مفاهيم القرآن الجزء ٣

مفاهيم القرآن10%

مفاهيم القرآن مؤلف:
الناشر: مؤسّسة الإمام الصادق (عليه السلام)
تصنيف: مفاهيم القرآن
الصفحات: 543

الجزء ١ الجزء ٢ الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥ الجزء ٦ الجزء ٧ الجزء ٨ الجزء ٩ الجزء ١٠
  • البداية
  • السابق
  • 543 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 202312 / تحميل: 6222
الحجم الحجم الحجم
مفاهيم القرآن

مفاهيم القرآن الجزء ٣

مؤلف:
الناشر: مؤسّسة الإمام الصادق (عليه السلام)
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

٧. الطريقة المثلى في الاشارة إلى ترك التقليد: ألّفهما صديق حسن خان القنوجي البخاري المتوفّى سنة ١٣٠٧، وطبعا بالاستانة عام ١٢٩٥.

٨. حصول المأمول من علم الاُصول: له أيضاً طبع في الجوائب سنة ١٢٩٦.

٩. مقالة صاحب السعادة أحمد تيمور باشا ابن إسماعيل بن محمد المولود في القاهرة سنة ١٢٨٨ وهي تحت عنوان نظرة تاريخية في حدوث المذاهب الأربعة، طبعت مستقلة في القاهرة سنة ١٣٤٤.

١٠. ما كتبه محمد فريد وجدي في دائرة معارفه في مادتي « جهد وذهب » وما كتبه يعد أبسط ما كتب في الموضوع.

١١. أعلام الموقعين عن ربّ العالمين: للحافظ ابن القيم.

١٢. تاريخ حصر الاجتهاد: لشيخنا العلّامة الطهراني المتوفّى يوم الجمعة ١٣ ذي الحجة عام ١٣٨٩.

إلى غير ذلك من المؤلفات، وقد أشار إلى غير ما ذكرنا صديق حسن خان في كتابه حصول المأمول في علم الاُصول ص ١٩٨.

الحقيقة بنت البحث :

كلمة موجزة ومثل سائر، يهدف إلى أوضح الحقائق وأنصعها ويفيد أنّ الوقوف على الحقيقة وإماطة الستر عن وجهها وليد النقاش العلمي ووليد المحادثة وهذا مما لا يرتاب فيه أحد ويدركه كل من له حظ من الفكر والنظر.

وفي الحقيقة إنّ التقاء أفكار ذوي الآراء كالتقاء الأسلاك الكهربائية، فكما أنّ الأشعة الكهربائية، تتفجر من اتصالها سلباً وإيجاباً، فكذلك نور الحقيقة يشع أمامنا بتبادل الفكرتين وتعارضهما بالنفي والإيجاب.

إذ طالما يتخيل للانسان أنّه صائب في فكره ونظره، فإذا عرضه للبحث والنقاش

٢٨١

وتوارد عليه النفي والاثبات ربّما ظهر وهنه وضعفه.

نعم يجب على الباحث عن الحقيقة أن يعرض آراءه وأفكاره للجو الهادئ المتحرر عن التعصب لفئة غابرة، أو فكرة حاضرة، الشاخص أمام كل رأي فارغ عن الدليل والبرهنة، فالاجتهاد بهذا النحو رمز كشف الحقيقة، رمز خلود الإسلام وبقائه، رمز كونه غضاً طرياً في كل عصر وجيل.

نعم ربّما يجد الناشئ الجديد في نفسه حرجاً عند وقوفه على اختلاف أصحاب الآراء والمذاهب في اُصول الإسلام وفروعه، ويتخيله حاجزاً يعرقل خطاه عن الوصول إلى الواقع، ويتمنّى رفع الخلاف الفكري في المسائل من رأس بتأسيس مؤتمرات علمية من ذوي الأفكار.

بل ربّما نسمع من بعض الشباب سؤالاً يوجهه إلى الهيئات العلمية الإسلامية ويقول كان في وسع النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله أن يجمع اُصول الإسلام وفروعه وكل ما يرجع إليه في كتاب، ويتركه بين الاُمّة حتى يسد بذلك باب التقوّل من بعده على المتقوّلين، فلماذا لم يفعل ذلك ؟!

لكنّه رأي غير ناضج، إذ لو جمعها النبي في كتاب وسلمه إلى الاُمّة، لاستولى الركود الفكري والتدهور العقلي على عقلية الاُمّة، وانحسر كثير من المفاهيم والقيم الإسلامية عن ذهنيتها، وأوجب ضياع العلم وتطرق التحريف إلى اُصوله وفروعه حتى إلى الكتاب الذي كتب فيه كل صغير وكبير.

فلم تقم للإسلام دعامة، ولا حفظ كيانه ونظامه، إلّا على ضوء هذه البحوث العلمية والنقاشات الدارجة بين العلماء، ورد صاحب فكر على ذي فكر آخر بلا محاباة.

وقد حكى شيخنا العلّامة المتضلّع شيخ الشريعة الاصفهاني(١) في مقدمة

__________________

(١) فقيه متضلّع، اُصولي بارع، خبير باسرار الحديث والتفسير فهو ممن يضن بهم الدهر إلّا في فترات يسيرة، كانرحمه‌الله آية في الذكاء والحفظ، أثنى عليه كل من أدركه وقرأ عليه، توفّي عام ١٣٣٩ هجرية قمرية في النجف الأشرف ودفن في الصحن الحيدري.

٢٨٢

كتابه(١) عن بعض الأعلام كلاماً يعرب عمّا قلناه، قال: إنّ عدم محاباة العلماء بعضهم لبعض من أعظم مزايا هذه الاُمّة التي أعظم الله بها عليهم النعمة، حيث حفظهم عن وصمة محاباة أهل الكتابين، المؤدية إلى تحريف ما فيها، وإندارس تينك الملتين، فلم يتركوا لقائل قولاً فيه أدنى دخول إلّا بيّنوه، ولفاعل فيه تحريف، إلّا قوّموه، حتى اتضحت الآراء وانعدمت الأهواء ودامت الشريعة البيضاء على ملئ الآفاق بأضوائها وشفاء القلوب بها من أدوائها، مأمونة عن التحريف، ومصونة عن التصحيف.

شبهة حول الاجتهاد الدارج في عصرنا :

ربّما يختلج في اذهان بعض القصر من الناس عدم مشروعية الاجتهاد الدارج في أعصارنا هذه مستدلاً بأنّ الفقه في هذه الأعصار أخذ لنفسه صورة فنية، وجاء على طراز سائر العلوم العقلية الفكرية بعدما كان في أعصار المتقدمين من العلوم البسيطة المبنية على سماع الأحكام من النبي والأئمّة وبثّها بين الناس من دون أن يجتهد الراوي في تشخيص حكم الله ويرجّح دليلاً على الآخر، أو يقيده أو يخصّص واحداً بالآخر، إلى غير ذلك من الاُصول الدارجة في زماننا.

الجواب عن الشبهة :

إنّ ذلك أشبه شيء بالشبهة ويمكن الجواب عنه بوجهين :

الأوّل: أنّ الاجتهاد بالمعنى الوسيع وأعمال النظر في الروايات، والتدقيق في دلالتها، وترجيح بعضها على بعض، كان موجوداً في أعصارهم، دارجاً بين أصحابهم فإنّ الاجتهاد وإن توسع نطاقه في أعصارنا وبلغ مبلغاًعظيماً، إلّا أنّ أصل الاجتهاد بالمعنى الجامع بين عامة مراتبه كان دارجاً في تلك الأعصار وأنّ الأئمّة أرجعوا شيعتهم إلى فقهاء أعصارهم، وكانت سيرة الناس الرجوع إليهم من دون تزلزل وتردد، أمّا ما يدل

__________________

(١) ابانة المختار، مخطوط نحتفظ بنسخة منه.

٢٨٣

على وجود الاجتهاد بهذا المعنى في أعصارهم فعدة روايات هي :

١. ما رواه ابن ادريس في « مستطرقات السرائر » نقلاً عن هشام بن سالم عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال: إنّما علينا أن نلقي إليكم الاُصول وعليكم أن تفرّعوا(١) .

٢. ما روى عن كتاب أحمد بن محمد بن أبي نصر عن الرضاعليه‌السلام : « قال علينا القاء الاُصول وعليكم التفريع »(٢) فإنّ التفريع الذي هو استخراج الفروع عن الاُصول الكلية الملقاة، وتطبيقها على مواردها وصغرياتها، إنّما هو شأن المجتهد وما هو إلّا الاجتهاد، نعم التفريع والاجتهاد يتفاوت صعوبة كما يتفاوت نطاقه حسب مرور الزمان، فإذا قالعليه‌السلام : لا تنقض اليقين بالشك، أو روي عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله : لا ضرر ولا ضرار، كان على المخاطبين وعلى علماء الأعصار المستقبلة استفراغ الوسع في تشخيص صغرياتها وما يصلح أن يكون مصداقاً له أو لا يصلح، فهذا هو ما نسميه الاجتهاد.

٣. ما رواه الصدوق في معاني الأخبار عن داود بن فرقد، قال: سمعت أبا عبد اللهعليه‌السلام يقول: أنتم أفقه الناس إذا عرفتم معاني كلامنا إنّ الحكمة لتصرف على وجوه ولو شاء انسان لصرف كلامه كيف شاء ولا يكذب(٣) .

فإنّ عرفان معاني الكلام ليس إلّا تشخيص ما هو الأظهر بين المحتملات، بالفحص عن القرائن الحافّة بالكلام وبعرض أخبارهم على الكتاب والسنّة إلى غير ذلك ممّا يتضح به المراد، ويتعيّن ما هو المفاد، وليس هذا إلّا الاجتهاد.

٤. ما رواه الصدوق في عيونه بإسناده عن الرضاعليه‌السلام قال: من رد متشابه القرآن إلى محكمه فقد هدي إلى صراط مستقيم، ثم قال: إنّ في أخبارنا محكماً كمحكم القرآن ومتشابهاً كمتشابه القرآن فردّوا متشابهها إلى محكمها، ولا تتبعوا متشابهها دون محكمها فتضلّوا(٤) فإنّ رد المتشابه إلى محكمه يجعل أحدهما قرينة على الآخر، لا يتحقق

__________________

(١ و ٢) وسائل الشيعة ج ١٨: ص ٤١ ـ ٤٢، كتاب القضاء الباب ٦ من أبواب صفات القاضي، الحديث ٥١ و ٥٢.

(٣ و ٤) الوسائل: ج ١٨ كتاب القضاء الباب التاسع من أبواب صفات القاضي الحديث ٢٧ و ٢٢.

٢٨٤

بدون الاجتهاد.

٥. الروايات الواردة في تعليم أصحابهم كيفية استفادة الأحكام والفروع عن الذكر الحكيم، مثل قول الإمام الباقرعليه‌السلام بعد ما سأله زرارة بقوله: إلّا تخبرني من أين علمت أنّ المسح ببعض الرأس وبعض الرجلين ؟ فضحك وقال: يا زرارة قاله رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ونزل به الكتاب عن الله عزّ وجلّ قال:( فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ ) فعرفنا أنّ الوجه كلّه ينبغي أن يغسل، ثم قال:( وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى المَرَافِقِ ) فوصل اليدين إلى المرفقين بالوجه فعرفنا أنّه ينبغي لهما أن يغسلا إلى المرفقين، ثم فصل بين الكلام فقال:( وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ ) فعرفنا حين قال:( بِرُءُوسِكُمْ ) أنّ المسح ببعض الرأس لمكان الباء ثم وصل الرجلين بالرأس كما وصل اليدين بالوجه فقال:( وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ ) فعرفنا حين وصلهما بالرأس أنّ المسح على بعضهما ثم فسّر ذلك رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله فضيّعوه(١) .

٦. ما في رواية عبد الأعلى مولى آل سام بعد ما سأل الإمام عن حكم المسح على المرارة. قال: هذا واشباهه يعرف من كتاب الله عزّ وجلّ قال الله تعالى:( وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ ) ( الحج ـ ٧٨ ) امسح على المرارة، فقد أوضح على السائل كيفية الاستنباط، ورد الفروع على اُصولها(٢) ونظير ما تقدم بل أقوى منه ما في مرسلة(٣) يونس الطويلة الواردة في أحكام الحائض والمستحاضة، فإنّ فيها موارد ترشدنا إلى طريق الاجتهاد إلى غير ذلك من الروايات المرشدة إلى دلالة الكتاب وكيفية الاستدلال، وهي منبثّة في طيات أبواب الفقه فراجع :

٧. قول الباقرعليه‌السلام لزرارة ومحمد بن مسلم حيث سألا أبا جعفر الباقرعليه‌السلام وقالا له: ما تقول في الصلاة في السفر كيف هي وكم هي ؟ فقال: إنّ الله عزّ

__________________

(١) الوسائل: ج ١ أبواب الوضوء الباب ٢٣ الحديث ١.

(٢) الوسائل: ج ١ أبواب الوضوء الباب ٣٩ الحديث ٥.

(٣) وسائل الشيعة: ج ٢ أبواب الحائض الباب ٣ الحديث ٤.

٢٨٥

وجلّ يقول:( وَإِذَا ضَرَبْتُمْ فِي الأَرْضِ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَن تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلاةِ ) ( النساء ـ ١٠١ ).

فصار التقصير في السفر واجباً كوجوب التمام في الحضر، قالا قلنا: إنّما قال الله عزّ وجلّ:( فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ ) ولم يقل: « افعلوا » فكيف أوجب ذلك كما أوجب التمام في الحضر ؟ فقالعليه‌السلام : أوليس قد قال الله عزّ وجلّ:( إِنَّ الصَّفَا وَالمَرْوَةَ مِن شَعَائِرِ اللهِ فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ أَوِ اعْتَمَرَ فَلا جُنَاحَ عَلَيْهِ أَن يَطَّوَّفَ بِهِمَا ) ( البقرة ـ ١٥٨ ).

ألاّ ترون أنّ الطواف بهما واجب مفروض لأنّ الله عزّ وجلّ ذكره في كتابه وصنعه نبيه وكذلك التقصير شيء صنعه النبي وذكره الله في كتابه(١) .

٨. مقبولة عمر بن حنظلة ورواه المشايخ العظام في جوامعهم وتلقاها الأصحاب بالقبول، بل عليها المدار في كتاب القضاء وهي تصرح بوجود الاجتهاد بالمعنى الدارج في زماننا في عصر الصادقعليه‌السلام ودونك متنها: سألت أبا عبد اللهعليه‌السلام عن رجلين من أصحابنا بينهما منازعة في دين أو ميراث فتحاكما إلى السلطان أو إلى القضاة، أيحل ذلك ؟ قال: من تحاكم إليهم في حق أو باطل فإنّما تحاكم إلى الطاغوت وما يحكم له فإنّما يأخذه سحتاً وإن كان حقّه ثابتاً لأنّه أخذ بحكم الطاغوت ـ إلى أن قال: ـ قلت: كيف يصنعان ؟ قال: ينظران إلى من كان منكم ممّن قد روى حديثنا ونظر في حلالنا وحرامنا وعرف أحكامنا فليرضوا به حكماً فإنّي جعلته عليكم حاكماً ومن ردّه فإنّما بحكم الله استخف، وعلينا قد رد والراد علينا كالراد على الله وهو على حد الشرك بالله، قلت: فإن كان كل واحد اختار رجلاً من أصحابنا فرضيا أن يكونا الناظرين في حقهما فاختلفا فيما حكما وكلاهما اختلفا في حديثكم ؟ قال: الحكم ما حكم به أعدلهما وأفقههما وأصدقهما في الحديث وأورعهما ولا يلتفت إلى ما يحكم به الآخر.

قال: قلت: فإنّهما عدلان مرضيان عند أصحابنا لا يفضل واحد منهما على صاحبه ؟ قال: فقال: ينظر إلى ما كان من روايتهما عنّا في ذلك الذي حكما به، المجمع

__________________

(١) الوسائل: ج ٥: ص ٥٣٨، الباب ٢٢ من أبواب صلاة المسافر، الحديث٢.

٢٨٦

عليه عند أصحابك فيؤخذ به من حكمنا ويترك الشاذ الذي ليس بمشهور عند أصحابك، فإنّ المجمع عليه لا ريب فيه، إلى آخر ما أفاده وفيه إرشاد إلى كيفية استنباط الحكم عن الكتاب والسنّة، وعلاج الخبرين المتعارضين بعرضهما عليهما(١) .

٩. روى العباس بن هلال عن أبي الحسن الرضاعليه‌السلام قال: ذكر أنّ ابن أبي ليلى وابن شبرمة دخلا المسجد الحرام فأتيا محمد بن عليعليه‌السلام فقال لهما: بما تقضيان ؟ فقالا: بكتاب الله والسنّة، قال: فما لم تجداه في الكتاب والسنّة؟ قالا: نجتهد رأينا، قالعليه‌السلام : رأيكما أنتما ؟

فما تقولان في امرأة وجاريتها كانتا ترضعان صبيين في بيت وسقط عليهما فماتتا وسلم الصبيان ؟ قالا: القافة، قال: القافة يتجهم منه لهما، قالا: فاخبرنا ؟ قال: لا !!

قال ابن داود: مولى له جعلت فداك بلغني أنّ أمير المؤمنين علياًعليه‌السلام قال: ما من قوم فوّضوا أمرهم إلى الله وألقوا سهاهم إلّا خرج السهم الأصوب فسكت(٢) .

١٠. روى الصيقل عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قلت: رجل طلّق امرأته طلاقاً لا تحل له حتى تنكح زوجاً غيره فتزوّجها رجل متعة أتحل للأوّل ؟ قالعليه‌السلام : لا، لأن الله تعالى يقول:( فَإِن طَلَّقَهَا فَلا تَحِلُّ لَهُ مِن بَعْدُ حَتَّىٰ تَنكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ فَإِن طَلَّقَهَا ) ( البقرة ـ ٢٣٠ ) والمتعة ليس فيها طلاق(٣) .

١١. روى الحسن بن الجهم قال: قال لي أبو الحسن الرضاعليه‌السلام : يا أبا محمد ما تقول في رجل يتزوّج نصرانية على مسلمة ؟ قلت: جعلت فداك، وما قولي بين يديك ؟ قال: لتقولنّ فإنّ ذلك تعلم به قولي، قلت: لا يجوز تزويج نصرانية على مسلمة ولا على غير مسلمة، قال: ولِمَ ؟ قلت: لقول الله:( وَلا تَنكِحُوا المُشْرِكَاتِ حَتَّىٰ يُؤْمِنَّ ) ( البقرة ـ ٢٢١ ) قال: فما تقول هذه الآية :

__________________

(١) الوسائل كتاب القضاء ج ١٨ الباب التاسع من أبواب صفات القاضي الحديث ١.

(٢) التهذيب: ج ٩ باب ميراث الغرقى والمهدوم عليهم ص ٣٥٩.

(٣) الوافي: ج ٣ أبواب النكاح باب تحليل المطلّقة لزوجها ص ٤٧.

٢٨٧

( وَالمُحْصَنَاتُ مِنَ المُؤْمِنَاتِ وَالمُحْصَنَاتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِن قَبْلِكُمْ ) ؟ ( المائدة ـ ٥ ) قلت فقوله:( وَلا تَنكِحُوا المُشْرِكَاتِ ) نسخت هذه الآية فتبسّمعليه‌السلام ثم سكت(١) .

١٢. بل يظهر من كثير من الروايات وجود الاجتهاد بين أصحاب الأئمّة ونورد من تلكم الروايات حديثاً واحداً.

روى حسن بن محمد بن سماعة قال: سمعت جعفر بن سماعة وسئل عن امرأة طلقت على غير السنّة: ألي أن أتزوّجها ؟ فقال: نعم، فقلت: أليس تعلم أنّ علي بن أبي حمزة، روى: « إيّاكم والمطلّقات ثلاثاً على غير السنّة فإنّهنّ ذوات الأزواج » ؟ فقال: يا بني رواية علي بن أبي حمزة أوسع على الناس، قلت: وأي شيء روى علي بن أبي حمزة ؟ قال: روى عن أبي الحسن أنّه قال: الزموهم من ذلك ما ألزموا به أنفسهم، وتزوّجوهنّ فأنّه لا بأس بذلك(٢) .

فقد اجتهد جعفر بن سماعة حيث قدم الخبر الثاني على الأوّل باحدى ملاكات التقديم.

وقد ألّف في هذا المضمار العلّامة الحجة السيد عبد الرسول الشيرازي رسالة ممتعة وطبع قسم منها في بعض المجلاّت نسأل الله أن يوفّقه لنشر الجميع.

الخامس: حقوق الحاكم الإسلامي :

من الأسباب الباعثة على بقاء الدين وكونه ذا مادة حيوية صالحة لحل المشاكل والمعضلات الطارئة، كون الحاكم الإسلامي بعد النبي ممثلاً لقيادته الحكيمة في اُمور الدين والدنيا، التي من شأنها أن توجّه المجتمع البشري إلى أرقى المستويات الحضارية الصحيحة، فقد منح مثل هذا الحاكم بنص الشريعة الإسلامية كافة الصلاحيات

__________________

(١) الوافي: ج ٣ ص ٢٦ باب نكاح الذمية المشركة.

(٢) الوافي: ج ٢ كتاب الطلاق ص ١٦١ باب أنّ المخالف يقع طلاقه.

٢٨٨

المؤدية إلى حق التصرف المطلق في كل ما يراه ذا مصلحة للاُمّة، لأنّه يتمتع بمثل ما يتمتع به النبي والإمام من النفوذ المطلق، إلّا ما يعد من خصائصهما.

وإلى ذلك يشير شيخ الاُمّة الميرزا النائيني في أثره الخالد « تنبيه الاُمّة وتنزيه الملة » ويقول: « فوّض إلى الحاكم الإسلامي وضع ما يراه لازماً من المقررات لمصلحة الجماعة وسد احتياجاتها، في اطار القوانين الإسلامية »(١) .

مثلاً إذا رأى الحاكم، أنّ المصلحة تقتضي فتح طريق أو شارع، فقد فوض إليه ذلك الأمر، فله أن يقرر وينفذ ما يحقق هذه الغاية، في ضوء العدل والانصاف كاجبار أصحاب الأراضي التي يمر بها الطريق على بيع أراضيهم ووضع ضريبة على صنف خاص من الشعب، أو كلّه لتأمين هذه الغاية.

وله أن يقرر ما يراه مناسباً لتنظيم السير، متوخياً في ذلك سلامة النفوس وسهولة الذهاب والاياب، كل ذلك في إطار القوانين العامة الإسلامية.

وهذه الحقوق كانت ثابتة في الدرجة الاُولى، للنبي الأعظم، لقوله تعالى:( النَّبِيُّ أَوْلَىٰ بِالمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنفُسِهِمْ ) ( الأحزاب ـ ٦ ) وبعده لخلفائه المعصومين، أئمّة الدين، وفوضت من بعدهم، إلى علماء الاُمّة وفقهائهم الذين اُلقيت على كواهلهم اُمور تدبير حياة الاُمّة، وصيانة الشريعة، بالأدلّة القطعية المقررة في محلها.

إنّ الحاكم الإسلامي إذا نجح في تأسيس حكومة إسلامية في قطر من أقطار الإسلام أو في مناطقه كلّها وتوفرت فيه الشرائط والصلاحيات اللازمة وأخص بالذكر العلم الوسيع والعدل، يجب على المسلمين اطاعته، وله من الحقوق والمناصب والولاية، ما للنبي الأكرم من اعداد القوات العسكرية ودعمها بالتجنيد وتعيين الولاة وأخذ

__________________

(١) تنبيه الاُمّة وتنزيه الملة: ص ٩٧ ولا ينافي ما ذكره شيخ الاُمّة المحقق النائيني مع ما حققناه في الجزء الأول من كون التقنين والتشريع مختصاً بالله سبحانه، فإنّ ما يضعه الحاكم الإسلامي، أو مجلس الشورى إنّما هو من قبيل التخطيط، وتطبيق الكليات على مواردها لا من قبيل التشريع والتأسيس.

٢٨٩

الضرائب وصرفها في محالها إلى غير ذلك

وليس معنى ذلك أنّ الفقهاء والحكّام الإسلاميين مثل النبي والأئمّة في جميع الشؤون والمقامات حتى في الفضائل النفسانية والدرجات المعنوية فإنّ ذلك رأي تافه لا يركن إليه، إذ إنّ البحث إنّما هو في الوظائف المخوّلة إلى الحاكم الإسلامي والموضوعة على عاتقه لا في المقامات المعنوية والفضائل النفسانية، فإنّهم صلوات الله عليهم في هذا المضمار في درجة لا يدرك شأوهم ولا يشق لهم غبار حسب روائع نصوصهم وكلماتهم.

وليست السلطة مفخرة للحاكم يعلو بها على سائر المحكومين بل هي من وجهة النظر الإسلامية مسؤولية اجتماعية كبرى أمام الله سبحانه أوّلاً، وأمام المسلمين ثانياً، والجهة الجامعة ما بين الحاكم والإمام في إدارة دفة الحكم وسياسة العباد ليس لها أي ارتباط بالمثل الخلقية والصفات النفسانية(١) .

وهذه الوجوه التي مرت عليك بالاجمال أوجبت خلود الشريعة، وبقاءها وصلاحها لإدارة المجتمع في الأعصار كلّها، مع اختلافها في الحضارة والتقدم.

الأمر الثاني مرونة أحكامه :

من الأسباب الدافعة إلى صلوح الإسلام للبقاء والخلود، مرونة أحكامه التي تمكّنه من أن يماشي جميع الأزمنة والحضارات، وقد تمثّلت هذه المرونة باُمور :

١. الإسلام دين جامع والاُمّة الإسلامية اُمة وسط :

إنّ من الأسباب التي أوجبت خلود الدين الإسلامي، وأعطته الصلاحية للبقاء مع اختلاف الظروف وتعاقب الأجيال، كونه ديناً جامعاً بين الدعوة إلى المادة والدعوة

__________________

(١) ولاية الفقيه للاُستاذ الأكبر الإمام الخميني ـ قدّس الله سرّه ـ ص ٦٣ ـ ٦٦ وقد أشبعنا الكلام حول حقوق الحاكم الإسلامي في الجزء السابق فلاحظ.

٢٩٠

إلى الروح، ديناً وسطاً بين الماديّة البحتة والروحية المحضة، فقد آلف بتعاليمه القيمة بينهما، موالفة تفي بحق كل منهما، بحيث يتيح للانسان أن يأخذ قسطه من كل منهما بقدر ما تقتضيه المصلحة.

وذلك أنّ المسيحية غالت في التوجه إلى الناحية الروحية، حتى كادت أن تجعل كل مظهر من مظاهر الحياة المادية خطيئة كبرى، فدعت إلى الرهبانية والتعزّب وترك ملاذ الحياة والانعزال عن المجتمع، والعيش في الأديرة وقلل الجبال، وتحمل الظلم والرفق مع المعتدين، كما غالت اليهودية في الانكباب على المادة حتى نسيت كل قيمة روحية، وجعلت الحصول على المادة بأي وسيلة كانت، المقصد الأسنى، ودعت إلى القومية الغاشمة والطائفية الممقوتة.

وهذه المبادئ سواء أصحت عن الكليم والمسيحعليه‌السلام أم لم تصح ( ولن تصح إلّا أن يكون لاصلاح انغمار الشعب الاسرائيلي في ملاذ الحياة يوم ذاك وانجائهم عن التوغل في الماديات وسحبهم إلى المعنويات بشدة وعنف ) وإن شئت قلت: « كانت تعاليمه اصلاحاً مؤقتاً لاسراف اليهود وغلوهم في عبادة المال حتى أفسد أخلاقهم وآثروا دنياهم على دينهم والغلو يقاوم موقتاً بضده »(١) . لا تتماشى مع الحضارات الانسانية التقدمية ولا تسعدها في معترك الحياة، ولا تتلائم مع حكم العقل ولا الفطرة السليمة.

لكن الإسلام جاء لينظر إلى واقع الانسان، بما هو كائن، لا غنى له عن المادة، ولا عن الحياة الروحية، فأولاهما عنايته، فدعا إلى المادة والالتذاذ بها بشكل لا يؤثر معه على الحياة الروحية، كما دعا إلى الحياة الروحية بشكل لا يصادم فطرته وطبيعته.

وحصيلة البحث: أنّه لم يعطل الفطرة في تشريعه وتقنينه، بل جعلها مقياساً لحكمه بالوجوب والتحريم، فإذا كان الحكم مطابقاً لطبع من شرعت له الأحكام حافظاً لكيانه، لا يتعارض مع ما يحتاج إليه جسمه وروحه، كان ماضياً ونافذاً حسب بقاء الفطرة ودوامها.

__________________

(١) الوحي المحمدي: ص ١٥٣.

٢٩١

وأمّا تفصيل الآيات التي تمثل رأي الإسلام في الدعوة إلى الدين والدنيا، إلى الروح والجسم، إلى المادة والمعنى، فليرجع فيه إلى الكتب المعدة لبيان ذلك.

ونختم البحث بكلمة عن أمير المؤمنينعليه‌السلام حيث قال: للمؤمن ثلاث ساعات، ساعة يناجي فيها ربّه، وساعة يرم فيها معاشه، وساعة يخلي بينه وبين نفسه ولذاتها(١) .

فقد قرن بين عبادة الله وطلب الرزق وترفيه النفس، بحيث جعل الجميع في مستوى واحد، فندب إلى عبادة الله، كما ندب إلى طلب المعاش، وتوخي اللذة بحكم واحد بلا مفاضلة.

فلو كان أداء الصلاة والصوم والقيام بالحج وظيفة دينية، فشق الطريق لطلب الرزق والمعاش، والقيام بالنزهة بين الرياض أو سباحة في البحر والعمل الرياضي البدني، وظيفة دينية للمؤمن، كما نص الإمامعليه‌السلام .

وهذا من الاُسس التي تنسجم مع الإسلام وتحول بينه وبين التصادم مع الحضارات المتواصلة، إلى عصرنا هذا، فإذا كان المنهج، منهجاً متوسّطاً بين المادية والروحية، مطابقاً لفطرة الانسان انقادت له مقاليد الحضارات الانسانية الصاعدة وارتفع التصادم.

٢. النظر إلى المعاني، لا المظاهر :

إنّ الإسلام ينظر إلى المعاني والحقائق، لا المظاهر والقشور، ولذلك لا تجد في الإسلام مظهراً خاصاً من مظاهر الحياة، له من القداسة ما يمنع تغييره، ويوجب حفظه إلى الأبد بشكله الخاص، ولأجل ذلك لا يقع التصادم بين تعاليمه مع التقدم العلمي الهائل في مظاهره، وأشكاله الخارجية.

توضيحه: أنّه لا شك أنّه كان في زمن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله هندسة خاصة للمساكن

__________________

(١) نهج البلاغة باب الحكم، رقم ٣٩٠.

٢٩٢

والبيوت، وشكل خاص في المأكل والملبس، ونمط خاص لبث العلم والتربية غير أنّ الذي كان يهم الإسلام ـ في جميع الأزمنة ـ لم يكن تخطيط الحياة البشرية على تلك الأشكال والأنماط بل كان الحقيقة والجوهر من كل ذلك، فإنّ الذي يبتغيه الدين الإسلامي هو وجود المسكن وتوفر الملبس وإشاعة العلم والتربية، وكون الغذاء حلالاً طيباً طاهراً.

وأمّا الكيفية والشكل والصورة فلا يهم الدين ولا يحدد شيئاً في مجاله، فليكن البيت بأيّة هندسة كانت، ولتصنع الملابس بأي شكل كان، وليطبخ الناس طعامهم على النحو الذي يريدون، وليشاع العلم بأيّة وسيلة كانت فليس كل ذلك مهماً ومطروحاً للدين.

وهذا هو سر خاتمية الدين الإسلامي وهذا هو سر خلوده، وتمشّيه مع تطور الحياة، وتقدم الحضارات.

والذي يوقفك على ذلك أنّ بيع الدم وشراءه كان من المعاملات المحرّمة ومصداقاً لقوله سبحانه :

( وَلا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُم بَيْنَكُم بِالْبَاطِلِ ) ( البقرة ـ ١٨٨ ).

وذلك لعدم وجود منفعة محلّلة للدم ولذلك قال الشيخ الأعظم الأنصاري في مكاسبه ( ص ٤١ ) :

« تحرم المعاوضة على الدم بلا خلاف » بل عن النهاية وشرح القواعد لفخر الدين والتنقيح: « الاجماع عليه، وتدل عليه الأخبار ».

بيد أنّ تقدم العلوم والحضارة أوجد للدم منفعة محلّلة كبيرة، فعليها تقوم « العملية الجراحية » ومداوة الجرحى عن طريق الحقن الدموية.

ولهذا عادت المعاملة بالدم ـ في هذا العصر ـ معاملة صحيحة، لا بأس بصحّتها وجوازها وليس هذا من قبيل منسوخية الحكم بل لتبدّل الحكم بتبدّل موضوعه كتبدل الخمر إلى الخل.

٢٩٣

وقس على ذلك سائر الاُمور فللإسلام خاصية الاهتمام باللب والجوهر في عامة المجالات وهذا أحد العناصر التي تجعله يساير عامة الحضارات الإنسانية إلى قيام يوم الدين.

٣. الأحكام التي لها دور التحديد :

من الأسباب الموجبة لمرونة هذا الدين وانطباقه على جميع الحضارات الانسانية تشريعه للقوانين الخاصة التي لها دور التحديد والرقابة بالنسبة إلى عامة تشريعاته وقد اصطلح عليها الفقهاء، بالأدلّة الحاكمة، لأجل حكومتها وتقدمها على كلّ حكم ثبت لموضوع بما هو هو. فهذه القوانين الحاكمة، تعطي لهذا الدين مرونة يماشي بها كل حضارة انسانية، مثلاً: قوله سبحانه :

( وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ ) ( الحج ـ ٧٨ ) حاكم على كل تشريع استلزم العمل به حرجاً، لا يتحمل عادة، للمكلف، فهو مرفوع، في الظروف الحرجية، ومثلاً قولهصلى‌الله‌عليه‌وآله : « لا ضرر ولا ضرار » فكل حكم استتبع العمل به ضرراً شديداً، فهو مرفوع في تلك الشرائط، وقس عليهما غيرهما من القوانين الحاكمة.

نعم تشخيص الحاكم عن المحكوم، وما يرجع إلى العمل بالحاكم من الشرائط، يحتاج إلى الدقة والامعان والتفقّه والاجتهاد، ومن رأينا أنّ الموضوع يحتاج إلى التبسط أكثر من هذا، فالى مجال آخر أيها القارئ الكريم.

خاتمة المطاف :

إنّ بعض الكتّاب من الجدد طرح سؤالاً في المقام وجاء بجواب مبهم أوجد قلقاً واستياء في الأوساط العلمية ونحن ننقله بتعريب منّا :

السؤال: إنّكم تذهبون إلى ضرورة التكامل حتى في وجود الشخص النبي وأثبتم أنّ كل موجود يحتاج إلى السير التكاملي، إذن لماذا كان النبي محمد يقول: أنا خاتم

٢٩٤

النبيين ؟

الجواب: لقد أجاب على قسم من هذا الفيلسوف الإسلامي الكبير « محمد اقبال » وأضيف أنا الجواب على بقيته، وهو ما أذهب إليه وأنا مسؤول عنه، فأقول: عندما يقول النبي: « أنا خاتم الأنبياء » لا يريد أن يقول: « إنّ التشريعات التي أتيت بها تكفي البشرية إلى الأبد » بل الخاتمية تريد أن تقول: كان الانسان يحتاج حتى الآن ـ لاستمرار حياته إلى الهداية بما وراء ما يستمده من عقله وما توحيه تربيته البشرية، والآن في هذا العصر ( القرن السابع الميلادي ) وبعد أن أوجدت المدنية اليونانية وحضارة روما والتمدّن الإسلامي، وبعد أن اُنزل القرآن والإنجيل والتوراة، بلغت التربية المذهبية إلى الحد الذي كان لابد منه. وبعد هذا العصر ـ وعلى ضوء هذا القسم من التربية ـ بإمكان الانسان أن يحيى ويتكامل من دون حاجة إلى وحي ونبوّة جديدة وعلى هذا ختمت النبوّة فشقّوا الطريق بأنفسكم.

ولم يظهر لنا ماذا قصد من هذا الجواب وإليك بعض احتمالاته :

١. أن يقصد من قوله: « لا يريد أن يقول انّ التشريعات التي أتيت بها تكفي البشرية إلى الأبد » ما أوضحناه عند البحث عن السؤال الخامس، من أنّه يجب على علماء الاُمّة وفقهائهم عندما يحدث شيء من المشكلات والأزمات في جميع مجالات الحياة من الحوادث التي لم تكن معهودة في عصر صاحب الرسالة، استفراغ الوسع في استنباط أحكامها على ضوء الكتاب والسنّة واطار سائر المصادر الشرعية، فلو أراد هذا فهو حق لا إشكال فيه غير أنّ تلك النظرية لا تختص به ولا بالفيلسوف الإسلامي « محمد اقبال » حتى يكون هو المسؤول فيما ذهب إليه واختار، بل كل مسلم يؤمن بأنّ الإسلام شريعة الله الخالدة الدائمة الكاملة الوافية بحل جميع اُمور الحياة ومشاكلها من اُصولها إلى فروعها.

٢. أن يكون المقصود منه الاعلام بختم النبوّة والرسالة دون ختم التشريع فهو مفتوح لم يوصد بعد، فعلى الاُمّة أن تشرّع من القوانين حسب ما تحتاج إليه عبر الزمان.

٢٩٥

غير أنّ تلك فكرة عليها مسحة مسيحية محجوجة بما دلّت الضرورة والأدلّة على أنّ التشريع من حقوق الله سبحانه على عباده لم يفوّضه لأحد من أفراد الاُمّة.

٣. أن يكون المقصود أنّ هنا أحكاماً ثابتة ومقررات متغيّرة، حسب مقتضيات الزمان ومصالح الوقت، فلو أراد ذلك فقد أوضحنا حاله عند البحث عن السؤال الرابع فلاحظ.

* * *

هذه هي الخاتمية، ودلائلها المشرقة، وشبهاتها الضئيلة، وأسئلتها الهامة، وأجوبتها الرصينة عرضناها للبحث والتنقيب، ولم يكن رائدنا إلّا تبنّي الحقيقة وكشف الغطاء عن وجهها، متحررين من كل رأي سابق لا دليل عليه.

٢٩٦

الفصل الخامس

النبي الاُمّي

في الذكر الحكيم

لم يختلف اثنان من الاُمّة الإسلامية في أنّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله كان اُمّياً لا يحسن القراءة والكتابة قبل بزوغ دعوته لمصلحة صرّح الله بها في الكتاب العزيز وسوف يوافيك بيانها. وصحائف حياته البيضاء أوضح دليل على ذلك، وقد أجمع أهل السير والتاريخ على أنّهصلى‌الله‌عليه‌وآله لم يدخل مدرسة ولم يحضر على أحد للدراسة وتعلّم الكتابة، بل هو منذ نعومة أظفاره، يوم كان في أحضان جده وعمّه إلى أن بلغ الأربعين، لم يحم حول هذه الاُمور وقد تواترت على ذلك كلمات العلماء الأبرار والفطاحل من أئمّة الإسلام، وقد اقتفوا في ذلك أثر كتاب الله العزيز ودونك نصوصه من مواضع مختلفة.

النص الأوّل قوله سبحانه :

( وَمَا كُنتَ تَتْلُوا مِن قَبْلِهِ مِن كِتَابٍ وَلا تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ إِذًا لاَّرْتَابَ المُبْطِلُونَ ) ( العنكبوت ـ ٤٨ ) سبحان الله ما أصرح كلامه وأوضح دلالته.

٢٩٧

هل تجد من نفسك ريباً في أنّه بصدد نفي تلاوة أي كتاب عن نبيّه الأكرم قبل نزول الوحي عليه، وكتابة أي صحيفة عنه، أوليس من القواعد الدارجة بين أئمّة الأدب، أنّ النكرة في سياق النفي تفيد انتفاء الحكم عن كل أفرادها وتعطي شمول السلب كقوله سبحانه:( وَمَن يُهِنِ اللهُ فَمَا لَهُ مِن مُّكْرِمٍ ) ( الحج ـ ١٨ ) وقد قال سبحانه:( وَمَا كُنتَ تَتْلُوا مِن قَبْلِهِ مِن كِتَابٍ ) فأدخل النفي على النكرة وجعلها في سياقه، فإذن المراد من التلاوة المنفية تلاوة مطلق الكتاب كما أنّ المراد من الخط المنفى عنه تسطير أي كتاب وترسيم أي صحيفة تقع في ذهن السامع، فالضمير المتصل بالفعل ( لاتخطه ) عائد إلى ( كتاب ) وكأنّه جل شأنه قال وما كنت تخط كتاباً. وقد وافاك أنّ مثل هذا الكلام لوقوع النكرة في سياق النفي يفيد عموم النفي فالله سبحانه نفى عن نبيه، مطلق التلاوة والكتابة قبل بعثته.

ثمّ إنّه عزّ اسمه، علّل سلب هذا الأمر عن نبيّه بمصلحة أولى وألزم، وهي نفي ريب المبطلين وشك المشككين، إذ لو كان الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله في برهة من عمره تالياً للكتب، وممارساً للصحف، لساغ للبسطاء من اُمّته والمعاندين منهم أن يرتابوا في رسالته وقرآنه، ويلوكوا في أشداقهم بأنّ ما جاء به من الصحف والزبر والسور والآيات، إنّما تلقّاها من الصحف الدينية وقد صاغها وسبكها في قوالب فصيحة، تهتز منها النفوس وترتاح إليها القلوب، فليست لما يدّعيه من نزول الوحي على قلبه، مسحة حق أو لمسة صدق.

وقد حكى سبحانه هذه الفرية الشائنة عن بعض المشركين فقال سبحانه:( وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ هَٰذَا إلّا إِفْكٌ افْتَرَاهُ وَأَعَانَهُ عَلَيْهِ قَوْمٌ آخَرُونَ فَقَدْ جَاءُوا ظُلْمًا وَزُورًا *وَقَالُوا أَسَاطِيرُ الأَوَّلِينَ اكْتَتَبَهَا فَهِيَ تُمْلَىٰ عَلَيْهِ بُكْرَةً وَأَصِيلاً ) ( الفرقان: ٤ ـ ٥ ) فالله سبحانه لقلع جذور الشك عن قلوب السذج من الاُمّة، والمبطلين منهم، صرفه عن تعلّم الكتابة حتى يصبح لنبيّه أن يتلو على رؤوس الاشهاد قوله سبحانه:( قُل لَّوْ شَاءَ اللهُ مَا تَلَوْتُهُ عَلَيْكُمْ وَلا أَدْرَاكُم بِهِ فَقَدْ لَبِثْتُ فِيكُمْ عُمُرًا مِّن قَبْلِهِ أَفَلا تَعْقِلُونَ ) ( يونس ـ ١٦ ).

٢٩٨

يعني يا معشر العرب: أنتم تحيطون خبراً بتاريخ حياتي فإنّي تربيّت بين ظهرانيكم ولبثت فيكم عمراً يناهز الأربعين، فهل رأيتموني أتلو كتاباً أو اخط صحيفة، فكيف ترمونني بالافك الشائن: بأنّه أساطير الأوّلين اكتتبتها، ثم افتريتها على الله، وأعانني على ذلك قوم آخرون.

فلو لم يكن النبي اُمّياً لا يحسن القراءة والكتابة بل كان قارئاً وكاتباً وممارساً لهما على رؤوس الأشهاد، لما أمكن له أن يتحدى الاُمّة العربية وفي مقدمتهم صناديد قريش بقوله:( قُلْ أَنزَلَهُ الَّذِي يَعْلَمُ السِّرَّ فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ إِنَّهُ كَانَ غَفُورًا رَّحِيمًا ) ( الفرقان ـ ٦ ). فلأجل تحقيق هذه المصلحة المهمة، نشأ النبي في أحضان قومه وشب وترعرع إلى أن ناهز الأربعين وهو اُمّي لا يحسن القراءة والكتابة، ولو كان وقتئذ قارئاً وكاتباً وهم اُمّيون لراجت شبهتهم في أنّ ما جاء به نتيجة اطلاع ودرس وأثر نظر في الكتب.

وجاء المفسّرون في المقام بكلمات درية وجمل موضحة للمراد فقال أمين الإسلام في تفسير الآية: « اللام » في قوله:( إِذًا لاَّرْتَابَ المُبْطِلُونَ ) للقسم وفي الكلام حذف، تقديره: ولو خططته بيمينك أو تلوت قبله كتاباً إذاً والله لارتابوا، والمعنى لو كنت تقرأ كتاباً أو تكتبه لوجد المبطلون طريقاً إلى إيجاد الشك في أمرك والقاء الريبة لضعفة الناس في نبوّتك ولقالوا: إنّما تقرأ علينا ما جمعته من كتب الأوّلين فلما ساويتهم في المولد والمنشأ ثمّ أتيت بما عجزوا عنه وجب أن يعلموا أنّه من عند الله تعالى وليس من عندك، إذ لم تجر العادة أن ينشأ الانسان بين قوم يشاهدون أحواله من صغره إلى كبره، ويرونه في سفره وحضره، لا يتعلّم شيئاً من غيره، ثم يأتي من عنده بشيء يعجز الكل عنه وعن بعضه ويقرأ عليهم أقاصيص الأوّلين(١) .

* * *

__________________

(١) مجمع البيان: ج ٤ ص ٢٨٧.

٢٩٩

نظريات شاذة للدكتور الهندي

ثمّ إنّ للدكتور عبد اللطيف الهندي المعاصر ـ في مقال خاص له حول اُمّية النبي الأعظم ـ رأياً شاذاً وقد ألقى مقاله هذا باللغة الانكيلزية في المؤتمر الإسلامي المنعقد في حيدر آباد عام (١٩٦٤) فخرق الاجماع المسلّم بين طوائف المسلمين على أنّهصلى‌الله‌عليه‌وآله كان اُمّياً لا يقرأ ولا يكتب، وخالف الرأي العام وقال إنّهصلى‌الله‌عليه‌وآله لم يكن اُمّياً لا يحسن القراءة والكتابة بل كان يقرأ ويكتب في حداثة سنّه إلى اُخريات أيّامه(١) ولما رأى أنّ تلك النظرية تخالف النص الصريح في القرآن الكريم جاء يتأوّل ظاهر الآية تأويلاً بارداً وقال ما هذا حاصله :

المراد من الكتاب في قوله:( وَمَا كُنتَ تَتْلُوا مِن قَبْلِهِ مِن كِتَابٍ ) إنّما هو الكتب السماوية نظائر التوراة والانجيل النازلة بغير اللغة العربية فلم يكن النبي عارفاً بتلكم اللغات ولا قادراً على تلاوتها وهو غير القول بأنّهصلى‌الله‌عليه‌وآله لم يكن قارئاً ولا كاتباً حتى باللغة العربية التي هي لسان قومه وبيته.

ولا أدري ماذا حمل الكاتب على هذا التأويل إذ لو كان المراد نفي معرفته بهذه الكتب المعينة، لما صح له أن يقول:( مِن كِتَابٍ ) بل كان عليه أن يقول: ما كنت تتلو من قبله الكتاب أو الكتب مشيراً باللام إلى الكتاب أو الكتب المعهودة وقد أتى باللام فيما قصد نفي العرفان بالكتب السماوية عنه فقال تعالى:( وَكَذَٰلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحًا مِّنْ أَمْرِنَا مَا كُنتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلا الإِيمَانُ وَلَٰكِن جَعَلْنَاهُ نُورًا نَّهْدِي بِهِ مَن نَّشَاءُ مِنْ عِبَادِنَا وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَىٰ صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ ) ( الشورى ـ ٥٢ ).

وقال عزّ شأنه:( وَكَذَٰلِكَ أَنزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ فَالَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يُؤْمِنُونَ بِهِ وَمِنْ هَٰؤُلاءِ مَن يُؤْمِنُ بِهِ ) ( العنكبوت ـ ٤٧ ).

__________________

(١) وقد تأثر في نظره عن رجال الكنيسة والتبشير، قال الحداد في كتابه ـ القرآن والكتاب ـ ص ٤١٠ محمد لم يكن اُمّياً بل تاجراً دولياً ومثقفاً ومطّلعاً وبحاثة دينياً

٣٠٠

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

معاوية بالهزيمة الساحقة ، فاستجاب لهم الإمام على كره ، وقد حذّرهم مِنْ أنّها مكيدة وخديعة فلمْ يكن يجدي ذلك معهم وأصروا على فكرتهم.

ولمّا استبان لهم ضلال ما اقترفوه أقبلوا على الإمام وهم يقولون له : إنّا قد كفرنا وتبنا فاعلن توبتك ، وقرّ على نفسك بالكفر لنكون معك ، فأبى (عليه السّلام) فاعتزلوه ، واتّخذوا لهم شعاراً (لا حكم إلاّ لله) ، وانغمسوا في الباطل ، وماجوا في الضلال ؛ فحاربهم الإمام (عليه السّلام) وقضى على الكثيرين منهم ، إلاّ أنّ البقيّة الباقية منهم ظلّت تواصل نشر أفكارها بنشاط ، وقد لعبت دوراً مهمّاً في إفساد جيش الإمام الحسن (عليه السّلام) حتّى اضطر إلى الصلح مع معاوية ، كما كان أكثر الجيش الذي زجّه ابن زياد لحرب الإمام الحُسين مِن الخوارج ، وكانوا موتورين مِن الإمام أمير المؤمنين (عليه السّلام) ، فرووا أحقادهم مِنْ أبنائه الطيّبين في كارثة كربلاء.

الحزب الاُموي :

وهؤلاء يمثّلون وجوه الكوفة وزعماءها ، كقيس بن الأشعث وعمرو بن الحجّاج الزبيدي ، ويزيد بن الحرث وشبث بن ربعي ، وعمرو بن حُريث وعمر بن سعد ، وكانوا يدينون بالولاء لبني اُميّة ، ويرون أنّهم أحقّ بالخلافة وأولى بزعامة الاُمّة مِنْ آل البيت (عليهم السّلام).

وقد لعبوا دوراً خطيراً في فشل ثورة مسلم ، كما زجّوا الناس لحرب الإمام الحُسين.

٤٤١

الشيعة :

وهي التي تدين بالولاء لأهل البيت (عليهم السّلام) ، وترى أنّه فرض ديني ، وقد أخلصت شيعة الكوفة في الولاء لهم ، أمّا مظاهر حبّهم فهي :

1 ـ الخطب الحماسية التي يُمجّدون فيها أهل البيت ويذكرون فضلهم ومآثرهم ، وما شاهدوه مِنْ صنوف العدل والحق في ظلّ حكومة الإمام أمير المؤمنين.

2 ـ الدموع السخية التي يهريقونها حينما يذكرون آلام آل البيت (عليه السّلام) وما عانوه في عهد معاوية مِن التوهين والتنكيل ، ولكنّهم لمْ يبذلوا أيّ تضحية تذكر لعقيدتهم ، فقد كان تشيّعهم عاطفيّاً لا عقائديّاً ، وقد تخلّوا عن مسلم وتركوه فريسة بيد الطاغية ابن مرجانة.

ويروي البلاذري أنّهم كانوا في كربلاء ، وهم ينظرون إلى ريحانة رسول الله (صلّى الله عليه وآله) وقد تناهبت جسمه الشريف السيوف والرماح فكانوا يبكون ، ويدعون الله قائلين : اللّهم انزل نصرك على ابن بنت نبيك. فانبرى إليهم أحدهم فأنكر عليهم ذلك الدعاء ، وقال لهم : هلاّ تهبّون إلى نصرته بدل هذا الدعاء ، وقد جرّدهم الإمام الحُسين (عليه السّلام) مِنْ إطار التشيّع وصاح بهم : «يا شيعة آل أبي سفيان ...».

والحقّ أنّ الشيعة بالمعنى الصحيح لمْ تكن إلاّ فئة نادرة في ذلك العصر ، وقد التحق بعضهم بالإمام الحُسين واستشهدوا معه ، كما زُجّ الكثيرون منهم في ظلمات السجون.

وعلى أيّ حالٍ ، فلمْ يكن المسلمون في الكوفة على رأي واحد وإنّما كانت هناك انقسامات خطيرة بين صفوفهم.

٤٤٢

النصارى :

مِن العناصر التي سكنت الكوفة النصارى ، فقد أقبلوا إليها مِن الحيرة بعد زوال مجدها وقد أقاموا لهم في الكوفة عدّة كنائس ، فقد كانت لهم كنيسة في ظهر قبلة المسجد الأعظم(1) ، وكان لهم أسقفان ؛ أحدهما نسطوري والآخر يعقوبي(2) ، وكانوا طائفتين :

1 ـ نصارى تغلب :

وقد استوطنوا الكوفة عند تخطيطها مع سعد ، وكانت لهذه الطائفة عزّة ومنعة(3) ، وقد رفض أبناؤها دفع الجزية ممّا اضطر عمر أنْ يعاملهم معاملة المسلمين فجعل جزيتهم مثل صدقة المسلمين(4) .

2 ـ نصارى نجران :

نزلوا الكوفة في خلافة عمر ، واستوطنوا في ناحية منها سمّيت محلّة (النجرانية)(5) .

وقد شاركت النصارى مشاركة إيجابية في كثير مِنْ أعمال الدولة ، فقد اتّخذ أبو موسى الأشعري أمير الكوفة كاتباً نصرانياً(6) ، كما ولّى الوليد بن عقبة والي عثمان رجلاً مسيحياً لإدارة شؤون مسجد قريب مِن الكوفة(7) .

__________________

(1) فتوح البلدان / 284.

(2) خطط الكوفة / 35.

(3) تاريخ الطبري.

(4) تاريخ الطبري.

(5) حياة الشعر في الكوفة / 144.

(6) عيون الأخبار 1 / 43.

(7) الأغاني 4 / 184.

٤٤٣

وقد شغل المسيحيون في الكوفة أعمالَ الصيرفة وكوّنوا أسواقاً لها(1) ، وكانت الحركة المصرفية بأيديهم ، كما كانوا يقومون بعقد القروض لتسهيل التجارة ، وكانت تجارة التبادل والصيرفة بأيديهم(2) ، وقد مهروا في الصيرفة ونظّموها على شكل يشبه البنوك في هذا العصر.

وكانت هذه البنوك الأهلية تستقرض منها الحكومة المحلّية الأموال إذا حدثت ثورة في القطر ، فكانت الأموال توزّع على أعضاء الثورة لإخمادها. وقد استقرض منها ابن زياد الأموال فوزّعها على وجوه الكوفة وأشرافها للقضاء على ثورة مسلم.

وعلى أيّ حالٍ ، فإنّ المجتمع الكوفي كان مزيجاً بين المسلمين والمسيحيين ، وكانت العلاقة بينهما وثيقة للغاية.

اليهود :

واستوطن اليهود الكوفة سنة (20 هـ)(3) ، وقد قدِمَ قسمٌ كبير منهم مِن الحجاز بعد أنْ أجلاهم منها عمر بن الخطاب(4) ، وقد كانت لهم محلّة تُعرف باسمهم في الكوفة ، كما بنوا فيها معابد لهم. ويذكر الرحّالة (بنيامين)

__________________

(1) تاريخ الكوفة / 146 ، يبدأ سوق البنوك والصيرفة مِنْ مسجد سهيل إلى المسجد الأعظم ، كما نصّت على ذلك بعض المصادر.

(2) خطط الكوفة / 146.

(3) نزهة المشتاق في تاريخ يهود العراق ـ يوسف رزق الله غنيمة / 103.

(4) الحياة الاجتماعية والاقتصادية في الكوفة / 105.

٤٤٤

إنّ بالكوفة سبعة آلاف يهودي ، وفيها قبر يسكنه اليهود وحوله كنيس لهم(1) ، وقد زاولوا بعض الحرف التي كان العرب يأنفون منها كالصياغة وغيرها ، وكانت اليهود تحقد على الرسول (صلّى الله عليه وآله) كأعظم ما يكون الحقد ؛ لأنّه أباد الكثيرين منهم وألحق بهم العار والهزيمة. وقد قاموا بدور فعّال ـ فيما يقول بعض المحققين ـ في مجزرة كربلاء تشفّياً مِن النّبي (صلّى الله عليه وآله) بأبنائه وذريته. وبهذا ينتهي بنا الحديث عن بعض الأديان السائدة في الكوفة ، وقد اشترك معظمها في حركات الجهاد وعمليات الحروب في ذلك العصر.

تنظيم الجيش :

واُنشأت الكوفة لتكون معسكراً للجيوش الإسلاميّة ، وقد نُظِّمَ الجيش فيها على أساس قبلي ، كما كانوا مرتّبين وفق قبائلهم ، وكانوا يقسّمون في معسكراتهم باعتبار القبائل والبطون التي ينتمون إليها ، وقد رتّبت كما يلي :

نظام الأسباع :

ووزّع الجيش توزيعاً سباعياً يقوم قبل كلّ شيء على أساس قبلي ، بالرغم مِنْ أنّهم كانوا يُقاتلون في سبيل الله ، إلاّ أنّ الروح القبلية كانت سائدة ولمْ تضعف ، وفيما يلي أنظمتها :

السبع الأول : كنانة وحلفاؤها مِن الأحابيش وغيرهم ، وجديلة وكانوا أعواناً طيّعين للولاة القرشيين منذ إمارة سعد ، وتولّوا بإخلاص

__________________

(1) رحلة بنيامين ترجمة عزار حدّاد / 146.

٤٤٥

عمّال بني اُميّة وولاتهم.

السبع الثاني : قضاعة وغسّان وبجيلة وخثعم وكندة وحضرموت والأزد.

السبع الثالث : مذحج وحِمْيَر وهمدان وحلفاؤهم ، وقد اتّسموا بالعداء لبني اُميّة ، والمساندة الكاملة للإمام علي وأبنائه (عليهم السّلام).

السبع الرابع : تميم وسائر الرباب وحلفاؤهم.

السبع الخامس : أسد وغطفان ، ومحارب وضبيعة ، وتغلب والنمر.

السبع السادس : إياد وعكّ وعبد القيس ، وأهل هجر والحمراء.

السبع السابع : طي(1) .

وتحتوي هذه الأسباع على قطعات قبلية مِن الجيش ، وقد استعمل هذا النظام لأجل التعبئة العامّة للحروب التي جرت في ذلك العصر ، وتوزيع الغنائم عليها بعد العودة مِن الحرب ، وظلّت الكوفة على هذا التقسيم ، حتّى إذا كانت سنة (50 هـ) عمد زياد بن أبيه حاكم العراق فغيّر ذلك المنهج وجعله رباعياً ، فكان على النحو التالي :

1 ـ أهل المدينة : وجعل عليهم عمرو بن حريث.

2 ـ تميم وهمدان : وعليهم خالد بن عرفطة.

3 ـ ربيعة بكر وكندة : وعليهم قيس بن الوليد بن عبد شمس.

4 ـ مذحج وأسد(2) : وعليهم أبو بردة بن أبي موسى.

وإنّما عمد إلى هذا التغيير ؛ لإخضاع الكوفة لنظام حكمه ، كما إنّ الذين انتخبهم لرئاسة الأنظمة قد عُرفوا بالولاء والإخلاص للدولة ، وقد استعان بهم ابن زياد لقمع ثورة مسلم ، كما تولّى بعضهم قيادة الفرق التي

__________________

(1) حياة الشعر في الكوفة / 29 ـ 30.

(2) خطط الكوفة / 15 ـ 16.

٤٤٦

زجّها الطاغية لحرب الإمام الحُسين ، فقد كان عمرو بن حريث وخالد بن عرفطة من قادة ذلك الجيش. أمّا رؤوساء الأنظمة فقد كانت الدولة لا تنتخب إلاّ مِنْ ذوي المكانة الاجتماعية المعروفين بالنّجدة والبسالة والتجربة في الحرب(1) .

ورؤوساء الأرباع يكونون خاضعين للسلطة الحكومية ، كما إنّ اتصال السلطة بالشعب يكون عن طريقهم ، ونظراً لأهميتهم البالغة في المصر ، فقد كتب إليهم الإمام الحُسين يدعوهم إلى نصرته والذبّ عنه(2) .

العرافة :

وكانت الدولة تعتمد على العرفاء(3) ، فكانوا يقومون بأمور القبائل ويوزّعون عليهم العطاء ، كما كانوا يقومون بتنظيم السجّلات العامّة التي فيها أسماء الرجال والنساء والأطفال ، وتسجيل مَنْ يولد ليفرض له العطاء مِن الدولة وحذف العطاء لمَنْ يموت(4) ، كما كانوا مسؤولين عن شؤون الأمن والنظام ، وكانوا في أيّام الحرب يندبون الناس للقتال ، ويحثّونهم على

__________________

(1) تاريخ الطبري 7 / 207.

(2) أنساب الأشراف 5 / 245.

(3) العرفاء : جمع عريف ، وهو مَنْ يعرف أصحابه ، ومنه الحديث (فارجعوا حتّى يرفع إلينا عرفاؤكم أمركم). والعريف : هو القائم باُمور القبيلة والجماعة مِن الناس يلي اُمورهم ، ويتعرّف الأمير منه أحوالهم. جاء ذلك في تاج العروس 1 / 194.

(4) الحياة الاجتماعية والاقتصادية في الكوفة / 53.

٤٤٧

الحرب ، ويخبرون السلطة بأسماء الذين يتخلّفون عن القتال(1) ، وإذا قصّر العرفاء أو أهملوا واجباتهم فإنّ الحكومة تعاقبهم أقسى العقوبات وأشدّها(2) .

ومِنْ أهم الأسباب في تفرّق الناس عن مسلم هو قيام العرفاء في تخذيل الناس عن الثورة ، وإشاعة الإرهاب والأراجيف بين الناس(3) ، كما كانوا السبب الفعّال في زجّ الناس وإخراجهم لحرب الإمام الحُسين (عليه السّلام)(4) .

إلى هنا ينتهي بنا الحديث عن مظاهر الحياة الاجتماعية في الكوفة ، وكان الإلمام بها مِنْ ضرورات البحث ؛ وذلك لما لها مِن الأثر في إخفاق الثورة.

الطاغية ابن مرجانة :

ولا بد لنا أنْ نتعرّف على قائد الانقلاب الطاغية ابن مرجانة فنقف على نشأته وصفاته ، ومخطّطاته الرهيبة التي أدّت إلى القضاء على الثورة ، وإلى القرّاء ذلك.

ولادته :

ولد الطاغية سنة (39 هـ) ، وقد ولد لخلق الكوارث وإشاعة الخطوب في الأرض ، وعلى هذا فيكون عمره يوم قتله لريحانة رسول الله (صلّى الله عليه وآله) (21 سنة) ، ولمْ تعيّن المصادر التي بأيدينا المكان الذي ولد فيه.

__________________

(1) تاريخ الطبري 7 / 226.

(2) الأغاني 2 / 179.

(3) البداية والنهاية 8 / 154.

(4) البداية والنهاية 8 / 284.

٤٤٨

أبواه :

أمّا أبوه فهو زياد بن سُميّة ، وهو مِنْ عناصر الشرّ والفساد في الأرض ، فقد سمل عيون الناس وصلبهم على جذوع النخل ، وقتل على الظنّة والتّهمة وأخذ البريء بذنب السقيم ، وأغرق العراق بالحزن والثكل والحداد.

وأمّا اُمّه مرجانة فكانت مجوسية(1) ، وقد عُرِفَتْ بالبغي ، وقد عرض بها عبيد الله التميمي أمام ابنها عبيد الله فقال : إنّ عمر بن الخطاب كان يقول : اللّهم إنّي أعوذ بك مِن الزانيات وأبناء الزانيات ، فالتاع ابن زياد وردّ عليه : إنّ عمر كان يقول : لمْ يقمْ جنين في بطن حمقاء تسعة أشهر إلاّ خرج مائقاً(2) . وفارق زياد مرجانة فتزوّج بها شيرويه(3) .

نشأته :

نشأ الطاغية في بيت الجريمة ، وقد قطع دور طفولته في بيت زوج اُمّه شيرويه ولمْ يكن مسلماً ، ولمّا ترعرع أخذه أبوه زياد وقد ربّاه على سفك الدماء والبطش بالناس وربّاه على الغدر والمكر ، وقد ورث جميع صفات أبيه الشريرة مِن الظلم والتلذّذ بالإساءة إلى الناس ، وقد كان لا يقلّ قسوة عن أبيه ، وقد قال الطاغية في بعض خطبه : أنا ابن زياد أشبهته مِنْ بين مَنْ وطأ الحصا ، ولمْ ينتزعني شبه

__________________

(1) البداية والنهاية 8 / 284.

(2) البيان والتبيين 2 / 242.

(3) البيان والتبيين 1 / 72.

٤٤٩

خال ولا ابن عمّ(1) . لقد كان كأبيه في شدّته وصرامته في الباطل وتنكّره للحقّ.

صفاته :

أمّا صفاته النفسية فكان مِنْ أبرزها القسوة والتلذّذ بسفك الدماء ، وقد أخذ امرأة مِنْ الخوارج فقطع يديها ورجليها وأمر بعرضها في السوق(2) .

ووصفه الحسن البصري بأنّه غلام سفيه سفك الدماء سفكاً شديداً(3) .

ويقول فيه مسلم بن عقيل : ويقتل النفس التي حرّم الله قتلها على الغضب والعداوة وسوء الظنّ ، وهو يلهو ويلعب كأنّه لمْ يصنع شيئاً.

وكان متكبّراً لا يسمع مِنْ أحد نصيحة ، وقد دخل عليه الصحابي عائذ بن عمرو فقال له : أيّ بُني ، إنّي سمعت رسول الله (صلّى الله عليه وآله) يقول : «إنّ شرّ الرعاء الحطمة(4) ، فإيّاك أنْ تكون منهم».

فلذعه قوله وصاح به : اجلسْ ، إنّما أنت مِنْ نخالة أصحاب رسول الله (صلّى الله عليه وآله). فأنكر عليه عائذ وقال : وهل كان فيهم نخالة؟! إنّما كانت النخالة بعدهم وفي غيرهم(5) .

__________________

(1) تاريخ الطبري.

(2) قصص العرب 1 / 214.

(3) سير أعلام النبلاء 3 / 357.

(4) الحطمة : القاسي الذي يظلم الناس.

(5) البداية والنهاية 8 / 285.

٤٥٠

وعُرف في أثناء ولايته على البصرة بالغشّ للرعية والخديعة لها ، وقد نصحه معقل بن يسار أنْ يترك ذلك ، وقال له : إنّي سمعت رسول الله (صلّى الله عليه وآله) يقول : «ما مِنْ عبد يسترعيه الله ويموت وهو غاش لرعيته إلاّ حرّم الله عليه الجنّة»(1) .

هذه بعض نزعاته وصفاته النفسية ، أمّا صفاته الجسمية فقد كان منها ما يلي :

اللكنة :

ونشأ الطاغية في بيت اُمّه مرجانة ولمْ تكن عربية فأخذ لكنتها ، ولمْ يكن يفهم اللغة العربية ، فقد قال لجماعة : افتحوا سيوفكم ، وهو يريد سلّوا سيوفكم ، وإلى هذا يشير يزيد بن المفرغ في هجائه له :

ويوم فتحتَ سيفك مِنْ بعيدٍ

أضعتَ وكلّ أمركَ للضياعِ

وجرت بينه وبين سويد مشادّة ، فقال له عبيد الله : اجلس على أست الأرض ، فسخر منه سويد وقال : ما كنت أحسب أنّ للأرض أستاً(2) .

وكان لا ينطق بالحاء ، وقد قال لهانئ : أهروري سائر اليوم! يريد أحروري. وكان يقلب العين همزة ، كما كان يقلب القاف كافاً ، فقد قال يوماً : مَنْ كاتلنا كاتلناه ، يريد مَنْ قاتلنا قاتلناه(3) .

__________________

(1) صحيح مسلم 1 / 67.

(2) البيان والتبيين 1 / 73.

(3) البداية والنهاية 8 / 284.

٤٥١

نهمة في الطعام :

ويقول المؤرّخون : إنّه كان نهماً في الطعام ، فكان كلّ يوم يأكل خمس أكلات آخرها جنبة بغل ، ويوضع بين يديه بعد ما يفرغ عناق(1) أو جدي فيأتي عليه وحده(2) .

وكذلك كان مسرفاً في النساء ، فقد بنى ليلة قدومه إلى الكوفة باُمّ نافع بنت عمارة بن عقبة بن أبي معيط(3) . هذه بعض صفاته الجسمية.

ولايته على البصرة :

وأسند إليه معاوية إمارة البصرة وولاّه أمور المسلمين ، وكان في ميعة الشباب وغروره وطيشه ، وقد ساس البصرة كما ساسها أبوه ؛ فكان يقتل على الظنّة والتّهمة ، ويأخذ البريء بالسقيم ، والمقبل بالمدبر.

وقد وثق به معاوية وارتضى سيرته ، وكتب إليه بولاية الكوفة إلاّ أنّه هلك قبل إنْ يبعث إليه بهذا العهد.

__________________

(1) العناق : الاُنثى من أولاد المعز.

(2) نهاية الإرب 3 / 343.

(3) مرآة الزمان / 285.

٤٥٢

أحقاد يزيد على ابن مرجانة :

وكان يزيد ناقماً على ابن مرجانة كأشدّ ما يكون الانتقام ؛ لاُمور كان مِنْ أهمّها :

إنّ أباه زياداً كان مِن المنكرين على معاوية ولايته ليزيد ؛ لاستهتاره وإقباله على اللّهو والمجون ، وقد أراد يزيد أنْ يعزل عبيد الله مِن البصرة ويجرّده مِن جميع الامتيازات ، إلاّ أنّه لمّا أعلن الإمام الحُسين (عليه السّلام) الثورة وبعث سفيره مسلماً لأخذ البيعة مِنْ أهل الكوفة ، أشار عليه سرجون بأنْ يقرّه على ولاية البصرة ويضمّ إليه الكوفة ، ويندبه للقضاء على الثورة فاستجاب له يزيد.

وقد خلص العراق بأسره لحكم ابن زياد فقبض عليه بيد مِنْ حديد ، واندفع كالمسعور للقضاء على الثورة ؛ ليحرز بذلك ثقة يزيد به وينال إخلاص البيت الاُموي له.

مخطّطات الانقلاب :

وبالرغم مِنْ حداثة سن ابن زياد فإنّه كان مِنْ أمهر السياسيين في الانقلابات ، وأكثرهم تغلّباً على الأحداث ، وقد استطاع بغدره ومكره أنْ يسيطر على حامية الكوفة ، ويقضي على جذور الثورة ويخمد نارها.

وقد كانت أهمّ مخطّطاته ما يلي :

1 ـ التجسّس على مسلم والوقوف على جميع شؤون الثورة.

2 ـ نشر أوبئة الخوف : وقد أثار جوّاً مِن الفزع والإرهاب لمْ تشهد له الكوفة نظيراً ، وانشغل الناس بنفوسهم عن التدخّل في أيّ شأن مِن الشؤون السياسية.

3 ـ بذل المال للوجوه والأشراف : وقد صاروا عملاء عنده يوجههم

٤٥٣

حيثما شاء ؛ وقد أفسدوا عشائرهم وألحقوا الهزيمة بجيش مسلم.

4 ـ الاحتيال على هانئ بإلقاء القبض عليه : وهو أمنع شخصية في المصر ، وقد قضى بذلك على أهمّ العناصر الفعّالة في الثورة.

هذه بعض المخطّطات الرهيبة التي استطاع أنْ يسيطر بها الطاغية على الموقف ، ويقضي على الثورة ويزجّ حامية الكوفة إلى حرب ريحانة رسول الله (صلّى الله عليه وآله).

مسلم بن عقيل :

أمّا مسلم بن عقيل فكان مِنْ أعلام التقوى في الإسلام ، وكان متحرّجاً في دينه كأشدّ ما يكون التحرّج ، فلمْ يسلك أيّ منعطف في طريقه ، ولا يقرّ أيّ وسيلة مِنْ وسائل المكر والخداع ، وإنّ توقّف عليها النصر السياسي ، شأنه في ذلك شأن عمّه أمير المؤمنين (عليه السّلام).

بالإضافة إلى ذلك : إنّه لمْ يُبعثْ إلى الكوفة كوالٍ مطلق حتّى يتصرّف حسبما يراه ؛ وإنّما كانت مهمّته محدودة وهي أخذ البيعة للإمام ، والاستطلاع على حقيقة الكوفيين. فإنْ رآهم مجتمعين بعث إلى الإمام الحُسين بالقدوم إليهم ، ولمْ يؤمر بغير ذلك ، وقد أطلنا الحديث في هذه الجهة في البحوث السابقة.

وبهذا ينتهي بنا الحديث عن إخفاق ثورة مسلم التي كانت فاتحة لفاجعة كربلاء ومصدراً لآلامها العميقة ، كما ينتهي بنا الحديث عن الحلقة الثانية مِن هذا الكتاب.

٤٥٤

محتويات الكتاب

المُقدّمة7

مع القاسطين والناكثين 21

الناكثون :24

دوافع التمرّد :24

خديعة معاوية للزبير :26

مؤتمر مكة :26

قرارات المؤتمر :27

تجهيز الجيش بالأموال المنهوبة :27

الخطاب السّياسي لعائشة :28

عائشة مع أُمّ سلمة :29

الزحف إلى البصرة :31

عسكر :31

الحوأب :32

في ربوع البصرة :33

النزاعُ على الصلاة :38

رُسل الإمام (عليه السّلام) إلى الكوفة :38

التقاءُ الجيشين :40

رُسل السّلام :40

الدعوة إلى القرآن :41

الحربُ العامة :42

مصرعُ الزبير :43

مصرعُ طلحة :46

٤٥٥

قيادةُ عائشة للجيش :46

عقرُ الجمل :47

العفو العام :48

متاركُ الحرب :50

القاسطون :51

إيفادُ جرير :53

معاوية مع ابن العاص :53

ردُّ جرير :56

قميصُ عثمان :56

زحفُ معاوية لصفّين :57

زحفُ الإمام (عليه السّلام) للحرب :57

احتلالُ الفرات :58

رسلُ السلام :59

الحربُ :60

منعُ الحسنين (عليهما السّلام) من الحرب :61

مصرعُ عمّار :62

مكيدةُ ابن العاص :65

التحكيمُ :70

وثيقةُ التحكيم :71

رجوعُ الإمام (عليه السّلام) للكوفة :72

مع المارقين :73

اجتماعُ الحكمين :75

تمرّدُ المارقين :81

قتالُ المارقين :83

٤٥٦

مخلّفات الحرب :85

1 ـ انتصار معاوية :85

2 ـ تفلّل جيش الإمام (عليه السّلام) :86

3 ـ احتلال مصر :87

الغارات :89

الغارة على العراق :89

1 ـ عين التّمر :89

2 ـ هيت :90

3 ـ واقصة :92

الغارة على الحجاز واليمن :93

عبثُ الخوارج :95

دعاءُ الإمام (عليه السّلام) على نفسه :96

اُفول دولة الحق 99

مؤتمرُ مكة :103

رأيٌ رخيص :103

اشتراكُ الاُمويِّين في المؤامرة :104

اغتيالُ الإمام (عليه السّلام) :106

الى رفيق الاعلى :109

متاركُ حكومة الإمام (عليه السّلام) :109

خلافةُ الحسن (عليه السّلام) :111

1 ـ الاعتداء على الإمام (عليه السّلام) 113

2 ـ الحكم عليه بالكفر 113

3 ـ الخيانة العظمى 113

4 ـ نهب أمتعة الإمام (عليه السّلام) 114

الصلحُ :114

٤٥٧

موقفُ الإمام الحسين (عليه السّلام) :115

عدي بن حاتم مع الحسين (عليه السّلام) :116

تحوّلُ الخلافة :116

حكومةُ معاوية119

سياسته الاقتصادية :122

الحرمان الاقتصادي :123

1 ـ يثرب :123

2 ـ العراق :125

3 ـ مصر :125

الرفاه على الشام :126

استخدام المال في تدعيم ملكه :126

المنحُ الهائلة لأسرته :127

منح خراج مصر لعمرو :127

هباتُ الأموال للمؤيّدين :128

شراءُ الأديان :128

عجز الخزينة المركزيّة :129

مصادرةُ أموال المواطنين :130

ضريبةُ النيروز :131

نهب الولاة والعمال :131

جبايةُ الخراج :132

اصطفاء الذهب والفضة :132

شلّ الحركة الاقتصادية :133

حجّة معاوية :134

سياسةُ التفريق :134

اضطهادُ الموالي :135

العصبيّة القبلية :137

٤٥٨

سياسة البطش والجبروت :138

احتقارُ الفقراء :140

سياسةُ الخداع :141

إشاعةُ الانتهازيّة :143

الخلاعةُ والمجون :144

إشاعةُ المجون في الحرمين :147

الاستخفافُ بالقيم الدينيّة :148

استلحاقُ زياد :149

إنكارُ الإمام الحُسين (عليه السّلام) :150

الحقدُ على النّبي (صلّى الله عليه وآله) :150

تغييرُ الواقع الإسلامي :153

مع أهل البيت (عليهم السّلام) :154

1 ـ تسخير الوعّاظ :155

2 ـ استخدامُ معاهد التعليم :155

3 ـ افتعال الأخبار 155

حديثُ مفتعل على الحُسين (عليه السّلام) :158

سب الإمام أمير المؤمنين :160

ستر فضائل أهل البيت :162

التحرج من ذكر الإمام :164

مع الشيعة :166

القتل الجماعي 167

إبادة القوى الواعية :167

1 ـ حجر بن عدي :167

مذكرة الإمام الحسين 168

2 ـ رشيد الهجري :169

3 ـ عمرو بن الحمق الخزاعي :170

٤٥٩

مذكّرة الإمام الحُسين :171

4 ـ أوفى بن حصن :171

5 ـ الحضرمي مع جماعته :172

إنكار الإمام الحُسين :172

6 ـ جويرية العبدي :173

7 ـ صيفي بن فسيل :173

8 ـ عبد الرحمن :174

المروّعون مِن أعلام الشيعة :176

1 ـ عبد الله بن هاشم المرقال 176

2 ـ عَدِي بن حاتم الطائي 176

3 ـ صعصعة بن صوحان 176

4 ـ عبد الله بن خليفة الطائي 176

ترويع النّساء :176

هدم دور الشيعة :177

حرمان الشيعة مِن العطاء :177

عدم قبول شهادة الشيعة :178

إبعاد الشيعة إلى الخراسان :178

البيعة ليزيد :178

ولادة يزيد :179

نشأته :180

صفاته :180

ولَعه بالصيد :181

شغفه بالقرود :182

إدمانه على الخمر :183

ندماؤه :184

نصيحة معاوية ليزيد :185

٤٦٠

461

462

463

464

465

466

467

468

469

470

471

472

473

474

475

476

477

478

479

480

481

482

483

484

485

486

487

488

489

490

491

492

493

494

495

496

497

498

499

500

501

502

503

504

505

506

507

508

509

510

511

512

513

514

515

516

517

518

519

520

521

522

523

524

525

526

527

528

529

530

531

532

533

534

535

536

537

538

539

540

541

542

543