مفاهيم القرآن الجزء ٢

مفاهيم القرآن9%

مفاهيم القرآن مؤلف:
الناشر: مؤسّسة الإمام الصادق (عليه السلام)
تصنيف: مفاهيم القرآن
الصفحات: 627

الجزء ١ الجزء ٢ الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥ الجزء ٦ الجزء ٧ الجزء ٨ الجزء ٩ الجزء ١٠
  • البداية
  • السابق
  • 627 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 228610 / تحميل: 6455
الحجم الحجم الحجم
مفاهيم القرآن

مفاهيم القرآن الجزء ٢

مؤلف:
الناشر: مؤسّسة الإمام الصادق (عليه السلام)
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

فصمد الحجاز في ثورته أو في تنكره لبني اُميّة إلى أيّام عبد الملك بن مروان، وكان أخرج الفريقين من سبق إلى أحرج العملين. وأحرج العملين ذاك الذي دفع إليه - أو اندفع إليه - الحجاج عامل عبد الملك فنصب المنجنيق على جبال مكّة، ورمى الكعبة بالحجارة والنيران فهدمها، وعفى على ما تركه منها جنود يزيد بن معاوية، فقد كان قائده الذي خلّف مُسلم بن عقبة وذهب لحصار مكّة أوّل مَن نصب لها المنجنيق وتصدى لها بالهدم والإحراق.

وما زالت الجرائر تتلاحق حتّى تقوض من وطأتها ملك بني اُميّة، وخرج لهم السّفاح الأكبر وأعوانه في دولة بني العبّاس فعمّوا بنقمتهم الأحياء والموتى، وهدموا الدور، ونبشوا القبور، وذكر المنكوبون بالرّحمة فتكات المختار بن أبي عبيد، وتجاوز الثأر كلّ مدى خطر على بال هاشم واُميّة يوم مصرع الحُسينعليه‌السلام .

لقد كانت ضربة كربلاء، وضربة المدينة، وضربة البيت الحرام، أقوى ضربات اُميّة لتمكين سلطانهم وتثبيت بنيانهم وتغليب ملكهم على المنكرين والمنازعين فلم ينتصر عليهم المنكرون والمنازعون بشيء كما انتصروا عليهم بضربات أيديهم ولم يذهبوا بها ضاربين حقبة حتّى ذهبوا بها مضروبين إلى آخر الزمان.

وتلك جريرة يوم واحد هو يوم كربلاء فإذا بالدولة العريضة تذهب في عمر رجل واحد مديد الأيّام، وإذا بالغالب في يوم كربلاء أخسر من المغلوب إذا وضعت الأعمار المنزوعة في الكفتين

١٨١

١٨٢

نهاية المطاف

مَن الظافِر؟

غبن أن يفوت الإنسان جزاؤه الحقّ على عمله وخُلقه وأثقل منه في الغبن أن ينقلب الأمر فيُجزى المحسن بالإساءة، ويُجزى المسيء بالإحسان.

وقد تواضع النّاس منذ كانوا على معنى للتاريخ والأخلاق، ووجهة للشريعة والدين والجزاء الحقّ هو الوجهة الواحدة التي تلتقي فيها كلّ هذه المقاصد الرفيعة فإذا بطل الجزاء اُلحق ففي بطلانه الإخلال كلّ الإخلال بمعنى التاريخ والأخلاق، ولباب الشرائع والأديان، وفيه حكم على الحياة بالعبث وعلى العقل الإنساني بالتشويه والخسار.

والجزاء الحقّ غرض مقصود لذاته يحرص عليه العقل الإنساني كرامة لنفسه ويقيناً من صحته وحسن أدائه، كالنّظر الصحيح نحسبه

١٨٣

هو غرضاً للبصر يرتاح إلى تحقيقه ويحزن لفواته وإن لم يكن وراء ذلك ثواب أو عقاب؛ لأنّ النّظر الصحيح سلامة محبوبة والإخلال به داء كريه.

ولا يستهدف هذا القسطاس المستقيم لمحنة من محنه التي تزري بكرامة العقل الإنساني، كاستهدافه لها وهو في مصطدم التضحية والمنافع، أو في الصراع بين الشُهداء وأصحاب الطمع والحيلة ففي هذا المصطدم يبدو للنظرة الأولى أنّ الرجل قد أضاع كلّّ شيء وانهزم، وهو في الحقيقة غانم ضافر.

ويبدو لنا أنّه قد ربح كلّ شيء وانتصر وهو في الحقيقة خاسر مهزوم؛ ومن هُنا يدخل التاريخ ألزم مداخله وأبينها عن قيمة البحث فيه؛ لأنّه المدخل الذي يفضي إلى الجزاء الحقّ والنتيجة الحقّة، وينتهي بكلّ عامل أفلح أو أخفق في ظاهر الأمر إلى نهاية مطافه وغاية مسماه في الأمد الطويل.

وقد ظفر التاريخ في الصراع بين الحُسين بن عليّ ويزيد بن معاوية بميزان من أصدق الموازين التي تُتاح لتمحيص الجزاء الحقّ في أعمال الشُهداء وأصحاب الطمع والحيلة، فقلّما تُتاح في أخبار الاُمم شرقاً أو غرباً عبرة

١٨٤

كهذه العبرة بوضوح معالمها أو أشواطها، وفي تقابل النصر والهزيمة فيها بين الطوالع والخواتم، على اختلاف معارض النصر والهزيمة فيزيد في يوم كربلاء هو صاحب النصر المؤزّر الذي لا يشوبه خذلان، وحُسين في ذلك اليوم هو المخذول الذي لم يطمح خاذله من وراء الظفر به إلى مزيد ثمّ تنقلب الآية أيما انقلاب، ويقوم الميزان، فلا يختلف عارفان بين كفّة الرّجحان وكفّة الخسران وهذا الذي قصدنا إلى تبيينه وجلائه بتسطير هذه الفصول.

* * *

وما من عبرة أولى من هذه بالتبيين والجلاء لدارس التاريخ ودارس الحياة وطالب المعنى البعيد في أطوار هذا الوجود.

ولسنا نقول إنّ الصراع بين الحُسين ويزيد مثل جامع لكلّ ألوان الصراع بين الشّهادة والمنفعة أو بين الإيمان والمآرب الأرضية؛ فإنّ لهذا الصراع لألواناً تتعدّد ولا تتكرر على هذا المثال، وإنّ له لَعناصر لم تجتمع

١٨٥

كلّها في طرفي الخصومة بين الرّجلين، وأشواطاً لم تتخذ الطريق الذي اتخذته هذه الخصومة في البداية أو النّهاية.

ولسنا نقول إنّ الصراع بين الحُسين ويزيد مثل جامع لكلّ ألوان الصراع وتفرّدها بارزة ماثلة للتأمل والتعقيب، وهي أنّ مسألة الحُسين ويزيد قد كانت صراعاً بين خلقين خالدين، وقد كانت جولة من جولات هذين الخلقين اللذين تجاولا أحقاباً غابرات، ولا يزالان يتجاولان فيما يلي من الأحقاب، وقد أسفرا عن نتيجة فاصلة ينفرد لها مكان معروف بين سائر الجولات، وليست جولة اُخرى منهن بأحقّ منها بالتعليق والتصديق.

ووجهتنا من هذه العبرة أن يُعطى كلّ خُلق من أخلاق العاملين حقّه بمعيار لا غبن فيه، فإذا سعى أحد بالحيلة فخدع النّاس وبلغ مأربه فليكن ذلك مغنمه وكفى، ولا ينفعه ذلك في استلاب السمعة المحبوبة والعطف الخالص والثناء الرفيع وإذا خسر أحد حياته في سبيل إيمانه فلتكن تلك خسارته وكفى، ولا ينكب فوق ذلك بخسارة في السمعة والعطف والثناء.

فلو جاز هذا لكان العطف الإنساني أزيف ما عرفناه في هذه الدُنيا من الزيوف؛ لأنّ خديعة واحدة تشتريه وتستبقيه، وما من زيف في

١٨٦

العروض الاُخرى إلاّ وهو ينطلي يوماً وينكشف بقية الأيّام.

* * *

وإذا كان احتيال الإنسان لنفسه معطيه كلّ ما تهبه الدُنيا من غنم النفع والمحبّة والثناء، فقد ربح المحتالون وخسر نوع الإنسان، وإذا كانت خسارة المرء في سبيل إيمانه تجمع عليه كلّ خسارة، فالأحمق الفاشل من يطلب الخير للناس ويغفل عن نفسه في طلابه.

فكفى الواصل ما وصل إليه وكثير عليه أن يطمع عند الخلف والسلف فيما ادخرته الإنسانيّة من الثناء والعطف لِمن يكرمونها بفضيلة الشّهادة والتضحية، ويخسرون. وهذا الفيصل العادل أعدل ما يكون فيما بين الحُسين ويزيد

فإذا قيل: إنّ معاوية قد عمل وقد أفلح بالحيلة والدهاء، فيزيد لم يعمل ولم يفلح بحيلة ولا دهاء، ولكنّه ورث المنافع التي يشتري بها الأيدي والسّيوف، فجال بها جولة رابحة في كفاح الضمائر والقلوب، فينبغي ألاّ يربح بهذه الوسيلة؛ فأمّا وقد ربح فينبغي أن يقف الرّبح عند ذاك، وينبغي للعذر الكاذب والثناء المأجور ألاّ يحسبا على النّاس بحساب العذر الصادق والثناء الجميل.

وقد تزلّف إلى يزيد مَن يتزلفون إلى أصحاب المال والسُلطان ثمّ

١٨٧

أخذوا اُجورهم، فينبغي أن يقوم ذلك الثناء بقيمة تلك الاُجور وأن يكون ما قبضوه من أجرٍ غاية ما استحقوه إنْ كانوا مستحقيه؛ أمّا أنّ يُضاف ثناء الخلود إلى صفقة اُولئك المأجورين، فقد أصبح ثناء الخلود إذن صفقة بغير ثمن، أو هو علاوة مضمونة على صفقة كلّ مأجور.

إنّ صاحب الثناء المبذول لا يسأل عن شيء غير العطاء المبذول، ولكن التاريخ خليق أن يسأل عن أعمال وأقوال قبل أن يبذل ما لديه من ثناء. وليس في تاريخ يزيد عمل واحد صحيح أو مدعى، ولا كلمة واحدة صحيحة أو مدعاة تقيمه؛ بحيث أراده المأجورون من العذر الممهد والمدح المعقول، أو تخوّله مكان الترجيح في الموازنة بينه وبين الحُسين

كلّ أخطائه ثابتة عليه، ومنها - بل كلّها - خطؤه في حقّ نفسه ودولته ورعاياه، وليس له فضل واحد ثابت ولا كلمة واحدة مأثورة تنقض ما وصفه به ناقدوه وعائبوه؛ فقد كانت له ندحة عن قتل الحُسين، وكان يخدم نفسه ودولته لو أنّه استبقاه حيث يتقيه ويرعاه

وكانت له ندحة عن ضرب الكعبة، واستباحة المدينة، وتسليط أمثال مُسلم بن عقبة وعبيد الله بن زياد على خلائق الله. وكانت له ندحة عن السمعة التي لصقت به ولم تلصق به افتراء ولا

١٨٨

ادعاء كما يزعم صنائعه ومأجوروه؛ لأنّ واصفيه بتلك السمعة لم يلصقوا مثلها بأبيه ومَن كان حقّه في النعمة التي نعم بها مغتصباً ينتزعه عنوة، لا يكن حقّه في الفضل والكرامة جزافاً لا حسيب عليه.

* * *

وتسديد العطف الإنساني هُنا فرض من أقدس الفروض على الناظرين في سير الغابرين؛ لأنّ العطف الإنساني هو كلّ ما يملك التاريخ من جزاء، وهو الثروة الوحيدة التي يحتفظ بها الخلود

وإنّنا لندع الخطأ في سياسة النفعيين، وننظر إليهم كأنّهم مصيبون في السّياسة بُصراء بمواقع التدبير. فعلى هذه الصفة - لو تمّت لهم - لا يحقّ لخادم زمانه أن ينازع الشُهداء في ذخيرة العطف الخالد، وهُم خدام العقائد التي تتخطى حياة الأجيال كما تتخطى حياة الأفراد؛ فإنّ حرمان الشُهداء حقّهم في عطف الأسلاف خطأ في الشّعور، وخطأ كذلك في التفكير

والنّاس خاسرون إذا بطل عطفهم على الشُهداء، وليس قُصارى أمرهم أنّهم قُساة أو جاحدون؛ لأنّ الشّهادة فضيلة تروح وتأتي وتكثر

١٨٩

حيناً وتندر في غير ذلك من الأحيان. أمّا حبّ المنفعة فإن سميته فضيلة فهو من الفضائل التي لن تفارق الأحياء أجمعين، من ناطقة وعجماء.

* * *

على أن الطبائع الآدمية قد أشربت حبّ الشُهداء والعطف عليهم وتقديس ذكرهم بغير تلقين ولا نصيحة، وإنّما تنحرف عن سواء هذه السنّة لعوارض طارئة أو باقية تمنعها أن تستقيم معها، وأكثر ما تأتي هذه العوارض من تضليل المنفعة والهوى القريب، أو من نكسة في الطبع تغريه بالضغن على كلّ خلق سوي وسجية سمحة محببة إلى النّاس عامّة، أو من الأفراد في حبّ الدعة حتّى يجفل المرء من الشّهادات؛ استهوالاً لتكاليفها واستعظاماً للقدوة بها، فيتّهم الشُهداء بالهوج ويتعقب أعمالهم بالنقد؛ لكيلا يتهم نفسه بالجبن والضعة ويستحقّ المذمة واللوم في رأي ضميره، وإن لم يتهمهم بالهوج ولم يتعقبهم بالنقد، وقف من فضائلهم موقف ازورار وفتور، وجنح إلى معذرة الآخرين والتفاهم بينه وبين مَن لا يستشهدون، ثمّ يعارضون الشُهداء فيما يطمحون إليه.

ومعظم المؤرّخين الذين يُعارضون الشُهداء ودعاتهم لغير منفعة أو نكسة هُم من أصحاب الدعة المفرطة وأنصار السّلامة النّاجية، ويغلب على هذه الخلّة أن تسلبهم ملكة التاريخ الصحيح أنّها تعرّضهم للخطأ في الحكم والتفكير، كما تعرّضهم للخطأ في العطف والشّعور.

١٩٠

ومن المعقبين على تاريخ هذه الفترة عندنا - في العربيّة - مؤرخ يُتخذ منه المثل لكلّ من العذر والعطف حين يصل الأمر إلى الاستشهاد كراهة للظلم ودرءاً للمنكرات، وهو الأستاذ مُحمّد الخضري صاحب تاريخ الاُمم الإسلاميّة رحمه الله

ففي تعقيبه على ثورة المدينة - التي قدّمنا الإشارة إليها - يقول: إنّ الإنسان ليعجب من هذا التهور الغريب والمظهر الذي ظهر به أهل المدينة في قيامهم وحدهم بخلع خليفة في إمكانه أن يجرّد عليهم من الجيوش ما لا يمكنهم أن يقفوا في وجهه، ولا ندري ما الذي كانوا يريدونه بعد خلع يزيد؟

أيكونون مستقلين عن بقية الأمصار الإسلاميّة، لهم خليفة منهم يلي أمرهم، أم حمل بقية الاُمّة على الدخول في أمرهم؟ وكيف يكون هذا وهم منقطعون عن بقية الأمصار ولم يكن معهم في هذا الأمر أحد من الجنود الإسلاميّة؟.. إنّهم فتقوا فتقاً وارتكبوا جرماً فعليهم جزء عظيم من تبعة انتهاك حُرمة المدينة، وكان اللازم على يزيد وأمير الجيش أن لا يسرف في معاملتهم بهذه المعاملة؛ فإنّه كان من الممكن أن يأخذهم بالحصار.

* * *

ويخيّل إليك وأنت تقرأ كلام الأستاذ عن هذه الفترة كلّها أنّ لديه أعذاراً ليزيد وليس لديه عذر لأهل المدينة؛ لأنّه يفهم كيف يغضب المرء

١٩١

لما في حوزته، ولا يفهم كيف تضيق به كراهة الظلم وغيرة العقيدة عن الاحتمال، وشعوره هذا يحول بينه وبين الحكم الصحيح على حوادث التاريخ؛ لأنّه يحول بينه وبين انتظار هذه الحوادث حيث تنتظر لا محالة، واستبعادها حيث هي بعيدة عن التقدير.

فلم يحدث قط في مواجهة الظلم وانتزاع الدول المكروهة أن شعر النّاس كما أرادهم الأستاذ أن يشعروا أو فكّروا في الأمر كما أرادهم أن يفكّروا، ومستحيل حدوث هذا أشدّ الاستحالة، وليس قصاراه أنّه لم يحدث من قبل في حركات التاريخ؛ فهذه الحركات التي تواجه الدول المكروهة لا تنتظر - ولا يمكن أن تنتظر - حتّى تربى قوتها وعدتها على ما في أيدي الدولة التي تكرهها من قوة وعدّة

ولكنّها حركة أو دعوة تبدأ بفرد واحد يجترئ على ما يهابه الآخرون، ثمّ يلحق به ثان وثالث ورابع ما شاء له الإقناع وضيق الذرع بالاُمور، ثمّ ما ينالهم من نقمة فيشيع الغضب وينكشف الظُلم عمّن كان في غفلة عنه، ثمّ يشتدّ الحرج بالظالم فيدفعه الحرج إلى التخبط على غير هُدى، ويخرج من تخبط غليظ أحمق إلى تخبط أغلظ منه وأحمق فلا هُم

١٩٢

يقفون في امتعاضهم وتذمرهم ولا هو يقف في بطشه وجبروته، حتّى يغلو به البطش والجبروت فيكون فيه وهنه والقضاء عليه.

على هذا النحو يعرف المؤرّخ الذي يعالج النّفوس الآدمية ما هو من طبعها وما هو خليق أن ينتظر منها، فلا يُعالجها حقّ العلاج على أنّها مسألة جمع وطرح في دفتر الحساب بين هذا الفريق وذاك الفريق، وعلى هذا النحو تكون حركة الحُسين قد سلكت طريقها الذي لا بدّلها أن تسلكه، وما كان لها قط من مسلك سواه.

* * *

وصل الأمر في عهد يزيد إلى حدّ لا يعالج بغير الاستشهاد وما نحا منحاه، وهذا هو الاستشهاد ومنحاه، وهو - بالبداهة التي لا تحتاج إلى مقابلة طويلة - منحى غير منحى الحساب والجمع والطرح في دفاتر التجار، ومع هذا يدع المؤرّخ طريق الشّهادة تمضي إلى نهاية مطافها ثمّ يتناول دفتر التجّار كما يشاء؛ فإنّه لواجد في نهاية المطاف أنّ دفتر التجّار لن يكتب الربح آخراً إلاّ في صفحة الشُهداء.

فالدُعاة المستشهدون يخسرون حياتهم وحياة ذويهم، ولكنّهم يرسلون دعوتهم من بعدهم ناجحة متفاقمة، فتظفر في نهاية مطافها بكلّ شيء حتّى المظاهر العرضية والمنافع الأرضية

وأصحاب المظاهر العرضية والمنافع الأرضية يكسبون في أوّل

١٩٣

الشّوط ثمّ ينهزمون في وجه الدعوة المستشهدة حتّى يخسروا حياتهم أو حياة ذويهم، وتوزن حظوظهم بكلّ ميزان، فإذا هُم بكلّ ميزان خاسرون، وهكذا أخفق الحُسين ونجح يزيد ولكن يزيد ذهب إلى سبيله وعوقب أنصاره في الحياة والحطام والسمعة بعده بشهور، ثمّ تقوضت دولته ودولة خلفائه في عمر رجل واحد لم يجاوز السّتين

وانهزم الحُسين في كربلاء واُصيب هو وذووه من بعده، ولكنّه ترك الدعوة التي قام بها مُلك العبّاسيين والفاطميين وتعلل بها اُناس من الأيوبيّين والعثمانيين، واستظل بها الملوك والاُمراء بين العرب والفرس والهنود، ومثل للناس في حلّة من النّور تخشع لها الأبصار، وباء بالفخر الذي لا فخر مثله في تواريخ بني الإنسان غير مستثنى منهم عربي ولا أعجمي ولا قديم ولا حديث.

أبو الشُهداءعليه‌السلام :

فليس في العالم اُسرة أنجبت من الشُهداء من أنجبتهم اُسرة الحُسين عدّة وقدرة وذكرة، وحسبه أنّه وحده في تاريخ هذه الدُنيا الشّهيد ابن الشّهيد أبو الشُهداء في مئات السّنين

١٩٤

وأيسر شيء على الضعفاء الهازلين أن يذكروا هُنا طلب الملك ليغمروا به شهادة الحُسين وذويه فهؤلاء واهمون ضالون مُغرقون في الوهم والضلال؛ لأنّ طلب الملك لا يمنع الشّهادة، وقد يطلب الرجل الملك شهيداً قدّيساً ويطلبه وهو مجرم بريء من القداسة، وإنّما هو طلب وطلب، وإنّما هي غاية وغاية، وإنّما المعول في هذا الأمر على الطلب لا على المطلوب.

فمَن طلب الملك بكلّ ثمن، وتوسّل له بكلّ وسيلة، وسوّى فيه بين الغصب والحقّ وبين الخداع والصدق وبين مصلحة الرّعية ومفسدتها، ففي سبيل الدُنيا يعمل لا في سبيل الشّهادة، ومَن طلب الملك وأباه بالثمن المعيب، وطلب الملك حقّاً ولم يطلبه؛ لأنّه شهوة وكفى، وطلب الملك وهو يعلم أنّه سيموت دونه لا محالة، وطلب الملك وهو يعتزّ بنصر الإيمان ولا يعتزّ بنصر الجند والسلاح، وطلب الملك دفعاً للمظلمة وجلباً للمصلحة كما وضحت له بنور إيمانه وتقواه، فليس ذلك بالعامل الذي يخدم نفسه بعمله، ولكنّه الشّهيد الذي يلبّي داعي المروءة والأريحية، ويطيع وحي الإيمان والعقيدة، ويضرب للناس مثلاً يتجاوز حياة الفرد الواحد وحياة الأجيال الكثيرة

مَن ثمّ يقيم الآية على حقيقة الحقائق في أمثال هذا الصراع بين الخلقين أو بين المزاجين والتاريخين

١٩٥

وهي أنّ الشّهادة خصم ضعيف مغلوب في اليوم والأسبوع والعام، ولكنّها أقوى الخصوم الغالبين في الجيل والأجيال ومدى الأيّام، وهي حقيقة تُؤيّدها كلّ نتيجة نظرت إليها بعين الأرض أو بعين السّماء على أن تنظر إليها في نهاية المطاف.

ونهاية المطاف هي التي يدخلها نوع الإنسان في حسابه ويوشج عليها وشائج عطفه وإعجابه؛ لأنّه لا يعمل لوجبات ثلاث في اليوم، ولا ينظر إلى عمر واحد بين مهد ولحد، ولكنّه يعمل للدوام وينظر إلى الخلود

١٩٦

في عالم الجمال:

عاشق الجمال

إذا لحقت السيرة بعالم المثال الذي يتطلع إليه خيال الشُعراء وتتغنى به قرائح أهل الفن، فقد تنزهت عن ربقة الجسد وأصبحت صورة من الصور المثلى في عالم الجمال ومن آيات الجمال إنّه يتحدى المنفعة ويؤثر البطولة على السّلامة.

فإذا تعلقت القريحة بالجمال، فلا جرم تزن الاُمور بغير ميزان الحساب والصفقات، فتعرض عن النعمة وهي بين يديها وتقبل على الألم وهي ناظرة إليه، وتلزمها سجية العشق الآخذ بالأعنّة، فتنقاد له ولا تنقاد لنصيحة ناصح أو عذل عاذل؛ لأنّ المشغوف بالجمال ينشده ولا يُبالي ما يلقاه في سبيله.

وقد تمثّلت سجية عاشق الجمال في كلّ شعر نظّمه شُعراء الحُسين وذويه؛ تعظيماً لهم وثناء عليهم لم يتجهوا إليهم ممدوحين وإنّما اتجهوا

١٩٧

إليهم صوراً مُثلى يهيمون بها كما يهيم المحب بصورة حبيبه، ويستعذبون من أجلها ما يصيبهم من ملام وإيلام.

وفي معنى كهذا المعنى يقول الكميت شاعر أهل البيتعليهم‌السلام :

طربتُ وما شوقاً إلى البيضِ أطربُ

ولا لـعباً مـنِّي وذو الشّيبِ يلعبُ

ولـم يـلهني دارٌ ولا رسـمُ منزلِ

ولـم يـتطرّبني بـنانٌ مـخضَّبُ

ولا أنـا مـمَّن يـزجرُ الطيرُ همَّهُ

أصـاحَ غـرابٌ أم تعرّضَ ثعلبُ

ولا الـسانحاتُ الـبارحاتُ عشيّةً

أمـرَّ سليمُ القرنِ أم مرَّ أعضبُ (١)

ولـكنْ إلـى أهلِ الفضائلِ والنّهى

وخـيرِ بـني حوّاءَ والخيرُ يُطلبُ

إلـى الـنفرِ الـبيض الذين بحبِّهمْ

إلى الله فـيما نـالني أتـقرّبُ

____________________

(١) السّانح: الطير الذي يمر من اليسار إلى اليمين وعكسه البارج. والأعضب: المكسور.

١٩٨

بَـنِي هَـاشِمٍ رَهط النَّبِيِّ فإنَّنِي

بِهِم ولَهُم أَرضَى مِرَاراً وأغضَبُ

خـفضتُ لهم منّي جناحَي مودَّة

إلـى كنفِ عِطفاهُ أهلٌ ومرحبُ

يـشيرونَ بـالأيدي إليَّ وقولُهُمْ

ألا خابَ هذا والمشيرون أخيبُ

فـطائفةٌ قـد كـفَّرتني بـحُبّكُمْ

وطـائفةٌ قـالوا مسيءٌ ومُذنبُ

فـما سـاءني تكفيرُ هاتيكَ منهمُ

ولا عيبُ هاتيكَ الّتي هي أعيبُ

يـعيبونني مـنْ خبّهمْ وَضلالِهمْ

على حُبّكم بل يسخرونَ وأعجبُ

وقـالوا تـرابيٌّ (١) هواهُ ورأيُهُ

بـذلك أُدعـى فـيهمُ واُلـقّبُ

على ذاكَ إجريّاي فيكم ضريبتي

وَلـو جمعوا طرّاً عليَّ وأجلبوا

____________________

(١) مِن كُنى عليّ بن أبي طالب (أبو تراب)، وترابي نسبة إليه.

١٩٩

وأحملُ أحقادَ الأقاربِ فيكمُ

وينصبُ لي في الأبعدينَ فأنصبُ

وقد مرّ بنا حديث زين العابدين رضي الله عنه، وهو غلام عليل أوشك أن يتخطفه الموت بكلمة من عبيد الله بن زياد؛ لأنّه استكبر أن تكون به جرأة على جوابه.

فهذا الغلام العليل قد عاش حتّى انعقد له مُلك القلوب؛ حيث انعقد مُلك الأجسام لهشام بن عبد الملك سيّد ابن زياد وآله، وذهب هشام بين جنده وحشمه يحجّ البيت ويترضّى النّاس، فلم يخلص إلى الحجر الأسود لتزاحم الحجيج عليه، وأنّه لجالس على كرسيه ينتظر انفضاض النّاس إذا بزين العابدين يقبل إلى الحجر الأسود في وقاره وهيبته، فيتنحى له الجيج ويحفوا به وهو يستلم الحجر مطمئناً غير معجّل، ثمّ يعود من حيث أتى والنّاس مشيعوه بالتجلّة والدُعاء.

وتهوّل رجلاً من حاشية هشام هذه المهابة التي لم يرها لمولاه فيسأل: مَن هذا الذي هابه النّاس هذه الهيبة؟ ويخشى هشام أن يطّلع جنده على مكانة رجل لم يتطاول إلى مثل مكانته بسلطانه وعتاده فيقول: لا أعرفه ويقتضب الجواب.

وهذا الذي تصدى له شاعر آخر قد غامر بحياته ونواله ليقول بالقصيد المحفوظ ما ثقل على لسان هشام أن يقوله في كلمتين عابرتين

وذلك هو الفرزدق حيث قال:

٢٠٠

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

إنّ الإسلام طلب من تشريع هذا النظام منع المزيد من إراقة دماء المعتدين الغزاة بعد السيطرة عليهم، ولأنّ توزيعهم على المسلمين وجعلهم تحت ولايتهم أقرب إلى إمكانهم من تلقّي التربية الإسلاميّة وتوفير ظروف التهذيب والتعليم الدينيّ لهم.

* * *

٨. طهارة المولد

والمقصود من هذا الشرط هو أن يكون ذا ولادة طيّبة، فلا يحق لغيره أن يتصدّى لقيادة الاُمّة الإسلاميّة أو يُرشح لها من قبل الآخرين. وللدين في هذا الشرط عدة أهداف ؛ منها أن يسدّ سبيل الزنا والبغاء بأن يعرف الزاني بأنّه سيتحمّل ضياعاً أبدياً يورثه أولاده، وأفلاذ أكباده، فلعلّه يرتدع عن هذه المعصية الكبيرة، هذا مضافاً إلى أنّ الدين يستقبح الزنا ويكرهه فلو جوز ارتفاع ( نتاج ) الزنا إلى مستوى القيادة، فلازم ذلك استهانة الاُمّة باُحدى حسنيين: إمّا بالأخلاق الإسلاميّة التي أبرزها تجنّب الزنا، أو بطاعة الرئيس، إذ من الواضح أنّ الرئيس الواطئ في نظر الناس لن يحظى باحترامهم، وطاعتهم كالذي يحظى به الرئيس الشريف.

إنّ وليد الزنا تنعقد نطفته في حالة عاصفة من الشهوات الرخيصة، فتنعكس آثارها السيّئة على نفسيّته وفقاً لسُنّة التأثير، فيتولّد ابن الزنا بنفسيّة ميالة إلى الشهوات صارخة الأهواء، وحالة من الانفلات الخلقي التي تنمو معه نمواً خطيراً فيصبح مُلتاث الضمير، محجوب العقل لا يوقفه دون شهوته ضمير أو عقل أو دين.

وبعبارة اُخرى: إنّ وليد الزنا تنعقد نطفته في حال يحسّ والده أو اُمّه أو كلاهما بأنّهما ينقضان القانون، ويكسران عهداً من عهود الله، وهو احساس ينتقل عن طريق النطفة إلى الوليد طبقاً لقانون التوارث الطبيعيّ، فيخرج الطفل المولود من الزنا حاملاً لفكرة نقض العهد واختراق القانون أو يكون أقرب من غيره إلى هذه الحالة على الأقلّ وإلى هذا أشار حديث منقول عن الإمام الحسن بن عليّ المجتبى في هذا الصدد: « إنَّ الرجل إذا أتى أهلهُ بقلب ساكن وعروق هادئة وبدن غير

٢٦١

مُضطرب استكنت تلك النطفة في الرَّحم فخرج الرَّجل يشبهُ أباه واُمَّهُ »(١) .

وهذا الحديث يشير إلى أنّ صفات الوالد أو الاُم تنتقل إلى الطفل بصورة قهريّة وراثيّة إن خيراً فخير، وإن شراً فشرّ.

فكيف لا تنعكس الحالة النفسيّة المضطربة للزاني والزانية في الطفل ولا تورث في خلقته اعوجاجاً ـ ولو قليلاً ـ يؤهّله للانحراف الأشدّ.

وكيف يمكن أعطاء زمام الحكم والقيادة وهو أعظم مقام وأخطر منصب في حياة الاُمّة الإسلاميّة بيده وهو لا يؤمن عليه من الانحراف والشذوذ.

ولهذا يقول الإمام الصادق جعفر بن محمّدعليه‌السلام عن ولد الزنا: « إنّه يحنّ إلى الحرام والاستخفاف بالدين وسوء المحضر »(٢) .

وهو أمر تثبته التحقيقات الاجتماعيّة، والوقائع العلميّة.

فإذا كان هذا هو شأن ولد الزنا لم يصلح إذن للقيادة ولم يكن فيه خير كما قال الإمام محمّد بن عليّ الباقرعليه‌السلام : « لا خير في ولد الزنا ولا في بشرته ولا في شعره ولا في لحمه، ولا في دمه ولا في شيء منه »(٣) .

وربمّا يحتمل في الحاكم الإسلاميّ شرائط ومؤهّلات اُخرى لم نجد لها دليلاً

__________________

(١) بحار الأنوار ١٤: ٣٧٩ ( الطبعة القديمة ).

(٢) سفينة البحار: ٥٦٠.

(٣) إنّ ما ذكرناه من حالة ولد الزنا إنّما هو من باب وجود الاستعداد الأكثر، والأرضيّة المناسبة للانحراف والشذوذ وبالتالي بيان وجود المقتضي للفساد في الطفل المولود من الزنا، ولذلك لو شبَّ وكبر كان بإمكانه كأيّ إنسان آخر مختار، أن يحرز نفسه من آثار هذه الحالة، ويطهّرها من الشوائب العالقة بطبيعته، فلا يوجب ما ذكرنا فيه من الحالة الناشئة من الزنا جبراً وتفصيل البحث موكول إلى محلّه، وبالتالي إنّ المتولّد من الزنا كالمتولّد من الأبوين المسلولين يكون أكثر استعداداً وقابليةً من غيره للتعرّض إلى السل ولكنّه في إمكانه أن يراجع الطبيب ويقوم بإعمال وقائيّة تمنع من نمو ذلك الاستعداد، وتمنعه من الابتلاء بداء والديه.

وبعبارة اُخرى: إنّ خبث الولادة بمنزلة المقتضي لانحراف الطفل أيام شبابه وكبره وليست علّةً تامّةً له.

٢٦٢

فأكتفينا بما ذكرناه لك.

أمّا العقل والبلوغ، فلم نذكرهما بصورة مستقلة لدخولهما تحت العناوين والصفات السابقة قهراً، كما هما من الاُمور التي لا يختلف فيهما اثنان.

ثم إنّ النصوص الإسلاميّة دلّت على أنّ الحاكم الإسلاميّ يجب أنّ يكون متحلّياً بالأخلاق الإنسانيّة العالية مضافاً إلى توفّر الصفات المذكورة سابقاً فيه، فلا يكون مثلاً حريصاً على الملك متعطشاً إلى الرئاسة، لأنّ ذلك يدلّ في الأغلب على رغبة في الاستئثار والتسلّط الذي ـ يسوّغ للحاكم ـ بدوره ـ أن يفعل كلّ شيء لتثبيت سلطته وتبرير استئثاره.

قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : « إنَّا والله لا نولّي هذا العمل أحداً سألهُ، أو أحداً حرص عليه »(١) .

وعندما طلب عبد الله بن عباس من الإمام عليّعليه‌السلام أن يفوّض إمارة البصرة والكوفة إلى طلحة والزبير اللذين كانا يطلبان الرئاسة والحكومة، حتّى يحسم بذلك مادة الفساد، فأجابهعليه‌السلام بقوله: « ويحك إنّ العراقين بهما الرِّجالُ والأموالُ، ومتى تملكا رقاب النَّاس يستميلا السفينة بالطَّمع، ويضربا الضَّعيف بالبلاء، ويقويا على القوي بالسلطان، ولو كنت مستعملاً أحداً ـ لضرّه أو نفعه ـ لاستعملتُ مُعاوية على الشام.

ولولا ما ظهر لي من حُرصهما على الولاية لكان لي فيهما رأي »(٢) .

إلى غير ذلك من الأخلاق التي تتطلّبها الولاية.

كما ينبغي أنْ يكون بعيداً في حكمه عن أساليب الطغاة والجبارين، فلا يتخذ حاجباً مثلاً.

فعن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله أنّه قال: « ما من إمام يغلق بابه دون ذوي الحاجة والخلة

__________________

(١) صحيح مسلم ج ٥ كتاب الإمارة، الحديث ١٤.

(٢) الإمامة والسياسة ١: ٤٠.

٢٦٣

والمسكنة إلّا أغلق الله أبواب السماء دونَّ خلّته، وحاجته ومسكنته »(١) .

وقالصلى‌الله‌عليه‌وآله : « من ولاّه الله شيئاً من اُمور المسلمين فاحتجب دون حاجتهم وخلّتهم وفقرهم احتجب الله دون حاجته وخلّته وفقره يوم القيامة »(٢) .

وهناك كلام مماثل للإمام عليّعليه‌السلام في عهده المعروف لمالك الأشتر إذ كتب فيه: « وأمّا بعدُ فلا يطولنَّ احتجابك عن رعيتك، فإنّ احتجاب الولاة عن الرعيَّة شُعبة من الضيق، وقلّة علم بالاُمور، والاحتجاب منهم يقطع عنهم علم ما احتجبوا دونه فيصغَّر عندكم الكبير ويعظِّم الصغير ويقبّح الحسن ويحسن القبيح ويشاب الحقّ بالباطل، وإنّما الوالي بشر لا يعرف ما توارى عنه الناس به عن الاُمور، وليست على الحقِّ سمات تعرف بها ضروب الصدق من الكذب »(٣) .

وقالعليه‌السلام أيضاً: « أيّما وال احتجب عن حوائج الناس احتجب الله يوم القيامة عن حوائجه وإنّ أخذ هديّة كان غلولاً وإن أخذ لها رشوةً فهو مشرك »(٤) .

وينبغي أن يكون الحاكم الإسلاميّ أميناً على أموال الاُمّة وناصحاً لهم في حكمه.

قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : « من استعملناه منكم على عمل فكتمنا مخيطاً فما فوقه كان غلولاً يأتي به يوم القيامة »(٥) .

وقالصلى‌الله‌عليه‌وآله : « ما من عبد يسترعيه الله رعيَّةً يموت يوم يموت وهو غاشّ لرعيَّته إلّا حرّم الله عليه الجنَّة »(٦) .

وقالصلى‌الله‌عليه‌وآله : « ما من أمير يلي اُمور المسلمين ثمَّ لا يجهدُ لهم وينصحُ لهم إلّا لم يدخله معهم الجنَّة »(٧) .

__________________

(١) جامع الاُصول ٤: ٥٢ أخرجه الترمذيّ.

(٢) جامع الاُصول ٤: ٥٢ أخرجه أبو داود.

(٣) نهج البلاغة: قسم الرسائل ( الرقم ٥٣ ).

(٤) ثواب الأعمال: ٣١٠.

(٥) صحيح مسلم: ٥٥ كما في جامع الاُصول الجزء (٤).

(٦) جامع الاُصول ٤: ٥٣ نقلاً عن البخاريّ ومسلم.

(٧) جامع الاُصول ٤: ٥٣ أخرجه مسلم.

٢٦٤

وأنْ يكون عطوفاً مع الضعفاء والأيتام. فقد جاء إلى أمير المؤمنينعليه‌السلام عسل وتين من همدان وحلوان فأمر العرفاء أن يأتوا باليتامى فأمكنهم من رؤوس الأزقاق يلعقونها، وهو يُقسّمها للناس قدحاً، قدحاً، فقيل له: يا أمير المؤمنين ما لهم يلعقونها ؟ فقال: « إنّ الإمام أبو اليتامى، وإنّما لعَّقتُهم هذا برعاية الآباء »(١) .

بل وتبلغ عطوفة الحاكم الإسلاميّ وتتسع وظيفته إلى درجة يجب عليه أداء دين من مات ولم يترك شيئاً قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : « أيّما مؤمن أو مسلم مات وترك ديناً لم يكن في فساد ولا إسراف فعلى الإمام أن يقضيه فإن لم يقضه فعليه إثم ذلك »(٢) .

وعن أمير المؤمنين في مواساة الحاكم للضعفاء: « إنّ الله جعلني إماماً لخلقه ففرض عليَّ التَّقدير في نفسي ومشربي وملبسي كضعفاء الناس كي يقتدي الفقيرُ بفقري ولا يطغي الغنيّ غناهُ »(٣) .

ولـمّا لبس عاصم بن زياد العباء وترك الملاء وشكاه أخوه الربيع(٤) بن زياد إلى أمير المؤمنينعليه‌السلام أنّه قد غمَّ أهله وأحزن ولده بذلك، فقال أمير المؤمنينعليه‌السلام : « عليَّ بعاصم بن زياد »، فجيء به فلما رآه عبس في وجهه، فقال له: « أمّا استحييت من أهلك ؟ أما رحمت ولدك ؟ أترى الله أحل لك الطيبات وهو يكرهُ أخذك منها، أنت أهون على الله من ذلك، أوليس الله يقول:( وَالأَرْضَ وَضَعَهَا لِلأَنَامِ *فِيهَا فَاكِهَةٌ وَالنَّخْلُ ذَاتُ الأَكْمَامِ ) ( الرحمن: ١٠ ـ ١١ )، أو ليس الله يقولُ:( مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ يَلْتَقِيَانِ *بَيْنَهُمَا بَرْزَخٌ لاَّ يَبْغِيَانِ * [ إلى قوله ]يَخْرُجُ مِنْهُمَا اللُّؤْلُؤُ وَالمَرْجَانُ ) ( الرحمن: ١٩ ـ ٢٢ )، فبالله لابتذال نعم الله بالفعال أحبّ إليه من أبتذالها بالمقال، وقد قال الله عزَّ وجلَّ:( وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ ) ( الضحى: ١١ ).

فقال عاصم: يا أمير المؤمنين فعلى مَ اقتصرت في مطعمك على الجشوبة وفي ملبسك على الخشونة ؟ فقال: « ويحك إنّ الله عزَّ وجلَّ فرض على أئمّة العدل أن يُقدّروا أنفسهم بضعفة النَّاس، كيلا يتبيَّغ بالفقير فقره ».

__________________

(١ ـ ٣) الكافي ١: ٤٠٦، ٤٠٧، ٣٣٩.

(٤) وفي نهج البلاغة، علاء بن زياد.

٢٦٥

فألقى عاصم بن زياد العباء ولبس الملاء(١) .

وقال الإمام الصادقعليه‌السلام في التعريف بالإمام: « يحقن الله به الدماء، ويصلح به ذات البين، ويلمَّ به الشَّعث ويشعب به الصَّدع، ويكسو به العاري ويشبع به الجائع ويؤمن به الخائف »(٢) .

وفي العهد الذي كتبه المأمون للرضاعليه‌السلام : ( وأنظر الاُمّة لنفسه وأنصحهم لله في دينه وعباده من خلايقه في أرضه من عمل بطاعة الله وكتابه وسنَّة نبيّهعليه‌السلام في مدَّة أيّامه وبعدها، وأجهد رأيه ونظره فيمن يولّيه عهده ويختاره لإمامة المسلمين ورعايتهم بعده وينصبه علماً لهم ومفزعاً في جمع ألفتهم ولم شعثهم وحقن دمائهم والأمن بإذن الله من فرقتهم وفساد ذات بينهم واختلافهم، ورفع نزع الشيطان وكيده عنهم )(٣) .

وإنّما استشهدنا بكلامه هذا لأنّ الظاهر أنّ هذه الكلمات كانت موضع القبول من الإمامعليه‌السلام وقد نقل الأربليّ كلاماً في هذا المقام فراجعه.

وصايا تكشف عن مسؤوليّة الحكام :

ولتتميم الفائدة وايقاف القارئ الكريم على مزيد من الصفات التي يليق أن يتحلّى بها الحاكم الإسلاميّ نلقي نظرةً سريعةً على ما كان يوصي به الإمام عليّعليه‌السلام الحكّام والولاة، وما أتينا به هنا إنّما هو قليل من كثير ممّا هو موزع في الكتب الحديثيّة والتاريخيّة.

وعن النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله : « أُذكر الله الوالي من بعدي على اُمّتي إلّا يرحم على جماعة المسلمين فأجلّ كبيرهم ورحم ضعيفهم ووقَّر عالمهم، ولم يضربهم، فيذلَّهم ولم يفقرهم فيكفِِّّرهم ولم يغلق بابه دونهم فيأكل قويّهم ضعيفهم ولم يخبزهم في بعوثهم فيقطع نسل

__________________

(١) الكافي ١: ٤١٠ ـ ٤١١، ونهج البلاغة: الخطبة (٢٠٤).

(٢) الكافي ١: ٣١٤.

(٣) كشف الغمّة ٣ لعليّ بن عيسى الأربليّ: ١٢٤، وبحار الأنوار: ١٢ في العهد الرضويّ.

٢٦٦

أُمَّتي »(١) .

وهذا الحكم وإن كان ورد في حقّ الوالي بعد النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله لكنّه موجّه لطبيعة الوالي، فهو يشمل جميع الولاة إلى يومنا هذا، لأنّه من باب تعليق الحكم على الوصف لا الشخص حتّى يختصّ بجماعة دون جماعة.

وفيما كتبه الإمام عليّعليه‌السلام لبعض موظّفيه: « آمره بتقوى الله في سرائر أمره وخفيَّات عمله حيث لا شاهد غيره ولا وكيل دونه وآمره أنّ لا يعمل بشيء من طاعة الله فيما ظهر فيخالف إلى غيره فيما أسرَّ ومن لم يختلف سرّه وعلانيته وفعله ومقالته فقد أدَّى الأمانة، وأخلص العبادة وأمره أن لا يجبههم ولا يعضههم ولا يرغب عنهم تفضّلاً بالإمارة عليهم فإنَّهم الإخوان في الدِّين والأعوان على استخراج الحقوق »(٢) .

وكتبعليه‌السلام إلى أحد ولاته قائلاً: « من عبد الله أمير المؤمنين إلى قثم بن العبّاس سلام عليك، أمّا بعد، فأقم على ما في يديك قيام الحازم الصَّليب، والنَّاصح اللَّبيب، والتابع لسلطانه، المطيع لإمامه، وإيّاك وما يعتذر منه ولاتكن عند النَّعماء بطراً ولا عند البأساء فشلاً »(٣) .

__________________

(١) الكافي ١: ٤٠٦.

(٢) نهج البلاغة: الرسائل ( الرقم ٢٦ ).

(٣) نهج البلاغة: الرسائل ( الرقم ٣٣ ).

٢٦٧
٢٦٨

الفصل الخامس

أركان الحكومة الإسلاميّة

إنّ للحكومة الإسلاميّة ـ كالحكومات الحيّة العالميّة الاُخرى ـ أركاناً ثلاثةً هي السلطات الثلاث التي تشكّل تركيبة الدولة الإسلاميّة ويلعب كلّ ركن من هذه الأركان دوراً خاصّاً ومهمّاً في الحكومة، ولو كانت الحكومات العالميّة تفتخر اليوم بأنّها قد توصّلت إلى اكتشاف هذه السلطات الثلاث، فإنّ الإسلام قد سبقها إلى إقرارها منذ اللحظات الاُولى من انعقاد السياسة والحكومة الإسلاميّة، وهذه حقيقة تؤكّدها مراجعة القرآن الكريم والأحاديث الشريفة.

وممّا لا شك فيه أنّ الحكومة الإسلاميّة لا يمكن أن تقوم، ولا يمكن أن تؤدّي وظائفها إلّا بواسطة أجهزة وتشكيلات وسلطات، وتقسيم المسؤوليّات الإدارية والأعمال الحكوميّة على أفراد ودوائر، كما كان يفعله النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله طيلة حياته السياسيّة والإداريّة ولكن بصورة بسيطة، وبأسماء وعناوين اُخرى غير الأسماء والعناوين المعروفة الآن.

والسلطات التي تعتمدها الحكومة الإسلاميّة هي عبارة عن :

١. السلطة التشريعيّة

٢. السلطة التنفيذيّة

٣. السلطة القضائيّة

وإليك تفصيل هذه السلطات الثلاث.

٢٦٩

١

السلطة التشريعيّة

ونقصد بهذه السلطة فريق الشورى الذين تنتخب الاُمّة أعضاءه تحت شروط ووفق مواصفات خاصّة(١) وتقع عليهم مهمة التصديق على لوائح الحكومة ومقترحات الوزراء، بعد تبادل الرأي فيها ودراستها، لتقديمها بعد ذلك إلى الحكومة للتنفيذ والتطبيق.

وهذه السلطة هي التي يصطلح عليها في السياسة الحديثة بالبرلمان، والمجلس النيابي، أو مجلس الشورى.

وبما سنذكره من مهمّة فريق الشورى هذا، يتبيّن بطلان ما قد يتوهّمه متوهّم من أنّ السلطة التشريعيّة ـ التي نذكرها هنا، ونعدّها من أركان الحكومة الإسلاميّة ـ هي الرائج والمتعارف في الحكومات العالميّة، من إعداد فرد أو جماعة يقومون بسنّ التشريعات والقوانين التي تحتاج إليها البلاد، فقد فصّلنا القول في الجزء الأوّل من كتابنا تحت عنوان:( التوحيد في التقنين والتشريع ) وذكرنا ؛ أنّ التشريع والتقنين محض حقّ لله سبحانه فلا شارع ولا مقنّن سواه، ولا يحقّ لأحد ـ كان من كان وبلغ ما بلغ من

__________________

(١) سوف يوافيك دليل انتخابهم من جانب الاُمّة.

٢٧٠

العلم والثقافة والمكانة الفكريّة والاجتماعيّة ـ أن يشرّع حكماً أو يحلّ حلالاً، أو يحرّم حراماً، فكل ذلك موكول إلى الله سبحانه، ومن شأنه خاصّةً، فتقتصر مهمّة السلطة التشريعيّة المتمثّلة في مجلس الشورى ( أو مجلس النواب حسب المصطلح الحديث ) في التخطيط للبلاد، عن طريق التشاور وتبادل وجهات النظر ومدارسة المقترحات والآراء ثمّ إبلاغ ما يتم التصديق عليه من البرامج إلى الحكومة ( التي تمثل السلطة التنفيذيّة ) لغرض التنفيذ، بشرط أنّ يكون كلّ ذلك ضمن إطار القوانين الإسلاميّة في جميع المجلات.

وبعبارة اُخرى: للحكم والقانون ثلاث مراحل :

١. مرحلة التشريع ؛ وهي لله خاصّةً بالأصالة.

٢. مرحلة التشخيص ؛ وهي للفقهاء والعدول.

٣. مرحلة التخطيط ؛ وهي للمجلس النيابيّ.

والأخير هو الذي يجتمع فيه جماعة من ذوي الاطلاع والاختصاص وممّن يحملون معلومات مختلفةً فيخطّطون لبرامج البلاد حسب الضوابط الإسلاميّة.

وهذا القسم يستفاد من الآيات والروايات الواردة حول الشورى، وستوافيك عند الكلام عن خصائص الحكومة الإسلاميّة.

يقول الإمام الخمينيّ :

( الحكومة الإسلاميّة هي حكومة القانون الإلهيّ ويكمن الفرق بينها وبين الحكومات الدستوريّة منها والجمهوريّة في أنّ ممثّلي الشعب أو ممثّلي الملك هم الذين يقنّنون ويشرّعون، في حين تنحصر سلطة التشريع بالله عزَّ وجلّ وليس لأحد أيّاً كان أن يشرّع وليس لأحد أن يحكم بما لم ينزّل الله به من سلطان، ولهذا السبب فقد استبدل الإسلام بالمجلس التشريعيّ مجلساً آخر للتخطيط يعمل على تنظيم سير الوزارات في أعمالها وفي تقديم خدماتها في جميع المجالات )(١) .

__________________

(١) الحكومة الإسلاميّة للإمام الخمينيّ: ٤١ ـ ٤٢.

٢٧١

إنّ أفضل تسمية لهذا المجلس هو( مجلس الشورى الإسلامي ) لاستناده إلى قاعدتي: القوانين الإسلاميّة، والشورى بين نواب الشعب، وبهذا يكون هذا المجلس وطنيّاً حقيقيّاً لأنّه ينبثق من إرادة الشعب بصورة حقيقيّة.

وأمّا الشواهد والأدلّة التي تدلّ على ضرورة وجود مثل هذه السلطة في الحياة الإسلاميّة، من الكتاب والحديث فهي أكثر من أن تحصى، فإنّ الآيات القرآنيّة والأحاديث تدلّ بصراحة لا تقبل نقاشاً على أنّه يجب على الاُمّة الإسلاميّة أن تعالج مشاكلها بالمشاورة وتبادل الرأي.

وستوافيك نصوص المشاورة.

انتخاب فريق الشورى :

لـمـّا كانت تقع على عاتق فريق الشورى مسؤوليّة التشاور في التدابير المهمّة والخطيرة، ورسم سياسة الدولة والمجتمع، لذلك ؛ فإنّ أصح الطرق وأفضلها إلى إيجاد هذا الفريق هو انتخابها من جانب الاُمّة، على أنّ عموميّة حقّ السيادة لجميع أفراد الاُمّة تقتضي أن يشترك جميع أبناء الاُمّة في مثل هذا الانتخاب، لتكون السلطة التشريعيّة منبثقةً عن إرادة الاُمّة بصورة حقيقيّة، وموافقةً لرضاها عامّة.

ولا شكّ أنّ الذين يتمتّعون بحقّ الانتخاب هذا لا بدّ أنّ يتّصفوا بالبلوغ في السنّ، والرشد في الفكر، لأنّ انتخاب الفرد الأصلح للمجلس الذي يتحمّل مسؤوليّة التصميم والقرار، يعتمد على وعي المنتخب ورشده وهو أمر لا يتوفّر إلّا في البالغين سنّاً وعقلاً.

وإنمّا يجب أن يكون فريق الشورى وأعضاء المجلس النيابيّ مختارين ومنتخبين من جانب الاُمّة، لأنّ قاعدة « سلطة الناس على أموالهم وأنفسهم » تقتضي أن لا يقيم أحد أو جماعة أنفسهم نوّاباً عن الناس دون أن يكون للناس دور في انتخابهم واختيارهم، وإن اعتادت اُمّتنا طوال القرون الأخيرة على هذا النمط من النيابة المزعومة ،

٢٧٢

وهؤلاء النواب غير المختارين من جانب الاُمّة.

على أنّ الأهمّ من مسألة الانتخاب هو ملاحظة المعايير والمواصفات الإسلاميّة التي يجب توفّرها في الانتخاب والناخب، فليس للناس في ظل النظام الإسلاميّ أن ينتخبوا نوابهم ومندوبيهم في فريق الشورى دون مراعاة هذه الشروط والمواصفات، وانتخابهم وفق الاعتبارات التافهة كالروابط العائليّة والعشائريّة، أو التحالفات السياسيّة أو المعايير القوميّة العنصريّة، أو تحت تأثير المؤثرات الدعائيّة والاعلاميّة، أو تأثير التطميع والترغيب المادي.

إنّ أهميّة فريق الشورى ( ومجلس النواب ) ومدى دوره في تعيين مصير البلاد، والشعب يقتضي أن ينتخب الناس نوّابهم ومندوبيهم إلى هذا المجلس وفق اُسس دقيقة جداً ذكرها الدين في نصوصه، وحتّم على الاُمّة مراعاتها وعدم التفريط بها، وأهمها أن يكون النائب صالحاً، منزّهاً، طاهراً، عارفاً بأوضاع البلاد، ومطلعاً على حاجات الاُمّة، غير جاهل بما يحيق باُمته من أخطار وأوضاع وغير مرجح مصلحة جماعة على اُخرى.

إنّ على الاُمّة أن تنتخب نوّابها الاُمناء الصادقين، العارفين بالمصالح العامّة الأوفياء لها، إذ لو لم يكن على هذا النمط لعرّضوا البلاد لأخطار السياسة الماكرة ولخانوا مصالح الاُمّة، وكانوا سبباً لفسادها وفساد شؤونها.

فإذا كان استيجار شخص لعمل محدود بسيط يقتضي انتخاب القويّ الأمين كما يقول القرآن الكريم:( إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الأَمِينُ ) ( القصص: ٢٦ ).

فمن الأولى ؛ أن يكون المنتخب لمجلس الشورى الذي يتصدّى لأعظم مسؤوليّة في البلاد قويّاً في نفسيّته، أميناً على الأمانة المعطاة له.

ومن هنا يتحتم على النائب المنتخب المختار من جانب الاُمّة أن لا يخشى أحداً أبداً، فلا يتلكّأ في الإدلاء برأيه بكلّ قوّة وأمانة، كما على النائب أيضاً أن يتخذ جانب الحذر في جميع مدّة مسؤوليته النيابيّة، حتّى لا يقع في شراك اللعب السياسيّة، ويصير أداةً طيّعةً بأيدي الآخرين، وعليه أن يرجح المصالح العامّة على المصلحة الشخصيّة.

٢٧٣

وبهذا يكون توفرّ صفتي القوّة والأمانة سبباً لأن يجعل من النائب عنصراً فعّالاً وخدوماً لشعبه واُمّته.

وهناك ـ إلى جانب هذه المواصفات ـ اُمور ينبغي توفّرها في النائب وعضو فريق الشورى ذكرها الإمام عليّعليه‌السلام في عهده التاريخيّ إلى مالك الأشتر ـ عندما ذكر له صفات مستشاريه ـ إذ قال: « ولا تدخلنَّ في مشورتك بخيلاً يعدل بك عن الفضل ويعدك الفقر. ولا جباناً يضعفك عن الاُمور، ولا حريصاً يزيّن لك الشره بالجَّور »(١) .

وهذا أمر ينطبق على المورد الذي نحن بصدده بطريق أولى.

وقال الإمام جعفر الصادقعليه‌السلام : « فلا تستشر العبد والسفلة في أمرك »(٢) .

وعن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : « ما يمنع أحدكم إذا ورد عليه ما لا قبل له به أن يستشير رجلاً عاقلاً له دين وورع »(٣) .

وقال الإمام جعفر الصادقعليه‌السلام : « إنّ المشورة لا تكون إلّا بحدودها فمن عرفها بحدودها. وإلاّ كانت مضرتها على المستشير أكثر من منفعتها، فأوّلها أن يكون الذي يشاوره عاقلاً، والثانية أن يكون حرّاً متديّناً، والثالثة أن يكون صديقاً مواخياً، والرابعة أن تطلعه على سرّك فيكون علمه به كعلمك بنفسك ثمَّ يستر ذلك ويكتمه فإنّه إذا كان عاقلاً انتفعت بمشورته وإذا كان حرّاً متديّناً جهد نفسه في النصيحة لك وإذا كان صديقاً مواخياً كتم سرَّك إذا أطلعته على سرّك فكان علمه به كعلمك ؛ تمت المشورة وكملت النصيحة »(٤) .

وقالعليه‌السلام أيضاً: « من استشار أخاه فلم يمحضه محض الرأي سلبه الله عزّ وجلّ رأيه »(٥) .

ثمّ لـمّا كان يجب أنّ تنطبق مصوّبات فريق الشورى مع القوانين والمعايير

__________________

(١) نهج البلاغة: قسم الرسائل ( الرقم ٥٣ ).

(٢ و ٣) راجع سفينة البحار ١: ٧١٨ للبحّاثة القمّيرحمه‌الله .

(٤ و ٥) راجع سفينة البحار ١: ٧١٨

٢٧٤

الإسلاميّة ؛ لذلك يتحتّم أن يكون أعضاء هذا الفريق عارفين بالفقه الإسلاميّ معرفةً كاملةً وإذا لم يكونوا من ذوي الاختصاص والمعرفة الكاملة بالفقه الإسلاميّ، بل اقتصرت معلوماتهم على البرامج الاقتصاديّة والشؤون السياسيّة ـ مثلاً ـ وجب حينئذ أن يكون إلى جانب مجلس الشورى هذا، جماعة من الفقهاء ليقيّموا مصوّبات مجلس الشورى ويوازنوا بينها وبين معايير الشريعة الإسلاميّة وضوابطها ويجب أن يتخذ لذلك قرار خاصّ في الدستور بحيث لا تتصف مصوّبات المجلس النيابيّ بالصفة القانونيّة إلّا بعد إمضائها من تلك الجماعة من الفقهاء. وهذه الجماعة هي التي نصطلح عليها بمجلس المحافظة على الدستور كما نصّ عليه في الدستور الأساسيّ لجمهورية إيران الإسلاميّة في الأصل الواحد والتسعين.

إنّ السلطة التشريعيّة التي تُعدّ ركناً أساسياً من أركان الحكومة الإسلاميّة إنّما هي بالمعنى الذي قد مرّ عليك، فليست لها وظيفة سوى التخطيط غير أنّ الدولة الإسلاميّة حكومةً وشعباً لا تستغني عن وجود ( جهة ) تتبنّى استخراج الأحكام الشرعيّة في جميع الأجيال والقرون عن مصادرها الشرعيّة، وهذا ما يقال له مقام الافتاء وبما أنّ لهذه الجهة والمقام دور كبير وحسّاس في الدولة الإسلاميّة ؛ نشرح لك حقيقته وما يترتّب عليه من مسؤوليّات ووظائف.

* * *

المفتي أو فريق الإفتاء :

لا ريب أنّ جميع الأحكام التي يحتاج إليها المجتمع البشريّ قد بيّنها الله سبحانه بواسطة الكتاب والسنّة ولذلك فإنّ وظيفة فريق الإفتاء لا تكون سنّ القوانين والتشريعات، بل استنباط الأحكام للموضوعات المتجدّدة من المصادر الإسلاميّة المذكورة مضافاً إلى: العقل واجماع الفقهاء السابقين.

فليس لفريق الإفتاء إلّا استخراج الأحكام لما يتجدّد ويحدث للمجتمعات الإسلاميّة من الوقائع، وعرض ما استنبطوه في صورة القوانين الإسلاميّة الواضحة

٢٧٥

المحدّدة على المجتمع الإسلاميّ، وعلى فريق الشورى تنظيم مصوّباتهم وفق هذه الأحكام والمعايير المبيّنة المحدّدة.

وباختصار تتحدّد وظيفة فريق الإفتاء في أمرين :

أ / بيان الوظائف الفرديّة ليتسنّى لكلّ مسلم تطبيق حياته عليها سواء أكان هناك حكومة إسلاميّة قائمة، أم لا، وتكون هذه الوظائف غالباً في مجالات العبادة والأخلاق وقسم من نظم التعامل الفرديّ والعلاقات الخاصّة، والأحوال الشخصيّة كالنكاح والطلاق والميراث وغيرهما.

ب / بيان الضوابط والمناهج السياسيّة والاقتصاديّة والاجتماعيّة العامّة الإسلاميّة التي تكون نماذج حيّةً يخطّط ( فريق الشورى ) شؤون البلاد في السياسة والاقتصاد والاجتماع وفقها وعلى ضوئها.

وتدلّ على ضرورة وجود هذا الفريق ( أي فريق الإفتاء ) في الحياة الإسلاميّة آيات كثيرة وأحاديث متضافرة نذكر بعضها في ما يأتي :

فريق الإفتاء والنصوص :

وأمّا ما يدلّ على ذلك من القرآن الكريم فقوله تعالى:( فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لا تَعْلَمُونَ ) ( النحل: ٤٣ )(١) .

وقوله تعالى:( فَلَوْلا نَفَرَ مِن كُلِّ فِرْقَةٍ مِّنْهُمْ طَائِفَةٌ لِّيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ ) ( التوبة: ١٢٢ ).

وقد جاء في تفسير هذه الآية عن الإمام جعفر الصادقعليه‌السلام قوله: « أمرهُم

__________________

(١) إنّ المراد بأهل الذكر، وإن كان علماء أهل الكتاب ( اليهود والنصارى ) كما يشهد بذلك سياق الآية وشأن نزولها، ولكنّ المورد لا يكون مخصّصاً للحكم الكلّي أبداً كما هو واضح، فالرجوع إلى أهل العلم وذوي الاختصاص لاكتشاف المجهولات أمر فطريّ مركوز في العقول، ومعترف به لدى العرف. فهو قانون عامّ لا يقتصر على موضوع دون موضوع، ولا جيل دون جيل.

٢٧٦

( الله ) أن ينفروا إلى رسول الله فيتعلّموا ثُمّ يرجعوا إلى قومهم فيُعلِّموهُم »(١) .

وأمّا الأحاديث الدالة على ضرورة وجود هذا الفريق ووجوب الرجوع إليه والأخذ بآرائه، فقد تضافرت الأحاديث عن أئمّة أهل البيت على لزوم الرجوع إلى الفقهاء في الفروع والأحكام والحوادث الواقعة، وقد جمعها الشيخ الحرّ العامليّ في كتاب الوسائل فراجع كتاب القضاء الأبواب المختلفة منه.

* * *

نقطتان لا بدّ من ذكرهما :

إنّ طرح موضوع فريق الإفتاء يتطلب منّا توضيح نقطتين هامّتين في المقام :

النقطة الاُولى: ـ إنّ الإسلام لا يتلخّص في مجموعة من الأوراد والأذكار أو القوانين الجامدة البعيدة عن واقع الحياة المتطوّر، وحاجة المجتمع المتجدّدة، بل ينطوي الدين الإسلاميّ على برنامج كامل للحياة الإنسانيّة، ولكلّ العصور والأمكنة ولكلّ أصناف المجتمع ومستوياته.

وهذا يستلزم أن يكون فريق الإفتاء في مواجهة دائمة مع الوقائع المستجدّة والمسائل المستحدثة التي تتطلّب الإجابة والحكم المناسب لها وفق الشريعة المقدّسة. ولا شكّ أنّ إعطاء هذا الجواب والحكم يتطلّب الوقوف والمعرفة بالموضوعات المستحدثة، ولهذا يتحتم على فريق الإفتاء أن يكون على اتّصال دائم بذوي الاختصاص في المجالات السياسيّة والاقتصاديّة والاجتماعيّة، للوقوف على أحدث التطوّرات في هذه الأصعدة، إذ ربما أحتاج الفقهاء إلى من يشرح لهم حقيقة الواقعة المستجدّة، أو يبيّن ما حدث لموضوع معيّن من التطوّرات وحصل حوله من معلومات يمكن أن يوجب تغييراً في حكمها، ويدخله تحت عنوان يختلف عن الموضوع الأوّل في الأحكام والتبعات فلطالما شاهدنا نماذج من هذا التبدّل في الموضوع والحكم، فربَّ موضوع كان يوضع في صنف المحرّمات، ولكنّ مرور الزمن استوجب ظهور حقيقته، وتبدّل عنوانه فصار من

__________________

(١) وسائل الشيعة ج ١٨ كتاب القضاء: ص ١٠.

٢٧٧

المباحات.

إنّ اتساع وسائل الإعلام وتطور المواصلات الذي استوجب تقارب المجتمعات البشريّة وارتباطها، أفرزت اليوم مسائل مستجدّة ومشكلات وقضايا لا يمكن حلّها فقهيّاً إلّا بعد الاتصال بذوي الاختصاص في العلوم الحديثة المختلفة. إذ في هذا الاتّصال ما يوضّح حقيقة هذه المستجدات وحدودها وقيودها، وهي اُمور دخيلة في نوع الحكم المراد استنباطه لها، وفي صحة الاستنباط.

فإذا كان الفقيه أو الفقهاء يريدون استنباط حكم شرعيّ لما حدث اليوم من مسائل التأمين على الحياة أو المال أو الضمان الاجتماعيّ وقضايا الشركات السهاميّة التي تقام في الحياة المعاصرة وتحظى بصفة قانونيّة، ورسميّة ـ مثلاً ـ توجّب عليهم أن يعرفوا حقيقة هذه المسائل وابعادها وحدودها وتفاصيلها لكي لا تأتي استنباطاتهم الفقهيّة لها بعيدةً عن روح الشريعة الإسلاميّة ومتنافيةً مع جوهر تعاليمها السمحة الخالدة.

* * *

النقطة الثانية: ـ إنّ إعطاء مسؤوليّة الإفتاء لفريق، لا يعني أنّ مقام الإفتاء يجب أن يكون حتماً من حقّ جماعة، يجتمعون ويتدارسون فيما بينهم جوانب المسألة المستجدّة، ويستنبطون الحكم الشرعيّ المناسب لها بحيث لا يحقّ لفرد واحد أن يتحمّل هذه المسؤوليّة بمفرده ويتصدّر مقام الإفتاء لوحده، بل إنّ إعطاء هذا المقام لجماعة دون فرد واحد هو أفضل صيغة لهذا القسم الخطير والحسّاس في تركيبة الحكومة الإسلاميّة. وهو أمر تدل عليه آيات الشورى وأحاديثها التي مرّت عليك التفصيل. فبالمشورة وتبادل الآراء لدى استنباط الأحكام الشرعيّة الفقهيّة يمكن أن نضمن حلاًّ أفضل وأسرع للمشكلات الطارئة، كما يمكن التخلّص من أكثر الاحتياطات المقيّدة لحريّات الناس والموجبة لعسرهم وحرجهم، فإنّ قيمة العمل الجماعي القائم على الشورى والتشاور تختلف اختلافاً كبيراً عن العمل الفرديّ إلى درجة نجد أنّ اللجان الاستشاريّة تحتلّ ـ في عالمنا المعاصر ـ مكان المشورة الفرديّة، وتحتلّ هيئة القضاة محلّ القاضي المنفرد

٢٧٨

وبالتالي فإنّ النتيجة التي يمكن الحصول عليها من النشاط الجماعيّ تفوق ما يكون فردياً لا يشارك في صنعه الآخرون، لما في احتكاك الآراء وتبادل الأفكار وتلاحقها واجتماعها من فوائد، على غرار ما لاجتماع القوى الماديّة وانضمامها إلى بعض وتمركزها في نقطة واحدة من الفوائد والآثار، ولكنّ ايكال الأمر إلى فريق ـ مع ذلك ـ مجرّد اقتراح مطروح للدرس والمناقشة، ولذلك قلنا في عنوان هذا البحث: المفتي أو فريق الإفتاء.

نعم، إنّ الطريق الأفضل هو تقديم الأعلم والأخذ بفتواه، وإيكال مهمّة الإفتاء إليه ريثما يتسنّى تشكيل فريق الإفتاء.

هذا ويمكن أن يتردّد البعض اتّجاه صحّة هذه الصيغة ونعني إيكال الإفتاء إلى فريق من المفتين بدل المفتي الواحد ـ رغم أنّ هذا الشكل هو أفضل نمط لهذه السلطة ـ بحجة أنّه لم يسبق له مثيل في ما مضى من الزمن.

ونجيب بأنّ أحاديث الشورى المنقولة سابقاً وفي الفصول القادمة خير دليل على صحّة وأفضليّة هذا النمط، مضافاً إلى أنّه نقل عن سنن أبي داود أنّه قال الراوي: قلت: يا رسول الله ينزل بنا أمر، ولم ينزل فيه قرآن، ولم تمض سنّتك ؟ فقالصلى‌الله‌عليه‌وآله : « اجمعُوا العالمين من المؤمنين فاجعلوهُ شورى، ولا تقضوا فيه برأي أحد ( أي واحد ) »(١) .

إنّ العمل الاجتهاديّ الجماعيّ أقلّ خطأً، وأقرب إلى إصابة الواقع، وأكثر قدرةً على تجاوز المشكلات وهو ما يسعى إلى تحقيقه مبدأ الشورى الذي ابتكره الإسلام وحضّ عليه أشدّ الحضّ، وأكدّ عليه أشدّ التأكيد.

وهو مع ذلك مجرّد اقتراح مطروح للمناقشة والدرس بموضوعيّة وتجرّد لا أكثر.

ثمّ إنّه لا بدّ ـ في تشكيل فريق الإفتاء ـ من ملاحظة الظروف والجوانب السياسيّة والاجتماعيّة، فلا بدّ من المشورة إذن في أصل: تشكيل مثل هذا الفريق، فقد لا تقتضي بعض الظروف إيكال مهمّة الإفتاء إلى جماعة، بل لا بدّ من وجود قائد واحد وإرجاع الأمر إليه وحده لما في إطاعته وحده من قوّة لشوكة المسلمين التي قد لا تتوفر في إرجاع

__________________

(١) السيوطي في الدر المنثور٧: ٣٥٧.

٢٧٩

الأمر إلى جماعة بل ربّما يكون إيكال مقام الإفتاء إلى مفت واحد وقائد فقيه منفرد أدعى لعزّة المسلمين، وارتفاع شأن الدين لما له من شخصيّة نافذة وقوّة ذاتيّة معروفة فيما يكون العكس في فريق الإفتاء حيث تضمحلّ فيه الشخصيّات، ويفقد الأشخاص أهميّتهم الذاتيّة في ظلّ ذلك المجلس وهو من شأنه ضعف قدرة القيادة الإسلاميّة، ووهن الزعامة الدينيّة.

وقد يكون من نافلة القول إذا قلنا إنّ الاشتراك في هذا الفريق يتطلّب الاتّصاف بمواصفات خاصّة تؤهّل الفرد للانخراط فيه، فلا يدخل في هذا الفريق إلّا المجتهدون، الواعون المعروفون بالفهم والعلم، والورع والشجاعة، والإحاطة بمشكلات العصر وحاجات الاُمّة وغير ذلك من الصفات والأخلاق اللازمة.

٢٨٠

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

461

462

463

464

465

466

467

468

469

470

471

472

473

474

475

476

477

478

479

480

481

482

483

484

485

486

487

488

489

490

491

492

493

494

495

496

497

498

499

500

501

502

503

504

505

506

507

508

509

510

511

512

513

514

515

516

517

518

519

520

521

522

523

524

525

526

527

528

529

530

531

532

533

534

535

536

537

538

539

540

541

542

543

544

545

546

547

548

549

550

551

552

553

554

555

556

557

558

559

560

561

562

563

564

565

566

567

568

569

570

571

572

573

574

575

576

577

578

579

580

581

582

583

584

585

586

587

588

589

590

591

592

593

594

595

596

597

598

599

600

601

602

603

604

605

606

607

608

609

610

611

612

613

614

615

616

617

618

619

620

621

622

623

624

625

626

627