنا القرآن الكريم يصف النبي بأنّه: « الشاهد والبشير والنذير » وما شابه ذلك، فإنّ تلك الأوصاف ليست ناظرة إلّا إلى هذه الوظائف التي ما كان للنبي فيها من دور إلّا دور المبلغ حسب.

الثالث: أعمال الولاية الإلهية الموهوبة له من الله سبحانه بقوله:( النَّبِيُّ أَوْلَىٰ بِالمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ ) (١) ومن الواضح أنّ إعمالها يحتاج إلى إصدار أوامر ونواهي إلى المؤمنين، ولا ينجح النبي في هذا المقام إلّا أن يكون مطاعاً بين أُمّته.

__________________

(١) الأحزاب: ٦.

٦٤٠

641

642

643

644

645

646

647

648

649

650

651

652

653

654

655

656

657

658

659

660

661

662

663

664

665

666

667

668

669

670

671

672