مفاهيم القرآن الجزء ٢

مفاهيم القرآن9%

مفاهيم القرآن مؤلف:
الناشر: مؤسّسة الإمام الصادق (عليه السلام)
تصنيف: مفاهيم القرآن
الصفحات: 627

الجزء ١ الجزء ٢ الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥ الجزء ٦ الجزء ٧ الجزء ٨ الجزء ٩ الجزء ١٠
  • البداية
  • السابق
  • 627 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 227917 / تحميل: 6434
الحجم الحجم الحجم
مفاهيم القرآن

مفاهيم القرآن الجزء ٢

مؤلف:
الناشر: مؤسّسة الإمام الصادق (عليه السلام)
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

[ إلى أبيه ] فأعلمه )(١) .

٢. نقل الحافظ أبو نعيم الأصفهانيّ المتوفىّ عام (٤٣٠) أنّ عبد الله بن عمر دخل على أبيه قبيل وفاته فقال: ( انّي سمعت الناس يقولون مقالةً فآليت أن أقولها لك وزعموا أنّك غير مستخلف وأنّه لو كان لك راعي إبل ـ أو راعي غنم ـ ثمّ جاءك وتركها لرأيت أن قد ضيّع، فرعاية الناس أشدّ )(٢) .

٣. قدم معاوية المدينة ليأخذ من أهل المدينة البيعة ليزيد، فاجتمع مع عدة من الصحابة إلى أن أرسل إلى ابن عمر، فأتاه وخلا به فكلّمه بكلام وقال: إنّي كرهت أن أدع أمّة محمّد بعدي كالضأن لا راعي لها.(٣) .

كلّ هذه النصوص، تدلّ بجلاء على أنّ ادّعاء انتخاب الخليفة عن طريق الاستفتاء الشعبيّ أو بمراجعة أهل الحلّ والعقد، أو اتفاق الأنصار والمهاجرين لم يكن له أصل ولا ذكر في دراسات المتقدمين من أعلام التاريخ وكتّاب السيرة وعلماء المسلمين.

ولو دل هذا الأمر على شيء فإنّما يدلّ على، أنّ الأصل الذي كان يعتقد به الصحابة والخلفاء في مسألة الخلافة والقيادة، كان هو التنصيص والتعيين، وعدم ترك الأمر إلى نظر الاُمّة وانتخابها.

* * *

نظرية تفويض الأمر إلى الاُمّة بعد النبيّ

إنّ في الاُمّة الإسلاميّة طائفةً كبيرةً تعتقد، بأنّ أمر الحكومة بعد وفاة النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله كان مفوضاً إلى انتخاب الاُمّة ونظرها، وهم يستندون في ذلك إلى عمل المسلمين في تعيين الخليفة بعد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله .

__________________

(١) الإمامة والسياسة للدينوريّ: ٣٢.

(٢) حلية الأولياء ١: ٤٤.

(٣) الإمامة والسياسة ١: ١٦٨ ( طبعة مصر ).

١٦١

ولكنّك ـ أيّها القارئ الكريم ـ اطّلعت على كيفية تصدي الخليفة الثاني والثالث للحكم، وعرفت أنّه لم يكن هناك أي انتخاب من جانب المسلمين، بل تم الأمر للخليفتين بالاستخلاف من جانب الخليفة السابق.

نعم، يمكن أن يستند القائل إلى انتخاب ( ابي بكر ) و ( الإمام علي ) للحكم، فهما تسلّما زمام الحكم والأمر بهذا الطريق.

والحق أنّ هذين الموردين هما من أهم وأوضح ما يمكن أن يستدلّ به القائل بتفويض الأمر إلى نظر الاُمّة بعد النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله على مذهبه، وهو بظاهره يتصادم مع ما شرحناه وأوردناه من الأدلة على كون صيغة الحكومة الإسلاميّة بعد النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله كان على التنصيص والاستخلاف لا على التفويض والانتخاب.

ولنتناول البحث حول خلافة ( ابي بكر ) اولاً، ونعقبه بالبحث حول كيفية استتباب الأمر للإمام عليّ ثانياً.

تحليل لخلافة أبي بكر

إنّ الاستدلال على نظرية تفويض الأمر إلى نظر الاُمّة وانتخابها، أو إلى أهل الحلّ والعقد منهم، أو ما شابه ذلك، بتصدي أبي بكر للخلافة، يتوقف على أثبات أمرين، لولا ثبوتهما لما صح الاستناد بهذا الطريق على هذا الانتخاب أبداً :

الأوّل: هل كان هناك انتخاب شعبيّ واقعيّ بحيث اجتمع المسلمون عامّة، وتشاوروا في الأمر ودرسوا الموضوع، فانتخبوا أبا بكر وفق الضوابط والمعايير الإسلاميّة، أو كان هناك انتخاب محدود من جانب عدّة قليلة يهاب منها، واتبعها الآخرون بلا تفكير ولا مشاورة بينما تخلف عن ذلك عدّة اُخرى ؟

الثاني: هل كان انتخاب المنتخبين لأبي بكر بأسلوب المبايعة، ينبع من تعليم اسلاميّ ويرتكز إلى أصل جاءت به الشريعة، وكان الداعي لهم إلى ذلك هو ما أخذوه وتعلموه من الرسول، أو كان اتخاذهم لذلك الاسلوب، مستنداً إلى ما كان مركوزاً في

١٦٢

أذهانهم ممّا قبل الإسلام، حيث كانوا يعيّنون الأمير والرئيس بالبيعة ؟

والحقّ أنّ هاتين النقطتين في خلافة أبي بكر قابلتان للمناقشة و التحقيق والتأمّل فنقول:(١)

أمّا النقطة الاُوّلى: فإنّ دراسة التأريخ الإسلاميّ في هذه القظية خير دليل على أنّ خلافة أبي بكر لم تأت نتيجة مشاركة الاُمّة الإسلاميّة في اختياره وانتخابه للحكم والقيادة، بل لم ينتخبه إلّا أربعة أنفار لا غير، وهؤلاء النفر هم، عمر بن الخطاب وأبو عبيدة من المهاجرين وبشير بن سعد واسيد بن حضير من الأنصار. وأمّا الباقون من رجال الأوس لم يبايعوا أبا بكر إلّا تبعاً لرئيسهم أسيد بن حضير، في حين غاب عن هذا المجلس كبار الصحابة وأفاضلهم كالإمام عليّ بن أبي طالب، والمقداد، وأبي ذر وحذيفة بن اليمان، وأبّي بن كعب وطلحة والزبير، وعشرات اخرين من الصحابة.

كما أنّ الخزرجيين ـ رغم حضورهم في السقيفة ـ امتنعوا من البيعة لأبي بكر.

وحتّى لو سلّم بوقوع الانتخاب المزعوم فإنه لا ريب كان فريداً من نوعه، لأنّه لم يقترع فيه الحاضرون على أبي بكر كما هو المتّبع في الانتخابات الحرّة المتعارفة، بل تمّ بمبادرة ( عمر ) إلى مبايعة أبي بكر، ثمّ بايعه المهاجر الآخر وبايعه بشير ورئيس الأوس أسيد بن حضير، وتبعه الأوسيون بينما تخلّف الخزرجيون الحاضرون في السقيفة عن مبايعة أبي بكر كما تبين لك ذلك من ما ذكرناه سابقاً من تهاجيهم.

ثمّ أخذوا البيعة من كلّ من صادفوه في الطريق خارج السقيفة، واستمرّ ذلك إلى ستة أشهر بالتهديد والترغيب وهذا أمر واضح لمن درس تاريخ السقيفة وما تلاها من الأحداث والوقائع.

__________________

(١) البحث عن النقطة الاولى، بحث في الصغرى وهو كون خلافة أبي بكر كانت بالانتخاب الشعبيّ.

والبحث عن النقطة الثانية ؛ بحث عن الكبرى أي كون صيغة الحكومة بعد وفاة رسول الله ـ بلا فصل ـ هي تعيين الخليفة باسلوب المبايعة، واللازم على القارئ أن لا يخلط بين الأمرين.

١٦٣

ومن الواضح أنّ بيعةً بهذه الصفة، لا يمكن انّ تكون انتخاباً حقيقيّاً واستفتاءً حرّاً.

فأيّ انتخاب شعبيّ حرّ جاء بالخليفة الأوّل، وهذا التأريخ يروي لنا ما جرى في السقيفة وما وقع من التهديد والتنديد والسيف، والشتيمة والمهاترات.

فها هو الحبّاب بن المنذر الصحابيّ البدريّ الأنصاريّ العظيم وقد انتضى سيفه على أبي بكر ـ يوم السقيفة ـ وهو يقول: ( والله لا يرد عليّ أحد ما أقول إلّا حطّمت أنفه بالسيف أنا جذيلها المحكّك [ أي أصل الشجرة ] وعذيقها المرجب [ أي النخلة المثقلة بالثمر ] أنا أبو شبل في عرينة الأسد يعزى إليّ الأسد )(١) .

وهو بكلامه هذا يتهدّد كلّ من يحاول إخراج القيادة من الأنصار وإقرارها لغيرهم.

وها هو آخر ( وهو سعد بن عبادة ) يخالف مبايعة أبي بكر وينادي: ( انا أرميكم بكلِّ سهم كنانتي من نبل واخضّب منكم سناني ورمحي، وأضربكم بسيفي ما ملكته يدي وأقاتلكم مع من معي من أهلي وعشيرتي )(٢) .

وها هو ثالث يتذمّر من تلك البيعة ويشبّ نار الحرب بقوله: ( انّي لأرى عجاجةً لا يطفئها إلّا دم )(٣) .

وهذا هو سعد بن عبادة أمير الخزرج الذي طلب أن تكون الخلافة في الأنصار، يداس بالأقدام، وينزى عليه وينادى عليه بغضب: ( اقتلوا سعداً قتله الله إنّه منافق، أو صاحب فتنة ) وقد قام الرجل على رأسه ويقول: ( لقد هممت أنّ أطأك حتّى تندر عضوك أو تندر عيونك )(٤) .

فإذا بقيس بن سعد يأخذ بلحية عمر ويقول: ( والله لو حصصت منه شعرةً ما

__________________

(١) شرح ابن أبي الحديد ٢: ١٦.

(٢) الغدير ٧: ٧٦.

(٣) الإمامة والسياسة ١: ١١، تاريخ الطبري ٣: ٢١٠.

(٤) مسند أحمد ١: ٥٦، تاريخ الطبري ٣: ٢١٠ وغيرهما.

١٦٤

رجعت وفي فيك واضحة !!! أو: لو خفضت منه شعرةً ما رجعت وفيك جارحة )(١) .

وهذا الزبير لـمّا رأى أنّ الأمر قد عقد لأبي بكر يخترط سيفه ويقول: ( لا أغمده حتّى يبايع عليّ ) فيقول عمر: عليكم الكلب، فيؤخذ سيفه من يده، ويضرب به الحجر ويكسر(٢) .

وها هو المقداد ذلك الرجل الصحابيّ العظيم يدافع في صدره(٣) .

وها هو أبو بكر يبعث عمر بن الخطاب إلى بيت الإمام عليّ وفاطمة، ويتهدّد اللائذين به الممتنعين عن مبايعته ويقول له: إن أبوا فقاتلهم.

فيأتي عمر إلى بيت فاطمة ويقول: والله لتحرقنّ عليكم أو لتخرجنّ إلى البيعة، فتقول فاطمة الزهراء بنت النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله وتصيح وتنادي: « يا أبت يا رسول الله ماذا لقينا بعدك من ابن الخطاب وابن أبي قحافة »(٤) .

وها هو الإمام عليّعليه‌السلام يقاد إلى البيعة كما يقاد البعير المخشوش ويساق سوقاً عنيفاً ويقال له: بايع فيقول: « إن أنا لم أفعل فمه » ؟ فيقال: إذن والله الذي لا إله إلّا هو نضرب عنقك، فيقول: « إذن تقتلون عبد الله وأخا رسوله »(٥) .

وهؤلاء لـمّا يتناقشون الأمر في السقيفة فيقول الأنصار: منّا أمير ومنكم أمير، يردّ عليه عمر قائلاً: إذا كان ذلك فمت إن استطعت !!

وهذا عمر يعترف أنّ هذه البيعة كانت فلتةً لا تخضع لضابطة، ولا تقوم على أساس من المبادئ الإسلاميّة والمنطلقات الصحيحة والمشروعة إذ يقول: ( كانت بيعة أبي بكر فلتةً كفلتة الجاهليّة، وقى الله شرّها ».

__________________

(١) تاريخ الطبري ٣: ٢١٠، السيرة الحلبيّة ٣: ٣٨٧.

(٢) الإمامة والسياسة ١: ١١، تاريخ الطبري ٣: ١٩٩.

(٣) تاريخ الطبري ٣: ٢١٠.

(٤) تاريخ الطبري ٣: ٢١٠، الإمامة والسياسة ١: ١٣.

(٥) الإمامة والسياسة ١: ١٣، أعلام النساء ٣: ٢٠٦.

١٦٥

ولهذا يحذِّر المسلمين من الأخذ بها لأنّها لم تكن تمثّل أي صورة انتخابيّة صحيحة حتّى لو قيل بمشروعية تعين الخليفة عن طريق الانتخاب فيقول: ( فمن عاد إليها فاقتلوه )(١) .

تحليل لخلافة الإمام عليّ

وأمّا خلافة الإمام عليّعليه‌السلام فهي وإن أجمع المسلمون عليها، وأقبل عليه الناس برمّتهم، إلّا أنّهعليه‌السلام لم يستدلّ لخلافته باجتماع الآراء والأصوات عليه وانتخاب الناس له، بل كان يستند غالباً بالنصوص النبويّة الواردة في حقّهعليه‌السلام والتي تنص على خلافته من جانب الله سبحانه.

وما عليك إلّا أنّ تستعرض ما قاله في يوم الرحبة.

عن الصحابيّ أبي الطفيل الليثي قال: جمع عليّرضي‌الله‌عنه الناس في الرحبة، ثم قال لهم: « أنشد الله كلّ أمرء مسلم سمع رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله يقول يوم غدير خم ما سمع لـمّا قام »، فقام ثلاثون من الناس وقال، أبو نعيم: فقام ناس كثير فشهدوا حين أخذه بيده فقال للناس: « أتعلمون أني أولى بالمؤمنين من أنفسهم » قالوا: نعم يا رسول الله، قال: « من كنت مولاه فهذا مولاه، أللّهم وال من والاه وعاد من عاداه » قال: فخرجت وكأنّ في نفسي شيئاً، فلقيت زيد بن أرقم فقلت له: إنّي سمعت عليّاًرضي‌الله‌عنه تعالى يقول: كذا وكذا. قال: فما تنكر ؟ قد سمعت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله يقول له ذلك(٢) .

وفي رواية أنّ علياًعليه‌السلام نشد الناس من سمع رسول الله يقول من كنت مولاه فهذا مولاه فشهد له قوم وأمسك زيد بن أرقم فلم يشهد، وكان يعلمها فدعا عليّعليه‌السلام عليه بذهاب البصر فعمي فكان يحدّث الناس بالحديث بعد ما كفّ بصره(٣) .

__________________

(١) شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد ١: ١٢٣ ( طبعة مصر ).

(٢ و ٣) شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد ١: ٣٦٢، اسد الغابة٣: ٣٠٧ و ٥: ٢٠٥، والإصابة ٤: ٨٠، ومسند أحمد بن حنبل ١: ٨٤، ومجمع الزوائد ٩: ١٠٧، ومطالب السؤل: ٥٤، شرح المواهب ٧: ١٣، ذخائر العقبى: ٦٧، خصائص النسائيّ: ٢٦ وأسنى المطالب: ٣.

١٦٦

هذا كله في البحث عن النقطة الاولى، أي البحث عن الصغرى وهو هل كان انتخاب الخليفة الأوّل انتخاباً شعبياً أو لا ؟

وأمّا النقطة الثانية: أعني البحث عن الكبرى أي كون صيغة الحكم بعد رسول الله بلا فصل هو تفويض الأمر إلى الاُمّة لانتخاب القائد عن طريق البيعة.

نقول: أنّ تعيين القائد والرئيس بهذه الكيفيّة ( أي البيعة ) لم يكن تعليماً إسلاميّاً، سار على ضوئه من حضر في السقيفة وأخذوا به بما أنّه قانون نصّت عليه الشريعة، وأتى به الإسلام.

لأنّ تعيين الحاكم في منطق الدين الإسلاميّ لم يكن بمبايعة أحد على ذلك، وما قد يتبادر إلى الذهن من وقوع ذلك مع الرسول الأكرمصلى‌الله‌عليه‌وآله إذ بايعه بعض الناس أو بايعه اصحابه، فإنّ تلك البيعة لم تكن إلّا بعد الإقرار بنبوّته وحاكميّته وقيادته وكانت البيعة بمثابة إظهار الإخلاص والوفاء القلبيين له، وعهداً لفظياً وظاهرياً على التقيد بطاعته، وتنفيذ اوامره في الحروب والوقائع المهمّة، لا أنّ البيعة كانت بمعنى نصبه للقيادة، فالقيادة كانت مجعولة للنبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله من جانب الله تعالى، وهي لا تخضع للبيعة وعدم البيعة.

وعلى كلّ حال، فإنّ البيعة كانت بعد الإقرار بالقيادة النبويّة المجعولة إلهيّاً ولأجل الإخلاص والوفاء للنبيّ المعترف بنبوّته قبلاً.

ومن المحتمل جداً أنّ طريقة تعيين الخليفة بالبيعة له التي تمّت في السقيفة وبموجبها عيّنوا الخليفة كانت تقليداً لما كان مرتكزاً في نفوس البعض ممّا قبل الإسلام، حيث كان المتبع في الجاهلية إذا أرادوا أن ينصبوا لأنفسهم رئيساً بايعوا أحداً، وكانت البيعة بمعنى نصبه للقيادة، وبمثابة جعل الإمرة والرئاسة لشخص(١) .

__________________

(١) وسيوافيك عند البحث عن طرق انتخاب الحاكم، أنّ البيعة المذكورة في الآيات القرآنيّة لم تكن إلّا تأكيداً لاعترافهم بالنبوّة وقيادة النبيّ المجعولة من جانب الله سبحانه، ولطمأنة النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله على ما يكنّون له من إخلاص وثبات.

١٦٧

وممّا يدلّ على أنّ تعيين الخليفة والقائد بهذا النمط الذي تمّ في السقيفة كان أسلوباً يعتمد على ما كان مرتكزاً ومترسِّباً في نفوسهم ممّا قبل الإسلام، أنّهم لم يلتفتوا ولم يعتنوا ـ في تعيين الخليفة ـ بالشروط اللازمة في الحاكم الإسلاميّ، ولم يستندوا في ذلك إلى أصل قرآنيّ واسلاميّ لتصحيح عملهم ـ في وقته ـ كآيات الشورى والمشورة، أو الآيات التي تضمنت كلمة البيعة، بل كان كلّ من الطائفتين المتنازعتين على نيل الرئاسة والقيادة، يرجِّح نظره وموقفه باُمور لا أساس لها في الإسلام ولا عبرة بها في تعيين الحاكم وتقرير مصير الحاكميّة كالنسب والنصرة، حيث ادّعى المهاجرون أنّ الخلافة يجب أنّ تكون فيهم لأنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله كان من قريش، وعارضهم الأنصار بأنّهم أولى بالخلافة، لأنّهم آووا الرسول ونصروه وفدوه بأنفسهم وأموالهم وأولادهم.

ومن المعلوم، أنّ ما استندوا إليه واستدلوا به من الملاكات لم تكن ملاكات إسلاميّة في تعيين الخليفة.

وإلى عدم اعتبار تلك الملاكات الواهية، يشير الإمام عليّعليه‌السلام وينتقد أهل السقيفة على تمسكهم بها إذ يقول محتجاً عليهم :

فإن كنت بالشّورى حججت خصيمهم

فكيف بهذا والمشيرون غيّب

وإن كنت بالقربى حججت خصيمهم

فغيرك أولى بالنّبيِّ وأقرب(١)

أمّا ما ورد في كلامهعليه‌السلام من الاستدلال بالشورى. ورأي المهاجرين والأنصار وأهل الحلّ والعقد، فلم يكن إلّا لإبطال ادِّعاء معاوية في الخلافة من باب إفحام الخصم بما يعتقده ويدّعيه، وذلك لأنّ موضوع القيادة ـ كما أسلفناه ـ، كان ينحصر في التنصيص والاستخلاف، وهوما ظلّ يعتقد به المسلمون بعد الرسول حتّى انّهم قد بنوا سيرتهم العمليّة عليه.

__________________

(١) شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد ١٨: ٤١٦.

١٦٨

٣. صيغة القيادة والخلافة عند الأمم السابقة :

إنّ ملاحظة الآيات القرآنيّة الواردة حول القيادة، ومراجعة ما نقل وصحّ من الأحاديث والتأريخ في هذا المجال، تفيد ثلاث نقاط بارزة تؤيّد فكرة التنصيص على الخليفة، وما أسميناه بالاستخلاف، وتفيد ـ بالتالي ـ أنّ المتّبع بين الأمم الغابرة كان هو التنصيص والتعيين للقائد، وليس ترك الأمر إلى نظر الناس وانتخابهم.

وإليك هذه النقاط :

١. لقد كان المتّبع بين الانبياء السابقين هو تسليم أمر من قاموا بهدايتهم وتربيتهم من الأمم وسهروا في صياغتهم، واجتهدوا في تعليمهم، إلى خلفاء صالحين لائقين(١) . ليتسنّى لتلك الأمم والأقوام والجماعات ـ في ظلِّ الرعاية والتربية الصحيحة التي يوليها الخلفاء والأوصياء ـ أن تستمر في طريق التكامل والرشد.

صحيح أنّ أكثر الذين كانوا يخلّفون الانبياء كانوا من الانبياء أيضاً، إلّا أنّ بعضهم لم يكونوا من الانبياء، بل كانوا مجرد أوصياء يقومون بما يقوم به الإمام في الاُمّة الإسلاميّة.

وحتّى لو كان الخلفاء المذكورين من الانبياء أيضاً، فان ذلك يفيد قانوناً كليّاً هو أنّ مسألة القيادة والزعامة والرئاسة بعد غياب النبيّ كان من الأهميّة والخطورة، بحيث لم يترك أمرها إلى اختيار الناس ونظرهم، بل كانت تعهد على طول التاريخ إلى رجال أكفّاء، يعيّنونهم بالاسم والشخص، لأنّ ترك تعيين القائد إلى اختيار الاُمّة قد يؤدي إلى الاختلاف والفرقة والفتنة، أو الاشتباه والخطأ في تعيين الراعي الصالح والقائد الكفوء.

٢. إنّ القيادة والرئاسة بين الأمم السالفة كانت تتحقّق بصورة وراثيّة غالباً، فيتوارثها أفراد من سلالة الأنبياء والرسل خلفاً عن سلف كما نلاحظ في الآيات التالية :

__________________

(١) هذا معلوم على نحو الإجمال، وإن لم نعلم خصوصيّات ولا أسماء تلكم الشخصيات الذين كانوا يخلفّون الأنبياء السابقين.

١٦٩

أ ـ ( إِنَّ اللهَ اصْطَفَىٰ آدَمَ وَنُوحًا وَآلَ إِبْرَاهِيمَ وَآلَ عِمْرَانَ عَلَى الْعَالَمِينَ ) ( آل عمران: ٣٣ ).( ذُرِّيَّةً بَعْضُهَا مِن بَعْضٍ وَاللهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ ) ( آل عمران: ٣٤ ).

ب ـ ( وَوَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَجَعَلْنَا فِي ذُرِّيَّتِهِ النُّبُوَّةَ وَالْكِتَابَ وَآتَيْنَاهُ أَجْرَهُ فِي الدُّنْيَا وَإِنَّهُ فِي الآخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ ) ( العنكبوت: ٢٧ ).

ج ـ ( وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا وَإِبْرَاهِيمَ وَجَعَلْنَا فِي ذُرِّيَّتِهِمَا النُّبُوَّةَ وَالْكِتَابَ ) ( الحديد: ٢٦ ).

ففي هذه الآيات، نرى كيف ينتقل مقام الحاكميّة والقيادة بين أفراد من سلالة الانبياء وذريتهم فيتوارثون ذلك المقام الخطير خلفاً عن سلف.

د ـ وعندما يختار الله تعالى إبراهيم لمقام النبوّة والقيادة، يدعو إبراهيم ربّه أن يجعل هذا المقام في ذرّيّته أيضاً كما جعله فيه، ولا يردّ الله دعاءه ولا يستنكر عليه مطلبه، بل يخبره بأنّه لا ينيلها الظالمين منهم إذ يقول:( قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا قَالَ وَمِن ذُرِّيَّتِي قَالَ لا يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ ) ( البقرة: ١٢٤ ).

ه‍ ـ وعند ما يطلب موسىعليه‌السلام أن يكون أخاه هارون مساعداً ومعيناً له في القيادة يحكي الله ذلك عنه دون أن يستنكر طلبه إذ يقول:( وَاجْعَل لِّي وَزِيرًا مِّنْ أَهْلِي *هَارُونَ أَخِي ) ( طه: ٣٠ ).

وهذه الآيات، تكشف بوضوح عن توارث النبوّة والقيادة خلفاً عن سلف وصالحاً عن صالح، فلا تخرج من سلالة الانبياء وذرياتهم غالباً.

٣. إنّ مراجعة تاريخ الانبياء والاُمم السالفة، تكشف عن أنّ الأنبياء كانوا ينصّون على الخلفاء من بعدهم بصورة الوصاية، ونذكر فيما يأتي طائفةً من الانبياء، وأوصيائهم كما يرويها المسعوديّ :

ونبدأ ذلك من النبيّ إبراهيمعليه‌السلام :

١. إسماعيل بن إبراهيم.

١٧٠

٢. إسحاق بن إبراهيم.

٣. يوسف بن يعقوب.

٤. ببرز بن لاوي بن يعقوب.

٥. أحرب بن ببرز.

٦. ميتاح بن أحرب.

٧. عاق بن ميتاح.

٨. خيام بن عاق.

٩. مادوم بن خيام.

١٠. شعيب بن مادوم.

* * *

١١. موسى بن عمران.

١٢. يوشع بن نون.

١٣. فيخاس بن يوشع.

١٤. بشير بن يوشع.

١٥. جبرئيل بن بشير.

١٦. أبلث بن جبرئيل.

١٧. أحمر بن أبلث.

١٨. محتان بن أحمر.

١٩. عوق بن محتان.

٢٠. طالوت بن عوق.

* * *

٢١. داود.

٢٢. سليمان بن داود.

٢٣. آصف بن برخيا.

١٧١

٢٤. صفورا بن برخيا.

٢٥. منبه بن صفورا.

٢٦. هندوا بن منبه.

٢٧. أسفر بن هندوا.

٢٨. رامي بن أسفر.

٢٩. إسحاق بن رامي.

٣٠. أيم بن إسحاق.

٣١. زكريا بن أيم.

و

وقد أخرجنا هذا الفهرس من كتاب إثبات الوصيّة للمسعوديّ المتوفىّ عام (٣٤٥) تاركين الاطِّلاع على بقيّة أسماء الانبياء وأوصيائهم وأسباطهم للقارئ.

إنّ مراجعة هذا الفهرس من الأسماء، ومراجعة ذلك الكتاب، تهدينا إلى نقطتين بوضوح :

الاُوّلى: إنّ القيادة وإن كانت مقرونةً بالنبوّة غالباً، غير أنّها كانت وراثيّةً في الأمم السالفة، يرثها صالح عن صالح وكابر عن كابر ممّا يعني أنّها لم يكن أمرها متروكاً إلى الناس ومفوضاً إلى آرائهم.

الثانية: أنّ جميع الزعامات والقيادات كانت بأمر الله وبنصّ الانبياء السابقين. وممّا يدلّ على أنّ الاُمّة الناشئة لا يجوز ترك أمرها إلى نفسها، دون تعيين قائد محنّك وراع صالح منصوص عليه يأخذ بزمام أمرها. ويحفظها عن الانحراف، ما جرى في أمّة موسىعليه‌السلام وذلك لـمّا أراد النبيّ موسى بن عمران الاعتزال عن قومه مدّة أربعين ليلةً لمناجاة ربّه سبحانه، لم يترك امّته دون تعيين الخليفة عليهم بل عيّن هارون خليفةً وأميراً في غيابه وإلى هذا يشير قول الله سبحانه منبّهاً إلى هذه الواقعة:( وَوَاعَدْنَا مُوسَىٰ ثَلَاثِينَ لَيْلَةً وَأَتْمَمْنَاهَا بِعَشْرٍ فَتَمَّ مِيقَاتُ رَبِّهِ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً وَقَالَ مُوسَىٰ لأَخِيهِ هَارُونَ

١٧٢

اخْلُفْنِي فِي قَوْمِي وَأَصْلِحْ وَلا تَتَّبِعْ سَبِيلَ المُفْسِدِينَ ) ( الاعراف: ١٤٢ ).

فإذا كان هذا هو المتّبع عند الأمم السالفة في مسألة القيادة والخلافة بعد الانبياء، وكان ذلك أمراً متكرراً ومتعارفاً بينهم، فالانصراف عن تلك الطريقة والإعراض عنها في الإسلام يحتاج إلى التصريح والبيان.

الخلافة بالوصاية

ومن طالع الكتاب والسنّة بتتبّع وتوسّع، لا يجد أي دليل يدلّ على ما يخالف هذه الطريقة ولا أي صارف عن الأخذ بها، بل يجد في ذينك المصدرين العظيمين المقدسين ما يدلّ على أنّ كلّ ما جرى على الأمم السابقة يجري على هذه الاُمّة إلّا ما استثني، وهو مبيّن.

ويدل على ذلك بصراحة لا تقبل جدلاً ما روي عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله أنّه قال: « كانت بنو إسرائيل تسوسهم الأنبياء كلّما هلك نبيّ خلفه نبيّ، وإنّه لا نبيّ بعدي وسيكون خلفاء »(١) .

وبما أنّ التلازم بين النبوّة والاستخلاف ممّا تقتضيه طبيعة الحياة الاجتماعيّة وتؤكّده حياة الأمم السالفة كما ذكرنا لك، لهذا نجد أنّ النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله بمجرد أنّ يصدع بنبوّته، يواجه الناس بمسألة الخلافة من بعده ويشير إلى الخليفة الذي سيخلفه، والوصيّ الذي سيلي مهمّاته ومهامّه بعد وفاته

وهذا يدلّ على أنّ النبوة والاستخلاف ( وتعيين الخليفة بالوصاية ) متلازمان لا ينفصلان وتوأمان لا يفترقان

وإليك ما جرى في يوم الدار المعروف، وهو يثبت ما قلناه :

أخرج الطبريّ في تاريخه عن عبد الله بن عبّاس عن علي بن أبي طالب قال: « لمّا

__________________

(١) أخرجه البخاري ومسلم كما في جامع الاُصول لابن الاثير الجزريّ ٤: ٤٨.

١٧٣

نزلت هذ الآية على رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ( وَأَنذِرْ عَشِيرَتَكَ الأَقْرَبِينَ ) ( الشعراء: ٢١٤ )، دعاني رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله فقال يا علي إنّ الله أمرني أن أنذر عشيرتك الأقربين فضقت بذلك ذرعاً وعرفت أنّي متى ابادئهم بهذا الأمر أرى منهم ما أكره فصمت عليه حتى جاء جبرئيل فقال: يا محمّد إنّك إن لا تفعل ما تؤمر به يعذّبك ربّك، فاصنع لنا صاعاً من طعام واجعل عليه رجل شاة، وأملأ لنا عسّاً من لبن، ثمّ أجمع لي بني عبد المطلب حتّى أكلّمهم وأبلغهم ما أمرت به. ففعلت ما أمرني به ثمّ دعوتهم له وهم يومئذ أربعون رجلاً يزيدون رجلاً أو ينقصونه، فيهم أعمامه أبو طالب وحمزة والعباس وأبو لهب، فلمّا اجتمعوا إليه دعاني بالطعام الّذي صنعت لهم فجئت به فلمّا وضعته تناول رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله حذيةً من اللحم فشقّها بأسنانه، ثمّ ألقاها في نواحي الصّحفة ثمّ قال: خذوا بسم الله، فأكل القوم حتّى ما لهم بشيء حاجة وما أرى إلّا موضع أيديهم، وأيم الله الذي نفس عليّ بيده وإنّه كان الرجل الواحد منهم ليأكل ما قدّمت لجميعهم ثمّ قالصلى‌الله‌عليه‌وآله اسق القوم، فجئتهم بذلك العسّ فشربوا حتّى رووا منه جميعاً، وأيم الله إن كان الرجل الواحد منهم ليشرب مثله، فلمّا أراد رسول الله أن يكلّمهم بدره أبو لهب إلى الكلام فقال: لقدما سحركم صاحبكم، فتفرّق القوم ولم يكلمهم رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله فقال الغد: يا عليّ إنّ هذا الرجل سبقني إلى ما قد سمعت من القول فتفرّق القوم قبل أن أكلمهم، فعد لنا من الطعام بمثل ما صنعت ثمّ أجمعهم إليّ، قال ففعلت، ثمّ جمعتهم ثمّ دعاني بالطعام فقربته لهم ففعل كما فعل بالأمس فأكلوا حتّى ما لهم بشيء حاجة ثمّ قال اسقهم فجئتهم بذلك العسّ فشربوا حتّى رووا منه جميعاً، ثمّ تكلم رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله فقال: يا بني عبد المطلب إنّي والله ما أعلم شاباً في العرب جاء قومه بأفضل ممّا قد جئتكم به إنّي قد جئتكم بخير الدنيا والآخرة، وقد أمرني الله تعالى أن أدعوكم إليه فأيّكم يوازرني على هذا الأمر على أن يكون أخي ووصيّي وخليفتي فيكم ».

قال: « فأحجم القوم عنها جميعاً، وقلت وإنّي لأحدثهم سنّاً وأرمصهم عيناً وأعظمهم بطناً وأحمشهم ساقاً: أنا يا نبيّ الله أكون وزيرك عليه فأخذ برقبتي ثمّ قال :

١٧٤

إنّ هذا أخي ووصيّي وخليفتي فيكم فاسمعوا له وأطيعوا ».

قال: « فقام القوم يضحكون ويقولون لأبي طالب: قد أمرك أن تسمع لابنك وتطيع »(١) .

إنّ الناظر في كلمات الإمام عليّعليه‌السلام يرى أنّ الإمام يصرّح بوجود النصّ النبويّ على خلافته وولايته بعد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله إذ يقول في أهل البيتعليه‌السلام وهو منهم يقولعليه‌السلام : « هم موضع سرّه وملجأ أمره وعيبة علمه وموئل حكمه وكهوف كتبه وهم أساس الدين وعماد اليقين، وإليهم يفيء الغالي، وبهم يلحق التالي، ولهم خصائص حق الولاية، وفيهم الوصيّة »(٢) .

وهذه العبارة صريحة في أنّهعليه‌السلام الصاحب الشرعيّ لمقام الخلافة، لوجود خصائص الولاية في أهل البيت وهو رئيسهم، ولوجود الوصيّة في أعيانهم وهو أوّلهم.

كما يرى أنّهعليه‌السلام يصرّح، بأنّ الولاية حقّ شرعيّ له خاصّةً ولكنّ قريشاً حالوا بينه وبين ذلك الحقّ إذ يقول: « إنّ الله لـمّا قبض نبيّه استأثر علينا قريش بالأمر، ودفعتنا عن حقّ نحن أحقّ به من النّاس كافةً، ورأيت أنّ الصبر على ذلك أفضل من تفريق كلمة المسلمين، وسفك دمائهم، والناس حديثوا عهد بالإسلام، والدّين يمخض مخض الرّطب، يفسده أدنى وهن ويقلبه أقلّ خلق »(٣) .

وفي عبارة أخرى يصرّح الإمامعليه‌السلام بهذا الحقّ بأشدّ وضوح إذ يقول: « أللّهم استعينك على قريش ومن أعانهم، فإنّهم قطعوا رحمي وصغّروا عظيم منزلتي وأجمعوا على منازعتي أمراً هو لي »(٤) .

__________________

(١) تاريخ الطبريّ ٢: ٢١٦، نقض العثمانيّة كما في شرح نهج البلاغة ٣: ٢٦٣، شرح الشفاء للقاضي عياض ٣: ٣٧، تفسير الخازن: ٣٩٠، وحياة محمّد لهيكل: ١٠٤، مسند أحمد ١: ١٥٩ وغيرها.

(٢) نهج البلاغة: الخطبة ٢.

(٣) شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد ٨: ٣٠.

(٤) نهج البلاغة لعبده: الخطبة ١٦٨.

١٧٥

وفي عبارة رابعة قال مجيباً على اعتراض أبي عبيدة الجّراح على الإمام حرصه على الخلافة والإمرة: « بل أنتم ـ والله ـ أحرص وأبعد وأنا أخصّ وأقرب، وإنّما طلبت حقّاً لي، وأنتم تحولون بيني وبينه وتصرفون وجهي دونه »(١) .

ووجه الدلالة لهذا الكلام العلويّ يتّضح إذا درسنا هذا الحقّ الذي يدّعيه الإمام لنفسه، ماهيّته وحقيقته.

وفي عبارة خامسة يقول الإمامعليه‌السلام : « فوالله ما زلت مدفوعاً عن حقّي مستأثراً عليّ منذ قبض الله نبيّهصلى‌الله‌عليه‌وآله حتّى يوم النّاس هذا »(٢) .

والعجيب، أنّ ابن أبي الحديد فسّر هذا ( الحقّ ) الذي صرّح به الإمام في مواضع عديدة بما يخالف ظاهره. إذ قال ما توضيحه :

إنّ الإمام لـمّا كان أقرب الناس إلى النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله وكان أعلمهم وأعدلهم كان له بذلك ( حقّ طبيعيّ ) بأن يكون هو الخليفة، وأن يقع اختيار الاُمّة عليه للقيادة والإمرة، غير أنّ الاُمّة ـ مع ماله من الحقّ المذكور ـ عدلت عنه، وقدّمت المفضول على الفاضل لمصلحة كانت تراها، فعمد الإمام إلى التظلّم والشكوى واللوم على الناخب والمنتخب.

فالحقّ الذي يدّعيه الإمامعليه‌السلام في هذه العبارات، والذي حرمته قريش وأزالته عنه ليس حقّاً شرعيّاً، وليس انتخاب غيره عدولاً عن أمر الشرع، بل كان حقاً طبيعيّاً، وعقليّاً واجباً يوجب على الإنسان ان لا يعدل مع وجود الأعلم إلى العالم، ومع وجود الأفضل إلى المفضول، ومع وجود اللائق إلى غير اللائق، بل لابدّ أن يعطى زمام الأمر إلى العالم المستجمع لشرائط القيادة روحيّاً وجسميّاً.

بيد أنّ هذا التوجيه والتفسير، ينبع عن رأي مسبّق اتخذه صاحبه، ودرس ( الحقّ ) مستنداً على ذلك الرأي والموقف المسبّق وهو غير مقبول.

__________________

(١) نهج البلاغة لعبده: الخطبة ١٦٧.

(٢) نهج البلاغة: الخطبة ٥٩.

١٧٦

فإنّه إذ ذهب إلى تصحيح خلافة الخلفاء الذين تسلّموا قيادة المسلمين بعد الرسول، صار إلى تأويل هذه العبارات وتفسير الحقّ على النحو المخالف لظواهرها الواضحة.

والناظر إلى هذه العبارات والعارف بكلمات الإمامعليه‌السلام يعلم أنّ الإمام يقصد غير ما قاله ابن ابي الحديد، فإنّه :

أوّلاً: يعتمد على كلمة ( الوصاية )، وهو يبطل بصراحة ما أدّعاه ابن أبي الحديد إذ المراد من الوصاية هو إيصاء النبيّ بالخلافة والولاية الشرعيّة له بعده.

وكلمات الوصاية هذه وردت في كلمات كثيرة للإمام مرّ عليك بعضها في العبارات السابقة، كما وصف الإمام بها في بعض كلمات المسلمين وأشعارهم(١) .

ثانياً: إنّ اللياقة التي توجد في الإمام عليّعليه‌السلام لا تولّد لوحدها حقّاً لعليّعليه‌السلام ما لم ينضّم إليه انتخاب الاُمّة على مبنى ابن أبي الحديد، الذي يرى أنّ الخلافة عمليّة انتخابيّة، فإنّ الحقّ في الخلافة على هذا المبنى يعتمد على أمرين :

١. اللياقة الذاتيّة.

٢. انتخاب الشعب.

فلو انتفى أحد الجزئين، انتفى الحقّ في الخلافة، فلا يبقى حقّ لكي يدّعيه الإمام ويركّز عليه.

وبتعبير آخر: إنّ أمر القيادة لو كان راجعاً إلى المشاورة والاستفتاء ومفوّضاً إلى انتخاب الصحابة أو أهل الحلّ والعقد، فإذا لم ينتخبوا أحداً لا يكون الشخص ذا حقّ في الخلافة والإمرة والقيادة، وإن كان ذا فضائل وكفاءات وصفات قياديّة، ولا يعدّ العدول عنه عدولاً عن الحقّ، وميلاً إلى الظلم والإجحاف بأحد، مع أنّ كلمات الإمامعليه‌السلام صريحة في أنّ هذا العدول كان عدولاً من الحقّ إلى غير الحقّ إذ قال: « وأجمعوا

__________________

(١) لاحظ شرح النهج ١: ١٤٣ ـ ١٥٠.

١٧٧

على منازعتي أمراً هو لي ».

وأمّا أنّ الإمام لماذا لم يقم على اخذ الحقّ مع ما يتمتّع به من الشرعيّة والقوّة ؟ فقد أشار الإمام إلى سببه في كلماته إذ قال معزياً ذلك إلى حرصه على وحدة المسلمين ودمائهم: « فرأيت أنّ الصبر على ذلك أفضل من فرقة المسلمين وسفك دمائهم والناس حديثوا عهد بالإسلام، والدّين يمخض مخض الرّطب يفسده أدنى وهن ويقلبه أقلّ خلق ».

وإلى هذا السبب أشار في موضع آخر إذ قال: « لـمّا قبض الله نبيّه قلنا نحن أهله وورثته وعترته وأولياؤه دون النّاس وأيم الله لولا مخافة الفرقة بين المسلمين وأن لا يعود الكفر ويبور الدّين لكنّا على غير ما كنّا لهم عليه »(١) .

ولمّا طالب بعض اصحاب الإمام في أبيات له أن يطالب الإمام بذلك الحقّ الشرعيّ قالعليه‌السلام : « سلامة الدّين أحبّ إلينا من غيره »(٢) .

وفي كلام آخر لهعليه‌السلام نجده يعزي سكوته العظيم وإحجامه عن استخدام القوّة إلى عدم وجود النصير الحقيقيّ له إلّا أهل بيته الذين كان يحرص على المحافظة عليهم: « فنظرت فإذا ليس معين إلّا أهل بيتي فضننت بهم عن الموت وأغضيت على القذى وشربت على الشّجى، وصبرت على أخذ الكظم وعلى أمر من طعم العلقم »(٣) .

ويؤيّد أنّ الحقّ الذي كان يدّعيه الإمامعليه‌السلام إنّما هو حقّ شرعيّ، أنّه حكّم الله بينه وبين من دفعوه عن مقامه إذ قال لمن سأله وهو أحقّ به: « فاعلم فأمّا الاستبداد علينا بهذا المقام ونحن الأعلون نسباً والأشدّون برسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله نوطاً ( أي تعلّقاً ) فإنّها كانت أثرةً شحّت عليها نفوس قوم وسخت عنها نفوس آخرين والحكم الله، والمعود إليه يوم القيامة »(٤) .

__________________

(١) شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد ١: ٣٠٧.

(٢) شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد ٦: ٤١.

(٣ و ٤) نهج البلاغة: الخطبة ٢٦ ـ ١٥٧.

١٧٨

وهذا يفيد بوضوح أنّ ذلك الحقّ كان حقّاً شرعيّاً إلهيّاً ستسئل الاُمّة الإسلاميّة عنه يوم القيامة.

وخلاصة القول: أنّ النصوص متضافرة على أنّ الإمام كان موصى له بالخلافة ومنصوصاً عليه بالإمرة والولاية ولكنّهعليه‌السلام لم يجد الظروف مناسبةً للمطالبة بذلك المقام المنصوص والحقّ المصرّح به، حفاظاً على مصلحة الإسلام والمسلمين، وتجنباً من سفك الدماء وتفرق وحدة الاُمّة وسقوط هيبتها. وهو أمر تقتضيها مصلحة القيادة الحكيمة.

وهكذا تبيّن ممّا سبق من البحث المفصّل، أنّ القاعدة الأصليّة في صيغة الحكومة الإسلاميّة بعد النبيّ هو التنصيص الإلهيّ على حاكم معين باسمه وشخصه وهذا هو ما يعبر عنه بالوصاية.

وحاصلها، أنّ الحاكم الأعلى في نظام الحكم الإسلاميّ يجب أن يكون منصوصاً عليه من جانب الله سبحانه، فكما أن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله كان نبيّاً ورسولاً وحاكماً وقائداً من جانب الله سبحانه، فلابدّ أن يكون خليفته المتولّي لشؤون المسلمين من بعده، منصوصاً عليه، وعلى قيادته من جانبه سبحانه أيضاً.

فذلك كما أسلفنا، ممّا يقتضيه العقل ويدلّ عليه الكتاب والسنّة ويؤكّده موقف الصحابة والخلفاء، وتكشف عنه سيرة الأمم السالفة والأنبياء السابقين.

وقد اقتصرت مهمّتنا في هذا البحث الموسّع، على الاستدلال والبرهنة على هذه القاعدة الأصيلة في صيغة الحكومة الإسلاميّة ولا يهمّنا هنا إثبات من ورد في شأنه النصّ الإلهيّ، وعيّنه الله سبحانه لإمرة المسلمين وقيادتهم فذلك موكول إلى الكتب المعتبرة والمصادر الموثوقة التي تهتمّ بهذا الأمر وتحتوي على النصوص المرتبطة به.

وصفوة القول، أنّ جميع الأدلة النقليّة والمحاسبات العقليّة والاجتماعيّة والشواهد التأريخيّة تدلّ بالإجماع على، أنّ الأصل الأصيل في الحاكميّة هو أنّ الحكم لله سبحانه وحده بالأصالة والاستقلال، وهو يستخلف من يشاء من عباده الصالحين اللائقين

١٧٩

القادرين على إدارة البشريّة وكفايّة اُمورهم وهم ممن تتوفر فيهم مؤهّلات، وكفاءات عالية ولا تعرف بالطريق العاديّ، ولا تكشف بالتجربة والاختيار ولا تحصل إلّا بإعداد إلهيّ وتربية ربانيّة.

بيد أنّ الإسلام إذ لم يشرّعه الله سبحانه إلّا ليكون منهج حياة للبشريّة يتكفّل تنظيم حياتهم عامّةً، ولم يكن له بدّ من التخطيط لموضوع الحكومة والدولة التي هي محور الحياة الاجتماعيّة وأساسها في جميع الأحوال وجميع الظروف والأزمنة، فإذا لم يتسنّ للمجتمع التوصّل إلى الحاكم المنصوص عليه من جانب الله بالاسم، لأسباب استثنائيّة، وظروف خاصّة، ولم يجز للإسلام إهمال مسألة الحكومة، فلابدّ أن يكون له منهج رصين في هذا المجال ايضاً.

وبتعبير آخر أنّ ما ذكرناه لك في الصفحات الماضية والبحوث المتقدمة إنّما هو راجع إلى الظروف التي يوجد فيها إمام منصوص عليه يمكن التوصّل إليه بالأسباب العاديّة، ويتسنّى له أن يباشر إدارة المجتمع وتدبيره.

غير أنّ المفروض في هذا العصر هو عدم وجود مثل ذلك الإمام فلابدّ أن يكون للدين الإسلاميّ تخطيط آخر قطعاً ولا شكّ أنّه تخطيط موجود في الشريعة ويمكن تحصيله بالدراسة والتحقيق، إذ لا يمكن للإسلام أن يهمل هذه الناحية الحساسّة من حياة المجتمع على كلّ حال.

فلابدّ إذن للباحث عن الحقيقّة، أن يتحرّى برنامج الإسلام في هذا المجال في الكتاب والسنّة ونصوص الأئمّة الإسلامييّن، حتّى يستنبط ما يقرره الإسلام في مجال الحكم في هذه الظروف.

وهذا هو ما سنفعله في البحث القادم.

رأي الخُضريّ ومناقشته

وفي الختام نأتي بما قاله الاستاذ محمّد الخضرّي :

١٨٠

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

جلاله هل يوصف بمكان؟ فقال: تعالى عن ذلك. قلت: فلم أسرى بنبيه محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله إلى السماء؟ قال: ليريه ملكوت السموات وما فيها من عجائب صنعه وبدايع خلقه. قلت فقول الله عز وجل: ثم دنى فتدلى فكان قاب قوسين أو أدنى؟ قال: ذاك رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله دنا من حجب النور فرأى ملكوت السموات، ثم تدلىصلى‌الله‌عليه‌وآله فنظر من تحته إلى ملكوت الأرض حتى ظن أنه في القرب من الأرض كقاب قوسين أو أدنى.

- وروى النيسابوري في روضة الواعظين ص ٣٣

قال عكرمة: بينما ابن عباس يحدث الناس إذ قام نافع بن الأزرق فقال: يابن عباس، تفتي في النملة والقملة، صف لنا إلهك الذي تعبده. فأطرق ابن عباس إعظاماً لله عز وجل، وكان الحسين بن علي قاعداً في موضع فقال: إليَّ يابن الأزرق، فقال: لست إياك أسأل، فقال ابن عباس: يابن الأزرق إنه من أهل بيت النبوة وهم ورثة العلم، فأقبل نافع بن الأزرق نحو الحسين فقال الحسينعليه‌السلام : يا نافع، إن من وضع دينه على القياس لم يزل الدهر في التباس، مائلاً على المنهاج ظاعناً في الإعوجاج، ضالاً عن السبيل قائلاً غير الجميل، يابن الأزرق أصف إلهي بما وصف به نفسه وأعرفه بما عرف به نفسه: لا يدرك بالحواس ولا يقاس بالناس، فهو قريب غير ملتصق، وبعيد غير منفصل، يوحد ولا يبعض، معروف بالآيات، موصوف بالعلامات، لا إله إلا هو الكبير المتعال.

- وقال الطوسي في تفسير التبيان ج ٩ ص ٤٢٤

وقوله: ما كذب الفؤاد ما رأى، قال ابن عباس: رأى ربه بقلبه، وهو معنى قوله علمه، وإنما علم ذلك بالآيات التي رآها.

وقال ابن مسعود وعائشة وقتادة: رأى محمد جبرائيل على صورته.

وقال الحسن: يعني ما رأى من مقدورات الله تعالى وملكوته.

وقال الحسن: عرج بروح محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله إلى السماء وجسده في الأرض.

وقال أكثر المفسرين وهو الظاهر من مذهب أصحابنا والمشهور في أخبارهم: أن

٣٢١

الله تعالى صعد بجسمه حياً سليماً حتى رأى ملكوت السموات وما ذكره الله بعيني رأسه، ولم يكن ذلك في المنام بل كان في اليقظة..... ومعنى: ما كذب الفؤاد، أي ما توهم أنه يرى شيئاً وهو لا يراه من جهة تخيله لمعناه، كالرائي للسراب بتوهمه ماء ويرى الماء من بعيد فيتوهمه سراباً. ومن شدد أراد لم يكذب فؤاد محمد ما رأت عيناه من الآيات الباهرات فعداه.

- وفي تفسير نور الثقلين ج ٥ ص ١٥٥

في تفسير علي بن ابراهيم: حدثني أبي، عن أحمد بن محمد بن أبي نصر، عن علي بن موسى الرضاعليه‌السلام قال قال لي: يا أحمد ما الخلاف بينكم وبين أصحاب هشام بن الحكم في التوحيد؟ فقلت: جعلت فداك قلنا نحن بالصورة، للحديث الذي روى أن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله رأى ربه في صورة شاب، وقال هشام بن الحكم بالنفي للجسم، فقال: يا أحمد إن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله لما أسري به إلى السماء وبلغ عند سدرة المنتهى، خرق له في الحجب مثل سم الإبرة فرأى من نور العظمة ما شاء الله أن يرى وأردتم أنتم التشبيه، دع هذا يا أحمد لا ينفتح عليك منه أمر عظيم.

- ورواه في بحار الأنوار ج ٣ ص ٣٠٧ ، وقال: المراد بالحجب إما الحجب المعنوية، وبالرؤية الرؤية القلبية، أو الحجب الصورية، فالمراد بنور العظمة آثار عظمته برؤية عجائب خلقه.

- وفي بحار الأنوار ج ٤ ص ٣٧

بيان: إعلم أن المفسرين اختلفوا في تفسير تلك الآيات قوله تعالى: ما كذب الفؤاد ما رأى، يحتمل كون ضمير الفاعل في رأى راجعاً إلى النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وإلى الفؤاد. قال البيضاوي: ما كذب الفؤاد ما رأى ببصره من صورة جبرئيل، أو الله، أي ما كذب الفؤاد بصره بما حكاه له، فإن الأمور القدسية تدرك أولاً بالقلب ثم تنتقل منه إلي البصر، أو ما قال فؤاده لما رآه: لم أعرفك، ولو قال ذلك كان كاذباً، لأنه عرفه بقلبه كما رآه بصره، أو ما رآه بقلبه، والمعنى لم يكن تخيلاً كاذباً. ويدل عليه أنه سئلعليه‌السلام هل رأيت ربك فقال: رأيته بفؤادي، وقرئ (ما كذَّب) أي صدقه ولم يشك فيه....

٣٢٢

قوله تعالى: ولقد رآه نزلة أخرى، قال الرازي: يحتمل الكلام وجوهاً ثلاثة: الأول الرب تعالى، والثاني جبرئيلعليه‌السلام ، والثالث الآيات العجيبة الإلهية. انتهى. أي ولقد رآه نازلاً نزلة أخرى فيحتمل نزولهصلى‌الله‌عليه‌وآله ونزول مرئية.

فإذا عرفت محتملات تلك الآيات عرفت سخافة استدلالهم بها على جواز الرؤية ووقوعها بوجوه:

الأول: أنه يحتمل أن يكون المرئي جبرئيل، إذا المرئي غير مذكور في اللفظ، وقد أشار أمير المؤمنينعليه‌السلام إلى هذا الوجه في الخبر السابق.

وروى مسلم في صحيحه بإسناده عن زرعة عن عبد الله: ما كذب الفؤاد ما رأى، قال: رأى جبرئيلعليه‌السلام له ستمائة جناح. وروى أيضاً بإسناده عن أبي هريرة، ولقد رآه نزلة أخرى قال: رأى جبرئيلعليه‌السلام بصورته التي له في الخلقة الأصلية.

الثاني: ما ذكرهعليه‌السلام في هذا الخبر وهو قريب من الأول لكنه أعم منه.

الثالث: أن يكون ضمير الرؤية راجعاً إلى الفؤاد، فعلى تقدير إرجاع الضمير إلى الله تعالى أيضاً لا فساد فيه.

الرابع: أن يكون على تقدير إرجاع الضمير إليهصلى‌الله‌عليه‌وآله وكون المرئي هو الله تعالى، المراد بالرؤية غاية مرتبة المعرفة ونهاية الإنكشاف.

وأما استدلالهعليه‌السلام بقوله تعالى: ليس كمثله شيء، فهو إما لأن الرؤية تستلزم الجهة والمكان وكونه جسماً أو جسمانياً، أو لأن الصورة التي تحصل منه في المدركة تشبهه.

رأي الشيعة الزيدية في نفي الرؤية

- مختصر في العقيدة للدكتور المرتضى بن زيد المحطوري ص ١١

٨ - الله سبحانه وتعالى لا يرى بالأبصار. لأنه ليس جسماً ولا عرضاً لا يُرى، والدليل على ذلك - عقلاً ونقلاً:

٣٢٣

دليل العقل: إن حاسة الرؤية إذا كانت سليمة ولم يمنع مانع من الرؤية من ظلام أو إضاءة زائدة أو بعد أو قرب ملاصق للعين، فعندما توجد شروط الرؤية المذكورة تستطيع العين رؤية الموجودات. والله سبحانه وتعالى موجود ولم نره، ولا يصح لنا أن نراه، لأن المرئي يجب أن يكون جسماً يرى، وله لون، وفي جهة من الجهات، والله سبحانه وتعالى ليس كذلك، فعظمته سبحانه في خفائه بدليل أن أعظم سر نبحث عنه هو الحياة والروح والعقل والتفكير والتمييز والفرح والحزن ونحو ذلك مما لا نقدر على وضع اليد عليه مع علمنا بوجوده، فالكائنات الحية معجزة في تكوينها.ولكن الروح التي لا ندركها معجزة أكبر(ويسألونك عن الروح قل الروح من أمر ربي) فكيف يرى الله والروح بعض أسراره؟

وكيف يخفى والشمس بعض آياته؟!

نراه سبحانه بعيون التصديق والإيمان في آياته الباهرة وآثاره الظاهرة، نراه بالبصائر لا بالأبصار.

ومن زعم أنه يرى في الآخرة فقد استدل بقوله سبحانه(إلى ربها ناظرة) وهي مؤولة بحذف مضاف والتقدير إلى رحمة ربها ناظرة لأنها مقابلة للآية التي بعدها(تظن أن يفعل بها فاقرة) والمقابلة تقتضي ذلك فوجوه منتظرة لرحمة الله، ووجوه تتوقع غضبه ونقمته.

ومن جهة ثانية: فقد ورد ناظر بمعنى منتظر كما في قوله سبحانه(ما ينظرون إلا صيحة) والصيحة لا تنظر بالعين وإنما تنتظر. وكذلك قوله تعالى - حكاية عن بلقيس -(فناظرة بم يرجع المرسلون) . والدليل إذا طرقه الإحتمال بطل الإستدلال به.

كما أن أهل البيتعليهم‌السلام مجمعون على عدم تجويز رؤية الله، وإجماعهم حجة، كما قال ابن تيمية وغيره، والأحاديث الواردة في هذا الشأن تعرض على القرآن، والقرآن ينفي عن الله الرؤية لأنها تقتضي التشبيه.

فالحديث الذي يقول (إنكم ترون ربكم كالقمر) يؤدي إلى تشبيه الله بخلقه

٣٢٤

كالقمر، وإن كان الحديث لا يفيد ذلك، فهو الذي نريد ويكون معناه ترون وعده ووعيده وصدق ما أخبركم به كالقمر عياناً، وإلا توقفنا عن العمل بحديث ظني يؤدي إلى التشبيه والتجسيم تعالى الله عن ذلك، والأخذ بالآية المحكمة أولى من الأخذ بالمتشابه.

تفسيرهم الموافق لمذهبنا

- صحيح مسلم ج ١ ص ١٠٩

- عن أبي ذر قال سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم: هل رأيت ربك قال: نور، أنى أراه!

عن عبد الله بن شقيق قال قلت لأبي ذر: لو رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم لسألته، فقال عن أى شيء كنت تسأله؟ قال كنت أسأله هل رأيت ربك؟ قال أبوذر: قد سألته فقال: رأيت نوراً.

حدثنا عباد وهو ابن العوام حدثنا الشيباني قال سألت زر بن حبيش عن قول الله عز وجل:فكان قاب قوسين أو أدنى ، قال أخبرني ابن مسعود أن النبي صلى الله عليه وسلم رأى جبريل له ستمائة جناح.

عن زر، عن عبد الله قال: ما كذب الفؤاد ما رأى، قال: رأى جبريلعليه‌السلام له ستمائة جناح.

زر بن حبيش، عن عبد الله قال: لقد رأى من آيات ربه الكبرى، قال: رأى جبريل في صورته له ستمائة جناح.

عن عطاء، عن أبي هريرة: ولقد رآه نزلة أخرى، قال: رأى جبريل.

عن عبد الملك عن عطاء، عن ابن عباس قال: رآه بقلبه.

عن أبي العالية، عن ابن عباس قال:ما كذب الفؤاد ما رأى * ولقد رآه نزلة أخرى ، قال: رآه بفؤاده مرتين. انتهى.

٣٢٥

- وروى الترمذي في ج ٥ ص ٧٠ ، عدة روايات في رؤية النبي لربه في الإسراء بقلبه، وروايتين في رؤيته له بعينه، قال: عن عكرمة، عن ابن عباس قال: ما كذب الفؤاد ما رأى، قال رآه بقلبه. هذا حديث حسن....

عن قتادة، عن عبد الله ابن شقيق، قال قلت لأبي ذر لو أدركت النبي صلى الله عليه وسلم لسألته، فقال عما كنت تسأله؟ قلت: أسأله هل رأى محمد ربه؟ فقال: قد سألته فقال: نوراً، أنى أراه! هذا حديث حسن.

- عن عبد الرحمن بن يزيد عن عبد الله: ما كذب الفؤاد ما رأى، قال: رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم جبرائيل في حلة من رفرف قد ملأ ما بين السماء والأرض. هذا حديث حسن صحيح.

عن عكرمة عن ابن عباس قال: رأى محمد ربه، قلت أليس الله يقول:لا تدركه الأبصار وهو يدرك الأبصار ، قال ويحك ذاك إذا تجلى بنوره الذى هو نوره وقد رأى محمد ربه مرتين. هذا حديث حسن غريب.

عن ابن عباس في قول الله:ولقد رآه نزلة أخرى * عند سدرة المنتهى * فأوحى إلى عبده ما أوحى .[فكان قاب قوسين أو أدنى]. قال ابن عباس: قد رآه النبي صلى الله عليه وسلم. هذا حديث حسن. انتهى.

- وروى أحمد في مسنده ج ١ ص ٢٢٣

عن ابن عباس في قوله عز وجل: ما كذب الفؤاد ما رأى، قال: رأى محمد ربه عز وجل بقلبه مرتين.

- وقال السيوطي في الدر المنثور ج ٦ ص ١٢٣

وأخرج الفريابي وعبد بن حميد والترمذي وصححه وابن جرير وابن المنذر والطبراني وأبوالشيخ والحاكم وصححه وابن مردويه وأبونعيم والبيهقي معاً في الدلائل عن ابن مسعودرضي‌الله‌عنه قوله ما كذب الفؤاد ما رأى، قال: رأى صلى الله عليه وسلم جبريل عليه حلتا رفرف أخضر قد ملأ ما بين السماء والأرض.

٣٢٦

وأخرج مسلم وأحمد والطبراني وابن مردويه والبيهقي في الأسماء والصفات عن ابن عباس في قوله: ما كذب الفؤاد ما رأى ولقد رآه نزلة أخرى، قال: رأى محمد ربه بقلبه مرتين.

وأخرج عبد بن حميد والترمذي وحسنه وابن جرير وابن المنذر والطبراني عن ابن عباس في قوله: ما كذب الفؤاد ما رأى، قال: رآه بقلبه.

وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم عن محمد بن كعب القرظي عن بعض أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم قال قالوا يا رسول الله هل رأيت ربك؟ قال لم أره بعيني، ورأيته بفؤادي مرتين.

وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم عن أبي العالية قال سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم هل رأيت ربك؟ قال: رأيت نهراً ورأيت وراء النهر حجاباً، ورأيت وراء الحجاب نوراً لم أره غير ذلك.

وأخرج عبد بن حميد وابن جرير عن أبي العالية في قوله: ما كذب الفؤاد ما رأى، قال: محمد، رآه بفؤاد ولم يره بعينيه.

وأخرج عبد بن حميد وابن جرير عن أبي صالح في قوله: ما كذب الفؤاد ما رأى، قال: رآه مرتين بفؤاده.

وأخرج عبد بن حميد عن سعيد بن جبير قال: ما أزعم أنه رآه، وما أزعم أنه لم يره.

وأخرج مسلم والترمذي وابن مردويه عن أبي ذر قال: سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم هل رأيت ربك؟ فقال نور، أنى أراه؟! وأخرج مسلم وابن مردويه عن أبي ذر أنه سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم هل رأيت ربك؟ فقال رأيت نوراً!

وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم وابن مردويه عن أبي ذر قال: رآه بقلبه ولم يره بعينيه.

وأخرج النسائي عن أبي ذر قال: رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم ربه بقلبه ولم يره ببصره.

٣٢٧

وأخرج مسلم والبيهقي في الدلائل عن أبي هريرة في قوله: ولقد رآه نزلة أخرى، قال: رأى جبريلعليه‌السلام .

وأخرج عبد بن حميد عن إبراهيم قال: رأى جبريل في صورته.

وأخرج عبد بن حميد عن مرة الهمداني قال: لم يأته جبريل في صورته إلا مرتين، فرآه في خضر يتعلق به الدر.

وأخرج عبد بن حميد عن قتادة في قوله ولقد رآه نزلة أخرى، قال: رأى نوراً عظيماً عند سدرة المنتهى.

وأخرج أبوالشيخ وابن مردويه عن ابن مسعود ولقد رآه نزلة أخرى، قال: رأى جبريل معلقاً رجله بسدرة عليه الدر كأنه قطر المطر على البقل.

وأخرج أبوالشيخ عن ابن مسعود: ولقد رآه نزلة أخرى عند سدرة المنتهى، قال: رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم جبريل في صورته عند السدرة له ستمائة جناح، جناح منها سد الأفق يتناثر من أجنحته التهاويل الدر والياقوت ما لا يعلمه إلا الله.

وأخرج آدم بن أبي إياس والبيهقي في الأسماء والصفات عن مجاهد، إذ يغشى السدرة ما يغشى، قال: كان أغصان السدرة من لؤلؤ وياقوت، وقد رآها محمد بقلبه ورأى ربه.

وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم والبيهقي في الدلائل عن عائشةرضي‌الله‌عنها قالت: كان أول شأن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه رأى في منامه جبريل بأجياد ثم خرج لبعض حاجته فصرخ به جبريل يا محمد يا محمد، فنظر يميناً وشمالاً فلم ير شيئاً ثلاثاً، ثم رفع بصره فإذا هو ثان إحدى رجليه على الأخرى على أفق السماء، فقال يا محمد جبريل جبريل يسكنه، فهرب النبي صلى الله عليه وسلم حتى دخل في الناس، فنظر فلم ير شيئاً، ثم خرج من الناس فنظر فرآه، فذلك قول الله: والنجم إذا هوى ما ضل صاحبكم وما غوى إلى قوله: ثم دنا فتدلى، يعني جبريل إلى محمد، فكان قاب قوسين أو أدنى، يقول القاب نصف الإصبع، فأوحى إلى عبده ما أوحى، جبريل إلى عبد ربه.

٣٢٨

وروى حديث (في حلة من رفرف) أحمد في ج ١ ص ٣٩٤ و ص ٤١٨ والحاكم ج ٢ ص ٤٦٨، وكلها عن عبد الله بن عمر، وقال الحاكم (صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه)

- الجواهر الحسان للثعالبي ج ٣ ص ٢٥٢

أنكر جمهور العلماء الأشاعرة من أهل السنة حديث مشرك بن أبي خمر الذي يثبت فيه الدنو والتدلي لرب العزة، سبحانه وتعالى عما يصفون.... ذهب البيهقي إلى ترجيح ما روي عن عائشة وابن مسعود وأبي هريرة ومن حملهم هذه الآيات (ثم دنى فتدلى..) عن رؤية جبرئيل، ورواية شريك تنقضها رواية أبي ذر الصحيحة، قال يا رسول الله هل رأيت ربك؟ قال: نور، أنى أراه!

- مصابيح السنة للبغوي ج ٤ ص ٣٠

عن زرارة بن أوفى: أن رسول الله (ص) قال لجبرئيل: هل رأيت ربك؟ فانتفض جبرئيل وقال: يا محمد إن بيني وبينه سبعين حجاباً من نور، لو دنوت من بعضها لاحترقت.

ونفى قدماء المتصوّفة الرؤية بالعين في الدنيا

- التعرف لمذهب أهل التصوف للكلاباذي المتوفى سنة ٣٨٠ قال في ص ٤٣:

وأجمعوا أنه لا يرى في الدنيا بالأبصار ولا بالقلوب إلا من جهة الإيقان، لأنه غاية الكرامة وأفضل النعم، ولا يجوز أن يكون ذلك إلا في أفضل المكان، ولو أعطوا في الدنيا أفضل النعم لم يكن بين الدنيا الفانية والجنة الباقية فرق، ولما منع الله سبحانه كليمه موسىعليه‌السلام ذلك في الدنيا، وكان من هو دونه أحرى. وأخرى أن الدنيا دار فناء، ولا يجوز أن يرى الباقي في الدار الفانية، ولو رأوه في الدنيا لكان الإيمان به ضرورة.

والجملة أن الله تعالى أخبر أنها تكون في الآخرة، ولم يخبر أنها تكون في الدنيا فوجب الإنتهاء إلى ما أخبر الله تعالى به.

٣٢٩

واختلفوا في النبي صلى الله عليه وسلم: هل رأى ربه ليلة المسرى، فقال الجمهور منهم والكبار إنه لم يره محمد صلى الله عليه وسلم ببصره، ولا أحد من الخلائق في الدنيا، على ما روي عن عائشة أنها قالت: من زعم أن محمداً رأى ربه فقد كذب.....

وقال بعضهم: رآه النبي صلى الله عليه وسلم ليلة المسرى، وإنه خص من بين الخلائق بالرؤية كما خص موسىعليه‌السلام بالكلام، واحتجوا بخبر ابن عباس وأسماء وأنس، منهم أبو عبد الله القرشي والشبلي وبعض المتأخرين.

وقال بعضهم: رآه بقلبه ولم يره ببصره، واستدل بقوله:ما كذب الفؤاد ما رأى .

ولا نعلم أحداً من مشايخ هذه العصبة المعروفين منهم والمتحققين به، ولم نر في كتبهم ولا مصنفاتهم ولا رسائلهم، ولا في الحكايات الصحيحة عنهم، ولا سمعنا ممن أدركنا منهم من زعم أن الله تعالى يرى في الدنيا أو رآه أحد من الخلق، إلا طائفة لم يعرفوا بأعيانهم.

بل زعم بعض الناس أن قوماً من الصوفية ادعوها لأنفسهم، وقد أطبق المشايخ كلهم على تضليل من قال ذلك وتكذيب من ادعاه، وصنفوا في ذلك كتباً، منهم أبو سعيد الخراز، وللجنيد في تكذيب من ادعاه وتضليله رسائل وكلام كثير. وزعموا أن من ادعى ذلك فلم يعرف الله عز وجل، وهذه كتبهم تشهد على ذلك.

تفسيرهم الذي فيه تجسيم

يلاحظ أن روايات إخواننا التي ادعت أن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله رأى ربه تعالى بعينه، ورد قليل منها في حادثة الإسراء والمعراج، وأكثرها ورد في حادثة غير مفهومة ادعى راويها أنها وقعت للنبيصلى‌الله‌عليه‌وآله في المدينة، وبعض رواياتها نصت على أنها منام، أو شك راويها في أن تكون في المنام.. الخ.

٣٣٠

- شرح مسلم للنووي - الساري ج ٢ ص ٩٤

قوله عن عبد الله بن مسعودرضي‌الله‌عنه في قوله تعالى: ما كذب الفؤاد ما رأى، قال رأى جبريل له ستمائة جناح، وهو مذهبه في هذه الآية.. وذهب الجمهور من المفسرين إلى أن المراد أنه رأى ربه سبحانه وتعالى. انتهى.

ويلاحظ أنه نسب القول بالرؤية بالعين إلى جمهور المفسرين، وهم نوعاً مفسروا العهد الأموي من تلامذة كعب الأحبار وجماعته أو من الرواة عنهم! ولكنه عاد ونسبها إلى أكثر العلماء، فقال في هامش الساري ج ٢ ص ٩٢:

الراجح عند أكثر العلماء أن رسول الله (ص) رأى ربه يعني بعيني رأسه ليلة الإسراء. انتهى. وهذا إن صحّ فهو يعني أن أكثرية علماء إخواننا قلدوا المفسرين من تلاميذ كعب وأعرضوا عن الأحاديث الصحيحة المعارضة لها.

- روى أحمد في مسنده ج ٤ ص ٦٦ وج ٥ ص ٣٧٨ وفي ج ١ ص ٣٦٨:

عن أبي قلابة عن ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: أتاني ربي عز وجل الليلة في أحسن صورة أحسبه يعني في النوم فقال يا محمد هل تدري فيم يختصم الملأ الأعلى؟ قال قلت لا، قال النبي صلى الله عليه وسلم فوضع يده بين كتفي حتى وجدت بردها بين ثديي أو قال نحري، فعلمت ما في السموات وما في الأرض، ثم قال يا محمد هل تدري فيم يختصم الملأ الأعلى؟ قال قلت نعم يختصمون في الكفارات والدرجات، قال وما الكفارات والدرجات؟ قال المكث في المساجد والمشي على الأقدام إلى الجمعات وابلاغ الوضوء في المكاره، ومن فعل ذلك عاش بخير ومات بخير وكان من خطيئته كيوم ولدته أمه! وقال: يا محمد أصليت اللهم إني أسألك الخيرات وترك المنكرات وحب المساكين وإذا أردت بعبادك فتنة أن تقبضني إليك غير مفتون، قال والدرجات: قل إذا بذل الطعام وإفشاء السلام والصلاة بالليل والناس نيام.

٣٣١

-ورواه الهيثمي في مجمع الزوائد ج ٧ ص ١٧٦ - ١٧٨ بعدة روايات، وقال عن رواية ابن عايش: رواه أحمد ورجاله ثقات. وقال: عن ربيع بن أنس أن النبي (ص) قال رأيت ربي.... قال أحمد بن حنبل: أنا أقول بحديث ابن عباس بعينه، رآه رآه حتى انقطع نفس أحمد.

- وروى الترمذي في سننه ج ٥ ص ٤٤ وقال:

وقد ذكروا بين أبي قلابة وبين ابن عباس في هذا الحديث رجلاً وقد رواه قتادة عن أبي قلابة، عن خالد بن اللجلاج، عن ابن عباس.

ورواه في ٢ ص ٤٥ وص ٤٦ بروايتين أيضاً وقال: هذا حديث حسن غريب من هذا الوجه، قال: وفي الباب عن معاذ بن جبل وعبد الرحمن بن عائش، عن النبي صلى الله عليه وسلم.

- وقال النويري في نهاية الإرب ج ٨ جزء ١٦ ص ٢٩٥:

عن ربيع بن أنس أن النبي (ص) قال رأيت ربي.... ثم ذكر قول أحمد: أنا أقول بحديث بن عباس بعينه رآه رآه، حتى انقطع نفس أحمد.

- وقال السهيلي في الروض الأنف ج ٢ ص ١٥٦ وقال: سئل ابن حنبل عن الرؤية قال: رآه رآه رآه حتى انقطع صوته.

ورواه أيضاً عن أبي هريرة وابن عباس.... وروى: رأى ربه في أحسن صورة ووضع يديه بين كتفيه حتى وجد بردها بين ثدييه.

- وقال الذهبي في تاريخ الإسلام ج ١ ص ٢٥٧

وأما الروايات عن ابن مسعود فإنما فيها تفسير ما في النجم، وليس في قوله ما يدل على نفي الرؤية لله.

- تاريخ الإسلام للذهبي ج ١٦ ص ٤٢٩

عن نعيم عن.... أم الطفيل أنها سمعت النبي (ص) يقول رأيت ربي في أحسن صورة، شاباً، موقراً، رجلاه في مخصر، عليه نعلان من ذهب.

٣٣٢

- وقال السيوطي في الدر المنثور ج ٣ ص ٢٤

وأخرج أحمد وابن جرير وابن مردويه والبيهقي في الأسماء والصفات عن عبد الرحمن بن عائش الحضرمي عن بعض أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: رأيت ربي في أحسن صورة....

- وقال الذهبي في ميزان الإعتدال ج ١ ص ٥٩٣

إبراهيم زبن أبي سويد، وأسود بن عامر، حدثنا حماد، عن قتادة، عن عكرمة، عن ابن عباس مرفوعاً: رأيت ربي جعداً أمرد، عليه حلة خضراء.

وقال ابن عدي: حدثنا عبد الله بن عبدالحميد الواسطي، حدثنا النضر بن سلمة شاذان، حدثنا الأسود بن عامر، عن حماد، عن قتادة، عن عكرمة، عن ابن عباس أن محمداً رأى ربه في صورة شاب أمرد، دونه ستر من لؤلؤ، قدميه أو رجليه في خضرة.

وحدثنا ابن أبي سفيان الموصلي وابن شهريار قالا: حدثنا محمد بن رزق الله بن موسى، حدثنا الأسود بنحوه. وقال عفان: حدثنا عبدالصمد بن كيسان، حدثنا حماد، عن قتادة، عن عكرمة، عن ابن عباس، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: رأيت ربي.

وقال أبو بكر بن أبي داود: حدثنا الحسن بن يحيى بن كثير، حدثنا أبي، حدثنا حماد بنحوه، فهذا من أنكر ما أتى به حماد بن سلمة، وهذه الرؤية رؤية منام إن صحت. قال المرودي قلت لأحمد: يقولون لم يسمع قتادة عن عكرمة! فغضب وأخرج كتابه بسماع قتادة عن عكرمة في ستة أحاديث. ورواه الحكم بن أبان، عن زيرك، عن عكرمة. وهو غريب جداً. انتهى. وروى نحوه الدارمي في سننه ج ٢ ص ١٢٦ والبغوي في مصابيحه ج ١ ص ٢٩٠ والسهيلي في الروض الأنف ج ١ ص ٢٦٨ وابن الأثير في أُسد الغابة ج ٣ ص ٤٦٥ وج ٧ ص ٣٥٦ ورواه الهندي في كنز العمّال ج ١٥ ص ٨٩٧ - ٥٩٨ وفي ج ١٦ ص ٢٤٥ - ٢٤٧ بروايات متعددة وقال في مصادره (عب، حم وعبد بن حميد، ت عن ابن عباس) (ت، ك عن معاذ) (كر) (ابن مندة، والبغوي، ق، كر). والنويري في نهاية الإرب ج ٨ جزء ١٦ ص ٢٩٥ والمنذري في الترغيب والترهيب ج ١ ص ٢٦٢

٣٣٣

- وقال ابن حجر في تهذيب التهذيب ج ٦ ص ٢٠٤

عبد الرحمن بن عائش الحضرمي، روي عنه حديث: رأيت ربي في أحسن صورة.

- الأحاديث القدسية من الصحاح ج ١ ص ١٥٨

- حديث: أتاني ربي في أحسن صورة، أخرجه الترمذي عن ابن عباس: إن الله وضع يده على كتف رسول الله (ص) حتى وجد رسول الله بردها بين ثدييه أو قال في خدي. وروى نحوه أيضاً في ج ٢ ص ٤٤ والقسطلاني في إرشاد الساري ج ٧ ص ٣٢٠ وص ٣٥٩

- وقال أبو الشيخ في طبقات المحدثين ج ٢ ص ٤٣٢

عن عبد الله بن عباس أن رسول الله (ص) خرج يوماً على أصحابه مستبشراً.. فقال لهم: إن ربي أتاني الليلة في أحسن صورة.... فوضع يده على كتفي فوجدت بردها بين ثديي.. الخ.

- وقال في ج ١ ص ١٢٩

عن عبد الرحمن بن المبارك بن فضالة عن أبيه: كان الحسن يحلف بالله أن محمداً (ص) قد رأى ربه تبارك وتعالى.

- وقال الطبري في تفسيره ج ٧ ص ١٦٢

خالد الحلاج، قال سمعت عبد الرحمن بن عياش، يقول صلى بنا رسول الله (ص) ذات غداة فقال له قائل: ما رأيت أسعد منك الغداة، قال: ومالي وقد أتاني ربي في أحسن صورة فقال: فيم يختصم الملأ الأعلى يا محمد؟ قلت أنت أعلم، فوضع يده على كتفي فعلمت ما في السموات والأرض.... الخ.

- وقال الدميري في حياة الحيوان ج ٢ ص ٣٥٩

من حديث معاذ بن جبلرضي‌الله‌عنه قال: احتبس عنا رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات غداة عن صلاة الصبح حتى كدنا نتراءى عين الشمس، فخرج سريعاً فَثَوَّبَ بالصلاة فصلى وتجوز في صلاته.... ثم انفتل إلينا فقال: أما إني سأحدثكم ما

٣٣٤

حبسني عنكم الغداة: إني قمت من الليل فتوضأت وصليت ما قدر لي فنعست في صلاتي حتى استثقلت، فإذا أنا بربي تعالى في أحسن صورة! فقال يا محمد.... فيم يختصم الملأ الأعلى.... الخ.

- وقال السيوطي في الدر المنثور ج ٥ ص ٣١٩

أخرج عبدالرزاق وأحمد وعبد ابن حميد والترمذي وحسنه ومحمد بن نصر... الخ.

وأخرج الترمذي وصححه ومحمد بن نصر والطبراني والحاكم وابن مردويه عن معاذ بن جبلرضي‌الله‌عنه .... الخ.

وأخرج الطبراني في السنة وابن مردويه عن جابر بن سمرةرضي‌الله‌عنه .... عن أبي هريرةرضي‌الله‌عنه ...

وأخرج الطبراني في السنة والشيرازي في الألقاب....

وابن مردويه عن أنسرضي‌الله‌عنه ....

وأخرج ابن نصر والطبراني وابن مردويه عن أبي أمامة....

وأخرج الطبراني في السنة والخطيب عن أبي عبيدة بن الجراحرضي‌الله‌عنه ....

وأخرج محمد بن نصر في كتاب الصلاة والطبراني في السنة عن عبد الرحمن بن عابس الحضرميرضي‌الله‌عنه ....

- وقال السيوطي في الدر المنثور ج ٦ ص ١٢٤

وأخرج ابن جرير عن ابن عباس قال قال صلى الله عليه وسلم رأيت ربي في أحسن صورة فقال لي: يا محمد هل تدري فيم يختصم الملأ الأعلى؟ فقلت لا يا رب، فوضع يده بين كتفي فوجدت بردها بين ثديي فعلمت ما في السماء والأرض، فقلت يا رب في الدرجات والكفارات ونقل الأقدام إلى الجماعات وانتظار الصلاة بعد الصلاة، فقلت يا رب إنك اتخذت ابراهيم خليلاً وكلمت موسى تكليماً وفعلت وفعلت فقال: ألم أشرح لك صدرك ألم أضع عنك وزرك ألم أفعل بك ألم أفعل،

٣٣٥

فأفضى إليَّ بأشياء لم يؤذن لي أن أحدثكموها فذلك قوله: ثم دنا فتدلى فكان قاب قوسين أو أدنى فأوحى إلى عبده ما أوحى ما كذب الفؤاد ما رأى. فجعل نور بصري في فؤادي فنظرت إليه بفؤادي. انتهى.

- قال الذهبي في سيره ج ٢ ص ١٦٦

ولم يأتنا نص جلي بأن النبي صلى الله عليه وسلم رأى الله تعالى بعينيه. وهذه المسألة مما يسع المرء المسلم في دينه السكوت عنها، فأما رؤية المنام فجاءت من وجوه متعددة مستفيضة، وأما رؤية الله عياناً في الآخرة فأمر متيقن تواترت به النصوص. جمع أحاديثها الدارقطني والبيهقي وغيرهما.

- وقال السيوطي في الدر المنثور ج ٦ ص ١٢٣

وأخرج عبد بن حميد والترمذي وابن جرير وابن المنذر والحاكم وابن مردويه عن الشعبي قال: لقي ابن عباس كعباً بعرفة، فسأله عن شيء فكبر حتى جاوبته الجبال فقال ابن عباس إنا بنو هاشم نزعم أو نقول إن محمداً قد رأى ربه مرتين، فقال كعب: إن الله قسم رؤيته وكلامه بين موسى ومحمدعليهما‌السلام فرأى محمد ربه مرتين وكلم موسى مرتين.

قال مسروق فدخلت على عائشة فقلت هل رأى محمد ربه؟ فقالت لقد تكلمت بشيء قَفَّ له شعري، قلت رويداً، ثم قرأت لقد رأى من آيات ربه الكبرى، قالت أين يذهب بك! إنما هو جبريل. من أخبرك أن محمداً رأى ربه أو كتم شيئاً مما أمر به أو يعلم الخمس التي قال الله إن الله عنده علم الساعة الآية، فقد أعظم الفرية، ولكنه رأى جبريل لم يره في صورته إلا مرتين، مرة عند سدرة المنتهى، ومرة عند جياد له ستمائة جناح قد سد الأفق.

- وروى الطبري في تفسيره ج ٩ ص ٣٤ ما يوهم قرب النبي المادي من الله تعالى في الإسراء، قال: عن عبد الله بن أبي جعفر، عن أبيه، عن الربيع في قوله: وقربناه نجيا، قال: من لقي أصحاب النبي أنه قرب للرب حتى سمع صريف القلم من الشوق إليه. انتهى.

٣٣٦

- وروى النويري في نهاية الإرب ج ٨ جزء ١٦ ص ٢٩٨

قال جعفر بن محمد.... والدنو من الله لا حد له، ومن العباد بالحدود. انتهى. ويقصد بجعفر الإمام جعفر الصادقعليه‌السلام .

والملاحظات على هذه الروايات كثيرة: منها تعارض نصوصها، واضطرابها، وأن سؤال الله تعالى لنبيه عن اختصام الملأ الأعلى غير مفهوم، بل غير منطقي! وكذا تأخر النبي عن صلاة الصبح، وطريقة تحديثه المسلمين بالقصة، ثم شباهة متونها بأحاديث اليهود مثل قوله (فوضع يده بين كتفي فوجدت بردها بين ثديي فعلمت ما في السماء والأرض). هذا مضافاً إلى أن بعضها خلط بين القصة المزعومة وبين روايات المعراج وآياته، والمعراج كان في مكة، وهذه القصة المزعومة في المدينة.

كل ذلك، وغيره، يوجب الشك في هذه الرواية والتريث في الحكم بصحتها، خاصة أن بعضها اشتمل على التناقض كرواية الطبري التي يذكر في أولها أنه رآه في أحسن صورة، وفي آخرها أنه رآه بفؤاده!

وبعضها روي عن صاحبها ما يناقضها كرواية ابن عباس، وقد شهد ابن قيم أن روايتي الرؤية بالعين وضدها كلتاهما صحتا عن ابن عباس، فلابد أن تكون إحداهما مكذوبة! قال في زاد المعاد ج ٣ ص ٢٩ - ٣٠: واختلف الصحابةرضي‌الله‌عنهم ، هل رأى ربه تلك الليلة أم لا؟ فصح عن ابن عباس أنه رأى ربه وصح عنه أنه قال: رآه بفؤاده. انتهى.

وقد علق على ذلك ناشر الكتاب الشيخ عبد القادر عرفان فقال في هامشه: لم أقف على هذه الرواية في الصحيح، بل الذي صح عن ابن عباسرضي‌الله‌عنه ما جاء عند مسلم في الإيمان ١٧٦ - ٢٨٥ في قوله تعالى:ما كذب الفؤاد ما رأى ، وقوله تعالى:ولقد رأه نزلة أخرى ، قال رآه بفؤاده مرتين. وأخرجه الترمذي في التفسير ٣٢٨٠.

ثم قال ابن قيم: وصح عن عائشة وابن مسعود إنكار ذلك وقالا إن قوله:ولقد رآه

٣٣٧

نزلة أخرى عند سدرة المنتهى ، إنما هو جبريل. وصح عن أبي ذر أنه سأله هل رأيت ربك فقال صلى الله عليه وسلم: نور، أنى أراه! أي: حال بيني وبين رؤيته النور، كما قال في لفظ آخر: رأيت نوراً. وقد حكى عثمان بن سعيد الدارمي اتفاق الصحابة على أنه لم يره.

ثم قال ابن قيم: قال شيخ الإسلام ابن تيمية... وقد صح عنه أنه قال: رأيت ربي تبارك وتعالى ولكن لم يكن هذا في الإسراء، ولكن كان في المدينة لما احتبس عنهم في صلاة الصبح، ثم أخبرهم عن رؤية ربه تبارك وتعالى تلك الليلة في منامه، وعلى هذا بنى الإمام أحمدرحمه‌الله وقال: نعم رآه حقاً، فإن رؤيا الأنبياء حق ولا بد، ولكن لم يقل أحمدرحمه‌الله : إنه رآه بعيني رأسه يقظة، ومن حكى عنه ذلك فقد وهم عليه، ولكن قال مرة رآه، ومرة قال رآه بفؤاده، فحكيت عنه روايتان، وحكيت عنه الثالثة من تصرف بعض أصحابه: أنه رآه بعيني رأسه، وهذه نصوص أحمد موجودة، ليس فيها ذلك. انتهى.

راجع ما تقدم في أول الباب من أن جمهور الصحابة كانوا يوافقون عائشة على نفي الرؤية بالعين.

وجهل بعضهم فنسب الدنو والتدلّي إلى الله تعالى!

- تاريخ الإسلام للذهبي ج ١ ص ٢٦٧

وقال سليمان بن بلال.. وذكر حديث الإسراء وفيه ثم عرج به محمد (ص) إلى السماء السابعة ثم علا به فوق ذلك بما لا يعلمه إلا الله حتى جاء إلى سدرة المنتهى، ودنا الجبار رب العزة فتدلى....

- تفسير الطبري ج ١٢ ص ١٤

عبد الله بن عمر، قال سمعت نبي الله (ص) يقول يدنو المؤمن من ربه حتى يضع عليه كتفه!

٣٣٨

- الدر المنثور ج ٦ ص ١٢٣

وأخرج ابن جرير عن أنس بن مالك قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لما عرج بي مضى جبريل حتى جاء الجنة فدخلت فأعطيت الكوثر، ثم مضى حتى جاء لسدرة المنتهى فدنا ربك فتدلى، فكان قاب قوسين أو أدنى!

وأخرج ابن جرير وابن مردويه عن ابن عباسرضي‌الله‌عنهما في قوله ثم دنا قال دنا ربه فتدلى.

وأخرج أبوالشيخ وأبونعيم في الدلائل عن سريج بن عبيد قال لما صعد النبي صلى الله عليه وسلم إلى السماء فأوحى الله إلى عبده ما أوحى، قال فلما أحس جبريل بدنو الرب خر ساجداً، فلم يزل يسبحه تسبيحات ذي الجبروت والملكوت والكبرياء والعظمة حتى قضى الله إلى عبده ما قضى، ثم رفع رأسه فرأيته في خلقه الذي خلق عليه منظوم أجنحته بالزبرجد واللؤلؤ والياقوت فخيل إليَّ أن ما بين عينيه قد سد الأفقين وكنت لا أراه قبل ذلك إلا على صور مختلفة، وأكثر ما كنت أراه على صورة دحية الكلبي، وكنت أحياناً لا أراه قبل ذلك إلا كما يرى الرجل صاحبه من وراء الغربالي.

- وقال السهيلي في الروض الأنف ج ٢ ص ١٥٦

وروي: لما أحس جبريل دنو الرب خر ساجداً. انتهى.

وقدتقدم ذكر روايات أخرى تنسب التدلي إلى الله تعالى، وتقدم عن أهل البيتعليهم‌السلام أن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله (دنا من حجب النور فرأى ملكوت السماوات، ثم تدلى فنظر من تحته الى ملكوت الأرض، حتى ظن أنه في القرب من الأرض كقاب قوسين أو أدنى).

ووصفوا عرشه بأنّه تحمله حيوانات كما وصفه اليهود

- الدر المنثور ج ٦ ص ١٢٣

وأخرج ابن إسحاق والبيهقي في الأسماء والصفات وضعفه عن عبد الله بن أبي

٣٣٩

سلمة أن عبد الله بن عمر بن الخطاب بعث إلى عبد الله بن عباس يسأله هل رأى محمد ربه؟ فأرسل إليه عبد الله بن عباس: أن نعم، فرد عليه عبد الله بن عمر رسوله أن كيف رآه؟ فأرسل أنه رآه في روضة خضراء دونه فراش من ذهب على كرسي من ذهب يحمله أربعة من الملائكة، ملك في صورة رجل وملك في صورة ثور وملك في صورة نسر وملك في صورة أسد! انتهى.

وسيأتي ذكر بقية الحيوانات التي ادعوا أنها تحمل عرش الله تعالى في بازار الأحاديث، ويأتي بعضها في تفسير: الرحمن على العرش استوى.

وقالوا رأى ربّه واقفاً على أرض خضرة خلف ستر شفّاف

- وقال السيوطي في الدر المنثور ج ٦ ص ١٢٤

وأخرج البيهقي في الأسماء والصفات وضعفه من طريق عكرمة عن ابن عباس أنه سئل هل رأى محمد ربه؟ قال نعم رآه كأن قدميه على خضرة دونه ستر من لؤلؤ، فقلت يا أبا عباس أليس يقول الله لا تدركه الأبصار! قال لا أم لك ذاك نوره الذي هو نوره، إذا تجلى بنوره لا يدركه شيء! انتهى.

ومضافاً إلى تضعيف البيهقي لهذه الرواية، فإنها تحاول تفسير قوله تعالى: لا تدركه الأبصار، أي لا تدرك نوره، أما ذاته تعالى فتدركها الأبصار. وهو مخالف لظهور الآية، ولم يفسرها به أحد.

وحاول بعضهم أن يخفف القصة ويجعلها رؤيا في المنام

- تقدم في رواية الترمذي نقل قول الراوي وهو ابن عباس بزعمهم (أحسبه قال في المنام)

- وروى عبد الرزاق في تفسيره ج ٢ ص ١٣٧

عن ابن عباس: أن النبي (ص) قال: أتاني ربي الليلة في أحسن صورة أحسبه قال: يعني في المنام، فقال: يا محمد هل تدري فيم يختصم الملأ الأعلى؟ قال

٣٤٠

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

461

462

463

464

465

466

467

468

469

470

471

472

473

474

475

476

477

478

479

480

481

482

483

484

485

486

487

488

489

490

491

492

493

494

495

496

497

498

499

500

501

502

503

504

505

506

507

508

509

510

511

512

513

514

515

516

517

518

519

520

521

522

523

524

525

526

527

528

529

530

531

532

533

534

535

536

537

538

539

540

541

542

543

544

545

546

547

548

549

550

551

552

553

554

555

556

557

558

559

560

561

562

563

564

565

566

567

568

569

570

571

572

573

574

575

576

577

578

579

580

581

582

583

584

585

586

587

588

589

590

591

592

593

594

595

596

597

598

599

600

601

602

603

604

605

606

607

608

609

610

611

612

613

614

615

616

617

618

619

620

621

622

623

624

625

626

627