مفاهيم القرآن الجزء ٢

مفاهيم القرآن9%

مفاهيم القرآن مؤلف:
الناشر: مؤسّسة الإمام الصادق (عليه السلام)
تصنيف: مفاهيم القرآن
الصفحات: 627

الجزء ١ الجزء ٢ الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥ الجزء ٦ الجزء ٧ الجزء ٨ الجزء ٩ الجزء ١٠
  • البداية
  • السابق
  • 627 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 228468 / تحميل: 6449
الحجم الحجم الحجم
مفاهيم القرآن

مفاهيم القرآن الجزء ٢

مؤلف:
الناشر: مؤسّسة الإمام الصادق (عليه السلام)
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

( لم يرد في الكتاب أمر صريح بشكل انتخاب خليفة لرسول الله أللّهم إلّا تلك الأوامر العامّة التي تتناول الخلافة وغيرها مثل وصف المسلمين بقوله تعالى:( وَأَمْرُهُمْ شُورَىٰ بَيْنَهُمْ ) (١) وكذلك لم يرد في السنّة بيان نظام لانتخاب الخليفة إلّا بعض نصائح تبعد عن الاختلاف والتفرّق، كأنّ الشريعة أرادت أن تكل هذا الأمر للمسلمين حتّى يحلّوه بأنفسهم، ولو لم يكن الأمر كذلك لمهّدت قواعده وأوضحت سبله، كما أوضحت سبل الصلاة والصيام )(٢) .

وما ذكره الأستاذ ادّعاء غريب إذ فيه :

أوّلاً: كيف لم يرد في السنّة بيان نظام خاصّ حول الخلافة إلّا الأوامر العامّة، وقد فصّل الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله جلائل الأمور وصغائرها فيما هو أقلّ شأناً من أمر الخلافة بكثير.

كيف وقد بين الرسول كثيراً من المستحبات والمسنونات التي لا تبلغ في الأهميّة والخطورة مبلغ الخلافة والحكومة.

وثانياً: إنكّ قد عرفت أنّ أمر الخلافة لا يصحّ أن يكله النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله إلى الاُمّة وقد عرفت الوجوه الدالة على ذلك، من عدم بلوغ الذروة في أمر القيادة، وتجذّر الخلافات العشائريّة بينهم، والخطر الثلاثي الذي يحدق بهم، ويهدّد كيانهم(٣) .

وثالثاً: أنّ الاستاذ لو أحاط بتاريخ الإسلام والمسلمين وما أثر من الرسول من أحاديث صحيحة ومتواترة حول الخلافة لوقف على النصوص الصريحة في لون الخلافة ونظامها في جميع الظروف.

__________________

(١) الشورى: ٣٨.

(٢) محاضرات في تاريخ الأمم الإسلاميّة ٢: ١٦١.

(٣) لاحظ صفحة ٧٦ ـ ١٠٠ من هذا الجزء.

١٨١
١٨٢

الفصل الثالث

صيغةُ الحكومة الإسلاميّة

في العصور الحاضرة

قد أوقفك ما مضى من البحث على لون الحكومة بعد وفاة النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله وعرفت حقّ المقال فيه بما لا يبقى لمشكّك شكّ، ولا لذي ريب ريب.

غير أنّ المهمّ ـ الآن ـ هو، بيان صيغة الحكومة في العصور الحاضرة التي لا تتمكن الاُمّة فيها من الوصول إلى الإمام المنصوص عليه باسمه وشخصه، وهذا هو ما عقدنا له الفصل التالي.

* * *

ماذا كُتب حول الحكومة ؟

إنّ إيضاح صيغة الحكومة الإسلاميّة في هذه العصور، وبيان مناهجها وخطوطها وخصائصها مع كونها من أهمّ الموضوعات الحيويّة، لم يبذل علماء الفريقين حولها الجهود الكبيرة اللائقة بشأنها، وذلك لسبب في جانب أهل السنّة، وسبب في جانب الشيعة.

أمّا الأوّل، فبما أنّ الاسلوب الّذي تمّت به خلافة الخلفاء في العصر الأوّل قد صار ملاكاً للحكومة الإسلاميّة عندهم وحسبوا أنّه المعيار الصحيح ولأجل ذلك صار هذا

١٨٣

مانعاً عن تحقيق الموضوع حسب ما يليق به.

وقد صار ذلك مؤثراً في تعطيل القوى المفكِّرة للبحث عن إسلوب آخر من أساليب الحكم التي ربّما يرشدنا إليه الكتاب والسنّة عند التدبُّر.

وقد سبقنا إلى ذكر هذا السبب الكاتب عبد الكريم الخطيب في كتابه الخلافة والإمامة ( صفحة ٢٧٢ ) حيث قال: ( وقد كان لهذا الإسلوب أثره في تعطيل القوى المفكّرة للبحث عن إسلوب آخر من أساليب الحكم التي جرّبتها الأمم إذ أصبحت البيعة التي ظهرت صورتها في سقيفة بني ساعدة، هي الصورة المرتسمة في ذهن المسلمين وهي عندهم الصورة المثلى لاختيار الخليفة ).

وأمّا من جانب الشيعة، فلأجل أنّهم لم تقم لهم حكومة إسلاميّة واسعة الأطراف إلّا دويلات مثل الحمدانييّن والبويهييّن والفاطمييّن، وقد قضت عليها السلطات الجائرة، لم يستدعي ذلك البحث عن خطوط الحكومة الإسلاميّة ومسائلها ولأجل ذلك، اكتفوا بالبحث عن المسائل التي كانت تبتلي بها الشيعة في جميع العصور، كالخراج والمقاسمة والتولّي عن الحاكم الجائر وغيرها ممّا لم تكن خاصّةً بعصر دون عصر.

نعم ذكر ابن النديم في فهرسته ( صفحة ٥٠ ) كتاباً لأبي موسى جابر بن حيّان تلميذ الإمام جعفر الصادق المتوفّى عام ( ٢٠٠ ) اسمه ( الحكومة ) ولا نعلم خصوصيّات الكتاب.

وألّف بعض علماء الشيعة كتباً ورسائل في بعض المسائل التي تمت إلى الحكومة بصلة « كقاطاعة اللجاج في حلّ الخراج » للمحقّق الكركي المتوفّى عام ( ٩٤٠ ه‍ )، و « الخراجيّة » للمحقّق الأردبيليّ المتوفّى عام (٩٩٣) وقد طبعت في هامش كتاب درر الفوائد للمحقّق الخراسانيّ.

كما أنّ هناك رسائل اخرى في هذا الموضوع ذكرها البحّاثة شيخنا الطهرانيّ في موسوعته الذريعة، راجع الجزء ٧ صفحة ٦٨ و ١٤٤.

وألّف غير واحد من علماء الشيعة حول الدفاع والجهاد، كتباً مفصّلة وهما يعدّان

١٨٤

من مسؤوليات الدولة، كما ألفّوا رسالات حول الولاية عن الحاكم الجائر.

وقد قام في العصر الحاضر أعلام من الشيعة بدراسة هذا الأمر الحيويّ، ونخص بالذكر العلمين الجليلين: آية الله المحقّق النائينيّ المتوفي عام (١٣٥٥) وقد سمّى كتابه: تنبيه الاُمّة وتنزيه الملّة وطبع عام (١٣٢٧) وقرضه العلمان ( آية الله الخراسانيّ وآية الله المازندراني ) وآية الله العظمى الإمام الأكبر المجاهد السيد روح الله الخمينيّ قائد الثورة الإسلاميّة الظافرة، وقد بحث عن الحكومة الإسلاميّة بصورة مسهبة في سلسلة محاضرات منتظمة وقد طبعت تحت عنوان « الحكومة الإسلاميّة ».

ولأعلام السنّة مؤلفات في هذا المجال، يعالج كلّ واحد منها بعض النواحي من الحكومة الإسلاميّة، وأخصُّ بالذكر كتب :

١. الأموال للإمام الحافظ أبي عبيد القاسم بن سلام المتوفّى عام (٢٢٤) وهو من أنفس ما ألّف في هذا الموضوع.

٢. « الأحكام السلطانيّة » للشيخ أبي الحسن عليّ بن محمد الماورديّ الشافعيّ المتوفّى عام (٤٥٠) وقد رتّبه على عشرين باباً.

٣. « الأحكام السلطانيّة » للشيخ أبي يعلى محمّد بن الحسين الفرّاء الحنبليّ المتوفّى ببغداد عام (٤٥٨) وهو معاصر للماورديّ.

٤. « معالم القربة في أحكام الحسبة » لابن الأخوة القرشيّ المتوفّى عام ( ٧٦٠ ه‍ ) وهو من أبسط ما كتب في شؤون المحتسب.

٥. « الحسبة في الإسلام » تأليف أحمد بن تيمية المولود عام ( ٦٦١ ـ ٧٢٨ ه‍ ) هذا ما كتبه القدامى من المفكّرين والعلماء.

وأمّا المتأخِّرون، فقد أكثروا في الكتابة عن الموضوع في عصرنا هذا، غير أنّ الجميع ـ كما أشرنا إليه ـ لم يتجاوزوا عن تصوير الحكومة الإسلاميّة التي قامت في عهد الخلفاء ومن بعدهم من الأموييّن والعباسييّن، فهذه الكتب أشبه بتأريخ الخلافة الإسلاميّة من

١٨٥

تحقيق خطوطها ورسم معالمها على ضوء الكتاب والسنّة.

والغريب، أنّ هذه المسائل تهمل ولا يعتني بها كتابنا الأوائل والحال أنّنا نجد بعض مؤرخينا السالفين، دأبوا على تكريم الظالمين وكالوا لهم الثناء بغير حساب، وسخّروا تفكيرهم وجهودهم للإطراء على سرفهم وترفهم، وأعمالهم السيئة فحفلوا ـ فيما كتبوه من تاريخ ـ حتّى بحياة المشعوذين والمجانين، بل وأحوال غلمان الملوك وقردتهم والمغنيّن والراقصين، ونمثل لذلك بكتاب ( الأغاني ) لأبي فرج الأصفهانيّ المتوفّى عام (٣٥٦) الذي حفل بكلّ مغنّ ومغنيّة وكلّ راقص وراقصة، وكلّ شاذّ وشاذّة، ونقل أشعارهم المائعة وقصائدهم الماجنة، وكتب في ألوان الألحان والأصوات وذكر الأشعار الموافقة لألحانها مع تراجم شعرائها والمغنيّن بها بينما غفل اولئك الكتّاب عن الكتابة والتأليف عن الحكومة الإسلاميّة وخطوطها وخصوصيّتها وما ورد في شأنها في الكتاب والسنّة إلّا عدّة مختصرات مرّت عليك، وهو لا يكشف إلّا عن عدم الاهتمام بهذا الأمر الحيويّ، هذا وسيقف القارئ الكريم على أنّ صيغة الحكومة في العصور الحاضرة هو التنصيص أيضاً لكن لا على العين والشخص بل على الوصف والمواصفات.

وبعبارة أخرى: إنّ صيغة الحكومة في هذه العصور هي انتخاب الاُمّة للحاكم حسب الضوابط المنصوص عليها في الكتاب والسنّة أو كون الحاكم الأعلى مرضيّاً عند الاُمّة بعد أن يكون متّصفاً بالضوابط الشرعيّة.

وهذا هو الذي يتجلى لك بالتفصيل والبرهان في الصفحات القادمة، ولا يرجع هذا النمط إلى النظام الدارج في الغرب وفي كثير من البلاد الاُخرى في العالم الثالث.

إذ في الأنظمة الديمقراطيّة السائدة اليوم، يكفي مجرّد اجماع الشعب، أو أكثريّته على اختيار فرداً للحكم والرئاسة، بغضّ النظر عمّا يجب أن تتوفّر في الحاكم والرئيس الأعلى من مؤهّلات وكفاءات عالية تتوقّف عليها عمارة البلاد وسعادة العباد.

بينما يختلف الأمر عن ذلك في ظلّ النظام الإسلاميّ الذي يحصر حقّ الحاكميّة في الله وحده.

١٨٦

فإنّ هذا المنطلق وهذه القاعدة الأصليّة الرصينة في الفكر الإسلاميّ تفرض، أن تكون حاكميّة غير الله مستندةً إلى حاكميّته سبحانه، وموضع رضاه تعالى، فتكون إمّا منصوصاً عليها بالاسم والعين من جانبه تعالى ـ كما أسلفناه ـ، وإمّا أن تكون موافقةً للصفات والضوابط التي نصّ عليها الكتاب والسنّة، فلا يكفي في شرعيّة الحكومة والرئاسة مجرد انبثاقها من إرادة الشعب كلّه أو أغلبيّته، ما لم تكن وفق الضوابط الإلهيّة والمعايير الإسلاميّة المقرّرة في شأن الحاكم.

وهذا أمر منطقيّ، لأنّ الغرض من إقامة الحكومة في منطق الإسلام إنّما هو إشاعة العدل والحق والأمن، ولا يتحقق ذلك إلّا في ظلّ حكومة تكون منطبقةً على المعايير والضوابط الإلهيّة.

ولذلك لا يمكن أن نصف ( الحكومة الإسلاميّة ) في هذه الحال بأنّها: حكومة الشعب على الشعب. بل هي حكومة الله على الشعب بقوانينه وضوابطه، أو حكومة القانون الإلهيّ.

ولا يهمّ مع ذلك، الوصف والتسمية، بعد أن اتضح منشأ الحكومة الإسلاميّة وهو حاكميّة الله، وحاكميّة قوانينه وضوابطه وأحكامه.

وبذلك يفترق اسلوب الانتخاب الشعبيّ في ظلّ النظام الإسلاميّ عمّا هو متعارف في ظلّ الأنظمة الديمقراطيّة السائدة، التي تعتمد على السيادة الشعبيّة دون قيد أو مراعاة للمواصفات والمؤهّلات اللازمة في الحاكم والمنتخب، وهي بذلك تعتبر الحاكميّة حقّاً خاصّاً بالشعب ونابعاً منه، ومن إجماعه على شيء أو شخص وارتضائه به حقّاً أو باطلاً، صالحاً أو فاسداً، وستعرف المواصفات التي يشترطها الإسلام في الحاكم الأعلى في الفصول القادمة، ويتعّين علينا هنا أوّلاً أن نعرف الأدلّة التي تعطي الاُمّة حقّ اختيار الحاكم أو ارتضائه ـ على الأقل ـ في ظرف عدم التوصُّل إلى الحاكم المنصوص عليه من جانب الله.

١٨٧

انتخاب الاُمّة والأدلّة الإسلاميّة (١)

يحتوي الكتاب والسنّة وسيرة المسلمين العمليّة على أدلّة كثيرة تدلّ على أنّ للاُمّة أن تنتخب حكامها ورؤساءها وفق الضوابط والمعايير الإسلاميّة، وهي إلى جانب دلالتها على هذا الأمر، وإثباتها هذا الحقّ للاُمّة، تكشف عن طبيعة ( الحكومة الإسلاميّة ) ومنطلقاتها ومبادئها الإلهيّة التي تميّزها عن غيرها من أنظمة الحكم المعمول بها في التاريخ أو الرائجة في العالم المعاصر.

وإليك هذه الأدلّة :

١. استخلاف الله للإنسان

تصرّح بعض الآيات القرآنيّة، بأنّ الله تعالى استخلف الإنسان في الأرض، فهو إذن (خليفة الله ) فيها من غير فرق بين آدم وأبنائه إلى يوم القيامة، غير أنّ تلك الخلافة قد تجسّدت في ذلك الوقت في آدم، حيث يقول الله تعالى:( وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً ) ( البقرة: ٣٠ ).

وهذه الآية والآيات التي ستمرّ عليك، تدلّ بوضوح كامل على أنّ الخلافة لم تكن منحصرة في فرد واحد من النوع الإنسانيّ وهو آدمعليه‌السلام بل هي تشمل جميع أبناء البشريّة، بدليل أنّه بعد ما قال سبحانه:( إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً ) سأل الملائكة بقولهم:( أَتَجْعَلُ فِيهَا مَن يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ ) مظهرين بذلك، أنّ الخليفة المزمع استخلافه في الأرض سيركب الفساد ويسفك الدماء، ومن المعلوم، أنّ هذا العمل لم يكن صادراً من الإنسان الشخصيّ المتمثّل في آدمعليه‌السلام بل من أبنائه وأبناء أبنائه، الذين طالما اقترفوا الذنوب وارتكبوا المعاصي، وأخبر القرآن

__________________

(١) إنّ الأدلّة التي ستمر عليك في الصفحات القادمة تتكفّل بيان أمرين: أحدهما ضمنيّ والآخر استقلاليّ، فهي مضافاً إلى أنّها تبيّن صيغة الحكومة في العصور الحاضرة تبيّن لزوم إقامة الدولة وتشكيل السلطة في إطار الضوابط الإلهيّة.

١٨٨

الكريم عن فسادهم الكبير في الأرض.

وبعبارة آخرى: بما أنّ الملائكة تنسب الفساد وسفك الدماء إلى الخليفة المجعول في الأرض، يعلم أنّ الخلافة هذه كانت عامّةً والاستخلاف كان شاملاً لجميع أبناء البشر.

ويمكن استظهار هذا المطلب من الآيات التالية أيضاً :

أ ـ ( هُوَ الَّذِي جَعَلَكُمْ خَلائِفَ فِي الأَرْضِ فَمَن كَفَرَ فَعَلَيْهِ كُفْرُهُ ) ( فاطر: ٣٩ )

ب ـ ( أَمَّن يُجِيبُ المُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاءَ الأَرْضِ ) ( النمل: ٦٢ ).

إنّ هاتين الآيتين ـ بإطلاقهما تفيدان أنّ المخاطبين بهما: خلفاء الله في أرضه وينبغي أن لا نتوهّم أنّ المراد هو خلافتهم عن الأمم السابقة، إذ لو كان المراد هو ذلك، لوجب إلقاء الكلام على غير هذا النحو كما في بعض الآيات التي أريد منها خلافة أمّة لاحقة عن أمّة سابقة كقوله سبحانه:( ثُمَّ جَعَلْنَاكُمْ خَلائِفَ فِي الأَرْضِ مِن بَعْدِهِمْ ) ( يونس: ١٤ )(١) .

وصفوة القول: أنّ مقتضى هذه الآيات هو أنّ الله سبحانه شرّف الإنسان باستخلافه وجعله خليفته في الأرض، فكان الإنسان بذلك خلقاً ممتازاً على جميع عناصر الكون، وبهذه الخلافة والاستخلاف استحقّ أن تسجد له الملائكة تكرمةً وإعظاماً، وإظهاراً لفضله ومقامه.

أبعاد خلافة الإنسان عن الله

إنّ كون الإنسان خليفة الله في الأرض يقصد ( أو يستنتج ) منه أمران :

١. كون الإنسان خليفةً لله سبحانه في تمثيل أسمائه، وصفاته الحسنى.

__________________

(١) وبهذا المضمون الآية (٧٣) من سورة يونس والآيتين ( ٦٩ و ٧٤ ) من الأعراف.

١٨٩

فهو بما أنّه خليفة الله يحكي ـ بوجوده ـ قدرة الله المستخلف له، وعمله، فهو يتفنّن ويبتدع، ويكتشف، ويستخرج، ويجدّ، ويعمل، فيجعل الحزن سهلاً والماحل خصباً، والخراب عمراناً، والبراري بحاراً أو خلجاناً، ويولّد بالتلقيح أزواجاً من النبات، وقد يتصرف في أبناء جنسه من أنواع الحيوان كما يشاء بضروب التربية والتغذية، والتوليد حتّى ظهر التغيير في خلقتها، وخلائقها، وأصنافها فصار منها الكبير والصغير، ومنها الأهليّ والوحشيّ، فهو ينتفع بكلّ نوع منها ويسخِّره لخدمته، كما سخّر القوى الطبيعيّة، وسائر المخلوقات.

أليس من حكمة الله الذي أعطى كلّ شيء خلقه ثمّ هدى، أن جعل الإنسان بهذه المواهب خليفته في الأرض يقيم سننه، ويظهر عجائب صنعه، وأسرار خليقته، وبدائع حكمه، ومنافع أحكامه ؟ وهل وجدت آية على كمال الله، وسعة علمه أظهر من هذا الإنسان، الذي خلقه على أحسن تقويم، وإذا كان الإنسان خليفته بهذا المعنى فكيف تعجب الملائكة منه(١) .

ولأجل خلافة الإنسان عن الله سبحانه في الاُمور التكوينيّة جعل الله تعالى عمارة الأرض، على عاتق هذا الإنسان حتّى يمثّل بعمله وتعميره للأرض تدبير الله سبحانه فقال:( هُوَ أَنشَأَكُم مِّنَ الأَرْضِ وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيهَا ) ( هود: ٦١ ).

وكما أنّ الله سبحانه ربّ البقاع والبهائم ومدبّرها، فإنّ الخليفة مسؤول عنها ومسؤول عن العناية بها أيضاً كما قال الإمام عليّعليه‌السلام : « إنّكم مسؤولون حتّى عن البقاع والبهائم »(٢) .

وخلاصة هذا البعد هي، خلافة الإنسان عن الله سبحانه في الاُمور التكوينيّة بما أعطي من مقدرة من جانبه سبحانه.

٢. إنّ الإنسان يخلفه سبحانه في الاُمور الاجتماعيّة، أعني بها الاُمور الراجعة إلى القيادة والحاكميّة.

__________________

(١) تفسير المنار ١: ٢٦٠.

(٢) نهج البلاغة: الخطبة (١٦٥).

١٩٠

فإنّ كونه خليفةً لله في الأرض لا يقتصر على ما ذكر، بل يعمّ كونه خليفةً فيها في ( الحكم والحاكميّة ) أيضاً، إذ من المعلوم أنّه إذا كان الإنسان مسؤولاً ـ بالخلافة ـ عن تعمير البقاع ومكلّفاً بالعناية بالبهائم وتدبير شؤونها، فإنه بالأحرى مسؤول ومكلف بتدبير أمر نفسه ومجتمعه. وهذا ما نعبر عنه بخلافته عن الله في الاُمور الاجتماعيّة والاعتباريّة ( الحاكميّة ).

وعلى ذلك يكون معنى استخلاف الله للإنسان، أنّه خوّل إليه أمر القيادة وتدبير مجتمعه، وممارسة ( الحكم والولاية ) في إطار الضوابط والسنن التي جاء بها الدين.

وفي هذا الصدد يقول العلامة الطباطبائيّ في تفسيره ( الميزان ): ( انّ الملائكة فهموا من قوله سبحانه( إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً ) أنّ الخلافة لا تقع في الأرض إلّا بكثرة من الأفراد وقيام وضع اجتماعيّ بينهم، وهو يفضي بالتالي إلى الفساد والسفك، والخلافة وهي قيام شيء مقام الآخر لا تتمّ إلّا بكون الخليفة حاكياً للمستخلف في جميع شؤونه الوجوديّة وآثاره وأحكامه وتدابيره بما هو مستخلف.

وبما أنّ الخليفة الأرضيّ بما هو كذلك لا يليق بالاستخلاف بهذا المعنى الجامع تساءل الملائكة.

ثمّ أنّه سبحانه أجاب عن هذا التساؤل بأنّ هناك مصالح في خلقه ما لا تعرفه الملائكة ولم تقف عليه )(١) .

فخلافة الإنسان عن الله لا تنحصر بالاُمور التكوينيّة من عمارة الأرض وغيرها، بل تعمُّ حاكميّته وقيادته نيابةً عن الله سبحانه، فهو بوجوده الفردي يحكي عن أسمائه وصفاته، وبوجوده الاجتماعيّ يمثّل حاكميّة الله العليا في الأرض.

وبذلك يظهر أنّ حاكميته تنبثق من خلافته.

* * *

__________________

(١) الميزان ١: ١١٥.

١٩١

وصفوة القول: أنّ كون الإنسان خليفة الله في أرضه مضافاً إلى كونه ممثلاً بصفاته، صفات المستخلف له ـ بمقدار ما يمكن ـ وممثّلاً بكماله وقدرته وعلمه، كماله وقدرته وعلمه تعالى، يعني أيضاً كون الخليفة ذات مسؤوليات من جانب مخلِّفه، كمسؤوليّة الوكيل عن جانب موكِّله في مجتمعه، ومن المسؤوليات الموجّه إلى الإنسان من جانب ربّه ـ بهذا الاستخلاف ـ هو القيام بتدبير شؤون نفسه، وشؤون مجتمعه بممارسة القيادة لذلك المجتمع ومزاولة الحكومة والولاية خلافة عن الله.

إذن فللناس أن يزاولوا الحاكميّة في الأرض بالخلافة والنيابة عن الله ولكن من البيّن أنّ هذا لا يتحقّق إلّا بتقسيم المسؤوليات في عامّة المجالات الحكوميّة، حتّى تتفرّغ جماعة لإدارة شؤون المجتمع الإنسانيّ، وسياسته.

وعلى هذا الأساس تقوم فكرة سيادة الاُمّة في منطق الإسلام، وتتّجه شرعيّة ممارسة الجماعة البشريّة للولاية والحاكميّة على نفسها وبالتالي يبتنى عليه مبدأ الانتخاب الشعبيّ للحكّام في النظام الإسلاميّ السياسيّ.

* * *

آثار الحاكميّة نيابةً عن الله

وتترتّب على هذه السيادة والولاية الشعبيّة المنبثقة عن الاستخلاف الإلهيّ للإنسان اُمور :

أوّلاً: انتماء الجماعة البشريّة الواحدة إلى محور واحد، وهو ( المستخلف الواحد ) الذي استخلفها على الأرض، بدلاً عن كلّ الانتماءات الاخرى، وما يتبع ذلك من الإيمان بسيد واحد، ومالك واحد للكون، وما فيه.

ويشير القرآن الكريم إلى هذه الحقيقة العليا في الآية التالية، لكن استفادتها تحتاج إلى ذوق خاصّ، قال سبحانه:( ضَرَبَ اللهُ مَثَلاً رَّجُلاً فِيهِ شُرَكَاءُ مُتَشَاكِسُونَ وَرَجُلاً سَلَمًا لِّرَجُلٍ هَلْ يَسْتَوِيَانِ مَثَلاً ) ( الزمر: ٢٩ ).

١٩٢

فالآية تصور حال الفرد المؤمن والفرد الكافر.

فالمؤمن، بما أنّه ليس في عنقه إلّا طاعة الله فهو بمنزلة رجل سلم لرجل، والفرد الكافر، بما أنّه يعتقد بالوهيّات مختلفة متعدّدة فإنّه كرجل فيه شركاء متشاكسون، هذا حال الفرد، ومثله حال المجتمع المؤمن والمجتمع الكافر، فالأوّل بما أنّه لا يخضع لحاكميّة أحد سوى الله سبحانه فهو بمنزلة رجل سلم لرجل، والمجتمع الكافر بما أنّه لا يدور أمره حول محور واحد في العقيدة والنظام فهو كرجل تتنازع فيه شركاء.

ونظيره قوله سبحانه:( يَا صَاحِبَيِ السِّجْنِ ءَأَرْبَابٌ مُّتَفَرِّقُونَ خَيْرٌ أَمِ اللهُ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ ) ( يوسف: ٣٩ ).

ثانياً: إقامة العلاقات الاجتماعيّة على أساس العبودية المخلصة لله تعالى، وتحرير الإنسان من عبودية الأسماء التي تمثّل أبشع أنواع الاستغلال والجهل والطاغوت كما يشير إليه قوله:( مَا تَعْبُدُونَ مِن دُونِهِ إلّا أَسْمَاءً سَمَّيْتُمُوهَا أَنتُمْ وَآبَاؤُكُم ) ( يوسف: ٤٠ ).

وهو إلذي أشار إليه الإمام عليّعليه‌السلام بقوله: « بعث الله محمّداًصلى‌الله‌عليه‌وآله ليخرج عباده من عبادة عباده إلى عبادته ومن عهود عباده إلى عهوده، ومن طاعة عباده إلى طاعته، ومن ولاية عباده إلى ولايته »(١) .

ثالثاً: تجسيد روح الاُخوة العامّة في جميع العلاقات الاجتماعيّة، بعد محو كلّ ألوان التمييز والتسلط والاستغلال فما دام الله واحداً ولا سيادة إلّا له وحده ومادام الناس جميعاً متساوون بالنسبة إليه، فالجميع خلفاؤه في الأرض في تدبير ما فيها من أشياء، فيجب أن يكونوا اخوة متكافئين في الكرامة الإنسانية والحقوق الطبيعيّة كأسنان المشط.

فالجماعة البشريّة التي تتحمّل مسؤوليّة الخلافة على الأرض، إنّما تمارس هذا الدور بوصفها خليفةً عن الله سبحانه، ولهذا فهي غير مخوّلة أن تحكم بهواها أو باجتهادها المنفصل عن توجيه الله سبحانه، لأنّ هذا يتنافى مع طبيعة الاستخلاف

__________________

(١) الوافي ٣: ٢٢.

١٩٣

ومقتضاه.

وبهذا تتمّيز سيادة الجماعة البشريّة حسب منطلقها القرآنيّ والإسلاميّ عن الأنظمة الديمقراطيّة الغربيّة.

فإنّ الجماعة البشريّة ـ حسب هذه الأنظمة ـ هي بنفسها صاحبة السيادة، لا أنّها تنوب عن الله في ممارستها للسيادة، ويترتّب على ذلك أنّها ليست مسؤولةً بين يدي أحد، وغير ملزمة بمقياس موضوعيّ في الحكم، بل يكفي أن يتّفق الشعب على أمر ليصبح قانوناً يؤخذ به حتّى إذا كان ذلك الأمر مخالفاً لكرامته، أو مخالفاً لمصلحة جزء من الجماعة.

وهذا بخلاف حكم الجماعة باعتبار الاستخلاف، فإنّه حكم مسؤول، والجماعة بمقتضاه ملزمة بتطبيق الحقّ والعدل، ورفض الظلم، ومقاومة الطغيان وتكون مسؤولة أمام الله فيما تفعل، وعلى ذلك فالحكومة الإسلاميّة هو « حكومة الاُمّة على الاُمّة خلافةً عن الله » بمعنى: إجراء سننه وقوانينه ومراعاة ضوابطه وحدوده، في الحكم والحاكميّة(١) .

* * *

٢. استخلاف داود يستبطن حاكميّته

والذي يدلّ على أنّ الحكم والحاكميّة من آثار الاستخلاف الإلهيّ للإنسان: أنّ الله سبحانه لـمّا جعل داود خليفته في الارض، رتّب على هذا الاستخلاف أمره بأن يحكم ويقود الناس بالعدل والحقّ فقال:( يَا دَاوُودُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الأَرْضِ فَاحْكُم بَيْنَ النَّاسِ بِالحَقِّ ) ( ص: ٢٦ ).

ومن المعلوم أنّ ( الخليفة ) هنا وهناك في قصّة آدمعليه‌السلام واحدة معنىً ومراداً، غير أنّها هناك ذات معنىً أعمّ، وهنا ذات معنىً أخصّ.

وقد نقل شيخ الطائفة ( الطوسي )رحمه‌الله في تفسير التبيان عن ابن مسعود أنّه

__________________

(١) لاحظ رسالةً ( لمحة فقهيّة تمهيديّة ) للمفكّر الإسلاميّ الشهيد السيد محمّد باقر الصّدر.

١٩٤

قال في تفسير الخليفة مشيراً إلى البعد الأوّل: ( قيل: إنّه يخلفني في إنبات الزرع وإخراج الثمار، وشقّ الأنهار ).

وقال مشيراً إلى البعد الثاني: ( انّه تعالى أراد بقوله( إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً ) أنّه يخلفني في الحكم بين الخلق، وهو آدم ومن يقوم مقامه من ولده )(١) .

* * *

٣. أداء الأمانة لا يمكن إلّا بالحكومة

إنّ القرآن الكريم يتحدث عن أنّ الله سبحانه عرض الأمانة على الأشياء كلّها ولم يحملها إلّا الإنسان، فقال سبحانه:( إِنَّا عَرَضْنَا الأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَالجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَن يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الإِنسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولاً *لِيُعَذِّبَ اللهُ المُنَافِقِينَ وَالمُنَافِقَاتِ وَالمُشْرِكِينَ وَالمُشْرِكَاتِ وَيَتُوبَ اللهُ عَلَى المُؤْمِنِينَ وَالمُؤْمِنَاتِ وَكَانَ اللهُ غَفُورًا رَّحِيمًا ) ( الأحزاب: ٧٢ ـ ٧٣ ).

فالمراد من الأمانة: هو ما أنزل الله سبحانه على الإنسان عن طريق سفرائه من الأحكام والفرائض والحدود وغيرها(٢) .

ولا شكّ أنّ تحمّل الأمانة، لأجل أدائها وتنفيذها. ومن المعلوم أنّ تنفيذ الأحكام والفرائض والحدود في الحياة البشريّة لا يمكن إلّا في ظلّ حكومة نابعة من نفس الدين الإلهيّ تقيمها الاُمّة المؤمنة، لتستطيع في ظلهّا على طاعة الله سبحانه والإتيان بأوامره والاجتناب عن نواهيه وإقامة دينه.

على أنّ الآية الثانية( لِيُعَذِّبَ اللهُ ) توضّح حقيقة الأمانة المذكورة، فهي تفيد أنّ حملة الأمانة ينقسمون إلى مؤمن ومنافق ومشرك، ولا يكون هذا التقسيم صحيحاً إلا بالقياس إلى الاعتقاد بالحقّ والعمل بالدين. فيكون المؤمن هو من يقوم بالدين والمشرك هو من يشرك في ذلك فيأخذ بالدين وبغيره والمنافق هو من يتظاهر بالأخذ

__________________

(١) التبيان ١: ١٣١.

(٢) التبيان ٨: ٣٧٣.

١٩٥

بالدين.

وبعبارة اُخرى: إنّ الأمانة هو الدين الحق وأداؤها هو الأخذ به والعمل بمقتضاه، ولا شكّ أنّ الأخذ بالدين ينطوي على مسؤولية كبيرة اتّجاه الله سبحانه، واتّجاه نبيّه واتّجاه اُمّته.

وهذه المسؤوليّة إذا فسِّرت، كان من أجزاءها: تدبير المجتمع، وتنظيم شؤونه، وأموره، وإجراء السياسات والحدود في ذلك المجتمع.

وممّا يجدر بالذكر، أنّ العلاّمة الطباطبائيّ اعترض على هذا التفسير لكلمة الأمانة المذكورة في الآية بالدين الإلهيّ بقوله: ( انّ الآية تصرِّح بحمل مطلق الإنسان لتلك الأمانة كائناً من كان، أي مؤمناً كان أم كافراً، مشركاً كان أو منافقاً ومن البين أنّ أكثر من لا يؤمن لا يحمله، ولا يعلم به أساساً، فكيف يمكن تفسير الأمانة بالدين، فلابدّ من تفسيرها بغير الدين، ليصدق حمل جميع أفراد النوع الإنسانيّ لها )(١) .

غير أنّ ما ذكره من الإشكال ليس صحيحاً إذ ليس المراد من ( الحمل ) هو الأخذ الفعليّ بالدين وتطبيقه في المجالات، بل هو ( تقبّل ) الأخذ بالدين، ولـمّا كان الإنسان ظلوماً، جهولاً حسب نصّ الآية فإنّه قد خان الأمانة ولم يخرج عن عهدتها ولأجل ذلك، صار بين مؤمن يقوم بتعهده والتزامه، ومنافق يختلف ظاهره عن باطنه، فيتظاهر بالتسليم للدين. وهو كاره له في باطنه، ومشرك يشرك في الأخذ فيأخذ من الدين ضغثاً ومن أهوائه ضغثاً.

* * *

الاستخلاف غير التفويض

قد صار المحصّل من هذا البحث الضافي، أنّ الإنسان بما هو خليفة الله في أرضه، خليفته في الحكم والقيادة.

__________________

(١) ملخّص ما كتبه في تفسير الميزان ١٦: ٣٧١.

١٩٦

وهذه السيادة التي تفيده هذه الآيات كما تختلف اختلافاً أساسياً عن الحقّ الإلهيّ الذي استغله الطغاة والملوك والجبابرة، قروناً من الزمن للتحكم والسيطرة على الآخرين، ووضعوا السيادة اسميّاً لله، لكي يحتكرونها واقعيّاً، وينصبوا من أنفسهم خلفاء لله على الأرض.

أقول: كما يختلف عن ذلك يختلف أيضاً عن تفويض الحاكميّة من الله للمجتمع كلّه، بل هو خلافة ونيابة عن الله سبحانه، فما فوِّضت الخلافة للإنسان حتّى يتقلب فيها بأيّ نحو يشاء، بل هو يحكم ويدير خلافةً ونيابةً عن الله سبحانه.

ولأجل ذلك فما دام الله سبحانه هو مصدر السلطات، وكانت الشريعة هي التعبير الموضوعيّ المحدّد عن الله، يجب أن تحدّد الطريقة التي تمارس بها هذه السلطات عن طريق الشريعة الإلهيّة.

وبهذا ترتفع الاُمّة ـ وهي تمارس السلطة ـ إلى قمّة شعورها بالمسؤوليّة لأنها تدرك بأنها تتصرف بوصفها خليفة لله في الأرض، فحتّى الاُمّة ليست هي صاحبة السلطان وإنّما هي المسؤولة أمام الله سبحانه عن حمل الأمانة وأدائها(١) .

* * *

٤. الوظائف الاجتماعيّة وتشكيل الدولة

تدل الآيات القرآنية التالية ـ بالدلالة الالتزاميّة ـ على، أنّه يتوجب على الاُمّة القيام بتشكيل دولة في إطار القوانين الإسلاميّة، وأنّ للشعب السيادة، وأنّه لا يحقّ لأحد أن يحمل نفسه على كاهل الشعب، ويفرض سيادته عليه دون رضاه ودون موافقته.

وقبل الخوض في تفاصيل هذا البحث لا بدّ من طرح سؤال هو :

هل للمجتمع وجود على الصعيد الخارجيّ، وواقعيّة مستقلة عن وجود الفرد. أو أنّه أمر اعتباريّ يعتبره الذهن من انضمام فرد إلى فرد آخر ؟

__________________

(١) لاحظ ( لمحة فقهيّة تمهيديّة )، للمفكر الإسلاميّ الشهيد محمّد باقر الصّدر: ٢٠ ـ ٢٤ بتصرّف.

١٩٧

المجتمع في نظر الفلاسفة والحقوقيّين

يعتقد الفلاسفة بأنّه ليس للمجتمع أي وجود على الصعيد الخارجيّ فليس في الواقع الخارجيّ إلّا ( الأفراد ) وما المجتمع سوى صورة تنتزعها عقولنا عن انضمام الفرد إلى الفرد.

وعلى العكس من الفلاسفة، يعتقد علماء الاجتماع والحقوقيون أنّ للمجتمع وجوداً وحقيقةً قائمةً على الصعيد الخارجيّ، ولذلك تكون هناك علاقات اجتماعيّة، وحقوق، وأحكام خاصّة للمجتمع.

والحقّ أن كلتا الطائفتين على صواب، وذلك، لأنّ الفيلسوف الذي يلاحظ الأشياء من زاوية العينيّة الملموسة، لا يجد واقعاً في عالم التكوين بمعزل عن واقع الفرد التكوينيّ، ووجوده الخارجيّ فلا يرى مناصاً من إنكار الوجود الخارجيّ للمجتمع وراء وجود الأفراد.

فعندما يجلس خمسة أشخاص حول طاولة فإنّ الفيلسوف لا يعتبر ( الهيئة الاجتماعيّة ) الحاصلة من اجتماع الأشخاص الخمسة، شيئاً مستقلاً ووجوداً خاصّاً، ليفترضه سادساً لهم.

ولكن النظر من الزاوية الحقوقيّة التي هي أكثر مساساً بالواقعيّات العرفيّة يهدينا إلى، أنّ المجتمع البشريّ سواء كان في حجمه الصغير ( القبيلة ) أو الكبير ( الاُمّة ) يتمتّع بواقعيّة عرفيّة، وله حقوق وواجبات غير ما للفرد، وكما للفرد من حقوق وواجبات ومسؤوليّات. فهكذا للمجتمع ومن هذه الزاوية تنظر الأمم المتحضّرة إلى المجتمع، وتعترف به وبوجوده، وتقرّر له الأنظمة، والحقوق والواجبات.

وعندما ينظر الإسلام إلى الفرد والمجتمع من الزاوية الحقوقيّة، نجده يعترف بكلّ واحد منهما في موضعه ومحلّه، ويقرّر لكلّ واحد منهما ما يناسبه من الشخصيّة والحقوق والواجبات سواء بسواء.

١٩٨

فعندما ينظر القرآن الكريم إلى المجتمع من هذه الزاوية الحقوقيّة، يعتبر للمجتمع وجوداً، وعدماً وحياةً ونشوراً، وأجلاً وكتاباً وتقدمّاً وتقهقراً إلى غير ذلك من الآثار التي تكون للفرد. وفي هذا الصدد يكتب العلاّمة الطباطبائيّ في تفسيره قائلاً :

( انّ القرآن اعتبر للمجتمع وجوداً وعدماً، وأجلاً وكتاباً، وشعوراً وفهماً وعملاً وطاعةً ومعصيةً وكلُّ ذلك يدلّ على أنّ للمجتمع ـ في مقابل الفرد حقيقةً واقعيّةً في ظرفه المناسب له، يقول سبحانه:( وَلِكُلِّ أمّة أَجَلٌ فَإِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ لا يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلا يَسْتَقْدِمُونَ ) ( الأعراف: ٣٤ )

وقال:( كُلُّ أمّة تُدْعَىٰ إِلَىٰ كِتَابِهَا ) ( الجاثية: ٢٨ )

وقال:( كَذَٰلِكَ زَيَّنَّا لِكُلِّ أمّة عَمَلَهُمْ ) ( الأنعام: ١٠٨ )

وقال:( مِنْهُمْ أمّة مُّقْتَصِدَةٌ ) ( المائدة: ٦٦ )

وقال:( أمّةقَائِمَةٌ يَتْلُونَ آيَاتِ اللهِ ) ( آل عمران: ١١٣ )

وقال:( وَهَمَّتْ كُلُّ أمّة بِرَسُولِهِمْ لِيَأْخُذُوهُ وَجَادَلُوا بِالْبَاطِلِ لِيُدْحِضُوا بِهِ الحَقَّ فَأَخَذْتُهُمْ فَكَيْفَ كَانَ عِقَابِ ) ( غافر: ٥ )

وقال:( وَلِكُلِّ أمّة رَّسُولٌ فَإِذَا جَاءَ رَسُولُهُمْ قُضِيَ بَيْنَهُم بِالْقِسْطِ ) ( يونس: ٤٧ ).

ومن هنا، نرى أنّ القرآن يعتني بتواريخ الأمم كاعتنائه بقصص الأشخاص بل أكثر، حينما لم يتداول في التواريخ إلّا ضبط أحوال المشاهير من الملوك والعظماء، ولم يشتغل المؤرّخون بتواريخ الأمم والمجتمعات إلّا بعد نزول القرآن، فاشتغل بها بعض الاشتغال آحاد منهم المسعودي وابن خلدون، حتّى ظهر التحول الأخير في التأريخ النقليّ، بتبديل الأشخاص اُمماً وهذا هو الملاك في اهتمام الإسلام بشأن الاجتماع، ذلك الاهتمام الذي لا نجد ولن نجد نظيره في واحد من الشرائع ولا في سنن الأمم المتمدِّنة، فإنّ تربية الأخلاق والغرائز في الفرد وهوالأصل في وجود المجتمع، لا تكاد تنجح مع كينونة الأخلاق والغرائز المعارضة والمضادةّ القوية القاهرة في المجتمع، إلّا يسيراً لا قدر له عند القياس والتقدير.

١٩٩

ولأجل ذلك وضع الإسلام أهّم أحكامه كالحجّ والصلاة والجهاد والإنفاق أساس الاجتماع وحافظ على ذلك، مضافاً إلى قوى الحكومة الإسلاميّة الحافظة لشعائر الدين العامّة وحدودها، ومضافاً إلى فريضة الدعوة إلى الخير والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر الشاملة لجميع الاُمّة، بجعل سعادة المجتمع هي السعادة الحقيقيّة وجعل غرض المجتمع الإسلاميّ هو القرب والمنزلة عند الله.

وهذا هو الذي ذكرناه من أنّ الإسلام تفوق سنّة اهتمامه بشأن الاجتماع سائر السنن والطرق )(١) .

فكما تجب على الفرد ـ في نظام الإسلام ـ اُمور كالصلاة والصيام واحترام الوالدين وما شابه ذلك، كذلك، توجّهت الشريعة الإسلاميّة إلى المجتمع بسلسلة من التكاليف والواجبات ويتعيّن على المجتمع الإسلاميّ أن يقوم بها دون تلكؤ أو ابطاء.

فيأمر الإسلام المجتمع مثلاً بأن يقطع يد السارق إذ يقول:( وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا جَزَاءً بِمَا كَسَبَا نَكَالاً مِّنَ اللهِ وَاللهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ ) ( المائدة: ٣٨ ).

ويأمره بجلد الزاني والزانية إذ يقول:( الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِّنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ وَلا تَأْخُذْكُم بِهِمَا رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللهِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُمَا طَائِفَةٌ مِّنَ المُؤْمِنِينَ ) ( النور: ٢ ).

كما يأمره بأن يحافط على حدود الوطن الإسلاميّ ويدافع عن ثغوره بالصبر والمرابطة إذ يقول:( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اصْبِرُوا وَصَابِرُوا وَرَابِطُوا وَاتَّقُوا اللهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ ) ( آل عمران: ٢٠٠ ).

ويأمره بأن يقاتل البغاة والطغاة حتّى يفيئوا إلى الحق، ويكفّوا عن البغي والطغيان والعدوان إذ يقول:( وَإِن طَائِفَتَانِ مِنَ المُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِن بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الأُخْرَىٰ فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّىٰ تَفِيءَ إِلَىٰ أَمْرِ اللهِ فَإِن فَاءَتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ وَأَقْسِطُوا إِنَّ اللهَ يُحِبُّ المُقْسِطِينَ ) ( الحجرات: ٩ ).

__________________

(١) الميزان ٤: ٩٦ ـ ٩٧.

٢٠٠

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

461

462

463

464

465

466

467

468

469

470

471

472

473

474

475

476

477

478

479

480

سورة الضحى

[٤٥٣]

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

قوله تعالى :( وَالضُّحى * وَاللَّيْلِ إِذا سَجى * ما وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَما قَلى ) [١ ـ ٢ ـ ٣].

٨٥٨ ـ أخبرنا أبو منصور البغدادي ، أخبرنا أبو الحسين أحمدُ بن الحسن السَّرَّاجُ ، حدَّثنا الحسين بن المثنَّى بن مُعاذ ، حدَّثنا أبو حذيفةَ ، حدَّثنا سفيان الثوريُّ ، عن الأسود بن قيس ، عن جُنْدُب ، قال :

قالت (امرأة من قريش) للنبيصلى‌الله‌عليه‌وسلم : ما أرى شيطانك إلا [قد] ودَّعك. فنزل :( وَالضُّحى * وَاللَّيْلِ إِذا سَجى * ما وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَما قَلى ) رواه البخاري ، عن أحمد بن يونس ، عن زهير ، عن الأسود. ورواه مسلم عن محمد بن رافع ، عن يحيى بن آدم ، عن زهير.

__________________

[٨٥٨] أخرجه البخاري في الجهاد (٢٨٠٢) وفي الأدب (٦١٤٦).

وأخرجه مسلم في الجهاد والسير (١١٢ ، ١١٣ / ١٧٩٦) ص ١٤٢١.

والترمذي في التفسير (٣٣٤٥).

وأخرجه الطبراني في الكبير (٢ / ١٧٣).

وزاد السيوطي نسبته في الدر (٦ / ٣٦٠) لأحمد وعبد بن حميد والنسائي وابن جرير والبيهقي وأبي نعيم في الدلائل.

٤٨١

٨٥٩ ـ أخبرنا أبو حامد أحمدُ بن الحسن الكاتبُ ، أخبرنا محمد بن أحمد بن شاذَانَ ، أخبرنا عبد الرحمن بن أبي حاتم ، حدَّثنا أبو سعيد الأشج ، حدَّثنا أبو معاويةَ ، عن هشام بن عروة ، عن أبيه ، قال :

أبطأ جبريلُ ـعليه‌السلام ـ على النبيصلى‌الله‌عليه‌وسلم ، فجزع جزعاً شديداً. فقالت [له] خديجةُ : قد قَلَاك ربُّك ، لِمَا يرى [من] جزعك. فأنزل الله تعالى :( وَالضُّحى * وَاللَّيْلِ إِذا سَجى * ما وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَما قَلى ) .

٨٦٠ ـ أخبرنا أبو عبد الرحمن بن أبي حامد ، أخبرنا أبو بكر محمد بن عبد الله ابن زكريا ، أخبرنا محمد بن عبد الرحمن الدَّغُوليُّ ، حدَّثنا أبو عبد الرحمن محمد بن يونس ، حدَّثنا أبو نُعيم ، حدَّثنا حفص بن سعيد القرشي ، قال :

حدَّثتني أمي ، عن أمها خَوْلة ـ وكانت خادمةَ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ : إن جِرْواً دخل البيت ، فدخل تحت السرير ، فمات. فمكث نبي الله ـصلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ أياماً لا ينزل عليه الوحيُ. فقال : يا خولةُ! ما حدث في بيتي؟ جبريلُ ـعليه‌السلام ـ لا يأتيني! قالت خولة : [فقلت] لو هيأتُ البيتَ ، وكنستُه. فأهْوَيْتُ بالمِكْنَسة تحت السرير. فإذا شيءٌ ثقيلٌ ، فلم أزل حتى أخرجتُه ، فإذا جِرْوٌ ميت ، فأخذتُه فألقيتُه خلف الجِدار. فجاء نبي اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم تُرْعَدُ لَحْيَاهُ. وكان إذا نزل عليه الوحي استقبلَتْه الرِّعْدةُ. فقال يا خَوْلَةُ ، دَثِّرِيني ، فأنزل الله تعالى :( وَالضُّحى * وَاللَّيْلِ إِذا سَجى * ما وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَما قَلى ) .

[٤٥٤]

قوله تعالى :( وَلَلْآخِرَةُ خَيْرٌ لَكَ مِنَ الْأُولى ) [٤]

__________________

[٨٥٩] مرسل ، وأخرجه الحاكم من طريق عروة عن خديجةرضي‌الله‌عنها وقال صحيح الإسناد لإرسال فيه ك (٢ / ٦١٠ ـ ٦١١)

[٨٦٠] عزاه في الدر (٦ / ٣٦١) لابن أبي شيبة والطبراني وابن مردويه ، وذكره الحافظ في الإصابة (٤ / ٢٩٤).

وذكره الهيثمي في مجمع الزوائد (٧ / ١٣٨) وقال : أم حفص لم أعرفها.

٤٨٢

٨٦١ ـ أخبرنا أبو بكر بن أبي الحسن المُسَيَّبيُّ ، أخبرنا محمد بن عبد الله بن محمد الضَّبِّيُّ ، حدَّثنا أبو عمرو أحمدُ بن محمد بن إسحاق. أخبرنا محمد بن الحسن العسقلانيُّ ، حدَّثنا عصام بن داودَ ، قال : حدَّثني أبي ، حدَّثنا الأوْزاعيُّ ، عن إسماعيل بن عبيد الله ، قال : حدَّثني علي بن عبد الله بن عباس ، عن أبيه ، قال :

رأى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم ما يُفتَحُ على أمَّته من بعده ، فسُر بذلك. فأنزل اللهعزوجل :( وَلَلْآخِرَةُ خَيْرٌ لَكَ مِنَ الْأُولى * وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضى ) قال : فأعطاه ألف قصر في الجنة من لؤلؤ ، ترابُه المسك ، في كل قصر منها ما ينبغي له [من الأزواج والخدم].

[٤٥٥]

قوله تعالى :( أَلَمْ يَجِدْكَ يَتِيماً فَآوى ) . [٦].

٨٦٢ ـ أخبرنا الفُضَيْل بن أحمد بن محمد بن إبراهيم الصوفي ، أخبرنا زاهر بن أحمد ، حدَّثنا عبد الله بن محمد بن زياد النيسابوريُّ ، حدَّثنا يحيى بن محمد بن يحيى ، حدَّثنا عبد الله بن عبد الله الحَجْبيُّ ، حدَّثنا حماد بن زيد ، عن عطاء بن السائب ، عن سعيد بن جبَير ، عن ابن عباس ، قال :

__________________

[٨٦١] أخرجه الحاكم في المستدرك (٢ / ٥٢٦) وصححه وتعقبه الذهبي : تفرد به عصام بن رواد عن أبيه وقد ضعف ، وعزاه في الدر (٦ / ٣٦١) للطبراني في الأوسط والبيهقي في الدلائل وعبد بن حميد وابن جرير وابن أبي حاتم والطبراني في الكبير وأبي نعيم في الدلائل وابن مردويه.

[٨٦٢] إسناده حسن : عطاء بن السائب : صدوق ولكنه اختلط ، ولكن ذكر الحافظ في ترجمته : قال البخاري في تاريخه قال علي : سماع خالد بن عبد الله من عطاء بن السائب بآخره وسماع حماد بن زيد منه صحيح وقال العقيلي : تغير حفظه وسماع حماد بن زيد منه قبل التغير.

والحديث أخرجه الطبراني في الكبير (١١ / ٤٥٥) من طريق أبي الربيع الزهراني عن حماد بن زيد به وأخرجه البيهقي في الدلائل (٧ / ٦٣) من طريق سليمان بن حرب عن حماد به.

وذكره الهيثمي في مجمع الزوائد (٨ / ٢٥٣) وقال فيه عطاء بن السائب وقد اختلط.

وزاد نسبته في الدر (٦ / ٣٦٢) لابن أبي حاتم والحاكم وأبي نعيم في الدلائل وابن مردويه وابن عساكر.

٤٨٣

قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم : لقد سألتُ ربِّي مسألةً وددت أني لم أكن سألتُه. قلت : يا رب! إنه قد كانت الأنبياء قبلي منهم مَن سخَّرتَ له الريحَ ـ وذكر سليمانَ بن داودَ ـ ومنهم من كان يُحيي الموتى ـ وذكر عيسى ابن مريمَ ـ ومنهم ومنهم. قال : فقال : ألم أجدْك يتيماً فآوَيتك؟! قال : قلت : بلى [يا رب]! قال : ألم أجدْك ضالاً فهديتُك؟! قال قلت : بلى يا رب! قال : ألم أجدْك عائلاً فأغنيتُك؟! قال : قلت : بلى يا رب! قال : ألم أشرحْ لك صدرَك ، ووضعتُ عنك وِزْرَك؟! قال : قلت : بلى يا رب!.]

٤٨٤

سورة العلق

[٤٥٦]

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

ذكرنا نزول هذه السورة في أول هذا الكتاب.

[٤٥٧]

قوله تعالى :( فَلْيَدْعُ نادِيَهُ* سَنَدْعُ الزَّبانِيَةَ ) إلى آخر السورة. [١٧ : ١٩].

نزلت في (أبي جهل.

٨٦٣ ـ أخبرنا أبو منصور البغداديُّ ، أخبرنا أبو عبد الله محمدُ بن يزيد الخُوزيُّ ، حدَّثنا إبراهيم بن محمد بن سفيان ، حدَّثنا أبو سعيد الأشَجُّ ، حدَّثنا أبو خالد بن أبي هند ، عن [عِكْرِمَة ، عن] ابن عباس ، قال :

كان النبيصلى‌الله‌عليه‌وسلم يصلي ، فجاء أبو جهل فقال : ألم أنْهَك عن هذا؟! فانصرف إليه النبي ـصلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ فزَبَرَه ، فقال أبو جهل : والله! إنك لَتعلمَ ما بها نادٍ أكثرُ مني. فأنزل الله تعالى :( فَلْيَدْعُ نادِيَهُ* سَنَدْعُ الزَّبانِيَةَ ) قال ابن عباس : والله لو دعا نادِيَه لأخذتْه زَبانِيةُ الله تبارك وتعالى.]

__________________

[٨٦٣] أخرجه الترمذي في التفسير (٣٣٤٩) وقال : حسن غريب صحيح.

وأخرجه النسائي في التفسير (٧٠٤).

وأحمد في مسنده (١ / ٢٥٦).

وابن جرير في تفسيره (٣٠ / ١٦٤).

وزاد السيوطي نسبته في الدر (٦ / ٣٦٩) لابن أبي شيبة وابن المنذر والطبراني وابن مردويه وأبي نعيم والبيهقي.

٤٨٥

سورة القدر

[٤٥٨]

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

قوله تعالى :( إِنَّا أَنْزَلْناهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ* وَما أَدْراكَ ما لَيْلَةُ الْقَدْرِ* لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ ) [١ : ٣].

٨٦٤ ـ أخبرنا أبو بكر التميميُّ ، أخبرنا عبد الله بن حِبانَ ، حدَّثنا أبو يحيى الرازيّ ، حدَّثنا سهل العسكريُّ ، حدَّثنا يحيى بن زائدة ، عن مسلم ، عن ابن أبي نَجِيح ، عن مجاهد ، قال :

ذكر النبيصلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ رجلاً من بني إسرائيلَ لبس السلاح في سبيل الله ألفَ شهر ، فتعجب المسلمون من ذلك. فأنزل الله تعالى :( إِنَّا أَنْزَلْناهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ* وَما أَدْراكَ ما لَيْلَةُ الْقَدْرِ* لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ ) . قال : خيرٌ من التي لبس فيها السلاحَ ذلك الرجلُ.

__________________

[٨٦٤] مرسل ، وعزاه في الدر (٦ / ٣٧١) لابن المنذر وابن أبي حاتم والبيهقي في السنن.

٤٨٦

سورة الزلزلة

[٤٥٩]

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

٨٦٥ ـ أخبرنا أبو منصور البغداديُّ ومحمد بن إبراهيم المزكَّي ، قالا : أخبرنا أبو عمرو بن مطر ، حدَّثنا إبراهيم بن علي الذُّهْليُّ ، حدَّثنا يحيى بن يحيى ، أخبرنا عبد الله بن وهب ، عن حُيَيِّ بن عبد الله ، عن أبي عبد الرحمن الجبليّ ، عن عبد الله بن عمرو ، قال :

نزلت :( إِذا زُلْزِلَتِ الْأَرْضُ زِلْزالَها ) وأبو بكر الصدِّيقُ ـرضي‌الله‌عنه ـ قاعدٌ ، فبكى أبو بكر ، فقال له رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم : ما يُبْكيك يا أبا بكر؟ قال : أبكاني هذه السورة. فقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم : لو أنكم لا تُخطِئُون ولا تُذنِبْون ، لخلقَ الله أمةً من بعدِكم يُخطئُون ويُذنُبون ، فيغفرُ لهم.

[٤٦٠]

قوله تعالى :( فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ* وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ ) [٧ ـ ٨].

__________________

[٨٦٥] في إسناده : حُيي بن عبد الله المعافري : مختلف في توثيقه وتضعيفه.

والحديث : ذكره الهيثمي في مجمع الزوائد (٧ / ١٤١) وقال : رواه الطبراني وفيه حيي بن عبد الله المعافري وثقه ابن معين وغيره ، وبقية رجاله رجال الصحيح.

٤٨٧

٨٦٦ ـ قال مقاتل : نزلت في رجلين كان أحدهما يأتيه السائلُ فيستقلُّ أن يُعطيَه التمرةَ والكسرةَ والجَوْزةَ ، ويقول : ما هذا بشيء ، وإنما نُؤْجَرُ على ما نُعطِي ونحن نحبُّه. وكان الآخر يتهاونُ بالذنب اليسير : كالكِذْبة والغِيبة والنظرة ، ويقول : ليس عليّ من هذا شيء؟ إنما أوعَدَ اللهُ بالنار على الكبائر. فأنزل اللهعزوجل ـ يُرغبُهم في القليل من الخير ، فإنه يُوشِكُ أَن يكْثُرَ. ويُحذِّرُهم اليسيرَ من الذنب ، فإنه يُوشِك أن يكثُرَ ـ :( فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ ) إلى آخرها.

__________________

وعزاه السيوطي في الدر (٦ / ٣٨٠) لابن أبي الدنيا في كتاب البكاء وابن جرير والطبراني والبيهقي في الشعب.

[٨٦٦] مرسل.

٤٨٨

سورة العاديات

[٤٦١]

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

[قوله تعالى :( وَالْعادِياتِ ضَبْحاً ) إلى آخر السورة]. [١ : ١١]

٨٦٧ ـ قال مقاتل : بعث رسول الله ـصلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ (سَرِيَّةً إلى حيّ من كِنانة) ، واستعمل عليهم (المُنذرَ بن عمرو الأنْصاريَّ). فتأخَّر خبرُهم ، فقال المنافقون : قُتلوا جميعاً. فأخبر الله تعالى عنها ، فأنزل [الله تعالى] :( وَالْعادِياتِ ضَبْحاً ) ، يعني : تلك الخيلَ.

٨٦٨ ـ أخبرنا عبد الغافر بن محمد الفارسيّ ، أخبرنا أحمد بن محمد البَسْتِيُّ ، حدَّثنا محمد بن مكيٍ ، حدَّثنا إسحاق بن إبراهيمَ ، حدَّثنا أحمد بن عَبْدةَ ، حدَّثنا حفص بن جَمِيع ، حدَّثنا سِمَاكٌ ، عن عِكْرِمةَ ، عن ابن عباس :

أن رسول الله ـصلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ بعث خيلاً ، فأَسْهَبَتْ شهراً لم يأته منها خبرٌ. فنزلت :( وَالْعادِياتِ ضَبْحاً ) : ضبحتْ بمَناخِرها ، إلى آخر السورة).

ومعنى «أسهبتْ» : أمعنتْ في السُّهُوب ، وهي : الأرض الواسعة ، جمع «سَهْبٍ».

__________________

[٨٦٧] مرسل.

[٨٦٨] إسناده ضعيف : حفص بن جميع ، قال الحافظ في التقريب [١ / ١٨٥] : ضعيف ، وذكره ابن حبان في المجروحين [١ / ٢٥٦].

والحديث ذكره الهيثمي في مجمع الزوائد (٧ / ١٤٢) وقال : رواه البزار وفيه حفص بن جميع وهو ضعيف.

وزاد نسبته في الدر (٦ / ٣٨٣) لابن المنذر وابن أبي حاتم وابن مردويه والدارقطني في الأفراد.

٤٨٩

سورة التكاثر

[٤٦٢]

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

قوله تعالى :( أَلْهاكُمُ التَّكاثُرُ* حَتَّى زُرْتُمُ الْمَقابِرَ ) [١ ، ٢]

٨٦٩ ـ قال مقاتلٌ والكلبيُّ : نزلت في (حيَّيْنِ من قريش : بني عبد منافٍ وبني سَهْم) ، كان بينهما لحِاءٌ فتعادُّوا السادةَ والأشرافَ أَيُّهم أكثرُ؟ فقال بنو عبد منافٍ : نحن أكثرُ سيداً ، وأعزُّ عزيزاً ، وأعظمُ نَفَراً. وقال بنو سهم مثلَ ذلك ، فكَثَرَهُم بنو عبد مناف. ثم قالوا : نَعُدُّ موتانا ، حتى زاروا القبورَ فعدُّوا موتاهم. فكَثَرَهُم بنو سَهْم : لأنهم كانوا أكثر عدداً في الجاهلية.

٨٦٩ م ـ وقال قتادة : نزلتْ في اليهود، قالوا : نحن أكثر من بني فلانٍ ، وبنو فلانٍ أكثرُ من بني فلانٍ. ألهاهم ذلك حتى ماتوا ضُلَّالاً.

__________________

[٨٦٩] مرسل.

[٨٦٩] م مرسل.

٤٩٠

سورة الفيل

[٤٦٣]

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

قوله تعالى :( أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِأَصْحابِ الْفِيلِ؟! ) إلى آخر السورة. [١ : ٥]

نزلت في قصة أصحاب الفِيلِ ، وقَصْدِهم تَخْريبَ الكعبة ، وما فَعل الله تعالى بهم : من إهلاكِهِم وصَرْفِهِم عن البيت. وهي معروفةٌ.

٤٩١

سورة قريش

[٤٦٤]

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

قوله تعالى :( لِإِيلافِ قُرَيْشٍ ) إلى آخر السورة]. [١ : ٤]

نزلتْ في (قُريشٍ) ، وذِكْرِ مِنَّةِ اللهِ تعالى عليهم.

٨٧٠ ـ أخبرنا القاضي أبو بكر الحِيرِيُّ ، أخبرنا أبو جعفرٍ عبدُ الله بن إسماعيلَ الهاشميُّ ، حدَّثنا سَوَادة بن علي ، حدَّثنا أحمد بن أبي بكر الزُّهْريُّ ، حدَّثنا إبراهيم بن محمد بن ثابتٍ ، حدَّثنا عثمان بن عبد الله بن عَتِيق ، عن سعيد بن عمرو بن جَعْدَةَ ، عن أبيه ، عن جدته أمِّ هانئٍ بنت أبي طالب ، قالت :

قال النبيصلى‌الله‌عليه‌وسلم : إن الله فضَّل (قريشاً) بسبع خصالٍ ـ لم يُعطها أحداً قبلَهم ، ولا يُعطيها أحداً بعدَهم ـ : إن الخلافةَ فيهم ، و [إن] الحِجَابةَ فيهم ، وإن السقَاية فيهم ، وإن النُّبوةَ فيهم ، ونُصِرُوا على الفيل ، وعبدوا الله سبعَ سنين لم يعبدْه أحدٌ غيرهم ، ونزلت فيهم سورةٌ لم يُذْكرْ فيها أحدٌ غيرُهم :( لِإِيلافِ قُرَيْشٍ ) .

__________________

[٨٧٠] إسناده ضعيف جداً : إبراهيم بن محمد بن ثابت قال الذهبي : صاحب مناكير ، والحديث أخرجه الحاكم في المستدرك (٢ / ٥٣٦) وصححه وتعقبه الذهبي بقوله : يعقوب ضعيف وإبراهيم صاحب مناكير هذا أنكرها ، وأخرجه الطبراني في الكبير (٢٤ / ٤٠٩) من طريق إبراهيم به ، وأخرجه البخاري في التاريخ الكبير (١ / ١ / ٣٢١) من طريق إبراهيم به ، وأخرجه مرسلاً عن الزهري وقال : هذا بإرساله أشبه ، وذكره ابن الجوزي في العلل المتناهية (١ / ٢٩٧) مرسلاً عن سعيد بن المسيب ، والحديث زاد السيوطي نسبته في الدر (٦ / ٣٩٦) لابن مردويه ، والبيهقي في الخلافيات ، وأخرجه الحاكم (٤ / ٥٤) من طريق آخر وسكت عليه ، وانظر تاريخ بغداد (٧ / ١٩٥)

٤٩٢

سورة أرأيت. الماعون

[٤٦٥]

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

قوله تعالى :( أَرَأَيْتَ الَّذِي يُكَذِّبُ بِالدِّينِ؟! ) [١ ، ٢].

٨٧١ ـ قال مقاتلٌ والكلبيُّ : نزلتُ في (العاص بن وائل السَّهْميِّ.

٨٧١ م ـ وقال ابن جُرَيْج : كان (أبو سُفيانَ بن حربٍ) ينَحرُ كلَّ أسبوع جَزُورَيْنِ ، فأتاه يتيمٌ فسأله شيئاً ، فقَرَعه بعصاً. فأنزل الله تعالى :( أَرَأَيْتَ الَّذِي يُكَذِّبُ بِالدِّينِ* فَذلِكَ الَّذِي يَدُعُّ الْيَتِيمَ ) .

__________________

[٨٧١] مرسل.

[٨٧١] م مرسل.

٤٩٣

سورة الكوثر

[٤٦٦]

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

قوله تعالى :( إِنَّا أَعْطَيْناكَ الْكَوْثَرَ ) إلى آخر السورة]. [١ : ٣]

٨٧٢ ـ قال ابن عباس : نزلتْ في (العاص [بن وائِلٍ]) ، وذلك : أنه رأى رسول الله ـصلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ يخرجُ من المسجد ، وهو يدخل ، فالتَقَيا عند باب بني سَهْمٍ ، وتحدَّثنا وأُناسٌ من صناديد قريشٍ في المسجد جلوسٌ. فلما دخل العاص قالوا له : مَن الذي كنتَ تحدِّثُ؟ قال : ذاك الأبْتَر ، يعني رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم . وكان قد توفي قبلَ ذلك عبدُ الله ابن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم ، وكان من خَديجةَ ، وكانوا يُسمُّون مَن ليس له ابنٌ : أبْتَرَ ، فأنزل الله تعالى هذه السورة.

٨٧٣ ـ وأخبر محمد بن موسى بن الفضل ، حدَّثنا محمد بن يعقوب ، حدَّثنا أحمد بن عبد الجبَّار ، حدَّثنا يونُس بن بُكَيْر ، عن محمد بن إسحاقَ ، قال : حدَّثني يزيد بن رُومان ، قال :

كان (العاص بنُ وائلٍ السَّهْميُّ) إذا ذُكِر رسولُ اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم ، قال : دعُوه ، فإنَّما هو

__________________

[٨٧٢] بدون إسناد وعزاه في الدر (٦ / ٤٠١) للطستي.

[٨٧٣] مرسل.

٤٩٤

رجلٌ أبْترُ لا عَقِبَ له ، لو هلَك انقطع ذِكرُه واسترحتُم منه. فأنزل الله تعالى في ذلك :( إِنَّا أَعْطَيْناكَ الْكَوْثَرَ ) إلى آخر السورة.

٨٧٣ م ـ وقال عطاءٌ عن ابن عباس : كان (العاص بن وائل) يمرُّ بمحمدصلى‌الله‌عليه‌وسلم ، ويقول : إني لَأشْنَؤك ، وإنك لَأبْتَرُ من الرجال. فأنزل الله تعالى :( إِنَّ شانِئَكَ ) [يعني : العاصَ]( هُوَ الْأَبْتَرُ ) من خير الدنيا والآخرة.

__________________

[٨٧٣] م أخرجه ابن جرير (٣٠ / ٢١٢) من طريق العوفي ، والعوفي ضعيف.

٤٩٥

سورة قل يا أيها الكافرون

[٤٦٧]

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

قوله تعالى :( قُلْ يا أَيُّهَا الْكافِرُونَ ) إلى آخر السورة]. [١ : ٦]

٨٧٤ ـ نزلت في (رَهْطٍ من قُريش) ، قالوا : يا محمدُ! هَلُمَّ فاتَّبعْ دينَنا ونتبع دينَك : تعبدُ آلهتَنا سنة ، ونعبدُ إلهك سنة. فإن كان الذي جئتَ به خيراً ممَّا بأيدينا ، [كنا] قد شَرَكْناك فيه ، وأَخذْنا بحظنا منه. وإن كان الذي بأيدينا ، خيراً مما في يَديك ، [كنت] قد شركتنا في أمرنا ، وأخذت بحظك. فقال : معاذَ اللهِ أن أشركَ به غيرَه. فأنزل الله تعالى :( قُلْ يا أَيُّهَا الْكافِرُونَ ) إلى آخر السورة. فَغَدا رسولُ الله ـصلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ إلى المسجد الحرام ، وفيه الْمَلأُ من قريش ، فقرأها عليها حتى فَرغ من السورة. فأَيِسُوا منه عند ذلك.

__________________

[٨٧٤] عزاه في الدر (٦ / ٤٠٤) لابن أبي حاتم وابن جرير والطبراني.

٤٩٦

سورة النصر

[٤٦٨]

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

[قوله تعالى :( إِذا جاءَ نَصْرُ اللهِ وَالْفَتْحُ ) إلى آخر السورة]. [١ : ٣]

نزلتْ في مُنصَرَف النبيِّ ـصلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ من (غزوة حُنَيْنٍ) ، وعاش بعد نزولها سنتين.

٨٧٥ ـ أخبرنا سعيد بن محمد المؤذِّنُ ، أخبرنا أبو عُمَرَ بن أبي جعفر المقرئ ، أخبرنا الحسن بن سُفيانَ ، حدَّثنا عبد العزيز بن سَلَّام ، حدَّثنا إسحاق بن عبد الله بن كَيْسَانَ ، قال : حدَّثنا أبي عن عِكْرِمَةَ ، عن ابن عباس ، قال : لما أقبَلَ رسولُ اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم من (غزوة حُنَيْنٍ) ، وأنزل الله تعالى :( إِذا جاءَ نَصْرُ اللهِ وَالْفَتْحُ ) ـ قال : يا عليُّ بن أبي طالب ويا فاطمةُ! قد جاء نصرُ الله والفتح ، ورأيتُ الناسَ يدخلون في دين الله أفْوَاجاً ، فسُبحانَ ربيِّ وبحمدِه ، وأستغفرُه إنه كان تواباً!

__________________

[٨٧٥] ضعيف : قال البخاري : عبد الله بن كيسان له ابن يُسمى إسحاق منكر الحديث وقال ابن حبان : يتقى حديث عبد الله بن كيسان من رواية ابنه عنه.

والحديث عزاه السيوطي في الدر (٦ / ٤٠٧) للطبراني.

٤٩٧

سورة تبت

[٤٦٩]

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

[قوله تعالى :( تَبَّتْ يَدا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ ) إلى آخر السورة] [١ : ٥]

٨٧٦ ـ أخبرنا أحمد بن الحسن الحِيرِيُّ ، أخبرنا حاجب بن أحمدَ ، حدَّثنا محمد بن حمادٍ ، حدَّثنا أبو مُعاويةَ ، عن الأعمش ، عن عمرو بن مُرَّةَ ، عن سعيد بن جُبَيرٍ ، عن ابن عباس ، قال :

صَعِد رسول الله ـصلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ (ذاتَ يوم الصَّفَا) ، فقال يا صَبَاحاهُ! فاجتمعتْ إليه (قُريشٌ) فقالوا له : ما لك؟ فقال : أرأَيْتُم لو أخبرتُكم : أن العدوَّ مُصَبِّحُكم أو مُمسِّيكم ، أما كنتم تصدقوني؟! قالوا : بَلَى. قال : فإِنِّي نَذِيرٌ لكم بَيْنَ يَدَيْ عذابٍ شَديدٍ. فقال (أبو لهبٍ) : تَبَّاً لكَ! لهذا دعوتَنا جميعا! فأنزل اللهعزوجل :

__________________

[٨٧٦] أخرجه البخاري في الجنائز (١٣٩٤) وفي المناقب (٣٥٢٥) وفي التفسير (٤٨٠١ ، ٤٩٧٢ ، ٤٩٧٣ ، ٥٩٧١).

وأخرجه مسلم في الإيمان (٣٥٥ ، ٣٥٦ / ٢٠٨) ص ١٩٣ ، ١٩٤.

والترمذي في التفسير (٣٣٦٣).

والنسائي في التفسير (٧٣٤).

والنسائي في عمل اليوم والليلة (٩٨٣) والبيهقي في الدلائل (٢ / ١٨١) وزاد نسبته في الدر (٦ / ٤٠٨) لسعيد بن منصور وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وابن مردويه وأبي نعيم.

٤٩٨

( تَبَّتْ يَدا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَ ) إلى آخرها. رواه البخاري عن محمد بن سَلَام ، عن أبي معاويةَ.

ـ أخبرنا سعيد بن محمد العدلُ ، أخبرنا أبو علي بنُ أبي بكرٍ الفقيهُ ، حدَّثنا علي بن عبد الله بن مُبشّر الواسِطيُّ ، حدَّثنا أبو الأشْعَثِ أحمدُ بن المِقْدام ، حدَّثنا يزيد بن زُرَيع ، عن الكلبيِّ ، عن أبي صالح ، عن ابن عباس ، قال :

قام رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم ، فقال : يا آلَ غَالبٍ! يا آل لُؤَيّ! يا آلَ مُرَّةَ! يا آلَ كِلابٍ! يا آلَ قُصَي! يا آلَ عبد منافٍ! إِنِّي لا أملكُ لكم من الله شيئاً ولا من الدنيا نصيباً ، إِلَّا أن تقولوا : لا إلهَ إِلَّا اللهُ. فقال (أبو لهب) : تبّاً لك! لهذا دعوتَنا؟! فأنزل الله تعالى :( تَبَّتْ يَدا أَبِي لَهَبٍ )

٨٧٨ ـ أخبرنا أبو إسحاق المقرئ ، أخبرنا عبد الله بن حامد ، أخبرنا مكيُّ ابن عَبَدانَ ، حدثنا عبد الله بن هاشم ، حدّثنا عبد الله بن نُمَيْر ، حدثنا الأعمش عن عبد الله بن مُرَّةَ ، عن سعيد بن جُبَيْرٍ ، عن ابن عباس ، قال :

لما أنزل الله تعالى :( وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ ) أتى رسولُ الله ـصلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ (الصَّفا) ، فصَعِدَ عليه ، ثم نادَى : يا صَبَاحاهُ! فاجتَمَع إليه الناسُ : مِنْ بَيْنَ رجلٍ يجيءُ ، ورجلٍ يَبعثُ رسوله. فقال : يا بني عبد المُطَّلِب! يا بني فِهْرٍ! يا بني لُؤَيّ! لو أخبرْتكم : أَنَّ خيلاً بَسفح هذا الجَبَلِ تريد أن تُغِيرَ عليكم صدَّقتموني؟! قالوا : نعمْ. قال : فإني نذيرٌ لكم بَيْنَ يَدَيْ عذابٍ شديدٍ. فقال (أبو لهب) : تبّاً لك سائرَ اليوم! ما دَعَوْتَنا إلَّا لهذا؟! فأنزل الله تعالى :( تَبَّتْ يَدا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَ ) .

__________________

[٨٧٧] ضعيف : الكلبي متهم بالكذب ، وأبو صالح لم يسمع من ابن عباس.

[٨٧٨] انظر (٨٧٦)

٤٩٩

سورة الإخلاص

[٤٧٠]

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

[قوله تعالى :( قُلْ هُوَ اللهُ أَحَدٌ ) إلى آخر السورة] [١ : ٤]

٨٧٩ ـ قال قَتادةُ والضَّحَّاكُ ومُقاتِلٌ : جاء (ناسٌ من اليهود) إلى النبي ـصلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ فقالوا : صفْ لنا ربَّكَ ، فإن الله أنزل نَعْتَه في التَّوراة ، فأخبرْنا : مِن أيِّ شيء هو؟ ومن أيِّ جِنْس هو؟ [مِنْ] ذَهبٍ هو ، أَمْ نُحاسٍ أمْ فِضّةٍ؟ وهل يأكلُ ويشربُ؟ وممن وَرِثَ الدنيا؟ ومَنْ يُوَرِّثُها؟ فأنزل الله تبارك وتعالى هذه السورةَ ، وهي نِسْبةُ اللهِ خاصَّةً.

٨٨٠ ـ أخبرنا أبو نصرٍ أحمدُ بن إبراهيم المِهْرجانيُّ ، أخبرنا عُبيد الله بن محمد الزاهدُ حدَّثنا أبو القاسم ابنُ بنت مَنيعٍ ، حدَّثنا جَدِّي أحمدُ بن مَنيع ، حدَّثنا

__________________

[٨٧٩] انظر (٨٨٠)

[٨٨٠] إسناده ضعيف : أبو سعد الصاغاني : اسمه محمد بن مُيَسِّر ، قال الحافظ في التقريب (٢ / ٢١٢) : ضعيف ، وذكره ابن حبان في المجروحين [٢ / ٢٧١] وفي إسناده : أبو جعفر الرازي : قال الحافظ في التقريب : صدوق سيئ الحفظ ، وذكره ابن حبان في المجروحين [٢ / ١٢٠] ونقل عن الإمام أحمد قوله : أبو جعفر الرازي مضطرب الحديث.

والحديث أخرجه الترمذي (٣٣٦٤) من طريق أبي سعد به ، و (٣٣٦٥) من طريق عبيد الله بن موسى عن أبي جعفر الرازي عن أبي العالية عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم ولم يذكر أُبي بن كعب ، وقال الترمذي : وهذا أصح من حديث أبي سعد أ. ه.

٥٠٠

501

502

503

504

505

506

507

508

509

510

511

512

513

514

515

516

517

518

519

520

521

522

523

524

525

526

527

528

529

530

531

532

533

534

535

536

537

538

539

540

541

542

543

544

545

546

547

548

549

550

551

552

553

554

555

556

557

558

559

560

561

562

563

564

565

566

567

568

569

570

571

572

573

574

575

576

577

578

579

580

581

582

583

584

585

586

587

588

589

590

591

592

593

594

595

596

597

598

599

600

601

602

603

604

605

606

607

608

609

610

611

612

613

614

615

616

617

618

619

620

621

622

623

624

625

626

627