مفاهيم القرآن الجزء ١

مفاهيم القرآن5%

مفاهيم القرآن مؤلف:
الناشر: مؤسّسة الإمام الصادق (عليه السلام)
تصنيف: مفاهيم القرآن
ISBN: 964-357-249-8
الصفحات: 672

الجزء ١ الجزء ٢ الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥ الجزء ٦ الجزء ٧ الجزء ٨ الجزء ٩ الجزء ١٠
  • البداية
  • السابق
  • 672 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 154852 / تحميل: 6017
الحجم الحجم الحجم
مفاهيم القرآن

مفاهيم القرآن الجزء ١

مؤلف:
الناشر: مؤسّسة الإمام الصادق (عليه السلام)
ISBN: ٩٦٤-٣٥٧-٢٤٩-٨
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة


1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

في بحار الأنوار: ٩٨/١٦٨:

عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال: إذا أتيت القبر بدأت فأثنيت على الله عز وجل، وصليت على النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ، واجتهدت في ذلك إن شاء الله، ثم تقول: سلامُ الله وسلام ملائكته فيما تروح وتغدو...

**

المسألة السادسة: من هم المتوسل بهم عند المسلمين

يكاد يكون التوسل والاستشفاع في مذهب أهل البيتعليهم‌السلام ، محصوراً روايةً وعملاً بمحمد وآله المعصومين، صلى الله عليه وعليهم.

ولم أجد في سيرة أئمتناعليهم‌السلام ، ولا في سلوك المتشرعين من أصحابهم وشيعتهم ذكراً للتوسل بأحد غير المعصومينعليهم‌السلام ! وإن وجد فهو توسلٌ بهم تبعاً للمعصومين أو في موارد خاصة.

نعم ورد في عدد من الأدعية عن أهل البيتعليهم‌السلام تعليم التوسل بالملائكة المقربين والأنبياء السابقين، وكتب الله المنزلة، وعباده الصالحين، والأعمال الصالحة..

ففي مصباح المتهجد/٣٥٨:

اللهم إني أتقرب اليك بجودك وكرمك، وأتشفع اليك بمحمد عبدك ورسولك، وأتوسل اليك بملائكتك المقربين، وأنبيائك المرسلين، أن تقيلني عثرتي، وتستر علي ذنوبي، وتغفرها لي، وتقبلني بقضاء حاجتي، ولا تعذبني بقبيح كان مني.

يا أهل التقوى وأهل المغفرة، يا بر ياكريم، أنت أبر بي من أبي وأمي، ومن نفسي، ومن الناس أجمعين، بي اليك فاقة وفقر، وأنت غني عني...

وفي مصباح المتهجد/٣٠٢:

روى ابراهيم بن عمر الصنعاني، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال: للأمر المخوف العظيم

٢٨١

تصلي ركعتين، وهي التي كانت الزهراءعليها‌السلام تصليها، تقرأ في الأولى الحمد، وقل هو الله أحد خمسين مرة، وفي الثانية مثل ذلك، فإذا سلمت صليت على النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ، ثم ترفع يديك وتقول:

اللهم إني أتوجه بهم اليك وأتوسل اليك بحقهم العظيم الذي لا يعلم كنهه سواك وبحق من حقه عندك عظيم، وبأسمائك الحسنى وكلماتك التامات، التي أمرتني أن أدعوك بها.

وأسألك باسمك العظيم الذي أمرت ابراهيمعليه‌السلام أن يدعو به الطير فأجابته.

وباسمك العظيم الذي قلت للنار كوني برداً وسلاماً على ابراهيم فكانت.

وبأحب أسمائك اليك، وأشرفها عندك، وأعظمها لديك، وأسرعها إجابة، وأنجحها طلبة، وبما أنت أهله ومستحقه ومستوجبه...

وأسألك بكتبك التي أنزلتها على أنبيائك ورسلك صلواتك عليهم أجمعين من التوراة والانجيل والقرآن العظيم، من أولها الى آخرها، فإن فيها اسمك الأعظم. وبما فيها من أسمائك العظمى أتقرب اليك.

التوسل بغير المعصومين عند السنيين

سيرة أئمة المذاهب السنية وسلوك أتباعهم حافلةٌ بالتوسل بمن يعتقدون صلاحه من شيوخ العلم والتصوف.

وحتى الحنابلة الذين يدعي ابن تيمية الانتساب اليهم ويشن باسمهم حملة ضد التوسل والاستشفاع ويكفر بهم المسلمين.. يعتقدون بالتوسل!!

فقد ثبت عن إمامهم أحمد وكبار متقدميهم ومتأخريهم، أنهم كانوا يزورون القبور ويتوسلون الى الله تعالى بأصحابها!!

وقد بنوا على قبر أحمد بن حنبل مسجداً وقبة! وجعلوه مزاراً يصلون عنده ويتمسحون به ويتوسلون به!!

٢٨٢

ففي وفيات الأعيان لابن خلكان: ١/٦٤:

أحمد بن حنبل... توفي ضحوة الجمعه لثنتي عشرة ليلة خلت من شهر ربيع الأول.. ودفن بمقبرة باب حرب، وباب حرب منسوب الى حرب بن عبد الله أحد أصحاب أبي جعفر المنصور، والى حرب هذا تنسب المحلة المعروفة بالحربية، وقبر أحمد بن حنبل مشهور بها يزار.

وفي مناقب الإمام أحمد لابن الجوزي/٤٥٤:

حدثني أبو بكر بن مكارم بن أبي يعلى الحربي وكان شيخاً صالحاً قال: كان قد جاء في بعض السنين مطرٌ كثير جداً قبل دخول رمضان بأيام، فنمت ليلة في رمضان فأريت في منامي كأني قد جئت على عادتي الى قبر الإمام أحمد بن حنبل أزور، فرأيت قبره قد التصق بالأرض حتى بقي بينه وبين الأرض مقدار ساف أو سافين، فقلت: إنما تم هذا علي قبر الإمام أحمد من كثرة الغيث!

فسمعته من القبر وهو يقول: لا، بل هذا من هيبة الحق عز وجل، لأنه عز وجل قد زارني!! فسألته عن سر زيارته إياي في كل عام فقال عز وجل: يا أحمد، لأنك نصر ت كلامي فهو ينشر ويتلى في المحاريب.فأقبلت على لحده أقبله ثم قلت: يا سيدي ما السر في أنه لا يقبل قبر إلا قبرك؟ فقال لي: يا بني، ليس هذا كرامة لي، ولكن هذا كرامة لرسول الله صلى الله عليه وسلم! لأن معي شعرات من شعره!!

ألا ومن يحبني يزورني في شهر رمضان! قال ذلك مرتين!!

وفي طبقات الحنابلة لأبي يعلى: ٢/١٨٦:

سمعت رزق الله يقول: زرت قبر الإمام أحمد صحبة القاضي الشريف أبو علي فرأيته يقبل رجل القبر! فقلت له: في هذا أثر؟

قال لي: أحمد في نفسي شيء عظيم، وما أظن أن الله تعالى يؤاخذني بهذا!!

وفي تاريخ بغداد للخطيب: ٤/٤٢٣:

عن أبي الفرج الهندباني يقول: كنت أزور قبر أحمد بن حنبل فتركته مدة، فرأيت

٢٨٣

في المنام قائلاً يقول لي: لم تركت زيارة إمام السنة!!

ورواه ابن الجوزي في مناقب الإمام أحمد/٤٨١

وفي رحلة ابن بطوطة: ١/٢٢٠:

قبور الخلفاء ببغداد وقبور بعض العلماء والصالحين بها... وبقرب الرصافة قبر الإمام أبي حنيفة، وعليه قبة عظيمة وزاوية فيها الطعام للوارد والصادر، وليس بمدينة بغداد اليوم زاوية يطعم الطعام فيها ماعدا هذه الزاوية.

وبالقرب منها قبر الإمام أبي عبد الله أحمد بن حنبل، ولا قبة عليه.. ويذكر أنها بنيت على قبره مراراً فتهدمت بقدرة الله تعالى.

وقبره عند أهل بغداد معظم، وأكثرهم على مذهبه، وبالقرب منه قبر أبي بكر الشبلي من أئمة المتصوفة.

وفي تاريخ الإسلام للذهبي: ٣٨/٢٣:

في عام ٥٥٤ غرقت مقبرة الإمام أحمد وخرجت الموتى على وجه الماء وكانت آية عجيبة.

وفي عمدة القاري للعيني: ٥ جزء ٩/٢٤١:

سعيد العلائي قال: رأيت في كلام أحمد بن حنبل.. أن الإمام أحمد سئل عن تقبيل قبر النبي ( ص ) وتقبيل منبره، فقال: لا بأس بذلك.

قال فأريناه للشيخ تقي الدين بن تيمية، فصار يتعجب من ذلك ويقول: عجبت! أحمد عندي جليل، يقول هذا الكلام!

وأي عجب.. وقد روينا عن الإمام أحمد أنه غسل قميصاً للشافعي وشرب الماء الذي غسله به!!

وفي تاريخ الإسلام للذهبي: ١٤/٣٣٥:

وقال ابن خزيمة: هل كان ابن حنبل إلا غلاماً من غلمان الشافعي؟

٢٨٤

وفي الاعتصام للشاطبي: ١/٢٢٦:

والجواب عن هذا ( قول أحمد بن حنبل ) أنه كلام مجتهد يحتمل اجتهاده الخطأ والصواب.. وقد كان ( ابن حنبل ) يميل الى نفي القياس، ولذلك قال: مازلنا نلعن أهل الرأي ويلعنوننا، حتى جاء الشافعي فخرج بيننا..

وفي الغدير للأميني: ٥/١٩٤:

قال ابن حجر في ( الخيرات الحسان ) في مناقب الإمام أبي حنيفة في الفصل الخامس والعشرين: إن الإمام الشافعي أيام كان هو ببغداد كان يتوسل بالامام أبي حنيفة ويجيء الى ضريحه يزوره فيسلم عليه، ثم يتوسل الى الله تعالى به في قضاء حاجاته، وقال: قد ثبت أن الإمام أحمد توسل بالامام الشافعي حتى تعجب ابنه عبد الله بن الإمام أحمد، فقال له أبوه: إن الشافعي كالشمس للناس وكالعافية للبدن. ولما بلغ الإمام الشافعي: أن أهل المغرب يتوسلون بالامام مالك لم ينكر عليهم.

وفي الغدير: ٥/١٩٨:

قال ابن الجوزي في المنتظم: ١٠/٢٨٣:

وفي أوائل جمادي الآخرة سنة ٥٧٤ تقدم أمير المؤمنين بعمل لوح ينصب علي قبر الإمام أحمد بن حنبل، فعمل ونقضت السترة جميعها وبنيت بآجر مقطوع جديدة، وبني له جانبان، ووقع اللوح الجديد وفي رأسه مكتوب: هذا ما أمر بعمله سيدنا ومولانا المستضيء بأمر الله أمير المؤمنين.

وفي وسطه: هذا قبر تاج السنة وحيد الأمة العالي الهمة العالم العابد الفقيه الزاهد الإمام أبي عبد الله أحمد بن محمد بن حنبل الشيبانيرحمه‌الله . وقد كتب تاريخ وفاته وآية الكرسي حول ذلك.

ووعدت بالجلوس في جامع المنصور، فتكلمت يوم الاثنين سادس عشر جمادي الأولى، فبات في الجامع خلق كثير وختمت ختمات، واجتمع للمجلس

٢٨٥

بكرة ما حزر بمائة ألف، وتاب خلق كثير وقطعت شعور، ثم نزلت فمضيت الى زيارة قبر أحمد، فتبعني من حزر بخمسة آلاف.

وفي الغدير للأميني: ٥/١٩٩:

الحافظ ابن عساكر في تاريخه: ٢/٤٦:

عن أبي بكر بن أنزويه قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم في المنام ومعه أحمد بن حنبل، فقلت: يا رسول الله من هذا؟

فقال: هذا أحمد ولي الله وولي رسول الله على الحقيقة، وأنفق على الحديث ألف دينار.

ثم قال: من يزوره غفر الله له، ومن يبغض أحمد فقد أبغضني، ومن أبغضني فقد أبغض الله.

وفي النهاية لابن كثير: ١٢/٣٢٣:

وفي صفر سنة ٥٤٢ رأى رجل في المنام قائلاً يقول له: من زار أحمد بن حنبل غفر له. قال: فلم يبق خاصٌ ولا عامٌ إلا زاره وعقدت يومئذٍ ثم مجلساً، فاجتمع فيه ألوفٌ من الناس!!

التوسل الواسع في صلاة الاستسقاء

ورد عندنا وعندهم الحث على التوسل في صلاة الاستسقاء بالأخيار والضعفاء والمرضى، ومن ذلك:ما قاله النووي في المجموع: ٥/٦٦:

قال في الأم: ولا آمر باخراج البهائم. وقال أبو اسحق: استحب اخراج البهائم، لعل الله تعالى يرحمها، لما روي أن سليمان صلى الله عليه وسلم خرج ليستسقي فرأى نملة تستسقي، فقال ارجعوا فإن الله تعالى سقاكم بغيركم.

ويكره إخراج الكفار للاستسقاء لأنهم أعداء الله فلا يجوز أن يتوسل بهم اليه، فإن حضروا وتميزوا لم يمنعوا، لأنهم جاؤوا في طلب الرزق.

٢٨٦

وقال في: ٥/٧٠:

يستحب أن يستسقى بالخيار من أقارب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وبأهل الصلاح من غيرهم، وبالشيوخ والضعفاء والصبيان والعجائز وغير ذوات الهيئات من النساء، ودليله ما ذكره المصنف.

وأيضاً ففي الصحيح أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: وهل تنصرون وترزقون إلا بضعفائكم؟ .

قال القاضي حسين والروياني والرافعي وآخرون من أصحابنا: ويستحب أن يذكر كل واحد من القوم في نفسه ما فعله من الطاعة الجليلة، ويتشفع به ويتوسل.

واستدلوا بحديث ابن عمر في الصحيحين عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في قصة أصحاب الغار الثلاثة الذين أووا الى غار فأطبقت عليهم صخرة، فتوسل كل واحد بصالح عمله، فأزال الله عنهم بسؤال كل واحد ثلثاً من الصخرة وخرجوا يمشون. انتهى.

فهذه فتاوى من فقهاء المذاهب الأربعة، تنص على التوسل بالصالحين والضعفاء والمرضى والأعمال والحيوانات، وتنص على أنه توسل واستشفاع، وهو أوسع من التوسل المتبادر الى أذهاننا بالنبي وأهل بيته صلى الله عليه وعليهم.

المسألة السابعة: التوسل العملي بالأعمال الصالحة

في بحار الأنوار: ٧٤/٣٩٨:

عن أمالي المفيد، عن أحمد بن الوليد، عن أبيه، عن الصفار، عن ابن عيسى، عن ابن محبوب، عن علي بن أبي حمزة، عن أبي بصير، عن أبي جعفر محمد بن علي بن الحسينعليهم‌السلام قال: قال أمير المؤمنينعليه‌السلام :

أفضل ما توسل به المتوسلون الايمان بالله، ورسوله، والجهاد في سبيل الله، وكلمة الاخلاص فإنها الفطرة، وإقام الصلاة فانها الملة، وإيتاء الزكاة فإنها من فرائض

٢٨٧

الله، وصيام شهر رمضان فإنه جنة من عذاب الله، وحج البيت فإنه ميقات للدين ومدحضة للذنب، وصلة الرحم فإنها مثراة للمال ومنسأة للاجل، والصدقة في السر فإنها تذهب الخطيئة وتطفيء غضب الرب، وصنايع المعروف فإنها تدفع ميتة السوء، وتقي مصارع الهوان.ومثله في: ٩٣/١٧٧

ونحوه في: ٧٤/٢٨٩، عن تحف العقول، قال: خطبتهعليه‌السلام المعروفة بالديباج:

الحمد لله فاطر الخلق، وخالق الاصباح، ومنشر الموتى، وباعث من في القبور، وأشهد أن لا الَه إلا الله وحده لا شريك له، وأن محمداً عبده ورسولهصلى‌الله‌عليه‌وآله عباد الله، إن أفضل ماتوسل به المتوسلون الى الله جل ذكره: الايمان بالله وبرسله وما جاءت به من عند الله... الحديث، كما تقدم بتفاوت.

ورواه في: ٧١/٤١٠، عن علل الشرائع عن أبي، عن سعد، عن ابراهيم بن مهزيار، عن أخيه علي، عن حماد عن ابراهيم بن عمر، رفعه الى أمير المؤمنينعليه‌السلام قال: إن أفضل ما توسل به المتوسلون...

ورواه في: ٦٢/٣٨٦، عن أمالي المفيد، عن الإمام الصادقعليه‌السلام ، بتفاوت وزيادة في آخره، قال ( ألا فاصدقوا فإن الله مع من صدق، وجانبوا الكذب فإن الكذب مجانب الايمان، ألا وإن الصادق على شفا منجاة وكرامة، ألا وإن الكاذب على شفا مخزاة وهلكة، ألا وقولوا خيراً تعرفوا به، واعملوا به تكونوا من أهله، وأدوا الأمانة الى من ائتمنكم، وصلوا من قطعكم، وعودوا بالفضل عليهم. انتهى.

ولكن التوسل بالأعمال الصالحة لا ينفي التوسل بالنبي وآلهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، فقد ثبت أنه لا يقبل عملٌ لمسلم إلا بولايتهم، وأنه لا يرفع دعاء إلا بالصلاة عليهم، وهو التوسل بهم! وقد روي ذلك عندنا في مصادر الجميع!

٢٨٨

الفصل الثاني

التوسل الى الله في مصادر السنيين

١ - تعليم النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله التوسل به الى الله تعالى

روى الترمذي: ٥/٢٢٩ برقم ٣٦٤٩:

حدثنا محمود بن غيلان، أخبرنا عثمان بن عمر، أخبرنا شعبة، عن أبي جعفر، عن عمارة بن خزيمة بن ثابت، عن عثمان بن حنيف: أن رجلاً ضرير البصر أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: أدع الله أن يعافيني.

قال: إن شئت دعوت، وإن شئت صبرت فهو خير لك.

قال: فادعه.

قال فأمره أن يتوضأ فيحسن وضوءه ويدعوه بهذا الدعاء: اللهم إني أسألك وأتوجه اليك بنبيك محمد نبي الرحمة. يا محمد إني توجهت بك الى ربي في حاجتي هذه لتقضى لي، اللهم فشفعه في.

هذا حديث حسن صحيح غريب، لا نعرفه إلا من هذا الوجه من حديث أبي جعفر، وهو غير الخطمي. انتهى.

٢٨٩

ورواه ابن ماجة في: ١/٤٤١، وقال: قال أبو اسحاق هذا حديث صحيح. انتهى.

ورواه أحمد: ٤/١٣٨، بروايتين.

ورواه الحاكم في المستدرك: ١/٣١٣، وقال: هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه. انتهى.

ورواه في: ١/٥١٩، بسندين آخرين، وقال بعدهما: هذا حديث صحيح الاسناد ولم يخرجاه.

ورواه في: ١/٥٢٦، وقال: تابعه شبيب بن سعيد الحبطي عن روح بن القاسم زيادات في المتن والاسناد والقول...

وقال أيضاً: هذا حديث صحيح على شرط البخاري ولم يخرجاه، وإنما قدمت حديث عون بن عمارة لأن من رسمنا أن نقدم العالي من الأسانيد.

ورواه الطبراني في كتاب الدعاء/٣٢٠، وما بعدها بعدة طرق، وكذا في المعجم الكبير: ٩/ ٣١، والصغير: ١/١٨٣، وصححه.

ورواه في مجمع الزوائد: ٢/٢٧٩، وقال:

قلت: روى الترمذي وابن ماجة طرفاً من آخره خالياً عن القصة، وقد قال الطبراني عقبه: والحديث صحيح، بعد ذكر طرقه التي روى بها.

ورواه في كنز العمال: ٢/١٨١، و٦/٥٢١ ( ت، هـ، ك، عن عثمان بن حنيف ). ( حم ت: حسن صحيح غريب هك وابن السني عن عثمان بن حنيف ) ورواه ابن خزيمة في صحيحه: ٢/٢٢٥ وروى الطبراني تطبيق عثمان بن حنيف للحديث بعد وفاة النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله كما سيأتي.

وفي السنن الكبرى للنسائي: ٦/١٦٨:

أخبرنا محمد بن معمر قال، حدثنا حبان قال، حدثنا حماد قال، أخبرنا جعفر عن عمارة بن خزيمة، عن عثمان بن حنيف أن رجلاً أعمي أتى النبي صلى الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله إني رجل أعمى، فادع الله أن يشفيني، قال بل أدعك، قال: أدع الله لي مرتين أو ثلاثاً.

٢٩٠

قال: توضأ ثم صل ركعتين ثم قل: اللهم إني أسألك وأتوجه اليك بنبيي محمد نبي الرحمة، يا محمد إني أتوجه بك الى الله أن يقضي حاجتي، أو حاجتي الى فلان، أو حاجتي في كذا وكذا. اللهم شفع في نبيي وشفعني في نفسي. انتهى.

ثم رواه النسائي بروايتين أخريتين.

٢ - توسل عمر بن الخطاب بالعباس عم النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله

روى الحاكم في المستدرك: ٣/٣٣٤:

أخبرنا أبو زكريا يحيى بن محمد العنبري، ثنا الحسن بن علي بن نصر، ثنا الزبير بن بكار، حدثني ساعدة بن عبيد الله المزني، عن داود بن عطاء المدني، عن زيد بن أسلم، عن ابن عمر أنه قال: استسقى عمر بن الخطاب عام الرمادة بالعباس بن عبد المطلب فقال: اللهم هذا عم نبيك العباس نتوجه اليك به فاسقنا، فما برحوا حتى سقاهم الله. قال فخطب عمر الناس فقال:

أيها الناس إن رسول الله كان يرى للعباس مايرى الولد لوالده، يعظمه ويفخمه ويبر قسمه، فاقتدوا أيها الناس برسول الله في عمه العباس، واتخذوه وسيلة الى الله عز وجل فيما نزل بكم! انتهى. وروته عامة مصادرهم.

٣ - توسل الناس في المحشر واستشفاعهم بالنبيصلى‌الله‌عليه‌وآله

روى ذلك البخاري في عدة مواضع، في صحيحه: ٥/١٤٧:

عن أنسرضي‌الله‌عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:

يجتمع المؤمنون يوم القيامة فيقولون لو استشفعنا الى ربنا فيأتون آدم فيقولون أنت أبو الناس خلقك الله بيده وأسجد لك ملائكته وعلمك أسماء كل شيء، فاشفع لنا عند ربك حتى يريحنا من مكاننا هذا. فيقول: لست هناكم، ويذكر ذنبه فيستحي ائتوا نوحاً فإنه أول رسول بعثه الله الى أهل الأرض، فيأتونه فيقول لست هناكم...

٢٩١

ائتوا ابراهيم... ائتوا موسى... ائتوا عيسى... ائتوا محمداً عبداً غفر الله له ماتقدم من ذنبه وما تأخر، فيأتوني فأنطلق حتى أستأذن... الخ.

ونحوه بتفاوت في: ٧ /٢٠٣، و: ٨/١٧٢ و١٨٣، وروته عامة مصادرهم.

٤ - ما ورد عندهم من الدعاء للنبيصلى‌الله‌عليه‌وآله بالوسيلة

قال البخاري في صحيحه: ١/١٥٢:

عن جابر بن عبد الله أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: من قال حين يسمع النداء: اللهم رب هذه الدعوة التامة والصلاة القائمة آت محمداً الوسيلة والفضيلة وابعثه مقاماً محموداً الذي وعدته.. حلَّت له شفاعتي يوم القيامة.

ورواه البخاري في: ٥/٢٢٨، وابن ماجة: ١/٢٣٩، وأبو داود: ١/ ١٢٩، والنسائي: ٢/٢٧، والترمذي: ١/ ١٣٦، والبيهقي في السنن: ١/٤١٠، والهيثمي في الزوائد: ١/٣٣٣ و: ١٠/١١٢، وفي كنز العمال: ٢/٨٠ و: ٧/٦٩٨ و٧٠٣... وغيرها.

هذه هي صيغة البخاري، التي لم يرو في صحيحه غيرها، وهي تريد الايحاء بأن الدعاء بالوسيلة دعاءٌ مستقل يستحب أن يدعو به المسلمون عند سماع الأذان، ولا علاقة لها بصيغة الصلاة على النبي، ولا علاقة لها بآله!!

وقد تبع البخاري محدثون آخرون كما رأيت، ثم تبعهم الفقهاء فأفتوا بهذا الدعاء فصار سنةً للسنيين في عملهم ومساجدهم!

ولكن وردت لهذا الدعاء صيغةٌ أخرى صحيحةٌ عندهم أيضاً، تقول إن هذا الدعاء جزءٌ من صيغة الصلاة على النبي التي علمها للمسلمين، وأمرهم أن يصلوا على آله معه، وأن يختموها بالدعاء له بالوسيلة!!

وفي بعضها أن الدعاء بالوسيلة مقدمةٌ للصلاة عليه وآله!

فلماذا صار دعاء الوسيلة عندهم دعاءً مستقلاً للرسول وحده، بدون آله!!

السبب عندهم: أن الصلاة على آل النبي معه والدعاء لهم معه، أمرٌ ثقيلٌ على

٢٩٢

الخلافة القرشية، التي فرضت عليهم العزل السياسي والاجتماعي والاقتصادي، لذلك اختار الرواة بدله الدعاء للنبي بالوسيلة، وجعلوه أمراً مستقلاً خاصاً بالنبي دون آله، مماشاةً للخلافة القرشية!!

والطريف أنهم رووه عن جابر بن عبد الله الأنصاريرحمه‌الله ، المعروف بأحاديثه القوية في وجوب ولاية أهل البيتعليهم‌السلام ، حتى أنهم رووا عنه أنه كان في زمن معاوية يتوكأ على عصاه ويدور في سكك المدينة ويبلغ المسلمين ما قاله النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله في من أبغض عليا وأهل البيت النبوي الطاهرين!

ويلاحظ أن الذي رواه عن جابر عند البخاري هو محمد بن المنكدر، المبغض لأهل البيتعليهم‌السلام !!

ولك أن تقارن بين رواية البخاري، وبين رواية مسلم وغيره لهذا الدعاء!!

قال مسلم في صحيحه: ٢/٤:

عن عبد الله بن عمرو بن العاص أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول: إذا سمعتم المؤذن فقولوا مثل ما يقول، ثم صلوا علي فإنه من صلى علي صلاةً صلى الله عليه بها عشراً، ثم سلوا الله لي الوسيلة، فإنها منزلةٌ في الجنة لا تنبغي إلا لعبد من عباد الله، وأرجو أن أكون أنا هو، فمن سأل لي الوسيلة حلت له الشفاعة!

ورواه النسائي: ٢/٢٥، وأبو داود: ١/١٢٨، والترمذي: ٥/٢٤٧، والبيهقي سننه: ١/٤٠٩، والهيثمي في مجمع الزوائد: ١/٣٣٢.

ورواه أحمد: ٢/١٦٧، ونحوه في: ٢/٢٦٥، وقال ( من صلى عليَّ ليس في البخاري )!!

وأفتى به النووي في المجموع: ٣/١١٦:

وقدمه في تلخيص الحبير: ٣ /٢٠٣، على رواية البخاري فقال:

( قوله ) من المحبوبات أن يصلي المؤذن وسامعه على النبي صلى الله عليه وسلم بعد الأذان ويقول: اللهم رب هذه الدعوة التامة والصلاة القائمة آت محمداً

٢٩٣

الوسيلة والفضيلة والدرجة الرفيعة وابعثه المقام المحمود الذي وعدته. أخرجه مسلم وغيره من حديث عبد الله بن عمرو أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول: إذا سمعتم المؤذن فقولوا مثل ما يقول، ثم صلوا عليَّ، الحديث.

وأخرج البخاري وأصحاب السنن من حديث جابر مرفوعاً من قال حين يسمع النداء اللهم رب هذه الدعوة التامة.. الحديث، لكن ليس فيه والدرجة الرفيعة. انتهى.

وقال السيوطي في الدر المنثور: ٥/٢١٩:

وأخرج ابن مردويه عن ابن مسعودرضي‌الله‌عنه قال: قلنا يا رسول الله قد عرفنا كيف السلام عليك، فكيف نصلي عليك؟

قال قولوا: اللهم صل على محمد، وأبلغه درجة الوسيلة من الجنة. اللهم اجعل في المصطفين محبته، وفي المقربين مودته، وفي عليين ذكره وداره، والسلام عليك ورحمة الله وبركاته.

اللهم صل على محمد وعلى آل محمد كما صليت على ابراهيم وعلى آل ابراهيم، إنك حميد مجيد، وبارك على محمد وعلى آل محمد. انتهى.

فقد نصت هذه الأحاديث الصحيحة عندهم على أن الدعاء لهصلى‌الله‌عليه‌وآله بالوسيلة إنما هو جزءٌ من صيغة الصلاة الشرعية عليه، صلى الله عليه وعليهم، فهل يعقل أن يكون أمر باضافة آله معه في الصلاة عليه، ثم أفرد نفسه عنهم في الدعاء!!

وبذلك يترحج أن يكون أصل النص النبوي لهذا الدعاء ما روته مصادرنا، وفيه ذكر أهل بيته معه، كما سيأتي.

ماهي الوسيلة التي ورد الدعاء بها للنبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ؟

ذكرت بعض المصادر السنية أنها درجةٌ ومنزلةٌ في الجنة، تكون لشخص واحد من الخلق، ولذا طلب من المسلمين أن يدعوا له ليكون هو ذلك الشخص.

٢٩٤

ولكن ذلك يشبه كلام التوراة، فكأن درجة الوسيلة موضوع قرعة أو مسابقة بين الأنبياء ولم يعلم صاحبها بعد! فالرسول للهصلى‌الله‌عليه‌وآله يرجو أمته أن يدعوا له أن تكون له!

قال مسلم في صحيحه: ٢/٤:

عن عبد الله بن عمرو بن العاص أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول: إذا سمعتم المؤذن فقولوا مثل ما يقول، ثم صلوا عليَّ فانه من صلى عليَّ صلاة صلى الله عليه بها عشرآ، ثم سلوا الله لي الوسيلة، فإنها منزلة في الجنة لاتنبغي إلا لعبد من عباد الله، وأرجو أن أكون أنا هو، فمن سأل لي الوسيلة حلت له الشفاعة! انتهى.

ورواه أبو داود: ١/ ١٢٨، والترمذي: ٥ /٢٤٧، والبيهقي في السنن: ١/٤٠٩ وأحمد: ٢/١٦٧ و١٦٨، وفي: ٢/٢٦٥ و٣٦٥، عن أبي هريرة، والترمذي: ٥/٤٦ ٢، عن كعب عن أبي هريرة. وفي مجمع الزوائد: ١/٣٣٢، عن أبي سعيد الخدري، وأبى هريرة، وفي كنز العمال: ٢/ ٧٩ و١٣٤ و: ٧/٦٩٨ و٧٠٠ و: ١٤/ ٤٠٠ و: ١/٤٨٩ و٤٩٤ و٤٩٧، وفردوس الأخبار: ٥/١٤٧

بينما روت أحاديث أهل البيتعليهم‌السلام أن أمر الوسيلة مفروغٌ عنه، وهي أعلى مساكن الفردوس، وأنها للنبي وآله، الى جانب مساكن ابراهيم وآله صلى الله عليهم.

ووافقتها بعض مصادر السنيين:

فقد روى ابن مردويه كما في كنز العمال: ١٢/ ١٠٣ و: ١٣/٦٣٩:

عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله قال: في الجنة درجة تدعى الوسيلة، فإذا سألتم الله فسلوا لي الوسيلة.

قالوا: يا رسول الله، من يسكن معك فيها؟

قال: علي وفاطمة والحسن والحسين. انتهى.

وهذه هي الصيغة المعقولة لحديث الوسيلة والدعاء بها للنبيصلى‌الله‌عليه‌وآله .. ولكن ذلك ليس في مصلحة الخلافة القرشية!! ولذا تركوا هذه الصيغة ورووا غيرها!!

٢٩٥

أحاديث تفسر الوسيلة في مصادرنا

قال الصدوق في معاني الأخبار/١١٦:

١١٦ - حدثنا أبيرضي‌الله‌عنه قال: حدثنا سعد بن عبدالله قال: حدثنا أحمد بن محمد بن عيسى قال: حدثنا العباس بن معروف، عن عبدالله بن المغيرة قال: حدثنا أبوحفص العبدي قال: حدثنا أبو هارون العبدي، عن أبي سعيد الخدري قال: قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : إذا سألتم الله لي فسلوه الوسيلة.

فسألنا النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله عن الوسيلة؟

فقال: هي درجتي في الجنة، وهي ألف مرقاة، ما بين المرقاة الى المرقاة حضر الفرس الجواد شهراً، وهي ما بين مرقاة جوهر الى مرقاة زبرجد، الى مرقاة ياقوت، الى مرقاة ذهب، الى مرقاة فضة.

فيؤتى بها يوم القيامة حتى تنصب مع درجة النبيين، فهي في درجة النبيين كالقمر بين الكواكب، فلا يبقى يومئذ نبي ولا صديق ولا شهيد إلا قال طوبى لمن كانت هذه الدرجة درجته. فيأتي النداء من عند الله عز وجل يسمع النبيين وجميع الخلق: هذه درجة محمد.

فأقبل أنا يومئذ متزراً بريطة من نور، عليّ تاج الملك، واكليل الكرامة، وعلي بن أبي طالب أمامي، وبيده لوائي وهو لواء الحمد، مكتوب عليه ( لا الَه إلا الله، المفلحون هم الفائزون بالله ). فإذا مررنا بالنبيين قالوا: هذان ملكان مقربان لم نعرفهما ولم نرهما. وإذا مررنا بالملائكة قالوا: نبيين مرسلين، حتى أعلو الدرجة وعلي يتبعني، حتى إذا صرت في أعلى درجة منها وعلي أسفل مني بدرجة، فلا يبقى يومئذ نبي ولا صديق ولا شهيد إلا قال: طوبى لهذين العبدين ما أكرمهما على الله تعالى!

فيأتي النداء من قبل الله عز وجل يسمع النبيين والصديقين والشهداء والمؤمنين: هذا حبيبي محمد وهذا وليي علي، طوبى لمن أحبه، وويل لمن أبغضه وكذب عليه. فلا يبقى يومئذ أحدٌ أحبك يا علي إلا استروح الى هذا الكلام، وابياضَّ وجهه

٢٩٦

وفرح قلبه، ولا يبقى أحدٌ ممن عاداك أو نصب لك حرباً أوجحد لك حقاً، إلا اسود وجهه واضطربت قدماه.

فبينا أنا كذلك إذا ملكان قد أقبلا إليّ، أما أحدهما فرضوان خازن الجنة، وأما الآخر فمالك خازن النار، فيدنو رضوان فيقول: السلام عليك يا أحمد.

فأقول: السلام عليك أيها الملك، من أنت؟ فما أحسن وجهك الطيب وأطيب ريحك!

فيقول: أنا رضوان خازن الجنة، وهذه مفاتيح الجنة بعث بها اليك رب العزة فخذها يا أحمد.

فأقول: قد قبلت ذلك من ربي، فله الحمد على ما فضلني به، ادفعها الى أخي علي بن أبي طالب، فيدفع الى علي.

ثم يرجع رضوان فيدنو مالك فيقول: السلام عليك يا أحمد.

فأقول: عليك السلام أيها الملك، فما أقبح وجهك وأنكر رؤيتك، من أنت؟!

فيقول: أنا مالك خازن النار، وهذه مقاليد النار بعث بها اليك رب العزة فخذها يا أحمد.

فأقول: قد قبلت ذلك من ربي، فله الحمد على ما فضلني به، ادفعها الى أخي علي بن أبي طالب، فيدفعها اليه ثم يرجع مالك.

فيقبل علي ومعه مفاتيح الجنة ومقاليد النار، حتى يقف بحجزة جهنم وقد تطاير شررها وعلا زفيرها واشتد حرها، وعلي آخذٌ بزمامها فيقول له جهنم: جزني يا علي فقد أطفأ نورك لهبي، فيقول لها علي: قري يا جهنم: خذي هذا واتركي هذا! خذي عدوي واتركي وليي.

فَلَجهنم يومئذٍ أشد مطاوعة لعلي من غلام أحدكم لصاحبه، فإن شاء يذهبها يمنة، وإن شاء يذهبها يسرة، ولجهنم يومئذٍ أشد مطاوعة لعلي فيما يأمرها به من جميع الخلائق. انتهى.

٢٩٧

ورواه في روضة الواعظين/١١٣، وبشارة المصطفى/٢١، وتفسير القمي: ٢/٣٢٤، وفي آخره ( وذلك أن علياً يومئذٍ قسيم الجنة والنار ) وفي بصائر الدرجات/٤١٦:

خطبة الوسيلة من كتاب الكافي

روى الكلينيرحمه‌الله خطبة عظيمة خطبها أمير المؤمنينعليه‌السلام ، تسمى خطبة الوسيلة، تتضمن تفصيلات عن درجة الوسيلة في الجنة لمحمد وآله صلى الله عليه وعليهم.

ونظراً لأهميتها وفوائدها أوردنا منها أكثر من محل الشاهد.

قالرحمه‌الله في الكافي: ٨/١٨:

خطبة لأمير المؤمنينعليه‌السلام ، وهي خطبة الوسيلة:

محمد بن علي بن معمر، عن محمد بن علي بن عكاية التميمي، عن الحسين بن النضر الفهري، عن أبي عمرو الأوزاعي، عن عمرو بن شمر، عن جابر بن يزيد قال: دخلت على أبي جعفر فقلت: يا بن رسول الله قد أرمضني اختلاف الشيعة في مذاهبها!

فقال: يا جابر ألم أقفك على معنى اختلافهم من أين اختلفوا، ومن أي جهة تفرقوا؟ قلت: بلى يا ابن رسول الله.

قال: فلا تختلف إذا اختلفوا يا جابر، إن الجاحد لصاحب الزمان كالجاحد لرسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله في أيامه، يا جابر إسمع وع.

قلت: إذا شئت.

قال: اسمع وع وبلغ حيث انتهت بك راحلتك: إن أمير المؤمنين خطب الناس بالمدينة بعد سبعة أيام من وفاة رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وذلك حين فرغ من جمع القرآن، وتأليفه فقال:

الحمد لله الذي منع الأوهام أن تنال إلا وجوده، وحجب العقول أن تتخيل ذاته، لامتناعها من الشبه والتشاكل، بل هو الذي لا يتفاوت في ذاته، ولا يتبعض بتجزئة

٢٩٨

العدد في كماله، فارق الأشياء لا على اختلاف الأماكن، ويكون فيها لا على وجه الممازجة، وعلمها لا بأداة، لا يكون العلم إلا بها، وليس بينه وبين معلومه علمٌ غيره به كان عالماً بمعلومه.

إن قيل كانَ، فعلى تأويل أزلية الوجود، وإن قيل لم يزل، فعلى تأويل نفي العدم.

فسبحانه وتعالى عن قول من عبد سواه، واتخذ إلَها غيره علواً كبيرا.

نحمده بالحمد الذي ارتضاه من خلقه، وأوجب قبوله على نفسه، وأشهد أن لا الَه إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، شهادتان ترفعان القول وتضاعفان العمل، خف ميزان ترفعان منه، وثقل ميزان توضعان فيه، وبهما الفوز بالجنة والنجاة من النار، والجواز على الصراط، وبالشهادة تدخلون الجنة وبالصلاة تنالون الرحمة.

أكثروا من الصلاة على نبيكم: إن الله وملائكته يصلون على النبي يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليما.

أيها الناس: إنه لا شرف أعلى من الإسلام، ولا كرم أعز من التقوى، ولا معقل أحرز من الورع، ولا شفيع أنجع من التوبة، ولا لباس أجمل من العافية، ولا وقاية أمنع من السلامة، ولا مال أذهب بالفاقة من الرضى بالقناعة، ولا كنز أغنى من القنوع ومن أقتصر على بلغة الكفاف فقد انتظم الراحة، وتبوء خفض الدعة.

والرغبة مفتاح التعب، والاحتكار مطية النصب، والحسد آفة الدين، والحرص داع الى التقحم في الذنوب، وهو داع للحرمان، والبغي سائق الى الحين، والشره جامع لمساوي العيوب.

رب طمع خائب وأمل كاذب، ورجاء يؤدي الى الحرمان، وتجارة تؤول الى الخسران.

ألا ومن تورط في الأمور غير ناظر في العواقب، فقد تعرض لمفضحات النوائب، وبئست القلادة قلادة الذنب للمؤمن.

٢٩٩

أيها الناس: إنه لا كنز أنفع من العلم، ولا عز أرفع من الحلم، ولا حسب أبلغ من الأدب، ولا نصب أوضع من الغضب، ولا جمال أزين من العقل، ولا سوءة أسوأ من الكذ ب، ولا حافظ أحفظ من الصمت، ولا غائب أقرب من الموت.

أيها الناس: إنه من نظر في عيب نفسه اشتغل عن عيب غيره، ومن رضي برزق الله لم يأسف على ما في يد غيره، ومن سل سيف البغي قتل به، ومن حفر لأخيه بئراً وقع فيها، ومن هتك حجاب غيره انكشفت عورات بيته، ومن نسي زلته استعظم زلل غيره، ومن أعجب برأيه ضل، ومن استغنى بعقله زل، ومن تكبر على الناس ذل، ومن سفه على الناس شتم، ومن خالط الأنذال حقر، ومن حمل ما لا يطيق عجز.

أيها الناس: إنه لا مال أعود من العقل، ولا فقر أشد من الجهل، ولا واعظ أبلغ من النصح، ولا عقل كالتدبير، ولا عبادة كالتفكر، ولا مظاهرة أوثق من المشاورة، ولا وحشة أشد من العجب، ولا ورع كالكف عن المحارم، ولا حلم كالصبر والصمت.

أيها الناس: في الانسان عشر خصال يظهرها لسانه: شاهدٌ يخبر عن الضمير، حاكمٌ يفصل بين الخطاب، وناطقٌ يرد به الجواب، وشافعٌ يدرك به الحاجة، وواصفٌ يعرف به الأشياء، وأميرٌ يأمر بالحسن، وواعظٌ ينهى عن القبيح، ومعزٌ تسكن به الأحزان، وحاضرٌ تجلى به الضغائن، ومونقٌ تلتذ به الأسماع.

أيها الناس: إنه لا خير في الصمت عن الحكم، كما أنه لا خير في القول بالجهل. واعلموا أيها الناس إنه من لم يملك لسانه يندم، ومن لا يعلم يجهل، ومن لا يتحلم لا يحلم، ومن لا يرتدع لا يعقل، ومن لا يعقل يهن، ومن يهن لا يوقر، ومن لا يوقر يتوبخ، ومن يكتسب مالاً من غير حقه يصرفه في غير أجره، ومن لا يدع وهو محمود يدع وهو مذموم، ومن لم يعط قاعداً منع قائماً، ومن يطلب العز بغير حق يذل، ومن يغلب بالجور يغلب، ومن عاند الحق لزمه الوهن، ومن تفقه وقر، ومن تكبر حقر، ومن لا يحسن لا يحمد.

٣٠٠

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

461

462

463

464

465

466

467

468

469

470

471

472

473

474

475

476

477

478

479

480

481

482

483

484

485

486

487

488

489

490

491

492

493

494

495

496

497

498

499

500

501

502

503

504

505

506

507

508

509

510

511

512

513

514

515

516

517

518

519

520

521

522

523

524

525

526

527

528

529

530

531

532

533

534

535

536

537

538

539

540

541

542

543

544

545

546

547

548

549

550

551

552

553

554

555

556

557

558

559

560

561

562

563

564

565

566

567

568

569

570

571

572

573

574

575

576

577

578

579

580

581

582

583

584

585

586

587

588

589

590

591

592

593

594

595

596

597

598

599

600

601

602

603

604

605

606

607

608

609

610

611

612

613

614

615

616

617

618

619

620

621

622

623

624

625

626

627

628

629

630

631

632

633

634

635

636

637

638

639

640

وهذا كما لو أمر بتجييش الجيش، والنفر إلى الجهاد، ومكافحة الظالمين إلى غير ذلك ممّا يتقوّم به إصلاح المجتمع، ولأجل ذلك عد الله سبحانه مخالفة النبي معصية ربما توجب الخروج عن الدين.

وما ورد من الآيات الدالة على لزوم طاعة النبي ناظرة إلى هذا القسم من الأوامر الناشئة من هذا المقام، إنّ مقام النبي في هذه الصورة هو مقام القائد الذي يأمر من يكون تحت قيادته وإمرته أو ينهاه، وليس مقام الإبلاغ المحض الذي ليس له شأن سوى إبلاغ أحكامه سبحانه.

قد تقتضي المصالح الإسلامية ـ مثلاً ـ أن يدفع المسلمون ـ عدا الحقوق المالية الواجبة عليهم ـ مبالغ إضافية في سبيل المصالح الإسلامية، أو قد يطّلع النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله على ظلم رجل لزوجته، ويرى في استمرار العلاقة الزوجية بينهما حرجاً لا يطاق وعسراً لا يتحمّل، وفي مثل هذه الصور يأمر النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله بدفع الضرائب الخاصة للدولة الإسلامية وإطلاق سراح الزوجة حسماً لمادة الفساد، ويجب على المؤمنين إطاعته، وإلى ذلك يشير قوله سبحانه :

( وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلاَ مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَىٰ اللهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً أنْ يَكُونَ لَهُمُ الخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ يَعْصِ اللهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلاَلاً مُبِيناً ) (١) .

ففي هذه الآية التي تتحدّث عن معصية الله والرسول ليس المقصود هو معصية الرسول بما هو مبلغ لرسالات الله وأحكامه، إذ ليس في هذه الحالة للرسول الأعظم أي أمر ونهي حتى تعد مخالفته مخالفة للرسول، بل هو في هذه الحالة ليس إلّا مبلغاً ومنبّئاً ورسولاً بين الله وعباده.

إنّ معصية الرسول إنّما تتحقّق إذا كانت الأوامر صادرة عن موقع القيادة

____________

١ ـ الأحزاب: ٣٦.

٦٤١

والإمرة، وعند ذلك يعد الأمر والنهي أمراً، ونهياً له وتعد المخالفة مخالفة له.

والعجب أنّ صاحب المنار حصر إطاعة النبي في مورد الأحكام التي أمر الله رسوله أن يبلغها عنه حيث قال: قضت سنَّة الله بأن يبلغ عنه شرعه للناس رسل منهم وتكفل عصمتهم في التبليغ، ولذلك وجب أن يطاعوا في ما يبيّنون من الدين والشرع.

مثال ذلك أنّ الله تعالى هو الذي شرع لنا عبادة الصلاة وأمرنا بها، ولكنّه لم يبيّن لنا في الكتاب كيفيتها وعدد ركعاتها ولا ركوعها ولا سجودها ولا تحديد أوقاتها، فبيّنها الرسول بأمره تعالى إيّاه بذلك في مثل قوله:( وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ ) (١) .

فهذا البيان بإرشاد من الله تعالى فاتّباعه لا ينافي التوحيد ولا كون الشارع هو الله وحده(٢) .

وضعف هذا الكلام ظاهر، إذ ليس للنبي الأكرم في هذا المضمار أي أمر ولا نهي، وإنّما هو مجرد مبلِّغ أو مذكِّر وليس له عليهم أية سلطة وسيطرة، وإليه يشير قوله سبحانه :

( فَذَكِّر إِنَّمَا أَنْت مُذَكِّرٌ *لَسْتَ عَلَيْهِمْ بِمُصَيْطِرٍ ) (٣) .

نعم في مجال الحاكمية التي يحتل النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله فيها دست الحكومة، يكون له الأمر والنهي.

__________________

(١) النحل: ٤٤.

(٢) راجع تفسير المنار: ٥ / ١٨٠.

(٣) الغاشية: ٢١ ـ ٢٢.

٦٤٢

٢. أُولو الأمر

إنّ الفريق الثاني الذي أوجب الله طاعتهم علينا من سمّاهم الله سبحانه بأُولي الأمر ويكون لهم بالتالي مقام الآمرية والقيادة في المجتمع الإسلامي، حيث قال:( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الْرَّسُولَ وَأُوْلي الأمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَىٰ اللهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ باللهِ وَاليَومِ الآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأحْسَنُ تَأْوِيلاً ) .(١)

وبما أنّ التعرف على أُولي الأمر في المجتمع الإسلامي أنسب بمباحث القيادة والحكم نرجئ البحث عنه إلى الجزء الثاني الذي يتكفّل بتحليل مباحث النبوة في الكتاب العزيز، ونبحث عنه عند البحث عن الرسول الخاتم والنبي القائد.

٣. الوالدان

اتّفق المسلمون ـ اقتداء بالكتاب العزيز ـ على حرمة مخالفة الوالدين مستندين إلى قوله سبحانه :

( وَقَضَىٰ رَبُّكَ أَنْ لا تَعْبُدُوا إلّا إِيَّاهُ وَبِالوَالِدَيْنِ إحْسَانا إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الكِبَرَ أحَدُهُما أَوْ كِلاَهُمَا فَلاَ تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلاَ تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُما قَوْلاً كَرِيماً ) (٢) .

إذ لو كانت لفظة( أُفٍ ) التي توجب انزعاجهما محرّمة، فمن الأولى أن

__________________

(١) النساء: ٥٩.

(٢) الإسراء: ٢٣.

٦٤٣

تكون مخالفتهما في سائر الأُمور التي توجب انزعاجهما بكثرة حراماً أيضاً، نعم إطاعتهما وإن شئت قل: حرمة مخالفتهما محددة بما إذا لم يأمرا بالشرك، بل بما إذا لم يأمرا بما فيه معصية الله.

لأنّ القرآن لـمّا نهى عن طاعة أمر المسرفين في قوله:( وَلاَ تُطِيعُوا أَمْرَ المُسْرِفِينَ ) (١) ، وعن طاعة الآثم والمكذِّب والغافل في قوله:( وَلاَ تُطِعْ مِنْهُمْ آثِماً أَوْ كَفُوراً ) (٢) ، وقوله سبحانه:( فَلاَ تُطِعِ المُكَّذِبِينَ ) (٣) ، وقوله سبحانه:( وَلاَ تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ ) (٤) ، وجب علينا أن لا نطيع أمر من يأمر بمخالفة الله ومعصيته، فإنّ ذلك يشبه أمر من أغفل الله قلبه أو صار من المكذبين والمسرفين، سواء في ذلك الوالدان وغيرهما، وبذلك تكون دائرة الإطاعة أضيق مما سبق فتتحدد الإطاعة عندئذ بما لم تكن دعوتهما دعوة إلى معصية الله ومخالفته ـ على الإطلاق ـ.

لقد دعا القرآن الكريم المجتمع البشري إلى تكريم مقام الوالدين واحترامهما، وإطاعتهما، ولكنّه ذكّر ـ في نفس الوقت ـ بنقطة مهمة وجديرة بالاهتمام وهي: أنّ محبة الأبناء لآبائهم وأُمّهاتهم يجب أن لا تكون محبة عمياء، ولا أن تكون طاعتهم لهم طاعة غير محسوبة تسبب في الخروج عن حدود العدالة.

فإنّ على الأبناء أن لا يكتموا الشهادة الحقّة حتى لو كانت ضد آبائهم وأُمهاتهم لو كانوا ظالمين حقاً.

__________________

(١) الشعراء: ١٥١.

(٢) الإنسان: ٢٤.

(٣) القلم: ٧.

(٤) الكهف: ٢٨.

٦٤٤

فها هو القرآن الكريم يقول في هذا الصدد :

( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاءَ للهِ وَلَوْ عَلَىٰ أَنْفُسِكُمْ أَوِ الوَالِدَيْنِ وَالأقْرَبِينَ ) (١) .

فلو دعا أحد الوالدين ولده إلى الشرك، وجب أن يقاومهما، فلا تجرّه مودته وعاطفته إلى اختيار الباطل، ولا ينساق وراء ما دعا إليه الأبوان بدافع المحبة، كما يقول القرآن الكريم :

( وَإِنْ جَاهَدَاكَ عَلَىٰ أَنْ تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلاَ تُطِعْهُمَا ) (٢) .

( وَإِنْ جَاهَدَاكَ لِتُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلاَ تُطِعْهُمَا ) (٣) .

ولقد أشار الإمام أمير المؤمنين علي بن أبي طالبعليه‌السلام إلى حق إطاعة الوالدين المحدود، في عبارة مقتضبة له، إذ قال :

« فحق الوالد على الولد أن يطيعه ـ أي الولد يطيع والده ـ في كل شيء إلّا في معصية الله »(٤) .

__________________

(١) النساء: ١٣٥.

(٢) لقمان: ١٥.

(٣) العنكبوت: ٨.

(٤) نهج البلاغة: الكلمات القصار: رقم ٣٩٩.

٦٤٥
٦٤٦

الفصل الثاني عشر

الله والتوحيد في الحاكمية

٦٤٧

الله وانحصار حق الحاكمية فيه

١. انحصار حق الحاكمية فيه سبحانه.

٢. الآثار السيئة لفقدان القائد.

٣. الاقتداء بسيرة النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله .

٤. الولاية والحاكمية لله سبحانه.

٥. الولاية لله سبحانه لا الإمرة والإدارة.

٦. كلمة أخيرة.

٦٤٨

الحكومة ضرورة اجتماعية

بالرغم من تصوّر البعض بأنّ « الحرية » وقيام « السلطة الحكومية » أمران متناقضان لا يجتمعان أبداً وأنّ صيانة الحرية الفردية تقتضي ـ بالضرورة ـ أن تحذف « الحكومة والدولة » من قاموس الحياة البشرية.

وبالرغم من تصوّر أنّ الدول والحكومات هي ما تتألف ـ دائماً ـ من الأقوياء، وتراعي حقوقهم ومصالحهم على حساب حقوق الضعفاء ومصالحهم.

وكذا بالرغم من تصوّر أنّ الإنسان طيب ذاتاً وأنّه مخلوق عاقل وعالم فلا حاجة إذن إلى وجود دولة تنظم أُموره وتدبّر شؤونه وتحفظ مصالحه.

على الرغم من جميع تلك التصوّرات والمزاعم التي تكشف عن نوع من السفسطة والسذاجة ولا تنتج سوى الفوضى والهرج والمرج فإنّ ضرورة وجود حكومة في حياة البشر في غاية الوضوح بحيث لا يحتاج إلى دليل وبرهان أبداً.

إنّ الضرورة تقضي بقيام دولة تصون الحريات الفردية إلى جانب المصالح الاجتماعية وتسعى في تنظيم الطاقات وتنمية المواهب، وتوقف أبناء المجتمع على واجباتهم، وتجري القوانين الإلهية أو البشرية.

ولأجل هذا اعتبر جماعة من الفلاسفة والعلماء الكبار، ( كإفلاطون وأرسطوا وابن خلدون وغيرهم(١) ، وجود الدولة ضرورة حيوية لا بد منها.

__________________

(١) مقدمة ابن خلدون: ٤١ ـ ٤٢.

٦٤٩

ولم يشذ عن ذلك إلّا ماركس الذي اعتبر وجود الدولة أمراً ضرورياً ما دام هناك وجود للصراع الطبقي، أما مع انتشار الشيوعية واستقرار النظام الشيوعي في العالم كله فلا حاجة إليها.

غير أنّ ماركس نظر إلى الحياة البشرية من زاوية واحدة هي زاوية « الصراع الطبقي » في حين أنّ للحياة البشرية زوايا أُخرى لو نظر إليها ماركس، وطالعها بموضوعية ودقة، لما حكم بعدم الحاجة إلى الدولة، ولما دعا إلى زوالها حتى بعد انتشار الشيوعية ـ حسب نظره ـ.

لأنّ سبب النزاع والاختلاف بين أفراد البشر لا ينحصر في الصراع الطبقي فقط بحيث لو زال هذا الصراع لأصبحت الأرض جنة عدن، بل هناك الغرائز البشرية كغريزة حب الجاه، وحب الذات، وغيرها من الغرائز غير المهذبة، هي أيضاً منشأ الصراع والاختلاف بين البشر إلى جانب « الصراع الطبقي ».

ثم على فرض أن لا يكون هناك صراع طبقي فضرورة وجود الحكومة لأجل إدارة المجتمع من زاوية للقيام بحوائجها الاجتماعية أمر لا مناص منه.

فالمجتمع الذي زال فيه الصراع الطبقي لا يشذ عن سائر المجتمعات في احتياجه إلى من يدير أُموره من تأمين سكنه وصحته وتعليمه وتربيته ومواصلاته البرية والبحرية والجوية، والفصل في خصوماته في ما لا يرجع إلى الأُمور الطبقية إلى غير ذلك من الشؤون التي لا مناص منها لإقامة المجتمع مما يحتاج إلى المؤسسات، وإدارة شؤونها.

فلابد من مؤسسات تقوم كل واحدة منها بناحية من هذه الأُمور وتنظيمها ولا نعني من الحكومة إلّا هذا.

٦٥٠

وعلى أي حال فلابد من دولة توقف الناس على وظائفهم القانونية، وتعاقب المخالفين المتجاوزين، وتعيد الحقوق المهضمومة إلى ذويها، وتصون النظام والانضباط الاجتماعي الذي يمثل قاعدة السعادة ورمز بقاء المدنية، وأساس استمرار الحضارة وسبب تقدم البشرية في المجالات المادية والمعنوية.

وخلاصة القول: إنّ حفظ النظام الاجتماعي والحضارة الإنسانية وتعريف أفراد المجتمع بواجباتهم، ومالهم وما عليهم من الحقوق، ورفع أي نزاع وتصارع في حياة الجماعة أُمور تحتاج إلى: مرجع قوي يقوم بهذه المهام الضخمة، وهذا الواجب الإنساني الشريف ويحفظ بالتالي أساس الحضارة الذي هو حفظ النظام الاجتماعي وصيانته من التقهقر والانحطاط.

إنّ حقيقة الإسلام ليست إلّا سلسلة من « الأُصول والفروع » المنزلة من جانب الله والتي كلَّف رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله بدعوة الناس إليها وتطبيقها على الحياة في الظروف المناسبة، ولكن حيث إنّ تطبيق طائفة من الأحكام التي تكفل استقرار النظام في المجتمع لم يكن ممكناً دون تشكيل حكومة وقيام دولة، لذلك أقدم النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله بحكم العقل، وبحكم ما كان له من الولاية المعطاة له من قبل الله، على تشكيل دولة.

على أنّ الحكومة ليست بذاتها هدف الإسلام بل الهدف هو تنفيذ الأحكام والقوانين وضمان الأهداف الإسلامية العليا، وحيث إنّ هذه الأُمور لا تتحقق دون أجهزة سياسية، وسلطات حكومية لذلك قام النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله بنفسه بمهمة تشكيل مثل هذه الدولة وتأسيس مثل هذه الحكومة.

والخلاصة: أنّ إجراء حد السرقة والزنا على السارق والزاني، وتنفيذ سائر الحدود والعقوبات، ومعالجة مشاكل المسلمين، وتسوية نزاعاتهم في الأُمور المالية

٦٥١

والحقوقية، ومنع الاحتكار والغلاء، وجمع الضرائب المالية الإسلامية وتوسيع رقعة انتشار الإسلام، ورفع الاحتياجات الأُخرى في المجتمع الإسلامي وغيرها، لا يمكن أن تتحقق دون وجود أمير جامع وزعيم حازم وبدون حكومة، وزعامة مقبولة لدى الأُمّة.

وحيث يتوجب على المسلمين الآن أن يطبقوا الأحكام الإسلامية بحذافيرها من جانب، وحيث إنّ تطبيقها على الوجه الصحيح لا يمكن دون تأسيس سلطة يخضع لها الجميع من جانب آخر، لهذا كله يتحتم أن تكون لهم أجهزة سياسية وتشكيلات حكومية، في إطار التعاليم والقيم الإسلامية ليستطيعوا بها أن يتقدّموا ـ في كل عصر ـ جنباً إلى جنب مع المتطلبات المستحدثة والاحتياجات المتجدّدة.

لقد أشار الإمام أمير المؤمنين عليعليه‌السلام إلى ضرورة تكوين مثل هذه الحكومة بل إلى ضرورة وجود حاكم ما مرجحاً الحاكم الجائر على الفوضى الاجتماعية والهرج والمرج الذي يستتبعه عدم وجود حاكم، وأشار في نفس الوقت إلى أنّ الحكومة في منطق الإسلام ليست هي الهدف، بل هي وسيلة لاستقرار حياة كريمة آمنة حتى يتمتع كل فرد بحقوقه العادلة.

لقد أشار الإمام علي إلى أنّ الدولة ـ في نظر الإسلام ـ وسيلة لحفظ النظام الاقتصادي والأمن والدفاع وأخذ حقوق المستضعفين من الأقوياء المستكبرين، إذ يقول :

« إنّه لابد للناس من أمير، بر أو فاجر، يعمل في إمرته المؤمن، ويستمتع فيها الكافر، ويبلغ الله فيها الأجل، ويجمع الفيء ويقاتل به العدو، وتأمن به السبل، ويؤخذ به للضعيف من القوي ».

وفي رواية أُخرى قال :

٦٥٢

« أمّا الإمرة البرة فيعمل فيها التقي، وأمّا الإمرة الفاجرة فيتمتع فيها الشقي، إلى أن تنقطع مدته، وتدركه منيته »(١) .

وعلى هذا البيان يكون وجود الدولة ضرورة اجتماعية لا مناص منها.

أضف إلى ذلك أنّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله كلّف بعد رجوعه من حجة الوداع في غدير خم بأن ينصّب علياً خليفة من بعده لإمرة المسلمين، من جانب الله، وكان الأمر الإلهي مصدراً بقوله تعالى :

( يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ ) (٢) .

ثم يجسد الله أهمية هذا الموضوع وخطورته القصوى بأنّ عدم إبلاغ ما أُوحي إليه في أمر الخلافة يساوي عدم إبلاغ الشريعة رأساً، إذ قال تعالى :

( وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ ) (٣) .

إنّ هذه الآية كما تدلّ على مقام الإمام وعظيم مكانته تكشف ـ كذلك ـ عن أهمية مقام الإمامة وخطورة قيادة المجتمع، لأنّه بسبب الإمام القائد تشرق أشعة العدالة على المجتمع البشري ولا تغيب، وهو الذي بسببه تبقى التعاليم الإلهية حية مصانة من كل تحريف، وبسببه تصل البشرية إلى شواطئ السعادة المادية والمعنوية على السواء.

الآثار السيئة لفقدان القائد

لقد بلغ الإسلام في حرب أحد أخطر مراحله، حيث عمد العدو إلى بث

__________________

(١) نهج البلاغة: الخطبة ٣٩.

(٢) المائدة: ٦٧.

(٣) المائدة: ٦٦.

٦٥٣

الشائعات عن مقتل النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وفي هذه اللحظة الحساسة التي شعر المسلمون فيها بفقدان الزعيم والقائد، خطرت في أذهان البعض فكرة العودة إلى الجاهلية والارتداد على الأعقاب، وراح هذا البعض يقول: لِمَ نحارب وقد مات رسول الله، فنزل القرآن يوبّخ من لهج بهذه الكلمة، وقال :

( وَمَا مُحَمَّدٌ إلّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَىٰ أَعْقَابِكُمْ وَمَنْ يَنْقَلِبْ عَلَىٰ عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَّ اللهَ شَيْئاً وَسَيَجْزِي اللهُ الشَّاكِرِينَ ) (١) .

ولو أنّ شائعة مقتل النبي لم تكذب بظهورهصلى‌الله‌عليه‌وآله عند أصحابه، لآل نظام المسلمين إلى التمزّق حتماً، ولانتهى الأمر بمقتل فريق وفرار آخرين في أسوأ نكسة عرفها التاريخ، فهل من الصحيح أن تهمل مسألة القيادة وهي بهذه الدرجة من الخطورة والأهمية في حياة الشعوب ؟

وهل من الصحيح أن لا يقدم المسلمون على إيجادها لتنظيم حياتهم لكي يستتب الأمن والسلام ؟

الاقتداء بسيرة النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله

كان الرسول الأكرمصلى‌الله‌عليه‌وآله إذا بعث سرية إلى الجهاد عيّن أُمراء متعددين لتلك السرية يتوالون على قيادتها، لكي لا تبقى دون آمر إذا أُصيب أحدهم، فتصبح كالقطيع بلا راع تنال الذئاب من أطرافها، وتتخطفها أيدي المخاطر من جوانبها.

ولمّا كان القرآن الكريم يأمرنا باتّباع سيرة الرسول والاقتداء به وجعله قدوة وأُسوة، فيقول :

__________________

(١) آل عمران: ١٤٤.

٦٥٤

( لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللهَ وَاليَوْمَ الآخِرَ وَذَكَرَ اللهَ كَثِيراً ) (١) .

توجب علينا أن نجعل حياة النبي وفعله أُسوة لنا حتى في موضوع تأسيس الدولة.

ولقد أدرك المسلمون ـ بعد وفاة النبي ـ ضرورة وجود قائد للأُمّة، وإمام للمسلمين، فاتفقوا على وجود زعيم لهم بعد وفاة نبيهم، فصاروا فرقتين: فرقة تزعم أنّ حل هذه المشكلة بيد الأُمّة وأنّ لها تنصيب من يشغل هذه المنصة، في حين أنّ فريقاً آخر راح يستمد من نصوص النبي ويقول إنّ النبي قد سد هذا الفراغ ولم يهمل أمر الخلافة والقيادة، وعين القائد والخليفة من بعده، وبالتالي لم يكن بين المسلمين واحد ينكر ضرورة وجود الأمير والقائد.

وانطلاقاً من الأهمية التي تكمن في تأثير الحكومة في إصلاح أمر الناس عاجلاً وآجلاً قال الإمام الصادقعليه‌السلام في حديث مقتضب له :

« لا يستغني أهل كل بلد من ثلاثة، يفزع إليه في أمر دنياهم وآخرتهم، فإن عدموا كانوا همجاً: فقيه عالم ورع، وأمير خيّر مطاع، وطبيب بصير ثقة »(٢) .

كما صرح الإمام أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالبعليه‌السلام بهذه الفريضة الدينية في إحدى خطبه، إذ قال :

« والواجب في حكم الله والإسلام على المسلمين بعدما يموت إمامهم أو يقتل، ضالاً كان أو مهتدياً، مظلوماً كان أو ظالماً، حلال الدم، أو حرام الدم أن

__________________

(١) الأحزاب: ٢١.

(٢) تحف العقول: ٢٣٧.

٦٥٥

لا يعملوا عملاً ولا يحدثوا حدثاً، ولا يقدّموا يداً ولا رجلاً ولا يبدأوا بشيء قبل أن يختاروا لأنفسهم إماماً يجمع أمرهم، عفيفاً عالماً، ورعاً، عارفاً بالقضاء والسنّة، يجمع أمرهم ويحكم بينهم ويأخذ للمظلوم من الظالم يحفظ أطرافهم، ويجبي فيئهم، ويقيم حجتهم، ويجبي صدقاتهم ».

يبقى أن نعرف أنّ هذا القانون الكلي الذي يذكره الإمام علي يرتبط بالفترة التي لم يسد هذا الفراغ من جانب الله، وتنصيب النبي الأعظم، إذ لو كان القائد معيناً من جانبه سبحانه لانتفى التكليف بانتخاب الإمام، قال سبحانه :

( وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلاَ مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَىٰ اللهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً أَنْ يَكُونَ لَهُمْ الخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ يَعْصِ اللهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلاَلاً مُبِيناً ) (١) .

وعلى كل حال فالضرورة قاضية بلزوم وجود قائد للناس يتحمل أعباء الحكومة، ويتصدى لأُمور الزعامة، وإدارة المجتمع، حسب الطرق الصحيحة.

الولاية والحاكمية لله سبحانه

لقد أثبت البحث السابق لزوم وجود الحكومة في المجتمع البشري بالمعنى الجامع بين السلطة التشريعية التي لها حق التشريع والتقنين، والسلطة التنفيذية التي لها حق تنفيذ الأحكام والمقررات، والسلطة القضائية التي لها حق القضاء وفصل الخصومات بين الناس.

ومن المعلوم جداً أنّ إعمال الحاكمية في المجتمع لا ينفك عن التصرف في النفوس والأموال وتنظيم الحريات من غير فرق بين أن تكون الحكومة بيد الفرد أو المجتمع.

__________________

(١) الأحزاب: ٣٦.

٦٥٦

لكن التسلط على الأموال والنفوس وإيجاد أي محدودية مشروعة بين الأُمّة يحتاج إلى ولاية بالنسبة، إلى المسلّط عليهم، ولولا ذلك لعدّ التصرف تصرفاً عدوانياً.

ولا نعني بالولاية هنا ولاية الولي بالنسبة إلى الأيتام والقصّر والغيب، بل المقصود هو الولاية التي يحق معها أن يتصرف في شؤون المجتمع نفوساً وأموالاً وينظم أُمورهم ويعمّر بلادهم ويؤمن مجتمعهم، بالسلطات الثلاث ولولا ذلك لصار النظام طاغوتياً يحكم في المجتمع من كان غالباً وقاهراً فيجب علينا أن نعرف من له الولاية أصالة على العباد والبلاد.

وبما أنّ جميع الناس سواسية أمام الله، والكل مخلوق ومحتاج إليه لا يملك شيئاً حتى وجوده وفعله وفكره، فلا ولاية لأحد على أحد بالذات والأصالة، بل الولاية لله المالك الحقيقي للإنسان والكون والواهب له وجوده وحياته كما يقول سبحانه :

( هُنَالِكَ الولاَيَةُ للهِ الحَقِّ هُوَ خَيْرٌ ثَوَاباً وَخَيْرٌ عُقْباً ) (١) .(٢)

فقد ظهر من هذا البيان أنّ المقصود من حصر الحاكمية في الله هو حصر جذور الحاكمية وعللها المستتبعة لها، وهي الولاية فيه، فبما أنّ الولاية على العباد منحصرة في خالقهم فالحاكمية بمعنى الولاية منحصرة فيه سبحانه أيضاً، فلا يجوز لأحد أن يتولّى الحكومة إلّا أن يكون مأذوناً ممن له الولاية الحقيقية وإلاّ

__________________

(١) الكهف: ٤٤.

(٢) مجمع البيان: ٣ / ٤٧٢. والاستدلال بالآية على انحصار الولاية في الله سبحانه متفرع على أن يكون اسم الإشارة ( هنالك ) إشارة إلى الوقت الذي يتنازع فيه الكافر والمؤمن في هذه الدنيا وأن تكون الولاية بمعنى تولّي الأُمور فهو الذي يتولّى أمر عباده، وللأمين الطبرسي تحقيق حول كلمة الولاية في الآية فراجع.

٦٥٧

أصبحت حكومته حكومة جور وعدوان.

ولا نعني من عنوان « انحصار حق الحاكمية في الله » حصر الإمرة في الله بأن يتولّي هو سبحانه الإمرة على العباد، كما سيتضح ذلك، فإنّ للأنبياء والصلحاء وكل مأذون من قبله سبحانه أن يتولى الإمرة من جانب الله، بل المراد أنّ الولاية وحق الحكومة بالأصالة حق لله سبحانه وإنّما يتصدى غيره بإذنه، وذلك مثل قوله:( قُلْ للهِ الشَّفَاعَةُ جَمِيعاً ) (١) ، أي بيده أمر الشفاعة من تعيين الشافع والمشفوع له، ومثله المقام فإنّ بيده زمام الحكومة، فهو يعين الحاكم ويعين له وظائفه وكيفية حكمه.

وعلى هذا فالحاكمية خاصة بالله تعالى ومنحصرة فيه، وهي من إحدى مراتب التوحيد.

ولقد أشار القرآن إلى ذلك بقوله :

( إِنِ الحُكْمُ إلّا للهِ أَمَرَ إلّا تَعْبُدُوا إلّا إِيَّاهُ ذَلِكَ الدِّينُ القَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ ) (٢) .

إنّ المراد من الحكم في جملة( إِنِ الحُكْمُ ) هو الحاكمية القانونية التي تنبعث من الولاية الحقيقية المنبعثة من خالقيته ومالكيته سبحانه لا الحاكمية التكوينية بمعنى التصرف في الكون بالإيجاد والإعدام والإحياء والإماتة، وقد أوضحنا مفاد الآية في الفصل العاشر فراجع ص ٦٠٦.

نعم لا داعي لأن نحصر لفظة « الحكم » التي لها معنى وسيع في خصوص

__________________

(١) الزمر: ٤٤.

(٢) يوسف: ٤٠.

٦٥٨

« القضاء » أو في خصوص « التشريع والتقنين »، بل الحكم في هذه الآية ذو مدلول أوسع يكون « القضاء » من إحدى شؤونه، وما ذلك المعنى إلّا السلطة والإمرة والحاكمية بمفهومها الوسيع التي تقوم بالسلطات الثلاث.

هذا وفي مقدور القارئ الكريم أن يستظهر هذه الحقيقة، ونعني: انحصار الحاكمية في الله تعالى، من آيات أُخرى أيضاً غير ما ذكرناه في مطلع هذا المبحث، مثل قوله :

( إِنِ الحُكْمُ إلّا للهِ يَقُصُّ الحَقَّ وَهُوَ خَيْرُ الفاصِلِينَ ) (١) .

( أَلاَ لَهُ الحُكْمُ وَهُوَ أَسْرَعُ الحَاسِبِينَ ) (٢) .

( لَهُ الحَمْدُ فِي الأُولى وَالآخِرَةِ وَلَهُ الحُكْمُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ ) (٣) .

الولاية لله سبحانه لا الإمرة والإدارة

إنّ اختصاص حق الحاكمية بالله سبحانه ليس بمعنى قيامه بإدارة البلاد وإقرار النظام وممارسة الإمرة وفصل الخصومة إلى غير ذلك مما يدور عليه أمر الحكومة، فإنّ ذلك غير معقول ولا محتمل، بل المراد أنّ من يمثّل مقام الإمرة في المجتمع البشري يجب أن يكون مأذوناً من جانبه سبحانه لإدارة الأُمور والتصرف في النفوس والأموال وأن تكون ولايته مستمدة من ولايته سبحانه، ومنبثقة منها، ولولا ذلك لما كان لتنفيذ حكمه جهة ولا دليل.

وإن شئت قلت: إنّ المقصود هو حصر الولاية التي تنبعث منها الحاكمية

__________________

(١) الأنعام: ٥٧.

(٢) الأنعام: ٦٢.

(٣) القصص: ٧٠.

٦٥٩

في الله سبحانه، لا حصر الإمرة والتصدي لنظام البلاد وإقرار الأمن في المجتمع البشري، إلى غير ذلك من الشؤون.

نعم لا مناص في إعمال الولاية لله سبحانه من تنصيب من يباشر إدارة البلاد، إذ تستحيل ممارسة الحكم لله بصورة مباشرة.

ولأجل ذلك نجد أُمّة كبيرة من جنس البشر تولّوا منصة الولاية من جانب الله سبحانه وإذنه الخاص يديرون شؤون الحياة الاجتماعية للإنسان، وفي ذلك يخاطب الله نبيه داود ويقول :

( يَا دَاوُدُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الأرض فَاحْكُمْ بَيْنَ النَّاسِ بِالحَقِّ وَلا تَتَّبِعِ الهَوَىٰ فَيُضِلَّكَ عَنْ سَبِيلِ اللهِ ) (١) .

إنّ الآية وإن كانت واردة في تنصيب داود على القضاء ولكن نفوذ قضائه في زمانه كان ناشئاً عن ولايته وحاكميته الواسعة التي تشمل الحكم والإمرة بحيث يكون نفوذ القضاء من لوازمها وفروعها، فهو سبحانه لم ينصبه للقضاء فحسب، بل أعطى له الحكومة الواسعة بأبعادها، لأنّ نفوذ حكم القاضي غير ممكن من دون أن تكون له سلطة وحاكمية، ولم يكن القضاء في تلكم الأعصار منفصلاً عن سائر شؤون الحكومة كما هو الرائج في عصرنا وقد كان داودعليه‌السلام يتمتع بسلطة تامة واسعة تشمل التنفيذية والتشريعية ـ بمعنى بيان الأحكام عن طريق الوحي ـ والقضائية إذ يقول عنه القرآن :

( وَقَتَلَ دَاوُدُ جَالُوتَ وَآتَاهُ اللهُ المُلْكَ وَالحِكْمَةَ وَعَلَّمَهُ مِمَّا يَشَاءُ وَلَولاَ دَفْعُ اللهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَفَسَدَتِ الأرضُ ) (٢) .

__________________

(١) ص: ٢٦.

(٢) البقرة: ٢٥١.

٦٦٠

661

662

663

664

665

666

667

668

669

670

671

672