مفاهيم القرآن الجزء ٣

مفاهيم القرآن10%

مفاهيم القرآن مؤلف:
الناشر: مؤسّسة الإمام الصادق (عليه السلام)
تصنيف: مفاهيم القرآن
الصفحات: 543

الجزء ١ الجزء ٢ الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥ الجزء ٦ الجزء ٧ الجزء ٨ الجزء ٩ الجزء ١٠
  • البداية
  • السابق
  • 543 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 201681 / تحميل: 6172
الحجم الحجم الحجم
مفاهيم القرآن

مفاهيم القرآن الجزء ٣

مؤلف:
الناشر: مؤسّسة الإمام الصادق (عليه السلام)
العربية

١

٢

لقد وافتنا رسائل من الشخصيات البارزة المتبحّرة بعلوم القرآن وتفسيره تشجّعنا على مواصلة العمل ونحن نقدم إليهم بالشكر وننشر كلماتهم فيما يأتي من الأجزاء مشفوعاً بالتقدير والإكبار.

كلمة قيّمة للمفكّر الإسلامي الكبير والمفسّر القدير العلّامة السيّد محمد حسين الطباطبائي قدس‌سره مؤلّف الكتاب القيّم « الميزان في تفسير القرآن ».

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين، والصّلاة والسّلام على محمّد وآله الطاهرين.

أمّا بعد، فإنّ الكتاب الذي بين يديك سلسلة بحوث قيّمة في القرآن الكريم وتفسيره على أساس « الوحدات الموضوعية » فيه. ويلاحظ الباحث فيها أنّها تعتمد، قبل كل شيء على الاستفادة من نفس مفاهيم القرآن الكريم في عرض المواضيع كما يلاحظ الروح الموضوعية الهادفة والاُسلوب الفخم، والتتبع الدقيق، والإسهاب في البحث، والاستيفاء الكامل لكلّ جوانب الموضوع. فأسأل الله أن يوفّق مؤلّفنا الموفّق لتنقيح سائر المواضيع في الأجزاء الآتية، انّه سميع بصير.

محمد حسين الطباطبائي

عام ١٣٩٣ ه‍

قم ـ إيران

٣

اكبار وتقدير لهذه الموسوعة القرآنية من المحقق المتتبع العلّامة الكبير الشيخ محمد تقي التستري دام ظله، صاحب كتاب « قاموس الرجال ».

بسم الله الرحمن الرحيم

حضرة العلّامة فخر الأيام الشيخ جعفر السبحاني دامت بركاته.

وصلني كتابكم الميمون ففتح علينا أبواب البهجة والسرور، كما وصلني مؤلّفكم القيّم « مفاهيم القرآن » وقد طالعته من أوّله إلى آخره والحق أنّكم بحثتم فيه عن موضوعات كثيرة وعالجتم فيه المسائل الإسلامية معالجة جديدة، بعيدة عمّا حولها من آراء وأفكار مهجورة فجزاكم الله عن الإسلام والدين والعلم خير الجزاء.

والعجب أنّكم رغم نشأتكم فى إيران أخذتم بناصية اللغة العربية كأديب مصري أو بغدادي، فأتيتم بتعابير عصرية رائجة، أدام الله في تأييدكم وزاد في تسديدكم.

الشيح محمد تقي التستري

٤

التفاتة كريمة وكتاب مبارك من الاُستاذ الفذ سماحة العلّامة الحجة الشيخ محمد الكرمي دام ظله الوارف نقتطف منه ما يلي :

بسم الله الرحمن الرحيم

هزتني طرّة عنوانه لأنّه مبتكر في بابه

كم بتّ أتململ ساعات طوالاً من الليل، وآناء كثيرة من أطراف النهار أجول بفكري في غضون الحياة لعلّي أطّلع من بعض منافذها على بصيص أجعله مناراً للخروج من حيرتي لأنّي أعرف للفضيلة مفهوماً ولا أراه بين الناس، وللدين أهمية عظمى ولا أجدها ظاهرةً بينهم نعم قد تقع العين أحياناً على فاضل متزن وكاتب متقن وكتاب متشخّص فيلوح في الآفاق كما تلوح النجمة اللّامعة في شاشة الظلام الأدكن ويحصل منها بصيص للدرب يهوّن على سالكه المسير فلا يكون كخابط في ليلة ظلماء.

وفي مثل هذا الوقت المتلوي والظرف الحرج يتحفني صديق لي حميم وهو الاُستاذ جعفر السبحاني بالجزء الأوّل من تفسيره الموضوعي للقرآن الكريم « فهزّتني طرّة عنوانه لأنّه مبتكر في بابه » فانّ كل من كتب في التفسير كتب على طبق تسلسل السور من الفاتحة إلى المعوذة بالترتيب الموجود للمصحف الشريف، أمّا صديقنا الفاضل فقد حاول خطة اُخرى هي بنظري آصل من الخطط الدارجة وهي إلمامه بجميع ما في

٥

القرآن من أهداف وموضوعات تحدّث القرآن الكريم عنها وإشخاص كل هدف في باب خاص والإفاضة عنه بالآيات التي رمت إليه في أيّة سورة كانت.

... لقد أتحفني صديقي السبحاني بالجزء الأوّل من تفسيره الموضوعي فقرأت مقدّمته لأستجلي من مجملها تفاصيل ما دوّن أو يريد تدوينه، فوقفت على مجمل مفعم بالمطالب الدقيقة وفتحت الكتاب عفواً فوقعت عيني على عنوان " أُمّية النبي في القرآن " وسرحتها قصداً لترتع في هذه الجنائن الناظرة والحدائق الغنّاء فكان والحق يقال محقّقاً لمادة المطلب مفتشاً على كلّ مظنة توفي بها على ما يوخّى من بحثه وبعد ذلك مطبقاً لما علّق بنظره مبرهناً عليه طارداً للشبه والإشكالات التي توجّه إليه.

فالسبحاني وإن كان كتبَ في أبواب شتى وطرق مواضيع عديدة وساعدته الظروف فنشر ما كتب إلّا أنّه في كتابه هذا إذا وفّق لإتمامه على اُسلوب فأنجز منه يكون قد جاء ببيت قصيده وأسعفه الحظ بمقصوده ولا استكثر عليه ذلك.

لقد أتحفني صديقي الفاضل السبحاني كما ذكرت بالجزء الأوّل من موسوعته فرأيت لزاماً عليّ أن أقدم لجزئه الثاني الجاهز للطبع وأعرب عن الحق الذي تضمّنه كتابه لا عن تذوقي وحده. فجدير بالناشئة المؤمنة أن تطالع هذا الكتاب وتشبع بعض نهمتها منه وجدير بالأُستاذ المؤلّف أن يتابع خطوه في إتمام هذه الموسوعة التي تتقاضى منه جداً وجهداً وزمناً وإذا ماطل هذه الصعوبات وانتصر عليها يكون قد فاز برضى من ربّه وهذه هي الجائزة الموقّرة والسّلام عليه ورحمة الله وبركاته.

محمد الكرمي

٢١ / ج ١ / ١٣٩٤ ه‍

٦

عواطف خالصة يجود بها علينا أخ في الله كريم وعلم من أعلام الفكر والدين فضيلة الشيخ حسن طراد العاملي نزيل النجف الأشرف.

بسم الله الرحمن الرحيم

فضيلة العلّامة الجليل المجاهد الكبير سماحة الشيخ جعفر السبحاني المحترم دام حفظه وتأييده.

تحية حب وإخلاص وتقدير وإجلال.

وبعد: فقد وصلتني هديتك الثمينة التي تفضّلت بها « مفاهيم القرآن ». وقد كان لهذه الهدية الفكرية مدلول رائع ومحتوى مزدوج سام، فهي تعبّر من جهة فكرية عن فكر عميق ونظر دقيق وسعة اطّلاع وفصاحة بيان وسداد منطق كما تعبّر من جهة روحية عن سموّ خلق ودماثة طبع ورحابة صدر وسماحة نفس، ولهذا وذلك كان لهذه التحفة السَنيّة بما عبّرت عنه ودلّت عليه أبلغ الأثر في نفسي حيث جعلت لك عندي منزلة سامية ومكانة مرموقة تستوجب التقدير والإجلال، كما بعثت وكوّنت لك في قلبي حبّاً عميقاً وإخلاصاً وثيقاً يجذبني إليك بسلك الوفاء والولاء وقد كان من نتائج هذا التقدير وذلك الحب مقطوعة شعرية نظّمتها بوحي من إعجابي بفضلك وتقديري

٧

لشخصك وإخلاصي لك وهي :

سر للأمام مؤيّداً بعزيمة

كالطود لا تثنى ولا تتقهقر

وانشر من الدين الحنيف معارفاً

غراء تسطع بالرشاد وتزهر

وأكشف دياجير الضلال بساطع

من نور فكرك بالهدى يتموّر

فالليل لايجلوه إلّا كوكب

بشعاعه ظل الدجى يتبخّر

والغي لا يمحوه إلّا كاتب

بفنون دستور السما متبحّر

نشر الحقائق في العقول فأشرقت

وعياً وأضحت بالهدى تتنوّر

ليظل دستور العقيدة مشرقاً

تزهو بروعة ما حواه الأعصر

وختاماً أشكر هديتك القيّمة وأُقدر أخلاقك السامية وجهادك المثمر البنّاء والسلام عليك وعلى سائر الأعلام المجاهدين في حوزة قم المقدسة.

حسن طراد العاملي نزيل النجف الأشرف

٧ / ربيع الآخر / ١٣٩٤ ه‍

٨

مقدّمة الطبعة الثالثة

بسم الله الرحمن الرحيم

الحديث عن التفسير الموضوعي ذو شجون وهو يقابل التفسير الترتيبي الذي يتخذ المفسّر، القرآن موضوعاً لتفسيره مبتدئاً من سورة الحمد ومنتهياً إلى سورة الناس وربّما لا يرافقه التوفيق لتفسير جميع السور فيكتفي بتفسير البعض.

وأمّا التفسير الموضوعي فيجعل المفسّر الموضوعات الواردة في الكتاب العزيز محوراً للدراسة ويجمع شتيت آياته من السور المختلفة فينظر إلى الكل بنظرة ثاقبة ويخرج بنتيجة واحدة يجعل البعض قرينة للبعض الآخر.

وكان المألوف بين المفسّرين هو النمط الثاني وإن كان النمط الأوّل غير مغفول عنه في بعض صوره، كالبحث عن الآيات الواردة حول الأحكام الفقهية من الطهارة إلى الديات، والآيات الواردة حول المثل والأخلاق.

وأوّل من فتح هذا الباب على وجه موجز في غير واحد من المواضيع هو العلّامة المجلسيقدس‌سره حيث أصدر في موسوعته عن هذا اللون من التفسير في جميع الأبواب في مجالي العقيدة والشريعة والحوادث الكونية غير أنّه لايخرج في تفسيرها عن إطار ما في التفاسير المعروفة كمجمع البيان للطبرسي وأنوار التنزيل للبيضاوي وغيرهما. وممّا يدعو إلى إكبار عمله أنّه قام بجمع آيات الموضوعات الواردة في القرآن الكريم مع عدم توفّر المعاجم الموجودة في عصرنا هذا، فإنّها بلا شك خير معين لمن يريد الخوض في هذا المجال.

٩

وقد قمت بحمد الله بهذا العبء الفادح حسب المستطاع فجعلت العقيدة هي المحور الأوّل للتفسير مقدماً لها على الأحكام والأخلاق وما يرجع إلى الكون والطبيعة وخلق الإنسان.

والجزء الأوّل يحتوي على مباحث في التوحيد وأقسامه، والشرك وألوانهولـمّا انتهينا في هذا الجزء إلى التوحيد في الحكومة وأنّه لا حاكم في المجتمع البشري سوى الله سبحانه وأنّ حكومة غيره لابدّ أن تكون مستمدة من حكومته سبحانه وتعالى. خصّصنا الجزء الثاني من هذا الموسوعة في الحكومة الإسلامية، وما ورد حولها من الآيات في مواضيع مختلفة.

وكان الأنسب للبحث في الجزء الثالث هو دراسة أسمائه وصفاته، ثمّ البحث عن النبوّة العامّة إلى أن ننتهي إلى معالم النبوّة الخاصة ولكن كانت الحاجة في المجتمع الإسلامي ماسّة للبحث عن النبوّة الخاصة ركّزنا البحث على مواضيع ترجع إليها واستغرقت تلك البحوث الجزء الثالث والرابع والخامس نعم درسنا صفاته سبحانه في الجزء السادس دراسة معمّقة تليق بها ودرسنا حياة النبي الأكرمصلى‌الله‌عليه‌وآله في القرآن في الجزء السابع.

وما ذكرنا فهرس موجز لهذه الأجزاء السبعة وأرجو منه سبحانه أن يوفّقني لدراسة المواضيع الباقية من العقائد والمعارف. إنّه قريب مجيب.

وها نحن نعيد طبع الجزء الثالث في حلّة قشيبة وقد مضى على الطبع الأوّل قرابة عشرين سنة وما زال الطلب يصل إلينا ويشجعنا على مداومة العمل. واستيعاب المواضيع الباقية في المعارف الواردة في القرآن الكريم ونرجو الله تعالى أن يوفقنا لإكمال هذه الموسوعة التي تهدف إلى التعرّف على الاُصول والعقائد عن طريق الوحي والتنزيل.

قم ـ مؤسسة الإمام الصادقعليه‌السلام

جعفر السبحاني

٣ شهر رمضان المبارك عام ١٤١٣

١٠

مقدمة الطبعة الثانية

بسم الله الرحمن الرحيم

القرآن

كتاب القرون والأجيال

القرآن معجزة خالدة

لـمّا كانت رسالة النبي الكريم محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله أبديّة خالدة إلى يوم القيامة، لأنّها خاتمة الرسالات، ونبوّته خاتمة النبوّات وكانت النبوّة والرسالة الخالدة بحاجة إلى المعجزة الخالدة لاقناع الأجيال المتلاحقة، امتازت معجزة الرسول الكريم محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله عن معاجز غيره من الرسل الكرام بكونها خالدة خلود النبوّة المحمديّة، باقية بقاء الرسالة الإسلاميّة، التي هي خاتمة الرسالات والحلقة الأخيرة المتكاملة في سلسلة الشرائع الإلهية.

وهذا أمر يؤيّده العقل، ويؤكده البرهان. فالأنبياء والرسل السابقون، رغم أنّهم كانوا أصحاب معاجز كثيرة وعديدة، لكن تلك المعاجز كانت مؤقتة، لأنّ رسالتهم كانت منحصرة على عصورهم وأجيالهم أو تمتد إلى عصور بعدهم بقليل ولذلك كانت معاجزهم باقية في الأذهان بقدر طول مدة نبوّتهم ورسالتهم فكانت تختفي بانتهاء مدة

١١

نبوّاتهم: ولم يبق منها إلّا أخبار وقصص في بطون الكتب، وطيّات التاريخ المدوّن.

أمّا الرسالة التي كلّف بإبلاغها الرسول الخاتمصلى‌الله‌عليه‌وآله فإذ لم تكن محدودة بزمن دون آخر، ولا مقصورة على جيل دون آخر، فهي الرسالة الخالدة وهي الدعوى الموجهة إلى جميع الأجيال البشرية إلى يوم القيامة، كان من الضروري والبديهي أن تقترن بمعجزة خالدة، تشهد على صدق صاحب الدعوة وحامل تلك الرسالة، في جميع القرون والأعصار، ولتكون ( حجة ) على جميع الأجيال المخاطبة بها، والمدعوّة إليها، لأنّ المعجزة وثيقة إثبات لا يمكن تصديق رسالة ونبوّة بدونها.

وكانت هذه المعجزة الخالدة التي زوّد الله تعالى بها خاتم الأنبياء محمداًصلى‌الله‌عليه‌وآله هي ( القرآن الكريم ) الذي بقى على مرّ العصور والأزمنة يشهد ـ بقوّة ووضوح ـ على صدق النبوّة المحمدية وعلى صلتهصلى‌الله‌عليه‌وآله بالله سبحانه وتعالى.

والجدير بالذكر أنّ إعجاز القرآن الكريم لا يقتصر على جهة دون جهة، بل هو معجزة بمجموعه وفي جهات شتى نشير إلى بعضها على سبيل المثال لا الحصر :

أوجه الإعجاز القرآني

انّ القرآن الكريم معجزة مستمرة وخالدة :

أوّلا / من حيث فصاحته وبلاغته التي أخرست البلغاء والفصحاء، لا في عصر نزوله خاصة، بل في جميع الأزمنة والدهور، وأعجزتهم عن معارضته، وتحدّتهم في معاقلهم، وعقر دورهم.

ثانياً / من حيث احتوائه على أفضل القوانين والنظم، وأرقى التشريعات في جميع المجالات الحيوية، وإتيانه بما عجز عن الإتيان به أرقى الحضارات البشرية حتى يومنا هذا.

ثالثاً / من حيث إخباره بالاُمور المستقبلية واحتوائه على الاُمور الغيبية، إذ أخبر

١٢

عن وقائع وحوادث مستقبلية تحقّقت بعده حرفاً بحرف.

رابعاً / من حيث سلامته عن التناقض والاختلاف في النظم والاُسلوب، وفي المعنى والمضمون رغم تدرّجه في النزول على النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله وتنزّله في ظروف مختلفة متباينة كيفاً وحالاً، وخلال ثلاث وعشرين سنة محفوفة بالمشاكل الجسيمة، والتطورات العنيفة.

خامساً / من حيث تناوله الدقيق للوقائع التاريخية الماضية، حيث قصّها على نحو خال عن شائبة الأساطير والخرافات، وهو أمر يمكن معرفته بمقارنة القرآن الكريم مع التوراة والإنجيل.

سادساً / من حيث اشتماله على إشارات رائعة عميقة إلى حقائق كثيرة من العلوم الطبيعية التي توصّل إليها العلم الحديث ـ في هذا العصر ـ بفضل الجهود الطويلة المضنية، وبواسطة المختبرات، والوسائل العلمية والتجارب والاختبارات العديدة.

سابعاً / من حيث قوّة احتجاجه على خصومه ومعارضيه، وما جاء به من حجج لم يسبق لها نظير في علم المناظرة والاحتجاج وكانت ـ ولا تزال ـ أنجح الحجج في إفحام الخصوم وإسكات المجادلين، والمشكّكين، بل وهدايتهم في أغلب الأحيان.

ثامناً / من جهة ما جاء به في مجال الأخلاق والتربية الأخلاقية للفرد والمجتمع حيث استقصى الأخلاق الفاضلة وحثّ على التزيّن بها بما توجبه الحكمة من البعث والترغيب، وأحصى الأخلاق الرذيلة وزجر عن التلوّث بها بما توجبه الحكمة، ويقتضيه الاصلاح من التخويف والتنفير وسلك في ذلك كلّه طريقة فريدة لها أبلغ الأثر حتى في أشد القلوب قساوة.

تاسعاً / من حيث روحانيته البالغة التي تنفذ إلى الأعماق، وتأخذ بمجامع القلوب، وتستميل المشاعر، فإذا بآياته روح تحيا بها نفوس الخلق، ونور يضيء الوجود الإنساني كما تضيء الشمس الآفاق، فتنشط الأحياء، وتتحرك الطبيعة.

١٣

عاشراً / من حيث تناوله لأدق المعارف العقلية، والقضايا الاعتقادية الرفيعة التي لا تصل إليها أفكار البشر، ولا تبلغها علومهم، ممّا يتعلّق بالله سبحانه وصفاته وأسمائه وأفعاله، وما أخبر به من عوالم غيبية في الملأ الأعلى، والنشأة الاُخرى.

إلى غير ذلك من الجهات والوجوه التي يقصر البيان عن الإحاطة بها، وإحصائها في هذا المختصر.

غير أنّ الجهة الأخيرة من هذه الجهات وهي التي كان يتوجب تناولها بالدراسة الوافية والتحليل الشامل، وخاصة في عصرنا الحاضر، قد اُهملت في مؤلّفات المفسّرين غالباً فهم لم يدرسوها بجامعية تليق بالموضوع وتناسب أهميته، وتعطي حقه من العناية والبحث.

ولعلّ عذرهم في ذلك هو أنّ تفسيرهم للكتاب العزيز كان على وجه التفسير التدريجي للقرآن، أي التفسير سورة فسورة، وآية فآية، ولم يتبادر إلى أذهانهم إنّ هناك نوعاً آخر من التفسير هو التفسير الموضوعي الذي يفسّر الكتاب العزيز حسب المفاهيم والموضوعات، وهو النمط الذي أشرنا إليه في مقدمة الجزء الأوّل من هذه السلسلة القرآنية.

* * *

لزوم الاهتمام بالمعارف الإلهية

وإنّما ينبغي إعطاء المزيد من الاهتمام بالمعارف الإلهية التي ترتبط بالله سبحانه، وأسمائه وصفاته وأفعاله وغير ذلك ممّا تناوله القرآن بالدقة المشهودة، لأنّ تناول القرآن لهذه المعارف بهذا الشكل يدلّ ـ بوضوح لا يقبل الجدل ـ على أنّ النبيّ الاُمّيصلى‌الله‌عليه‌وآله لم يأخذ هذه المعارف إلّا من مستقى ( الوحي )، إذ من المستحيل لابن الجزيرة الخالية من أيّة حضارة وثقافة أن يأتي ـ في كتابه ـ بما أبهر عقول الفلاسفة والمفكّرين، في القديم والحديث، وذلك من لدن نفسه وصنع فكره، أو يكون قد تلقّاها في مدرسة، أو اقتبسها من معلّم في أرض لم يعرف أهلها إلّا الأوهام، ولم يؤمنوا إلّا بالخرافة، فلا ثقافة

١٤

ولا مثقّفين، اللّهمّ إلّا بضعة أشخاص(١) لم ينالوا من الثقافة إلّا صبابات هي إلى الجهل أقرب منها إلى العلم والمعرفة.

إنّ القرآن جاء بأُصول وأفكار في مجال المعارف العقلية العليا لم يقف عليها حتى النوابغ من الفلاسفة، في الشرق والغرب، إلّا عن طريق ذلك الكتاب الإلهي وهدايته.

إنّ من الظلم الفضيع إهمال دراسة هذه المعارف العليا بحجة أنّها مسائل غيبية يجب الاعتقاد بها إجمالاً، وترك دراستها ومناقشتها وتحليلها.

والعجب أنّه روي عن الإمام مالك أنّه جاء إليه رجل فقال: يا أبا عبد الله( الرَّحْمَٰنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَىٰ ) كيف استوى ؟

فأطرق مالك برأسه حتى علاه الرحضاء. ثمّ قال :

« الاستواء غير مجهول، والكيف غير معقول، والإيمان به واجب والسؤال عنه بدعة، وما أراك إلّا مبتدعاً ».

فأمر به أن يخرج(٢) .

ونحن نعتقد أنّه كان على الإمام أن يجيب على سؤال السائل ويهديه إلى مراده سبحانه من هذه الآية بدل رميه بالابتداع وإخراجه من المجلس.

كما أنّ من الظلم أيضاً ما يرتكبه بعض كتّابنا المسلمين المعاصرين، حيث أخذ يفسّر هذه المعارف العقلية الإلهية بالأُمور المحسوسة ويحاول تطبيقها على الشؤون المادية فصار فعله بذلك من أوضح مصاديق ( تفسير القرآن بالرأي ) الذي تواترت الأحاديث

__________________

(١) لقد نقل البلاذري في كتابه « فتوح البلدان » أنّ الذين كانوا يعرفون الكتابة في مكّة ـ آنذاك ـ لا يتجاوزون سبعة عشر شخصاً، وفي المدينة أحد عشر شخصاً، وإليك نصّ ما قاله في هذا المجال :

« دخل الإسلام وفي قريش سبعة عشر رجلاً كلهم يكتب » ثمّ عدهم وذكر أسماءهم وقال :

« كان الكتّاب بالعربية في الأوس والخزرج قليلين فجاء الإسلام وفي الأوس والخزرج عدة يكتبون » ثمّ ذكر أسماءهم راجع فتوح البلدان ص ٤٥٦ ـ ٤٥٩ باب في أمر الخط.

(٢) مجموعة الرسائل الكبرى لابن تيمية، ج ١، ص ٤٤٣.

١٥

الشريفة من الرسول الأعظمصلى‌الله‌عليه‌وآله على نهيه.

من أجل هذا، ولكي نسلم من التخبّط والعشوائية في معرفة هذه المعارف والقضايا الاعتقادية يتعيّن علينا أن ندرسها بعناية بالغة على نمط ( التفسير الموضوعي ) من دون فرق بين موضوع وآخر، حتى نقف ـ من هذا السبيل ـ على واحدة من أهم جهات الإعجاز القرآني، ونكون من المتعمّقين في القرآن ومعارفه. وما روي عن الإمام علي بن الحسين السجادعليه‌السلام إذ قال، لـمّا سئل عن التوحيد :

« إنّ الله ـ عزّ وجلّ ـ علم أنّه يكون في آخر الزمان أقوام متعمّقون فأنزل الله تعالى:( قُلْ هُوَ اللهُ أَحَدٌ ) والآيات من سورة الحديد إلى قوله:( وَهُوَ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ ) فمن رام وراء ذلك فقد هلك ».(١)

أقول: إنّ ما روي عنهعليه‌السلام لا يعني أنّ الإمام أراد حصر الآيات الباحثة عن المعارف والقضايا الاعتقادية في هذه الآيات، بل لـمّا كان ما جاء في هذه الآيات في القمّة من تلك المعارف، أشار إليها الإمام خاصة دون إرادة الحصر.

ولأجل هذا جعلنا وجهة البحث في تفسيرنا منذ أن شرعنا في هذا النمط صوب: ( المعارف الاعتقادية ) على ضوء القرآن، مبتدئين بالتوحيد وماضين في هذا السبيل إلى ما شاء الله

* * *

تقديم مباحث النبوّة على الصفات

ولمّا انتهى البحث عن ( التوحيد ) وأقسامه في الجزء الأوّل من كتابنا الذي انتشر باسم « معالم التوحيد في القرآن الكريم »، وفرغنا من عرض أهم أصل من اُصول الدين الإسلامي، وانجرّ البحث عن توحيد حاكميته سبحانه إلى توضيح صيغة الحكومة الإسلامية وخصصنا لبيانها جزءاً مستقلاً وانتشر باسم: « معالم الحكومة الإسلامية » كان البحث الضروري والمهم بعد ذلك الفصل هو البحث عن معالم النبوّة مطلقاً، ونبوّة

__________________

(١) الكافي، ج ١، باب النسبة، الحديث ٣.

١٦

نبيّنا محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله خاصّة واستعراض ما جاء حولهما من المسائل والمباحث التي يجب الاعتقاد بها حسب نصوص القرآن الكريم وآياته.

نعم كان اللازم بعد البحث عن وجوده سبحانه وتوحيده هو البحث عن سائر صفاته الجمالية من علمه وقدرته وحياته إلى غير ذلك من الصفات الثبوتية، أو البحث عن صفاته الجلالية من كونه ليس بجسم، ولا عرض، إلى غير ذلك من الصفات السلبية(١) .

نعم كان اللازم تقديم البحث عن صفاته على بحث النبوّة، غير أنّه لما كان أهم صفاته هو التوحيد وقد أشبعنا الكلام فيه ضمن فصول، قدّمنا بحث النبوّة.

وإنّما اخترنا مبحث النبوّة، بعد استيفاء البحث في توحيد الله سبحانه، لأنّه الأصل الثاني لتحقّق الإسلام، حيث كان الرسول الأعظمصلى‌الله‌عليه‌وآله يقبل إسلام من يعترف بالشهادتين: الشهادة بتوحيد الله سبحانه، والشهادة برسالة نبيّهصلى‌الله‌عليه‌وآله .

نعم سنقوم، بعد استيفاء البحث عن النبوّة، بالبحث عن ( المعاد في يوم القيامة ) لأنّ أي مسلك ودين لا يمكن أن يصطبغ بصبغة الدين الالهي بدون الاعتقاد ب‍ ( المعاد ).

وتدل على انحصار المهم من الاعتقاد في هذه الاُمور والاُصول الثلاثة روايات وأحاديث منها ما عن علي بن أبي طالب عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله أنّه قال :

« لا يؤمن عبد حتى يؤمن بأربع: يشهد أن لا إله إلّا الله وأنّي محمد رسول الله بعثني بالحق، ويؤمن بالموت، ويؤمن بالبعث بعد الموت، ويؤمن بالقدر »(٢) .

كما روي أنّ رجلاً من الأنصار جاء إلى رسول الله بجارية له سوداء فقال: « يا رسول الله علي رقبة مؤمنة أفأعتق هذه ؟ فقال لها رسول الله :

__________________

(١) خصصنا الجزء السادس بالبحث عن أسمائه وصفاته سبحانه كما خصصنا الجزء السابع لبيان دعوة النبىّ الأكرم وحياته في القرآن.

(٢) أخرجه الترمذي راجع جامع الاُصول، ١، ص ١٤٥.

١٧

أتشهدين أن لا اله إلّا الله ؟

قالت: نعم.

قال: أتشهدين أنّ محمداً رسول الله ؟

قالت: نعم.

قال: أتؤمنين بالبعث بعد الموت ؟

قالت: نعم.

قال رسول الله: اعتقها »(١) .

مباحث النبوّة

إنّ البحث عن ( النبوّة ) يقع في موردين :

١. النبوّة العامّة.

٢. النبوّة الخاصّة.

والمراد من البحث في ( النبوّة العامّة ) هو دراسة ظاهرة « النبوّة »، ذلك الفيض الإلهي الجاري من جانب الله سبحانه إلى البشر بواسطة الأنبياء والرسل من آدمعليه‌السلام إلى خاتم النبيينصلى‌الله‌عليه‌وآله .

وفي مجال النبوّة العامّة لابدّ من البحث في الاُمور التالية التي يتكفل مجموعها شرح هذه الحقيقة الكبرى، وبيانها :

الأوّل: لزوم بعث الأنبياء إلى البشر.

الثاني: الشرائط العامّة اللازمة في النبي كالعصمة والخلو عن النقص والعيب.

الثالث: كيفية أخذ الأنبياء الأحكام عن الله سبحانه، وما هو الوحي.

الرابع: ما يعرف به النبي الحقيقي ويمتاز عن مدّعي النبوّة كذباً، ومنتحلها

__________________

(١) أخرجه صاحب الموطأ راجع، ج ١، ص ١٤٥.

١٨

زوراً، ويبحث فيه عمّا يسمّى بدلائل النبوّة التي منها « المعاجز ».

تلك هي عناوين الأبحاث في « النبوّة العامّة » التي تعرّض لها القرآن الكريم في مواضع كثيرة من سوره وآياته.

وإنما يجب البحث عن الموضوع الأوّل ( أعني: لزوم إرسال الرسل وبعث الأنبياء ) دفعاً للمزاعم الواهية المنقولة عن البراهمة والبوذيين الذين أنكروا ضرورة إرسال الرسل بوجوه ذكرها علماء الكلام في مؤلّفاتهم الاعتقادية(١) .

وأمّا البحث عن الموضوع الثاني فلأجل توضيح أنّ النبوة لا تعطى إلّا لمن تتوفّر فيه صفات خاصّة، ومؤهّلات معيّنة وهو بحث يتطلبه مبحث النبوّة العامّة لمعرفة أهمية مسألة النبوّة، وأنّه هذا المنصب العظيم لم يعهد إلّا لمن تتوفّر فيه صفات معيّنة.

ويتناول العنوان الثالث بالبحث لمعرفة أنّ أهميّة النبوّة وامتيازها عن أيّة ظاهرة فكرية بشرية إنّما هي بالوحي، الذي هو كيفية اتصال الأنبياء بالله سبحانه، وهو الأمر الذي يدحض الزعم الباطل القائل بأنّ الأنبياء مجرد نوابغ وأنّ ما يأتي به الأنبياء نظريات بشرية نابعة من صميم أفكارهم.

ويتناول الموضوع الرابع بالدراسة لأنّ معرفة النبىّ الصادق عن المتنبئ الكاذب متوقف على ما يتحقق على يد النبي من معاجز تثبت تأييد الله سبحانه له وإن كانت هناك طرق اُخرى لتمييز النبي الحقيقي عن المتنبئ أيضاً وسيوافيك بيانها في محلها.

وهذه العناوين وإن كان البحث عنها مهماً وضرورياً لمعرفة حقيقة النبوّة بصورة عامة لكنّنا نقدم الحديث عن معالم النبوّة الخاصّة ـ أعني نبوّة الرسول الأعظم محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله ـ نظراً لشدة الحاجة إلى ذلك فعلاً، وسنردف البحث هذا، بدراسة الفصول، والمسائل المتعلّقة بالنبوّة العامّة التي ذكرناها عمّا قريب.

__________________

(١) ذكر بعضها المحقق الطوسي في تجريد الاعتقاد وشرحه تلميذه العلّامة الحلي في كشف المراد راجع ذلك الكتاب، ص ٢٧٥، طبعة صيدا.

١٩

نعم كان الأولى في البحث عن النبوّة الخاصّة تقديم البحث عن دلائل نبوّة سيدنا محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله .

غير أنّه لما كتبت في هذا الموضوع مؤلّفات، ورسائل، وكان البحث عن إعجاز القرآن بوجوهها العشرة الماضية أحسن دليل على صحة رسالتهصلى‌الله‌عليه‌وآله وقد استوفى علماؤنا البحث عن ذلك قديماً وحديثاً وجدنا قرّاءنا في غنى عن تكراره.

ولأجل ذلك طرحنا بحوثاً اُخرى ترجع إلى صفات رسالته ونبوّته أو إلى حالاته الخاصة الواردة في الكتاب العزيز، والتي لم تبحث إلى الآن بصورة مشبعة ومنقّحة.

فلأجل ذلك نبحث في هذا الجزء عن الاُمور التالية :

١. رسالتهصلى‌الله‌عليه‌وآله عالمية وليست إقليمية ولا قومية وأنّه مبعوث إلى البشر كافة.

٢. إنّ رسالته خاتمة الرسالات ونبوّته خاتمة النبوّات، وكتابه خاتم الكتب.

وهذان البحثان يرجعان إلى البحث عن أوصاف رسالته، من عموميتها وخصوصيتها.

٣. أنّهصلى‌الله‌عليه‌وآله كان اُمّياً لا يقرأ ولا يكتب.

٤. أنّهصلى‌الله‌عليه‌وآله كان مطّلعاً على الغيب بإذنه سبحانه.

وهذا البحثان يرجعان إلى أوصافه الواردة في القرآن الكريم.

٥. بيان أسمائه وصفاتهصلى‌الله‌عليه‌وآله الواردة في القرآن الكريم.

نسأل الله سبحانه أن يوفّقنا لتوضيح هذه المعالم التي نوّه بها سبحانه وذكرها في كتابه العزيز، وأن يوفّق قرّاءنا للاستفادة من هذه البحوث القرآنية انّه خير معين.

قم المشرفة

١٠ ربيع الثاني من شهور عام ١٤٠٢

٢٠

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

سَمُوم(١) الجَوْزاء عند اعتدال الشمس في أفقها ، إلا انّ أخاك(٢) عثمان أصبحَ منك بعيداً ، فصرتُ بعده مزيداً ، فأطلب لنفسك ظلاً تأوي إليه فتستكنُّ به ، فأني اراك على التراب رقُودا ، وكيف بالرُّقادِ بك ؟ لا رُقادَ لك ! فلو قد استتبَّ هذا الامر لِمُريده اُلْفِيتَ كشريد النعام يفزَع من ظلّ الطائِر ، وعن قليل تشربُ الرَّنق(٣) ، وتستشعر الخوف(٤) ، ألا وانّي أراك فسيحَ الصَّدر ، مُسترخي اللَّبَب(٥) ، رَحُوَا الحِزام ، قليلَ الاكتراث ، وعن قليل يُجتَث أَصْلُك ، والسلام.

وكتب في آخره هذين البيتين شعراً(٦) :

أخترت نومك ان هبت شامية

عند الهجير وشربا بالعشيات

على طلابك ثأرا من بني حكم

هيهات من راقد طلاب ثارات

وكتب الى يعلى بن اميّة :

اما بعدُ ، احاطك الله بكلاءته ، وأيَّدك بتوفيقه ، كتبتَ اليّ صبيحةَ وَرَدَ عليَّ كتابُ مروان بن الحكم ، يخبرني بأستشهاد أمير المؤمنين وشْرحِ الحال ، وانّه قد طالَ بهِ العمر حتى نقضَت قُواه ، وثقُلت نهضتهُ ،

__________________

(١) سفعته السموم : لفتحه الريح الحارة لفحاً يسيراً فغيرت لون البشرة.

(٢) الوليد بن عقبة أخو عثمان لامه.

(٤) ماء رنق : اي كدر.

(٤) يستشعر الخوف : جعله شعاراً له.

(٥) اللبب : ما يشد في صدر الدابة لتثبيت الرحل.

(٦) جمهرة رسائل العرب ١ : ٣٠٤.

٨١

وظهرت به الرِّعْشة في اعضائه ، فلما رأى ذلك منه اقوامٌ لم يكن لهم عنده موضعاً للامامةِ والامانة ، وتقليل الولاية ، وثبوا إليه وألَّبوا عليه ، فكان اعظم ما نقموا عليه وأعابوه به ، ولايتُك اليمن ، وطول مدّتك عليها ، ثمّ ترامى بهم الامر حالاً بعد حال ، حتى ذبحوه ذَبْحَ النَّطيحةِ مبادراً بها الموتُ(١) ، وهو مع ذلك صائم ، معانقٌ المصحفَ ، يتلو كتاب الله تعالى ، فقد عظُمت مصيبةُ الاسلام باستشهاد صهر(٢) الرسول ، والامام المقتول على غير جُرْمٍ سفكوا دمه ، وانتهكوا حُرْمته ، وانت تعلم ان بَيعتَهُ في أَعناقِنا ، وطلب ثأرهِ لازمٌ علينا ، فلا خيرَ في امرئٍ يعدلُ عن الحقِّ ، ويميلُ الى البَاطل ، عن نهج الصّدق ، النارُ ولا العار ، الا واِنّ الله جل ثناؤه لا يرضى بالتَّعذيرِ في دينه ، فشمِّر أطرافَكَ لدخولِ العراقين(٣) ، فأنّي قد كفيتُك الشام واهلها ، واحكمْتُ امرها ، واعلم اني كتبتُ الى طلحة بن عبيدالله ان يَلقاك بمكة لاجتماع رأيكما لاظهار الدعوة لطلب دمِ عثمان ، وكتبتُ أيضاً الى عبدالله بن عامر ، يمهد لكم اهل العراقين ويسهِّل لكم حُزُونة عِتابها واعلم ان القوم فاصدُوك بادئَ بَدْءٍ ، لاستنزاف(٤) ما حوتهُ يداك من المال ، فأعلم ذلك واعمل على حَسَبِه ، ايدك الله تعالى بمشيئتهِ والسلام ، وكتب في اسفله هذه

__________________

(١) في الاصل : الفوت وهو تصحيف وصوابه كما جاء في جمهرة رسائل العرب.

(٢) سقطت من الاصل.

(٣) في الاصل : العراقيين وهو تصحيف وصوابه كما جاء في الجمهرة.

(٤) في الاصل : الاستضاف وهو تصحيف وصوابه كما جاء في الجمهرة.

٨٢

الابيات شعراً(١) :

ظَلَّ الخليفةُ محصوراً يناشِدُهم

بالله طوراً ، وبالقرآن احيانا

وقد تألَّقَ اقوامٌ على حَنق

عن غير جُرْم ، وقالوا فيه بُهتانا

فقامَ يُذْكرهم وَعْدَ الرسول لهُ

وقولهُ فيه إِسراراً وإِعلانا

فقال : كُفُّوا فإِنّي مُعْتبٌ لكم

وصارِفٌ عنكُم يَعْلَى ومَرْوانَا

فكذبوا ذاك منه ، ثمّ سَاوَرَهُ

مَنْ حَاضَ لبتَّهُ ظُلماً وعُدْوانَا

في اجوبتهم لمعاوية ، قال :

فكتب مروان بن الحكم الى معاوية : اما بعدُ ، فقد وَصَلَ اليّ كتابك ، فنعمَ كتابُ زعيم العشيرة ، وحامي الذِّمارِ(٢) ، فأخْبرك أَن القوم على سننِ استقامةٍ [ إلا شظايا شُعب ](٣) شننت بينهم مَقْوَلي(٤) على غير مجابهةٍ ، حسب ما تقدَّم من أمرك ، فأنما كان ذلك دَسيس(٥) العُصاة ورَمْيَ الجذر من اغصان الدَّوْحة ، ولقد طويْتُ أَدِيمهم على نَغَلِ(٦) يَحلَمُ منه الجلُدِ ، كذبت نَفسُ الضانّ بنا تَرْكَ المظِلمةِ ، وحُبَّ الهُجوع الا تهويمة(٧) الراكب العَجل ، حتى تُجَذَّ الجماجمُ جذّ [ العراجين

__________________

(١) جمهرة رسائل العرب ١ : ٣٠٥ ـ ٣٠٦.

(٢) الذمار : ما يلزمك حفظه وحمايته.

(٤) سقطت من الاصل واثبتناها من جمهرة رسائل العرب.

(٤) المقول : اللسان.

(٥) دسيس : إخفاء المكر.

(٦) الاديم : الجلد المدبوغ ، ونغلَ الاديم : فسد في الدباغ.

(٧) التهويم : هز الرأس من النعاس.

٨٣

المهَدَّلة حين ](١) انبياعها ، وانا على صحة نيَّتَي ، وقوة عزيمتي ، لتحريك الرحم لي وغليان الدم مني. غير سابقك بقولٍ ، ولا متقدّمك بفعلٍ ، وانت ابنُ حرب وطلابُ التِّراتِ(٢) ، وابي الضّيم ، وكتابي إليك وانا كحَرْباء السَّبْسَب(٣) في الهجير ترقُب عين الغزالة(٤) ، وكالسَّبُع المُفلِت من الشرك يَفْرَق(٥) من صوت نفسه ، منتظراً لِمَا تَصِحُّ به عزيمتك ، ويَرِدُ به امرك فيكون العمل به والمحتذى عليه.

وكتب في اسفل الكتاب هذه الابيات شعراً(٦) :

أيُقْتلُ عُثمان وتَرْقا دموعُنا

وَنرْقُدُ هذا الليل لا تتنزَّعُ

ونشرب بَرْد الماء ريّاً وقد مَضَى

على ضمأٍ يتلو القُران ويَركعُ

فأنّي ومَن حَجَّ المُلَبُّون بيتهُ

وطافوا به سعياً وذو العرش يسمعُ

سأمنع نفسي كلّ ما فيه لذَّةٌ

من العيش حتى لا يُرى فيه مَطمَعُ

وأَقْتُلُ بالمظلوم مَن كان ظالماً

وذلك حكمُ الله ما عنه مَدْفَعُ

وكتب عبدُالله بن عامر الى معاوية :

اما بعدُ ، فإنّ امير المؤمنين كان لنا الجَناح الحاضِنةَ تأوي إليها

__________________

(١) سقطت من الاصل ، وتجذ : تقطع ، والعراجين : جمع عرجون وهو اصل العذق.

(٢) الترات : جمع ترة ، وهي الثأر.

(٣) السبسب : المفازة.

(٤) الغزالة : الشمس.

(٥) يفرق : يخاف.

(٦) جمهرة رسائل العرب ١ : ٣٠٦ ـ ٣٠٧.

٨٤

فِراخها تحتها ، فلما أقصده السهمُ صرنا كالنعام الشاردِ ، ولقد كنتُ مشرَّد(١) الفكر ، ضال الفهم ، التمِسُ [ دريّة ](٢) استجنُّ بها من خَطَأ الحوادث ، حتى وقعَ اليَّ كتابُك ، فأنتبهت من غفلة طار فيها رُقادي ، فأنا كواجد المحجةِ(٣) كان الى جانبها حائراً ، وكأني اُعاينُ ما وصفت من تصرُّف الاحوال ، فالذي أخبرك به ان الناس في هذا الامر : تسعةٌ لك ، وواحد عليك ، ووالله ان الموت في طلب العزِّ احسن من الحياة في الذلِّة.

وانت ابنُ حَرْب فَتَى الحروب ، ونصَّار بني عبد شمس ، والهِمَمُ بك منوطةٌ لأنّك مُنهضُها ، فإذا نهضتُ فليس لنا التخلف عنك ، بل ولا لأحدٍ من الناس القُعود حين نهوضك ، وانا اليوم على خِلاف ما كانت عليه عزيمتي :

من طلب العاقبة ، وحُبِّ السلامة قبل قرعِك سُويداء(٤) القلب بسَوْط الملام ، ولنعْمَ مؤدِّب العشيرة انت ، وإنّا لنرجوك بعد عثمان كهفاً لنا ، نتوقع لوعدك ، نترقب لامرك وما يكون منك لأمتثله واعمل عليه ، إن شاء الله تعالى.

__________________

(١) سقطت من الاصل.

(٢) سقطت من الاصل واثبتناها من جمهرة رسائل العرب. الدريئة : كل ما استتر به الصيد ليختل. واستجن : استتر.

(٣) المحجة : الطريق الواضح.

(٤) سويداء القلب : حبته.

٨٥

وكتب في اسفله هذه الابيات شعراً :

لا خيرَ في العيشِ في ذلٍّ ومَنْقصةٍ

فالموتُ أحسنُ من ضيْم ومن عارِ

إنّا بنو عبد شمس معشرٌ أنُفٌ

غُرٌّ جحاجحةٌ طُلابُ اوتارِ

واللهِ لو كان ذَميُّ مُجاورنا

ليطلب العَزّ لم نقعد عن الجارِ

فكيف عثمان إذ يدفنُ بمزبلةٍ

على القُمامةِ مطروحاً بها عارِ

فازحف اليّ فاني زاحفٌ لهمُ

بكلِّ ابيض ماضِ الحدِّ بتّارِ(١)

وكتب الوليد بن عقبة بن ابي معيط الى معاوية :

اما بعدُ ، فإنّك ابنُ حرب(٢) وسيدُ قريش ، واكملهم عَقْلاً ، واحسنهم فَهْماً ، واصوبهم رأياً ، واعرفهم لحُسن السياسة(٣) ، إذ انت معدن الرِّياسة(٤) ، تُورِد بمعرفةٍ ، وتُصْدر عن مَنْهَلٍ رويّ ، مُنَاويك كالمنقلب من العيون ، تهوي به عواصف الشِّمال في لُجَّةِ البحر.

كتبت اليّ تذكر كنَّ الجَيش ، ولينَ العيش ، [ فملأتُ بطني على حِمام ](٥) الى مُسكةَ الرَّحق(٦) ، حتى اَفْرِي أوْداجَ قَتلةِ عُثمانرضي‌الله‌عنه

__________________

(١) جمهرة رسائل العرب : ١ : ٣٠٧ ـ ٣٠٨.

(٢) في جمهرة رسائل العرب : اسدُ قريش عقلاً.

(٣) في الجمهرة : معك حسن السياسة.

(٤) في الجمهرة : وانت موضع الرِّياسة.

(٥) سقطت من الاصل واثبتناها من الجمهرة.

(٦) رحق : الرحيق وهو الخالص من الخمر ، وتقول : يا شارب الرحيق ابشر بعذاب الحريق ، ومن المجاز : مسك الرحيق ، لا غش فيه.

انظر : اساس البلاغة : ١٥٧.

٨٦

فرْيَ الأهُبَ(١) بشبا الشفار(٢) ، واما اللّينُ فهيهاتَ ، إلا خُفيةَ الموت إذ يرتقبُ غفلة الطالب ، فإنا على مُداجاةٍ(٣) ولم نُبدِ صَفَحاتنا بعدُ ، وليس دون الدَّم بالدم مَزْحَل(٤) إذ لا يخفى عند ذوي المعرفة والمروءة ان العار منقصة والضعفَ ذلّ ، أيَخْبطُ قتلة عثمان زهوة الحياة الدنيا ، ويسقون برد العين ، وكما يمتطوا الخوف ، ويستحلسوا(٥) الحذر مع بعدُ مسافة الطَّرد(٦) ، وامتطاء العقبة الكئود(٧) وفي الرحلة ؟

لا دُعيتُ لعقبة ! ان كان ذلك ، حتى انصب لهم حرباً ، تضع الحوامل لها اطفالها ، فقد ألْوَت(٨) بنا المسافة ، ووردنا حياض المنايا ، وقد عَقلتُ نفسي على الموت عقل البعير ، واحتسبتُ اني قتيل ثاني بعد عثمان أو أقتل قاتله ، فعجِّل عليّ بما تتوقاه من رأيك الحسن(٩) ، فإنا منوطون بِكَ منتظرون لوعدك متبعون لعقبك ، [ ليس لنا من مخالفٍ لامرك ](١٠) ، ولم احسب الحالَ يتراخى بك الى هذه الغاية لما انا خائف

__________________

(١) الاهب : اخذ للسفر أَهبته وتأهب له.

(٢) شبا الشفار : الشفرة الحادة.

(٣) المداجاة : المداراة.

(٤) مزحل : مَبْعَد ، من زحل مال عنه ، ودخل عليه فزحل له عن مكانه.

(٥) استحلس فلان الخوف : إذا لم يفارقه الخوف.

(٦) طرد : طرده طَرْداً وطَرَداً ، وطرّده وأطرده : ابعده ونحاه.

(٧) العقبة الكئود : الصعبة.

(٨) ألوى بهم الدهر : أهلكهم.

(٩) في الجمهرة : فعجل عليَّ ما يكون من رأيك.

(١٠) لم ترد في الجمهرة.

٨٧

من احكام القوم لأمورهم ، كما لا يخفى عليك ، والسلام عليك.

وكتب في اسفل الكتاب هذه الابيات شعراً(١) :

نومي عَليَّ محرّمٌ ان لم أقُمْ

بدم اِبنِ أمِّي من بني العَلاتِ

قامت عليّ إذ قعدتُ ولم أقُمْ

بطلابِ ذاك مناحةُ الامواتِ

عذُبتْ حياضُ الموت عندي بعدما

كانت كريهة مَوْرِد النّهلاتِ

وكتب يعلى بنُ اميّة الى معاوية :

اما بعدُ ، فانا وانتم بني اميّة كالحَجر ، الذي لا يُبْنَى بغير مَدَر(٢) ، وكالسّيفِ لا يقطع الا بضاربه. وصلَ اليّ كتابك يخبرنا بخبر القوم وحالهم ، فلئن كانوا ذبحوه ذبحَ النطيحة بُودِرَ بها الموتُ ، فاِنّا بني اميّة ، والله لنخرجنّ ذابحه ، ولننحرنه نحر البدنه(٣) وافى بها الهَدْيُ الاجل !!

ثكلتني(٤) من انا ابنها ان نمتُ عن طلب وتر عثمانرضي‌الله‌عنه ، من ان اذبح القوم ، واني مدلج(٥) وان كان قصدهم ما حوته يداي من المال ، فالمال أيسرُ مفقود ان دفعوا الينا القاتل ، وان منعوا عن تسليمه ، أنفقنا المال على قتالِهِم ، وانّ لنا واياهم لمعركةً [ نتناحر فيها نحر الجزَّار

__________________

(١) جمهرة رسائل العرب ١ : ٣٠٨ ـ ٣٠٩.

(٢) المدر : قطع الطين اليابس.

(٣) البدنة : من الابل والبقر ، كالاضحية من الغنم تهدي الى مكّة وتنحر بها ، والهدي : ما يهدي الى مكة.

(٤) ثكلته امه : فقدته.

(٥) أدلج : سار من أوّل الليل.

٨٨

النقائِع عن قليل تصلُّ لحومها ](١) . وكتب في اسفل الكتاب(٢) :

لِمثْلِ هذا اليوم اُوصي الناسُ

لا يعط ضَيْماً أو يحزَّ الراسُ

وأمّا سعيد بن العاص فأنه كتب الى معاوية بخلاف ماكبت إليه القوم فهذه صورة كتابهِ إليه :

اما بعدُ ، فإنّ الحزمَ في التثبّت ، والخَطأ في العَجلة ، والشُّؤم في البِدار ، واسهم سَهْمك ما لم يَنْبض به الوَترُ ، وان يردَّ الحالَبُ في الضَّرع اللبَنَ ، قد ذَكرتَ ما لعُثمان علينا من الحقوقِ والقرابة فيه ، وانه قُتل فينا ، فهنا خَصلتان ذكْرُهما نقصٌ ، والثالثة تكَذُّبُ(٣) ، وامرتنا بطلب دمه ، فأيُّ جهة تسلُك فيها ابا عبد الرحمن ؟ رُدِمَت الفجاج(٤) ، واُحْكِم الامرُ عليك ، وَوَلِي زِمامَهُ غيرك ، فدعْ مناوأة من لو كانَ افترش فِراشه صدر الامر لم يعْدل به غيره ، وقلت : كأنّا عن قليل لا نتعارف ، فهل نحن الا حيٌّ من قريش ، ان لم تنلنا الولاية لم يفتئ عن الحقّ ؟ انها خلافة منافية(٥) ، وبالله أقسِمُ قسماً باراً لئن أصبَحت عزيمتك على ما ورد به

__________________

(١) سقطت عن الاصل واثبتناها من جمهرة رسائل العرب. النقائع : جمع نقيعة ، وهي كل جزور جزرت للضيافة.

(٢) جمهرة رسائل العرب ١ : ٢١٠ ، مع اختلاف يسير.

(٣) تكذب : تكلف الكذب.

(٤) الفجاج : جمع فج ( بالفتح ) وهو الطريق الواسع. وردم : سدَّ.

(٥) سقطت من الاصل واثبتناها من جمهرة رسائل العرب ، ومنافية نسبة الى عبد مناف جد الامام عليّعليه‌السلام ومعاوية ، يعني بذلك ان الخلافة ان صارت في البيت العلوي ، فهي لن تخرج من بني عبد مناف.

٨٩

كتابك لأَلفَيتكَ في الحالتين طليحا(١) ، وهبني اخالُك بعد خَوْضَ الدماء تنالُ الظفر ، هل في ذلك عوَض من ركوب المآثم ونقص في الدين.

اما انا فلا علي بني اميّة ولا لهم عليّ ان اجعل الحزم داري والبيت سجني واتوسد الاسلام ، واستشعر العاقبة ، فأعدل ابا عبد الرحمن زمام راحلتك الى محجة الحقّ ، واستَوْهب العافية لاهلك وعشيرتك ، واسعطف الناس على قول الصدق قبل ان تهلك ](٢) .

[ وهيهات من قبولك ما اقول حتى يفجِّر مروانُ ينابيعَ الفتن وأجّجُ في البلاد ، وكأني بكما عند ملاقاة الاقران تعتذران بالعذر ، ولبئس العاقبةُ الندامةُ عمّا قليل يَضَحُ الامر لك والسلام ](٣) .

كتاب محمد بن ابي بكر الى معاوية بن ابي سفيان

قال أبو عليّ أحمد بن الحسين بن احمد بن عمران في كتاب « الاختصاص »(٤) : ان محمد بن ابي بكررضي‌الله‌عنه كتب الى معاوية بن ابي سفيان :

اما بعدُ ، فانّ الله بجلالته وعظمته وسلطانه وقدرته على كافة خلقه

__________________

(١) طلِحَ فهو طليح كقولهم هُزِلَ فهو هَزِيل.

(٢) في جمهرة رسائل العرب : واستعطف الناس على قومك.

(٣) سقطت من الاصل واثبتناها من جمهرة رسائل العرب. انظر : جمهرة رسائل العرب ١ : ٣١١ مع بعض الاختلاف اليسير وصححت بعض الكلمات الغامضة أو الساقطة.

(٤) الاختصاص : ١١٩.

٩٠

وعز برهانه ، [ خلق خلقه ](١) بلا عبثٍ منه ولا ضعفٍ في قوةٍ ولا من حاجة له إليهم ، ولكنّه سبحانه خلقهم عبيداً فجعل منهم غويّاً ورشيداً(٢) وشقياً وسعيداً ، ثمّ اختار على علم فأصطفى وانتخب(٣) محمداًصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فاصطفاه نجيباً وانتجبه خليلاً فبعثه برسالته امينا وأرسله بوحيه وائتمنه على أمرهِ رسولاً مصدّقاً وهادياً ودليلاً ومبشراً ونذيراً ، فكان اوّل من أجاب وصدّق وأناب وآمن واسلم ، وسلم اخوه وابن عمه وصفيّه ووصيّه ووارث علمه ، وخليفته من بعده بوحي من الله عزّوجلّ لنبيهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌ ، فنصّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌ على أمير المؤمنين عليّ بن ابي طالبعليه‌السلام فصدقه بالغيب المكتوم ، وآثره على كل حميم ، ووقاه كل هول ، وواساه بنفسه في كل خوف ، فحارب من حاربه وسالم من سالمه ، ولم يزل باذلاً نفسه بين يديه في ساعةِ الخوف والجوع والجدّ والهزل ، حتى اظهر الله تعالى دعوته ، وافلج حجته.

وقد رأيتك ايّها الغاوي(٤) تساميه وانتَ انتَ ، وهو هو المبرز(٥) السبّاق في كل حين ، اصدق الناس نيّةً وافضلهم سجيةً واخصّهم زوجة وارفعهم منزلة ، الباذل رُوحه حينَ مهاجرته عن اعدائه ، والنائم على

__________________

(١) في النسخة العبارة غير واضحة وقد اثبتناها من الاختصاص.

(٢) سقطت من النسخة.

(٣) سقطت من النسخة.

(٣) في النسخة : العاري والصواب كما جاء في الاختصاص.

(٥) في النسخة : الهزير والصواب كما في الاختصاص.

٩١

فراشه والشاري بنفسه يوم موته ، وعمه سيد الشهداء يوم احدٍ ، وابوه الذابُّ اعداء الله عن وجه رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌ وعن حوزته ، وانتَ انتَ لم تزل انت وابوك تبتغيان عليهما الغوائل ، وتجتهدان على اطفاءِ نور الله باجتماعكما الجموع ، وتؤلبان(١) عليهما القبائل ببذل الاموال ، وقد هلك على ذلك ابوك وعليه خلفك ، والشاهد عليك بفعلك من يأوي(٢) ويلجأ اليك من بقية الاحزاب ورؤوس النفاق والشقاق لرسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌ وأهل بيته ، والشاهد لعليعليه‌السلام بفضله المبين وسبقهالقديم ، انصاره والذين معه وهُم الذين ذكرهم الله تعالى وفضلهم في القرآن المجيد واثنى على المهاجرين والانصار ، منهم معه كتائب وعصائب [ من حوله يجادلون بأسيافهم ويهرقون دماءهم دونه ](٣) يرون الفضل في اتباعه والشقاء في خلافة أمره ، فلك الويل ثمّ الويل ، كيف تعدل نفسك بعليعليه‌السلام وهو أخو رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌ وابو ولديه ، وشريكه في امره بخيره وشرّه ، وانت عدوُّهُ وابن عدوّهِ ، فتمتع بباطلك إذ يمدّك ابن العاص في غوايتك ، وكأنّ اجلك قد انقضى وكيدك قد وهى ، واعلم أنّك قد كايدت ربّكَ الذي أمنت كيده في نفسك ، وآيست من روحِهِ وهو لك لبالمرصاد وانت منه في غرور وعناد ، [ وبالله ورسوله واهل رسوله عنك الغنى ، والسلام على من اتبع الهدى ](٤) .

__________________

(١) في النسخة [ تؤنيان ].

(٢) سقطت من النسخة.

(٣) سقطت من النسخة.

(٤) سقطت من النسخة واثبتناها من الاختصاص.

٩٢

وكتب في اسفل الكتاب هذه الابيات شعراً(١) :

معاوي ما أمسى هوى يستقيدني

إليك ولا أخفي الذي لا اعالنِ

ولا أنا في الاخرى إذا ما شهدتها

بنكسٍ ولا هيابة في المواطنِ

حللت عقال الحرب جبناً وانّما

يطيبُ المنايا خائناً وابن خائنِ

فحسبك من احدى ثلاث رأيتها

بعينك أو تلك التي لم تعاينِ

ركوبك بعد الامن حرباً مشارفاً

وقد ذميت اضلافها والسناسنِ

وقدحك بالكفين توري ضريمة

من الجهل ادتها اليك الكهائنِ

ومسحُك اقراب الشموس كأنها

تبس بأحدى الداحيات الحواضنِ

تنازع اسباب المروءة اهلها

وفي الصدر داء من جوى الغلِ كامنِ

جواب معاوية بن ابي سفيان لمحمد بن ابي بكررضي‌الله‌عنه

فأجابه معاوية بهذا الكتاب(٢) :

بسم الله الرحمن الرحيم

من معاوية بن ابي سفيان الى محمد بن ابي بكر الزاري على أبيه [ خليفة رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌ ](٣) ، اما بعدُ ، وصَلَ(٤) اليّ كتابُك وما ذكرت فيه [ من أنّ الله ](٥) بعظمته وسلطانه وقدرته قد اصطفى رسوله مع كلام ألفته

__________________

(١) الاختصاص : ١٢١.

(٢) الاختصاص : ١٢١.

(٣) سقطت من الاختصاص : ١٢١ ـ ١٢٢.

(٤) في كتاب صفين : فقد أتاني ، وفي الاختصاص : فقد بلغني.

(٥) في صفين والاختصاص : ما الله أهله.

٩٣

ووضعته(١) ، فيه لرأيك تضعيف ، ولابيك فيه تعنيف وتفضيل(٢) لابن ابي طالب وقديم سوابقه وقرابته من رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌ ، ونصرته له ومواساته اياه في كل خوف وهول(٣) ، فكان احتجاجك عليّ وعيبك لي بفضل غيرك لا بفضلك ، فأحمد ربّك(٤) الذي صرف ذلك الفضل عنك وجعله لغيرك. وقد كنا وابوك معاً في حياة نبينا محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌ نرى حقّ عليّ بن ابي طالب لازماً لنا ، وفضله مبرزاً علينا ، حتى اختار الله لنبيهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌ ما اختار الله إليه ، وقد اتمّ له وعده ، واظهر له دعوته ، وافلج له حجته ، ثمّ قبضه الله إليه ، فكان أوّل من أبتز حقه ابوك وفاروقه(٥) وخالفاه في امره ، على ذلك [ اتفقا واتسقا ](٦) بينهما ، ثمّ انهما دعواه ليبايعهما [ فأبطأ عنهما وتلكأ عليهما ](٧) فلم يأتهما ، فهما به الهموم ، وأرادا به العظيم ، فعند ذلك بايع لهما وسلم(٨) ، فلم يشركاه في امرهما ، ولم يطلعاه قط على سريرتهما ، حتى قبضا على ذلك ، ثمّ قام بعدها عثمانرضي‌الله‌عنه فأقتدى بهديهما ، [ حتى طمع فيه الاقاصي من اهل المعاصي

__________________

(١) في الاصل : ووضعك.

(٢) في صفين : ذكرت حقّ ، وفي الاختصاص : ذكرت فضل.

(٣) سقطت من الاصل واثبتت من كتاب صفين والاختصاص.

(٤) في صفين والاختصاص [ الهاً ].

(٥) في الاصل : وفاروقه الاعظم ، ولم ترد الاعظم في صفين ولا في الاختصاص.

(٦) في الاصل : اتفاقاً واتساقاً ، وصوابه كما في الاختصاص وصفين.

(٧) سقطت من الاصل.

(٨) في الاصل : بايعهما قهراً عليه ، وسلم لهما القيادة جبراً عليه لعدم اتفاق المسلمين معه.

٩٤

وبطنتما له ](١) واظهرتما العداوة له حتى بلغتما فيه مجهودكما ، ونلتما منه مناكما ، فخذ حذرك يا ابن ابي بكر ، وقس شبرك بفترك ، فكيف توازي من يوازي الجبال حلمه ، ولا تعب من مهد [ له ابوك ](٢) مهاده ، وطرح لملكه وسادة ، فإن يكن ما نحن فيه صواباً فأبوك فيه أوّل من اسس بناءه ، فنحن بهديهم اقتدينا وبفعلهم احتذينا ، ولولا ما سبق إليه ابوك وفاروقه لما خالفنا الكتاب ونصّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌ ، بل فأسلمنا إليه ، واجتمعنا لديه ، فليكن عيبك لابيك ، فعبه بما شئت أو دع ، والسلام.

خروج الزبير وطلحة بعائشة الى البصرة

قال المسعودي :

ولمّا ورد كتاب معاوية الى طلحة بن عبيدالله والزبير بن العوام ، لم يشكا في صدقه بالنصيحة لهما فأجتمعا على خلاف امير المؤمنين عليّ بن ابي طالبعليه‌السلام فهمّا إليه وقالا : يا امير المؤمنين لقد علمنا(٣) ما نحن فيه من الجفوة في زمن خلافة عثمان(٤) [ واختصاصه عنّا ببني اميّة ](٥)

__________________

(١) سقطت من الاصل.

(٢) في الاصل : اليك.

(٣) ورد في البحار : قد رأيت.

(٤) في البحار : ولاية عثمان.

(٥) في البحار : كان في بني امية.

٩٥

دوننا ، وقد منَّ الله تعالى عليك بالخلافة من بعده ، فولّنا بعض عمّالِك.

فقالعليه‌السلام : ارضيا بما قسم الله تعالى لكما حتى أرى رأيي ، واعلما اني لا اُشرك في امانتي الا من أرضى بدينه وأمانته من اصحابي ومن عرفت دخيلته.

فداخلهما اليأس فاستأذناه للعمرة فخوفهما من الله ومن التسرع في الفتنة ، فأنصرفا عنه وتوجها الى مكّة ، فلم يلقيا أحداً من الناس إلا استحثاه على الخروج معهما ، فيسألهما عن خروجهما على أمير المؤمنينعليه‌السلام .

فيقولان : ليس له في اعناقنا بيعة برضى مِنّا وإنما صدرت منّا مبايعتنا له كُرهاً منّا وجبراً علينا ، فبلغه قولهما ، فقالعليه‌السلام : أبعدهما الله تعالى ، والله لقد علمت انهما سيقتلان انفسهما [ أخبث مقتل ويأتيان من وردا عليه بأشأم يوم ](١) والله ما العمرة يريدان ، ولقد أتياني بوَجهين فاجرين ورجعا بوجهين غادرين ناكثين ، والله لا يلقيان بعد اليوم إلا كتيبة خشناء يقتلان فيها انفسهما فبُعداً لهما وسحقاً(٢) .

فلما بلغ أمير المؤمنينعليه‌السلام مسير طلحة والزبير بعائشة الى البصرة ، قال :

ان كل واحدٍ منهما يريد الخلافة لنفسه دون صاحبه ، فادعاء طلحة

__________________

(١) سقطت من الاصل.

(٢) انظر بحار الانوار ٣٢ : ٦.

٩٦

للخلافة لانه ابن عبيدالله عمّ عائشة ، وادعاء الزبير لانه صهر ابيها ، والله ، لئن ظفر الزبير بطلحة ليضربن عنقه ! وان ظفر طلحة بالزبير ليضربن عنقه ! فلا بد من تنازعهما على هذا الملك.

والله ، انها الراكبةُ الجمل ! لا تحلُّ عقدة ، ولا تسير عقبةً ، ولا تنزل منزلاً إلا ولله فيه معصية ، حتى تورد نفسها ومن معها مورداً يُقتَل وليُّهم ، ويهرب تليّهم ، ويرجع عليهم غيهم.

والله ، إنّ طلحة والزبير ليعلمان انهما يخطيان ويجهلان ولربّ عالم قتله جهله ومحله معه لا ينفعه ، والله ، لتنبحها كلاب الحوأب !! فهل يعتبر معتبراً ويتفكر متفكراً ، لقد قامت الفئة الطاغية فأين المحسنون ؟

خطبة أمير المؤمنينعليه‌السلام

حين بلغه مسير طلحة والزبير الى البصرة

قال الشيخ المفيد; في أرشاده(١) :

لما بلغ أمير المؤمنين عليّ بن ابي طالبعليه‌السلام مسير طلحة والزبير بعائشة الى البصرة ، صعد المنبر ، فحمد الله واثنى عليه ، وصلى على النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌ ثمّ قال :

اما بعدُ ، ايّها الناس(٢) : إنّ الله عزّوجلّ بعث نبيه محمداً صلى الله

__________________

(١) الارشاد : ١٣٠ ، بحار الانوار ٣٢ : ٩٨ ح ٦٩.

(٢) سقطت من الارشاد.

٩٧

عليه وآله الى الناس كافةً ، وجعله رحمةً للعالمين(١) ، فصدع بما امره بهِ ، وبلغ رسالاته ، فلّم به الصدع ، ورتق به الفتق ، وأمن به السبل ، وحقن به الدماء ، وألف به ذوي الاحن والعداوة ، والوغر في الصدور ، والضغائن الراسخة في القلوب ، ثمّ [ قبضه الله إليه ](٢) حميداً لم يقصر في الغاية التي إليها ادى الرسالة ، ولا بلغ شيئاً كان في التقصير عنه وكان من بعده ما كان من التنازع في الامر ، فتولى أبو بكر وبعده عمر ، ثمّ تولى عثمان ، [ فلما كان ](٣) من امره [ ما ](٤) عرفتموه ، وأتيتموني(٥) ، فقلتم : بايعنا(٦) ، فقلت : لا افعل ، فقلتم : بلى(٧) .

فقلت : لا(٨) ، وقبضتم على يدي فبسطتموها وانا كاره فنازعتكم ، فجذبتموها !! ، وقد تداككتم علي تداك الابل الهيم على حياضها يوم ورودها حتى ظننت انكم قاتلي ، وان بعضكم قاتل بعضاً ، فبسطت يدي فبايعتموني مختارين ، [ وبايعني في اولكم ](٩) طلحة والزبير

__________________

(١) في النسخة : وجعله رحمة للعالمين بشيراً ونذيراً وسراجاً منيراً.

(٢) في النسخة : قبضه الله.

(٣) في النسخة : فكان.

(٤) في النسخة : ما قد.

(٥) في النسخة : فأتيتموني طائعين مختارين.

(٦) في النسخة : بايعناك.

(٧) في النسخة الخطية : لا بد لك من ذلك.

(٨) كذا في الاصل : لا يكون ذلك.

(٩) في الاصل [ فأولكم مبايع لي ].

٩٨

طائعين [ غير مكرهين ] !!.

ثم لم يلبثا حتى استأذناني في العمرة ، والله يعلم انهما أرادا الغدرة ، فجددتُ عليهما العهد في الطاعة ، وان لا يبغيا في الامة(١) الغوائل ، فعاهداني ثمّ لم يفيا لي(٢) ، فنكثا بيعتي ونقضا عهدي(٣) فعجباً لهما من انقيادهما [ لابي بكر وعمر وخلافهما لي ](٤) ، ولستُ بدون احد الرجلين ، ولو شئت ان اقول اللهم احكم عليهما بما صنعا [ في حقي وصغرا من امري ] وظفرني بهما.

ولهعليه‌السلام خطبة أخرى

وقالعليه‌السلام في مقامٍ آخر في هذا المعنى ، بَعد أنْ حَمِد اللهَ وأثنى عليهِ ، وصلّى على النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌ (٥) :

أمّا بعدُ ، أيّها الناس(٦) فانّ اللهَ عزّوجلّ لمّا قَبضَ نبيَّهُصلى‌الله‌عليه‌وآله‌ ، قُلنا نحنُ أَهل بيتهِ وعصبتُهُ وَوَرثتُهُ وأولياؤهُ وأحقُّ [ الناسُ بالامرِ

__________________

(١) في الاصل [ في الامة ].

(٢) سقطت من الاصل.

(٣) في الاصل [ حتى وثبا على الماضيين قبلهما ، ليذهبا بحقي ، ويفرقا جماعة المسلمين على تعجبٍ ] والصواب كما ورد في الارشاد.

(٤) في الاصل : الى من سبقها وخلافهما والصواب كما في الارشاد.

(٥) الارشاد ١ : ٢٤٥ ، بحار الانوار ٣٣ : ١١١ ح ٨٦.

(٦) لم ترد في الارشاد.

٩٩

والخلافةِ ](١) ، لا نُنازع في حقّهِ وسُلطانهُ ، فبينا نحن [ كذلك ](٢) إذ نفر قومٌ من المنافقين حتى انتزعوا سُلطانَ نبينا منّا ، وَوَلّوهُ غيرنا ، فَبكتْ ـ والله ـ لذلك العُيونُ والقُلوبُ منَّا جميعاً معا ، [ وخشنت ] له الصُّدورُ ، وجَزعَت النَّفوسُ منَّا جزعاً أرغمَ ، وايمُ الله [ لولا ] مخافتي الفرق بين المسلمين وأن يقود أكثرهم الى الكفرِ ويعَور الدْينُ ، لكُنّا قد غيّرنا ذلك بما استطعْنا. وقد بايعتموني الآن وبايعني هذان الرجلان طلحةُ والزّبيرُ على الطَّوْعِ منهما ومنكم [ الايثار ](٣) ، ثمّ نهضا يُريدان ببغيهما(٤) البصرة ، ليُفرّقا جماعتكم ويُلقيا بأسَكم [ بينكم ] ، اللّهم فخُذهما [ بغشّهما ] ، لهذه الامة واخذل بيعتهما لهذه الامة وبسوء نظرهما للعامة(٥) .

ثم قالعليه‌السلام : انفروا(٦) رحمكم الله لطلب الناكثين القاسطين الباغين قبل ان يفوتا ، [ فتداركوا ما خبياه ](٧) .

ومن كلامهعليه‌السلام

فخرجا يجران(٨) حرمة رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌ ، كما تجرُّ الأَمَةُ عندَ

__________________

(١) في الارشاد : وأحقّ الخلق به.

(٢) سقطت من الاصل.

(٣) في الاصل : الاثر.

(٤) سقطت من الارشاد.

(٥) في الاصل : واخذل بيعتهما لهذه لتنظرهما العامة.

(٦) في الاصل : تفرقوا والصواب في الارشاد.

(٧) في الارشاد : قبل ان يفوت تدارك ما خبياه.

(٨) في نهج البلاغة : فخرجوا يجرون.

١٠٠

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

461

462

463

464

465

466

467

468

469

470

471

472

473

474

475

476

477

478

479

480

481

482

483

484

485

486

487

488

489

490

491

492

493

494

495

496

497

498

499

500

501

502

503

504

505

506

507

508

509

510

511

512

513

514

515

516

517

518

519

520

521

522

523

524

525

526

527

528

529

530

531

532

533

534

535

536

537

538

539

540

541

542

543