مفاهيم القرآن الجزء ٣

مفاهيم القرآن10%

مفاهيم القرآن مؤلف:
الناشر: مؤسّسة الإمام الصادق (عليه السلام)
تصنيف: مفاهيم القرآن
الصفحات: 543

الجزء ١ الجزء ٢ الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥ الجزء ٦ الجزء ٧ الجزء ٨ الجزء ٩ الجزء ١٠
  • البداية
  • السابق
  • 543 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 202250 / تحميل: 6214
الحجم الحجم الحجم
مفاهيم القرآن

مفاهيم القرآن الجزء ٣

مؤلف:
الناشر: مؤسّسة الإمام الصادق (عليه السلام)
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

وفيما يأتي تراجم بعض أصحاب الإمام الهاديعليه‌السلام ، وقد رتّبناها حسب تسلسل حروف الهجاء :

١ ـ إبراهيم بن عبده النيسابوري :

عدّه الشيخ من أصحاب الإمام الهاديعليه‌السلام ومن أصحاب الإمام الحسن العسكريعليه‌السلام ، وذكر الكشي أنّ الإمام الحسن العسكريعليه‌السلام بعث رسالة إلى إسحاق بن إسماعيل ، سلّم فيها على إبراهيم بن عبده ، ونصّبه وكيلاً على قبض الحقوق الشرعية وقد بعثه إلى عبد الله بن حمدويه البيهقي ، وزوّده برسالة جاء فيها :( وبعد ، فقد بعثت لكم إبراهيم بن عبده ، ليدفع النواحي ، وأهل ناحيتك ، حقوقي الواجبة عليكم إليه ، وجعلته ثقتي وأميني عند مواليي هناك فليتقوا الله ، وليراقبوا وليؤدّوا الحقوق ، فليس لهم عذر في ترك ذلك ولا تأخيره ، ولا أشقاهم الله بعصيان أوليائه ورحمهم الله ـ وإيّاك معهم ـ برحمتي لهم إنّ الله واسع كريم ) (١) .

٢ ـ إبراهيم بن محمد الهمداني :

عدّه الشيخ من أصحاب الإمام الرضاعليه‌السلام ومن أصحاب الإمام الجواد والهاديعليهما‌السلام ، وقال الكشي : كان وكيله وقد حجّ أربعين حجّة وكتب الإمام له :( قد وصل الحساب تقبّل الله منك ورضي عنهم ، وجعلهم معنا في الدنيا والآخرة ، وقد بعثت إليك من الدنانير بكذا ، ومن الكسوة بكذا ، فبارك لك فيه ، وفي جميع نعمة الله عليك ، وقد كتبت إلى النضر أمرته أن ينتهي عنك ، وعن التعرّض لك وبخلافك ، وأعلمته موضعك عندي ، وكتبت إلى أيوب : أمرته بذلك أيضاً ، وكتبت إلى مواليي بهمدان كتاباً أمرتهم بطاعتك والمصير إلى أمرك ، وأن لا وكيل لي سواك ) (٢) .

ودلّت هذه الرواية على وثاقته وجلالة أمره ، وسموّ مكانته عند الإمامعليه‌السلام .

ــــــــــــــ

(١) معجم رجال الحديث : ١/٢٣٢ .

(٢) اختيار معرفة الرجال : ٢/٨٦٩ .

١٨١

٣ ـ إبراهيم بن مهزيار :

عدّه الشيخ من أصحاب الإمام الجواد ، ومن أصحاب الإمام الهاديعليهما‌السلام قال النجاشي : له كتاب البشارات وروى الكشي بسنده عن محمد بن إبراهيم بن مهزيار ، قال : إنّ أبي لمّا حضرته الوفاة دفع إليّ مالاً ، وأعطاني علامة ولم يعلم بها أحد إلاّ الله عزّ وجل ، وقال : مَن أتاك بهذه العلامة فادفع إليه المال ، قال : فخرجت إلى بغداد ، ونزلت في خان فلمّا كان في اليوم الثاني جاء شيخ فطرق الباب فقلت للغلام انظر من في الباب ، فخرج ، ثم جاء وقال : شيخ في الباب فأذنت له في الدخول ، فقال : أنا العمري ، هات المال الذي عندك ، وهو كذا وكذا ومعه العلامة ، قال : فدفعت له المال(١) .

ودلّت هذه الرواية على أنّ إبراهيم كان وكيلاً للإمامعليه‌السلام في قبض الحقوق الشرعية ، ومن الطبيعي أنّه إنّما يؤتمن عليها فيما إذا كان ثقة وعدلاً .

٤ ـ احمد بن إسحاق بن عبد الله الأشعري القمّي :

كان وافد القمّيين ، روى عن أبي جعفر الثاني وأبي الحسنعليهما‌السلام وكان من خاصّة أبي محمدعليه‌السلام ، وله من الكتب :

١ ـ مسائل الرجال للإمام الهاديعليه‌السلام .

٢ ـ علل الصلاة .

٣ ـ علل الصوم .

وهو ممّن رأى الإمام المهدي ـ عجّل الله فرجه ـ ووردت أخبار كثيرة في مدحه والثناء عليه(٢) .

ــــــــــــــ

(١) خلاصة الأقوال : ٥١ .

(٢) رجال النجاشي : ٩١ ، وخلاصة الأقوال : ٦٣ .

١٨٢

٥ ـ أحمد بن محمد بن عيسى الأشعري القمّي :

عدّه الشيخ من أصحاب الإمام الرضا والجواد والهادي عليهم‌السلام ، يكنّى أبا جعفر وهو شيخ القمّيين ووجيههم ، وكان الرئيس الذي يلقى السلطان ، صنّف كتباً منها : كتاب ( التوحيد ) وكتاب ( فضل النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ) وكتاب ( المتعة ) وكتاب ( النوادر ) وكتاب ( الناسخ والمنسوخ ) وكتاب ( فضائل العرب ) وغيرها (١) .

٦ ـ أيّوب بن نوح بن درّاج :

الثقة الأمين ، قال النجاشي : إنّه كان وكيلاً لأبي الحسن ، وأبي محمد عليهما‌السلام عظيم المنزلة عندهما ، مأموناً ، وكان شديد الورع ، كثير العبادة ، ثقة في رواياته ، وأبوه نوح بن دراج كان قاضياً بالكوفة ، وكان صحيح الاعتقاد ، وأخوه جميل بن دراج (٢) ، قال الشيخ : أيوب بن نوح بن دراج ثقة له كتاب وروايات ومسائل عن أبي الحسن الثالث (٣) وقال الكشي : كان من الصالحين ومات وما خلف إلاّ مائة وخمسين ديناراً ، روى عن الإمام أبي الحسن عليه‌السلام وروى عنه جماعة من الرواة (٤) .

٧ ـ الحسن بن راشد :

يُكنّى أبا علي مولى لآل المهلّب البغدادي ، ثقة .

ــــــــــــــ

(١) معجم رجال الحديث : ٣/٨٦ .

(٢) رجال النجاشي : ١٠٢ .

(٣) الفهرست : ٥٦ .

(٤) رجال النجاشي : ١٠٢ .

١٨٣

عدّه الشيخ من أصحاب الإمام الهاديعليه‌السلام ، وعدّه الشيخ المفيد من الفقهاء الأعلام والرؤساء المأخوذ عنهم الحلال والحرام ، الذين لا يطعن عليهم بشيء ولا طريق لذمّ واحد منهم ، وقد نصّبه الإمام وكيلاً وبعث إليه بعدة رسائل منها(١) :

١ ـ ما رواه الكشي بسنده إلى محمد بن عيسى اليقطيني ، قال : كتب ـ يعني الإمام الهادي ـ إلى أبي علي بن بلال في سنة (٢٣٢ هـ) رسالة جاء فيها :( وأحمد الله إليك ، وأشكر طوله وعوده ، وأُصلّي على محمد النبي وآله ، صلوات الله ورحمته عليهم ، ثم إنّي أقمت أبا علي مقام الحسين بن عبد ربّه ، وائتمنته على ذلك بالمعرفة بما عنده الذي لا يقدمه أحد ، وقد أعلم أنّك شيخ ناحيتك فأحببت إفرادك وإكرامك بالكتاب بذلك ، فعليك بالطاعة له ، والتسليم إليه جميع الحق قبلك ، وأن تحضّ مواليّ على ذلك ، وتعرّفهم من ذلك ما يصير سبباً إلى عونه وكفايته ، فذلك موفور ، وتوفير علينا ، ومحبوب لدينا ، ولك به جزاء من الله وأجر ، فإنّ الله يعطي مَن يشاء ذو الإعطاء والجزاء برحمته ، وأنت في وديعة الله ، وكتبت بخطّي وأحمد الله كثيراً ) (٢) .

ودلّت هذه الرسالة على فضل ابن راشد ووثاقته وأمانته ، فقد أرجع إليه الشيعة وأوصاهم بطاعته والانقياد إليه ، وتسليم ما عندهم من الحقوق الشرعيّة إليه .

٢ ـ روى الكشي بسنده إلى أحمد بن محمد بن عيسى قال : نسخت الكتاب مع ابن راشد إلى جماعة الموالي الذين هم ببغداد المقيمين بها والمدائن والسواد وما يليها ، وهذا نصّه :

ــــــــــــــ

(١) رجال الطوسي : ٣٧٥ .

(٢) معجم رجال الحديث : ٥/٣١٣ ـ ٣١٤ .

١٨٤

 ( وأحمد الله إليكم ما أنا عليه من عافيته ، وأُصلّي على نبيّه وآله أفضل صلاته وأكمل رحمته ورأفته ، وإنّي أقمت ابا علي بن راشد مقام علي بن الحسين بن عبد ربه ، ومَن كان من قبله من وكلائي ، وصار في منزلته عندي ، وولّيته ما كان يتولاّه غيره من وكلائي قبلكم ليقبض حقّي ، وارتضيته لكم ، وقدّمته على غيره في ذلك ، وهو أهله وموضعه ، فصيروا رحمكم الله إلى الدفع إليه ذلك وإليّ ، وأن لا تجعلوا له على أنفسكم علّة ، فعليكم بالخروج عن ذلك ، والتسرّع إلى طاعة الله ، وتحليل أموالكم ، والحقن لدمائكم ، وتعاونوا على البرّ والتقوى واتقوا الله لعلّكم ترحمون ، واعتصموا بحبل الله جميعاً ، ولا تموتن إلاّ وأنتم مسلمون ، فقد أوجبت في طاعته طاعتي ، والخروج إلى عصيانه عصياني ، فالزموا الطريق يأجركم الله ، ويزيدكم من فضله ، فإنّ الله بما عنده واسع كريم ، متطوّل على عباده رحيم ، نحن وأنتم في وديعة الله وحفظه ، وكتبته بخطّي ، والحمد لله كثيراً ) (١)

وكشفت هذه الرسالة عن سموّ مكانة ابن راشد عند الإمامعليه‌السلام وعظيم منزلته عنده حتى قرن طاعته بطاعتهعليه‌السلام ، وعصيانه بعصيانهعليه‌السلام .

٣ ـ وبعث الإمام أبو الحسنعليه‌السلام رسالة له وإلى أيوب بن نوح جاء فيها بعد البسملة :( أنا آمرك يا أيوب بن نوح أن تقطع الإكثار بينك وبين أبي علي ، وأن يلزم كل واحد منكما ما وكّل به ، وأُمر بالقيام فيه بأمر ناحيته ، فإنّكم إذا انتهيتم إلى كل ما أُمرتم به استغنيتم بذلك عن معاودتي ، وآمرك يا أبا علي بمثل ما أمرت به أيوب ، أن لا تقبل من أحد من أهل بغداد والمدائن شيئاً يحملونه ، ولا يلي لهم استيذاناً علي ، ومر مَن أتاك بشيء من غير أهل ناحيتك أن يصيّره إلى الموكّل بناحيته ، وآمرك يا أبا علي في ذلك بمثل ما أمرت به أيوب ، وليعمل كل واحد منكما بمثل ما أمرته به ) (٢) .

ــــــــــــــ

(١) معجم رجال الحديث : ٥/٣١٤ .

(٢) معجم رجال الحديث : ٥/٣١٥ .

١٨٥

لقد كانت لأبي راشد مكانة مرموقة عند الإمامعليه‌السلام ، ومن الطبيعي أنّه لم يحتل هذه المنزلة إلاّ بتقواه وورعه ، وشدّة تحرّجه في الدين ، ولمّا توفّي ابن راشد ترحّم عليه الإمامعليه‌السلام ودعا له بالمغفرة والرضوان .

٨ ـ الحسن بن علي :

ابن عمر بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب الناصر للحق من أصحاب الإمام أبي الحسن الهاديعليه‌السلام ، وهو والد جدّ السيد المرتضى من جهة أُمّه ، قال السيدقدس‌سره في أول كتابه ( شرح المسائل الناصريات ) : وأمّا أبو محمد الناصر الكبير وهو الحسن بن علي ففضله في علمه وزهده وفقهه أظهر من الشمس الباهرة ، وهو الذي نشر الإسلام في الديلم حتى اهتدوا به من الضلالة ، وعدلوا بدعائه بعد الجهالة ، وسيرته الجميلة أكثر من أن تُحصى وأظهر من أن تخفى(١) .

٩ ـ الحسن بن علي الوشا :

عدّه الشيخ من أصحاب الإمام أبي الحسن الهاديعليه‌السلام .

قال النجاشي : إنّه ابن بنت الياس الصيرفي الخزّاز ، وقد روى الحسن عن جدّه الياس أنّه لمّا حضرته الوفاة ، قال : اشهدوا عليّ وليست ساعة الكذب هذه الساعة : سمعت أبا عبد اللهعليه‌السلام يقول :والله لا يموت عبد يحب الله ورسوله ويتولّى الأئمة فتمسّه النار .

ــــــــــــــ

(١) الناصريات : ٦٣ .

١٨٦

وروى أحمد بن محمد بن عيسى قال : خرجت إلى الكوفة في طلب الحديث فلقيت بها الحسن بن علي الوشا ، فسألته أن يخرج لي كتاب العلاء بن رزين القلا ، وأبان بن عثمان الأحمر ، فأخرجهما لي فقلت له : أحب أن تجيزهما لي فقال لي : يا هذا رحمك الله ، وما عجلتك ، اذهب فاكتبهما ، واسمع من بعد ، فقلت : لا آمن الحدثان ، فقال : لو علمت أنّ هذا الحديث يكون له هذا الطلب لاستكثرت منه ، فإنّي أدركت في هذا المسجد ـ يعني مسجد الكوفة ـ تسعمائة شيخ كلٌّ يقول : حدثني جعفر بن محمد ، وكان هذا الشيخ عيناً من عيون هذه الطائفة وله كتب منها : ثواب الحج ، والمناسك والنوادر(١) .

١٠ ـ داود بن القاسم الجعفري :

يُكنّى أبا هاشم ، من أهل بغداد ، جليل القدر عظيم المنزلة عند الأئمةعليهم‌السلام شاهد الإمام الرضا والجواد والهادي والعسكري وصاحب الأمرعليه‌السلام ، وروى عنهم كلّهم ، وله أخبار ومسائل وله شعر جيّد فيهم ، وكان مقدّماً عند السلطان وله كتاب .

عدّه البرقي من أصحاب الإمام الجواد والإمام الهادي والإمام الحسن العسكريعليهم‌السلام قال الكشي : قال أبو عمرو : له ـ أي لداود ـ منزلة عالية عند أبي جعفر ، وأبي الحسن ، وأبي محمدعليهم‌السلام وموقع جليل(٢) .

ــــــــــــــ

(١) معجم رجال الحديث : ٦/٣٨ .

(٢) اختيار معرفة الرجال : ٢/٨٤١ .

١٨٧

١١ ـ الريّان بن الصلت :

عدّه الشيخ من أصحاب الإمام الرضاعليه‌السلام ، ومن أصحاب الإمام الهاديعليه‌السلام وأضاف أنّه ثقة ، وروى الكشي بسنده عن معمر بن خلاد ، قال : قال لي الريان بن الصلت : وكان الفضل بن سهل بعثه إلى بعض كور خراسان ، فقال : أحبّ أن تستأذن لي على أبي الحسنعليه‌السلام فأسلم عليه وأودّعه وأحب أن يكسوني من ثيابه ، وأن يهب لي من الدراهم التي ضربت باسمه ، قال : فدخلت عليه ، فقال لي مبتدئاً : يا معمر أين ريان ، أيحب أن يدخل علينا فأكسوه من ثيابي ، وأعطيه من دراهمي ؟ قال : قلت : سبحان الله !!! والله ما سألني إلاّ أن أسألك ذلك له ، فقال : يا معمر إنّ المؤمن موفّق ، قل له فليجيئ ، قال : فأمرته فدخل عليه فسلّم عليه فدعا بثوب من ثيابه ، فلمّا خرج قلت : أي شيء أعطاك ؟ وإذا بيده ثلاثون درهماً(١) وقد دلّت هذه البادرة على حسن إيمانه وحسن عقيدته .

١٢ ـ عبد العظيم الحسني :

هو السيد الشريف الحسيب النسيب من مفاخر الأسرة النبوية علماً وتقى وتحرّجاً في الدين ونلمح إلى بعض شؤونه :

أ ـ نسبه الوضّاح : يرجع نسبه الشريف إلى الإمام الزكي أبي محمد الحسن بن علي سيد شباب أهل الجنّة وريحانة رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فهو ابن عبد الله بن علي بن الحسن بن زيد بن الحسن بن علي بن أبي طالبعليه‌السلام .

ب ـ وثاقته وعلمه : كان ثقة عدلاً ، متحرّجاً في دينه كأشدّ ما يكون التحرج ، كما كان عالماً وفاضلاً وفقيهاً فقد روى أبو تراب الروياني ، قال : سمعت أبا حماد الرازي ، يقول : دخلت على علي بن محمدعليه‌السلام بـ ( سُرّ مَن رأى )

ــــــــــــــ

(١) اختيار معرفة الرجال : ٢/٨٢٤ .

١٨٨

فسألته عن أشياء من الحلال والحرام فأجابني عنها ، فلمّا ودعته قال لي :يا حماد إذا أشكل عليك شيء من أمر دينك بناحيتك فسل عنه عبد العظيم الحسني واقرأه منّي السلام (١) .

ودلّت هذه الرواية على فقهه وعلمه .

ج ـ عرض عقيدته على الهادي عليه‌السلام : وتشرّف السيد الجليل عبد العظيم بمقابلة الإمام الهاديعليه‌السلام فعرض على الإمام أصول عقيدته وما يدين به قائلاً : (يا ابن رسول الله إنّي أُريد أن أعرض عليك ديني فإن كان مرضياً ثبتُّ عليه) .

فقابله الإمام مبتسماً وقال له :( هات يا أبا القاسم ) .

وانبرى عبد العظيم يعرض على الإمام المبادئ التي آمن بها قائلاً : ( إنّي أقول : إنّ الله تبارك وتعالى ليس كمثله شيء ، خارج عن الحدّين ، حدّ الإبطال وحدّ التشبيه ، وأنّه ليس بجسم ولا صورة ولا عرض ولا جوهر ، بل هو مجسّم الأجسام ومصوّر الصور وخالق الأعراض والجواهر وربّ كل شيء ومالكه وجاعله ومحدثه .

وأنّ محمّداً عبده ورسوله خاتم النبيين ، فلا نبيّ بعده إلى يوم القيامة ، وأنّ شريعته خاتمة الشرايع فلا شريعة بعدها إلى يوم القيامة وأقول : إنّ الإمام والخليفة ، وولي الأمر بعده أمير المؤمنين علي بن أبي طالبعليه‌السلام ، ثم الحسن ثم الحسين ثم علي بن الحسين ثم محمد بن علي ثم جعفر بن محمد ثم موسى بن جعفر ثم علي بن موسى ثم محمد بن علي ثم أنت يا مولاي ) والتفت إليه الإمام فقال :( ومن بعدي الحسن ابني ، فكيف للناس بالخلف من بعده ؟ ) .

ــــــــــــــ

(١) معجم الرجال الحديث : ١١/٥٣ .

١٨٩

واستفسر عبد العظيم عن الحجّة من بعده قائلاً : وكيف ذاك يا مولاي ؟ قال الإمامعليه‌السلام :( لأنّه لا يرى شخصه ، ولا يحل ذكره باسمه ، حتى يخرج فيملأ الأرض قسطاً وعدلاً ، كما مُلئت ظلماً وجوراً ) .

وانبرى عبد العظيم يعلن إيمانه بما قال الإمامعليه‌السلام قائلاً : ( أقررت ، وأقول : إنّ وليّهم ولي الله ، وعدوّهم عدوّ الله وطاعتهم طاعة الله ، ومعصيتهم معصية الله .

وأقول : إنّ المعراج حق والمساءلة في القبر حق وأنّ الجنّة حق والنار حق والصراط حق والميزان حق وأنّ الساعة آتية لا ريب فيها وأنّ الله يبعث مَن في القبور .

وأقول : إنّ الفرائض الواجبة بعد الولاية ـ أي الولاية لأئمة أهل البيتعليهم‌السلام ـ الصلاة والزكاة والصوم والحج والجهاد والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ) .

وبارك له الإمام عقيدته قائلاً :( يا أبا القاسم هذا والله دين الله الذي ارتضاه لعباده ، فاثبت عليه ثبّتك الله بالقول الثابت في الحياة الدنيا والآخرة ) (١) .

١٣ ـ عثمان بن سعيد العمري السمّان :

يكنّى أبا عمرو ، الثقة الزكي ، خدم الإمام الهاديعليه‌السلام وله من العمر إحدى عشرة سنة ، احتلّ المكانة المرموقة عند الإمامعليه‌السلام ، فقد روى أحمد ابن إسحاق القمّي قال : دخلت على أبي الحسن علي بن محمد صلوات الله عليه في يوم من الأيام فقلت له : يا سيدي أنا أغيب وأشهد ، ولا يتهيّأ لي الوصول إليك إذا شهدت في كل وقت فقول مَن نقبل ، وأمر مَن نمتثل ؟ فقالعليه‌السلام :

ــــــــــــــ

(١) كمال الدين : ٣٧٩ ح ١ ، وعنه في إعلام الورى : ٢/٢٤٤ ، ٢٤٥ .

١٩٠

هذا أبو عمرو الثقة الأمين ، ما قاله لكم فعنّي يقوله ، وما أدّاه إليكم فعنّي يؤدّيه .

فلمّا قضى أبو الحسنعليه‌السلام نحبه رجعت إلى أبي محمد ابنه الحسن العسكري وقلت لهعليه‌السلام ذات يوم : مثل قولي لأبيه ، فقال لي :هذا أبو عمرو الثقة الأمين ، ثقة الماضين ، وثقتي في المحيا والممات ، فما قاله لكم فعنّي يقوله ، وما أدّى إليكم فعنّي يؤدّيه (١) .

ودلّت هذه الرواية على وثاقته ، وأنّه قد نال المنزلة الكريمة عند الأئمة الطاهرينعليهم‌السلام ، كما دلّت على فضله وعلمه ، وأنّه كان مرجعاً للفتيا وأخذ الأحكام .

١٤ ـ علي بن مهزيار الأهوازي الدورقي :

كان من مفاخر العلماء ومن مشاهير تلاميذ الإمام الهاديعليه‌السلام ونتحدّث بإيجاز عن بعض شؤونه :

أ ـ عبادته : كان من عيون المتّقين والصالحين ، ويقول المؤرّخون : إنّه كان إذا طلعت الشمس سجد لله تعالى ، وكان لا يرفع رأسه حتى يدعو لألف من إخوانه بمثل ما دعا لنفسه ، وكان على جبهته سجّادة مثل ركبة البعير من كثرة سجوده(٢) .

ب ـ ثناء الإمام الجواد عليه‌السلام عليه : وأثنى الإمام الجوادعليه‌السلام ثناءً عاطراً على ابن مهزيار ، وكان ممّا أثنى عليه أنّه بعث له رسالة جاء فيها :

ــــــــــــــ

(١) معجم رجال الحديث : ١٢/١٢٣ .

(٢) اختيار معرفة الرجال : ٢/٨٢٥ .

١٩١

 ( يا علي قد بلوتك وخبرتك في النصيحة والطاعة والخدمة والتوقير ، والقيام بما يجب عليك ، فلو قلت : إنّي لم أر مثلك لرجوت أن أكون صادقاً فجزاك الله جنّات الفردوس نزلاً وما خفي علي مقامك ولا خدمتك ، في الحرّ والبرد ، في الليل والنهار ، فأسأل الله إذا جمع الخلائق للقيامة أن يحبوك برحمة تغتبط بها إنّه سميع الدعاء ) (١) .

وكشفت هذه الرسالة عن إكبار الإمام وتقديره ودعائه له ، وأنّهعليه‌السلام لم ير في أصحابه وغيرهم مثل هذا الزكي تقوى وورعاً وعلماً .

ج ـ مؤلّفاته : ألّف عليّ مجموعة من الكتب تزيد على ثلاثين كتاباً كان معظمها في الفقه وهذه بعضها : كتاب الوضوء ، كتاب الصلاة ، كتاب الزكاة ، كتاب الصوم ، كتاب الحج ، كتاب الطلاق ، كتاب الحدود ، كتاب الديّات ، كتاب التفسير ، كتاب الفضائل ، كتاب العتق والتدبير ، كتاب التجارات والإجارات ، كتاب المكاسب ، كتاب المثالب ، كتاب الدعاء ، كتاب التجمل والمروّة ، كتاب المزار ، وغيرها(٢) .

د ـ طبقته في الحديث : وقع علي بن مهزيار في أسناد كثير من الروايات تبلغ (٤٣٧) مورداً ، روى عن : الإمام أبي جعفر الثاني ، وأبي الحسن الثالث ، وغيرهما لقد كان علي بن مهزيار من دعائم الفكر الشيعي ، وكان من أفذاذ عصره وعلماء دهره .

ــــــــــــــ

(١) معجم رجال الحديث : ١٣/٢١١ .

(٢) رجال النجاشي : ٢٥٣ .

١٩٢

١٥ ـ الفضل بن شاذان النيشابوري :

عدّه الشيخ من أصحاب الإمام أبي الحسن الهاديعليه‌السلام ، وهو من أساطين العلماء ، ومن أبرز رجال الفكر الإسلامي في عصره ، خاض في مختلف العلوم والفنون وألّف فيها ، ونعرض بإيجاز لبعض شؤونه :

أ ـ ثناء الإمام الحسن العسكري عليه‌السلام عليه : وأشاد الإمام الحسن العسكريعليه‌السلام بالفضل بن شاذان ، وأثنى عليه ثناءً عاطراً ، فقد عرضت عليه إحدى مؤلّفاته فنظر فيه فترحّم عليه وقال :( أغبط أهل خراسان بمكان الفضل بن شاذان وكونه بين أظهرهم ) (١) .

ونظرعليه‌السلام مرة أخرى إلى مؤلَّف آخر من مؤلّفاته فترحّم عليه ثلاث مرات ، وقال مقرّظاً للكتاب : ( هذا صحيح ينبغي أن يعمل به ) (٢) .

ب ـ ردّه على المخالفين : انبرى الفضل للدفاع عن مبادئه ، وإبطال الشبه التي أُثيرت حول عقيدته ، وقد قال : أنا خلف لمَن مضى أدركت محمد بن أبي عمير ، وصفوان بن يحيى وغيرهما ، وحملت عنهم منذ خمسين سنة ، ومضى هشام بن الحكمرحمه‌الله ، وكان يونس بن عبد الرحمانرحمه‌الله خلفه ، كان يرد على المخالفين ، ثم مضى يونس بن عبد الرحمان ولم يخلف خلفاً غير السكّاك ، فردّ على المخالفين حتى مضىرحمه‌الله ، وأنا خلف لهم من بعدهم

ــــــــــــــ

(١) جامع الرواة : ٢/٥ .

(٢) طرائف المقال : ٢/٦٣٢ .

١٩٣

رحمهم الله )(١) .

لقد كان خلفاً لأولئك الأعلام الذين نافحوا وناضلوا عن مبادئهم الرفيعة التي تبنّاها أئمة أهل البيتعليهم‌السلام .

ج ـ مؤلّفاته : ألّف هذا العالم الكبير في مختلف العلوم ، كعلم الفقه وعلم التفسير وعلم الكلام والفلسفة واللغة والمنطق وغيرها ، وكانت مؤلّفاته تربو على مائة وثمانين مؤلّفاً ، وقد ذكر بعضها الشيخ والنجاشي وابن النديم وغيرهم .

١٦ ـ محمد بن أحمد المحمودي :

يكنّى أبا علي ، عدّه الشيخ من أصحاب الإمام أبي الحسن الهاديعليه‌السلام ، قال الكشي : وجدت بخطّ أبي عبد الله الشاذاني في كتابه : سمعت الفضل بن هاشم الهروي يقول : ذكر لي كثرة ما يحجّ المحمودي ، فسألته عن مبلغ حجّاته فلم يخبرني بمبلغها ، وقال : رزقت خيراً كثيراً والحمد لله ، فقلت له : فتحجّ عن نفسك أو غيرك ؟ فقال : عن غيري بعد حجّة الإسلام أحجّ عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وأجعل ما أجازني الله عليه لأولياء الله وأهب ما أثاب على ذلك للمؤمنين والمؤمنات ، فقلت : ما تقول في حجّتك ؟ فقال : أقول : اللّهمّ إنّي أهللت لرسولك محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وجعلت جزائي منك ومنه لأوليائك الطاهرينعليهم‌السلام ، ووهبت ثوابي عنهم لعبادك المؤمنين والمؤمنات بكتابك وسنّة نبيّكصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إلى آخر الدعاء(٢) .

ــــــــــــــ

(١) اختيار معرفة الرجال : ٢/٨١٨ .

(٢) اختيار معرفة الرجال : ٢/٧٩٨ .

١٩٤

١٧ ـ محمد بن الحسن بن أبي الخطّاب الزيّات :

الكوفي الثقة ، عدّه الشيخ من أصحاب الإمام علي الهاديعليه‌السلام ، قال النجاشي : إنّه كان جليلاً من أصحابنا ، عظيم القدر ، كثير الرواية ، ثقة ، عين ، حسن التصانيف ، مسكون إلى روايته له كتاب التوحيد ، كتاب المعرفة والبدار ، كتاب الرد على أهل القدر ، كتاب الإمامة ، كتاب اللؤلؤة ، كتاب وصايا الأئمة ، كتاب النوادر .

١٨ ـ محمد بن الفرج الرخجي :

عدّه الشيخ من أصحاب الإمام الهاديعليه‌السلام كانت له اتصالات وثيقة بالإمامعليه‌السلام ، وجرت بينهما عدّة مراسلات ، ومنها : ما رواه الكشي بسنده عن محمد بن الفرج : قال : كتبت إلى أبي الحسنعليه‌السلام اسأله عن أبي علي بن راشد ، وعن عيسى بن جعفر بن عاصم ، وابن بند ، فكتبعليه‌السلام إليّ :ذكرت ابن راشد رحمه‌الله فإنّه عاش سعيداً ، ومات شهيداً . ودعا لابن بند والعاصمي(١) .

وقد مرّت بعض المراسلات الأُخرى له مع الإمامعليه‌السلام وهي تكشف عن ثقة الإمام بمحمد وتسديده له ، ولمّا مرض محمد بعث له الإمام أبو الحسن عليه‌السلام بثوب فأخذه ووضعه تحت رأسه فلمّا توفّي كُفّن فيه .

١٩ ـ معاوية بن حكيم بن معاوية بن عمار الكوفي :

عدّه الشيخ من أصحاب الإمام الهاديعليه‌السلام ، قال النجاشي فيه : إنّه ثقة جليل من أصحاب الرضاعليه‌السلام قال أبو عبد الله الحسين : سمعت شيوخنا يقولون : روى معاوية بن حكيم أربعة وعشرين أصلاً وله كتب منها : كتاب الطلاق ، كتاب الحيض ، كتاب الفرائض ، كتاب النكاح ، كتاب الحدود ، كتاب الديّات ، وله نوادر(٢) .

ــــــــــــــ

(١) اختيار معرفة الرجال : ٢/٨٦٣ .

(٢) رجال النجاشي : ٤١٢ .

١٩٥

٢٠ ـ يعقوب بن إسحاق :

أبو يوسف الدورقي الأهوازي المشهور بابن السكّيت ، عدّه الشيخ من أصحاب الإمام أبي الحسن الهاديعليه‌السلام ، كان مقدّماً عند أبي جعفر الثاني وأبي الحسنعليه‌السلام وكانا يختصّانه ، وله عن الإمام أبي جعفرعليه‌السلام رواية ومسائل .

كان ابن السكيت حامل لواء علم العربية والأدب والشعر واللغة والنحو ، وله تصانيف كثيرة منها : ( تهذيب الألفاظ ) وكتاب ( إصلاح المنطق ) قتله المتوكل لولائه لأهل البيتعليهم‌السلام .

النساء :

ولم يذكر الشيخ الطوسي من النساء اللاتي روين عن الإمام الهاديعليه‌السلام سوى السيدة الكريمة كلثم الكرخية ، وقد عدّها الشيخ من أصحاب الإمام الهاديعليه‌السلام وأضاف أنّ الرّاوي عنها هو عبد الرحمان الشعيري ، وهو أبو عبد الرحمان بن داود البغدادي(١) .

ــــــــــــــ

(١) اقتبسنا ما ورد في هذا الفصل عن أصحاب الإمام الهاديعليه‌السلام من ( حياة الإمام علي الهاديعليه‌السلام ) : ١٧٠ ـ ٢٣٠ للشيخ باقر شريف القرشي .

١٩٦

البحث الثاني : نماذج من تراث الإمام الهاديعليه‌السلام

١ ـ من تراثه التفسيري :

١ ـ روى العياشي بإسناده عن حمدويه ، عن محمد بن عيسى قال : سمعته يقول : كتب إليه إبراهيم بن عنبسة ـ يعني إلى علي بن محمدعليه‌السلام ـ إن رأى سيّدي ومولاي أن يخبرني عن قول الله :( يسألونك عن الخمر والميسر ) فما الميسر جُعلت فداك ؟

فكتبعليه‌السلام :كل ما قُومر به فهو الميسر وكل مسكر حرام (١) .

٢ ـ وروى بإسناده عن أيوب بن نوح بن دراج قال : سألت أبا الحسن الثالثعليه‌السلام عن الجاموس وأعلمته أنّ أهل العراق يقولون إنّه مسخ ، فقال :أو ما سمعت قول الله : ( ومن الإبل اثنين ومن البقر اثنين ) (٢) .

٣ ـ وروى العياشي : بإسناده عن موسى بن محمّد بن علي عن أخيه أبي الحسن الثالثعليه‌السلام قال :الشجرة التي نهى الله آدم وزوجته أن يأكلا منها شجرة الحسد ، عهد إليهما أن لا ينظرا إلى مَن فضّل الله عليه وعلى خلايقه بعين الحسد ، ولم يجد الله له عزماً (٣) .

ــــــــــــــ

(١) تفسير العيّاشي : ١ / ١٠٦ .

(٢) تفسير العيّاشي : ١ / ٣٨٠ .

(٣) تفسير العيّاشي : ١/٩ .

١٩٧

٢ ـ من تراثه الكلامي

١ ـ عن أحمد بن إسحاق ، قال : كتبت إلى أبي الحسن الثالثعليه‌السلام أسأله عن الرؤية وما اختلف فيه الناس ؟ فكتب : لا تجوز الرؤية ، ما لم يكن بين الرائي والمرئيّ هواء ينفذه البصر فإذا انقطع الهواء عن الرائي والمرئيّ لم تصحّ الرؤية ; وكان في ذلك الاشتباه ، لأنَّ الرائي متى ساوى المرئيَّ في السبب الموجب بينهما في الرؤية وجب الاشتباه وكان ذلك التشبيه لأنّ الأسباب لا بدّ من اتّصالها بالمسبّبات(١) .

٢ ـ عن بشر بن بشّار النيسابوريّ قال : كتبت إلى الرَّجلعليه‌السلام : إنّ من قبلنا قد اختلفوا في التوحيد ، فمنهم من يقول : (هو) جسم ومنهم من يقول : (هو) صورة فكتب إليَّ : سبحان من لا يحدُّ ولا يوصف ولا يشبهه شيء وليس كمثله شي وهو السميع البصير(٢) .

٣ ـ عن عليّ بن إبراهيم ، عن المختار بن محمّد بن المختار الهمدانيّ ، ومحمّد بن الحسن ، عن عبد الله بن الحسن العلويّ جميعاً عن الفتح بن يزيد الجرجاني ، عن أبي الحسنعليه‌السلام قال : سمعته يقول :وهو اللّطيف الخبير السميع البصير الواحد الأحد الصمد ، لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفواً أحد ، لو كان كما يقول المشبّهة لم يعرف الخالق من المخلوق ولا المنشئ من المنشأ ، لكنّه المنشئ فرَّق بين مَن جسّمه وصوَّره وأنشأه إذ كان لا يشبهه شيء ولا يشبهه هو شيئاً .

قلت : أجل جعلني الله فداك لكنّك قلت : الأحد الصمد وقلت : لا يشبهه شيء والله واحد والإنسان واحد أليس قد تشابهت الوحدانيّة ؟

قال :يا فتح أحلت ثبّتك الله إنّما التشبيه في المعاني ، فأمّا في الأسماء فهي واحدة

ــــــــــــــ

(١) الكافي : ١ / ٩٧ ، والتوحيد : ١٠٩ .

(٢) الكافي : ١ / ١٠٢ .

١٩٨

وهي دالّة على المسمّى وذلك أنَّ الإنسان وإن قيل واحدٌ فإنّه يخبر أنّه جثّة واحدة وليس باثنين والإنسان نفسه ليس بواحد ؛ لأنَّ أعضاءه مختلفة وألوانه مختلفة ومن ألوانه مختلفة غير واحد وهو أجزاء مجزّأة ، ليست بسواء .

دمه غير لحمه ولحمه غير دمه وعصبه غير عروقه وشعره غير بشره وسواده غير بياضه وكذلك سائر جميع الخلق ، فالإنسان واحد في الاسم ولا واحد في المعنى والله جلَّ جلاله هو واحد لا واحد غيره لا اختلاف فيه ولا تفاوت ولا زيادة ولا نقصان ، فأمّا الإنسان المخلوق المصنوع المؤلّف من أجزاء مختلفة وجواهر شتّى غير أنّه بالاجتماع شيء واحد .

قلت : جُعلت فداك فرَّجت عنّي فرَّج الله عنك ، فقولك : اللّطيف الخبير فسّره لي كما فسّرت الواحد فإنّي أعلم أنّ لطفه على خلاف لطف خلقه المفصل غير أنّي أُحبُّ أن تشرح ذلك لي .

فقال :يا فتح إنّما قلنا : اللّطيف للخلق اللّطيف ( و ) لعلمه بالشيء اللّطيف أو لا ترى وفّقك الله وثبّتك إلى أثر صنعه في النبات اللّطيف وغير اللّطيف ومن الخلق اللّطيف ومن الحيوان الصغار ومن البعوض والجرجس وما هو أصغر منها ما لا يكاد تستبينه العيون ، بل لا يكاد يستبان لصغره الذكر من الأُنثى والحدث المولود من القديم .

فلمّا رأينا صغر ذلك في لطفه واهتداءه للسفاد والهرب من الموت والجمع لما يصلحه وما في لجج البحار وما في لحاء الأشجار والمفاوز والقفار وإفهام بعضها عن بعض منطقها وما يفهم به أولادها عنها ونقلها الغذاء إليها ثمَّ تأليف ألوانها حمرة مع صفرة وبياض مع حمرة وأنّه ما لا تكاد عيوننا تستبينه لدمامة خلقها .

لا تراه عيوننا ولا تلمسه أيدينا علمنا أنَّ خالق هذا الخلق لطيف لطف بخلق ما سمّيناه بلا علاج ولا أداة ولا آلة ، وأنَّ كلَّ صانع شيء فمن شيء صنع والله الخالق اللّطيف الجليل خلق وصنع لا من شيء (١) .

ــــــــــــــ

(١) الكافي : ١ / ١١٨ ، والتوحيد : ١٨٥ .

١٩٩

٤ ـ عن عليّ بن إبراهيم ، عن المختار بن محمّد الهمدانيّ وعن محمّد ابن الحسن ، عن عبد الله بن الحسن العلويّ جميعاً ، عن الفتح بن يزيد الجرجانيّ ، عن أبي الحسنعليه‌السلام قال :إنَّ لله إرادتين ومشيئتين : إرادة حتم وإرادة عزم ، ينهى وهو يشاء ويأمر وهو يشاء أو ما رأيت أنّه نهى آدم وزوجته أن يأكلا من الشجرة وشاء ذلك ولو لم يشأ أن يأكلا لمّا غلبت مشيئتهما مشيئة الله تعالى ، وأمر إبراهيم أن يذبح إسحاق ولم يشأ أن يذبحه ولو شاء لما غلبت مشيئة إبراهيم مشيئة الله تعالى (١) .

٥ ـ عن أيّوب بن نوح أنّه كتب إلى أبي الحسنعليه‌السلام يسأله عن الله عزَّ وجلَّ أكان يعلم الأشياء قبل أن خلق الأشياء وكوَّنها ، أو لم يعلم ذلك حتّى خلقها وأراد خلقها وتكوينها ، فعلم ما خلق عند ما خلق وما كوَّن عند ما كوَّن ؟ فوقَّععليه‌السلام بخطّه :لم يزل الله عالماً بالأشياء قبل أن يخلق الأشياء كعلمه بالأشياء بعد ما خلق الأشياء (٢) .

٦ ـ عن الفتح بن يزيد الجرجانيِّ عن أبي الحسنعليه‌السلام ، قال : سألته عن أدنى المعرفة ، فقال :الإقرار بأنّه لا إله غيره ولا شبه له ولا نظير وأنّه قديم مثبت موجود غير فقيد وأنّه ليس كمثله شيء (٣) .

٧ ـ عن معلى بن محمّد ، قال : سئل العالمعليه‌السلام كيف علم الله ؟ قال :علم ، وشاء ، وأراد ، وقدَّر ، وقضى ، وأبدى فأمضى ما قضى ، وقضى ما قدَّر ، وقدَّر ما أراد ، فبعلمه كانت المشيَّة ، وبمشيَّته كانت الإرادة ، وبإرادته كان التَّقدير ، وبتقديره كان

ــــــــــــــ

(١) أصول الكافي : ١ / ١٥١ واعلم أنّ الرواية مشتملة على كون المأمور بالذبح إسحاق دون إسماعيل وهو خلاف ما تظافرت عليه أخبار الشيعة .

(٢) التوحيد : ١٤٥ .

(٣) التوحيد : ٢٨٣ .

٢٠٠

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

ويلاحظ بأنّ الإسلام، هو الذي يواجه وحده، بهذا الاشكال من بين سائر الشرائع، إذ ليس الإسلام عبارة عن تعاليم منحصرة في عدة أحكام عبادية وأخلاقية تؤدّى بصورة فردية، بين الانسان وربّه، أو بينه وبين نفسه، دون أن يتدخل في تحديد المناهج الاجتماعية والعلاقات الانسانية والمدنية، وليس منحصراً في هذه المقررات البسيطة، حتى لا يكون وافياً في جميع الأزمنة، بالغاية التي يهدف إليها وإنّما هو نظام تشريعي كامل، قد تدخل في شؤون المجتمع كافة، فهو ذو قوانين مدنية وقضائية وسياسية واجتماعية وعسكرية وعائلية، كفيلة باغناء البشرية، عن كل تشريع سوى تشريعه، وعن كل اصلاح غير اصلاحه، فهذه القوانين المحدودة كيف تغني المجتمع البشري عن ممارسة التشريع في الحوادث والموضوعات التي لم يكن بها عهد زمن نزول القرآن وبعثة الرسول ؟

وفي هذه النقطة، تفترق المسيحية عن الإسلام، إذ هي لا تتجاوز في تشريعها نطاق الأخلاق الفردية والتعبّد لله، بصلاة وصوم، في وقت معين، أمّا مناهج الحياة الاجتماعية وتنظيمها وتنسيق معاملاتها، ذلك ما يقرّه المجتمع نفسه، ويفوّضونه إلى السلطات الحاكمة.

ولكن الإسلام يتعرض لكل شأن من شؤون الحياة، ويقنّن ويشرّع لكل أمر من اُمور المجتمع، المدنية والمعاشية، بالاضافة إلى تشريعاته وقوانيه الأخلاقية، والعبادية الفردية، ويسد باب التشريع في ذلك على غيره، فالسلطة التشريعية بيده وحده، وعلى المجتمع أن يختار السلطة التنفيذية والسلطة القضائية فقط، ضمن ما يشرعه الإسلام.

وملخص السؤال، انّ المجتمع الإنساني، يواجه أوضاعاً وأحداثاً جديدة تطرح عليه مشاكل لاعهد للأزمنة السابقة بها، فلا نجد في التشريع الإسلامي لهذه الأوضاع والأحداث حكماً من الأحكام، إذن فحاجة المجتمع إلى قوانين وتشريعات جديدة لا تزال تتزايد كل يوم تبعاً لذلك، وبما أنّ نصوص الشريعة من الكتاب والسنّة محدودة، وحوداث المجتمع غير محدودة، فكيف يمكن أن تفي النصوص المحدودة بالحوادث الطارئة غير المتناهية ؟

٢٦١

الجواب :

انّ خلود التشريع وبقاءه في جميع الأجيال ومسايرته للحضارات الانسانية، واستغناءه عن كل تشريع سواه، يتوقف على وجود أمرين فيه :

الأوّل: أن يكون التشريع ذا مادة حيوية خلاقة للتفاصيل بحيث يقدر معها علماء الاُمّة والاخصائيون منهم على استنباط كل حكم يحتاج إليه المجتمع البشري في كل عصر من الأعصار.

الثاني: أن ينظر إلى الكون والاجتماع بسعة وانطلاق، مع مرونة خاصة تماشي جميع الأزمنة والأجيال، وتساير الحضارات الانسانية المتعاقبة.

وقد أحرز التشريع الإسلامي كلا الأمرين :

أمّا الأمر الأوّل، فقد أحرزه بتنفيذ اُمور :

الأوّل: الاعتراف بحجية العقل في مجالات خاصة :

انّ من سمات التشريع الإسلامي التي بها يمتاز عن سائر التشريعات، ادخال العقل في دائرة التشريع، والاعتراف بحجيته في الموارد التي يصلح له التدخل والقضاء فيها، فالعقل أحد الحجج الشرعية وفي مصاف المصادر الاُخر للتشريع وأنّه يكشف عن الحكم الشرعي ويبيّن وجهة نظر الشارع في مورده، وأنّ من الممتنع أن يحكم العقل بشيء ولا يحكم الشرع على وفاقه أو يحكم بخلافه، فالملازمة بين العقل والشرع حتمية.

و لا يهمنا البحث في أنّ ما يدركه العقل في مورد هل هو نفس الحكم الشرعي ومن صميم التشريع الإسلامي أو أنّه يكشف عن نظر الشارع إذا توفرت فيه الشروط التي اعتبرها الشارع في حجية ادراكاته.

وإنّما المهم أن نقف على أنّ العقل احتل محلاًّ خاصاً في التشريع الإسلامي وانّ كل ما يحكم به العقل فكأنّه ينطق على لسان الشرع كالكتاب والسنّة، فعند ذاك اعتمد

٢٦٢

عليه في تبليغ الأحكام إلى الناس كما اعتمد على القرآن والسنّة.

وقد فتح هذا الاعتراف للإسلام بقاء وخلوداً، وجعله صالحاً للانطباق مع عامة الحضارات الانسانية، وغدا التشريع الإسلامي في ضوئه ذا سعة وانطلاق وشمول لما يتجدد من الأحداث ولما يطرأ من الأوضاع الاجتماعية الجديدة.

هذا بخلاف ما إذا اعتبرناه عنصراً غريباً في صعيد التشريع وعزلناه عن الحكم ورفضنا كل ما يدركه من الأحكام العقلية المحضة، فإنّه يؤدي إلى تجميد المخطط القانوني وعدم صلاحيته للحكم والتطبيق في البيئات والظروف الاجتماعية المختلفة.

نعم ليس معنى الاعتراف بحجية العقل، أنّه يطلق سراحه في جميع المجالات حتى يتاح له ( بما اُوتي من امكانات ووسائل محدودة ) أن يتسرّع في الحكم في مصالح الفرد والمجتمع وشكل العلاقات والروابط الاجتماعية والعبادات والأحكام التوقيفية.

بل فسح له الحكم في مجالات خاصة إذا توفرت فيه الشرائط التي تصونه عن الاشتباه والخطأ واقترن بالضمانات الكافية التي تحفظه عن الزلل، وسوف نشير إلى هذه الشرائط والضمانات، وستوافيك نماذج من الأحكام العقلية في هذا البحث.

فالقارئ الكريم إذا لاحظ كتاب الله العزيز وسنّة نبيّهصلى‌الله‌عليه‌وآله وعترته: يرى فيهما الحث البالغ الأكيد على التدبّر والتفكّر والتعقّل لما يعسر على الانسان الاحاطة والاحصاء ولنكتف بذكر بعض ما اثر في المقام.

قال الإمام الطاهر موسى بن جعفرعليه‌السلام لتلميذه هشام :

إنّ الله تبارك وتعالى بشّر أهل العقل والفهم في كتابه فقال:( فَبَشِّرْ عِبَادِ *الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ أُولَٰئِكَ الَّذِينَ هَدَاهُمُ اللهُ وَأُولَٰئِكَ هُمْ أُولُوا الأَلْبَابِ ) ( الزمر ١٧ ـ ١٨ ).

يا هشام: إنّ الله تبارك وتعالى أكمل للناس الحجج بالعقول ونصر النبيين بالبيان ودلّهم على ربوبيّته بالأدلّة فقال:( إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ

٢٦٣

وَالنَّهَارِ وَالْفُلْكِ الَّتِي تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِمَا يَنفَعُ النَّاسَ وَمَا أَنزَلَ اللهُ مِنَ السَّمَاءِ مِن مَّاءٍ فَأَحْيَا بِهِ الأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا وَبَثَّ فِيهَا مِن كُلِّ دَابَّةٍ وَتَصْرِيفِ الرِّيَاحِ وَالسَّحَابِ المُسَخَّرِ بَيْنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ لآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَعْقِلُونَ ) ( البقرة ـ ١٦٤ ).

يا هشام: ثم وعظ أهل العقل ورغّبهم في الآخرة فقال:( وَمَا الحَيَاةُ الدُّنْيَا إلّا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَلَلدَّارُ الآخِرَةُ خَيْرٌ لِّلَّذِينَ يَتَّقُونَ أَفَلا تَعْقِلُونَ ) ( الأنعام ـ ٣٢ ).

يا هشام: إنّ العقل مع العلم فقال:( وَتِلْكَ الأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ وَمَا يَعْقِلُهَا إلّا الْعَالِمُونَ ) ( العنكبوت ـ ٤٣ ).

ثم ذم الذين لا يعقلون فقال:( وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اتَّبِعُوا مَا أَنزَلَ اللهُ قَالُوا بَلْ نَتَّبِعُ مَا أَلْفَيْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا أَوَلَوْ كَانَ آبَاؤُهُمْ لا يَعْقِلُونَ شَيْئًا وَلا يَهْتَدُونَ ) ( البقرة ـ ١٧٠ ).

يا هشام ثم ذكر اُولي الألباب بأحسن الذكر وحلالهم بأحسن الحلية فقال:( يُؤْتِي الحِكْمَةَ مَن يَشَاءُ وَمَن يُؤْتَ الحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْرًا كَثِيرًا وَمَا يَذَّكَّرُ إلّا أُولُوا الأَلْبَابِ ) ( البقرة ـ ٢٦٩ ).

يا هشام: إنّ الله تعالى يقول في كتابه:( إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَذِكْرَىٰ لِمَن كَانَ لَهُ قَلْبٌ ) يعني: عقل.

وقال( وَلَقَدْ آتَيْنَا لُقْمَانَ الحِكْمَةَ ) ( لقمان ـ ١٢ ) قال: الفهم والعقل.

يا هشام: ما بعث الله أنبياءه ورسله إلى عباده إلّا ليعقلوا عن الله فأحسنهم استجابة أحسنهم معرفة وأعلمهم بأمر الله أحسنهم عقلاً، وأكملهم عقلاً أرفعهم درجة في الدنيا والآخرة.

يا هشام: إنّ لله على الناس حجّتين: حجة ظاهرة وحجة باطنة فأمّا الظاهرة فالرسل والأنبياء والأئمّة وأمّا الباطنة فالعقول(١) .

وقال الصادق: حجة الله على العباد، النبي، والحجة في ما بين العباد وبين الله ،

__________________

(١) الكافي: ج ١ ص ١٣ ـ ١٦ ولم ننقله بطوله وإنّما اقتبسنا مقتطفات منه.

٢٦٤

العقل.

هذا الحديث وما قبله وغيرهما يعرب عن نظر الإسلام السامي في الأحكام التي يستقل بها العقل بشرط أن يتجرّد عن الرواسب المنحرفة والغرائز الحيوانية والعواطف الانسانية ويحكم حكماً باتاً عقلانياً محضاً غير منبعث عن هذه الجوانب ويحترز عن بعض الأساليب التي منع الشارع عن أعمالها في طريق استنباط الحكم الشرعي كالاقيسة والاستحسانات.

نعم لا يخلص الحكم العقلي من الزلل والخطأ إلّا بعد ملاحظة اُمور :

١. قصور الفكر الانساني وعجزه عن الاحاطة بمسائل الكون والنفس والاجتماع وضعف المدارك الحسية التي تربط الانسان بالواقع الاجتماعي والنفسي والكون الذي يعيشه.

٢. تأثّر الفكر الانساني بالجانب الانفعالي والحيواني من النفس كالغرائز النفسية والدوافع الحيوانية المستقرة في النفس التي لا تتخلّص منها النفس والفكر إلّا بعد جهد شاق.

٣. انطباع الفكر بالرواسب اللاشعورية والأعراف والتقاليد التي يرثها الانسان من البيئة الاجتماعية والتي تنتقل في المجتمع مع الأجيال من دون أن تفقد تأثيرها الخاص واطارها الاجتماعي الذي يسبغ عليها جانباً قدسياً في المجتمع.

وقد حاول الإسلام أن يحقق الضمانات الكافية التي تعصم الفكر من هذه الوجوه الثلاثة في مجال الحكم والتشريع.

كما حاول الإسلام من جانب أن يفسح المجال للعقل في الحكم ليحفظ الدستور ويصلح للحكم والتطبيق في البيئات والظروف المختلفة.

ومن جانب آخر حاول الإسلام أن يحفظ العقل ممّا يمكن أن يحفظ به إلى المستويات الحيوانية واللاشعورية أو ممّا تقصر عنه امكاناته العلمية(١) .

__________________

(١) لاحظ المدخل إلى دراسة التشريع الإسلامي ص ١٠٧ ـ ١٠٨.

٢٦٥

قال العلّامة الحجة الشيخ محمد حسين الاصفهاني: إنّ القضايا المشهورة على أقسام :

منها ما فيه مصلحة عامة: كالعدل حسن، والجور قبيح، وعبّر عنها بالتأديبات الصلاحية.

منها: ما ينبعث عن الأخلاق الفاضلة كالحكم بقبح كشف العورة لانبعاثه عن الحياء وهو خلق فاضل.

منها: ما ينبعث عن رقة أو حمية أو أنفة أو غير ذلك واستلزام الحسن والقبح عقلاً للحكم الشرعي بالمعنى المتقدم في ما كان منشأه المصالح العمومية واضح لأنّ الشارع يرعى المصالح العمومية وكذا ما ينبعث عن الأخلاق الفاضلة لأنّ المفروض أنّها ملكات فاضلة، والمفروض انبعاث الحكم بالحسن والقبح عنها وأمّا ما ينبعث عن انفعالات طبيعية من رقة أو حمية أو أنفة أو غير ذلك فلا موجب لاشتراك الشارع مع العقلاء.

ولذا ترى الشارع ربّما يحكم لحكمة ومصلحة خاصة بما لا يلائم الرقة البشرية كالحكم بجلد الزاني والزانية غير ذات البعل مع كمال التراضي(١) .

وللشيخ الرئيس في اشارته كلام يوقفنا على أقسام الادراكات العقلية فراجع الاشارات وشرحها للحكيم الطوسي(٢) .

فإذا توفرت في الحكم العقلي هذه الشرائط وكان حكمه منبعثاً عن الجانب العقلي المحض، غير متأثر عن الجوانب اللاشعورية، والغرائز الحيوانية والعواطف الانسانية، وتجنب عن الأساليب الممنوعة وحكم من صميم التدبّر والتفكّر بحكم بات، يصير حجة بين الله وعبده، وحينئد يجب السير والسلوك على مقتضى حكمه وتنفيذ ما يقضي به تأسيساً أو تحديداً لاطلاق حكم شرعي أو تخصيصاً لعمومه ويصير عند ذاك أحد

__________________

(١) نهاية الدراية: ج ٢ ص ١٣٠.

(٢) الاشارات: ج ١ ص ٢٢٠ ط طهران.

٢٦٦

الأدلة التي يستنبط منها، الحكم الشرعي ويدور عليها رحى الاستنباط، ويعد قريناً للكتاب والسنّة، والاجماع ولا ينفك عن قرنائه وأعداله.

والباحث النابه، يجد الملازمة بين العقل والشرع، أحد القواعد المسلمة عند المحققين، من علماء الإسلام، الذين يعتنى بقولهم، فقد صرحوا بأنّ كل ما حكم به العقل، حكم به الشرع، وكل ما حكم به الشرع حكم به العقل.

إنّ للعقل دوراً كبيراً في استنباط كثير من الأحكام التي يصلح للعقل القضاء فيها ويقدر على ادراك ملاك الحكم ومناطه نظير الملازمة بين وجوب الشيء ووجوب مقدمته، ووجوب الشيء وحرمة ضده أو عدمهما، وجواز اجتماع الأمر والنهي وعدمه وصحة العبادة والمعاملة وفسادهما، واجزاء الأوامر الاضطرارية والظاهرية والأحكام المتفرعة على تنجيز العلم الاجمالي وما يستقل به العقل عند اليأس عن الأدلّة السمعية فيحكم بالبراءة أو الاشتغال أو التخيير، حسب ما اقتضاه المقام. بل له دور واسع في باب المعاملات وغيرها.

فهذه الملازمات وغيرها، من الأحكام العقلية، مصادر لاستنباط كثير من الأحكام واستكشاف ما هو المرضي لدى الشارع، يستريح إليه الفقيه في تأسيس الحكم الشرعي أو تحديده، وفي تشخيص الوظيفة العملية عند اليأس عن العثور على الأدلّة السمعية وبذلك يسد الفراغ المتوهم في التشريع الإسلامي.

كل ذلك يرشدنا إلى أنّ التشريع الإسلامي، يتبنى الواقع ولا يحيد عن متطلبات الحياة، وأنّه ليس لتعاليمه طابع الرمز والتعبد السماوي وأنّ للإسلام علاقة واقعية بالعقل، لا تجد مثلها في الشرائع الاُخرى، بل لا يسوغ لغيره أن يدخل العقل في مصادر تشريعه، ويعده أحد الأدلّة.

الثاني: إنّ الأحكام تابعة للمصالح والمفاسد :

إنّ الأحكام الشرعية عند العدلية من المسلمين، الذين يمثلون الطبقة العليا

٢٦٧

منهم، تابعة لمصالح ومفاسد في متعلقاتها، فلا واجب إلّا لمصلحة في فعله، ولا حرام إلّا لمفسدة في اقترافه، وقد تحقق عندهم إنّ للتشريع الإسلامي نظاماً لا تعتريه الفوضى وهذا الأصل، وإن خالف فيه بعض الاُمّة، غير أنّ نظرهم محجوج بكتاب الله وسنّة نبيه ونصوص خلفائه: ترى أنّه سبحانه يعلّل حرمة الخمر والميسر بقوله :

( إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَن يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِي الخَمْرِ وَالمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَن ذِكْرِ اللهِ وَعَنِ الصَّلاةِ فَهَلْ أَنتُم مُّنتَهُونَ ) ( المائدة ـ ٩١ ).

ويستدل على وجوب الصلاة بقوله سبحانه:( وَأَقِمِ الصَّلاةَ إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهَىٰ عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالمُنكَرِ ) ( العنكبوت ـ ٤٥ ) إلى غير ذلك من الفرائض والمناهي التي صرح أو اُشير إلى ملاكات تشريعهما في الذكر الحكيم.

وقد قال الإمام الطاهر علي بن موسى الرضاعليه‌السلام : « إنّ الله تبارك وتعالى لم يبح أكلاً ولا شرباً إلّا لما فيه المنفعة والصلاح، ولم يحرّم إلّا ما فيه الضرر والتلف والفساد »(١) .

وقالعليه‌السلام في الدم: « إنّه يسيء الخلق ويورث القسوة للقلب، وقلة الرأفة والرحمة ولا يؤمن أن يقتل ولده ووالده »(٢) .

وهذا باقر الاُمّة وإمامها يقول: « إنّ مدمن الخمر كعابد وثن، ويورثه الارتعاش، ويهدم مروته ويحمله على التجسّر على المحارم من سفك الدماء وركوب الزنا »(٣) .

وغيرها من النصوص المتضافرة عن أئمّة الدين(٤) .

فإذا كانت الأحكام تابعة لمصالح ومفاسد في الموضوع، فالغاية المتوخّاة من تشريعها، إنّما هو الوصول إليها، أو التحرّز عنها، وبما أنّ المصالح والمفاسد ليست على

__________________

(١) مستدرك الوسائل: ج ٣ ص ٧١.

(٢) بحار الأنوار: ج ٦٢: ص ١٦٥، الحديث ٣.

(٣) المصدر نفسه ص ١٦٤، الحديث ٢.

(٤) راجع علل الشرائع للشيخ الصدوق فقد أورد فيه ما أثر عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله والأئمة: في بيان علل التشريع وفلسفته.

٢٦٨

وزان واحد، بل ربّ واجب يسوغ في طريق احرازه، اقتراف بعض المحارم، لاشتماله على مصلحة كبيرة لا يجوز تركها أصلاً، وربّ حرام ذي مفسدة كبيرة، لا يجوز اقترافه، وإن استلزم ترك الواجب أو الواجبات.

ولأجل ذلك قد عقد الفقهاء باباً خاصاً، لتزاحم الأحكام وتصادمها في بعض الموارد، فيقدمون « الأهم على المهم » والأكثر مصلحة على الأقل منها، والأعظم مفسدة على الأحقر منها، وهكذا ويتوصّلون في تمييز الأهم عن المهم، بالطرق والامارات التي تورث الاطمئنان، وباب التزاحم في علم الاُصول غير التعارض فيه، ولكلّ أحكام.

وقد أعان فتح هذا الباب على حل كثير من المشاكل الاجتماعية التي ربما يتوهم الجاهل أنّها تعرقل خطى المسلمين في معترك الحياة، وأنّها من المعضلات التي لا تنحل أبداً، ولنأت على ذلك بمثال، وهو :

أنّه قد أصبح تشريح بدن الانسان في المختبرات من الضروريات الحيوية التي يتوقف عليه نظام الطب الحديث، فلا يتسنّى تعلم الطب إلّا بالتشريح والإطلاع على خفايا الأمراض والأدوية.

غير أنّ هذه المصلحة تصادمها، مصلحة احترام المؤمن حيّه وميّته، إلى حد أوجب الشارع، الاسراع في تغسيله وتكفينه وتجهيزه للدفن، ولا يجوز نبش قبره إذا دفن، ولا يجوز التمثيل به وتقطيع أعضائه، بل هو من المحرمات الكبيرة التي لم يجوز الشارع حتى بالنسبة إلى الكلب العقور، غير أنّ عناية الشارع بالصحة العامة وتقدم العلوم جعلته يسوغ اقتراف هذا العمل لتلك الغاية، مقدماً بدن الكافر على المسلم، والمسلم غير المعروف على المعروف منه، وهكذا

الثالث: التشريع الإسلامي ذو مادة حيوية

إنّ التشريع الإسلامي في مختلف الأبواب، مشتمل على اُصول وقواعد عامة، تفي باستنباط آلاف من الفروع التي يحتاج إليها المجتمع البشري، على امتداد القرون

٢٦٩

والأجيال، وهذه الثروة العلمية، التي اختصت بها الاُمّة الإسلامية من بين سائر الاُمم، أغنت الشريعة الإسلامية عن التمسّك بكل تشريع سواها.

وقد تضافرت الروايات على أنّ جميع ما يحتاج الناس إليه قد جاءت فيه آية محكمة أو سنّة متّبعة.

أخرج الكليني باسناده عن عمر بن قيس عن أبي جعفرعليه‌السلام قال سمعته يقول: إنّ الله تبارك وتعالى لم يدع شيئاً تحتاج إليه الاُمّة إلّا أنزله في كتابه وبيّنه لرسوله وجعل لكل شيء حداً، وجعل عليه دليلاً يدل عليه، وجعل على من تعدى ذلك الحد حداً.

روي باسناده عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال سمعته يقول: ما من شيء إلّا وفيه كتاب أو سنّة.

اُخرج عن سماعة عن أبي الحسن موسىعليه‌السلام قال: قلت له: أكلّ شيء في كتاب الله وسنّة نبيّه، أو تقولون فيه ؟ قال: بل كلّ شيء في كتاب الله وسنّة نبيه(١) .

وهذا العلّامة الحلي، أحد فقهاء الإمامة في القرن الثامن، قد ألّف عشرات الكتب في الفقه واُصوله، منها « تحرير الأحكام الشرعية » وقد حوى من الأحكام والقوانين ما يربو على أربعين ألف مسألة، استنبطها من هذه الاُصول الواردة في القرآن والسنّة النبوية، والأحاديث المأثورة عن أئمّة الدين، رتبها على ترتيب كتب الفقه في أربع قواعد: العبادات، والمعاملات، والايقاعات، والأحكام(٢) .

وجاء من بعده من الفقهاء والمجتهدين، فبحثوا عن موضوعات وأحكام، لم تكن لعصره بها صلة، فاستخرجوا ما لها من الحكم الشرعي، من تلكم الاُصول والقواعد بوضوح وانطلاق، ولم يجدوا التشريع الإسلامي عاجزاً في هذه المجالات.

__________________

(١) راجع الكافي « باب الرد إلى الكتاب والسنّة » ج ١ ص ٥٩ ـ ٦٢، تجد فيه أحاديث تصرح بما ذكر، والمراد منها اُصول الأحكام وجذورها لا فروعها وجزئياتها.

(٢) راجع الذريعة: ج ٤ ص ٣٧٨.

٢٧٠

وهذا « صاحب الجواهر » ذلك الفقيه الأعظم، من فقهاء القرن الثالث عشر الإسلامي، قد جاء في مشروعه الوحيد « جواهر الكلام » بأضعاف ما جاء به العلّامة الحلي، فإنّ الباحث عندما يقف أمام هذا الكتاب الثمين وينظر في مباحثه، يرى أمامه بحراً يزخر بالدرر التي تحار في حصرها النهى والخواطر وتنبهر لها عيون البصائر، فلقد حوى من الفروع والقوانين، ما يعسر عدها.

ولأجل ذلك استعارت منا الاُمم الغربية كثيراً من قوانينه، ( بعكس ما نحن عليه الآن من تبعيّتنا للقوانين الأجنبية ) وليس ذلك إلّا لأجل كون الفقه الإسلامي ذا مادة حيوية، وقواعد متموّجة، تستطيع أن تواجه الأحداث الطارئة طيلة القرون.

يوم كان الإسلام يبسط ظله على أكثر من نصف المعمورة، حيناً من الدهر وإنّ الاُمّة الإسلامية، كانت تتألّف من شعوب مسلمة مختلفة الألوان، لكلّ بيئة خواصها في العادات والتقاليد، وما يقع فيها من وقائع وأحداث، كان التشريع الإسلامي بقواعده واُصوله الوافرة، وافياً لاستخراج أحكامها، من دون أن تمدّ يدها إلى المساعدات الأجنبية.

الرابع: تشريع الاجتهاد

وهو بذل الوسع في استنباط الأحكام الشرعية عن مصادرها المعينة، وهو رمز خلود الدين وبقاء قوانينه، لأنّه يحفظ غضاضة الدين وطراوته، ويجدده ويصونه عن الإندراس، ويغني المسلمين عن موائد الأجانب، باعطائه كل موضوع ما يقتضيه من حكم.

« أمّا لزوم فتح هذا الباب في أعصارنا هذه فلا يحتاج إلى البرهنة والدليل إذ نحن في زمن تتوال فيه المخترعات والصناعات، وتجعلنا هذه المجالات أمام أحد اُمور :

أمّا بذل الوسع في استنباط أحكام الموضوعات الحديثة، من الاُصول والقواعد الإسلامية.

أو اتباع المبادئ الاوربية، من غير نظر إلى مقاصد الشريعة، وأمّا الوقوف من غير

٢٧١

اعطاء حكم »(١) .

« وليس الاجتهاد من البدع المحدثة، فإنّه كان مفتوحاً في زمن النبوّة وبين أصحابهصلى‌الله‌عليه‌وآله فضلاً عن غيرهم، وفضلاً عن سائر الأزمنة التي بعده، نعم غايته إنّ الاجتهاد يومئذ، كان خفيف المؤونة جداً، لقرب العهد، وتوفّر القرائن، وامكان السؤال المفيد للعلم القاطع، ثم كلّما بعد العهد من زمن الرسالة وكثرت الآراء والأحاديث والروايات، ربّما قد دخل فيها الدس والوضع، وتوفرت دواعي الكذب على النبي، أخذ الاجتهاد ومعرفة الحكم الشرعي، يصعب ويحتاج إلى مزيد من المؤونة واستفراغ الوسع »(٢) .

ويرشدك إلى وجوده في زمن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله قول الرسول لأمير المؤمنينعليه‌السلام عندما بعثه إلى اليمن: قال عليعليه‌السلام : بعثني رسول الله إلى اليمن، قلت يا رسول الله تبعثني وأنا شاب، أقضي بينهم ولا أدري ما القضاء ؟ قال: فضرب بيده في صدري وقال: « اللّهمّ أهد قلبه وثبّت لسانه » فو الذي نفسي بيده ما شككت في قضاء بين اثنين(٣) .

وقال النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله لمعاذ بن جبل حين وجهه إلى اليمن: بم تقضي ؟ قال: بما في كتاب الله، قال فإن لم تجد ؟ قال: بما في سنّة رسول الله، قال: فإن لم تجد ؟ قال: اجتهد رأيي، ولا آلو جهداً، فسر النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله وقال: الحمد لله الذي وفّق رسول رسوله بما يرضي رسوله(٤) .

__________________

(١) رسالة الإسلام، السنة الثالثة، العدد الثاني، عن مقال « أحمد أمين المصري ».

(٢) أصل الشيعة واُصولها، ص ١١٩ طبعة بيروت.

(٣) أعلام الورى: ص ١٣٧، والبحار: ج ٢١ ص ٣٦١، وشتان بين علمه واجتهادهعليه‌السلام وعلم الآخرين واجتهادهم.

(٤) الطبقات الكبرى: ج ٢ ص ٣٤٧ والاستيعاب، لابن عبد البر، في ترجمة « معاذ » واللفظ للثاني.

أقول: لو صح الحديث يكون المراد منه باعتبار وروده في أمر القضاء، هو فصل الخصومة في الأموال والنفوس، بما يعدها العقلاء عدلاً وأنصافاً وهذا المراد من قوله: اجتهد رأيي. وعندئذ لا يكون الحديث دليلاً على صحة مطلق الرأي حتى المستند إلى القياس والاستحسان واشباههما التي لا قيمة لها عندنا في عالم الاستنباط.

٢٧٢

« وبطبيعة الحال، أنّ الصحابي قد يسمع من النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله في واقعة، حكماً ويسمع الآخر في مثلها خلافه، وتكون هناك خصوصية في أحدهما اقتضت تغاير الحكمين وغفل أحدهما عن الخصوصية أو التفت إليها وغفل عن نقلها مع الحديث فيحصل التعارض في الأحاديث ظاهراً، ولا تنافي واقعاً، ولهذه الأسباب وأضعاف أمثالها، احتاج حتى نفس الصحابة الذين فازوا بشرف الحضور، في معرفة الأحكام إلى الاجتهاد، والنظر في الحديث وضم بعضه إلى بعض والالتفات إلى القرائن الحالية، فقد يكون للكلام ظاهر، ومراد النبي خلافه اعتماداً على قرينة في المقام، والحديث نقل، والقرينة لم تنقل ».

« وكل واحد من الصحابة، ممن كان من أهل الرأي والرواية، تارة يروي نفس ألفاظ الحديث، للسامع من بعيد أو قريب، فهو في هذا الحال راو ومحدّث وتارة يذكر الحكم الذي استفاده من الرواية أو الروايات، بحسب نظره فهو في هذا الحال، مفت وصاحب رأي »(١) .

ولم يزل هذا الباب مفتوحاً عند الشيعة، من زمن صاحب الرسالة إلى يومنا هذا، وقد تخرج منهم الآلاف من المجتهدين والفقهاء، قد أحيوا الشريعة وأنقذوها من الانطماس، وأغنوا بذلك الاُمّة الإسلامية في كل مصر وعصر، عن التطلع إلى موائد الغربيين، وألّفوا مختصرات ومتطوّلات، لا يحصيها إلّا الله سبحانه.

وقد اقتدى الشيعة في فتح هذا الباب على مصراعيه في وجه الاُمّة بأئمّة دينهم وخلفاء رسولهم، الذين حثوا شيعتهم بأقوالهم وأفعالهم، على التفقّه في الدين والاجتهاد فيه، وأنّه « من لم يتفقّه، فهو اعرابي » وأرشدوهم إلى كيفية استخراج الفروع المتشابكة، من الآيات والاُصول المتلقاة عنهم، بالتدبر في الآيات والاُصول المتلقاة عنهم، وأمروا أصحابهم بالتفريع(٢) وقد بلغت عنايتهم بذلك ما جعلهم ينصبون بعض من يعبأ بقوله ورأيه في منصب الافتاء، إلى غير ذلك.

__________________

(١) أصل الشيعة: ص ١١٨.

(٢) ستوافيك روائع نصوصهم في هذا المضمار.

٢٧٣

والاجتهاد كما عرّفناك هو بذل الجهد في استنباط الأحكام عن أدلّتها الشرعية فلا يحتج به إلّا إذا بنيت أحكامه على أساس الكتاب والسنّة، وما يرجع إليها فهو مقيد من هذه الجهة وإن كان متحرراً من سوى ذلك، فلا يتقيد بمذهب ولا برأي، بل هو فوق المذاهب.

غير أنّ أئمّة أهل السنّة، قد أقفلوا باب الاجتهاد، إلّا الاجتهاد في مذهب خاص، كمذهب أبي حنيفة والشافعي، وبما أنّ الفتاوى المنقولة عنهم، مختلفة أخذ علماء كل مذهب يبذلون جهدهم لتشخيص ما هو رأي كل إمام في هذا الباب.

ولا أدري لماذا اقفل هذا الباب المفتوح من زمن الرسول، وإن تفلسف في بيان وجهه، بعض الكتّاب من متأخّريهم، وقال: ولم يكن مجرد اغلاق باب الاجتهاد باجتماع بعض العلماء واصدار قرار منهم، وإنّما كان حالة نفسية واجتماعية ذلك أنّهم رأوا غزو التتار لبغداد وعسفهم بالمسلمين، فخافوا على الإسلام ورأوا أنّ أقصى ما يصبون إليه، هو أن يصلوا إلى الاحتفاظ بتراث الأئمّة مما وضعوه واستنبطوه(١) .

ولا يكاد يخفى على القارئ الكريم ما في اعتذاره من الاشكال.

ولقد صدع بالحق الدكتور « حامد حفني داود » اُستاذ الأدب العربي بكلية الألسن في القاهرة في ما قدمه على كتاب عقائد الإمامية(٢) وقال :

إنّ الصورة المتوارثة عن جهابذة أهل السنّة أنّ الأجتهاد اُقفل بابه بأئمّة الفقه الأربعة: أبي حنيفة، ومالك، والشافعي، وابن حنبل.

هذا إذا عنينا الاجتهاد المطلق أمّا ما حاوله الفقهاء بعد هؤلاء من اجتهاد لا يعدو أن يكون اجتهاداً في المذهب أو اجتهاداً جزئياً في الفروع، وأنّ هذا ونحوه لا يكاد يتجاوز عند أهل السنّة القرن الرابع بحال من الأحوال، أمّا ما جاء عن الغزالي في القرن الخامس، وأبي طاهر السلفي في القرن السادس، وعز الدين بن عبد الله السلام وابن

__________________

(١) رسالة الإسلام: العدد الثالث، من السنة الثالثة عن مقال لأحمد أمين المصري.

(٢) للعلاّمة المغفور له الشيخ محمد رضا المظفر راجع ص ١٧ ـ ١٨ من المقدمة.

٢٧٤

دقيق العيد في القرن السابع، وتقي الدين السبكي، وابن تيمية في القرن الثامن والعلاّمة جلال الدين عبد الرحمان بن أبي بكر السيوطي في القرن التاسع فإنّ هذا ونحوه لا يتجاوز ـ في نظر المنهج العلمي الحديث ـ باب الفتوى ولا يدخل في شيء من الاجتهاد، وهو القدر الذي أوضحناه في كتابنا « تاريخ التشريع الإسلامي في مصر ».

أمّا علماء الشيعة الإمامية فإنّهم يبيحون لأنفسهم الاجتهاد في جميع صوره التي حدّثناك عنها، ويصرّون عليه كل الاصرار ولا يقفلون بابه دون علمائهم في أي قرن من القرون حتى يومنا هذا.

وأكثر من ذلك تراهم يفترضون بل يشترطون وجود « المجتهد المعاصر » بين ظهرانيهم، ويوجبون على الشيعة اتباعه رأساً دون من مات من المجتهدين مادام هذا المجتهد المعاصر استمد مقوّمات اجتهاده ـ اُصولها وفروعها ـ من المجتهدين، وورثها عن الأئمّة كابراً عن كابر.

وليس هذا غاية ما يلفت نظري أو يستهوي فؤادي في قولهم بالاجتهاد.

وإنّما الجميل والجديد في هذه المسألة أنّ الاجتهاد على هذا النحو الذي تقرأه عنهم يساير سنن الحياة وتطوّرها، ويجعل النصوص الشرعية حية متحركة نامية متطورة، تتمشى مع نواميس الزمان والمكان، فلا تجمد ذلك الجمود الذي يباعد بين الدين والدنيا، أو بين العقيدة والحياة الذي نشاهده في أكثر المذاهب التي تخالفهم. ولعل ما نلاحظه من كثرة عارمة في مؤلفات الإمامية وتضخّم مطّرد في مكتبة التشيّع راجع ـ في نظرنا ـ إلى فتح باب الاجتهاد على مصراعيه ».

هذا هو الاجتهاد، وهذا دوره في خلود الدين وصلوحه للظروف والبيئات ولم يكن اغلاقه إلّا جهلاً بأهميته أو ابتغاء للفتنة، أو تزلفاً إلى أبناء الدنيا، أو جبناً عن النطق بالصواب، وعلى أي تقدير فقد تنبّه بعض الجدد(١) من أهل النظر بلزوم فتحه وإنمائه، وأنّ الاجتهاد أحد مصادر الشريعة التي تسع كل تطور تشريعي، قال في مقال

__________________

(١) الاُستاذ علي علي منصور المصري مستشار مجلس الدولة لمحكمة القضاء الاداري.

٢٧٥

له حول الشريعة الإسلامية والقوانين الوضعية بمصر وإثبات ما عليه القواعد الشرعية من سموّ وشمول ودقة وأحكام مع اتسامها دائماً بالجدة، وملائمة أحكامها لكل حضارة ولكل بيئة ولكل زمان: « النصوص الشرعية للأحكام التي وردت في الكتاب والسنّة قليلة إذا ما قيست بمواد القانون في أي شريعة وضعية، إذ الآيات القرآنية التي تضمّنت اُصول الأحكام على ما أحصاها ابن قيم الجوزية لا تعدو مائة وعشرين آية من نيف وستة آلاف آية، أمّا الأحاديث فخمسمائة من أربعة آلاف حديث، ولقد أراد الله بذلك أن يهيأ للناس فرصة الاجتهاد في الفروع دون الاُصول، فجعل النصوص الأصلية لقواعد الشريعة عامة، دون التعمّق في التفاصيل ليتسع لها عقل من نزل فيهم القرآن وليترك للقوى الانسانية التي أودعها مخلوقاته، فرصة العمل والتفكير والتدبير واستنباط الأحكام فيما لا نص فيه من كتاب أو سنّة، لما يجد ويعرض لهم في حياتهم من مشاكل وأقضية تختلف باختلاف الزمان والمكان، وهذا هو الاجتهاد وهو أحد مصادر الشريعة المحمدية.

ومشروعية هذا المصدر ثابتة من حديث معاذ بن جبل إذ أنّه لـمّا بعثه الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله إلى اليمن قال له: بم تقض يا معاذ؟ قال: بكتاب الله، قال الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله فإن لم تجد ؟ قال: فبسنّة رسول الله، قال: وإن لم تجد ؟ قال: اجتهد برأيي، فأقره على ذلك »(١) وما كان يمكن أن ينزل الكتاب والسنّة على غير هذا الاجمال والتعميم، لأنّ هذه الشريعة إنّما نزلت لكل زمان وكل مكان:( وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إلّا كَافَّةً لِّلنَّاسِ بَشِيرًا وَنَذِيرًا ) .

ولو أنّ صاحب الشريعة عني بالتفاصيل والجزئيات لوجب أن يقدر ما سيكون عليه العالم من نظم مختلفة واختراعات مستحدثة في جميع الأمكنة والأزمنة فيضع لها ولما تفرّع عنها، من التفاصيل، ولو أنّه فعل ذلك لما اتسع وقت الرسالة لهذا كلّه، بل لأعرض الناس عن هذه الدعوة لتعقدها، ولأنّها تضمّنت أحكاماً عن جزئيات ومخترعات لا تقع تحت حسهم، ويصعب عليهم تصورها، لأنّها لم تعرف في زمانهم، ولنضرب لذلك مثلاً

__________________

(١) قد مر المراد من الحديث فلاحظ.

٢٧٦

فقد نزلت في القرآن آية تضمّنت الحكم العام لآداب التلاوة وجرت على نسق مختصر:( وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنصِتُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ ) وحدث بعد نزولها بنيف وألف وثلثمائة عام أن اخترع المذياع ( الراديو والتلفزيون )، ولما بدأ باذاعة آيات الذكر الحكيم به، بدأ التسائل عن حكم الشرع والدين في ذلك أحلال هو أم حرام ؟ وهل تصح اذاعته في منتدى ترتكب فيه الآثام والموبقات وتدار كؤوس الخمر ؟

لا بدع في أنّ حكم هذه الجزئية لم يرد بنص صريح في الكتاب، وانّ ذلك ترك للاجتهاد على هدى الحكم العام الوارد بالآية الشريفة، لا بدع في ذلك، إذ لو اُريد للشريعة أن تتضمّن الأحكام المفصلة لجميع الفروع والجزئيات لوجب أوّلاً افهام الذين نزل عليهم الدين وقت الرسالة ما هو الراديو وما هو التلفزيون، ولو حاول الرسول ذلك وقال لهم: إنّ مخترعات البشر باذن الله ستجيء للعالم بعد ألف وثلثمائة عام بآلة يستطيع بها الانسان أن يسمع ويرى صورة المحدث وهو على بعد آلاف الفراسخ والأميال، لما صدّقوه لعدم امكانهم تصوره ولجادلوه فأكثروا جداله في كنه تلك الآلة، ولما لزمتهم حجته في أنّ الذي يقوله ليس من عنده وإنّما هو من عند الله لأنّ الحجة لا تلزمها صفة الاقناع إلّا متى دخلت مناط العقل، أمّا إذا كانت فوق إدراك المرسل إليهم فهي داحضة

والاجتهاد هو الباب الذي دخلت منه إلى حضيرة الشريعة الإسلامية كل الحضارات بما فيها من مشاكل قانونية ومالية واجتماعية فوسعها جميعاً وبسط عليها من محكم آياته وسديد قواعده ما أصاب المحجة، فكان للشريعة الإسلامية في ذلك تراث ضخم تسامي على كل الشرائع وأحاط بكل صغيرة وكبيرة من اُمور الدين والدنيا

أفبعد ذلك يصح في الأفهام أن تتهم الشريعة الإسلامية بالقصور، أو بأنّها نزلت لعرب الجزيرة لتعالج اُمورهم في حقبة من الزمان انقضى عهدها، أو أنّها تضيق عن أن تجد الحلول لمشاكل الحضارات الحديثة، إرجعوا إليها وإلى تراثها الضخم تجدوا أنّها عالجت الجليل والخطير والصغير والكبير من اُمور الدين والدنيا فيها ذكر ما مضى ،

٢٧٧

وفيها ذكر الحاضر، وفيها ذكر المستقبل وسيظل العلم الحديث يكشف عمّا فيها من كنوز وستترى المشاكل على العالم جيل بعد جيل، ويضطرب العالم في محاولة الحلول لها دون جدوى إلّا إذا رجع إلى أحكام هذا الدين وهذه الشريعة المحكمة السمحة، حيث الدواء الشافي والعلاج الحاسم لكل ما يجيب العالم في حاضره وفي مستقبله(١) .

وممّا يؤيد لزوم انفتاح باب الاجتهاد إلى يوم القيامة هو ما ذكره المقريزي في خططه حيث قال ما هذا ملخّصه :

انّه لم يكن كل واحد من أصحاب النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله متمكناً من دوام الحضور عندهصلى‌الله‌عليه‌وآله لأخذ الأحكام عنه، بل كان في مدة حياته يحضره بعضهم دون بعض وفي وقت دون وقت، وكان يسمع جواب النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله عن كل مسألة يسأل عنها بعض الأصحاب ويفوت عن الآخرين فلمّا تفرق الأصحاب بعد وفاتهصلى‌الله‌عليه‌وآله في البلدان تفرقت الأحكام المروية عنهصلى‌الله‌عليه‌وآله فيها، فيروى في كل بلدة منها جملة، ويروى عنه في غير تلك البلدة جملة اُخرى حيث أنّه قد حضر المدني من الأحكام ما لم يحضره المصري، وحضر المصري ما لم يحضره الشامي، وحضر الشامي ما لم يحضره البصري، وحضر البصري ما لم يحضره الكوفي إلى غير ذلك، وكان كل منهم يجتهد فيما لم يحضره من الأحكام.

ولعدم تساوي هؤلاء المجتهدين في العلوم والإدراكات وسائر القوى والملكات تختلف طبعاً الآراء والاجتهادات، فمجرد تفاوت أشخاص الصحابة تسبب اختلاف فتواهم ثم تزايد ذلك الاختلاف بعد عصر الصحابة.

ثمّ قال: ثمّ بعد الصحابة تبع التابعون فتاوى الصحابة فكانوا لا يتعدون عنها غالباً، ولما مضى عصر الصحابة والتابعين صار الأمر إلى فقهاء الأمصار أبي حنيفة والسفيان وابن أبي ليلى بالكوفة، وابن جريح بمكة، ومالك وابن الماجشون بالمدينة، وعثمان التيمي ( الظاهر عثمان بن مسلم البطي ) وسوار بالبصرة، والأوزاعي بالشام والليث بن سعد بمصر فكان هؤلاء الفقهاء يأخذون من التابعين وتابعيهم أو يجتهدون.

__________________

(١) مجلة رسالة الإسلام لجماعة دار التقريب العدد الأوّل من السنة الخامسة.

٢٧٨

وذكر المقريزي في الجزء الرابع من الخطط ما هذا ملخّصه :

انّه تولّى القاضي أبو يوسف القضاء من قبل هارون الرشيد بعد سنة ١٧٠ إلى أن صار قاضي القضاة فكان لا يولّي القضاء إلّا من أراده، ولـمّا كان هو من أخص تلاميذ أبي حنيفة فكان لم ينصب للقضاء ببلاد خراسان والشام والعراق وغيرها إلّا من كان مقلّداً لأبي حنيفة، فهو الذي تسبب في نشر مذهب الحنفية في البلاد.

وفي آوان انتشار مذهب الحنفية في المشرق نشر مذهب مالك في افريقية المغرب، بسبب زياد بن عبد الرحمان، فإنّه أوّل من حمل مذهب مالك إليها، وأوّل من حمل مذهب مالك إلى مصر سنة ١٦٠ هو عبد الرحمان بن القاسم.

قال: ونشر مذهب محمد بن ادريس الشافعي في مصر بعد قدومه إليها سنة ١٩٨ وكان المذهب في مصر لمالك والشافعي إلى أن أتى القائد « جوهر » بجيوش مولاه « المعز لدين الله أبي تميم معد » الخليفة الفاطمي، إلى مصر سنة ٣٥٨ فشاع بها مذهب الشيعة حتى لم يبق بها مذهب سواه ( أي سوى مذهب الشيعة ).

ثمّ إنّ المقريزي بين بدء انحصار المذاهب في أربعة فقال :

فاستمرت ولاية القضاة الأربعة من سنة ٦٦٥ حتى لم يبق في مجموع أمصار الإسلام مذهب يعرف من مذاهب الإسلام غير هذه الأربعة وعودي من تمذهب بغيرها، وانكر عليه ولم يول قاض ولا قبلت شهادة أحد ما لم يكن مقلداً لأحد هذه المذاهب وأفتى فقهاؤهم في هذه الأمصار في طول هذه المدة بوجوب اتباع هذه المذاهب وتحريم ما عداها، والعمل على هذا إلى اليوم(١) .

وهذه الكلمة الأخيرة « وتحريم ما عداها » تكشف عن أعظم المصائب على الإسلام حيث أنّه قد مضى الإسلام ما يقرب من سبعة قرون ومات فيها على دين الإسلام ما لا يحصى عددهم إلّا ربّهم ولم يسمع أحد من أهل القرنين الأوّلين اسم المذاهب أبداً ثم فيما بعد القرنين كان المسلمون بالنسبة إلى الأحكام الفرعية في غاية من

__________________

(١) راجع الخطط المقريزية: ج ٢ ص ٣٣٣ و ٣٣٤ و ٣٤٤.

٢٧٩

السعة والحرية، كان يقلد عاميهم من اعتمد عليه من المجتهدين وكان المجتهدون يستنبطون الأحكام عن الكتاب والسنّة على موازينهم المقررة عندهم في العمل بالسنّة النبوية، فأي شيء أوجب في هذا التاريخ على عامة المسلمين: « العامي المقلد والفقيه المجتهد » أن لا يخرج أحد في الأحكام الشرعية عن حد تقليد الأئمّة الأربعة، وبأي دليل شرعي صار اتباع أحد المذاهب الأربعة واجباً مخيراً، والرجوع إلى ما ورائها حراماً معيّناً مع علمنا بأحوال جميع المذاهب من بدئها وكيفية نشرها وتأثير العوامل في تقدم بعضها على غيرها، بالقهر والغلبة من الدولة والحكومة كما أفصح عن بعض ذلك ما ذكره ابن الفوطي في الحوادث الجامعة، ص ٢١٦ في وقائع سنة ٦٤٥ يعني قبل انقراض بني العباس باحدى عشرة سنة في أيام المستعصم الذي قتله هولاكو، سنة ٦٥٦ فلاحظ ذلك الكتاب(١) .

وفي الختام نلفت نظر القارئ الكريم لمعرفة قضية الاجتهاد وتطورة وعلل إيصاد بابه لدى بعض المسلمين إلى المصادر التالية :

١. المواعظ والاعتبار في الخطط والآثار: تأليف الشيخ تقي أبو العباس المعروف بالمقريزي المولود في بعلبك عام ٧٦٦ والمتوفّى بالقاهرة عام ٨٤٥.

٢. تاريخ اليعقوبي المعروف بابن واضح وقد طبع عام ١٣٥٨.

٣. الحوادث الجامعة في المائة السابعة لكمال الدين عبد الرزاق بن المروزي الفوطي البغدادي المتوفّي سنة ٧٢٣.

٤. الانصاف في بيان سبب الاختلاف.

٥. عقد الجيد في أحكام الاجتهاد والتقليد: ألّفهما ولي الله الدهلوي المولود سنة ١١١٤ والمتوفّى ١١٨٠.

٦. الاقليد لأدلّة الاجتهاد والتقليد.

__________________

(١) راجع تاريخ حصر الاجتهاد لشيخنا العلّامة الطهراني ص ١٠٤.

٢٨٠

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

461

462

463

464

465

466

467

468

469

470

471

472

473

474

475

476

477

478

479

480

481

482

483

484

485

486

487

488

489

490

491

492

493

494

495

496

497

498

499

500

501

502

503

504

505

506

507

508

509

510

511

512

513

514

515

516

517

518

519

520

521

522

523

524

525

526

527

528

529

530

531

532

533

534

535

536

537

538

539

540

541

542

543