مفاهيم القرآن الجزء ٢

مفاهيم القرآن9%

مفاهيم القرآن مؤلف:
الناشر: مؤسّسة الإمام الصادق (عليه السلام)
تصنيف: مفاهيم القرآن
الصفحات: 627

الجزء ١ الجزء ٢ الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥ الجزء ٦ الجزء ٧ الجزء ٨ الجزء ٩ الجزء ١٠
  • البداية
  • السابق
  • 627 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 228663 / تحميل: 6457
الحجم الحجم الحجم
مفاهيم القرآن

مفاهيم القرآن الجزء ٢

مؤلف:
الناشر: مؤسّسة الإمام الصادق (عليه السلام)
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

وفيما يأتي تراجم بعض أصحاب الإمام الهاديعليه‌السلام ، وقد رتّبناها حسب تسلسل حروف الهجاء :

١ ـ إبراهيم بن عبده النيسابوري :

عدّه الشيخ من أصحاب الإمام الهاديعليه‌السلام ومن أصحاب الإمام الحسن العسكريعليه‌السلام ، وذكر الكشي أنّ الإمام الحسن العسكريعليه‌السلام بعث رسالة إلى إسحاق بن إسماعيل ، سلّم فيها على إبراهيم بن عبده ، ونصّبه وكيلاً على قبض الحقوق الشرعية وقد بعثه إلى عبد الله بن حمدويه البيهقي ، وزوّده برسالة جاء فيها :( وبعد ، فقد بعثت لكم إبراهيم بن عبده ، ليدفع النواحي ، وأهل ناحيتك ، حقوقي الواجبة عليكم إليه ، وجعلته ثقتي وأميني عند مواليي هناك فليتقوا الله ، وليراقبوا وليؤدّوا الحقوق ، فليس لهم عذر في ترك ذلك ولا تأخيره ، ولا أشقاهم الله بعصيان أوليائه ورحمهم الله ـ وإيّاك معهم ـ برحمتي لهم إنّ الله واسع كريم ) (١) .

٢ ـ إبراهيم بن محمد الهمداني :

عدّه الشيخ من أصحاب الإمام الرضاعليه‌السلام ومن أصحاب الإمام الجواد والهاديعليهما‌السلام ، وقال الكشي : كان وكيله وقد حجّ أربعين حجّة وكتب الإمام له :( قد وصل الحساب تقبّل الله منك ورضي عنهم ، وجعلهم معنا في الدنيا والآخرة ، وقد بعثت إليك من الدنانير بكذا ، ومن الكسوة بكذا ، فبارك لك فيه ، وفي جميع نعمة الله عليك ، وقد كتبت إلى النضر أمرته أن ينتهي عنك ، وعن التعرّض لك وبخلافك ، وأعلمته موضعك عندي ، وكتبت إلى أيوب : أمرته بذلك أيضاً ، وكتبت إلى مواليي بهمدان كتاباً أمرتهم بطاعتك والمصير إلى أمرك ، وأن لا وكيل لي سواك ) (٢) .

ودلّت هذه الرواية على وثاقته وجلالة أمره ، وسموّ مكانته عند الإمامعليه‌السلام .

ــــــــــــــ

(١) معجم رجال الحديث : ١/٢٣٢ .

(٢) اختيار معرفة الرجال : ٢/٨٦٩ .

١٨١

٣ ـ إبراهيم بن مهزيار :

عدّه الشيخ من أصحاب الإمام الجواد ، ومن أصحاب الإمام الهاديعليهما‌السلام قال النجاشي : له كتاب البشارات وروى الكشي بسنده عن محمد بن إبراهيم بن مهزيار ، قال : إنّ أبي لمّا حضرته الوفاة دفع إليّ مالاً ، وأعطاني علامة ولم يعلم بها أحد إلاّ الله عزّ وجل ، وقال : مَن أتاك بهذه العلامة فادفع إليه المال ، قال : فخرجت إلى بغداد ، ونزلت في خان فلمّا كان في اليوم الثاني جاء شيخ فطرق الباب فقلت للغلام انظر من في الباب ، فخرج ، ثم جاء وقال : شيخ في الباب فأذنت له في الدخول ، فقال : أنا العمري ، هات المال الذي عندك ، وهو كذا وكذا ومعه العلامة ، قال : فدفعت له المال(١) .

ودلّت هذه الرواية على أنّ إبراهيم كان وكيلاً للإمامعليه‌السلام في قبض الحقوق الشرعية ، ومن الطبيعي أنّه إنّما يؤتمن عليها فيما إذا كان ثقة وعدلاً .

٤ ـ احمد بن إسحاق بن عبد الله الأشعري القمّي :

كان وافد القمّيين ، روى عن أبي جعفر الثاني وأبي الحسنعليهما‌السلام وكان من خاصّة أبي محمدعليه‌السلام ، وله من الكتب :

١ ـ مسائل الرجال للإمام الهاديعليه‌السلام .

٢ ـ علل الصلاة .

٣ ـ علل الصوم .

وهو ممّن رأى الإمام المهدي ـ عجّل الله فرجه ـ ووردت أخبار كثيرة في مدحه والثناء عليه(٢) .

ــــــــــــــ

(١) خلاصة الأقوال : ٥١ .

(٢) رجال النجاشي : ٩١ ، وخلاصة الأقوال : ٦٣ .

١٨٢

٥ ـ أحمد بن محمد بن عيسى الأشعري القمّي :

عدّه الشيخ من أصحاب الإمام الرضا والجواد والهادي عليهم‌السلام ، يكنّى أبا جعفر وهو شيخ القمّيين ووجيههم ، وكان الرئيس الذي يلقى السلطان ، صنّف كتباً منها : كتاب ( التوحيد ) وكتاب ( فضل النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ) وكتاب ( المتعة ) وكتاب ( النوادر ) وكتاب ( الناسخ والمنسوخ ) وكتاب ( فضائل العرب ) وغيرها (١) .

٦ ـ أيّوب بن نوح بن درّاج :

الثقة الأمين ، قال النجاشي : إنّه كان وكيلاً لأبي الحسن ، وأبي محمد عليهما‌السلام عظيم المنزلة عندهما ، مأموناً ، وكان شديد الورع ، كثير العبادة ، ثقة في رواياته ، وأبوه نوح بن دراج كان قاضياً بالكوفة ، وكان صحيح الاعتقاد ، وأخوه جميل بن دراج (٢) ، قال الشيخ : أيوب بن نوح بن دراج ثقة له كتاب وروايات ومسائل عن أبي الحسن الثالث (٣) وقال الكشي : كان من الصالحين ومات وما خلف إلاّ مائة وخمسين ديناراً ، روى عن الإمام أبي الحسن عليه‌السلام وروى عنه جماعة من الرواة (٤) .

٧ ـ الحسن بن راشد :

يُكنّى أبا علي مولى لآل المهلّب البغدادي ، ثقة .

ــــــــــــــ

(١) معجم رجال الحديث : ٣/٨٦ .

(٢) رجال النجاشي : ١٠٢ .

(٣) الفهرست : ٥٦ .

(٤) رجال النجاشي : ١٠٢ .

١٨٣

عدّه الشيخ من أصحاب الإمام الهاديعليه‌السلام ، وعدّه الشيخ المفيد من الفقهاء الأعلام والرؤساء المأخوذ عنهم الحلال والحرام ، الذين لا يطعن عليهم بشيء ولا طريق لذمّ واحد منهم ، وقد نصّبه الإمام وكيلاً وبعث إليه بعدة رسائل منها(١) :

١ ـ ما رواه الكشي بسنده إلى محمد بن عيسى اليقطيني ، قال : كتب ـ يعني الإمام الهادي ـ إلى أبي علي بن بلال في سنة (٢٣٢ هـ) رسالة جاء فيها :( وأحمد الله إليك ، وأشكر طوله وعوده ، وأُصلّي على محمد النبي وآله ، صلوات الله ورحمته عليهم ، ثم إنّي أقمت أبا علي مقام الحسين بن عبد ربّه ، وائتمنته على ذلك بالمعرفة بما عنده الذي لا يقدمه أحد ، وقد أعلم أنّك شيخ ناحيتك فأحببت إفرادك وإكرامك بالكتاب بذلك ، فعليك بالطاعة له ، والتسليم إليه جميع الحق قبلك ، وأن تحضّ مواليّ على ذلك ، وتعرّفهم من ذلك ما يصير سبباً إلى عونه وكفايته ، فذلك موفور ، وتوفير علينا ، ومحبوب لدينا ، ولك به جزاء من الله وأجر ، فإنّ الله يعطي مَن يشاء ذو الإعطاء والجزاء برحمته ، وأنت في وديعة الله ، وكتبت بخطّي وأحمد الله كثيراً ) (٢) .

ودلّت هذه الرسالة على فضل ابن راشد ووثاقته وأمانته ، فقد أرجع إليه الشيعة وأوصاهم بطاعته والانقياد إليه ، وتسليم ما عندهم من الحقوق الشرعيّة إليه .

٢ ـ روى الكشي بسنده إلى أحمد بن محمد بن عيسى قال : نسخت الكتاب مع ابن راشد إلى جماعة الموالي الذين هم ببغداد المقيمين بها والمدائن والسواد وما يليها ، وهذا نصّه :

ــــــــــــــ

(١) رجال الطوسي : ٣٧٥ .

(٢) معجم رجال الحديث : ٥/٣١٣ ـ ٣١٤ .

١٨٤

 ( وأحمد الله إليكم ما أنا عليه من عافيته ، وأُصلّي على نبيّه وآله أفضل صلاته وأكمل رحمته ورأفته ، وإنّي أقمت ابا علي بن راشد مقام علي بن الحسين بن عبد ربه ، ومَن كان من قبله من وكلائي ، وصار في منزلته عندي ، وولّيته ما كان يتولاّه غيره من وكلائي قبلكم ليقبض حقّي ، وارتضيته لكم ، وقدّمته على غيره في ذلك ، وهو أهله وموضعه ، فصيروا رحمكم الله إلى الدفع إليه ذلك وإليّ ، وأن لا تجعلوا له على أنفسكم علّة ، فعليكم بالخروج عن ذلك ، والتسرّع إلى طاعة الله ، وتحليل أموالكم ، والحقن لدمائكم ، وتعاونوا على البرّ والتقوى واتقوا الله لعلّكم ترحمون ، واعتصموا بحبل الله جميعاً ، ولا تموتن إلاّ وأنتم مسلمون ، فقد أوجبت في طاعته طاعتي ، والخروج إلى عصيانه عصياني ، فالزموا الطريق يأجركم الله ، ويزيدكم من فضله ، فإنّ الله بما عنده واسع كريم ، متطوّل على عباده رحيم ، نحن وأنتم في وديعة الله وحفظه ، وكتبته بخطّي ، والحمد لله كثيراً ) (١)

وكشفت هذه الرسالة عن سموّ مكانة ابن راشد عند الإمامعليه‌السلام وعظيم منزلته عنده حتى قرن طاعته بطاعتهعليه‌السلام ، وعصيانه بعصيانهعليه‌السلام .

٣ ـ وبعث الإمام أبو الحسنعليه‌السلام رسالة له وإلى أيوب بن نوح جاء فيها بعد البسملة :( أنا آمرك يا أيوب بن نوح أن تقطع الإكثار بينك وبين أبي علي ، وأن يلزم كل واحد منكما ما وكّل به ، وأُمر بالقيام فيه بأمر ناحيته ، فإنّكم إذا انتهيتم إلى كل ما أُمرتم به استغنيتم بذلك عن معاودتي ، وآمرك يا أبا علي بمثل ما أمرت به أيوب ، أن لا تقبل من أحد من أهل بغداد والمدائن شيئاً يحملونه ، ولا يلي لهم استيذاناً علي ، ومر مَن أتاك بشيء من غير أهل ناحيتك أن يصيّره إلى الموكّل بناحيته ، وآمرك يا أبا علي في ذلك بمثل ما أمرت به أيوب ، وليعمل كل واحد منكما بمثل ما أمرته به ) (٢) .

ــــــــــــــ

(١) معجم رجال الحديث : ٥/٣١٤ .

(٢) معجم رجال الحديث : ٥/٣١٥ .

١٨٥

لقد كانت لأبي راشد مكانة مرموقة عند الإمامعليه‌السلام ، ومن الطبيعي أنّه لم يحتل هذه المنزلة إلاّ بتقواه وورعه ، وشدّة تحرّجه في الدين ، ولمّا توفّي ابن راشد ترحّم عليه الإمامعليه‌السلام ودعا له بالمغفرة والرضوان .

٨ ـ الحسن بن علي :

ابن عمر بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب الناصر للحق من أصحاب الإمام أبي الحسن الهاديعليه‌السلام ، وهو والد جدّ السيد المرتضى من جهة أُمّه ، قال السيدقدس‌سره في أول كتابه ( شرح المسائل الناصريات ) : وأمّا أبو محمد الناصر الكبير وهو الحسن بن علي ففضله في علمه وزهده وفقهه أظهر من الشمس الباهرة ، وهو الذي نشر الإسلام في الديلم حتى اهتدوا به من الضلالة ، وعدلوا بدعائه بعد الجهالة ، وسيرته الجميلة أكثر من أن تُحصى وأظهر من أن تخفى(١) .

٩ ـ الحسن بن علي الوشا :

عدّه الشيخ من أصحاب الإمام أبي الحسن الهاديعليه‌السلام .

قال النجاشي : إنّه ابن بنت الياس الصيرفي الخزّاز ، وقد روى الحسن عن جدّه الياس أنّه لمّا حضرته الوفاة ، قال : اشهدوا عليّ وليست ساعة الكذب هذه الساعة : سمعت أبا عبد اللهعليه‌السلام يقول :والله لا يموت عبد يحب الله ورسوله ويتولّى الأئمة فتمسّه النار .

ــــــــــــــ

(١) الناصريات : ٦٣ .

١٨٦

وروى أحمد بن محمد بن عيسى قال : خرجت إلى الكوفة في طلب الحديث فلقيت بها الحسن بن علي الوشا ، فسألته أن يخرج لي كتاب العلاء بن رزين القلا ، وأبان بن عثمان الأحمر ، فأخرجهما لي فقلت له : أحب أن تجيزهما لي فقال لي : يا هذا رحمك الله ، وما عجلتك ، اذهب فاكتبهما ، واسمع من بعد ، فقلت : لا آمن الحدثان ، فقال : لو علمت أنّ هذا الحديث يكون له هذا الطلب لاستكثرت منه ، فإنّي أدركت في هذا المسجد ـ يعني مسجد الكوفة ـ تسعمائة شيخ كلٌّ يقول : حدثني جعفر بن محمد ، وكان هذا الشيخ عيناً من عيون هذه الطائفة وله كتب منها : ثواب الحج ، والمناسك والنوادر(١) .

١٠ ـ داود بن القاسم الجعفري :

يُكنّى أبا هاشم ، من أهل بغداد ، جليل القدر عظيم المنزلة عند الأئمةعليهم‌السلام شاهد الإمام الرضا والجواد والهادي والعسكري وصاحب الأمرعليه‌السلام ، وروى عنهم كلّهم ، وله أخبار ومسائل وله شعر جيّد فيهم ، وكان مقدّماً عند السلطان وله كتاب .

عدّه البرقي من أصحاب الإمام الجواد والإمام الهادي والإمام الحسن العسكريعليهم‌السلام قال الكشي : قال أبو عمرو : له ـ أي لداود ـ منزلة عالية عند أبي جعفر ، وأبي الحسن ، وأبي محمدعليهم‌السلام وموقع جليل(٢) .

ــــــــــــــ

(١) معجم رجال الحديث : ٦/٣٨ .

(٢) اختيار معرفة الرجال : ٢/٨٤١ .

١٨٧

١١ ـ الريّان بن الصلت :

عدّه الشيخ من أصحاب الإمام الرضاعليه‌السلام ، ومن أصحاب الإمام الهاديعليه‌السلام وأضاف أنّه ثقة ، وروى الكشي بسنده عن معمر بن خلاد ، قال : قال لي الريان بن الصلت : وكان الفضل بن سهل بعثه إلى بعض كور خراسان ، فقال : أحبّ أن تستأذن لي على أبي الحسنعليه‌السلام فأسلم عليه وأودّعه وأحب أن يكسوني من ثيابه ، وأن يهب لي من الدراهم التي ضربت باسمه ، قال : فدخلت عليه ، فقال لي مبتدئاً : يا معمر أين ريان ، أيحب أن يدخل علينا فأكسوه من ثيابي ، وأعطيه من دراهمي ؟ قال : قلت : سبحان الله !!! والله ما سألني إلاّ أن أسألك ذلك له ، فقال : يا معمر إنّ المؤمن موفّق ، قل له فليجيئ ، قال : فأمرته فدخل عليه فسلّم عليه فدعا بثوب من ثيابه ، فلمّا خرج قلت : أي شيء أعطاك ؟ وإذا بيده ثلاثون درهماً(١) وقد دلّت هذه البادرة على حسن إيمانه وحسن عقيدته .

١٢ ـ عبد العظيم الحسني :

هو السيد الشريف الحسيب النسيب من مفاخر الأسرة النبوية علماً وتقى وتحرّجاً في الدين ونلمح إلى بعض شؤونه :

أ ـ نسبه الوضّاح : يرجع نسبه الشريف إلى الإمام الزكي أبي محمد الحسن بن علي سيد شباب أهل الجنّة وريحانة رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فهو ابن عبد الله بن علي بن الحسن بن زيد بن الحسن بن علي بن أبي طالبعليه‌السلام .

ب ـ وثاقته وعلمه : كان ثقة عدلاً ، متحرّجاً في دينه كأشدّ ما يكون التحرج ، كما كان عالماً وفاضلاً وفقيهاً فقد روى أبو تراب الروياني ، قال : سمعت أبا حماد الرازي ، يقول : دخلت على علي بن محمدعليه‌السلام بـ ( سُرّ مَن رأى )

ــــــــــــــ

(١) اختيار معرفة الرجال : ٢/٨٢٤ .

١٨٨

فسألته عن أشياء من الحلال والحرام فأجابني عنها ، فلمّا ودعته قال لي :يا حماد إذا أشكل عليك شيء من أمر دينك بناحيتك فسل عنه عبد العظيم الحسني واقرأه منّي السلام (١) .

ودلّت هذه الرواية على فقهه وعلمه .

ج ـ عرض عقيدته على الهادي عليه‌السلام : وتشرّف السيد الجليل عبد العظيم بمقابلة الإمام الهاديعليه‌السلام فعرض على الإمام أصول عقيدته وما يدين به قائلاً : (يا ابن رسول الله إنّي أُريد أن أعرض عليك ديني فإن كان مرضياً ثبتُّ عليه) .

فقابله الإمام مبتسماً وقال له :( هات يا أبا القاسم ) .

وانبرى عبد العظيم يعرض على الإمام المبادئ التي آمن بها قائلاً : ( إنّي أقول : إنّ الله تبارك وتعالى ليس كمثله شيء ، خارج عن الحدّين ، حدّ الإبطال وحدّ التشبيه ، وأنّه ليس بجسم ولا صورة ولا عرض ولا جوهر ، بل هو مجسّم الأجسام ومصوّر الصور وخالق الأعراض والجواهر وربّ كل شيء ومالكه وجاعله ومحدثه .

وأنّ محمّداً عبده ورسوله خاتم النبيين ، فلا نبيّ بعده إلى يوم القيامة ، وأنّ شريعته خاتمة الشرايع فلا شريعة بعدها إلى يوم القيامة وأقول : إنّ الإمام والخليفة ، وولي الأمر بعده أمير المؤمنين علي بن أبي طالبعليه‌السلام ، ثم الحسن ثم الحسين ثم علي بن الحسين ثم محمد بن علي ثم جعفر بن محمد ثم موسى بن جعفر ثم علي بن موسى ثم محمد بن علي ثم أنت يا مولاي ) والتفت إليه الإمام فقال :( ومن بعدي الحسن ابني ، فكيف للناس بالخلف من بعده ؟ ) .

ــــــــــــــ

(١) معجم الرجال الحديث : ١١/٥٣ .

١٨٩

واستفسر عبد العظيم عن الحجّة من بعده قائلاً : وكيف ذاك يا مولاي ؟ قال الإمامعليه‌السلام :( لأنّه لا يرى شخصه ، ولا يحل ذكره باسمه ، حتى يخرج فيملأ الأرض قسطاً وعدلاً ، كما مُلئت ظلماً وجوراً ) .

وانبرى عبد العظيم يعلن إيمانه بما قال الإمامعليه‌السلام قائلاً : ( أقررت ، وأقول : إنّ وليّهم ولي الله ، وعدوّهم عدوّ الله وطاعتهم طاعة الله ، ومعصيتهم معصية الله .

وأقول : إنّ المعراج حق والمساءلة في القبر حق وأنّ الجنّة حق والنار حق والصراط حق والميزان حق وأنّ الساعة آتية لا ريب فيها وأنّ الله يبعث مَن في القبور .

وأقول : إنّ الفرائض الواجبة بعد الولاية ـ أي الولاية لأئمة أهل البيتعليهم‌السلام ـ الصلاة والزكاة والصوم والحج والجهاد والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ) .

وبارك له الإمام عقيدته قائلاً :( يا أبا القاسم هذا والله دين الله الذي ارتضاه لعباده ، فاثبت عليه ثبّتك الله بالقول الثابت في الحياة الدنيا والآخرة ) (١) .

١٣ ـ عثمان بن سعيد العمري السمّان :

يكنّى أبا عمرو ، الثقة الزكي ، خدم الإمام الهاديعليه‌السلام وله من العمر إحدى عشرة سنة ، احتلّ المكانة المرموقة عند الإمامعليه‌السلام ، فقد روى أحمد ابن إسحاق القمّي قال : دخلت على أبي الحسن علي بن محمد صلوات الله عليه في يوم من الأيام فقلت له : يا سيدي أنا أغيب وأشهد ، ولا يتهيّأ لي الوصول إليك إذا شهدت في كل وقت فقول مَن نقبل ، وأمر مَن نمتثل ؟ فقالعليه‌السلام :

ــــــــــــــ

(١) كمال الدين : ٣٧٩ ح ١ ، وعنه في إعلام الورى : ٢/٢٤٤ ، ٢٤٥ .

١٩٠

هذا أبو عمرو الثقة الأمين ، ما قاله لكم فعنّي يقوله ، وما أدّاه إليكم فعنّي يؤدّيه .

فلمّا قضى أبو الحسنعليه‌السلام نحبه رجعت إلى أبي محمد ابنه الحسن العسكري وقلت لهعليه‌السلام ذات يوم : مثل قولي لأبيه ، فقال لي :هذا أبو عمرو الثقة الأمين ، ثقة الماضين ، وثقتي في المحيا والممات ، فما قاله لكم فعنّي يقوله ، وما أدّى إليكم فعنّي يؤدّيه (١) .

ودلّت هذه الرواية على وثاقته ، وأنّه قد نال المنزلة الكريمة عند الأئمة الطاهرينعليهم‌السلام ، كما دلّت على فضله وعلمه ، وأنّه كان مرجعاً للفتيا وأخذ الأحكام .

١٤ ـ علي بن مهزيار الأهوازي الدورقي :

كان من مفاخر العلماء ومن مشاهير تلاميذ الإمام الهاديعليه‌السلام ونتحدّث بإيجاز عن بعض شؤونه :

أ ـ عبادته : كان من عيون المتّقين والصالحين ، ويقول المؤرّخون : إنّه كان إذا طلعت الشمس سجد لله تعالى ، وكان لا يرفع رأسه حتى يدعو لألف من إخوانه بمثل ما دعا لنفسه ، وكان على جبهته سجّادة مثل ركبة البعير من كثرة سجوده(٢) .

ب ـ ثناء الإمام الجواد عليه‌السلام عليه : وأثنى الإمام الجوادعليه‌السلام ثناءً عاطراً على ابن مهزيار ، وكان ممّا أثنى عليه أنّه بعث له رسالة جاء فيها :

ــــــــــــــ

(١) معجم رجال الحديث : ١٢/١٢٣ .

(٢) اختيار معرفة الرجال : ٢/٨٢٥ .

١٩١

 ( يا علي قد بلوتك وخبرتك في النصيحة والطاعة والخدمة والتوقير ، والقيام بما يجب عليك ، فلو قلت : إنّي لم أر مثلك لرجوت أن أكون صادقاً فجزاك الله جنّات الفردوس نزلاً وما خفي علي مقامك ولا خدمتك ، في الحرّ والبرد ، في الليل والنهار ، فأسأل الله إذا جمع الخلائق للقيامة أن يحبوك برحمة تغتبط بها إنّه سميع الدعاء ) (١) .

وكشفت هذه الرسالة عن إكبار الإمام وتقديره ودعائه له ، وأنّهعليه‌السلام لم ير في أصحابه وغيرهم مثل هذا الزكي تقوى وورعاً وعلماً .

ج ـ مؤلّفاته : ألّف عليّ مجموعة من الكتب تزيد على ثلاثين كتاباً كان معظمها في الفقه وهذه بعضها : كتاب الوضوء ، كتاب الصلاة ، كتاب الزكاة ، كتاب الصوم ، كتاب الحج ، كتاب الطلاق ، كتاب الحدود ، كتاب الديّات ، كتاب التفسير ، كتاب الفضائل ، كتاب العتق والتدبير ، كتاب التجارات والإجارات ، كتاب المكاسب ، كتاب المثالب ، كتاب الدعاء ، كتاب التجمل والمروّة ، كتاب المزار ، وغيرها(٢) .

د ـ طبقته في الحديث : وقع علي بن مهزيار في أسناد كثير من الروايات تبلغ (٤٣٧) مورداً ، روى عن : الإمام أبي جعفر الثاني ، وأبي الحسن الثالث ، وغيرهما لقد كان علي بن مهزيار من دعائم الفكر الشيعي ، وكان من أفذاذ عصره وعلماء دهره .

ــــــــــــــ

(١) معجم رجال الحديث : ١٣/٢١١ .

(٢) رجال النجاشي : ٢٥٣ .

١٩٢

١٥ ـ الفضل بن شاذان النيشابوري :

عدّه الشيخ من أصحاب الإمام أبي الحسن الهاديعليه‌السلام ، وهو من أساطين العلماء ، ومن أبرز رجال الفكر الإسلامي في عصره ، خاض في مختلف العلوم والفنون وألّف فيها ، ونعرض بإيجاز لبعض شؤونه :

أ ـ ثناء الإمام الحسن العسكري عليه‌السلام عليه : وأشاد الإمام الحسن العسكريعليه‌السلام بالفضل بن شاذان ، وأثنى عليه ثناءً عاطراً ، فقد عرضت عليه إحدى مؤلّفاته فنظر فيه فترحّم عليه وقال :( أغبط أهل خراسان بمكان الفضل بن شاذان وكونه بين أظهرهم ) (١) .

ونظرعليه‌السلام مرة أخرى إلى مؤلَّف آخر من مؤلّفاته فترحّم عليه ثلاث مرات ، وقال مقرّظاً للكتاب : ( هذا صحيح ينبغي أن يعمل به ) (٢) .

ب ـ ردّه على المخالفين : انبرى الفضل للدفاع عن مبادئه ، وإبطال الشبه التي أُثيرت حول عقيدته ، وقد قال : أنا خلف لمَن مضى أدركت محمد بن أبي عمير ، وصفوان بن يحيى وغيرهما ، وحملت عنهم منذ خمسين سنة ، ومضى هشام بن الحكمرحمه‌الله ، وكان يونس بن عبد الرحمانرحمه‌الله خلفه ، كان يرد على المخالفين ، ثم مضى يونس بن عبد الرحمان ولم يخلف خلفاً غير السكّاك ، فردّ على المخالفين حتى مضىرحمه‌الله ، وأنا خلف لهم من بعدهم

ــــــــــــــ

(١) جامع الرواة : ٢/٥ .

(٢) طرائف المقال : ٢/٦٣٢ .

١٩٣

رحمهم الله )(١) .

لقد كان خلفاً لأولئك الأعلام الذين نافحوا وناضلوا عن مبادئهم الرفيعة التي تبنّاها أئمة أهل البيتعليهم‌السلام .

ج ـ مؤلّفاته : ألّف هذا العالم الكبير في مختلف العلوم ، كعلم الفقه وعلم التفسير وعلم الكلام والفلسفة واللغة والمنطق وغيرها ، وكانت مؤلّفاته تربو على مائة وثمانين مؤلّفاً ، وقد ذكر بعضها الشيخ والنجاشي وابن النديم وغيرهم .

١٦ ـ محمد بن أحمد المحمودي :

يكنّى أبا علي ، عدّه الشيخ من أصحاب الإمام أبي الحسن الهاديعليه‌السلام ، قال الكشي : وجدت بخطّ أبي عبد الله الشاذاني في كتابه : سمعت الفضل بن هاشم الهروي يقول : ذكر لي كثرة ما يحجّ المحمودي ، فسألته عن مبلغ حجّاته فلم يخبرني بمبلغها ، وقال : رزقت خيراً كثيراً والحمد لله ، فقلت له : فتحجّ عن نفسك أو غيرك ؟ فقال : عن غيري بعد حجّة الإسلام أحجّ عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وأجعل ما أجازني الله عليه لأولياء الله وأهب ما أثاب على ذلك للمؤمنين والمؤمنات ، فقلت : ما تقول في حجّتك ؟ فقال : أقول : اللّهمّ إنّي أهللت لرسولك محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وجعلت جزائي منك ومنه لأوليائك الطاهرينعليهم‌السلام ، ووهبت ثوابي عنهم لعبادك المؤمنين والمؤمنات بكتابك وسنّة نبيّكصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إلى آخر الدعاء(٢) .

ــــــــــــــ

(١) اختيار معرفة الرجال : ٢/٨١٨ .

(٢) اختيار معرفة الرجال : ٢/٧٩٨ .

١٩٤

١٧ ـ محمد بن الحسن بن أبي الخطّاب الزيّات :

الكوفي الثقة ، عدّه الشيخ من أصحاب الإمام علي الهاديعليه‌السلام ، قال النجاشي : إنّه كان جليلاً من أصحابنا ، عظيم القدر ، كثير الرواية ، ثقة ، عين ، حسن التصانيف ، مسكون إلى روايته له كتاب التوحيد ، كتاب المعرفة والبدار ، كتاب الرد على أهل القدر ، كتاب الإمامة ، كتاب اللؤلؤة ، كتاب وصايا الأئمة ، كتاب النوادر .

١٨ ـ محمد بن الفرج الرخجي :

عدّه الشيخ من أصحاب الإمام الهاديعليه‌السلام كانت له اتصالات وثيقة بالإمامعليه‌السلام ، وجرت بينهما عدّة مراسلات ، ومنها : ما رواه الكشي بسنده عن محمد بن الفرج : قال : كتبت إلى أبي الحسنعليه‌السلام اسأله عن أبي علي بن راشد ، وعن عيسى بن جعفر بن عاصم ، وابن بند ، فكتبعليه‌السلام إليّ :ذكرت ابن راشد رحمه‌الله فإنّه عاش سعيداً ، ومات شهيداً . ودعا لابن بند والعاصمي(١) .

وقد مرّت بعض المراسلات الأُخرى له مع الإمامعليه‌السلام وهي تكشف عن ثقة الإمام بمحمد وتسديده له ، ولمّا مرض محمد بعث له الإمام أبو الحسن عليه‌السلام بثوب فأخذه ووضعه تحت رأسه فلمّا توفّي كُفّن فيه .

١٩ ـ معاوية بن حكيم بن معاوية بن عمار الكوفي :

عدّه الشيخ من أصحاب الإمام الهاديعليه‌السلام ، قال النجاشي فيه : إنّه ثقة جليل من أصحاب الرضاعليه‌السلام قال أبو عبد الله الحسين : سمعت شيوخنا يقولون : روى معاوية بن حكيم أربعة وعشرين أصلاً وله كتب منها : كتاب الطلاق ، كتاب الحيض ، كتاب الفرائض ، كتاب النكاح ، كتاب الحدود ، كتاب الديّات ، وله نوادر(٢) .

ــــــــــــــ

(١) اختيار معرفة الرجال : ٢/٨٦٣ .

(٢) رجال النجاشي : ٤١٢ .

١٩٥

٢٠ ـ يعقوب بن إسحاق :

أبو يوسف الدورقي الأهوازي المشهور بابن السكّيت ، عدّه الشيخ من أصحاب الإمام أبي الحسن الهاديعليه‌السلام ، كان مقدّماً عند أبي جعفر الثاني وأبي الحسنعليه‌السلام وكانا يختصّانه ، وله عن الإمام أبي جعفرعليه‌السلام رواية ومسائل .

كان ابن السكيت حامل لواء علم العربية والأدب والشعر واللغة والنحو ، وله تصانيف كثيرة منها : ( تهذيب الألفاظ ) وكتاب ( إصلاح المنطق ) قتله المتوكل لولائه لأهل البيتعليهم‌السلام .

النساء :

ولم يذكر الشيخ الطوسي من النساء اللاتي روين عن الإمام الهاديعليه‌السلام سوى السيدة الكريمة كلثم الكرخية ، وقد عدّها الشيخ من أصحاب الإمام الهاديعليه‌السلام وأضاف أنّ الرّاوي عنها هو عبد الرحمان الشعيري ، وهو أبو عبد الرحمان بن داود البغدادي(١) .

ــــــــــــــ

(١) اقتبسنا ما ورد في هذا الفصل عن أصحاب الإمام الهاديعليه‌السلام من ( حياة الإمام علي الهاديعليه‌السلام ) : ١٧٠ ـ ٢٣٠ للشيخ باقر شريف القرشي .

١٩٦

البحث الثاني : نماذج من تراث الإمام الهاديعليه‌السلام

١ ـ من تراثه التفسيري :

١ ـ روى العياشي بإسناده عن حمدويه ، عن محمد بن عيسى قال : سمعته يقول : كتب إليه إبراهيم بن عنبسة ـ يعني إلى علي بن محمدعليه‌السلام ـ إن رأى سيّدي ومولاي أن يخبرني عن قول الله :( يسألونك عن الخمر والميسر ) فما الميسر جُعلت فداك ؟

فكتبعليه‌السلام :كل ما قُومر به فهو الميسر وكل مسكر حرام (١) .

٢ ـ وروى بإسناده عن أيوب بن نوح بن دراج قال : سألت أبا الحسن الثالثعليه‌السلام عن الجاموس وأعلمته أنّ أهل العراق يقولون إنّه مسخ ، فقال :أو ما سمعت قول الله : ( ومن الإبل اثنين ومن البقر اثنين ) (٢) .

٣ ـ وروى العياشي : بإسناده عن موسى بن محمّد بن علي عن أخيه أبي الحسن الثالثعليه‌السلام قال :الشجرة التي نهى الله آدم وزوجته أن يأكلا منها شجرة الحسد ، عهد إليهما أن لا ينظرا إلى مَن فضّل الله عليه وعلى خلايقه بعين الحسد ، ولم يجد الله له عزماً (٣) .

ــــــــــــــ

(١) تفسير العيّاشي : ١ / ١٠٦ .

(٢) تفسير العيّاشي : ١ / ٣٨٠ .

(٣) تفسير العيّاشي : ١/٩ .

١٩٧

٢ ـ من تراثه الكلامي

١ ـ عن أحمد بن إسحاق ، قال : كتبت إلى أبي الحسن الثالثعليه‌السلام أسأله عن الرؤية وما اختلف فيه الناس ؟ فكتب : لا تجوز الرؤية ، ما لم يكن بين الرائي والمرئيّ هواء ينفذه البصر فإذا انقطع الهواء عن الرائي والمرئيّ لم تصحّ الرؤية ; وكان في ذلك الاشتباه ، لأنَّ الرائي متى ساوى المرئيَّ في السبب الموجب بينهما في الرؤية وجب الاشتباه وكان ذلك التشبيه لأنّ الأسباب لا بدّ من اتّصالها بالمسبّبات(١) .

٢ ـ عن بشر بن بشّار النيسابوريّ قال : كتبت إلى الرَّجلعليه‌السلام : إنّ من قبلنا قد اختلفوا في التوحيد ، فمنهم من يقول : (هو) جسم ومنهم من يقول : (هو) صورة فكتب إليَّ : سبحان من لا يحدُّ ولا يوصف ولا يشبهه شيء وليس كمثله شي وهو السميع البصير(٢) .

٣ ـ عن عليّ بن إبراهيم ، عن المختار بن محمّد بن المختار الهمدانيّ ، ومحمّد بن الحسن ، عن عبد الله بن الحسن العلويّ جميعاً عن الفتح بن يزيد الجرجاني ، عن أبي الحسنعليه‌السلام قال : سمعته يقول :وهو اللّطيف الخبير السميع البصير الواحد الأحد الصمد ، لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفواً أحد ، لو كان كما يقول المشبّهة لم يعرف الخالق من المخلوق ولا المنشئ من المنشأ ، لكنّه المنشئ فرَّق بين مَن جسّمه وصوَّره وأنشأه إذ كان لا يشبهه شيء ولا يشبهه هو شيئاً .

قلت : أجل جعلني الله فداك لكنّك قلت : الأحد الصمد وقلت : لا يشبهه شيء والله واحد والإنسان واحد أليس قد تشابهت الوحدانيّة ؟

قال :يا فتح أحلت ثبّتك الله إنّما التشبيه في المعاني ، فأمّا في الأسماء فهي واحدة

ــــــــــــــ

(١) الكافي : ١ / ٩٧ ، والتوحيد : ١٠٩ .

(٢) الكافي : ١ / ١٠٢ .

١٩٨

وهي دالّة على المسمّى وذلك أنَّ الإنسان وإن قيل واحدٌ فإنّه يخبر أنّه جثّة واحدة وليس باثنين والإنسان نفسه ليس بواحد ؛ لأنَّ أعضاءه مختلفة وألوانه مختلفة ومن ألوانه مختلفة غير واحد وهو أجزاء مجزّأة ، ليست بسواء .

دمه غير لحمه ولحمه غير دمه وعصبه غير عروقه وشعره غير بشره وسواده غير بياضه وكذلك سائر جميع الخلق ، فالإنسان واحد في الاسم ولا واحد في المعنى والله جلَّ جلاله هو واحد لا واحد غيره لا اختلاف فيه ولا تفاوت ولا زيادة ولا نقصان ، فأمّا الإنسان المخلوق المصنوع المؤلّف من أجزاء مختلفة وجواهر شتّى غير أنّه بالاجتماع شيء واحد .

قلت : جُعلت فداك فرَّجت عنّي فرَّج الله عنك ، فقولك : اللّطيف الخبير فسّره لي كما فسّرت الواحد فإنّي أعلم أنّ لطفه على خلاف لطف خلقه المفصل غير أنّي أُحبُّ أن تشرح ذلك لي .

فقال :يا فتح إنّما قلنا : اللّطيف للخلق اللّطيف ( و ) لعلمه بالشيء اللّطيف أو لا ترى وفّقك الله وثبّتك إلى أثر صنعه في النبات اللّطيف وغير اللّطيف ومن الخلق اللّطيف ومن الحيوان الصغار ومن البعوض والجرجس وما هو أصغر منها ما لا يكاد تستبينه العيون ، بل لا يكاد يستبان لصغره الذكر من الأُنثى والحدث المولود من القديم .

فلمّا رأينا صغر ذلك في لطفه واهتداءه للسفاد والهرب من الموت والجمع لما يصلحه وما في لجج البحار وما في لحاء الأشجار والمفاوز والقفار وإفهام بعضها عن بعض منطقها وما يفهم به أولادها عنها ونقلها الغذاء إليها ثمَّ تأليف ألوانها حمرة مع صفرة وبياض مع حمرة وأنّه ما لا تكاد عيوننا تستبينه لدمامة خلقها .

لا تراه عيوننا ولا تلمسه أيدينا علمنا أنَّ خالق هذا الخلق لطيف لطف بخلق ما سمّيناه بلا علاج ولا أداة ولا آلة ، وأنَّ كلَّ صانع شيء فمن شيء صنع والله الخالق اللّطيف الجليل خلق وصنع لا من شيء (١) .

ــــــــــــــ

(١) الكافي : ١ / ١١٨ ، والتوحيد : ١٨٥ .

١٩٩

٤ ـ عن عليّ بن إبراهيم ، عن المختار بن محمّد الهمدانيّ وعن محمّد ابن الحسن ، عن عبد الله بن الحسن العلويّ جميعاً ، عن الفتح بن يزيد الجرجانيّ ، عن أبي الحسنعليه‌السلام قال :إنَّ لله إرادتين ومشيئتين : إرادة حتم وإرادة عزم ، ينهى وهو يشاء ويأمر وهو يشاء أو ما رأيت أنّه نهى آدم وزوجته أن يأكلا من الشجرة وشاء ذلك ولو لم يشأ أن يأكلا لمّا غلبت مشيئتهما مشيئة الله تعالى ، وأمر إبراهيم أن يذبح إسحاق ولم يشأ أن يذبحه ولو شاء لما غلبت مشيئة إبراهيم مشيئة الله تعالى (١) .

٥ ـ عن أيّوب بن نوح أنّه كتب إلى أبي الحسنعليه‌السلام يسأله عن الله عزَّ وجلَّ أكان يعلم الأشياء قبل أن خلق الأشياء وكوَّنها ، أو لم يعلم ذلك حتّى خلقها وأراد خلقها وتكوينها ، فعلم ما خلق عند ما خلق وما كوَّن عند ما كوَّن ؟ فوقَّععليه‌السلام بخطّه :لم يزل الله عالماً بالأشياء قبل أن يخلق الأشياء كعلمه بالأشياء بعد ما خلق الأشياء (٢) .

٦ ـ عن الفتح بن يزيد الجرجانيِّ عن أبي الحسنعليه‌السلام ، قال : سألته عن أدنى المعرفة ، فقال :الإقرار بأنّه لا إله غيره ولا شبه له ولا نظير وأنّه قديم مثبت موجود غير فقيد وأنّه ليس كمثله شيء (٣) .

٧ ـ عن معلى بن محمّد ، قال : سئل العالمعليه‌السلام كيف علم الله ؟ قال :علم ، وشاء ، وأراد ، وقدَّر ، وقضى ، وأبدى فأمضى ما قضى ، وقضى ما قدَّر ، وقدَّر ما أراد ، فبعلمه كانت المشيَّة ، وبمشيَّته كانت الإرادة ، وبإرادته كان التَّقدير ، وبتقديره كان

ــــــــــــــ

(١) أصول الكافي : ١ / ١٥١ واعلم أنّ الرواية مشتملة على كون المأمور بالذبح إسحاق دون إسماعيل وهو خلاف ما تظافرت عليه أخبار الشيعة .

(٢) التوحيد : ١٤٥ .

(٣) التوحيد : ٢٨٣ .

٢٠٠

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

حقّه حرّم الله عليه بركة الرزق إلّا أنّ يتوب »(١) .

وحول شروط الشهادة والشاهد جاءت روايات وأحاديث كثيرة مثلما :

عن أبي عبد الله الصادقعليه‌السلام : « لا تشهد بشهادة حتّى تعرفها كما تعرف كفّك »(٢) .

بل واشترط الإسلام أن تكون الشهادة عن يقين وعلم كما يعرف ذلك من الأحاديث الناصّة على ذلك ومنها قولهصلى‌الله‌عليه‌وآله وقد سئل عن الشهادة: « هل ترى الشّمس ؟ على مثلها فاشهد أو دع »(٣) .

وعن أبي عبد الله الصادقعليه‌السلام أيضاً لـمّا سئل عمّن لا تقبل شهادته قال: « الظنّين والمتّهم ».

فلما قيل: والفاسق والخائن ؟ قال: « ذلك يدخل في الظّنين »(٤) .

وقالعليه‌السلام أيضاً: « لا تجوز شهادة ولد الزّنا »(٥) .

وقالعليه‌السلام : « لا تقبل شهادة شارب الخمر ولا شهادة الّلاعب بالشّطرنج والنّرد ولا شهادة المقامر ولا ذي غمز على أخيه ولا السّائل بكفّه لأنّه لا يؤمن على الشهادة وذلك لأنّه إذا أعطي رضي وإن منع سخط »(٦) .

إلى غير ذلك من الروايات.

لا استئناف ولا تمييز

هذا وحيث أنّ الإسلام يساوي بين جميع أفراد البشر، ويسوّي بينهم أمام القانون لم يكن في القضاء الإسلاميّ أيّة امتيازات.

__________________

(١) وسائل الشيعة ١٨: أبواب الشهادات.

(٢) وسائل الشيعة ١٨: الباب (٢٠) من أبواب الشهادات الحديث (٣).

(٣ و ٤ و ٥ و ٦) وسائل الشيعة ١٨: أبواب الشهادات.

٣٤١

فليس في الإسلام محاكم خاصّة بالعسكر، واُخرى عاديّة، واُخرى خاصّة بأصحاب الرتب العالية، والمناصب الرفيعة.

ثمّ بما أنّ الإسلام يشترط في تعيين القضاة شرائط معيّنة لا تتوفّر إلّا في الصالحين العدول الأتقياء من الرجال، لا يوجد هناك في القضاء الإسلاميّ استئناف ولا تمييز إذ على القاضي الصالح أن لا يحكم إلّا بعد أن يحصل على الأدلّة والإثباتات الكافية للحكم فيندر لذلك وقوع الخطأ بل قد ينعدم أصلاً هذا مع العلم أنّ المبرّر لوجود الاستئناف في المحاكم الراهنة هو كثرة وقوع الخطأ في أحكامها لخلوّها عن الشرائط الدقيقة التي اعتبرها الإسلام.

نعم إذا تبيّن لقاض آخر خطأ القاضي في حكمه جاز له نقضه والحكم بما يقتضيه الحقّ.

قال صاحب الشرائع: « كلّ حكم قضى به الأوّل وبان للثاني فيه خطأ فإنّه ينقضه »(١) .

وقال صاحب الجواهر في شرح الشرائع: « إنّ الحكم ينقض في موردين :

الأوّل: إذا خالف الحكم الأوّل دليلاً علميّاً لا مجال للاجتهاد فيه، أو دليلاً أجتهاديّاً لا مجال للاجتهاد بخلافه إلّا غفلة أو نحوهما.

الثاني: إذا تراضى الخصمان على تجديد الدعوى وقبول حكم الحاكم الثاني، ولا ينقض في غير ذلك »(٢) .

على أنّ ما ذكرناه لا يمثّل إلّا جوهر القضاء الإسلاميّ، والخطوط العريضة لهذه السلطة وبرامجها ووظائفها وغاياتها، أمّا اختيار الترتيبات والأشكال التي تحقّق هذا الجوهر، وكيفيّة الأجهزة التي تقوم بهذه المهمّة الخطيرة فمتروك لمقتضيات الحاجة والزمن.

__________________

(١) شرائع الإسلام: كتاب القضاء وآدابه.

(٢) جواهر الكلام ٤: ٧٩.

٣٤٢

الفصل السادس

حول أهمّ

خصائص الحكومة الإسلاميّة

قد تبيّن ممّا ذكرنا سلفاً لون وصيغة الحكومة الإسلاميّة وتركيبتها، وأنّها تختلف عن سائر الحكومات الرائجة قديماً وحديثاً من ملوكيّة استبداديّة أو دستوريّة أو ديمقراطيّة، أو غيرها من أشكال الحكومات التي سبق الإلماع إليها.

ولا شكّ أنّ هذا الاختلاف الجوهريّ يستتبع الاختلاف في الآثار والخصائص والمعطيات ؛ إذ ليس من المعقول أن تختلف الحكومة الإسلاميّة عن سائر الحكومات في الصيغة والجوهر، ولا تختلف عنها في الآثار والخصائص والمعطيات.

فللحكومة الإسلاميّة مميّزات ذاتيّة تتعلّق بجوهرها، ووصفيّة تتعلّق بآثارها ومعطياتها.

ولا بدّ من القول بأنّها تمتاز بخصائص يفتقر إليها أي نظام آخر غير نظام الحكم الإسلاميّ.

ولمعرفة هذه الخصائص والمميّزات عقدنا الفصل التالي، وهي ليست ـ في الحقيقة ـ إلّا بعض الخصائص.

٣٤٣

خصائص الحكومة الإسلاميّة ومميّزاتها

١

الحكومة الإسلاميّة حكومة عالميّة

بينما كان البعض ـ في أواخر القرن التاسع عشر ومطلع القرن العشرين ينادي بإحياء فكرة القوميّة عند الشعوب، وكان هناك من يعمل لها ويدافع عنها بقوّة تحت أسماء وعناوين مختلفة وتبريرات متنوّعة برزت فجأة فكرة « الاُمميّة العالميّة » وراجت الفكرة القائلة بضرورة تشكيل حكومة عالميّة واحدة تتقوّى وتشتدّ في نظر المفكرين الغربيين كحلّ للتخلّص من المطاحنات والحروب والمذابح التي كان العالم يشهدها باستمرار.

وقد ساعدت نتائج الحربين العالميتين الاُولى والثانية على تأكيد هذه الضرورة، وترسيخ هذه الفكرة، فقد أدرك اُولئك المفكّرون ومن تبعهم بأنّ الحدود والفواصل المصطنعة بين الشعوب والاُمم هي السبب الوحيد والعامل الأساسيّ لظهور الحروب والمشاحنات الدامية، وأن لا مخلص من هذه الحروب والمآسي ـ حسب نظرهم ـ إلّا بزوال تلك الحدود والفواصل وانضواء الجميع تحت راية حكومة واحدة.

إنّ الحرب كانت ولا تزال أمراً جديراً بأن تخشاه البشريّة وتتجنّبه وتتقيه، ولكن

٣٤٤

الحربين الكونيتين الاُولى والثانية زادت من قلق الإنسان وخوفه واستيحاشه وعمّقت لديه النفرة والخشية من الحرب، لأنّهما كانتا ـ بحقّ ـ أشدّ جميع الحروب ضراوة ووحشيّة في تاريخ البشريّة !!! وكانتا سبباً لمقتل ملايين عديدة من البشريّة الأبرياء على أيدي البشر أنفسهم، وكانتا سبباً لإهدار ملايين الملايين من ثرواته بحيث بلغت الأضرار البشريّة في الحرب العالميّة الاُولى وحدها ما يقارب (٩) ملايين قتيل و (٢٢) مليون مُقعد ومعوّق حرب و (١٠) ملايين من مفقودي الأثر !!!

وأمّا خسائر الحرب العالميّة الثانية فقد كانت ـ بحكم كونها أشدّ ضراوة ووحشيّة ـ أضخم من الاُولى بحيث قدر عدد الأرواح التي زهقت بثلاثين مليوناً فيما قاربت الخسائر الماديّة المليارد دولاراً على وجه التقريب !!!

كلّ هذه المذابح الرهيبة والخسائر الجسيمة في الأرواح والمعدّات التي أفرزتها الحرب الاُولى، سببّت ظهور هيئة دولية باسم « عصبة الأمم » التي تأسّست في أعقاب تلك الحرب واتّحد فيها ٢٦ دولة ليمنعوا ـ في ظل هذا الاتحاد والتجمّع ـ من إراقة المزيد من الدماء، ويتمكّنوا في ظل هذه المنظمة الدوليّة من حلّ المشكلات العالميّة عن طريق المفاوضات لا الحروب، وعن طريق المنطق المبرهن لا السلاح المدمّر، بيد أنّ تأسيس هذه المنظمة حيث كان ناقصاً وفاقداً لبعض الاُمور والشرائط لذلك لم تستطع تجنيب العالم من شرور حرب اُخرى فقد تورّطت البشريّة في حرب أكثر دماراً، وفناء هي الحرب العالميّة الثانية(١) التي أنهكت البشريّة بنيران دباباتها وقنابلها وأسلحتها الفتّاكة المدمّرة وانتهت بمذبحة عظيمة، ومفجعة، ورهيبة وإلى تحول سياسيّ وانقلاب فكريّ في كثير من القيم الحضاريّة والمعايير والأفكار السائدة آنذاك.

وفي خلال الحرب الثانية ـ هذه ـ تأكّدت فكرة تأسيس منظمة عالميّة، ومجمع دولي على اُسس أكثر واقعيّة، وفي إطار أكثر شموليّة فبرزت ـ إلى الوجود ـ « هيئة الأمم المتّحدة » التي وضعت نواتها في ديسمبر عام ١٩٤٣ واستطاعت منذئذ أن تحول دون

__________________

(١) يراجع كتاب الحرب العالمية الاُولى والثانية.

٣٤٥

وقوع حروب عالميّة خطيرة بين الدول كما حدث في السابق.

وقد شرحت أهداف وغايات هذه المؤسسة العالميّة الكبرى في ما يسمى ب‍: ميثاق الأمم المتحدة.

ويعتبر تأسيس هاتين المنظّمتين العالميتين ـ في الحقيقة ـ خطوة عمليّة وإيجابيّة في سبيل تحقيق ما تمنّاه الإسلام ونادى به منذ أربعة عشر قرناً مع ما بين الأمرين من الفروق في الوسائل والأساليب والأهداف، فقد تمنّى الإسلام منذ ذلك الزمن السحيق أن تنسى البشريّة خلافاتها، وتضرب صفحاً كلّ الحدود والفواصل المصطنعة الموهومة بينها وتتّحد تحت لواء الأخوة والوحدة، وتنضوي تحت حكومة واحدة تراعي مصالح الجميع وتحفظ كرامة الجميع، وتصون أمن الجميع بلا تفرقة ولا تمييز وحينئذ فلا تكون مطاحنات ولا حروب ولا مشاحنات ولا مآسي ولا ويلات.

لقد توصّل العالم إلى تأسيس منظمة الأمم المتحدة ويتكهّن المفكّرون الكبار والسياسيّون العالميّون بأن تصبح هذه المنظمة التي هي بمثابة « برلمان عالميّ موحّد » مركزاً لحكومة عالميّة موحّدة، وأن يتحوّل أصدقاء البشريّة من المناداة بالقوميّة، والدعوة إليها، إلى الوحدة العالميّة، أو بالأحرى إلى الحكومة العالميّة الموحّدة، التي تحقّق توحيد كلّ شعوب الأرض وتحقّق تساويهم.

ولكن ما هو الطريق الطبيعيّ السليم إلى تحقيق هذه الاُمنيّة المحبّبة، وهذا الأمل العالميّ المرغوب وهل يمكن أن تصل هيئة الأمم المتحدة إلى هذا الهدف، فهو بحث طويل ومفصل لا بدّ من إفراد مجال مستقلّ له بيد أنّ الدلائل والشواهد الراهنة والصراعات الحامية الدامية المبعثرة هنا وهناك والأحداث الأليمة المرّة التي يعاني منها العالم كلّه بل والاختلافات التي تشهدها أروقة هيئة الأمم المتّحدة نفسها وما تعاني منه هذه المؤسّسة من تنفيذ قراراتها وتطبيق أحكامها يجعلنا نقطع بأنّ هذه الهيئة ليست قادرة على إقرار السلام والأمن والاستقرار في المستوى العالميّ، فالوقائع تشهد بأنّ العالم يعيش الآن على كفّ عفريت، وأنّ مبدأ توازن القوى هو الذي يكبح جماح الدول لا

٣٤٦

منطق الفكر ومبادئ الاخوة الإنسانيّة ومن يدري ماذا سيحلّ بالبشريّة لو اختلّ توازن القوى ومن يدري ماذا ستكون أبعاد الانفجار البشع، ومدى ويلاته ومآسيه

إنّ عجز هيئة الأمم عن تحقيق السلام والاستقرار العالميين دفع ببعض المفكّرين والاجتماعيين إلى طرح فكرة الحكومة العالميّة الواحدة التي يكون العالم بموجبها ذا تشكيلات سياسيّة واحدة، بأن يكون للمجتمع الدوليّ برمّته :

١. سلطة تشريعيّة واحدة.

٢. سلطة تنفيذيّة واحدة.

٣. سلطة قضائيّة واحدة.

وقد ذكروا لتبرير هذه الفكرة وتوجيهها بما جاء في بيانهم الذي نشروه في مؤتمرهم بطوكيو عام ١٩٦٣ م :

( إنّ السلام الدائم والشامل لا يتحقق بتوقيع المواثيق وتبادل الوعود بين القادة السياسيّين فلا بدّ للحصول على السلام الواقعي والدائم والشامل من أن نتوسّل بحكومة عالميّة واحدة تعتمد على برلمان ومحاكم وجيش عالميّ موحّد، إذ في ظلّ هذه الحكومة العالميّة الموحّدة فقط يمكن أن نحصل على الاستقرار والثبات ).

وتدعو هذه الفكرة بالتفصيل إلى إيجاد وتأسيس الاُمور التالية :

١. برلمان عالمي ؛ يشترك في عضويته جميع الشعوب العالميّة، ويكون لكلّ واحد منها حقّ الرأي والعضويّة بنسبة عدد نفوسها، فيكون للشعوب الأكثر أفراداً، حظاً أكثر من العضويّة والرأي.

٢. مجلس أمن يشترك في عضويّته عدد أكثر من الدول والأعضاء ولا يقتصر على الدول الخمس كما هو الحال في مجلس الأمن الفعليّ، ويتولّى هذا المجلس تنفيذ مقرّرات البرلمان العالميّ المذكور، ويكون مسؤولاً اتّجاه البرلمان.

٣. جيش عالمي ؛ يكون في حقيقته جيش سلام، ويكون تابعاً لإرادة مجلس الأمن

٣٤٧

للقيام بحفظ السلام والاستقرار العالميّين.

٤. مكتب عدل دوليّ يتولّى تفسير قوانين البرلمان ومقرّراته وملاحقة التخلّفات والتجاوزات، بما لديه من محكمة دوليّة وأجهزة مختصّة.

هذه الفكرة وما سواها ممّا يطرحها المفكّرون، وطلاّب السلام والاستقرار في العالم، رغم أنّها قد تبشّر بإمكان قيام مثل هذا التكتل العالميّ الواحد والحكومة الواحدة المنشودة إلّا أنّها محكوم عليها بالفشل ـ مسبقاً ـ لأسباب عديدة أهمّها فقدان أصحاب هذه الفكر والاطروحات لحسن النوايا، والفضائل الأخلاقيّة الإنسانيّة التي يجب توفّرها لدى أمثالهم.

هذا مضافاً إلى عدم وجود عامل أهمّ وهو ما يضمن استقامة هذه الحكومة ـ لو فرض تحققّها ـ بحيث لا تتحوّل إلى غطاء لأهداف الدول العظمى التوسعيّة ونواياهم ومطامعهم الاستعماريّة، وتؤول إلى ما آلت إليه عصبة الأمم وهيئتها من قبل، وتصبح أداة طيّعة بيد تلكم الدول لتظليل الدول الصغار وخداعها كما هو شأن كلّ المنظمات الفعليّة المنادية بالدفاع عن حقوق الإنسان !!

إنّ فقدان هذه الضمانات هو أهمّ ما سبّب فشل المنظمات القديمة ويسبّب فشل المنظمات الاُخرى أيضاً.

إنّ أصحاب هذه المؤسّسات والمنظمات العالميّة ما لم يطهّروا أنفسهم من حبّ الذات وعبادتها وما لم يخلصوا نواياهم من العجب والمكر، وما لم يؤمنوا بالإنسان وحقوقه بصدق وإخلاص لم تطمئنّ إليهم الشعوب، ولم يطمئنّ إلى منظماتهم مستضعفوا البشر.

وهكذا الحال بالنسبة إلى أصحاب فكرة الحكومة العالميّة الواحدة والدعاة إليها.

إنّ أصحاب هذه النظريّة ما لم يعشقوا الإنسان بإخلاص وصدق، وما لم يحبّوا البشريّة حبّاً يلمس شغاف القلوب، وتمسّ حرارتها عمق الضمير فلن تلق فكرتهم

٣٤٨

قبولاً من الشعوب التي طالما جرّبت هذه الدعوات ولم تجد فيها خيراً ولا صدقاً ولا نفعاً، إذ كيف يمكن القبول بدعوة من لا تتوفّر فيه الصفات الإنسانيّة ولا يكون كما قال الإمام عليّعليه‌السلام وهو يكتب إلى واليه على مصر: « ولا تكُن عليهم ( على الرعية ) سبُعاً ضارياً، تغتنمُ أكلُهم، فإنّهُم صنفان :

إمّا أخ لك في الدّين

وإمّا نظير لك في الخلق »(١) .

إنّ للإسلام ـ بما هو دين متكامل وشريعة خالدة ـ نظاماً اجتماعيّاً وسياسيّاً شاملاً يكفل كافّة الاحتياجات البشريّة ولو طبّق كما هو ؛ لعمّ الخير الحياة كلّها، ولسادت الاخوة كلّ بني آدم بجميع ألوانهم، وأشكالهم، وجنسيّاتهم وقوميّاتهم، وتحقّق ما يسعى إليه المفكّرون المهتمّون بالسلام والاستقرار في العالم من الوحدة والألفة والاجتماع.

إنّ أهمّ دليل يدلّ على أنّ الإسلام يسعى إلى تحقيق هذه الوحدة العالميّة هو أنّه لم يحصر دعوته على جماعة دون جماعة، وقوميّة دون اُخرى، بل وجّه نداءه إلى جميع البشريّة منذ البداية للأخذ به وبشرائعه بوصفها أكمل الشرائع وأفضلها إذ قال:( وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إلّا كَافَّةً لِّلنَّاسِ بَشِيرًا وَنَذِيرًا ) ( سبأ: ٢٨ ).

وقال:( قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعًا ) ( الأعراف: ١٥٨ ).

وقال:( هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالهُدَىٰ وَدِينِ الحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ المُشْرِكُونَ ) ( التوبة: ٣٣ ).

لقد وسّع النبيّ الكريمصلى‌الله‌عليه‌وآله في العام السادس والسابع من الهجرة، نطاق دعوته المباركة وبدأ دعوته العالميّة بمراسلة ملوك عصره ورؤسائه في الجزيرة العربيّة وخارجها يدعوهم إلى الانضمام إلى دعوته، والانضواء تحت راية الإسلام الحنيف

__________________

(١) نهج البلاغة: قسم الرسائل (٥٣).

٣٤٩

كافّة(١) ، وإنّ مراجعة واحدة لمجموعة الرسائل والمكاتيب النبويّة وسيرة النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله وسيرة أصحابه وما تحقّق من فتوحات على أيدي المسلمين تكشف عن أنّ الإسلام بدأ في صورة دعوة إلى حكومة عالميّة تعيش في ظلّها الشعوب المختلفة جنباً إلى جنب بلا فوارق ولا فواصل ودونما مطاحنات أو مشاحنات ولكن سعي الإسلام هذا كان مبتنياً على اُسس معقولة ومنطلقاً من حقائق يكون التنبيه إليها ضماناً لتحقيق ما أراده الإسلام، ولم تكن دعوة الإسلام مجرّد ادّعاء ودعوة فارغة لا تقوم على شيء فما هي هذه الاُسس ؟

الاُسس الفكريّة للحكومة العالميّة

إنّ الإسلام يقيم دعوته إلى حكومة عالميّة واحدة على سلسلة من الاُسس والمبادئ الفكريّة الضامنة للوحدة بين شعوب الأرض، وهي عديدة أهمّها وأبرزها: « المساواة بين جميع أبناء البشر » فالإسلام ينبه البشر إلى أنّهم متساوون في الخلق فكلّهم من آدم وحواء وكلاهما من تراب وهم متساوون في الإنسانيّة والمشاعر البشريّة ومتساوون في المصير فكلّهم راجعون إلى الله تعالى وإذا كانوا كذلك فلماذا يختلفون في القوميّة، ولماذا يتميّز بعضهم على بعض بالعنصر، أو الأرض، أو غير ذلك من ألوان التمييز الظالم ودواعيه الوهميّة وإلى هذا يشير قول الله تعالى:( يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَىٰ وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللهِ أَتْقَاكُمْ ) ( الحجرات: ١٣ )(٢) .

وقوله سبحانه:( إِلَى اللهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعًا ) ( المائدة: ٤٨ ).

إنّ هاتين الآيتين وماشابههما من الآيات القرآنيّة تعلن بصراحة عن وحدة أبناء

__________________

(١) راجع كتابي: الوثائق السياسيّة، ومكاتيب الرسول، وسيوافيك قسم من هذه الكتب في الجزء الثالث من موسوعتنا هذا، عند البحث عن كون دعوة الرسول دعوة عالميّة لا إقليميّة.

(٢) إنّ الملاحظ أنّ القرآن وجّه أكثر دعواته إلى الناس فقال( يَا أَيُّهَا النَّاسُ ) ولم يوجهها إلى طائفة خاصّة فلم يقل يا أيّها القريشيّون أو يا أهل مكّة، أو يا أهل الحجاز أو أيّها البيض أو أيّها العرب.

٣٥٠

الإنسان مبدأ ومصيراً ووحدتهم أصلاً ونهاية، وتنهي كلّ ألوان التمييز العنصريّ، والقوميّ وكلّ دواعيه الخياليّة، فالإسلام لا يقر الحدود والأجناس والقوميّات والعنصريّات كعوامل واُمور تسوّغ التفريق بين أبناء البشر، وترفع جماعة وتضع اُخرى.

وبهذا يرسي قواعد حكومة عالميّة واحدة ذات نظام إلهيّ توحيديّ واحد تدار فيها جميع المجتمعات البشريّة بمجموعة واحدة من القوانين الالهيّة المطابقة للفطرة الإنسانيّة والطبيعة البشريّة، ويخضع العالم برمّته ـ في ظلالها ـ لاقتصاد واحد وسياسة واحدة وقضاء واحد ومحكمة واحدة، ومعتمداً على جيش قويّ واحد ويستفيد جميع أبناء البشر من جميع المواهب الالهيّة الطبيعيّة بصورة متساويّة، لا أن يحتكر بلد صغير جداً موارد طبيعيّة ضخمة وهائلة تكفي لأن يعيش بها عشرات الملايين بل ومئاتها، بينما يرزح كثير من الناس في البلاد الاُخرى تحت حال يرثى لها من الحرمان والبؤس والفقر المدقع، ويعانون من الجوع والجهل، والعري والمرض ويموت منهم كلّ يوم عشرات الآلاف بل مئات الآلاف نتيجة الفقر، ونقصان المواد الغذائيّة، وما شابه ذلك.

وبذلك نعرف أنّ الدعوات القائمة ـ اليوم ـ باسم القوميّة، والعنصريّة والطبقيّة ما هي إلّا خطوات مضادّة لاطروحة الحكومة العالميّة الموحّدة التي سبق الإسلام إلى المناداة بها والدعوة إليها بإصرار.

لقد شجب الرسول الأكرمصلى‌الله‌عليه‌وآله في خطابه التاريخيّ عند عودته من حجّة الوداع، كلّ ألوان التمييز والتفرقة بين أبناء البشر وقال: « لا فضل لعربيّ على أعجميّ ولا لأعجميّ على عربيّ إلّا بالتّقوى »(١) .

وقال: « كلّكم من آدم وآدم من تراب »(٢) .

وقال: « أيّها الناس أنّ الله أذهب عنكم نخوة الجاهلية، وتفاخرها بآبائها ألا انّكم من آدم وآدم من طين »(٣) .

__________________

(١ و ٢) تحف العقول: ٣٤، وسيرة ابن هشام ٢: ٤١٤.

(٣) سيرة ابن هشام ٢: ٤١٢.

٣٥١

وقال: « ألا أنّ خير عباد الله عبد اتّقاه إنّ الناس من عهد آدم إلى يومنا هذا مثّل أسنان المشط لا فضل لعربيّ على أعجميّ ولا لأحمر على أسود إلّا بالتقوى »(١) .

وقال: « إنّما الناس رجلان: مؤمن تقيٌّ كريم على الله، أو فاجر شقيٌّ هينٌّ على الله ».

وقال: « ألا أنّ العربيّة ليست بأب والد، ولكنّها لسان ناطق، فمن قصر به عمله لم يبلغ به حسبه »(٢) .

وقال: « ليدعنّ رجال فخرهم بأقوام، إنّما هم فحم من فحم جهنّم. أو ليكوننّ أهون على الله من الجعلان التي تدفع بانفها النتن »(٣) .

وقال عليّعليه‌السلام : « أصل الإنسان لبُّه وعقله ودينه ومروّته حيث يجعل نفسه، والأيام دول والنّاس إلى آدم شرع سواء »(٤) .

إنّ مثل هذا الموقف الإنسانيّ الصحيح من البشريّة يمكن أن يكون قاعدة فكريّة أساسيّة لتشكيل حكومة عالميّة موحّدة تقضي على كلّ ألوان الصراع والتشاحن، وتزيل أسباب الحروب الدامية، وينعم في ظلالها جميع البشريّة بالسعادة والعزّة والاستقرار والثبات، ويستفيد فيها الجميع من النعم الإلهيّة والمواهب الطبيعيّة على قدم المساواة، دونما تفضيل أو تمييز، ودونما إجحاف أو ظلم.

قال عليّعليه‌السلام : « أفضل النّاس ـ أيُّها النّاس ـ عند الله منزلةً وأعظمهم عند الله خطراً أطوعهم لأمر الله وأعلمهم بطاعة الله، واتبعهم لسنّة رسول الله وأحياهم لكتاب الله، فليس لأحد من خلق الله عندنا فضل إلّا بطاعة الله وطاعة رسوله واتباع كتابه وسنّة نبيّه، وهذا كتاب الله بين أظهرنا وعهد نبيّه وسيرته فينا لا يجهلها إلّا جاهل مخالف معاند عن الله عزّ وجلّ يقول الله:( يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَىٰ وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللهِ أَتْقَاكُمْ ) ( الحجرات: ١٣ ) فمن اتقى الله فهو الشريف المكرم المحبُّ كذلك أهل طاعته وطاعة رسوله »(٥) .

__________________

(١) الفقيه ٢: ٢٧ باختلاف يسير، والكافي ٢: ٢٤٦.

(٢) سنن أبي داود ٢: ٦٢٥.

(٣) سنن أبي داود ٢: ٦٢٤.

(٤) أمالي الصدوق: المجلس ٤٢.

(٥) تحف العقول: ١٨٣.

٣٥٢

خصائص الحكومة الإسلامية ومميّزاتها

٢

الإيمان ملاك تكوّن الاُمّة الإسلاميّة

( إِنَّ هَٰذِهِ أُمَّتُكُمْ أمّة وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ )

( الأنبياء: ٩٢ ).

بماذا تتكون الاُمّة ويتحقّق مفهومها :

إنّ أوّل مسألة تطرح نفسها عند الحديث عن الحكومة الإسلاميّة، هو السؤال عمّا به تتكوّن الاُمّة الإسلاميّة، وما يكون ملاكاً لأن يكون الفرد بسببه جزءاً من هذه الاُمّة أو لا يكون، وبالأحرى، ما هي العناصر التي تحقّق مفهوم الاُمّة الإسلاميّة وتستحقّ بها إطلاق عنوان الاُمّة عليها، فإنّ الملاك الذي يجعل الفرد جزءاً من الاُمّة الإسلاميّة أو يخرجه عنها هو الذي يكون موضوعاً للحقوق، ومناطاً لها وهو الذي يقرّر ما له وما عليه في إطار الاُمّة الإسلاميّة التي ينتمي إليها بسبب ذلك الملاك.

إنّ الملاك الذي يحقّق مفهوم الاُمّة وبموجبه يقوّم كيانها هو الذي يحدّد نوع

٣٥٣

العلاقات بين أفراد الاُمّة الواحدة أنفسهم ونوع العلاقات بينهم وبين الخارجين عن إطار هذه الاُمّة: فما هو إذن ذلك الملاك ( الملاك ) الذي يحقّق مفهوم الاُمّة الإسلاميّة ويصنع حقيقتها ويستتبع حقوقاً وواجبات خاصّة وما هي الرابطة التي تجعل الفرد جزءاً من هذه الاُمّة أو تخرجه من إطارها، ويفترض وجودها نمطاً واحداً من المقرّرات ؟

مكوّنات الاُمّة عند الحقوقيّين

إنّ العناصر التي تحقّق مفهوم الاُمّة وتكوّن واقعها الخارجيّ ـ في نظر الحقوقيّين ـ وتميّز جماعة عن اُخرى هي عبارة عن وحدة أفراد تلك الجماعة في إحدى هذه الاُمور أو جميعها :

١. الأرض.

٢. الدم والعنصر ( أو الجنس والأصل ).

٣. اللغة.

٤. التاريخ.

٥. المصلحة المشتركة(١) .

فهذه العناصر كلّها أو بعضها إذا توفّرت لدى جماعة، كانوا بذلك ( أمّة ) خاصّة تختلف عن الأمم الاُخرى، وقد بنى دعاة القوميّة أساس دعوتهم على هذه الوحدات، وميّزوا بها شعوبهم عن غيرها.

ولكنّ هذه العناصر، التي اعتبرها بعض الحقوقيّين ملاكات لتحقيق مفهوم الاُمّة ووجودها، وإن كان لها بعض التأثير في تمييز جماعة بشريّة عن اُخرى إلّا أنّها لا يمكن أن تكون صانعة لمفهوم الاُمّة، وواقعها الخارجيّ. لأنّها عناصر خارجة عن إرادة الإنسان وحدود اختياره. ومن المعلوم أنّ الاجتماع الحاصل عن ملاكات خارجة عن إطار الاختيار والإرادة لا تشكّل اجتماعاً حقيقيّاً يستحقّ صفة الاُمّة.

__________________

(١) راجع الاُمّة والعوامل المكوّنة لها لمحمّد المبارك.

٣٥٤

إنّ هذه العناصر وإن كانت تجمع جماعة من الناس، فإنّ هناك اُموراً اختياريّة تفرّقهم، وتبدّل هذا الاجتماع إلى الفرقة فلا تتحقّق ـ عندئذ ـ الاُمّة التي تعني وحدة الجماعة على اُسس جامعة لا تقبل تفكّكاً ولا تنالها أيدي التمزيق.

إنّ ( الاُمّة ) هي الجماعة التي يلتقي أفرادها على رابطة جامعة حقيقيّة وهي لا تكوّن إلّا ما يشترك فيه الأفراد اشتراكاً اختيارياً اراديّاً، ويكون قادراً على جمعهم حول محور واحد، ودفعهم في مسير واحد بحيث يحسّ البعض باحساس الآخر ويتألم لتألمّه، ويطلب للغير ما يطلبه لنفسه ويكره له ما يكره لنفسه وهذا لا يحصل بالاتّحاد في المولد أو الاشتراك في الدم أو اللغة أو التاريخ وهم لا يشتركون في تلك الرابطة الجامعة الحقيقيّة.

وبتعبير آخر: انّ المجتمع الذي ينطوي على تباين في الاُسس الفكريّة، واختلاف في الاتجاهات المسلكيّة، وتنوّع في الآمال والمطاليب كيف يمكن أن يجتمع أفراده في وحدة متماسكة، وتكون مجموعة بشريّة خاصّة تستحقّ إطلاق صفة الاُمّة عليها ؟

لا شكّ أنّ مثل هذه الاُمّة المختلفة في آرائها، وأهوائها تؤول ـ لا محالة ـ إلى التفرّق، وينتهي آخر أمرها إلى التفكّك إذ لا جامع حقيقيّ يجمعهم، ولا رابط واقعي يربط بينهم.

إنّ مجرد الاتحاد والوحدة في الاُمور الخارجة عن الاختيار والإرادة كالملاكات التي ذكرها بعض الحقوقيّين لتكوّن مفهوم الاُمّة مع وجود الاختلاف والتباين في الآراء والأهواء، وفي النظريّات والعقائد التي يقدسها الأفراد ويعتبرونها أعزّ الأشياء ويضحّون في سبيلها بالغالي والرخيص، لا يجدي نفعاً في تشكيل الاُمّة الواحدة، وتكوين الجماعة المتميّزة عن غيرها إلى درجة تستحقّ إطلاق الاُمّة عليها.

لنفترض مواطنين ولدا على أرض واحدة أو يعيشان عليها، وينتميان إلى عرق واحد، ويشتركان في اللغة والتاريخ، ولكنّهما يختلفان في العقيدة والمسلك فيعتقد أحدهما بأصالة الفرد، ويرى إعطاءه الحريّة المطلقة في كلّ المجالات، بحجّة أنّ ما هو

٣٥٥

الموجود والمؤثّر حقيقة هو الفرد وليس للمجتمع حقيقة وراء الأفراد فلا بدّ أن تضمن مصالح الفرد فقط ويجوز للفرد بسبب ذلك أن يفعل ما يريد لتحقيق غاياته الماديّة فيشعل نيران الحروب لكي يبيع على المتحاربين أسلحته ومعداته، وقع ما وقع من المآسي والويلات !!.

بينما يعتقد المواطن الآخر نقيض هذا الرأي فيرى بحكم اعتقاده بأصالة المجتمع إعطاء الأولويّة للمجتمع ومصالحه ومسائله باعتبار أنّ بقاء الفرد ببقاء المجتمع فلا بدّ أن يخضع الفرد للمجتمع خضوعاً كاملاً ويضحّي بكلّ مصالحه في سبيل مصالح المجتمع، فلا يأخذ من نتاج يده إلّا ما يسدّ رمقه لينتعش المجتمع، وتأمن مصالحه.

لنفترض هذين المواطنين المختلفين في الرأي والمسلك، هل يمكن أن توحّدهم رابطة الدم أو التاريخ أو اللغة أو الميلاد على أرض واحدة ؟

وهل يكمن أن يتكوّن منهما ـ والحال هذه ـ أمّة ذات طابع خاصّ، ووحدة متميّزة، وضمير واحد وإحساس واحد وعلاقة واحدة.

إنّ العناصر التي ذكرها الحقوقيّون وإن كان لها تأثير ما في تجميع الأفراد على صعيد واحد، إلّا أنّها ما لم تنضم إليها العوامل الإراديّة الاختياريّة لا يؤول توفّرها في جماعة إلى تكوّن الاُمّة بحقيقتها وجوهرها. فإنّ هذه العناصر ما لم تنضمّ إلى عامل الوحدة العقائديّة الاختياريّ، الذي بإمكانه أن يهدم فقدانه أيّة وحدة ناشئة من الدم أو اللغة أو التاريخ أو الأرض، لا تحقّق ( الاُمّة ) ولو تحقّقت لا تتجاوز حقيقتها عن اجتماع الأبدان مع التفرّق في الأهواء.

من هنا لا يكون ما جاء في البند الأوّل من وثيقة حقوق الإنسان من أنّ ( ابناء الإنسان إخوة من دون أي تمييز حتّى في الدين ) وجيهاً فكيف يكون رجلان إخوة وبينهما غاية التباعد والتباين في المسلك والفكر، أم كيف يمكن أن تحصل الاُخوّة والحال هذه ؟

إنّ وحدة الأفراد وتحقيق مفهوم الاُمّة الواحدة رهن بأن يكون الأفراد مختارين في انتخاب ( شركاء ) حياتهم، ومن يتّحدون معه وهو أمر لا يحصل إلّا إذا كان بين

٣٥٦

الشريكين وحدة الفكر، فماذا تجدي وحدة الأرض أو اللغة وفي مقدور ( الاختلاف الفكري ) أن ينسف تلك الوحدة الناشئة من الأرض أو اللغة في أي لحظة من اللحظات ؟ ولأجل ذلك نجد القرآن الكريم يقيّم الاخّوة على أساس الإيمان فيصف المؤمنين بالإخوة قائلاً:( إِنَّمَا المُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ ) ( الحجرات: ١٠ ).

فاتّحاد الفكر والإيمان وحده هو القادر على جمع الأفراد، لا وحدة الأرض مع اختلاف الرأي، ولا وحدة اللغة مع اختلاف العقيدة ولا وحدة الدم مع اختلاف الاتّجاه.

فقد نقل أنّه كان أوّل من طرح فكرة بناء الاُمّة على العناصر والروابط المذكورة الخارجة عن نطاق الاختيار هو « جوبينو » حيث طرح وحدة العنصر أساساً للقوميّة الواحدة وجعل الاتحاد في العنصر مقوّماً من مقوّمات الاُمّة الواحدة ذات الصفة الخاصّة، ولقد صارت هذه النظريّة أساساً للسياسات الخشنة التي تبنّاها موسوليني وهتلر، وكانت أبرز عامل لوقوع الحرب العالميّة الاُوّلى التي جرّت على البشريّة أسوء الويلات.

المِلاك الإسلاميّ للاُمّة

ولكنّ الإسلام يجعل العامل المكوّن للاُمّة والذي يترتّب عليه التعامل والتعايش الخاصّ شيئاً آخر هو الوحدة في الإيمان، فإنّ وحدة الناس في العقيدة والإيمان ( وهو أمر اختياريّ وله كلّ التأثير في الحياة الاجتماعيّة ) هي التي تصلح أن تكون أساس اجتماع الناس واتفاقهم بحيث يصحّ إطلاق وصف الاُمّة عليهم كما أنّ عدمها يوجب تفرّقهم وبطلان وصف الاُمّة في شأنهم.

إنّ لفظة الاُمّة تنطوي على وحدة الهدف الذي يقصد، والغاية التي تؤم(١) ولا ريب أنّ وحدة الأيديولوجيّة والعقيدة هي التي تجعل الجماعة المعتنقة لتلك العقيدة ذات هدف واحد، وغاية واحدة ومقصد واحد ولذلك فهي أجدر من غيرها ( من العناصر

__________________

(١) خصوصاً إذا جعلنا الاُمّة مأخوذة من أمّ بمعنى قصد.

٣٥٧

المذكورة لتكوّن الاُمّة ) على تكوين مفهوم الاُمّة، وحقيقتها على الصعيد الخارجيّ.

وإلى هذا يشير القرآن ويرى أنّ الملاك الجامع بين أفراد المجتمع، الصانع منهم أمّة واحدة ليس هو إلّا وحدة الإيمان بالله إذ قال :

أ ـ( إِنَّمَا المُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ ) ( الحجرات: ١٠ ).

ب ـ( إِنَّ هَٰذِهِ أُمَّتُكُمْ أمّة وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ ) ( الأنبياء: ٩٢ ).

ج ـ( وَإِنَّ هَٰذِهِ أُمَّتُكُمْ أمّة وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاتَّقُونِ ) (١) ( المؤمنون: ٥٢ ).

د ـ( كُنتُمْ خَيْرَ أمّة أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ المُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللهِ ) ( آل عمران: ١١٠ ).

ه‍ ـ( فَإِن تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ ) ( التوبة: ١١ ).

إنّ الناظر إلى هذه الآيات القرآنية الكريمة يلاحظ أنّ الله سبحانه جعل الاُمّة الإسلاميّة موضع خطابه بما هم مؤمنين وجعل ملاك الاخوة والاجتماع هو الإيمان، ووحدة العقيدة. وقد صرّحت الأحاديث المرويّة عن النبيّ الأكرمصلى‌الله‌عليه‌وآله بهذا الموضوع في أكثر من موضع، حتّى أنّ الأمر قد أصبح من أوضح الواضحات فقد ورد عن النبيّ الأكرمصلى‌الله‌عليه‌وآله أنّه قال: « أيُّها النّاس إنّ ربّكم واحد وإنّ أباكم واحد، كلّكم لآدم وآدم من تراب إنّ أكرمكم عند الله أتقاكم وليس لعربيّ على أعجميّ فضل إلّا بالتقوى »(٢) .

__________________

(١) من الجدير بالذكر أنّ الآية ٩٢ من سورة الأنبياء خطاب للمسلمين، بينما الآية ٥٢ من سورة المؤمنون خطاب للرسل واُممهم ممّا يعني أنّ الملاك الإسلاميّ القرآنيّ المعتبر لتكوّن الاُمّة هو الإيمان ووحدة العقيدة، لم يكن بالنسبة للاُمّة الإسلاميّة فقط بل كان بالنسبة لاُمم الرسل السابقين على النبيّ الأكرم والاُمّة الإسلاميّة أيضاً وإليك الآية :

( يَا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَاعْمَلُوا صَالِحًا إِنِّي بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ *وَإِنَّ هَٰذِهِ أُمَّتُكُمْ أمّة وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاتَّقُونِ ) .

(٢) تحف العقول: ٣٠ من خطبة الوداع.

٣٥٨

وقالصلى‌الله‌عليه‌وآله أيضاً: « أيّها الناس أنّ الله قد أذهب عنكم نخوة الجاهلية، وتفاخرها بآبائها ألا أنّكم من آدم وآدم من طين، ألا أنّ خير عباد الله عبد اتّقاه.

أنّ العربيّة ليست بأب والد، ولكنّها لسان ناطق، فمن قصّر به عمله لم يبلغه حسبه »(١) .

وقالصلى‌الله‌عليه‌وآله في خطبة حجة الوداع: « اسمعوا قولي واعقلوه تعلمنّ أنّ كلّ مسلم أخ للمسلم، وأنّ المسلمين إخوة »(٢) .

وقالصلى‌الله‌عليه‌وآله : « ذمّة المسلمين واحدة يسعى بها أدناهم »(٣) .

وقال الإمام عليّ بن أبي طالبعليه‌السلام : « من استقبل قبلتنا وأكل ذبيحتنا وآمن بنبيّنا وشهد شهادتنا دخل في ديننا وأجرينا عليه حكم القرآن وحدود الإسلام ليس لأحد فضل على أحد إلّا بالتقوى.

ألا إنّ للمتقين عند الله أفضل الثواب وأحسن الجزاء والمثاب »(٤) .

وورد عن النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله قوله: « إنّما المؤمنون في تراحمهم وتعاطفهم [ وتوادّهم ] بمنزلة الجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالحمّى والسّهر »(٥) .

وقال الإمام الصادق جعفر بن محمدعليهما‌السلام : « المسلم أخو المسلم وحقُّ

__________________

(١) الكافي ٨: ٢٤٦، ومشكاة الأنوار للطبرسيّ: ٥٩.

(٢) الأموال: ٢٦٨.

(٣) السيرة النبويّة لابن هشام ٤: ٦٠٤.

(٤) بحار الأنوار ١٥: ١٨٢ ونقل أيضاً هكذا :

قال النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله : « إنّ الله تعالى جعل الإسلام دينه وجعل كلمة الإخلاص حسنا له فمن استقبل قبلتنا وشهد شهادتنا، وأحلّ ذبيحتنا فهو مسلم له ما لنا وعليه ما علينا » نوادر الراونديّ: ٢١، وبحار الأنوار ٦٨: ٢٨٨، وراجع الخراج لأبي يوسف: ١٤١.

(٥) سفينة البحار ١: مادة أخ، ونقله أيضاً البخاريّ ومسلم حيث نقلاه بصيغة مماثلة: « مثل المؤمنين في توادّهم وتراحمهم وتعاطفهم مثل الجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسّهر والحمّى » راجع التاج ٥: ١٧ ورواه أحمد بن حنبل في ٤: ٧.

٣٥٩

المسلم على أخيه المسلم أن لا يشبع ويجوع أخوه ولا يروى ويعطش أخوه، ولا يكتسي ويعرى أخوه فما أعظم حقُّ المسلم على أخيه المسلم »(١) .

وقال النبيّ الأكرمصلى‌الله‌عليه‌وآله : « المسلمون [ إخوة ] تتكافأ دماؤهم ويسعى بذمتهم أدناهم ويردُّ عليهم أقصاهم وهم يد على من سواهم »(٢) .

ولم يقتصر الإسلام على اعتبار الإيمان ملاكاً للانخراط في سلك الاُمّة الإسلاميّة، بل نفى كلّ ما سوى ذلك من العناصر التي ربّما يتمسّك بها الناس للتفريق بين جماعة واُخرى كاللون أو اللغة أو ما شابه ذلك.

وقد قام النبيّ الأكرم باتخاذ هذا الموقف عمليّاً في عدة قصص ؛ منها قصة جويبر فإنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله نظر إلى جويبر ذات يوم برحمة منه له ورقّة عليه فقال له: « يا جُويبر لو تزوجت امرأةً فعففت بها فرجك وأعانتك على دُنياك وآخرتك »

قال جويبر: ـ يا رسول بأبي أنت واُمّي من يرغب فيّ، فوالله ما من حسب ولا نسب ولا مال ولا جمال فأيّة امرأة ترغب فيّ ؟

فقالصلى‌الله‌عليه‌وآله : « يا جويبر إنّ الله قد وضع بالإسلام من كان في الجاهلية شريفاً، وشرّف بالإسلام من كان في الجاهلية وضيعاً وأعزّ بالإسلام من كان في الجاهلية ذليلاً، وأذهب بالإسلام ما كان من نخوة الجاهلية وتفاخرها بعشائرها وباسق أنسابها فالناس اليوم كلُّهم، أبيضهم وأسودهم وقرشيهم وعربيهم وعجميهم من آدم وإنّ آدم خلقه الله من طين وإنّ أحبّ النّاس إلى الله عزّ وجلّ يوم القيامة أطوعهم له، وأتقاهم وما أعلم يا جويبر لأحد من المسلمين عليك اليوم فضلاً إلّا لمن كان أتقى لله منك وأطوع » ثمّ قال له: « انطلق يا جويبر إلى زياد بن لبيد فإنّه من أشرف بني بياضة [ قبيلة من الأنصار ] حسباً فيهم فقل له: إنّي رسول رسول الله إليك وهو يقول لك: زوّج جويبراً ابنتك

__________________

(١) سفينة البحار ١: مادة أخ.

(٢) المجازات النبويّة للشريف الرضيّ: ١٧، وأخرجه أبو داود وابن ماجة مع فارق بسيط جداً ووسائل الشيعة ١٩: ٥٥.

٣٦٠

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

461

462

463

464

465

466

467

468

469

470

471

472

473

474

475

476

477

478

479

480

481

482

483

484

485

486

487

488

489

490

491

492

493

494

495

496

497

498

499

500

501

502

503

504

505

506

507

508

509

510

511

512

513

514

515

516

517

518

519

520

521

522

523

524

525

526

527

528

529

530

531

532

533

534

535

536

537

538

539

540

541

542

543

544

545

546

547

548

549

550

551

552

553

554

555

556

557

558

559

560

561

562

563

564

565

566

567

568

569

570

571

572

573

574

575

576

577

578

579

580

581

582

583

584

585

586

587

588

589

590

591

592

593

594

595

596

597

598

599

600

601

602

603

604

605

606

607

608

609

610

611

612

613

614

615

616

617

618

619

620

621

622

623

624

625

626

627