مفاهيم القرآن الجزء ٢

مفاهيم القرآن9%

مفاهيم القرآن مؤلف:
الناشر: مؤسّسة الإمام الصادق (عليه السلام)
تصنيف: مفاهيم القرآن
الصفحات: 627

الجزء ١ الجزء ٢ الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥ الجزء ٦ الجزء ٧ الجزء ٨ الجزء ٩ الجزء ١٠
  • البداية
  • السابق
  • 627 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 227916 / تحميل: 6434
الحجم الحجم الحجم
مفاهيم القرآن

مفاهيم القرآن الجزء ٢

مؤلف:
الناشر: مؤسّسة الإمام الصادق (عليه السلام)
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

جلاله هل يوصف بمكان؟ فقال: تعالى عن ذلك. قلت: فلم أسرى بنبيه محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله إلى السماء؟ قال: ليريه ملكوت السموات وما فيها من عجائب صنعه وبدايع خلقه. قلت فقول الله عز وجل: ثم دنى فتدلى فكان قاب قوسين أو أدنى؟ قال: ذاك رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله دنا من حجب النور فرأى ملكوت السموات، ثم تدلىصلى‌الله‌عليه‌وآله فنظر من تحته إلى ملكوت الأرض حتى ظن أنه في القرب من الأرض كقاب قوسين أو أدنى.

- وروى النيسابوري في روضة الواعظين ص ٣٣

قال عكرمة: بينما ابن عباس يحدث الناس إذ قام نافع بن الأزرق فقال: يابن عباس، تفتي في النملة والقملة، صف لنا إلهك الذي تعبده. فأطرق ابن عباس إعظاماً لله عز وجل، وكان الحسين بن علي قاعداً في موضع فقال: إليَّ يابن الأزرق، فقال: لست إياك أسأل، فقال ابن عباس: يابن الأزرق إنه من أهل بيت النبوة وهم ورثة العلم، فأقبل نافع بن الأزرق نحو الحسين فقال الحسينعليه‌السلام : يا نافع، إن من وضع دينه على القياس لم يزل الدهر في التباس، مائلاً على المنهاج ظاعناً في الإعوجاج، ضالاً عن السبيل قائلاً غير الجميل، يابن الأزرق أصف إلهي بما وصف به نفسه وأعرفه بما عرف به نفسه: لا يدرك بالحواس ولا يقاس بالناس، فهو قريب غير ملتصق، وبعيد غير منفصل، يوحد ولا يبعض، معروف بالآيات، موصوف بالعلامات، لا إله إلا هو الكبير المتعال.

- وقال الطوسي في تفسير التبيان ج ٩ ص ٤٢٤

وقوله: ما كذب الفؤاد ما رأى، قال ابن عباس: رأى ربه بقلبه، وهو معنى قوله علمه، وإنما علم ذلك بالآيات التي رآها.

وقال ابن مسعود وعائشة وقتادة: رأى محمد جبرائيل على صورته.

وقال الحسن: يعني ما رأى من مقدورات الله تعالى وملكوته.

وقال الحسن: عرج بروح محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله إلى السماء وجسده في الأرض.

وقال أكثر المفسرين وهو الظاهر من مذهب أصحابنا والمشهور في أخبارهم: أن

٣٢١

الله تعالى صعد بجسمه حياً سليماً حتى رأى ملكوت السموات وما ذكره الله بعيني رأسه، ولم يكن ذلك في المنام بل كان في اليقظة..... ومعنى: ما كذب الفؤاد، أي ما توهم أنه يرى شيئاً وهو لا يراه من جهة تخيله لمعناه، كالرائي للسراب بتوهمه ماء ويرى الماء من بعيد فيتوهمه سراباً. ومن شدد أراد لم يكذب فؤاد محمد ما رأت عيناه من الآيات الباهرات فعداه.

- وفي تفسير نور الثقلين ج ٥ ص ١٥٥

في تفسير علي بن ابراهيم: حدثني أبي، عن أحمد بن محمد بن أبي نصر، عن علي بن موسى الرضاعليه‌السلام قال قال لي: يا أحمد ما الخلاف بينكم وبين أصحاب هشام بن الحكم في التوحيد؟ فقلت: جعلت فداك قلنا نحن بالصورة، للحديث الذي روى أن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله رأى ربه في صورة شاب، وقال هشام بن الحكم بالنفي للجسم، فقال: يا أحمد إن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله لما أسري به إلى السماء وبلغ عند سدرة المنتهى، خرق له في الحجب مثل سم الإبرة فرأى من نور العظمة ما شاء الله أن يرى وأردتم أنتم التشبيه، دع هذا يا أحمد لا ينفتح عليك منه أمر عظيم.

- ورواه في بحار الأنوار ج ٣ ص ٣٠٧ ، وقال: المراد بالحجب إما الحجب المعنوية، وبالرؤية الرؤية القلبية، أو الحجب الصورية، فالمراد بنور العظمة آثار عظمته برؤية عجائب خلقه.

- وفي بحار الأنوار ج ٤ ص ٣٧

بيان: إعلم أن المفسرين اختلفوا في تفسير تلك الآيات قوله تعالى: ما كذب الفؤاد ما رأى، يحتمل كون ضمير الفاعل في رأى راجعاً إلى النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وإلى الفؤاد. قال البيضاوي: ما كذب الفؤاد ما رأى ببصره من صورة جبرئيل، أو الله، أي ما كذب الفؤاد بصره بما حكاه له، فإن الأمور القدسية تدرك أولاً بالقلب ثم تنتقل منه إلي البصر، أو ما قال فؤاده لما رآه: لم أعرفك، ولو قال ذلك كان كاذباً، لأنه عرفه بقلبه كما رآه بصره، أو ما رآه بقلبه، والمعنى لم يكن تخيلاً كاذباً. ويدل عليه أنه سئلعليه‌السلام هل رأيت ربك فقال: رأيته بفؤادي، وقرئ (ما كذَّب) أي صدقه ولم يشك فيه....

٣٢٢

قوله تعالى: ولقد رآه نزلة أخرى، قال الرازي: يحتمل الكلام وجوهاً ثلاثة: الأول الرب تعالى، والثاني جبرئيلعليه‌السلام ، والثالث الآيات العجيبة الإلهية. انتهى. أي ولقد رآه نازلاً نزلة أخرى فيحتمل نزولهصلى‌الله‌عليه‌وآله ونزول مرئية.

فإذا عرفت محتملات تلك الآيات عرفت سخافة استدلالهم بها على جواز الرؤية ووقوعها بوجوه:

الأول: أنه يحتمل أن يكون المرئي جبرئيل، إذا المرئي غير مذكور في اللفظ، وقد أشار أمير المؤمنينعليه‌السلام إلى هذا الوجه في الخبر السابق.

وروى مسلم في صحيحه بإسناده عن زرعة عن عبد الله: ما كذب الفؤاد ما رأى، قال: رأى جبرئيلعليه‌السلام له ستمائة جناح. وروى أيضاً بإسناده عن أبي هريرة، ولقد رآه نزلة أخرى قال: رأى جبرئيلعليه‌السلام بصورته التي له في الخلقة الأصلية.

الثاني: ما ذكرهعليه‌السلام في هذا الخبر وهو قريب من الأول لكنه أعم منه.

الثالث: أن يكون ضمير الرؤية راجعاً إلى الفؤاد، فعلى تقدير إرجاع الضمير إلى الله تعالى أيضاً لا فساد فيه.

الرابع: أن يكون على تقدير إرجاع الضمير إليهصلى‌الله‌عليه‌وآله وكون المرئي هو الله تعالى، المراد بالرؤية غاية مرتبة المعرفة ونهاية الإنكشاف.

وأما استدلالهعليه‌السلام بقوله تعالى: ليس كمثله شيء، فهو إما لأن الرؤية تستلزم الجهة والمكان وكونه جسماً أو جسمانياً، أو لأن الصورة التي تحصل منه في المدركة تشبهه.

رأي الشيعة الزيدية في نفي الرؤية

- مختصر في العقيدة للدكتور المرتضى بن زيد المحطوري ص ١١

٨ - الله سبحانه وتعالى لا يرى بالأبصار. لأنه ليس جسماً ولا عرضاً لا يُرى، والدليل على ذلك - عقلاً ونقلاً:

٣٢٣

دليل العقل: إن حاسة الرؤية إذا كانت سليمة ولم يمنع مانع من الرؤية من ظلام أو إضاءة زائدة أو بعد أو قرب ملاصق للعين، فعندما توجد شروط الرؤية المذكورة تستطيع العين رؤية الموجودات. والله سبحانه وتعالى موجود ولم نره، ولا يصح لنا أن نراه، لأن المرئي يجب أن يكون جسماً يرى، وله لون، وفي جهة من الجهات، والله سبحانه وتعالى ليس كذلك، فعظمته سبحانه في خفائه بدليل أن أعظم سر نبحث عنه هو الحياة والروح والعقل والتفكير والتمييز والفرح والحزن ونحو ذلك مما لا نقدر على وضع اليد عليه مع علمنا بوجوده، فالكائنات الحية معجزة في تكوينها.ولكن الروح التي لا ندركها معجزة أكبر(ويسألونك عن الروح قل الروح من أمر ربي) فكيف يرى الله والروح بعض أسراره؟

وكيف يخفى والشمس بعض آياته؟!

نراه سبحانه بعيون التصديق والإيمان في آياته الباهرة وآثاره الظاهرة، نراه بالبصائر لا بالأبصار.

ومن زعم أنه يرى في الآخرة فقد استدل بقوله سبحانه(إلى ربها ناظرة) وهي مؤولة بحذف مضاف والتقدير إلى رحمة ربها ناظرة لأنها مقابلة للآية التي بعدها(تظن أن يفعل بها فاقرة) والمقابلة تقتضي ذلك فوجوه منتظرة لرحمة الله، ووجوه تتوقع غضبه ونقمته.

ومن جهة ثانية: فقد ورد ناظر بمعنى منتظر كما في قوله سبحانه(ما ينظرون إلا صيحة) والصيحة لا تنظر بالعين وإنما تنتظر. وكذلك قوله تعالى - حكاية عن بلقيس -(فناظرة بم يرجع المرسلون) . والدليل إذا طرقه الإحتمال بطل الإستدلال به.

كما أن أهل البيتعليهم‌السلام مجمعون على عدم تجويز رؤية الله، وإجماعهم حجة، كما قال ابن تيمية وغيره، والأحاديث الواردة في هذا الشأن تعرض على القرآن، والقرآن ينفي عن الله الرؤية لأنها تقتضي التشبيه.

فالحديث الذي يقول (إنكم ترون ربكم كالقمر) يؤدي إلى تشبيه الله بخلقه

٣٢٤

كالقمر، وإن كان الحديث لا يفيد ذلك، فهو الذي نريد ويكون معناه ترون وعده ووعيده وصدق ما أخبركم به كالقمر عياناً، وإلا توقفنا عن العمل بحديث ظني يؤدي إلى التشبيه والتجسيم تعالى الله عن ذلك، والأخذ بالآية المحكمة أولى من الأخذ بالمتشابه.

تفسيرهم الموافق لمذهبنا

- صحيح مسلم ج ١ ص ١٠٩

- عن أبي ذر قال سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم: هل رأيت ربك قال: نور، أنى أراه!

عن عبد الله بن شقيق قال قلت لأبي ذر: لو رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم لسألته، فقال عن أى شيء كنت تسأله؟ قال كنت أسأله هل رأيت ربك؟ قال أبوذر: قد سألته فقال: رأيت نوراً.

حدثنا عباد وهو ابن العوام حدثنا الشيباني قال سألت زر بن حبيش عن قول الله عز وجل:فكان قاب قوسين أو أدنى ، قال أخبرني ابن مسعود أن النبي صلى الله عليه وسلم رأى جبريل له ستمائة جناح.

عن زر، عن عبد الله قال: ما كذب الفؤاد ما رأى، قال: رأى جبريلعليه‌السلام له ستمائة جناح.

زر بن حبيش، عن عبد الله قال: لقد رأى من آيات ربه الكبرى، قال: رأى جبريل في صورته له ستمائة جناح.

عن عطاء، عن أبي هريرة: ولقد رآه نزلة أخرى، قال: رأى جبريل.

عن عبد الملك عن عطاء، عن ابن عباس قال: رآه بقلبه.

عن أبي العالية، عن ابن عباس قال:ما كذب الفؤاد ما رأى * ولقد رآه نزلة أخرى ، قال: رآه بفؤاده مرتين. انتهى.

٣٢٥

- وروى الترمذي في ج ٥ ص ٧٠ ، عدة روايات في رؤية النبي لربه في الإسراء بقلبه، وروايتين في رؤيته له بعينه، قال: عن عكرمة، عن ابن عباس قال: ما كذب الفؤاد ما رأى، قال رآه بقلبه. هذا حديث حسن....

عن قتادة، عن عبد الله ابن شقيق، قال قلت لأبي ذر لو أدركت النبي صلى الله عليه وسلم لسألته، فقال عما كنت تسأله؟ قلت: أسأله هل رأى محمد ربه؟ فقال: قد سألته فقال: نوراً، أنى أراه! هذا حديث حسن.

- عن عبد الرحمن بن يزيد عن عبد الله: ما كذب الفؤاد ما رأى، قال: رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم جبرائيل في حلة من رفرف قد ملأ ما بين السماء والأرض. هذا حديث حسن صحيح.

عن عكرمة عن ابن عباس قال: رأى محمد ربه، قلت أليس الله يقول:لا تدركه الأبصار وهو يدرك الأبصار ، قال ويحك ذاك إذا تجلى بنوره الذى هو نوره وقد رأى محمد ربه مرتين. هذا حديث حسن غريب.

عن ابن عباس في قول الله:ولقد رآه نزلة أخرى * عند سدرة المنتهى * فأوحى إلى عبده ما أوحى .[فكان قاب قوسين أو أدنى]. قال ابن عباس: قد رآه النبي صلى الله عليه وسلم. هذا حديث حسن. انتهى.

- وروى أحمد في مسنده ج ١ ص ٢٢٣

عن ابن عباس في قوله عز وجل: ما كذب الفؤاد ما رأى، قال: رأى محمد ربه عز وجل بقلبه مرتين.

- وقال السيوطي في الدر المنثور ج ٦ ص ١٢٣

وأخرج الفريابي وعبد بن حميد والترمذي وصححه وابن جرير وابن المنذر والطبراني وأبوالشيخ والحاكم وصححه وابن مردويه وأبونعيم والبيهقي معاً في الدلائل عن ابن مسعودرضي‌الله‌عنه قوله ما كذب الفؤاد ما رأى، قال: رأى صلى الله عليه وسلم جبريل عليه حلتا رفرف أخضر قد ملأ ما بين السماء والأرض.

٣٢٦

وأخرج مسلم وأحمد والطبراني وابن مردويه والبيهقي في الأسماء والصفات عن ابن عباس في قوله: ما كذب الفؤاد ما رأى ولقد رآه نزلة أخرى، قال: رأى محمد ربه بقلبه مرتين.

وأخرج عبد بن حميد والترمذي وحسنه وابن جرير وابن المنذر والطبراني عن ابن عباس في قوله: ما كذب الفؤاد ما رأى، قال: رآه بقلبه.

وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم عن محمد بن كعب القرظي عن بعض أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم قال قالوا يا رسول الله هل رأيت ربك؟ قال لم أره بعيني، ورأيته بفؤادي مرتين.

وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم عن أبي العالية قال سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم هل رأيت ربك؟ قال: رأيت نهراً ورأيت وراء النهر حجاباً، ورأيت وراء الحجاب نوراً لم أره غير ذلك.

وأخرج عبد بن حميد وابن جرير عن أبي العالية في قوله: ما كذب الفؤاد ما رأى، قال: محمد، رآه بفؤاد ولم يره بعينيه.

وأخرج عبد بن حميد وابن جرير عن أبي صالح في قوله: ما كذب الفؤاد ما رأى، قال: رآه مرتين بفؤاده.

وأخرج عبد بن حميد عن سعيد بن جبير قال: ما أزعم أنه رآه، وما أزعم أنه لم يره.

وأخرج مسلم والترمذي وابن مردويه عن أبي ذر قال: سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم هل رأيت ربك؟ فقال نور، أنى أراه؟! وأخرج مسلم وابن مردويه عن أبي ذر أنه سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم هل رأيت ربك؟ فقال رأيت نوراً!

وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم وابن مردويه عن أبي ذر قال: رآه بقلبه ولم يره بعينيه.

وأخرج النسائي عن أبي ذر قال: رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم ربه بقلبه ولم يره ببصره.

٣٢٧

وأخرج مسلم والبيهقي في الدلائل عن أبي هريرة في قوله: ولقد رآه نزلة أخرى، قال: رأى جبريلعليه‌السلام .

وأخرج عبد بن حميد عن إبراهيم قال: رأى جبريل في صورته.

وأخرج عبد بن حميد عن مرة الهمداني قال: لم يأته جبريل في صورته إلا مرتين، فرآه في خضر يتعلق به الدر.

وأخرج عبد بن حميد عن قتادة في قوله ولقد رآه نزلة أخرى، قال: رأى نوراً عظيماً عند سدرة المنتهى.

وأخرج أبوالشيخ وابن مردويه عن ابن مسعود ولقد رآه نزلة أخرى، قال: رأى جبريل معلقاً رجله بسدرة عليه الدر كأنه قطر المطر على البقل.

وأخرج أبوالشيخ عن ابن مسعود: ولقد رآه نزلة أخرى عند سدرة المنتهى، قال: رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم جبريل في صورته عند السدرة له ستمائة جناح، جناح منها سد الأفق يتناثر من أجنحته التهاويل الدر والياقوت ما لا يعلمه إلا الله.

وأخرج آدم بن أبي إياس والبيهقي في الأسماء والصفات عن مجاهد، إذ يغشى السدرة ما يغشى، قال: كان أغصان السدرة من لؤلؤ وياقوت، وقد رآها محمد بقلبه ورأى ربه.

وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم والبيهقي في الدلائل عن عائشةرضي‌الله‌عنها قالت: كان أول شأن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه رأى في منامه جبريل بأجياد ثم خرج لبعض حاجته فصرخ به جبريل يا محمد يا محمد، فنظر يميناً وشمالاً فلم ير شيئاً ثلاثاً، ثم رفع بصره فإذا هو ثان إحدى رجليه على الأخرى على أفق السماء، فقال يا محمد جبريل جبريل يسكنه، فهرب النبي صلى الله عليه وسلم حتى دخل في الناس، فنظر فلم ير شيئاً، ثم خرج من الناس فنظر فرآه، فذلك قول الله: والنجم إذا هوى ما ضل صاحبكم وما غوى إلى قوله: ثم دنا فتدلى، يعني جبريل إلى محمد، فكان قاب قوسين أو أدنى، يقول القاب نصف الإصبع، فأوحى إلى عبده ما أوحى، جبريل إلى عبد ربه.

٣٢٨

وروى حديث (في حلة من رفرف) أحمد في ج ١ ص ٣٩٤ و ص ٤١٨ والحاكم ج ٢ ص ٤٦٨، وكلها عن عبد الله بن عمر، وقال الحاكم (صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه)

- الجواهر الحسان للثعالبي ج ٣ ص ٢٥٢

أنكر جمهور العلماء الأشاعرة من أهل السنة حديث مشرك بن أبي خمر الذي يثبت فيه الدنو والتدلي لرب العزة، سبحانه وتعالى عما يصفون.... ذهب البيهقي إلى ترجيح ما روي عن عائشة وابن مسعود وأبي هريرة ومن حملهم هذه الآيات (ثم دنى فتدلى..) عن رؤية جبرئيل، ورواية شريك تنقضها رواية أبي ذر الصحيحة، قال يا رسول الله هل رأيت ربك؟ قال: نور، أنى أراه!

- مصابيح السنة للبغوي ج ٤ ص ٣٠

عن زرارة بن أوفى: أن رسول الله (ص) قال لجبرئيل: هل رأيت ربك؟ فانتفض جبرئيل وقال: يا محمد إن بيني وبينه سبعين حجاباً من نور، لو دنوت من بعضها لاحترقت.

ونفى قدماء المتصوّفة الرؤية بالعين في الدنيا

- التعرف لمذهب أهل التصوف للكلاباذي المتوفى سنة ٣٨٠ قال في ص ٤٣:

وأجمعوا أنه لا يرى في الدنيا بالأبصار ولا بالقلوب إلا من جهة الإيقان، لأنه غاية الكرامة وأفضل النعم، ولا يجوز أن يكون ذلك إلا في أفضل المكان، ولو أعطوا في الدنيا أفضل النعم لم يكن بين الدنيا الفانية والجنة الباقية فرق، ولما منع الله سبحانه كليمه موسىعليه‌السلام ذلك في الدنيا، وكان من هو دونه أحرى. وأخرى أن الدنيا دار فناء، ولا يجوز أن يرى الباقي في الدار الفانية، ولو رأوه في الدنيا لكان الإيمان به ضرورة.

والجملة أن الله تعالى أخبر أنها تكون في الآخرة، ولم يخبر أنها تكون في الدنيا فوجب الإنتهاء إلى ما أخبر الله تعالى به.

٣٢٩

واختلفوا في النبي صلى الله عليه وسلم: هل رأى ربه ليلة المسرى، فقال الجمهور منهم والكبار إنه لم يره محمد صلى الله عليه وسلم ببصره، ولا أحد من الخلائق في الدنيا، على ما روي عن عائشة أنها قالت: من زعم أن محمداً رأى ربه فقد كذب.....

وقال بعضهم: رآه النبي صلى الله عليه وسلم ليلة المسرى، وإنه خص من بين الخلائق بالرؤية كما خص موسىعليه‌السلام بالكلام، واحتجوا بخبر ابن عباس وأسماء وأنس، منهم أبو عبد الله القرشي والشبلي وبعض المتأخرين.

وقال بعضهم: رآه بقلبه ولم يره ببصره، واستدل بقوله:ما كذب الفؤاد ما رأى .

ولا نعلم أحداً من مشايخ هذه العصبة المعروفين منهم والمتحققين به، ولم نر في كتبهم ولا مصنفاتهم ولا رسائلهم، ولا في الحكايات الصحيحة عنهم، ولا سمعنا ممن أدركنا منهم من زعم أن الله تعالى يرى في الدنيا أو رآه أحد من الخلق، إلا طائفة لم يعرفوا بأعيانهم.

بل زعم بعض الناس أن قوماً من الصوفية ادعوها لأنفسهم، وقد أطبق المشايخ كلهم على تضليل من قال ذلك وتكذيب من ادعاه، وصنفوا في ذلك كتباً، منهم أبو سعيد الخراز، وللجنيد في تكذيب من ادعاه وتضليله رسائل وكلام كثير. وزعموا أن من ادعى ذلك فلم يعرف الله عز وجل، وهذه كتبهم تشهد على ذلك.

تفسيرهم الذي فيه تجسيم

يلاحظ أن روايات إخواننا التي ادعت أن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله رأى ربه تعالى بعينه، ورد قليل منها في حادثة الإسراء والمعراج، وأكثرها ورد في حادثة غير مفهومة ادعى راويها أنها وقعت للنبيصلى‌الله‌عليه‌وآله في المدينة، وبعض رواياتها نصت على أنها منام، أو شك راويها في أن تكون في المنام.. الخ.

٣٣٠

- شرح مسلم للنووي - الساري ج ٢ ص ٩٤

قوله عن عبد الله بن مسعودرضي‌الله‌عنه في قوله تعالى: ما كذب الفؤاد ما رأى، قال رأى جبريل له ستمائة جناح، وهو مذهبه في هذه الآية.. وذهب الجمهور من المفسرين إلى أن المراد أنه رأى ربه سبحانه وتعالى. انتهى.

ويلاحظ أنه نسب القول بالرؤية بالعين إلى جمهور المفسرين، وهم نوعاً مفسروا العهد الأموي من تلامذة كعب الأحبار وجماعته أو من الرواة عنهم! ولكنه عاد ونسبها إلى أكثر العلماء، فقال في هامش الساري ج ٢ ص ٩٢:

الراجح عند أكثر العلماء أن رسول الله (ص) رأى ربه يعني بعيني رأسه ليلة الإسراء. انتهى. وهذا إن صحّ فهو يعني أن أكثرية علماء إخواننا قلدوا المفسرين من تلاميذ كعب وأعرضوا عن الأحاديث الصحيحة المعارضة لها.

- روى أحمد في مسنده ج ٤ ص ٦٦ وج ٥ ص ٣٧٨ وفي ج ١ ص ٣٦٨:

عن أبي قلابة عن ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: أتاني ربي عز وجل الليلة في أحسن صورة أحسبه يعني في النوم فقال يا محمد هل تدري فيم يختصم الملأ الأعلى؟ قال قلت لا، قال النبي صلى الله عليه وسلم فوضع يده بين كتفي حتى وجدت بردها بين ثديي أو قال نحري، فعلمت ما في السموات وما في الأرض، ثم قال يا محمد هل تدري فيم يختصم الملأ الأعلى؟ قال قلت نعم يختصمون في الكفارات والدرجات، قال وما الكفارات والدرجات؟ قال المكث في المساجد والمشي على الأقدام إلى الجمعات وابلاغ الوضوء في المكاره، ومن فعل ذلك عاش بخير ومات بخير وكان من خطيئته كيوم ولدته أمه! وقال: يا محمد أصليت اللهم إني أسألك الخيرات وترك المنكرات وحب المساكين وإذا أردت بعبادك فتنة أن تقبضني إليك غير مفتون، قال والدرجات: قل إذا بذل الطعام وإفشاء السلام والصلاة بالليل والناس نيام.

٣٣١

-ورواه الهيثمي في مجمع الزوائد ج ٧ ص ١٧٦ - ١٧٨ بعدة روايات، وقال عن رواية ابن عايش: رواه أحمد ورجاله ثقات. وقال: عن ربيع بن أنس أن النبي (ص) قال رأيت ربي.... قال أحمد بن حنبل: أنا أقول بحديث ابن عباس بعينه، رآه رآه حتى انقطع نفس أحمد.

- وروى الترمذي في سننه ج ٥ ص ٤٤ وقال:

وقد ذكروا بين أبي قلابة وبين ابن عباس في هذا الحديث رجلاً وقد رواه قتادة عن أبي قلابة، عن خالد بن اللجلاج، عن ابن عباس.

ورواه في ٢ ص ٤٥ وص ٤٦ بروايتين أيضاً وقال: هذا حديث حسن غريب من هذا الوجه، قال: وفي الباب عن معاذ بن جبل وعبد الرحمن بن عائش، عن النبي صلى الله عليه وسلم.

- وقال النويري في نهاية الإرب ج ٨ جزء ١٦ ص ٢٩٥:

عن ربيع بن أنس أن النبي (ص) قال رأيت ربي.... ثم ذكر قول أحمد: أنا أقول بحديث بن عباس بعينه رآه رآه، حتى انقطع نفس أحمد.

- وقال السهيلي في الروض الأنف ج ٢ ص ١٥٦ وقال: سئل ابن حنبل عن الرؤية قال: رآه رآه رآه حتى انقطع صوته.

ورواه أيضاً عن أبي هريرة وابن عباس.... وروى: رأى ربه في أحسن صورة ووضع يديه بين كتفيه حتى وجد بردها بين ثدييه.

- وقال الذهبي في تاريخ الإسلام ج ١ ص ٢٥٧

وأما الروايات عن ابن مسعود فإنما فيها تفسير ما في النجم، وليس في قوله ما يدل على نفي الرؤية لله.

- تاريخ الإسلام للذهبي ج ١٦ ص ٤٢٩

عن نعيم عن.... أم الطفيل أنها سمعت النبي (ص) يقول رأيت ربي في أحسن صورة، شاباً، موقراً، رجلاه في مخصر، عليه نعلان من ذهب.

٣٣٢

- وقال السيوطي في الدر المنثور ج ٣ ص ٢٤

وأخرج أحمد وابن جرير وابن مردويه والبيهقي في الأسماء والصفات عن عبد الرحمن بن عائش الحضرمي عن بعض أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: رأيت ربي في أحسن صورة....

- وقال الذهبي في ميزان الإعتدال ج ١ ص ٥٩٣

إبراهيم زبن أبي سويد، وأسود بن عامر، حدثنا حماد، عن قتادة، عن عكرمة، عن ابن عباس مرفوعاً: رأيت ربي جعداً أمرد، عليه حلة خضراء.

وقال ابن عدي: حدثنا عبد الله بن عبدالحميد الواسطي، حدثنا النضر بن سلمة شاذان، حدثنا الأسود بن عامر، عن حماد، عن قتادة، عن عكرمة، عن ابن عباس أن محمداً رأى ربه في صورة شاب أمرد، دونه ستر من لؤلؤ، قدميه أو رجليه في خضرة.

وحدثنا ابن أبي سفيان الموصلي وابن شهريار قالا: حدثنا محمد بن رزق الله بن موسى، حدثنا الأسود بنحوه. وقال عفان: حدثنا عبدالصمد بن كيسان، حدثنا حماد، عن قتادة، عن عكرمة، عن ابن عباس، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: رأيت ربي.

وقال أبو بكر بن أبي داود: حدثنا الحسن بن يحيى بن كثير، حدثنا أبي، حدثنا حماد بنحوه، فهذا من أنكر ما أتى به حماد بن سلمة، وهذه الرؤية رؤية منام إن صحت. قال المرودي قلت لأحمد: يقولون لم يسمع قتادة عن عكرمة! فغضب وأخرج كتابه بسماع قتادة عن عكرمة في ستة أحاديث. ورواه الحكم بن أبان، عن زيرك، عن عكرمة. وهو غريب جداً. انتهى. وروى نحوه الدارمي في سننه ج ٢ ص ١٢٦ والبغوي في مصابيحه ج ١ ص ٢٩٠ والسهيلي في الروض الأنف ج ١ ص ٢٦٨ وابن الأثير في أُسد الغابة ج ٣ ص ٤٦٥ وج ٧ ص ٣٥٦ ورواه الهندي في كنز العمّال ج ١٥ ص ٨٩٧ - ٥٩٨ وفي ج ١٦ ص ٢٤٥ - ٢٤٧ بروايات متعددة وقال في مصادره (عب، حم وعبد بن حميد، ت عن ابن عباس) (ت، ك عن معاذ) (كر) (ابن مندة، والبغوي، ق، كر). والنويري في نهاية الإرب ج ٨ جزء ١٦ ص ٢٩٥ والمنذري في الترغيب والترهيب ج ١ ص ٢٦٢

٣٣٣

- وقال ابن حجر في تهذيب التهذيب ج ٦ ص ٢٠٤

عبد الرحمن بن عائش الحضرمي، روي عنه حديث: رأيت ربي في أحسن صورة.

- الأحاديث القدسية من الصحاح ج ١ ص ١٥٨

- حديث: أتاني ربي في أحسن صورة، أخرجه الترمذي عن ابن عباس: إن الله وضع يده على كتف رسول الله (ص) حتى وجد رسول الله بردها بين ثدييه أو قال في خدي. وروى نحوه أيضاً في ج ٢ ص ٤٤ والقسطلاني في إرشاد الساري ج ٧ ص ٣٢٠ وص ٣٥٩

- وقال أبو الشيخ في طبقات المحدثين ج ٢ ص ٤٣٢

عن عبد الله بن عباس أن رسول الله (ص) خرج يوماً على أصحابه مستبشراً.. فقال لهم: إن ربي أتاني الليلة في أحسن صورة.... فوضع يده على كتفي فوجدت بردها بين ثديي.. الخ.

- وقال في ج ١ ص ١٢٩

عن عبد الرحمن بن المبارك بن فضالة عن أبيه: كان الحسن يحلف بالله أن محمداً (ص) قد رأى ربه تبارك وتعالى.

- وقال الطبري في تفسيره ج ٧ ص ١٦٢

خالد الحلاج، قال سمعت عبد الرحمن بن عياش، يقول صلى بنا رسول الله (ص) ذات غداة فقال له قائل: ما رأيت أسعد منك الغداة، قال: ومالي وقد أتاني ربي في أحسن صورة فقال: فيم يختصم الملأ الأعلى يا محمد؟ قلت أنت أعلم، فوضع يده على كتفي فعلمت ما في السموات والأرض.... الخ.

- وقال الدميري في حياة الحيوان ج ٢ ص ٣٥٩

من حديث معاذ بن جبلرضي‌الله‌عنه قال: احتبس عنا رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات غداة عن صلاة الصبح حتى كدنا نتراءى عين الشمس، فخرج سريعاً فَثَوَّبَ بالصلاة فصلى وتجوز في صلاته.... ثم انفتل إلينا فقال: أما إني سأحدثكم ما

٣٣٤

حبسني عنكم الغداة: إني قمت من الليل فتوضأت وصليت ما قدر لي فنعست في صلاتي حتى استثقلت، فإذا أنا بربي تعالى في أحسن صورة! فقال يا محمد.... فيم يختصم الملأ الأعلى.... الخ.

- وقال السيوطي في الدر المنثور ج ٥ ص ٣١٩

أخرج عبدالرزاق وأحمد وعبد ابن حميد والترمذي وحسنه ومحمد بن نصر... الخ.

وأخرج الترمذي وصححه ومحمد بن نصر والطبراني والحاكم وابن مردويه عن معاذ بن جبلرضي‌الله‌عنه .... الخ.

وأخرج الطبراني في السنة وابن مردويه عن جابر بن سمرةرضي‌الله‌عنه .... عن أبي هريرةرضي‌الله‌عنه ...

وأخرج الطبراني في السنة والشيرازي في الألقاب....

وابن مردويه عن أنسرضي‌الله‌عنه ....

وأخرج ابن نصر والطبراني وابن مردويه عن أبي أمامة....

وأخرج الطبراني في السنة والخطيب عن أبي عبيدة بن الجراحرضي‌الله‌عنه ....

وأخرج محمد بن نصر في كتاب الصلاة والطبراني في السنة عن عبد الرحمن بن عابس الحضرميرضي‌الله‌عنه ....

- وقال السيوطي في الدر المنثور ج ٦ ص ١٢٤

وأخرج ابن جرير عن ابن عباس قال قال صلى الله عليه وسلم رأيت ربي في أحسن صورة فقال لي: يا محمد هل تدري فيم يختصم الملأ الأعلى؟ فقلت لا يا رب، فوضع يده بين كتفي فوجدت بردها بين ثديي فعلمت ما في السماء والأرض، فقلت يا رب في الدرجات والكفارات ونقل الأقدام إلى الجماعات وانتظار الصلاة بعد الصلاة، فقلت يا رب إنك اتخذت ابراهيم خليلاً وكلمت موسى تكليماً وفعلت وفعلت فقال: ألم أشرح لك صدرك ألم أضع عنك وزرك ألم أفعل بك ألم أفعل،

٣٣٥

فأفضى إليَّ بأشياء لم يؤذن لي أن أحدثكموها فذلك قوله: ثم دنا فتدلى فكان قاب قوسين أو أدنى فأوحى إلى عبده ما أوحى ما كذب الفؤاد ما رأى. فجعل نور بصري في فؤادي فنظرت إليه بفؤادي. انتهى.

- قال الذهبي في سيره ج ٢ ص ١٦٦

ولم يأتنا نص جلي بأن النبي صلى الله عليه وسلم رأى الله تعالى بعينيه. وهذه المسألة مما يسع المرء المسلم في دينه السكوت عنها، فأما رؤية المنام فجاءت من وجوه متعددة مستفيضة، وأما رؤية الله عياناً في الآخرة فأمر متيقن تواترت به النصوص. جمع أحاديثها الدارقطني والبيهقي وغيرهما.

- وقال السيوطي في الدر المنثور ج ٦ ص ١٢٣

وأخرج عبد بن حميد والترمذي وابن جرير وابن المنذر والحاكم وابن مردويه عن الشعبي قال: لقي ابن عباس كعباً بعرفة، فسأله عن شيء فكبر حتى جاوبته الجبال فقال ابن عباس إنا بنو هاشم نزعم أو نقول إن محمداً قد رأى ربه مرتين، فقال كعب: إن الله قسم رؤيته وكلامه بين موسى ومحمدعليهما‌السلام فرأى محمد ربه مرتين وكلم موسى مرتين.

قال مسروق فدخلت على عائشة فقلت هل رأى محمد ربه؟ فقالت لقد تكلمت بشيء قَفَّ له شعري، قلت رويداً، ثم قرأت لقد رأى من آيات ربه الكبرى، قالت أين يذهب بك! إنما هو جبريل. من أخبرك أن محمداً رأى ربه أو كتم شيئاً مما أمر به أو يعلم الخمس التي قال الله إن الله عنده علم الساعة الآية، فقد أعظم الفرية، ولكنه رأى جبريل لم يره في صورته إلا مرتين، مرة عند سدرة المنتهى، ومرة عند جياد له ستمائة جناح قد سد الأفق.

- وروى الطبري في تفسيره ج ٩ ص ٣٤ ما يوهم قرب النبي المادي من الله تعالى في الإسراء، قال: عن عبد الله بن أبي جعفر، عن أبيه، عن الربيع في قوله: وقربناه نجيا، قال: من لقي أصحاب النبي أنه قرب للرب حتى سمع صريف القلم من الشوق إليه. انتهى.

٣٣٦

- وروى النويري في نهاية الإرب ج ٨ جزء ١٦ ص ٢٩٨

قال جعفر بن محمد.... والدنو من الله لا حد له، ومن العباد بالحدود. انتهى. ويقصد بجعفر الإمام جعفر الصادقعليه‌السلام .

والملاحظات على هذه الروايات كثيرة: منها تعارض نصوصها، واضطرابها، وأن سؤال الله تعالى لنبيه عن اختصام الملأ الأعلى غير مفهوم، بل غير منطقي! وكذا تأخر النبي عن صلاة الصبح، وطريقة تحديثه المسلمين بالقصة، ثم شباهة متونها بأحاديث اليهود مثل قوله (فوضع يده بين كتفي فوجدت بردها بين ثديي فعلمت ما في السماء والأرض). هذا مضافاً إلى أن بعضها خلط بين القصة المزعومة وبين روايات المعراج وآياته، والمعراج كان في مكة، وهذه القصة المزعومة في المدينة.

كل ذلك، وغيره، يوجب الشك في هذه الرواية والتريث في الحكم بصحتها، خاصة أن بعضها اشتمل على التناقض كرواية الطبري التي يذكر في أولها أنه رآه في أحسن صورة، وفي آخرها أنه رآه بفؤاده!

وبعضها روي عن صاحبها ما يناقضها كرواية ابن عباس، وقد شهد ابن قيم أن روايتي الرؤية بالعين وضدها كلتاهما صحتا عن ابن عباس، فلابد أن تكون إحداهما مكذوبة! قال في زاد المعاد ج ٣ ص ٢٩ - ٣٠: واختلف الصحابةرضي‌الله‌عنهم ، هل رأى ربه تلك الليلة أم لا؟ فصح عن ابن عباس أنه رأى ربه وصح عنه أنه قال: رآه بفؤاده. انتهى.

وقد علق على ذلك ناشر الكتاب الشيخ عبد القادر عرفان فقال في هامشه: لم أقف على هذه الرواية في الصحيح، بل الذي صح عن ابن عباسرضي‌الله‌عنه ما جاء عند مسلم في الإيمان ١٧٦ - ٢٨٥ في قوله تعالى:ما كذب الفؤاد ما رأى ، وقوله تعالى:ولقد رأه نزلة أخرى ، قال رآه بفؤاده مرتين. وأخرجه الترمذي في التفسير ٣٢٨٠.

ثم قال ابن قيم: وصح عن عائشة وابن مسعود إنكار ذلك وقالا إن قوله:ولقد رآه

٣٣٧

نزلة أخرى عند سدرة المنتهى ، إنما هو جبريل. وصح عن أبي ذر أنه سأله هل رأيت ربك فقال صلى الله عليه وسلم: نور، أنى أراه! أي: حال بيني وبين رؤيته النور، كما قال في لفظ آخر: رأيت نوراً. وقد حكى عثمان بن سعيد الدارمي اتفاق الصحابة على أنه لم يره.

ثم قال ابن قيم: قال شيخ الإسلام ابن تيمية... وقد صح عنه أنه قال: رأيت ربي تبارك وتعالى ولكن لم يكن هذا في الإسراء، ولكن كان في المدينة لما احتبس عنهم في صلاة الصبح، ثم أخبرهم عن رؤية ربه تبارك وتعالى تلك الليلة في منامه، وعلى هذا بنى الإمام أحمدرحمه‌الله وقال: نعم رآه حقاً، فإن رؤيا الأنبياء حق ولا بد، ولكن لم يقل أحمدرحمه‌الله : إنه رآه بعيني رأسه يقظة، ومن حكى عنه ذلك فقد وهم عليه، ولكن قال مرة رآه، ومرة قال رآه بفؤاده، فحكيت عنه روايتان، وحكيت عنه الثالثة من تصرف بعض أصحابه: أنه رآه بعيني رأسه، وهذه نصوص أحمد موجودة، ليس فيها ذلك. انتهى.

راجع ما تقدم في أول الباب من أن جمهور الصحابة كانوا يوافقون عائشة على نفي الرؤية بالعين.

وجهل بعضهم فنسب الدنو والتدلّي إلى الله تعالى!

- تاريخ الإسلام للذهبي ج ١ ص ٢٦٧

وقال سليمان بن بلال.. وذكر حديث الإسراء وفيه ثم عرج به محمد (ص) إلى السماء السابعة ثم علا به فوق ذلك بما لا يعلمه إلا الله حتى جاء إلى سدرة المنتهى، ودنا الجبار رب العزة فتدلى....

- تفسير الطبري ج ١٢ ص ١٤

عبد الله بن عمر، قال سمعت نبي الله (ص) يقول يدنو المؤمن من ربه حتى يضع عليه كتفه!

٣٣٨

- الدر المنثور ج ٦ ص ١٢٣

وأخرج ابن جرير عن أنس بن مالك قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لما عرج بي مضى جبريل حتى جاء الجنة فدخلت فأعطيت الكوثر، ثم مضى حتى جاء لسدرة المنتهى فدنا ربك فتدلى، فكان قاب قوسين أو أدنى!

وأخرج ابن جرير وابن مردويه عن ابن عباسرضي‌الله‌عنهما في قوله ثم دنا قال دنا ربه فتدلى.

وأخرج أبوالشيخ وأبونعيم في الدلائل عن سريج بن عبيد قال لما صعد النبي صلى الله عليه وسلم إلى السماء فأوحى الله إلى عبده ما أوحى، قال فلما أحس جبريل بدنو الرب خر ساجداً، فلم يزل يسبحه تسبيحات ذي الجبروت والملكوت والكبرياء والعظمة حتى قضى الله إلى عبده ما قضى، ثم رفع رأسه فرأيته في خلقه الذي خلق عليه منظوم أجنحته بالزبرجد واللؤلؤ والياقوت فخيل إليَّ أن ما بين عينيه قد سد الأفقين وكنت لا أراه قبل ذلك إلا على صور مختلفة، وأكثر ما كنت أراه على صورة دحية الكلبي، وكنت أحياناً لا أراه قبل ذلك إلا كما يرى الرجل صاحبه من وراء الغربالي.

- وقال السهيلي في الروض الأنف ج ٢ ص ١٥٦

وروي: لما أحس جبريل دنو الرب خر ساجداً. انتهى.

وقدتقدم ذكر روايات أخرى تنسب التدلي إلى الله تعالى، وتقدم عن أهل البيتعليهم‌السلام أن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله (دنا من حجب النور فرأى ملكوت السماوات، ثم تدلى فنظر من تحته الى ملكوت الأرض، حتى ظن أنه في القرب من الأرض كقاب قوسين أو أدنى).

ووصفوا عرشه بأنّه تحمله حيوانات كما وصفه اليهود

- الدر المنثور ج ٦ ص ١٢٣

وأخرج ابن إسحاق والبيهقي في الأسماء والصفات وضعفه عن عبد الله بن أبي

٣٣٩

سلمة أن عبد الله بن عمر بن الخطاب بعث إلى عبد الله بن عباس يسأله هل رأى محمد ربه؟ فأرسل إليه عبد الله بن عباس: أن نعم، فرد عليه عبد الله بن عمر رسوله أن كيف رآه؟ فأرسل أنه رآه في روضة خضراء دونه فراش من ذهب على كرسي من ذهب يحمله أربعة من الملائكة، ملك في صورة رجل وملك في صورة ثور وملك في صورة نسر وملك في صورة أسد! انتهى.

وسيأتي ذكر بقية الحيوانات التي ادعوا أنها تحمل عرش الله تعالى في بازار الأحاديث، ويأتي بعضها في تفسير: الرحمن على العرش استوى.

وقالوا رأى ربّه واقفاً على أرض خضرة خلف ستر شفّاف

- وقال السيوطي في الدر المنثور ج ٦ ص ١٢٤

وأخرج البيهقي في الأسماء والصفات وضعفه من طريق عكرمة عن ابن عباس أنه سئل هل رأى محمد ربه؟ قال نعم رآه كأن قدميه على خضرة دونه ستر من لؤلؤ، فقلت يا أبا عباس أليس يقول الله لا تدركه الأبصار! قال لا أم لك ذاك نوره الذي هو نوره، إذا تجلى بنوره لا يدركه شيء! انتهى.

ومضافاً إلى تضعيف البيهقي لهذه الرواية، فإنها تحاول تفسير قوله تعالى: لا تدركه الأبصار، أي لا تدرك نوره، أما ذاته تعالى فتدركها الأبصار. وهو مخالف لظهور الآية، ولم يفسرها به أحد.

وحاول بعضهم أن يخفف القصة ويجعلها رؤيا في المنام

- تقدم في رواية الترمذي نقل قول الراوي وهو ابن عباس بزعمهم (أحسبه قال في المنام)

- وروى عبد الرزاق في تفسيره ج ٢ ص ١٣٧

عن ابن عباس: أن النبي (ص) قال: أتاني ربي الليلة في أحسن صورة أحسبه قال: يعني في المنام، فقال: يا محمد هل تدري فيم يختصم الملأ الأعلى؟ قال

٣٤٠

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

461

462

463

464

465

466

467

468

469

470

471

472

473

474

475

476

477

478

479

480

481

482

483

484

485

486

487

488

489

490

491

492

493

494

495

496

497

498

499

500

501

502

503

504

505

506

507

508

509

510

511

512

513

514

515

516

517

518

519

520

521

522

523

524

525

526

527

528

529

530

531

532

533

534

535

536

537

538

539

540

541

542

543

544

545

546

547

548

549

550

551

552

553

554

555

556

557

558

559

560

مواجهة، وإليك فيما يلي بعض هذه النصوص :

قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : « لا سباق إلّا في خفّ أو حافر أو نصل ( يعني النصال والرمي ) »(١) .

وعن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله في قول الله عزّ وجلّ:( وَأَعِدُّوا لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ وَمِن رِّبَاطِ الخَيْلِ ) ( الأنفال: ٦٠ )، قال: « الرّمي »(٢) .

وعنهصلى‌الله‌عليه‌وآله أنّه قال: « علّموا أبناءكم الرّمي والسّباحة »(٣) .

وقال أيضا: « اركبوا وارموا وأن ترموا أحبّ إليّ من أن تركبوا

كلّ لهو المؤمن باطل إلّا في ثلاث في تأديبه للفرس، ورميه عن القوس فإنّهنّ حقّ. إلّا أنّ الله عزّ وجلّ ليدخل بالسّهم الواحد الثلاثة الجنّة: عامل الخشبة والمقوّي به في سبيل الله والرّامي به في سبيل الله »(٤) .

وقال الإمام جعفر بن محمّد الصادقعليه‌السلام : « الرّمي سهم من سهام الإسلام »(٥) .

وهذا يعني أنّ على كافة المسلمين أن يتلقّوا التدريب العسكريّ ويتعرّفوا على فنون الرماية والقتال. ليكونوا على استعداد كامل ودائم لأيّة مواجهة مع الأعداء.

ولقد دفعت الروح القتاليّة والبسالة والتشجيع على التدريب العسكريّ التي بثّها الإسلام في المسلمين إلى أن يتطوّعون بكامل رغبتهم للخدمة العسكريّة ويبادروا إلى الانضواء في الجيش الإسلاميّ كلّما استدعت الحاجة، واقتضت الظروف.

على أنّ السبب الرئيسيّ في ذلك هو أنّ الإسلام أفاض على الخدمة العسكريّة قدسية يخلو منها جميع الأنظمة البشريّة فقد اعتبر الإسلام الإنضواء في الجيش

__________________

(١ و ٢) وسائل الشيعة ١٣: ٣٤٥ ـ ٣٥١ كتاب السبق والرماية ـ باب استحباب الرمي والمراماة.

(٣) مستدرك الوسائل ٢: ٥١٧.

(٤ و ٥) وسائل الشيعة ١١: ١٠٧ باب استعمال تعلّم الرمي بالسهم.

٥٦١

الإسلاميّ والخدمة العسكريّة والقتال في صفوف هذا الجيش ( جهاداً في سبيل الله ).

وينطوي هذا اللفظ على بعد معنويّ رفيع جدّاً حيث يعني الجهد والسعي لحفظ البلاد وإنقاذ المستضعفين وإعلاء كلمة الله وذلك يكفي لأن تجتذب نحوها القلوب والضمائر. ذلك لأنّ هذا الوصف في الخدمة العسكريّة وهذا الهدف المقدّس يخرج العمل العسكريّ من كونه خدمة للطغاة، وسعياً من أجل إرضاء رغباتهم كما هو الحال في الجيوش الحاضرة، التي لم تنشأ في الأغلب إلّا لحماية الطواغيت ولا تحارب إلّا لإرضاء شهواتهم ورغباتهم وتحقيق مطامعهم.

من هنا يكفي للحكومة الإسلاميّة أن تعلن عن حاجتها إلى الجنود والمقاتلين لتنهال عليها طلبات الإلتحاق إلى صفوف الجيش من كلّ جانب بهدف أن ينالوا شرف الجهاد تحت لواء الإسلام، وهم يسمعون كلام الله إذ يقول:( وَفَضَّلَ اللهُ المُجَاهِدِينَ عَلَى الْقَاعِدِينَ أَجْرًا عَظِيمًا ) ( النساء: ٩٥ ).

على أنّ هذا الأمر لا يمنع من أن تتّخذ الحكومة الإسلاميّة جيشاً منظّماً مجهّزاً بأحدث الأسلحة والتكتيات عملاً بقوله سبحانه:( وَأَعِدُّوا لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ وَمِن رِّبَاطِ الخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآخَرِينَ مِن دُونِهِمْ لا تَعْلَمُونَهُمُ اللهُ يَعْلَمُهُمْ وَمَا تُنفِقُوا مِن شَيْءٍ فِي سَبِيلِ اللهِ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنتُمْ لا تُظْلَمُونَ ) ( الأنفال: ٦٠ ).

بل وللحكومة الإسلاميّة أن تفرض نظام التجنيد الإجباريّ على بعض الناس ضمن شروط خاصّة إذ لا يمكن في مثل هذا العصر الذي تتّخذ فيه الدول الجيوش القويّة المدرّبة والمنظّمة، أن لا تتّخذ الحكومة الإسلاميّة جيشاً مماثلاً في القوّة والتدريب والنظام والعدّة، تنيط إليه مسؤولية الدفاع عن الوطن الإسلاميّ والمرابطة على ثغوره والسهر على أمنه الخارجيّ ودرء الأخطار عنه وإن كانت هذه المسؤوليّة قد تعمّ كلّ أفراد الاُمّة دون إستثناء إذا اقتضى الأمر، وتطلب أن يتطوّع الجميع لحمل السلاح، والدفاع عن حوزة الإسلام والمسلمين.

وخلاصة القول ؛ أنّ النظام والعمل العسكريّ في الإسلام لا يهدف فتح البلاد

٥٦٢

وغزو الشعوب واستعمارها، واستغلالها، بل يتركّز في أحد أمرين :

١. الدفاع عن حدود البلاد الإسلاميّة وحماية الاُمّة من غزو الغزاة، وعدوان الأعداء.

٢. تحرير المستضعفين وإنقاذهم من ظلم اُمرائهم وملوكهم ليختاروا ما يشاؤون من دين، ويتّخذوا بإرادتهم ما يريدون. وهذا ما أعلن عنه المسلمين يوم أرادوا فتح إيران وانقاذ أهلها من ظلم ملوكهم، وحيفهم.

فقد قال مندوب المسلمين لـمّا سأله الأمير الإيراني رستم عن سبب تحرّكهم العسكريّ نحو إيران، وسأله عن الدين الذي يحملونه ويبشّرون به :

« هو دين الحقّ وعموده الذي لا يصلح إلّا به فشهادة أن لا إله إلّا الله وأنّ محمّداً رسول الله وإخراج العباد من عبادة العباد إلى عبادة الله، والناس بنو آدم وحوا، اخوة لأب واُمّ »(١) .

تعاليم إنسانيّة في الحرب

ولذلك نجد للإسلام تعليمات إنسانيّة عظيمة للجنود والمقاتلين تكشف عن أهداف الحروب الإسلاميّة وغاياتها السامية، فها هو النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله كلّما أراد أن يبعث جيشاً إلى موضع من المواضع وصّاه بوصايا تفوح منها رائحة الرحمة والإنسانيّة، فعن الإمام الصادق جعفر بن محمّدعليه‌السلام قال: « كان رسُولُ اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله إذا أراد أن يبعث سريّةً دعاهُم فأجلسهُم بين يديه ثُمّ يقُولُ :

سيروا بسم الله وبالله وفي سبيل الله وعلى ملّة رسول الله لا تغلوا ولا تمثّلوا ولا تغدروا ولا تقتلوا شيخاً فانياً، ولا صبيّاً، ولا امرأةً ولا تقطعوا شجراً إلّا أن تضطروا إليها

__________________

(١) الكامل لابن الأثير ١: ٣١٩ وفي رواية اُخرى قال :

الله جاء بنا وهو بعثنا لنخرج من يشاء من عباده من ضيق الدنيا إلى سعتها، ومن جور الأديان إلى عدل الإسلام. راجع الكامل ١: ٣٢٠.

٥٦٣

وأيّما رجل من أدنى المسلمين أو أفضلهم نظر إلى أحد من المشركين فهو جار حتّى يسمع كلام الله فإن تبعكم فأخوكم في الدّين، وإن أبى فأبلغوه مأمنه واستعينوا بالله »(١) .

وقالعليه‌السلام أيضاً: « إنّ النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله كان إذا بعث أميراً له على سريّة أمره بتقوى الله عزّ وجلّ في خاصّة نفسه ثمّ في أصحابه عامّةً ثمّ يقول :

اغز باسم الله وفي سبيل الله، قاتلوا من كفر بالله لا تغدروا ولا تغلوا ولا تمثّلوا ولا تقتلوا وليداً. ولا متبتّلاً في شاهق، ولا تحرقوا النّخل، ولا تغرقوه بالماء، ولا تقطعوا شجرة مثمرةً ولا تحرقوا زرعاً لأنّكم لا تدرون لعلّكم تحتاجون إليه، ولا تعقروا من البهائم يؤكل لحمه إلّا ما لا بدّ لكم من أكله، وإذا لقيتم عدوّاً للمسلمين فادعوهم إلى إحدى ثلاث فإن هم أجابوكم فاقبلوا منهم وكفّوا عنهم :

ادعوهم إلى الإسلام فإن دخلوا فيه فاقبلوا منهم وكفّوا عنهم، وإن أبوا أن يهاجروا واختاروا ديارهم وأبوا أن يدخلوا في ديار الهجرة، كانوا بمنزلة أعراب المؤمنين يجري عليهم ما يجري على أعراب المؤمنين ولا يجري لهم في الفيء ولا في القسمة شيئاً إلّا أن يهاجروا [ يجاهدوا ] في سبيل الله. فإن أبوا هاتين فادعوهم إلى إعطاء الجزية عن يد وهم صاغرون فإن أعطوا الجزية فاقبل وكفّ عنهم وإن أبوا فاستعن بالله عزّ وجلّ عليهم وجاهدهم في الله حقّ جهاده الخ »(٢) .

وكان عليّ بن أبي طالبعليه‌السلام إذا بعث سرية ولّي أمرها رجلاً ثمّ قال له: « أُوصيك بتقوى الله الّذي لا بدّ لك من لقائه ولا منتهى لك دونه وهو يملك الدّنيا والآخرة وعليك بالّذي بعثت له، وعليك بالّذي يقرّبك إلى الله عزّ وجلّ فإنّ فيما عند الله خلفاً من الدّنيا »(٣) .

إلى غير ذلك من التعليمات والوصايا التي تكشف عن أهداف النظام العسكريّ

__________________

(١) وسائل الشيعة ١١: ٤٢ ـ ٤٣.

(٢) وسائل الشيعة ١١: ٤٥ ـ ٤٦، وتاريخ اليعقوبيّ ٢: ٥٩.

(٣) الخراج: ١٦.

٥٦٤

في الإسلام.

ولعل من أبرز ما يكشف لنا عن هدف الإسلام من الجهاد والقتال والنشاط العسكريّ هو قوله تعالى:( وَمَا لَكُمْ لا تُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللهِ وَالمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالْوِلْدَانِ الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْ هَٰذِهِ الْقَرْيَةِ الظَّالِمِ أَهْلُهَا وَاجْعَل لَّنَا مِن لَّدُنكَ وَلِيًّا وَاجْعَل لَّنَا مِن لَّدُنكَ نَصِيرًا ) ( النساء: ٧٥ ).

ولقد اهتمّ الإسلام بالجنود غاية الاهتمام، وأعطاهم غاية العناية لمالهم من الدور الحسّاس والخطير في الدولة الإسلاميّة.

فها هو الإمام عليّ أمير المؤمنينعليه‌السلام يوصي الأشتر النخعيّ واليه على مصر بالجنود ويقول في حقّهم ما لم يعرف التاريخ له مثيلاً: « فالجنود بإذن الله حصون الرّعيّة وزين الولاة، وعزّ الدّين وسبل الأمن وليس تقوم الرّعيّة إلّا بهم ثمّ لا قوام للجنود إلّا بما يخرج الله لهم من الخراج الذي يقوون به على جهاد عدوّهم ويعتمدون عليه فيما يصلحهم ويكون من وراء حاجتهم

وليكن أثر رؤوس جندك عندك من واساهم في معونته، وأفضل عليهم من جدته بما يسعهم ويسع من وراءهم من خلوف أهليهم حتّى يكون همّهم همّاً واحداً في جهاد العدوّ فإنّ عطفك عليهم يعطف قلوبهم عليك وإنّ أفضل قرّة عين الولاة استقامة العدل في البلاد وظهور موّدة الرّعية »(١) .

كما أعطى الإمام عليّ تعليماته في النشاط العسكريّ فقال: « فقدّموا الدّارع، وأخّروا الحاسر وعضّوا على الأضراس فإنّه أنبى للسيوف عن الهام، والتووا في أطراف الرّماح فإنّه امور للأسنّة وغضّوا للأبصار فإنّه أربط للجأش وأسكن للقلوب وأميتوا الأصوات فإنّه أطرد للفشل، ورايتكم فلا تميلوها ولا تخلّوها ولا تجعلوها إلّا بأيدي شجعانكم الخ »(٢) .

__________________

(١) نهج البلاغة: قسم الرسائل: رقم ٥٣.

(٢) نهج البلاغة: قسم الخطب: رقم ١٢ طبعة عبده.

٥٦٥

وقال: « تزول الجبال ولا تزل عض على ناجذك أعر الله جمجمتك، تدفي الأرض قدمك أرم ببصرك أقصى القوم وغضّ بصرك وأعلم أنّ النّصر من عند الله سبحانه »(١) .

وقال: « فإذا نزلتم بعدوّ أو نزل بكم فليكن معسكركم في قبل الأشراف أو سفاح الجبال، أو أثناء الأنهار، كيما يكون لكم رداءاً ودونكم مردّاً، ولتكن مقاتلتكم من وجه واحد أو اثنين وأجعلوا لكم رقباء في صياصي الجبال ومناكب الهضاب، لئلاّ يأتيكم العدوّ من مكان مخافةً أو أمن. واعلموا أنّ مقدّمة القوم عيونهم وعيون المقدّمة طلائعهم، وإيّاكم والتفرّق، فإذا نزلتم فانزلوا جميعاً وإذا ارتحلتم فارتحلوا جميعاً، وإذا غشيكم الليل فاجعلوا الرّماح كفّةً، ولا تذوقوا النّوم إلّا غراراً أو مضمضةً »(٢) .

إنّ مثل هذا النظام ومثل هذه التعاليم حول العسكر يقتضي وجود جهاز خاصّ مستقلّ يقوم بشؤون الجند، ويتكفّل إدارة اُمورهم، وخاصّة أنّ الحاجة تزداد يوما بعد يوم إلى الجيوش المنظّمة القويّة، وتزداد متطلّبات الجنود.

إنّ القيام بشؤون الجند من وظائف السلطة التنفيذيّة فوزارة الدفاع من هذه السلطة هي التي يجب أن تتولّى هذه الناحية الخطيرة، وتنظّم الجيش الإسلاميّ بأحسن تنظيم.

وقالعليه‌السلام لأحد قادة جيشه حينما أنفذه إلى الشام: « اتّق الله الذي لا بدّ لك من لقائه ولا منتهى لك دونه، ولا تقاتلنّ إلّا من قاتلك وسر البردين [ الغداة والعشي ] وغور بالنّاس، ورفّه في السير، ولا تسر أوّل الليل فإنّ الله جعله سكناً، وقدّره مقاماً لا ظعناً، فأرح فيه بدنك وروّح ظهرك، فإذا وقفت حين ينبطح السحر، أو حين ينفجر الفجر فسر على بركة الله، فإذا لقيت العدوّ فقف من أصحابك وسطاً ولا تدن من القوم دنوّ من يريد أن ينشب الحرب، ولا تباعد عنهم تباعد من يهاب البأس حتّى يأتيك أمري، ولا يحملنّكم شن آنهم على قتالهم قبل دعائهم والاعذار إليهم »(٣) .

__________________

(١) نهج البلاغة: قسم الخطب: رقم ١٠.

(٢ و ٣) نهج البلاغة: قسم الكتب: رقم ١١، ١٢.

٥٦٦

وقالعليه‌السلام لأصحابه عند الحرب: « لا تشتدنّ عليكُم فرة بعدها كرّة ولا جولة بعدها حملة واعطُوا السّيُوف حُقُوقها، ووطّئُوا للجُنُوب مصارعها، واذمُرُوا أنفُسكُم على الطّعن الدّعسيّ والضرب الطّلحفي، واميتُوا الأصوات فإنّهُ أطردُ للفشل. فوالّذي فلق الحبّة، وبرأ النّسمة ؛ ما أسلمُوا ولكن استسلمُوا، وأسرّوا الكُفر، فلمّا وجدُوا أعواناً عليه أظهرُوهُ »(١) .

وقالعليه‌السلام في تعليم الحرب والمقاتلة: « معاشر المُسلمين: استشعرُوا الخشية وتجلببُوا السّكينة وعضّوا على النّواجذ فإنّهُ أنبى للسيوف عن الهام، وأكملُوا اللاّمة، وقلقلُوا السيوف في اغمادها قبل سلّها، والحظُوُا الخزر، واطعنُوا الشّزر، ونافحُوا بالضّبا، وصلُوا السّيُوف بالخُطا، واعلمُوا أنّكُم بعين الله، ومع ابن عمّ رسُول الله، فعاودُوا الكرّ، واستحيُوا من الفرّ، فإنهُ عار في الأعقاب، ونار يوم الحساب. وطيبُوا عن أنفُسكُم نفساً، وامشُوا إلى الموت مشياً سُجُحاً، وعليكُم بهذا السّواد الأعظم، والرّواق المُطنّب فاضربُوا ثبجهُ فإنّ الشيطان كامن في كسره، وقد قدّم للوثبة يداً وأخّر للنّكُوص رجلاً، فصمداً صمداً حتّى ينجلي لكُم عمُودُ الحقّ وانتُم الأعلون والله معكُم ولن يتركُم أعمالكُم »(٢) .

وجملة القول ؛ إنّ الإسلام أشار إلى أهم الخطوط والاُسس التي يجب أن تقوم عليها بناء العسكريّة الإسلاميّة تاركاً الخصوصيّات والتفاصيل لمقتضيات الزمن.

__________________

(١) نهج البلاغة قسم الكتب رقم ١٦.

(٢) نهج البلاغة قسم الخطب رقم ٦٣.

٥٦٧
٥٦٨

الفصل الثامن

المنابع الماليّة

للحكومة الإسلاميّة

لابدّ للبرامج من منابع ماليّة

لقد أوضحت البحوث السابقة صيغة الحكومة الإسلاميّة وأركانها ووظائفها وأهدافها وهنا ينطرح هذا السؤال :

كيف تستطيع الحكومة الإسلاميّة تطبيق هذه البرامج والقيام بهذه الوظائف الكبرى وكيف تضمن النفقات اللازمة لذلك ؟

وبتعبير آخر: ما هي المنابع الماليّة التي تعتمد عليها الحكومة الإسلاميّة وهل تكتفي بالضرائب المقرّرة المعروفة بالخمس والزكاة في تكوين ميزانيّتها أو أنّ هناك منابع وموارد ماليّة اُخرى تستعين بها هذه الحكومة في سدّ نفقاتها.

فربّما يقال: إنّ الإسلام الذي أغلق في وجه حكومته كلّ السبل غير المشروعة التي تعتمد عليها الحكومات الحاضرة كالضرائب المأخوذة على تجارة الخمور والبغاء والقمار، وما شابهها فتخسر بذلك واردات كبرى، كيف يمكنها أن تسدّ نفقاتها الهائلة

٥٦٩

من فريضتي الخمس والزكاة، المحدودتين ؟

غير أنّنا نلفت القارئ الكريم إلى أنّ الحكومة الإسلاميّة لا تقتصر على ( الخمس والزكاة ) الماليتين، فهما يشكّلان جانباً واحداً من عائداتها بل هناك منابع اُخرى نشير إليها باختصار :

١. الأنفال

وهي كلّ أرض ملكت بغير قتال، وكلّ موات، ورؤوس الجبال وبطون الأودية، والآجام والغابات والمعادن(١) ، وميراث من لا وارث له، وما يغنمه المقاتلون بغير إذن الإمام، وكافّة المياه العامّة والأحراش الطبيعيّة، والمراتع التي ليست حريماً لأحد وقطائع الملوك وصفاياهم غير المغصوبة.

فذلك كلّه يكون أمره بيد الحكومة الإسلاميّة باعتبارها الممثّلة الشرعيّة للاُمّة الإسلاميّة التي تعود إليها ملكيّة هذه الأشياء، فتتصرّف فيها الحكومة الإسلاميّة وتصرف عائداتها في مصالح المسلمين وشؤونهم، والأصل في ذلك قوله سبحانه:( يَسْأَلُونَكَ عَنِ الأَنفَالِ قُلِ الأَنفَالُ للهِ وَالرَّسُولِ فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَصْلِحُوا ذَاتَ بَيْنِكُمْ ) ( الأنفال: ١ ).

وما لله وللرسول في هذه الآية يصرف في مصالح المسلمين.

ويدلّ على ذلك أيضاً قوله سبحانه:( وَمَا أَفَاءَ اللهُ عَلَىٰ رَسُولِهِ مِنْهُمْ فَمَا أَوْجَفْتُمْ

__________________

(١) لقد اختلف فقهاء الشيعة الإماميّة في عدّ المعادن من الأنفال فمنهم ـ كالمفيد وسلار ـ من عدّها من الأنفال، تبعاً لما ورد عن الإمام الصادقعليه‌السلام في تعربف الأنفال حيث قال: « هي التي خربت والمعادن منها » وفي خبر آخر سئل عن الأنفال فقال: « المعادنُ والآجامُ » ومنهم من لم يعدّها من الأنفال ـ كالمحقّق وغيره ـ لاحظ جواهر الكلام في شرح شرائع الإسلام ٣٨: ١٠١ ـ ١١٣.

وذهب الإمام الخمينيّ إلى أنّ المعادن من الأنفال إذا لم تكن لمالك خاصّ تبعا للأرض أو بالإحياء ( تحرير الوسيلة ١: ٣٦٩ )، هذا وللمعادن المكشوفة الموجودة في الأراضي المملوكة أحكام خاصّة فليرجع إلى الكتب الفقهيّة ( لاحظ تحرير الوسيلة ٢: ٢٢٠ ).

٥٧٠

عَلَيْهِ مِنْ خَيْلٍ وَلا رِكَابٍ وَلَٰكِنَّ اللهَ يُسَلِّطُ رُسُلَهُ عَلَىٰ مَن يَشَاءُ وَاللهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ) ( الحشر: ٦ ).

ويدلّ عليه أيضاً ما ورد عن الإمام الصادق جعفر بن محمّدعليه‌السلام إذ قال: « الأنفالُ ما لم يُوجفُ عليه بخيل ولا ركاب، أو قوم صالحُوا، أو قوم أعطُوا بأيديهم، وكُلّ أرض خربة وبُطونُ الأودية فهو لرسُول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله وهو للإمام من بعده يضعُهُ حيثُ يشاءُ »(١) .

وما ورد عن الإمام الكاظم موسى بن جعفرعليه‌السلام أنّه قال: « ولهُ [ أي للإمام ] بعد الخُمس الأنفالُ والأنفالُ كُلّ أرض خربة باد أهلُها وكُلّ أرض لم يُوجف عليها بخيل ولا ركاب ولكن صالحُوا صُلحاً وأعطُوا بأيديهم على غير قتال، ولهُ رُؤُوس الجبال وبُطونُ الأودية والآجام وكُلّ أرض ميتة لاربّ لها، ولهُ صوافي الملوك ما كان في أيديهم من غير وجه الغصب لأنّ الغصب كُلّهُ مردود [ أي على صاحبه الحقيقي ] وهُو وارثُ من لا وارث لهُ » ثمّ قال: « والأنفالُ إلى الوالي »(٢) .

إلى غير ذلك من الأحاديث الكثيرة الواردة في هذا الشأن.

وتشكّل هذه المصادر الطبيعيّة أضخم ثروة ماليّة خاصّة في مناطق العالم الإسلاميّ، فيكفي أن نعرف أنّ إيران وحدها تملك (١٩) مليون هكتار من الغابات الغنيّة بالأخشاب التي قدّرت ب‍ (٣٠٠) مليون متر مكعّب من الخشب القابل للانتفاع، هذا مضافاً إلى ما تعطيه أشجار الغابات من الثمار والمواد التصنيعيّة والكيمياويّة التي تشكّل بنفسها أعظم ثروة طبيعيّة وأضخم مورد ماليّ(٣) .

بل يكفي أن نعلم أنّ العالم الإسلاميّ ينتج ( ٦٦ % ) من مجموع ما ينتجه العالم من الزيت الخام [ النفط ] وحده، كما أنّ لدينا احتياطيّ ضخم من المعادن كما تنتج ( ٧٠ % ) ممّا ينتجه العالم من المطّاط الطبيعيّ و ( ٤٠ % ) ممّا ينتجه العالم من الجوت الطبيعيّ ،

__________________

(١ و ٢) وسائل الشيعة ٦: ٣٦٤، ٣٦٥ ـ ٣٦٦.

(٣) راجع كتاب الأنفال أو الثروات العامّة.

٥٧١

و ( ٥٦ % ) من زيت النخيل، ويوجد احتياطيّ عظيم من الحديد والنحاس وحتّى اليورانيوم الذي أصبح ثميناً للغاية في هذه الأيام نظراً لإستعماله في انتاج الطاقة النووية فإنّه موجود أيضاً في أقطار إسلاميّة عديدة من أفريقيا(١) .

٢. الزكاة

وهي ضريبة تجب في تسعة أشياء: الأنعام وهي الإبل والبقر والغنم، والنقدين وهما الذهب والفضة، والغلاّت وهي الحنطة والشعير والتمر والزبيب(٢) والأدلّة عليها من الكتاب والسنّة ما لا يحصى.

٣. الخمس

ويجب في سبعة أشياء :

الأوّل: الغنائم المأخوذة من أهل الحرب قهراً بالمقاتلة.

الثاني: المعادن من الفضّة والرصاص والصفر والحديد والياقوت والزبرجد والفيروزج والعقيق والزيبق والكبريت والنفط والقير والسبخ والزاج والزرنيخ والكحل والملح بل والجصّ والنورة وغيرها.

على أنّ المعادن الأرضيّة بما أنّها من الأنفال كما أشرنا إليه متعلّقة كلّها بالحكومة الإسلاميّة أساساً، ولكن لا يحقّ للحكومة أن تحتكرها أو تهبها لأحد مجانا، ولا أن تستخرجها بلا ميزان، وتضع عائداتها في البنوك والمصارف لحساب شخص أو أشخاص معيّنين.

أنّ هذه المعادن تعتبر من الأنفال التي يقول الله سبحانه عنها:( يَسْأَلُونَكَ عَنِ

__________________

(١) الحل الإسلاميّ ضرورة وفريضة ١: ٣٠ وأيضاً راجع كتاب اقتصاديّات العالم الإسلاميّ.

(٢) العروة الوثقى كتاب الزكاة: ٣٩٠ هذا وللوقوف على آراء سائر المذاهب حول ما تجب فيه الزكاة لاحظ الفقه على المذاهب الأربعة.

٥٧٢

الأَنفَالِ قُلِ الأَنفَالُ للهِ وَالرَّسُولِ ) أي تعود ملكيتها إلى الدولة باعتبارها ممثّلة شرعيّة عن الاُمّة وخليفة عن الله والرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله ولكنّها مختارة في أن تقوم هي بنفسها باستخراجها وصرف عائداتها لصالح الاُمّة، أو أن تسلّمها إلى شركة أو شخص معيّن للاستخراج، وذلك حسب الشرائط التي تقوم بها المصلحة.

ثمّ إذا سلّمت الحكومة هذه المعادن إلى شركة، أو فرد خاصّ، تبعاً للمصلحة، فإنّ الشركة المستخرجة أو الفرد المستخرج يملك ما يستخرجه بشرط أن يدفع ( خمسه ) إلى الحكومة الإسلاميّة، مضافاً إلى ما يدفعه إلى الدولة في مقابل تسليم هذه المعادن إلى تلك الشركة أو ذلك الفرد الخاصّ من قبل الحكومة الإسلاميّة، نعم إنّ المصالح الفعليّة للاُمّة الإسلاميّة لا تسمح للحكومة الإسلاميّة أن تسلّم معادن البترول والذهب والفضة واليورانيوم، والألماس وما شابهها إلى فرد أو شركة خاصّة، بل عليها هي أن تقوم باستخراج هذه المعادن وتصنيعها. وصرف مواردها في المصالح العامّة للاُمّة الإسلاميّة.

يبقى أن نعرف أنّ الانتفاع من هذه المعادن واستخراجها قد يقتضي أحياناً استخدام المستشارين والمتخصّصين الأجانب فهل يجوز للحكومة الإسلاميّة استخدامهم لذلك أو لا ؟

الحقّ أنّ هؤلاء المستشارين الأجانب لـمّا كانوا في الأغلب يلعبون دوراً تجسّسيّاً، أو يسيئون إلى كرامة المسلمين أو يمهّدون لسيادة الاستعمار البغيض على بلاد المسلمين فعلى الحكومة الإسلاميّة أن تستعين بهم بقدر الضرورة مع التحفّظ والتحوّط الكامل منهم، في حين تدفع مجموعة من خيرة أبنائها لتحصيل العلوم المرتبطة بهذه المجالات والتخصّص في هذه الشؤون تخلّصاً من هذه المشكلة التي دلّت التجارب الكثيرة على أنّها السبب الرئيس في كثير من مشاكل المسلمين.

الثالث: الكنز، وهو المال المذخور في الأرض أو الجبل أو الجدار.

الرابع: الغوص، أي ما اُخرج به من الجواهر من البحر مثل اللؤلؤ والمرجان.

الخامس: المال الحلال المخلوط بالحرام على وجه لا يتميّز مع الجهل.

٥٧٣

السادس: الأرض التي اشتراها الذمّي من المسلم سواء أكانت أرضاً زراعيّة أم سكنيّة.

السابع: ما يفضل من مؤونة سنة المكتسب ومؤونة عياله من أرباح التجارات والصناعات والمكاسب، ويدخل في هذا القسم ما يتعلّق بأرباح مصانع انتاج السكر، والصوف والخيوط والقطن والأدوية والسيارات والمدافئ والخزف والسجاجيد وقطع الخشب، والأغذية، والورق، وغيرها والأصل في ذلك قوله سبحانه:( وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُم مِّن شَيْءٍ فَأَنَّ للهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَىٰ وَالْيَتَامَىٰ وَالمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ ) ( الأنفال: ٤١ ).

ولكي نثبت للقارئ الكريم أنّ المال الوارد عن طريق الخمس لا يكون شيئاً يسيراً بل يشكّل مورداً ماليّاً كبيراً للدولة الإسلاميّة لا بدّ أن نثبت للقارئ أنّ فريضة الخمس التي سنّها الإسلام تعمّ غنائم الحرب، وغيرها ممّا ذكرناها ممّا يشكّل مجموعها قدراً كبيراً ووارداً هائلاً، ولذلك فنحن مضطرّون لإجراء تحقيق حول عموميّة الخمس للغنائم وغيرها.

تحقيق ضروريّ حول الخمس

إنّنا لا ننكر أنّ لفظة الغنيمة صارت في مصطلح الفقهاء في القرون الأخيرة، منحصرة فيما يؤخذ من الكفّار والمشركين بالقتال والحرب، إلّا أنّ مراجعة واحدة لوضع هذه اللفظة في اللغة، واستعمالها في الكتاب والسنّة تكشف لنا أنّ هذه اللفظة كانت تطلق في مطلق ما يفوز به الإنسان من منافع وأموال ولو بدون الحرب، وأنّ ما حصل لها من الحصر في غنائم الحرب، كان بعد العصر الأوّل للرسالة الإسلاميّة، وعلى ذلك يكون الخمس متعلّقاً بكلّ ما يكتسبه الإنسان لا بمغانم الحرب فقط وإليك تحقيق المطلب فيما يلي :

الغنيمة في اللغة

إنّ ما يظهر من أئمّة اللغة هو أنّ الغنيمة بمادّتها الأوّلية تستعمل في مطلق ما

٥٧٤

يحصل عليه الإنسان بيسر وسهولة، ولو كان بغير حرب وقتال ومدافعة وإليك بعض ما نصّت به أئمّة اللغة وأقطابها.

قال الجوهريّ في صحاحه: ( والمغنم والغنيمة بمعنى [ أي بمعنى واحد ] يقال: غنم القوم غُنماً ـ بالضمّ ـ وغنمته تغنيماً إذا نفلته. واغتنمه وتغنّمه عدّه غنيمة )(١) .

وقال ابن فارس في مقاييسه: ( غنم أصل صحيح واحد يدلّ على إفادة شيء لم يملك من قبل ثمّ يختص بما اُخذ من مال المشركين )(٢) .

وقال الراغب في مفرداته: ( والغنم، إصابته والظفر به ثمّ استعمل في كلّ مظفور به من جهة العدى وغيرهم )(٣) .

ويشير ابن الأثير إلى المعنى الأصليّ لهذه اللفظة في تفسير بعض الأحاديث ويقول: ( فلان يتغنم الأمر أي يحرص عليه كما يحرص على الغنيمة، ومنه الحديث: « الصّومُ في الشّتاء غنيمة باردة » سمّاها غنيمة لما فيها من الأجر والثواب ومنه: « الرّهن لمن رهنهُ لهُ غنمهُ وعليه غرمُه » وغنمه: زيادته ونماؤه وفاضل قيمته )(٤) .

وقال في لسان العرب مثل ما قاله ابن الأثير(٥) .

وقال الفيروزآبادي في قاموسه: ( والغُنم ـ بالضم ـ الفوز بالشيء لا مشقّة وأغنمه كذا تغنيماً نفله إيّاه، واغتنمه وتغنّمه عدّه غنيمة )(٦) .

وقال الأزهريّ في تهذيبه: ( قال الليث: الغنم الفوز بالشيء فاز به، والاغتنام انتهاز الغنم )(٧) .

وممّا قاله أئمّة اللغة في الغنيمة نعرف أنّ العرب كانت تستعمل هذه اللفظة في كلّ ما يفوز به الإنسان حتّى ولو لم يكن من طريق الحرب والقتال.

__________________

(١) صحاح اللغة: مادة ( غنم ).

(٢) مقاييس اللغة: مادة ( غنم ).

(٣) مفردات الراغب: مادة ( غنم ).

(٤) غريب مفردات الحديث: مادة ( غنم ).

(٥) لسان العرب: مادة ( غنم ).

(٦) قاموس اللغة: مادة ( غنم ).

(٧) تهذيب اللغة: مادة ( غنم ).

٥٧٥

وقد وردت هذه اللفظة بنفس المعنى في الكتاب والسنّة وأفادت مطلق ما يفوز به الإنسان وإليك الشواهد منهما فيما يلي :

الغنيمة في الكتاب والسنّة

لقد استعمل القرآن لفظة المغنم فيما يفوز به الإنسان وإن لم يكن عن طريق القتال بل كان عن طريق العمل العادي الدنيويّ أو الاُخرويّ إذ يقول سبحانه:( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا ضَرَبْتُمْ فِي سَبِيلِ اللهِ فَتَبَيَّنُوا وَلا تَقُولُوا لِمَنْ أَلْقَىٰ إِلَيْكُمُ السَّلامَ لَسْتَ مُؤْمِنًا تَبْتَغُونَ عَرَضَ الحَيَاةِ الدُّنْيَا فَعِندَ اللهِ مَغَانِمُ كَثِيرَةٌ ) ( النساء: ٩٤ ).

والمراد بالمغنائم الكثيرة هو أجر الآخرة بدليل مقابلته لعرض الحياة الدنيا فيعلم أنّ لفظ المغنم لا يختصّ بالاُمور والأشياء التي يحصل عليها الإنسان في هذه الدنيا، وفي ساحات الحروب فقط بل هي عامّة شاملة لكلّ مكسب وفائدة.

ثمّ إنّه قد وردت هذه اللفظة في الأحاديث واُريد منها مطلق الفائدة الحاصلة للمرء ففي باب « ما يقال عند إخراج الزكاة » من سنن ابن ماجة جاء عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : « أللّهم اجعلها مغنماً ولا تجعلها مغرماً »(١) .

وفي مسند أحمد عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : « غنيمةُ مجالس الذّكر الجنّة »(٢) .

وفي وصف شهر رمضان عنهصلى‌الله‌عليه‌وآله : « هُو غنم للمُؤمن »(٣) .

كما جاء في دعاء مشهور: « والغنيمةُ من كُلّ برّ ».

هذا مضافا إلى أنّ الرسول الأكرمصلى‌الله‌عليه‌وآله طلب في مكاتيبه ورسائله من جماعات مسلمة نائية عن المدينة، غير مشتركة في القتال تحت راية النبيّ، أن يدفعوا الخمس، وإليك طائفة من هذه الرسائل :

__________________

(١) سنن ابن ماجه: كتاب الزكاة الحديث ١٧٩٧.

(٢) مسند أحمد ٢: ٣٣٠ و ٣٧٤ و ٥٢٤.

(٣) مسند أحمد ٢: ١٧٧.

٥٧٦

الخمس في رسائل النبيّ وعهوده

١. لـمّا قال وفد عبد القيس لرسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : « إنّ بيننا وبينك المشركين من مضر، وإنّا لا نصل إليك إلّا في أشهر حرم فمرنا بحمل الأمر إن عملنا به دخلنا الجنة، وندعو إليه من ورائنا » فقالصلى‌الله‌عليه‌وآله : « آمرُكُم بأربع وأنهاكُم عن أربع، آمُرُكُم بالإيمان بالله، وهل تدرُون ما الإيمانُ: شهادةُ أن لا إله إلّا الله، وإقامُ الصّلاة، وإيتاءُ الزّكاة وتُعطُوا الخُمس من المغنم »(١) .

ومن المعلوم أنّ النبيّ لم يطلب من بني عبد القيس أن يدفعوا غنائم الحرب كيف وهم لا يستطيعون الخروج من حيّهم في غير الأشهر الحرم خوفاً من المشركين فيكون قد قصد المغنم بمعناه الحقيقيّ في لغة العرب وهو ما يفوزون به بلا مشقّة فعليهم أن يعطوا خمس ما يربحون.

٢. كتب لعمر بن حزم حين بعثه إلى اليمن :

« بسم الله الرّحمن الرّحيم هذا عهد من النبيّ رسول الله لعمرُو بن حزم حين بعثهُ إلى اليمن، أمرهُ بتقوى الله في أمره كُلّّه وأن يأخُذ من المغانم خُمس الله وما كُتب على المؤمنين من الصّدقة من العقار عُشرُ ما سقى البعلُ وسقت السّماءُ »(٢) .

٣. كتب إلى شرحبيل بن كلال ونعيم بن كلال وحارث بن كلال رؤساء قبيلة ذي رعين ومعافر وهمدان: « أمّا بعدُ فقد رجع رسُولُكُم وأعطيتُم من المغانم خُمس الله »(٣) .

٤. كتب لسعد هذيم من قضاعة وإلى جذام كتاباً واحداً يعلمهم فرائض

__________________

(١) صحيح البخاريّ ٤: ٢٠٥، باب والله خلقكم وما تعملون، و ١: ١٣ و ١٩، ٣: ٥٣ وصحيح مسلم ١: ٣٥ و ٣٦ باب الأمر بالإيمان، وسنن النسائيّ ٣: ٣٣٣، ومسند أحمد ٣: ٣١٨، الأموال: ١٢ وغيرها.

(٢) فتوح البلدان ١: ٨١، وسيرة ابن هشام ٤: ٢٦٥.

(٣) تنوير الحوالك في شرح موطأ مالك ١: ١٥٧.

٥٧٧

الصدقة ويأمرهم أن يدفعوا الصدقة والخمس إلى رسوليه(١) .

إنّ النبيّ حينما طلب دفع الخمس على أيدي رسوليه لم يطلب خمس غنائم الحرب التي خاضوها مع الكفّار وإنّما قصد ما استحق عليهما من الصدقة وخمس الأرباح :

٥. كتب للفجيع ومن تبعه: « من مُحمّد النبيّ للفجيع ومن تبعهُ وأسلم وأقام الصّلاة وآتى الزّكاة وأطاع الله وأعطى من المغانم خُمس الله »(٢) .

٦. كتب لجنادة الأزديّ وقومه ومن تبعه: « ما أقامُوا الصّلاة وآتُوا الزّكاة وأطاعُوا الله ورسُولهُ وأعطُوا من المغانم خُمس الله »(٣) .

٧. كتب لجهينة بن زيد فيما كتب :« وتشربُوا ماءها على أن تُؤدّوا الخُمس »(٤) .

٨. كتب لملوك حمير فيما كتب: « وآتيتُمُ الزكاة من المغانم خُمس الله وسهم النبيّ وصفيّه وما كتب الله على المُؤمنين من الصّدقة »(٥) .

٩. كتب لبني ثعلبة بن عامر: « من أسلم منهُم وأقام الصّلاة وآتى الزّكاة وخُمس المغنم وسهم النّبيّ والصفّى »(٦) .

١٠. كتب إلى بعض أفخاذ جهينة: « من أسلم منهُم وأعطى من الغنائم الخُمس »(٧) .

ويتبيّن ـ بجلاء ـ من هذه الرسائل أنّ النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله لم يكن يطلب منهم أن يدفعوا خمس غنائم الحرب التي اشتركوا فيها بل كان يطلب ما استحقّ في أموالهم من خمس وصدقة.

__________________

(١ و ٢ و ٣) طبقات ابن سعد ١: ٢٦٩ ـ ٢٧٠.

(٤) الوثائق السياسيّة: ١٤٢.

(٥) فتوح البلدان ١: ٨٥، وسيرة ابن هشام ٤: ٢٥٨.

(٦) الإصابة ٢: ١٨٩، واسد الغابة ٣: ٣٤.

(٧) سنن أبي داود ٢: ٥٥ الباب (٢٠) وسنن النسائيّ ٢: ١٧٩.

٥٧٨

ثمّ إنّه كان يطلب منهم الخمس دون أن يشترط ـ في ذلك ـ خوض حرب واكتساب الغنائم.

هذا مضافاً إلى أنّ الحاكم الإسلاميّ أو نائبه هما اللذان يليان بعد الفتح قبض جميع غنائم الحرب، وتقسيمها بالنحو الذي يحب بعد أن يستخرج منها الخمس، ولا يملك أحد من الغزاة عدا سلب القتيل شيئاً ممّا سلب وإلاّ كان سارقاً مغلاًّ.

فإذا كان إعلان الحرب وإخراج خمس الغنائم على عهد النبيّ من شؤون النبيّ في هذه الاُمّة فماذا يعني طلبه الخمس من الناس وتأكيده في كتاب بعد كتاب وفي عهد بعد عهد. فيتبيّن أنّ ما كان يطلبه لم يكن مرتبطاً بغنائم الحرب.

هذا مضافا إلى أنّه لا يمكن أن يقال: إنّ المراد بالغنيمة في هذه الرسائل هو ما كان يحصل الناس عليه في الجاهليّة عن طريق النهب كيف وقد نهى النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله عن النهب والنهبة بشدّة ففي كتاب الفتن باب النهي عن النهبة عنهصلى‌الله‌عليه‌وآله : « من انتهب نُهبةً فليس منّا »(١) .

وقال: « إنّ النُهبة لا تحلّ »(٢) .

وفي صحيح البخاري ومسند أحمد عن عبادة بن الصامت: بايعنا النبيّ أن لا ننتهب(٣) .

وفي سنن أبي داود باب النهي عن النهبى عن رجل من الأنصار قال: خرجنا مع رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله فأصاب الناس حاجة شديدة وجهدوا وأصابوا غنماً فانتهبوها فإنّ قدورنا لتغلي إذ جاء رسول الله يمشي متّكئاً على قوسه فأكفأ قدورنا بقوسه ثمّ جعل يرمل اللحم بالتراب ثمّ قال: « إنّ النُهبة ليست بأحلّ من الميتة »(٤) .

وعن عبد الله بن زيد: ( نهى النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله عن النهبى والمثلة )(٥) .

__________________

(١ و ٢) سنن ابن ماجه: ١٢٩٨ ـ ١٢٩٩.

(٣) صحيح البخاريّ ٢: ٤٨ باب النهبى بغير إذن صاحبه.

(٤) سنن أبي داود ٢: ١٢.

(٥) رواه البخاريّ في الصيد راجع التاج ٤: ٣٣٤.

٥٧٩

إلى غير ذلك من الأحاديث التي وردت في كتاب الجهاد.

وقد كانت النهيبة والنهبى عند العرب تساوق الغنيمة والمغنم ـ في مصطلح يومنا هذا ـ الذي يستعمل في أخذ مال العدو.

فإذا لم يكن النهب مسموحاً به في الدين، وإذا لم تكن الحروب التي يقوم بها أحد بغير اذن النبيّ جائزة لم تكن الغنيمة تعني دائماً ما يؤخذ في القتال بل كان معنى الغنيمة الواردة في كتب النبيّ هو ما يفوز به الناس من غير طريق القتال بل من طريق الكسب وما شابهه. ولا محيص حينئذ من أن يقال: إنّ المراد بالخمس الذي كان يطلبه النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله هو خمس أرباح الكسب والفوائد الحاصلة للإنسان من غير طريق القتال، أو النهب الممنوع في الدين.

وعلى الجملة: إنّ الغنائم المطلوب في هذه الرسائل النبويّة اداء خمسها إمّا أن يراد ما يستولي عليه أحد من طريق النهب والإغارة، أو ما يستولي عليه من طريق محاربة بصورة الجهاد أو ما يستولي عليه من طريق الكسب والكدّ.

والأوّل ممنوع بنصّ الأحاديث السابقة فلا معنى أن يطلب النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله خمس النهيبة.

وفي الثاني يكون أمر الغنائم بيد النبيّ مباشرة فهو الذي يأخذ كلّ الغنائم ويضرب لكلّ من الفارس والراجل ما له من الأسهم بعد أن يستخرج الخمس بنفسه من تلك الغنائم، فلا معنى لأن يطلب النبيّ الخمس من الغزاة. فيكون الثالث هو المتعيّن.

وقد ورد فرض الخمس في غير غنائم الحرب في أحاديث منقولة عن النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله : ففي سنن البيهقي عن أبي هريرة عن النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله أنّ قال: « في الرّكاز الخُمسُ ».

قيل: وما الركاز يا رسول الله ؟

فقال: « الذهبُ والفضّةُ الذي خلقهُ الله في الأرض يوم خُلقت »(١) .

__________________

(١) سنن البيهقيّ ٤: ١٥٢ و ١٥٥.

٥٨٠

581

582

583

584

585

586

587

588

589

590

591

592

593

594

595

596

597

598

599

600

601

602

603

604

605

606

607

608

609

610

611

612

613

614

615

616

617

618

619

620

621

622

623

624

625

626

627