مفاهيم القرآن الجزء ٣

مفاهيم القرآن10%

مفاهيم القرآن مؤلف:
الناشر: مؤسّسة الإمام الصادق (عليه السلام)
تصنيف: مفاهيم القرآن
الصفحات: 543

الجزء ١ الجزء ٢ الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥ الجزء ٦ الجزء ٧ الجزء ٨ الجزء ٩ الجزء ١٠
  • البداية
  • السابق
  • 543 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 201812 / تحميل: 6187
الحجم الحجم الحجم
مفاهيم القرآن

مفاهيم القرآن الجزء ٣

مؤلف:
الناشر: مؤسّسة الإمام الصادق (عليه السلام)
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

في معرفة المفسدة كونها مفسدة في عرف العقلاء لا مفسدة في واقع الأمر ، فلو زوّجه باعتقاد عدم وجود المفسدة وتبيّن بعد ذلك وجود المفسدة في نظر العقلاء لم يصح العقد ، ولو تبيّن أنّه خال من المفسدة بالنظر إلى واقع الأمر صحّ العقد إن كان خالياً من المفسدة في نظر العقلاء.

3 ـ إذ تولّى الأب أو الجدّ العقد عن الصغير أو الصغيرة ، مع مراعاة عدم المفسدة فيصح العقد ، ولكن يحتمل مع صحّة العقد ثبوت الخيار للمعقود له ـ بمعنى أنّه يتمكّن من فسخ العقد بعد بلوغه ورشده ـ فلو فسخ بعد بلوغه ورشده فلا يترك الاحتياط بتجديد العقد أو الطلاق.

4 ـ لو زوّج الأب أو الجدّ الصغير وكان الصغير لا مال له كان المهر على الوليّ ، وإن كان للطفل مالاً : فإمّا أن يضمنه الولي ، أو لا ، فلو ضمنه كان المهر عليه ، وإن لم يضمنه أُخرج من مال الطفل إذا لم يكن أزيد من المهر المتعارف ، أو كان أزيد لكن وجد الولي المصلحة في تزويجه بهذا المقدار من المهر ، وأمّا إن لم يرى الولي المصلحة في تزويجه بأكثر من المهر المتعارف توقّف ثبوت المهر المسمّى في مال الطفل على إجازته بعد البلوغ ، فإن لم يُجز لم يثبت في ذمّته إلاّ مهر المثل ، أي المتعارف لمن كان له شأن كشأنه.

5 ـ إذا زوّج الوليّ من كان وليّاً عنه لمن له عيب ، فلو كان العيب يؤدّي إلى إيصال مفسدة إليه فتكون صحّته متوقّفة على إجازته بعد البلوغ ، وإن كان خالياً من المفسدة وقع العقد صحيحاً ، نعم إذا كان من العيوب المجوّزة للفسخ ثبت الخيار للمولّى عليه بعد كماله ، كما يثبت للولي قبله إذا كان جاهلاً بالحال.

6 ـ لو جعل الأب أو الجدّ قيّماً على الصغير أو الصغيرة وجعلا له ولاية مطلقة

١٠١

عليهما فلا تكفي هذه الولاية ولا تشمل تزويجهما ولا تترك مراعاة الاحتياط ، وذلك بالتوافق مع الحاكم الشرعي ، هذا إذا دعت الضرورة إلى تزويجهما.

7 ـ لا ولاية للحاكم الشرعي في تزويج الصغير أو الصغيرة وإذا دعت الضرورة إلى تزويجهما بحيث يؤدّي ترك التزويج إلى المفسدة صارت له الولاية من باب الحسبة ـ أي في خصوص الأُمور التي لا يرضى الشارع بتركها لترتّب المفسدة عليه والتي لا يعيّن أحداً يقوم بها شخصيّاً ـ فيراعي الحاكم حدود الحسبة ، كما إذا اقتضت تزويجه ولو بالعقد المؤقّت لفترة قصيرة لم يتجاوزها إلى مدّة أطول فضلاً عن العقد الدائم ، وهكذا يلاحظ جميع الخصوصيات في هذه الولاية. هذا لو فقد الأب أو الجدّ ، وأمّا مع وجودهما فالأحوط وجوباً أن يتوافق الحاكم الشرعي معهما.

8 ـ يشترط في تزويج الباكر الرشيدة الاستئذان من وليها ، ولا فرق في ذلك بين الزواج الدائم أو المؤقت ، حتّى لو شرط عدم الدخول في ضمن العقد.

9 ـ لا ولاية لأحد على نكاح البالغ الرشيد دائماً أو منقطعاً ، ولا على البالغة الرشيدة إذا كانت ثيّباً ، وأمّا البكر منها فإن كانت مالكة لأمرها ومستقلّة في شؤون حياتها لم يكن لأحد أن يزوّجها من دون رضاها ، والأحوط وجوباً لها أن لا تتزوج إلاّ بإذن أبيها أو جدّها لأبيها ، وإن كانت غير مستقلّة فلا يجوز لها الزواج ولا يصح العقد من دون إذنهما ، والأحوط وجوباً أن لايزوّجاها من دون رضاها.

10 ـ يسقط اعتبار إذن الأب أو الجدّ في نكاح الباكرة الرشيدة إذا منعاها من الزواج بكفئها شرعاً وعرفاً(1) بأن يمنعاها من الزواج على رغم تقدّم الأكفاء

__________________

(1) الكفؤ الشرعي : هو من يُرضى بعقله ودينه لقولهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم « إذا جاءكم من ترضون خلقه ودينه

١٠٢

لخطبتها ، وكذلك إذا رفضاً التدخّل في أمر زواجها مطلقاً(1) ، أو لم يكن لهما صلاحية الولاية عليها بسبب الجنون أو السفاهة ونحو ذلك ممّا يؤدّي إلى سلب صلاحيتهما ، وكذلك يسقط اعتبار الإذن إذا غابا عنها بحيث لا يمكن الاتصال بأحدهما واستئذانه فيه فإنّه يجوز لها الزواج حينئذٍ مع حاجتها المُلِّحة إليه فعلاً من دون إذن أحدهما.

11 ـ البكر هنا : هي من لم يدخل بها زوجها ، فمن تزوّجت ومات عنها زوجها أو طلّقها قبل أن يدخل بها فهي بكر ، وكذلك من ذهبت بكارتها بغير الوطء من وثبة(2) أو نحوها ، بل وإن ذهبت بكارتها بالزنا ، أو بالوطء شبهة أيضاً فهي بمنزلة البكر ، وأمّا من دخل بها زوجها فهي ثيّبة وإن لم يفتضّ بكارتها.

12 ـ يعتبر في الأب والجدّ للأب العقل والإسلام فيما إذا كانت البنت مسلمة ، فلا ولاية للأب الكافر على بنته المسلمة وإن ثبتت على بنته الكافرة.

13 ـ يكفي رضى البنت اللاحق للعقد(3) ، وكذا إذن الولي بعد العقد لتصحيحه إذا كانت البنت مكرهة على العقد حينه ، أو وقع العقد من دون إذن الولي.

__________________

فزوّجوه » وسائل الشيعة 20 : 76. وأمّا الكفؤ العرفي فله مصاديق كثيرة منها : تناسب عمل الخاطب او حرفته مع عمل أب الزوجة أو وليها مثلاً ، أو كونها من ذوات الشرف والعلم وغير ذلك. وفي كثير من الموارد تتحقّق الكفاءة الشرعية دون العرفية.

(1) قد يرفض الأب أو الجد التدخّل في أمر البنت لاختيارها كفؤاً لم يرضيا به ، أو رفضها رجلاً قد ألزمها بالزواج منه فحينما رفضت تركا التدخل في شأن زواجها.

(2) الوثبة : هي القفزة.

(3) أي الرضا الذي يكون بعد العقد.

١٠٣

موجبات فسخ عقد النكاح

1 ـ يحقّ للزوج أن يختار فسخ العقد أو يبقى عليه إذا علم بعد العقد بوجود أحد العيوب الستّة الآتية في الزوجة ، فيكون له الفسخ من دون طلاق ، والعيوب هي :

1) الجنون ولو كان أدواريّاً ، بحيث يصيبها في حين دون آخر ، وليس الإغماء والصرع من الجنون.

2) الجذام : وهو : مرض معدي وخطِر ، سببه عصيّات جرثوميّة خاصة فيها تتيبّس الأعضاء ، ويتناثر اللحم من جراء شدّة الالتهاب ، والدول المعاصرة اليوم تقوم بالاجهزة الصحّية بحجز المصابين بالجذام في مستعمرات خاصة بعيداً عن الآخرين.

3) البرص : وهو بياض يقع في الجسد ، وهو غير البهق الذي يظهر في الجلد نتيجة لقلة صبغة الجلد.

4) العمى : وهو ذهاب البصر عن العينين.

5) العفل : وهو لحم أو عظم ينبت في الرحم ، سواء منع من الحمل أو الوطء في القبل أم لم يمنع.

6) العرج وإن لم يبلغ حدّ الإقعاد والزمانة.

2 ـ لو علم الزوج بأنّ زوجته مفضاة حين العقد فإن رضي بذلك فلا إشكال ، وأمّا إذا فسخ العقد فالأحوط وجوباً له ولزوجته عدم ترتّب أثر الزوجيّة الاّ بعد تجديد العقد وعدم ترتيب آثار الفرقّة إلاّ بعد الطّلاق.

3 ـ العيوب المتقدّمة إذا حدثت بعد العقد فيثبت للزوج حقّ الخيار إمّا بفسخه وإمّا بإمضائه.

١٠٤

الحالات التي يحقّ فيها للزوجة فسخ العقد أو

البقاء عليه

1) إذا كان الزوج مقطوع الذكر بحيث لم يبق منه ما يمكنه الوطء به ، ويسمّى الجبّ.

2) إذا كان الزوج عنّيناً ، والعنّة : هو المرض الذي يمنع من انتشار العضو التناسلي بحيث لا يقدر معه على الإيلاج ، ولها حقّ الخيار سواء كان العنن سابقاً على العقد أو تجدّد بعد العقد وقبل الوطء ، بل وكذا المتجدّد بعد الوطء ولو مرّة.

3) الجنون على إشكال.

4) الإخصاء حين العقد : وهو إخراج الانثيين ، ويسمّى ( سل الانثيين ).

5) الوجاء : وهو رضّ البيضتين بشدّة خارقة تفقد فيها القدرة على العمل.

6) البرص.

7) الجذام.

1 ـ لو اختارت المرأة الفسخ فالأحوط وجوباً أن لا يكون الافتراق الاّ بعد الطلاق ، ولو اختارت البقاء على العقد فالأحوط وجوباً تجديد العقد ، هذا في جميع هذه العيوب المذكورة أخيراً أيّ الجنون ، الإخصاء ، الوجاء ، البرص ، والجذام.

2 ـ يجوز للرجل وكذا المرأة الفسخ لوجود العيب من دون إذن الحاكم الشرعي ، لكن إذا ثبت أن الرجل مصاباً بالعنّة ولم تصبر المرأة على ذلك فلا يحقّ لها الفسخ إلاّ بعد رفع أمرها إلى الحاكم الشرعي ، فيمهل الحاكم الشرعي الرجل سنة ، فلو وطأها أو وطأ غيرها في هذه المدّة فلا فسخ ، وأما إذا لم يتمكّن من الوطأ حتى بعد السنة فيحقّ لها الفسخ فوراً من دون مراجعة الحاكم الشرعي ، ولو علم بشهادة

١٠٥

الطبيب الأخصّائي عدم قدرته على الوطء أبداً فيجوز لها الفسخ مع عدم الانتظار سنة.

3 ـ إذا فسخ الرجل العقد بأحد العيوب الموجودة عند المرأة ، فإن كان الفسخ بعد الدخول استحقّت المرأة تمام المهر وعليها العدّة كما في الطلاق ، وإن كان الفسخ قبل الدخول لم تستحقّ المرأة شيئاً وليس عليها عدّة.

وإذا فسخت المرأة العقد لعيب الرجل استحقّت تمام المهر إن كان بعد الدخول ، وإن كان قبله لم تستحقّ شيئاً إلاّ في العنن فإنّها تستحقّ عليه فيه نصف المهر المسمّى في العقد.

أمّا إذا كان هناك تدليس : ( وهو أن توصف المرأة للرجل عند إرادة التزويج بالسلامة من العيب مع العلم به بحيث صار سبباً لغروره وخداعه ; وكذا مع السكوت عن بيان العيب مع العلم به ، وإقدام الزوج بارتكاز السلامة منه ، فلو ظهر العيب الذي كان مستوراً وكانت المرأة نفسها هي المدلّسة لم تستحق المهر إذا اختار الرجل الفسخ ، وأمّا إذا اختار الرجل البقاء فعلية تمام المهر لها ، وأمّا إن كان المدلّس غير الزوجة فيجب عليه أن يعطي المهر ، فالمهر المسمّى في العقد يستقرّ على الزوج بالدخول ويحقّ له أن يأخذه من المدلّس.

4 ـ يحقّ للزوج أو الزوجة أن يفسخا لثبوت خيار العيب أو خيار التدليس ، فالموارد التي يثبت بها خيار التدليس لا يثبت بها خيار العيب.

الموارد التي يثبت بها خيار التدليس

1) التستّر على عيب أحد الزوجين إذا كان العيب نقصاً في أصل الخلقة ، كالعور ونحوه.

١٠٦

2) زيادة شيء على أصل الخلقة كاللحية عند المرأة مثلاً.

3) الإيهام بوجود صفات كماليّة لا واقع لها ، كالشرف والنسب والجمال والبكارة ونحو ذلك.

4) لو تزوّج المرأة بعنوان أنّها بكر فبانت أنّها ثيّب وفسخ العقد ـ حيث يكون له الفسخ ـ فإن كان الفسخ قبل الدخول بها لا مهر لها ، وإن كان بعده استقر المهر عليه ورجع وأخذه من المدلّس ، وإن كانت هي المدلّس لم تستحقّ شيئاً ، ولو اختار البقاء على الفسخ أو لم يكن له الفسخ كما في صورة اعتقاد البكارة من دون اشتراط أو توصيف أو بناء ، كان له أن ينقص من مهرها بنسبة ما به التفاوت بين مهر مثلها في حال كونها بكراً أو ثيّباً.

١٠٧

اسبابالتحريم

أوّلا ـ النسب : ويحرم لأجله سبعة أصناف من النساء على سبعة أصناف من الرجال :

1 ـ الأُمِّ ، ويندرج تحتها الجدّات وإن علون ، سواء كنّ لأب أو لأُم واحدة ، فتحرم المرأة على ابنها ، وعلى ابن ابنها ، وعلى ابن بنتها ، وابن بنت بنتها ، وابن بنت ابنها ، وابن ابن بنتها ، وهكذا تحرم على كلّ ذكر ينتمي إليها بالولادة ، سواء كان بلا واسطة أم مع الواسطة ، أو وسائط متعدّدة. وسواء كانت الوسائط بينهما ذكوراً أم إناثاً ، أم بعضها ذكوراً وبعضها إناثاً.

2 ـ البنت ، وتشمل الحفيدة ولو بواسطة واحدة أو عدّة وسائط ، فتحرم على أبيها بما في ذلك الجدّ لأب كان أو لأُم ، فتحرم على الرجل بنته ، وبنت ابنه ، وبنت ابن ابنه ، وبنت بنته ، وبنت بنت بنته ، وبنت ابن بنته ، وبنت بنت ابنه ، وهكذا. وبالجملة ، كلّ اُنثى تنتمي إليه بالولادة بلا واسطة ، أم بواسطة ، أو وسائط ، ذكوراً كانوا أو اناثاً ، أو بالاختلاف أي كان بعضهم ذكوراً وبعضهم إناثاً.

3 ـ الأُخت للأب كانت أو للأُمّ أو لهما.

4 ـ بنت الأخ ، سواء كان لأب أم لأُم أم لهما ، وهي كلّ امرأة تنتمي بالولادة إلى أخيه بلا واسطة أو معها وإن كثرت ، سواءً كان الانتماء إليها بالآباء أمْ بالأُمهات أمْ بالاختلاف ، فتحرم عليه بنت أخيه ، وبنت ابنه(1) ، وبنت ابن ابنه ، وبنت بنته ، وبنت

__________________

(1) الضمائر من هنا إلى آخر المسألة تعود على الأخ.

١٠٨

بنت بنته ، وبنت ابن بنته.

5 ـ بنت الأُخت ، وهي كلّ اُنثى تنتمي إلى اُخته بالولادة على النحو الذي ذكر في بنت الأخ.

6 ـ العمّة ، وهي أخت الأب لأب أو لأُم أو لهما ، والمراد بها ما يشمل العاليات أي عمّة الأب وهي أُخت الجد لأب أو لأُم أو لهما معاً ، وعمّة الأُم وهي أخت أبيها لأب أو لأُم أو لهما ، وعمّة الجد للأب والجد للأُمّ ولهما والجدة كذلك ، ومراتب العمّات هي مراتب الآباء فهي كلّ أُنثى تكون أُختاً لأب الشخص أو لذكر ينتمي إليه بالولادة من طرف أبيه أو أُمه أو كليهما.

7 ـ الخالة ، والمراد بها أيضاً ما يشمل العاليات ، فهي كالعمّة إلاّ أنّها اُخت لإحدى اُمّهات الرجل ولو من طرف أبيه ، والعمّة أُخت لأحد أبائه ولو من طرف اُمّه ، فأخت جدّته للأب خالته حيث إنّها خالة لأبيه ، وأُخت جدّه للأُم عمّته حيث أنّها عمّة اُمه.

ملحق للتحريم بالنسب

1 ـ كما يحرم على الرجل الزواج من بعض النساء للنسب الشرعي عن طريق النكاح المشروع ، كذلك يحرم عليه أن يتزوّجهن لارتباطه بهنّ بالنسب غير الشرعي كالزنا ، فلو زنى بالخالة أو العمّة مثلاً قبل أن يعقد على بنتها فتحرم عليه بنتها على الأحوط وجوباً ، وأمّا لو زنى بها بعد العقد لم تحرم عليه بنت الخالة أو العمّة ، والأحوط ـ استحباباً ـ أن لا يتزوّج بها.

2 ـ لو زنى رجل بامرأة ذات بعل ، أو في عدّتها الرجعيّة حرمت عليه مؤبّداً على الأحوط وجوباً ، أمّا لو زنى بامرأة في عدّتها غير الرجعيّة فلا يؤدي الزنا إلى

١٠٩

تحريمها عليه مؤبّداً ، فيمكنه أن يتزوّجها بعد انتهاء عدّتها.

3 ـ لو زنى بامرأة ليس لها زوج ، وليست بذات عدّة ، فلا يجوز له أن يتزوّجها إلاّ بعد توبتها على الأحوط وجوباً ، وأمّا غيره فيجوز له أن يتزوّج منها حتى قبل التوبة ، إلاّ أن تكون مشهورة بالزنا ، فالأحوط وجوباً أن لا يتزوّجها قبل توبتها.

وكذلك الأحوط وجوباً عدم الزواج بالرجل المشهور بالزنا إلاّ بعد توبته ، ولو أراد أن يتزوّج الزانية بعد توبتها صبر قبل الدخول بها مقدار زمن حيضة حتى يطمئن من خلوّ رحمها من ماء الفجور ، سواء كان الذي يريد الزواج منها نفس الزاني أو غيره.

ثانياً : الرضاع ، ولكن ينبغي أن نتعرّف على كيفيّة إثباته بالقرائن الشرعيّة ، ثمّ نتعرّض للأحكام المرتبطة به.

١١٠

كيف يثبت الرضاع

يثبت الرضاع المحرّم بأمرين :

1 ـ إخبار شخص أو أكثر يوجب إخبارهم إمّا العلم بوقوع الرضاع المحرّم ، أو الاطمئنان به.

2 ـ شهادة عدلين على وقوع الرضاع المحرّم ، ولا يثبت ـ على الأحوط وجوباً ـ بشهادة رجل واحد أو بشهادة نساء أربع.

3 ـ لا يكتفى بالشهادة المطلقة ، بل لا بدّ أن تكون مفصّلة بأن يشهد على كون عدد الرضعات خمس عشرة رضعة متواليات ، وأنّ الإرضاع كان بالامتصاص من الثدي لا بغيره ، ولو لم يفصّل الشاهد سئل منه التفصيل.

4 ـ لو شكّ في وقوع الرضاع من أصله أو في تحقّق أحد شرائطه بنى على العدم وإن كان الاحتياط في ترتّب آثار الحرمة حسناً ، وهكذا في حالة الظنّ والاحتمال. ودرجة الشكّ هي خمسون بالمائة ، ودرجة الظنّ ثمانون بالمائة ، والاحتمال ثلاثون بالمائة مثلاً.

شرائط التحريم في الرضاع

إذا أرضعت امرأة ولد غيرها أوجب ذلك حرمة النكاح لعدد من الرجال والنساء ، ولكن يشترط في ذلك التحريم شروط :

١١١

1 ـ أن يكون اللبن الذي في ثدي المرضعة حاصلا لها من ولادة ولد شرعي ، فلو درّ اللبن في ثدي المرأة من دون ولادة أو من ولادة ابن الزنا فلا ينشر ذلك الإرضاع الحرمة.

2 ـ تتحقّق الحرمة بالإرضاع بعد ولادة المرضعة ، سواء وضعت حملها تامّاً أو سقطاً وقد صدق عليه أنّه ولد عرفاً ، وأمّا الرضاع الذي كان سابقاً على الولادة فلا أثر له في التحريم وإن كان قد حصل قبل الولادة.

3 ـ لو ولدت المرأة ولم ترضع فترة ثمّ أرضعت طفلاً ، فإن كانت الفترة قصيرة بحيث صار اللبن مستنداً إلى ولادتها كان موجباً للحرمة وإن علم بجفاف الثدي قبل وجود هذا اللبن المتجدّد ، وأمّا إن كانت الفترة طويلة بحيث لا يصدق على اللبن الثاني استناده للولادة فلا يؤدّي إلى التحريم ، سواء جفّ الثدي قبله أم لا.

4 ـ لا يعتبر في نشر الحرمة بالإرضاع بقاء المرأة في عصمة الرجل ، فلو طلّقها الزوج أو مات وهي حامل منه أو مرضع فأرضعت ولداً كان هذا الإرضاع مؤدّياً للحرمة ، حتّى وإن تزوجت ثانياً ودخل بها ولم تحمل ، أو حملت منه وكان اللبن غير منقطع ، بشرط أن يتمّ الرضاع قبل أن تضع حملها.

5 ـ يشترط في نشر الحرمة حياة المرضعة ، فلا تكون ميتة حال الإرضاع ، ولو أرضعت الطفل بعض الرضعات المعتبرة في التحريم لم تنشر الحرمة ، ولا يضرّ كونها نائمة أو مجنونة أو مكرهة أو مريضة أو قليلة اللبن في ترتّب آثار الحرمة على هذا الإرضاع.

6 ـ لا بدّ أن يكون عمر الطفل ما دون الحولين وهي أربعة وعشرون شهراً هلاليّاً ، فلو رضع وله من العمر أكثر من ذلك ، أو أكمل الرضاع بعد استكمال السنتين فلا يؤدّي ذلك إلى الحرمة.

١١٢

وأمّا المرضعة نفسها فلا يشترط أن تكون ولادتها ما دون الحولين ، فلو مرّ على ولادتها لحملها ـ الذي حصل لها اللبن به ـ أكثر من حولين فلا يؤثّر في عدم نشر الحرمة ، والمقصود من الحولين أربعة وعشرون شهراً هلاليّاً من حين الولادة ، فلو وقعت الولادة في أثناء الشهر يُكمل من الشهر الخامس والعشرين بمقدار ما مضى من الشهر الأوّل ، فلو ولد في العاشر من الشهر مثلاً يكمل حولاه في العاشر من الشهر الخامس والعشرين.

7 ـ لا بدّ أن يكون اللبن خالصاً في فم الطفل غير ممزوج بشيء آخر مائع كاللبن والدم ، أو جامد كفتيت السكر ، فلو كان مخلوطاً لا يؤدّي الإرضاع إلى الحرمة إلاّ إذا كان الخليط مستهلكاً عرفاً.

8 ـ كون اللبن الذي يرتضعه الطفل منتسباً بتمامه إلى رجل واحد ، فإذا طلّق الزوج زوجته وكانت حاملاً أو طلّقها بعد ولادتها منه فتزوّجت برجل آخر وحملت منه وقبل أن تضع حملها أرضعت بلبن ولادتها السابقة من زوجها الأوّل ثمان رضعات مثلاً ، وأكملت بعد وضعها لحملها بلبن ولادتها الثانية من زوجها الأخير بسبع رضعات من دون تخلّل رضاع امرأة اُخرى في البين بأن يتغذّى الولد في هذه المدّة المتخلّلة بالمأكول والمشروب لم ينشر الحرمة.

9 ـ يشترط في الحرمة بالإرضاع أن تكون المرضعة واحدة في جميع الحولين ، فلو أرضعته امرأة ستّ رضعات مثلاً وأرضعته الأُخرى تسع لم تنشر الحرمة.

10 ـ يجب أن تكون الرضاعة مستمرة بحيث ينبت عليها لحم الطفل ويقوى عظمه ، ولو حصل الشكّ في تحقّق الرضاعة الشرعيّة فيكفي استمرارها يوم وليلة ، أو

١١٣

بلوغ الرضاعة خمس عشرة رضعة عدداً ، أمّا لو قطع بعدم إنبات لحم الطفل واشتداد عظمه على هذه الرضاعة أو قطع بعدم بلوغ عدد الرضعات خمس عشرة فالأحوط وجوباً عدم ترتّب آثار انتشار الحرمة.

11 ـ المدار في إنبات لحم الطفل واشتداد عظمه بالرضاعة ما يكون كذلك عرفاً ، لا ما يثبت بالمقاييس العلميّة الدقيقة.

12 ـ لو ارتضع الطفل من مرضعتين وكانت رضعة من هذه ورضعة من الأُخرى إلى أن قوي جسمه ، فإن كانت قوّة جسمه مستندة إلى كلّ واحدة منهما أدّى ذلك إلى الحرمة عليهما معاً ، وأمّا إذا كان استناد قوّة جسمه إليهما معاً ـ أي بمجموع لبنهما ـ فلا يؤدّي ذلك إلى حرمة أيّ واحدة منهما.

13 ـ لو أرضعت امرأة طفلاً رضاعةً كاملة ، ثمّ طلّقها زوجها وتزوّجت برجل آخر وعاد اللبن في ثديها مرة أُخرى فأرضعت به طفلاً آخر أو طفلةً لم تحرم هذه الصبيّة على هذا الصبيّ ، ولا أولادهما على أولاد الآخر ; لاختلاف اللبن وعدم وحدته.

مسائل متفرَّقة تتعلّق بالرضاع

1 ـ الأفضل للمرأة أن تمتنع من إرضاع الأطفال خوفاً من نسيان الرضاعة ، وتحقّق الزواج المحرّم مع عدم التفاتها إلى العلاقة الرضاعيّة ، ولا يجوز لها إرضاع ولد الغير إذا كانت الرضاعة مزاحمة لحقّ زوجها إلاّ أن يأذن لها بذلك.

2 ـ إذا أرضعت المرأة طفلاً لزوج بنتها حرمت البنت على زوجها إلى الأبد وبطل نكاحها ، سواء أرضعته بلبن أبي البنت أم بلبن غيره ، وسواء كان هذا الطفل من بنتها أو ضرّتها ; لأنّ زوج البنت أب للمرتضع وزوجته بنت للمرضعة ، فيحرم على

١١٤

أبي المرتضع أن ينكح من أولاد المرضعة الذين حرموا عليه للنسب.

3 ـ لو أرضعت زوجة الرجل طفلاً لزوج بنته ، سواء كانت البنت أُمّه أو كانت الضرّه ، فالأحوط وجوباً عدم البقاء على الزوجيّة وحرمة النكاح مؤبداً(1) .

4 ـ لو حرمت الزوجة على زوجها ـ كما في المسألتين السابقتين ـ بسبب الرضاع فلا يجوز للزوج تجديد العقد عليها حتّى لو تمّ الرضاع بعد طلاقها ، ولو تمّ الرضاع بعد وفاة الزوجة حرمت عليه أخوات الزوجة فلا يجوز له أن يعقد عليهن.

5 ـ لو أرضعت المرأة طفلاً لابنها فلا تحرم عليه زوجته ، لكن تترتّب الآثار الأُخرى على هذه الرضاعة ، كحرمة المرتضع أو المرتضعة على أولاد عمّه وعمّته لأن يكون عمّاً أو عمةً أو خالا لأولاد المرضعة.

6 ـ لو عقد الولي ابنه الصغير على ابنة أخيه الصغيرة ثمّ أرضعت جدّتهما ـ أي أُمّ الولي أو أُمّ زوجته ـ أحد الصغيرين انفسخ هذا العقد; لأنّ الرضيع إن كان ذكراً وأرضعته جدّته من طرف الأب صار عَمّاً لزوجته ، وإن أرضعته التي من طرف الأُمّ صار خالا لزوجته ، وإن كان المرتضع أُنثى فتكون إمّا عمّةً لزوجها وإمّا خالةً له فيبطل النكاح على أي حال.

7 ـ إذا حصل الرضاع الطارئ المبطل للنكاح ، إمّا أن يبطل نكاح المرضعة نفسها كما إذا أرضعت زوجها الصغير ، وإمّا أن يبطل نكاح المرتضعة كما إذا أرضعت الزوجة الكبيرة المدخول بها ضرّتها الصغيرة ، وإمّا أن يبطل نكاح غيرهما كما إذا أرضعت المرأة طفلاً لزوج بنتها ، ولا يبعد بقاء استحقاق الزوجة للمهر في جميع الفروض المتقدمة إلاّ الفرض الأوّل ، كما إذا أرضعت الزوجة زوجها الصغير وكان

__________________

(1) لأن هذا الرجل أب للمرتضع فتصير زوجته كبنته.

١١٥

الإرضاع وانفساخ العقد قبل الدخول فالأحوط وجوباً استحقاق المرأة المهر ، ولا تضمن المرضعة المهر الذي يغرمه الزوج قبل الدخول ، والأحوط استحباباً التصالح بين المرضعة والزوج.

ما يحرم على المرتضع والمرتضعة

والمرضعة نفسها

1 ـ يحرم على المرتضع عدّة من النساء : المرضعة نفسها ; لأنّها أُمّه من الرضاعة ، واُمّ المرضعة وإن علت ، نسبيّة كانت أم رضاعيّة ؛ لأنّها جَّدته من الرضاعة ، وبنات المرضعة ولادةً; لأنهنّ أخواته من الرّضاعة ، وأمّا بناتها رضاعة ممّن أرضعتهنَّ من لبن شخص آخر غير الذي ارتضع المرتضِع بلبنه فلا يحرمن على المرتضِع ; لعدم اتّحاد صاحب اللبن.

ما يحرم على المرتضعة

1 ـ كما يحرم على المرتضع عدّة نساء ، كذلك يحرم على المرتضعة عدّة رجال : صاحب اللبن ; لأنّه أبوها من الرّضاعة ، وآباؤه من النسب والرضاع ; لأنّهم أجدادها من الرضاعة ، وأولاده من النسب والرضاع وإن نزلوا ; لأنّها أُختهم أو عمّتهم أو خالتهم من الرّضاعة ، وإخوة صاحب اللبن من النسب والرضاع ، لأنّهم أعمامهم من الرضاعة ، وأعمام صاحب اللبن وأخواله ، وأعمام وأخوال آبائه وأُمّهاته(1) من النسب والرضاع ، وإخوة المرضعة من النسب والرضاع وآباؤها كذلك ، وأبناؤها

__________________

(1) أي وأخوال أمهاته.

١١٦

ولادة ، وكذا الأولاد النسبيّين والرضاعيّين من أولاد المرضعة ، وأعمام المرضعة وأخوالها ، وأعمام وأخوال آبائها وأُمهاتها من النسب والرضاع.

2 ـ إذا حرم أحد الطفلين على الآخر بسبب ارتضاعهما من لبن منتسب إلى رجل واحدٍ لم يؤدّ ذلك إلى حرمة إخوة أحدهما على إخوان الآخر ، ولا إلى حرمه الإخوة على المرضعة.

3 ـ لا يجوز الزواج ببنت أخ الزوجة وبنت أُختها من الرضاعة إلاّ برضاها ، كما لا يجوز الزواج بهما من النسب إلاّ برضاها فإن الرّضاع بمنزلة النسب ، وكذلك الأُخت الرضاعيّة بمنزلة الأُخت النسبيّة ، فلا يجوز الجمع بين الأُختين الرضاعيتين كما لا يجوز الجمع بين الأُختين النسبيتين ، ويحرم على مَن ارتكب فاحشة اللواط بنت الملوط وأُمّه وأُخته الرضاعيّات كما هو الحال في النسبيات.

الصور التي لم تحرم بها المرأة على زوجها

بسبب الإرضاع

1 ـ لا تحرم المرأة على زوجها إذا أرضعت بلبنه طفلاً من أقربائها ، سواء كان الطفل أخاها أو أحد أولاد أخيها ، أو أُختها أو أحد أولاد اُختها ، أو عمّها أو خالها أو أولادهما ، أو عمّتها أو خالتها أو أولادهما ، أو ابن ابنها.

وكذلك لا تحرم المرأة على زوجها إذا أرضعت بلبنه من كان من أقربائه كأخيه أو أُخته أو عمّه أو عمّته أو خاله أو خالته أو ولد بنته من زوجته الأُخرى أو ولد أُخته.

2 ـ لا تحرم المرأة على زوجها لو أرضعت ولد ولدها ، وان صارت بذلك جدّة لولد زوجها ، ومثله أن ترضع إحدى زوجتي الشخص ولد ولد الأخرى ، فإنّ الأخرى

١١٧

تصير جدّة لولد زوجها.

3 ـ لو أرضعت المرأة ابن عمّة زوجها أو ابن خالته لا تحرم على زوجها ، ولكنّ الأحوط استحباباً أن لا تتزوّج منه لو طلّقها زوجها أو مات عنها ، وكذلك لا تحرم الزوجة على زوجها إذا ارتضع ابن عمّها من لبن ضرّتها.

4 ـ لا تترتّب على الرضاع أحكام الإرث كما تترتّب على النسب بين الأقرباء.

آداب الرضاع

لقد جعل الله تعالى في لبن الأُمّ ما يقوى به الطفل جسديّاً وروحيّاً ، ولذا نرى الروايات تحث الأُم على إرضاع طفلها ، وأن لا تُوكَل الرّضاعة إلى غير الأُم قدر الإمكان ، فقد ورد عن الإمام أمير المؤمنين عليعليه‌السلام أنّه قال :« ما من لبن رضع به الصبيّ أعظم بركة عليه من لبن أُمّه » (1) .

ولأهميّة عمليّة الإرضاع فصّل أهل البيتعليهم‌السلام الكلام فيه ، وكيف يتمّ الإرضاع الصحيح ، فقد جاء في الرواية الشريفة عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنّه يقول :« إذا وقع الولدُ في بطن أُمّه ـ إلى أن قال ـ : وجعل اللهُ تعالى رزقهُ في ثديي أُمّه ، في أحدهما شرابه وفي الآخر طعامُه » (2) ، لذا ينبغي أن ترضع الأُم أو المرضع من الثديين لا تقتصر على أحدهما.

وروي عن الإمام الصادقعليه‌السلام أنّه قال لأُمّ إسحاق وهي ترضع أحد أولادها :« يا أمّ إسحاق ، لا تُرضعيه من ثديٍ واحد ، وارضعيه من كليهما ، يكون أحدُهما طعاماً

__________________

(1) وسائل الشيعة 21 : 452 ، الحديث 2.

(2) وسائل الشيعة 21 : 453 ، الحديث 2.

١١٨

والآخرُ شراباً » (1) .

وأمّا المدّة المحدّدة للرضاعة في كلام المعصومينعليهم‌السلام فهي واحد وعشرون شهراً ، وإكمال الرضاعة حولين كاملين لقوله تعالى :( وَالوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلاَدَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يُتِمَّ الرَّضَاعَةَ ) (2) ولا ينبغي الإرضاع أكثر من الحولين.

صفات المرضعة

لو اقتضت الضرورة إيكال الرضاعة إلى غير الأُم ، فلا بدّ أن ينظر الأبّ أو من يقوم مقامه في صفات المرضعة التي ترضع ولده ، لما في هذا الأمر من الأهميّة لنشوء الطفل جسماً وروحاً ، ولذا ورد في كلمات المعصومينعليهم‌السلام التأكيد على صفات المرضعة ، فلا يصلح أن يكون لبنها من الزنا ، ولا أن تكون يهوديّة أو نصرانيّة أو مجوسيّة أو ناصبيّة.

وجاء عن أمير المؤمنينعليه‌السلام أنّه قال :« لا تسترضعوا الحمقاء فإنّ اللبن يشبّ عليه » (3) .

وورد عن الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قوله :« لا تسترضعوا الحمقاء ولا العمشاء ، فإنَّ اللبن يعدي » (4) .

والحَمَقُ هو الرعونة ، والعَمَشُ هو مرض يصيب العين يؤدّي إلى سيلان

__________________

(1) وسائل الشيعة 21 : 453 ، الحديث 1.

(2) البقرة 2 : 233.

(3) وسائل الشيعة 21 : 467 ، الحديث 3.

(4) وسائل الشيعة 21 : 467 ، الحديث 4.

١١٩

الدموع منها حتّى يمنع من النّظر بها.

وكما يكره الرضاع بلبن القبيحة فيستحب الرضاع بلبن المرأة الحسناء لما جاء في الأخبار ، فقد جاء عن أبي جعفر الباقرعليه‌السلام أنّه قال :« استرضع لولدك بلبن الحسان ، وإياك والقباح فإنّ اللبن يعدي » (1) .

المصاهرة

ثالثاً ـ المصاهرة :

والمصاهرة هي العلاقة الحاصلة بين أحد الزوجين مع أقرباء الآخر ، الموجِبة لحرمة النكاح ، إمّا بشكل تعييني كحرمة أُم الزوجة على صهرها ، وإمّا بشكل جمعي كحرمة الأُخت على زوج الأُخت ؛ لعدم جواز الجمع بين الأُختين.

1 ـ بمجرّد أن يتمّ العقد ولو منقطعاً بين الزوجين حرمت على أب الزوج زوجة ابنه ، وكذلك على الجد ، سواء كان الجد للأُم أو للأب ، وكذلك زوجة السبط ، أي ابن البنت ، وسواء دخل بها الزوج أو لم يدخل بها ، وسواء كانت حرمة هؤلاء الأفراد لهذه الزوجة قد ثَبَتَتْ سابقاً بالنسب أو بالرضاع أو لم تثبت ، وتكون هذه الحرمة دائميّة للجميع.

2 ـ تحرم على الزوج أُم زوجته وجدّات الزوجة جميعاً ـ سواء كنّ جدّاتها لأبيها أم لإمّها ـ بالنسب أو الرضاع حرمة دائميّة ، وسواء دخل الزوج بزوجته أم لا ، أو عقد عليها مؤقتاً أو دائماً ، صغيرةً كانت أو كبيرة.

3 ـ تحرم على الزوج بنت زوجته التي دخل بها لقوله تعالى :( وَرَبَائِبُكُمْ

__________________

(1) وسائل الشيعة 21 : 468 ، الحديث 1.

١٢٠

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

« إنّ الآية لا تدل على أنّ النبي كان اُمياً بل فيها أنّه لم يكن يكتب الكتاب وقد لا يكتب الكتاب من يحسنه كما لا يكتب من لا يحسنه ».

« ولو دلّت الآية على أنّه لم يكن يحسن الكتابة قبل الايحاء إليه، لدلّت بالمفهوم على أنّه كان يحسنها بعد الايحاء إليه، حتى يكون فرقاً بين الحالتين ولا يكون الاتيان بالقيد ـ قبله ـ لغواً »(١) .

وفي ما أفاده مواقع للنظر :

أوّلاً: ففرق واضح بين من يحسن الكتابة ويتركها، ومن لا يحسنها أصلاً، فانّ من يحسن الكتابة، لا يتركها دائماً، بل يتركها مؤقتاً بسبب ظروف تلم به ولا يصح الاستدلال بتركه مؤقتاً، على أنّه لا يحسنها ولا يستكشف حاله منه، وأمّا من لم يكتب منذ نعومة أظفاره إلى أن بلغ الأربعين بل ناهز الخمسين كما هو الحال بالنسبة إلى نبيّناصلى‌الله‌عليه‌وآله ، فيعد ذلك دليلاً عند العرف على أنّه لا يحسنها أصلاً وبتاتاً.

فالآية حسب ما يفهم منها عرفاً، تدل على أنّهصلى‌الله‌عليه‌وآله كان اُمياً لا يقدر على الكتابة، وقوله سبحانه:( وَمَا كُنتَ تَتْلُوا مِن قَبْلِهِ مِن كِتَابٍ وَلا تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ إِذًا لاَّرْتَابَ المُبْطِلُونَ ) بالنظر إلى ذيله وهو رفع الشك عن قلوب المبطلين، كناية عن كونهصلى‌الله‌عليه‌وآله كان اُمّياً لا يحسن شيئاً من القراءة، لا أنّه كان عارفاً بها ولكنّه تركها لمصلحة أو غيرها.

وثانياً: إنّ استفادة المفهوم من الآية ودلالة القيد ـ من قبله ـ عليه مشكلة جداً وإن قلنا بدلالته على المفهوم في مقام آخر، وذلك أنّ دلالة القيد عليه إنّما هي إذا كان بقاء الحكم وعدمه عند ارتفاع القيد سواسية، فعند ذلك يستدل بأخذ القيد في موضوع الحكم على دخله في الغرض وفي الحكم المذكور في القضية ويكون مرجعه إلى ارتفاع الحكم السابق بارتفاع القيد كما إذا قيل: أكل زيد قبل طلوع الشمس، وأمّا إذا كان بقاء

__________________

(١) التبيان: ج ٨ ص ٢١٦ ط لبنان ويظهر من الآلوسي في تفسيره الاعتماد على هذا الوجه.

٣٢١

الحكم عند ارتفاع القيد أولى في نظر السامع كما في المقام فلا يستنبط منه المفهوم فإنّ من بقى على اُميته حتى ناهز الأربعين بل الخمسين أولى بأن يبقى على تلك الحالة في ما بقي من عمره، فإنّ الرجل إذا لم يحصل على ملكة الكتابة إلى أن ورد في العقد الخامس من عمره لا يحتمل في حقه عادة أن يعود إلى تحصيلها بعد هذه المراحل الطويلة، وعلى ذلك فلا يمكن الاستدلال على رفع الحكم المستفاد من قوله:( مَا كُنتَ تَتْلُوا مِن قَبْلِهِ ) وقوله:( وَلا تَخُطُّهُ ) عند ارتفاع القيد، أي لا يدل على أنّه كان قارئاً وكاتباً بعد بعثته كما هو المقصود.

خلاصة القول: إنّ الآية غير دالة على وضع النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله بعد بزوغ دعوته ولا يدل على شيء من الطرفين والتمسك بمفهوم القيد:( مِن قَبْلِهِ ) إنّما يصح إذا سيق الكلام لأجل افادته والإيماء إلى اختلاف حاله في المقامين وأمّا إذا سيق الكلام لغير هذه الغاية فلا يدل على ما استظهره من المفهوم، فانّ الغاية من الإتيان بالقيد هو الاستدلال باُمّيته قبل نزول الوحي عليه، على صدق مقاله ودعوته فإنّ الاُمّي إذا أتى بكتاب أخرس بفصاحته فرسان البلاغة وقادة الخطابة وسادات القوافي وملوك البيان بل أدهش بقوانينه اساطين القوانين والنظام، يعد كتابه هذا بهذه الأوصاف والنعوت آية على كونه وحياً إلهياً خارجاً عن طوق القدرة البشرية، وأمّا أنّه هل بقي على الاُمّية بعد ما صار نبيّاً يوحى إليه أو لا ؟ فخارج عن هدف هذه الآية وليست له صلة بمرماها ومقصدها وعلى ذلك نظائر في اللغة والعرف.

ولقد أحسن المرتضى، فلم يجعل الآية دليلاً على تغيّر حاله بعد بعثته، وسلك مسلكاً متوسطاً غير ما سلكه استاذه الشيخ المفيد وما قصده تلميذه شيخ الطائفة الطوسي ودونك نقل كلامه :

هذه الآية:( مَا كُنتَ تَتْلُوا مِن قَبْلِهِ مِن كِتَابٍ ) تدل على أنّ النبي ما كان يحسن الكتابة قبل النبوّة فأمّا ما بعدها فالذي نعتقده في ذلك، التجويز لكونه عالماً بالقراءة والكتابة، والتجويز لكونه غير عالم بهما من غير قطع بأحد الأمرين وظاهر الآية يقتضي

٣٢٢

أنّ النفي قد تعلق بما قبل النبوّة دون ما بعدها، ولأنّ التعليل في الآية يقتضي اختصاص النفي بما قبل النبوّة(١) لأنّ المبطلين إنّما يرتابون في نبوّته لو كان يحسن الكتابة قبل النبوّة فأمّا ما بعدها فلا تعلق له بالريبة والتهمة فيجوز أن يكون تعلّمها من جبرئيل بعد النبوّة(٢) .

وكلامه هذا يعرب عن توقفه في المسألة كما هو صريح قوله: « من غير قطع بأحد الأمرين » وما ذكره « ظاهر الآية يقتضي أنّ النفي قد تعلق بما قبل النبوّة دون ما بعدها » صحيح لو أراد بذلك نفي دلالة الآية على أحد الأمرين وأمّا لو أراد به دلالتها على كونه قارئاً وكاتباً بعد فموهون بما أوضحناه عند البحث عن كلام تلميذه الجليل شيخ الطائفة رحمه الله، مع أنّه بعيد عن ظاهر كلامه.

وأمّا ما أفاده من « إنّ المبطلون إنّما يرتابون في نبوّته لو كان يحسن الكتابة قبل النبوّة فأمّا ما بعدها فلا تعلّق له بالريبة والتهمة » غير ثابت ولا ظاهر بل يمكن أن يتطرق الشك إلى نبوّته لو كان يحسنها بعد النبوّة إذا تظاهربها في مرآى ومسمع من الناس، فلاحظ التعليقة السابقة.

٣. الاستدلال بقوله سبحانه:( يَتْلُوا صُحُفًا مُّطَهَّرَةً )

استدل الدكتور عبد اللطيف الهندي بقوله سبحانه:( رَسُولٌ مِّنَ اللهِ يَتْلُوا صُحُفًا مُّطَهَّرَةً *فِيهَا كُتُبٌ قَيِّمَةٌ ) ( البينة: ٢ ـ ٣ ) قال: « إنّه يدل على تحقق التلاوة منهصلى‌الله‌عليه‌وآله أيام رسالته وفي رحاب دعوته ».

لكنّه لا يدل على ما رامه فإنّ التلاوة كما تصدق على التلاوة عن الكتاب، تصدق

__________________

(١) اختصاص التعليل بما قبل النبوّة غير ظاهر بل لو تظاهر النبي بالقراءة والكتابة بعد نبوته، فهو وإن كان يعد معجزة ومفخرة له عند من خلصت نيته، وطهر قلبه، لكنّه يوجب تسلل الشك إلى اُمّيته قبل نبوته عند المبطلين والمشككين فيضلّون ويضلّون، وينشرون الأوهام والأراجيف حول دعوته ورسالته، نعم لو كان عارفاً بها غير متظاهر لصح اختصاص التعليل بما قبل النبوّة.

(٢) مجمع البيان: ج ٨ ص ٢٨٧، مناقب آل أبي طالب: ج ١ ص ١٦١.

٣٢٣

على التلاوة عن ظهر القلب، ويؤيده أنّه لم يرو عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله في أيام رسالته أنّه تلا القرآن عن غير ظهر قلبه، أضف إلى ذلك ما ذكره المفسّرون في « صحف مطهرة » من الاحتمالات التي تخرجها عن محيط هذه الصحف المادية التي يرومها المستدل ومن شاء الاحاطة بها فليرجع إلى التفاسير.

ونظير ذلك قوله سبحانه:( سَنُقْرِئُكَ فَلا تَنسَىٰ * إلّامَا شَاءَ اللهُ إِنَّهُ يَعْلَمُ الجَهْرَ وَمَا يَخْفَىٰ ) ( الأعلى: ٧ ـ ٨ ) إذ معناه: سنقرأ عليك القرآن فلا تنساه ونجعلك قارئاً باذن منه فلا تنسى ما تتلقاه من أمين الوحي، إلّا بمشيئة منه فإنّ الاقراء والانساء كليهما بيده سبحانه، فلا يدل إلّا على تلاوة القرآن وقراءته عن ظهر القلب فقط كما كان هو دأب النبي في تلاوة كل ما اُوحي إليه، وهو غير ما يرومه الدكتور وأمثاله.

قال الزمخشري: بشّر الله تعالى باعطاء آية بيّنة وهي أن يقرأ عليه جبرئيل ما يقرأ عليه من الوحي وهو اُمّي لا يكتب ولا يقرأ فيحفظه ولا ينساه.

وأمّا الاستثناء فلا يدل على تحقق الانساء منه سبحانه بالنسبة إلى الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله بل هو للتنبيه على أنّ الأمر كله بيده، وإن منحت كرامة الحفظ إليهصلى‌الله‌عليه‌وآله فليس بمعنى تفويض الأمر إليه وخروجه عن يد الله سبحانه، بل الأمر في كلا الحالين بيده، فالله الذي جعله قارئاً لا ينسى، قادر على أن يصيره ناسياً لا يحفظ شيئاً، ولا يخطر على روعه شيء، فوزان الاستثناء في هذه الآية وزان الاستثناء في قوله سبحانه:( وَأَمَّا الَّذِينَ سُعِدُوا فَفِي الجَنَّةِ خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَاوَاتُ وَالأَرْضُ إلّا مَا شَاءَ رَبُّكَ عَطَاءً غَيْرَ مَجْذُوذٍ ) ( هود ـ ١٠٨ ).

فلا يدل على تحقق المشيئة في المستقبل منه سبحانه حتى ينافي خلود المؤمنين في الجنة.

٤. الاستدلال بقوله سبحانه:( اكْتَتَبَهَا )

استدل بعض الأعلام بقوله سبحانه:( وَقَالُوا أَسَاطِيرُ الأَوَّلِينَ اكْتَتَبَهَا فَهِيَ تُمْلَىٰ عَلَيْهِ بُكْرَةً وَأَصِيلاً ) ( الفرقان ـ ٥ ) وفسّره في الكشّاف بقوله: اكتتبها: اكتتبها لنفسه

٣٢٤

وأخذها كما تقول: استكب الماء واصطبه: إذا سكبه وصبّه لنفسه وأخذه(١) وكأنّه يريد أن يفهم أنّ زيادة التاء في « اكتتبها » للدلالة على أنّ كتابته كانت لنفسه بخلاف المجرد عنها كقولنا « كتب فلان » فإنّه أعم من أن يكون ذلك لنفسه أو لغيره.

وقال الشيخ الطوسي: اكتتبها هو وانتسخها فهي تملى عليه حتى ينسخها(٢) وجه الاستدلال، أنّ المشركين قالوا: إنّ القرآن أساطير كتبها محمد لا من تلقاء نفسه بل بالإملاء عليه من غير، فقولهم: يكتب الأساطير بإملاء الغير عليه، صريح في أنّه بعد الايحاء إليه كان كاتباً يكتب القرآن، وبما أنّ الكتابة صفة كمال لا ينسبها إليه خصومه كذباً وافتراء فلا بد أن تكون ثابتة له في تلك الحال(٣) .

ولكن ما أقامه من الدليل موهون جداً فإنّ الكتابة وإن كانت صفة كمال إلّا أنّ شهادة الخصم إنّما تدل على اتصافه بها إذا كانت الشهادة صادرة عن خلوص وصفاء وأمّا إذا جعلها ذريعة لإنكار نبوّته، فلا يعد رميه بها دليلاً على صدق النسبة فإنّ القوم لما عجزوا عن الوقيعة في قرآنه ولم يتمكنوا من معارضته ومباراته دخلوا من باب آخر، حتى يفتحوا بذلك باب الريب على نبوّته وكتابه وقالوا إنّ هنا من يملي عليه القرآن بكرة وأصيلاً، وهو يكتب ما يملى عليه ولا هدف لهم من تلك الفرية إلّا التشكيك في نبوّته ونزول الوحي عليه ولولا ذلك لما وصفوه بها ولا بغيرها من الصفات، فإنّ التوصيف، بأدنى مراتب الكمال، يخالف ما يرمون إليه من انتقاصة.

على أنّ هنا في لفظة « اكتتبها » احتمالاً آخر وهو أنّه أمر بالكتابة والاستنساخ، احتمله الرازي بل اختاره وقال: معنى « اكتتب » ههنا، أنّه أمر أن يكتب له كما يقال: « احتجم » و « افتصد » إذا أمر بذلك(٤) .

إلى هنا تم ما وقفنا عليه من الأدلّة القرآنية التي أقامها القائلون على أنّ النبي كان قارئاً وكاتباً بعد نزول الوحي عليه، وقد عرفناك وهن الجميع، ووقفت على ما فيها من

__________________

(١) الكشاف: ج ٢ ص ٤٠٠.

(٢) التبيان: ج ٧ ص ٤٧٢.

(٣) تفسير الآيات المتشابهات: ص ٤٧ ـ ٤٨.

(٤) مفاتيح الغيب: ج ٦ ص ٣٥٣.

٣٢٥

المناقشات.

نعم هناك وجوه عقلية واستحسانات، اعتمد عليها بعض من اختار هذا النظر، ونحن نأتي بها.

٥. الاستدلال بالأولوية :

استدل بها المجلسي وقال إنّهصلى‌الله‌عليه‌وآله كان قادراً على التلاوة والكتابة بالاعجاز وكيف لا يعلم من كان عالماً بعلوم الأوّلين والآخرين، انّ هذه النقوش موضوعة لهذه الحروف، ومن كان قادراً باذن الله على شق القمر وأكبر منه، كيف لا يقدر على نقش الحروف والكلمات على الصحائف والألواح والله تعالى يعلم(١) .

وما ذكره لا يخرج عن حدود الاستحسان إذ من الممكن أن لا يمكنه الله من القراءة والكتابة لمصلحة هو أعلم بها، أو لأجل رفع الريب والشك عن جانب نبوّته كما هو غير بعيد حتى بالنسبة إلى ما بعد النبوّة، إذا تظاهر بالقراءة والكتابة.

٦. التجارة تتوقّف على الكتابة :

قال بعض من عاصرناه: « إنّ المشركين رموه بالكذب والسحر والجنون والفرية ولم ينسبوه إلى الاُمية مع كونها صفة نقص لا سيما للتجار ذوي رحلة الشتاء والصيف، فإذا لم يعيبوه بالاُمّية كان ذلك دليلاً على أنّه كان بعد النبوّة قارئاً وكاتباً »(٢) .

ونناقش ما أفاده :

أوّلاً: إنّ عدم رميهصلى‌الله‌عليه‌وآله بالاُمّية، فلعدم كونها عيباً عندهم، كيف والقوم كانوا جماعة اُمّية وكانت تلك الصفة هي السائدة عليهم، وكان الرامي بها والمرمى إليها في هذا الوصف سواسية.

__________________

(١) بحار الأنوار: ج ١٦ ص ١٣٦.

(٢) تفسير الآيات المتشابهات: ص ٥٠.

٣٢٦

ثانياً: إنّ التجارة وإن كانت تتوقف على القراءة والكتابة في الأوساط المدنية غير أنّ الدارج في البيئات البعيدة عن الحضارات كان غير ذلك، خصوصاً قريش الذين كانت لهم رحلة الشتاء والصيف، فكانوا يبيعون أو يشترون، ويرجعون، من دون أن يبقى لهم أو عليهم شيء.

هذا ما لدى القائلين من الأدلّة على كونهصلى‌الله‌عليه‌وآله قارئاً وكاتباً بعد بزوغ نبوّته، هلم معي ندرس بعض ما وقفنا لهم في المقام من كلمات تؤكد من نقلناه عنهم.

قال الشيخ: « إنّ الحاكم يجب أن يكون عالماً بالكتابة والنبي عليه وآله السلام كان يحسن الكتابة بعد النبوّة وإنّما لم يحسنها قبل البعثة »(١) .

وتبعه ابن ادريس الحلي في باب سماع البيّنات من كتاب القضاء وجاء بعين ما نقلناه عن الشيخ(٢) .

واختاره العلّامة الحلي في كتاب النكاح عن تذكرته عند البحث عن مختصات النبي الأكرم حيث قال: كان يحرم عليه الخط والشعر تأكيداً لحجته وبياناً لمعجزته قال الله تعالى:( وَلا تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ ) وقال تعالى:( وَمَا عَلَّمْنَاهُ الشِّعْرَ ) ( يس ـ ٦٩ ).

وقد اختلف في أنّه هل كان يحسنها أو لا: وأصح قولي الشافعي الثاني وإنّما يتجه التحريم عل الأول(٣) أي على القول بأنّه كان يحسن الكتابة إذ على فرض عدم عرفانه بها، فالتحريم يكون لغواً وتحصيلاً للحاصل.

غير أنّ دلالة الآية على حرمة الكتابة عليه، مبني على كون « لا » في قوله:( وَلا تَخُطُّهُ ) ناهية وهو خلاف الظاهر، خصوصاً بملاحظة سياق الآية أي قوله تعالى:( مَا كُنتَ تَتْلُوا مِن قَبْلِهِ مِن كِتَابٍ ) فإنّه جملة خبرية وهو يقتضي أن تكون الجملة التالية لها أيضاً خبرية لا انشائية.

__________________

(١) المبسوط: كتاب القضاء ج ٨ ص ١٢٠.

(٢) السرائر: باب سماع البيّنات من كتاب القضاء وهو غير مرقم.

(٣) تذكرة الفقهاء: ج ٢ ص ٥٦٦ الطبعة الجديدة المرقمة.

٣٢٧

وقد اقتفى في ذلك قول الشيخ في مبسوطه حيث قال: « وقد خصّ الله نبيّه محمداً بأشياء وميّزه بها عن خلقه أربعة: واجب، ومحظور، ومباح، وكراهة ـ إلى أن قال: ـ وأمّا المحظورات فحظرت عليه الكتابة وقول الشعر وتعليم الشعر »(١) .

اُمّية النبي في الأحاديث :

لقد بان الحق وظهرت الحقيقة من هذا البحث الضافي حول هذه الآيات، فلم نجد آية تدل على أنّهصلى‌الله‌عليه‌وآله بعد بزوغ دعوته، صار قارئاً أو كاتباً.

نعم وردت أحاديث وروايات، رواها الفريقان، ربّما يركن إلى بعضها، ويستدل به على تمكنه من القراءة والكتابة بعد بعثته، بإعجاز منه سبحانه، وإن كان الكل لا يخلو من اشكال ونحن نورد هنا تلكم الأحاديث :

منها: حديث بدء الوحي

ررى أصحاب السير والتفسير :

كان رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله يجاور في حراء من كل سنة شهراً حتى إذا كان الشهر الذي بعثه الله سبحانه فيه خرج رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله إلى حراء حتى إذا كانت الليلة التي أكرمه الله فيها برسالته، جاءه جبرئيل بأمر الله، ولنترك وصف ذلك إلى ما ورد عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله بقوله :

« فجاءني جبرئيل وأنا نائم بنمط من ديباج فيه كتاب فقال: اقرأ ؟ قلت: ما أقرأ ؟ فغتني به(٢) حتى ظننت أنّه الموت، ثمّ أرسلني فقال: اقرأ ؟ قال: قلت: ما أقرأ ؟ قال: فغتني

__________________

(١) راجع المبسوط أوائل كتاب النكاح: ج ٤ ص ١٥٢ ـ ١٥٣.

(٢) كذا في جامع الاُصول والطبري والغت: حبس النفس، وفي صحيح البخاري والمواهب « غطني » وهي بمعنى الغت أيضاً.

٣٢٨

به حتى ظننت أنّه الموت، ثم أرسلني فقال: اقرأ ؟ قال: قلت: ماذا أقرأ ؟ ما أقول ذلك إلّا افتداءاً منه أن يعود لي بمثل ما صنع بي فقال:( اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ *خَلَقَ الإِنسَانَ مِنْ عَلَقٍ *اقْرَأْ وَرَبُّكَ الأَكْرَمُ *الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ *عَلَّمَ الإِنسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ ) قال: فقرأتها ثمّ انتهى، فانصرف، وهببت من نومي، فكأنّما كتبت في قلبي، قال: فخرجت حتى إذا كنت في وسط من الجبل سمعت صوت من السماء يقول: يا محمد أنت رسول الله وأنا جبرئيل، قال: فرفعت رأسي إلى السماء انظر فإذا بجبرئيل في صورة رجل صف قدميه في افق السماء يقول: يا محمد أنت رسول الله وأنا جبرئيل ».

ويظهر من البخاري من صحيحه أنّ جبرئيل نزل بسورة العلق حينما كان النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله يقضاً لا نائماً، وأنّه تحمّل بدء الوحي في حال اليقظة حيث قال: فجاءه الملك فقال: اقرأ ؟ ما أنا بقارئ(١) قال: فأخذني فغطني حتى بلغ منّي الجهد، ثمّ أرسلني فقال: اقرأ ؟ قلت: ما أنا بقارئ فأخذني فغطني الثانية حتى بلغ منّي الجهد ثمّ أرسلني، فقال: اقرأ ؟ فقلت: ما أنا بقارئ، فأخذني فغطني الثالثة، ثمّ أرسلني فقال:( اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ *خَلَقَ الإِنسَانَ مِنْ عَلَقٍ ) .

كلمة حول سند الحديث :

إنّ سند الحديث ينتهي إلى أشخاص ثلاثة يستبعد سماعهم الحديث عن نفس الرسول الأكرمصلى‌الله‌عليه‌وآله ودونك أسمائهم.

١. عبيد بن عمير بن قتادة الليثي، أخرج الحديث عنه ابن هشام في سيرته ج ١ ص ٢٣٥، والطبري في تفسيره ج ٣٠ ص ١٦٢، وتاريخه ج ٢ ص ٣٠٠، وقد ترجم الرجل ابن الاثير في اُسد الغابة ج ٣ص ٣٥٣، وقال ذكر البخاري أنّه رأى النبي وذكر مسلم أنّه ولد على عهد النبي، وهو معدود في كبار التابعين يروي عن عمر وغيره من

__________________

(١) وهذا شاهد على أنّ الملك لم يرد أن يلقنه الآيات ليتابعه في القراءة فإنّ ذلك أمر مقدور للقارئ والاُمّي، ولو أراد هذا كان المناسب أن يقول ماذا أقرأ، بل أراد أن يقرأه النبي بنفسه بلا متابعة.

٣٢٩

الصحابة.

٢. عبد الله بن شداد، أخرج الحديث عنه الطبري في تفسيره ج ٣٠ ص ١٦٢ وفي تاريخه ج ٢ص ٢٩٩. ترجمه ابن الأثير في اُسد الغابة ج ٤ ص ١٨٣. وقال ولد على عهد النبي روى عن أبيه وعن عمر وعلي.

وعلى ذين السندين فالحديث مرسل غير موصول السند إلى النبي الأكرم إذ من البعيد أن يرويا الحديث عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله نفسه.

٣. عائشة اُمّ المؤمنين، أخرج البخاري عنها الحديث في صحيحه ج ١ص ٣ وج ٣ ص ١٧٣ في تفسير سورة العلق والطبري في تفسيره ج ٣٠ ص ١٦١. وعلى ذلك فقد تفردت هي بنقل هذا الحديث، ومن البعيد جداً أن لا يحدث النبي هذا الحديث بغيرها، مع اشتياق غيرها إلى سماع أمثال هذه الأحاديث عنهصلى‌الله‌عليه‌وآله . وعند ذلك يشكل الاستدلال بالحديث جداً.

نعم ورد مضمون الحديث في تفسير الإمام العسكري كما في البحار ج ١٨ ص ٢٠٦ لكن كون التفسير من الإمام فيه كل الشك والريب ونقله من أعلام الطائفة ابن شهر آشوب في مناقبه ج ١ص ٤٠ ـ ٤٤، والمجلسي في بحاره ج ١٨ ص ١٩٦.

توضيح مفاد الرواية :

إنّنا مهما جهلنا بشيء من الأشياء، فلا يمكن أن نجهل بأنّ النبوّة منصب الهي لا يتحمله إلّا الأمثل فالأمثل من الناس، ولا يقوم بأعبائها إلّا من عمر قلبه بالإيمان، وزود بالخلوص والصفاء وغمره الطهر والقداسة، واُعطي مقدرة روحية عظيمة لا يتهيب حين ما يتمثل له رسول ربّه وأمين وحيه، ولا تأخذه الضراعة والخوف عند سماع كلامه ووحيه، وتلك المقدرة لا تفاض من الله على عبد إلّا بعد معدّات ومقدّمات :

منها: شموخ أصلاب آبائه وطهارة أرحام اُمّهاته، حتى ينتقل من صلب شامخ إلى صلب آخر مثله، ومن رحم طيبة إلى اُخرى مثلها.

٣٣٠

منها: البخوع للعبادة، والعكوف على المجاهدات النفسانية والرياضات التي لا تنازع الفطرة، بل تعدل الميول والغرائز وتهديها سبيل الرشاد والسلام.

منها: التفكير في آثار صنعه وعجائب خلقه وبدائع كونه بتعمّق وتدبّر حتى يهديه التفكير في جمال الطبيعة إلى معرفة بارئها معرفة تامة تليق بحال نبيّه.

منها: أن يكون في رعاية أكبر ملك يهديه إلى طرق المكارم ومحاسن الأخلاق كما أشار إليه مولانا أمير المؤمنين في الخطبة القاصعة: « لقد قرن بهصلى‌الله‌عليه‌وآله من لدن ان كان فطيماً، أعظم ملك من ملائكته يسلك به طريق المكارم ومحاسن أخلاق العالم ليله ونهاره، ولقد كنت اتبعه اتباع الفصيل أثر اُمّه، يرفع لي في كل يوم من أخلاقه علماً ويأمرني بالاقتداء به، ولقد كان يجاور في كل سنة بحراء فأراه ولا يراه غيري. ولم يجمع بيت واحد يومئذ في الإسلام غير رسول الله وخديجة وأنا ثالثهما، أرى نور الوحي والرسالة، وأشم ريح النبوّة، ولقد سمعت رنّة الشيطان حين نزل الوحي عليه فقلت: يا رسول الله ما هذه الرنّة ؟ فقال: هذا الشيطان آيس من عبادته إنّك تسمع ما أسمع، وترى ما أرى إلّا أنّك لست بنبي ولكنّك وزير، وأنّك لعلى خير »(١) .

هذا البيان الضافي من أمير الإسلام والبيانعليه‌السلام يؤمي إلى كثير مما ذكرناه من المقدمات، ويرسم لنا صورة اجمالية من حياة النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله الأكرم قبل بعثته وأنّهصلى‌الله‌عليه‌وآله منذ نعومة أظفاره، ومنذ أن فطم من الرضاع، وقع تحت كفالة أكبر ملك يسلك به طريق المكارم، ويرشده إلى معالم الهداية ومدارج الكمال، ويصونه طيلة حياته من طفولته إلى شبابه وإلى كهولته من كل سوء.

هذا البيان يفيدنا بأنّ نفس أي انسان لا تستعد لقبول الوحي إلّا بعد اقتحام عقبات وطي مراحل، وأنّ الملك الأكبر لم يزل يواصل نبي الإسلام ليله ونهاره حتى استعدت نفسه لقبول الوحي، وتمثّل أمينه بين يديه، والقاء كلام ربّه إليه ووعيه له منه، بانطباعه في لوح نفسه، وإذا اقتحم تلكم العقبات وتحققت تلكم المقدمات والمعدات

__________________

(١) نهج البلاغة الخطبة القاصعة ص ٣٧٤ طبع عبده.

٣٣١

وتم الاستعداد، ارتقت نفسه إلى ذلك الحد الأسمى فانحسرت عن قلبه الأغطية وارتفعت عنه الحجب، حيث أخذ يعاين الأشياء على ما هي عليه، ويقف على الحقائق على النحو الذي يليق به ويقدر على تلاوة ما لم يكن قادراً عليها.

وقد تحققت تلك الغاية وبلغت نفسه الشريفة إلى ذلك الحد في الشهر الذي اختاره الله تعالى فيه رسولاً إلى الناس، فجاءه أمين الوحي بلوح برزخي يحتوي على آيات من القرآن الكريم فعرضه على النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله وطلبه منه أن يقرأه فأبى وتجافى عن قراءته قائلاً بأنّه اُمّي لا يقرأ ولا يكتب، وأنّه ماقرأ وما كتب طيلة عمره فغطه الأمين ثلاث مرات فإذا به يقرأ.

نحن لا نعلم كنه هذا الغط ولا نستطيع إدراكه، وليس هو إلّا أثراً مادّياً لأمر معنوي كاماطة الستر عن روحه وقلبه، وهذا أمر طبيعي في مثل هذا الموقف العظيم الجليل الذي تنوء به أجسام وأرواح البشر، فإنّ لكل عمل روحي ولا سيما لمثل كشف الغطاء أثراً خاصاً في أبداننا، والأثر البارز المادي لكشف الغطاء عن قلب النبي ونفسه، هو الغط الذي أحسّه في ذلك الحين، وإلّا فالغط المادي لا مدخلية له في القدرة على القراءة والتلاوة.

هكذا كانت هذه اللحظة الحاسمة من حياتهصلى‌الله‌عليه‌وآله منعطفاً رائعاً إلى مرحلة جديدة، فكشف عنه الغطاء آن الغط، فقدر على قراءة ما لم يقدر عليه فعرف الحروف والنقوش، بل الحقائق فصار أكمل إنسان يطأ الأرض بقدميه، ويعيش في اديمها ويتظلّل بسمائها.

وهذا البيان منضمّاً إلى ما سمعته من حديث بدء الوحي يدفعنا إلى القول بأنّهصلى‌الله‌عليه‌وآله قد انقلبت حاله بعد البعثة بإعجاز من الله سبحانه واقدار منه تعالى. غير أنّ ما ذكرنا مبني على صحة الحديث واتصال سنده إلى النبي ولكنّك عرفت أنّ الحديث مقطوع غير موصول بالنبي الأكرم فلاحظ.

٣٣٢

منها: حديث المطالبة بالقلم والدواة :

أخرجه أصحاب الصحاح والسنن ونقلها أهل السير والأخبار كافة ويكفيك ما أخرجه البخاري عن ابن عباس قال: لما حضر رسول الله وفي البيت رجال منهم عمر بن الخطاب قال النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله : هلم اكتب لكم كتاباً لا تضلّوا بعده، فقال عمر: إنّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله قد غلب عليه الوجع وعندكم القرآن حسبنا كتاب الله، فاختلف أهل البيت فاختصموا، منهم من يقول قربوا يكتب لكم النبي كتاباً لن تضلّوا بعده، ومنهم من يقول ما قال عمر، فلما أكثروا اللغو والاختلاف عند النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله قال لهم رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : قوموا، فكان ابن عباس يقول: إنّ الرزية ما حال بين رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله وبين أن يكتب لهم ذلك الكتاب من اختلافهم(١) .

أخذ المستدل بظاهر الحديث وقال: النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله طلب أن يكتب كتاباً، وظاهره كون الكاتب نفسه لا غير، لكنّه نسى أو تناسى أنّ في الإسناد مجازاً وأنّه من باب كتب الأمير، أو كتب الملك وليس معناه أنّه كتب بنفسه، بل السيرة على أنّ الملك أو الأمير يمليان والكاتب يكتب وينفّذانه بخاتمهما، وكان رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله يملي والكاتب يكتب ولا يكتب بيده، وهكذا كانت سيرة الخلفاء من بعده، ما كانوا يكتبون إلّا في مواقف خاصة.

منها قصة الحديبية :

ملخّصه: لما اعتمر النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله في ذي القعدة فأبى أهل مكة أن يدعوه يدخل مكة حتى قاضاهم على أن يقيم بها ثلاثة أيام، فلما كتبوا الكتاب، هذا ما قاضى عليه محمد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله قالوا: لا نقر بهذا، لو نعلم أنّك رسول لله ما منعناك شيئاً ولكن أنت محمد بن عبد الله، فقال: أنا رسول الله وأنا محمد بن عبد الله، ثمّ قال لعليعليه‌السلام :

__________________

(١) صحيح البخاري: ج ٢ ص ٢٢ كتاب العلم، وأخرجه مسلم في آخر الوصايا في صحيحه: ج ٢ ص ١٤، وأحمد في مسنده: ج ١ ص ٣٢٥ وغيرهم من أعلام الاُمّة.

٣٣٣

امح رسول الله، قال علي: لا والله لا أمحوك أبداً، فأخذ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله الكتاب وليس يحسن يكتب، فكتب هذا ما قاضى محمد بن عبد اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله لا يدخل مكة السلاح إلّا السيف في القراب الخ(١) .

وقد تمسك بظاهر الرواية « أبو الوليد الباجي » فادّعى أنّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله كتب بيده بعد أن لم يكن يكتب، فشنع عليه علماء الأندلس في زمانه ورموه بالزندقة وانّ الذي قاله يخالف القرآن حتى قال قائلهم :

برئت ممّن شرى دنيا بآخرة

وقال إنّ رسول الله قد كتبا

فجمعهم الأمير فاستظهر « الباجي » عليهم بما لديه من المعرفة وقال للأمير: هذا لا ينافي القرآن بل يؤخذ من مفهوم القرآن، لأنّه قيد النفي بما قبل ورود القرآن، فقال:( وَمَا كُنتَ تَتْلُوا مِن قَبْلِهِ مِن كِتَابٍ وَلا تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ إِذًا لاَّرْتَابَ المُبْطِلُونَ ) وبعد أن تحققت اُمنيته وتقررت بذلك معجزته، وأمن الارتياب في ذلك، لا مانع من أن يعرف الكتابة بعد ذلك من غير تعليم فتكون معجزة اُخرى.

وذكر « ابن دحية » أنّ جماعة من العلماء وافقوا الباجي في ذلك منهم شيخه ابن أبي شيبة وعمر بن شبة من طريق مجاهد، عن عون بن عبد الله، قال: ما مات رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله حتى كتب وقرأ، قال مجاهد: فذكرته للشعبي فقال: صدق قد سمعت من يذكر ذلك(٢) .

الجواب عن الاستدلال بالرواية :

إنّ ما رواه البخاري وغيره ممّن جنح إليه على خلاف ما يرتئيه المستدل أدل، فإنّ

__________________

(١) صحيح البخاري: ج ٥ باب عمرة القضاء ص ١٤١، الكامل: ج ٢ ص ١٣٨، مسند أحمد: ج ٤ ص ٢٩٨ ولفظه هكذا: فكتب مكان رسول الله، هذا ما قاضى عليه محمد بن عبد الله إلّا يدخل مكة السلاح إلّا في القراب.

(٢) فتح الباري: ج ٩ ص ٤٤ وأضاف الباجي بأنّ في معرفة الكتاب بعد اُمّيتهصلى‌الله‌عليه‌وآله معجزة اُخرى لكونها من غير تعليم، لاحظ مناهل العرفان: ج ١ ص ٣٥٨.

٣٣٤

قوله: « وأخذ الكتاب وليس يحسن أن يكتب » أصدق شاهد على اُميته.

أضف إلى ذلك ما ورد في بعض الروايات من قول النبي الأعظمصلى‌الله‌عليه‌وآله لعلي: « أرني إيّاها » أو قوله: « فضع يدي عليها » فهو شاهد صدق على بقائه على ما كان عليه من الاُمّية.

ولأعلام الحديث والتاريخ كلمات ضافية حول الرواية تميط الستر عن وجه الحقيقة، فلنأت بما وقفنا عليه.

١. قال ابن حجر: إنّ النكتة في قوله: « فأخذ الكتاب وليس يحسن أن يكتب » هو بيان قوله: « أرني إيّاها » فإنّه ما احتاج إلى أن يريه موضع الكلمة التي امتنع عليعليه‌السلام من محوها، إلّا لكونه لا يحسن الكتابة.

على أنّ قوله بعد ذلك « فكتب » فيه حذف تقدير، أي فمحاها لعلي فكتب وبهذا جزم ابن التين وأطلق « كتب » بمعنى أمر بالكتابة، وهو كثير كقوله: كتب إلى قيصر وكتب إلى كسرى.

وعلى تقدير حمله على ظاهره فلا يلزم من كتابة اسمه الشريف في ذلك اليوم وهو لا يحسن الكتابة، أن يصير عالماً بالكتابة ويخرج عن كونه اُمّياً فإنّ كثيراً ممّن لا يحسن الكتابة، يعرف تصوير بعض الكلمات، ويحسن وضعها بيده وخصوصاً الأسماء ولا يخرج بذلك عن كونه اُمّياً.

واحتمل أن يكون المراد: جرت يده بالكتابة حينئذ وهو لا يحسنها فخرج الكتاب على وفق المراد، فيكون معجزة اُخرى في ذلك الوقت خاصة، ولا يخرج بذلك عن كونه اُمّياً وبهذا أجاب أبو جعفر السمناني أحد أئمّة الاُصول من الأشاعرة وتبعه « ابن الجوزي » وتعقب ذلك السهيلي وغيره بأنّ هذا وإن كان ممكناً ويكون آية اُخرى لكنّه يناقض كونه اُمّياً لا يكتب وهي الآية التي قامت بها الحجة وأفحم الجاحد وان حسمت الشبهة، فلو جاز أن يصير يكتب بعد ذلك لعادت الشبهة، وقال السهيلي والمعجزات يستحيل أن يدفع بعضها بعضاً، والحق أنّ معنى قوله فكتب: أي أمر علياً

٣٣٥

أن يكتب(١) .

٢. قال الحلبي: تمسك بعضهم بظاهر الحديث وقال: إنّ النبي كتب بيده يوم الحديبية معجزة له، مع أنّه لا يقرأ ولا يكتب وجرى على ذلك أبو الوليد الباجي المالكي فشنع عليه علماء الأندلس في زمانه وقالوا: هذا مخالف للقرآن.

ـ إلى أن قال ـ: والجمهور على أنّ الروايات التي فيها « أنّه أخذ الكتاب بيده فكتب » محمول على المجاز أي أمر أن يكتب الكاتب(٢) .

أقول: إنّ لفظة « بيده » ليست في نسخ صحيح البخاري ونص على ذلك الحلبي أيضاً وقوله: « ليس يحسن أن يكتب » الوارد في صحيحه وغيره من المصادر الأصلية(٣) دال على ما نرتئيه في هذا المقال.

نعم رواه البخاري في كتاب الصلح بصورة اُخرى قال: « فلمّا كتبوا الكتاب كتبوا: هذا ما قاضى عليه محمد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، فقالوا: لا نقرّ بها فلو نعلم أنّك رسول الله ما منعناك ـ إلى أن قال ـ: ثم قال لعلي: امح رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله قال: لا والله لا أمحوك أبداً، فأخذ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله الكتاب فكتب: هذا ما قاضى عليه محمد بن عبد الله لا يدخل مكة سلاح إلّا في القراب »(٤) .

إنّ تلك الواقعة قد رويت بصورتين اُخريين، رواهما أعلام السير والتاريخ.

الاُولى: إنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله أمر علياً أن يمحو لفظ « رسول الله » فامتنع علي من محوه فقال رسول الله: أرنيه، فأراه علي، فمحاه بيده الشريفة، ثم أمر علياً أن يكتب ودونك لفظ الرواية: أمر رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله علياً أن يكتب: هذا ما صالح عليه محمد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله

__________________

(١) فتح الباري: ج ٩ ص ٤٥.

(٢) السيرة الحلبية: ج ٣ ص ٢٤ وسيرة زينى دحلان في هامش السيرة: ج ٢ ص ٢١٤ ولكن اللفظ للأخير.

(٣) راجع الأموال: ص ١٥٨ ونقله عن المجلسي في بحاره: ج ٢٠ ص ٣٧١.

(٤) صحيح البخاري: ج ٣ ص ١٨٥ فحذف قوله وليس يحسن يكتب.

٣٣٦

سهيل بن عمرو، فقال: فعلى مَ نقاتل ؟ اكتب اسمك واسم أبيك، فقال: أنا رسول الله وأنا محمد بن عبد الله، فأمر بمحوها فعند ذلك كثر الضجيج واللغط وأشاروا إلى السيوف فقال عليعليه‌السلام ما أنا بالذي أمحوه، فقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ستدعى إلى هذا وأنت مضطهد مقهور(١) إلى أن قال: وضج المسلمون وارتفعت الأصوات وجعلوا يقولون لا نعطي هذه الدنية، وجعل رسول الله يخفضهم ويومي بيده إليهم أن اسكتوا ثمّ قال: أرنيه، فأراه عليٌّعليه‌السلام فمحاه بيده الشريفة ثمّ أمر علياً أن يكتبه.

نعم يظهر من البخاري أنّ النبي محاه من دون أن يريه عليّاعليه‌السلام وربّما يستدل به على تمكّنه من القراءة، فروى في كتاب الصلح: لما صالح رسول الله أهل الحديبية ـ إلى أن قال: ـ فقال لعلي: أمحه، فقال علي: ما أنا بالذي أمحاه، فمحاه رسول الله بيده وصالحهم على أن يدخل(٢) .

ويحتمل أنّه تركه للاختصار، اعتماداً على ما نقله في كتاب « الجزية والموادعة مع أهل الحرب » وقد نقل القصة فيه عن « البراء » هكذا فقالوا: لو علمنا أنّك رسول الله لم نمنعك ولبايعناك ولكن اكتب: هذا ما قاضى عليه محمد بن عبد الله ـ إلى أن قال: ـ فقال لعلي: امح رسول الله، فقال عليٌّ: لا أمحاه أبداً، قال: فأرنيه؟ قال: فأراه إيّاه، فمحاه النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله بيده(٣) .

ومع هذا التصريح لا يعبأ بما نقله من دون هذه الزيادة.

__________________

(١) هذا من أعلام النبوّة فلاقى علي أمير المؤمنين يوم صفين عندما رضوا بالحكمين ما لاقاه رسول الله في هذا اليوم، روى أهل السير والتاريخ أنّ علياً أمر لكاتبه أن يكتب: هذا ما اصطلح عليه أمير المؤمنين علي بن أبي طالبعليه‌السلام ومعاوية بن أبي سفيان، فقال عمرو بن العاص: لو علمنا أنّك أمير المؤمنين ما حاربناك ولكن أكتب: هذا ما اصطلح عليه علي بن أبي طالب، فقال أمير المؤمنينعليه‌السلام : صدق الله وصدق رسوله أخبرني رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله بذلك ثم كتب الكتاب، راجع السيرة الحلبية ج ٣ ص ٢٣.

(٢) صحيح البخاري كتاب الصلح: ج ٣ ص ١٨٤.

(٣) صحيح البخاري كتاب الجزية: ج ٤ ص ١٠٤.

٣٣٧

وروى الشيخ الأكبر المفيد أنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله قال لعلي: فضع يدي عليها، فمحاه رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله بيده وقال لأمير المؤمنينعليه‌السلام ستدعى إلى مثلها فتجيب وأنت على مضض ثم تمم أمير المؤمنينعليه‌السلام الكتاب(١) .

وفي اعلام الورى: قال النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله : امحها يا علي، فقال له: يا رسول الله إنّ يدي لا تنطلق لمحو اسمك من النبوّة. قال: فضع يدي عليها فمحاها رسول الله بيده وقال لعلي: ستدعى إلى مثلها فتجيب وأنت على مضض(٢) .

روى أمين الإسلام الطبرسي القصة بطولها وقال: ثمّ قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله امح رسول الله، فقال: يا رسول الله إنّ يدي لا تنطلق لمحو اسمك من النبوّة، فأخذ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله فمحاه، ثم قال: اكتب: هذا ما قاضى عليه محمد بن عبد الله(٣) .

وعلى هذه الصورة من الرواية: أنّ رسول الله نفسه محا لفظة رسول الله، لكن علياً كتب الكتاب بأمره دون رسول الله.

الثانية: وهي تشترك مع الاُولى في التصريح بأنّ الكتاب كتبه عليعليه‌السلام من بدئه إلى ختمه بأمر رسول الله واملاء منه وتفترق عنها بأنّه ليس فيها عن محو لفظة رسول الله عين ولا أثر.

خلاصتها: أنّه عندما أحسّ الهدوء وانخفضت الأصوات بإيماء منهصلى‌الله‌عليه‌وآله أمر رسول الله علياً أن يكتب هذا ما صالح أو قاضى عليه محمد بن عبد الله فكتب على حسب ما املاه عليه رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ودونك نقل ما رواه الطبري في تاريخه.

قال سهيل: لو شهدت أنّك رسول الله لم اقاتلك ولكن اكتب اسمك واسم أبيك، قال: فقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : اكتب هذا ما صالح عليه محمد بن عبد اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله

__________________

(١) السيرة الحلبية: ج ٣ ص ٢٤ وسيرة زيني دحلان: ج ٢ ص ٢١٢، والارشاد: ص ٦ واللفظ للأخير.

(٢) اعلام الورى: ص ١٠٦.

(٣) مجمع البيان: ج ٩ ص ١١٨ راجع تفسير القمي: ص ٦٣٤.

٣٣٨

وسهيل بن عمرو اصطلحا على وضع الحرب(١) وقريب منه ما رواه البخاري نفسه في موضع آخر(٢) واليعقوبي في تاريخه(٣) والواقدي في مغازيه(٤) وابن هشام في سيرته(٥) وغيرهم من أساطين التاريخ والحديث(٦) ويقرب منه ما رواه الكليني في روضته حيث قال: قال رسول الله لعلي: اكتب: هذا ما قاضى رسول الله وسهيل بن عمرو، فقال سهيل: فعلى مَ نقاتلك يا محمد ؟ فقالصلى‌الله‌عليه‌وآله : أنا رسول الله وأنا محمد بن عبد الله، فقال له الناس أنت رسول الله، قال: اكتب فكتب: هذا ما قاضى عليه محمد بن عبد الله، فقال له الناس: أنت رسول الله(٧) .

فبعد هذا الاتفاق والاصفاق من أعلام التاريخ والحديث والتفسير على أنّ الكتاب كتبه علي باملاء من النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله من أوّله إلى آخره فهل يصح الركون إلى ما تفرد به البخاري وأحمد واعتمد عليهما الجزري في كامله، مع أنّ البخاري نقض ما نقله في باب « عمرة القضاء » في كتاب الصلح على ما عرّفناك.

على أنّ التضارب الصريح الذي نشاهده في نقل البخاري في المقام يمنع النفس عن الركون إليه، فقد اضطرب نقله وكلامه من وجوه :

١. تراه أنّه نقل القصة في موضع هكذا « أخذ رسول الله الكتاب وليس يحسن يكتب، فكتب هذا ما قاضى محمد بن عبد الله »(٨) ، وفي الوقت نفسه ساقها في موضع آخر من كتابه بنفس اللفظ السابق، ولكنه حذف قوله: « وليس يحسن يكتب »(٩) .

٢. تراه أنّه يصرح بأنّ النبي أمحا لقبه بإراءة عليعليه‌السلام حيث يقول: فقال لعلي: امحه، فقال عليعليه‌السلام لا أمحاه أبداً، قال: فأرينه ؟ قال: فأراه إيّاه فمحاه النبي بيده(١٠) .

__________________

(١) تاريخ الطبري: ج ٢ ص ٢٨١.

(٢) صحيح البخاري كتاب الصلح: ج ٣ ص ١٩٥.

(٣) تاريخ اليعقوبي: ج ٢ ص ٤٥.

(٤) المغازي: ج ٢ ص ٦١٠.

(٥) السيرة: ج ٢ ص ٣١٧.

(٦) راجع صحيح مسلم: ج ٥ ص ١٧٤.

(٧) روضة الكافي: ص ٣٢٦.

(٨) صحيح البخاري: ج ٥ ص ١٤١.

(٩) نفس المصدر: ج ٣ ص ١٨٥.

(١٠) صحيح البخاري: ج ٤ ص ١٠٤.

٣٣٩

ومع ذلك تراه ينقل امحاء النبي، من دون أن يشير بأنّه كان بإراءة من علي حيث قال: « فقال لعلي: امح رسول الله، فقال: ما أنا بالذي امحاه، فمحاه رسول الله بيده »(١) .

٣. يظهر منه في موضع أنّ علياً هو الذي كتب اسم النبي بعد امحائه ما امحاه حيث قال: « فقال النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله : والله إنّي لرسول الله وإن كذّبتموني، اكتب محمد بن عبد الله »(٢) .

منها كتاب النبي إلى العذار :

روى البخاري عن العذار بن خالد قال كتب لي النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله : هذا ما اشترى محمد رسول الله من العذار بن خالد بيع المسلم المسلم لا داء ولا خبيئة ولا غائلة(٣) .

ودلالته على أنّهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، كتب الكتاب بنفسه ضعيفة، لا يمكن الركون إليه في هذه المسألة إذ كثيراً ما يسند الفعل إلى الاُمراء والملوك ويراد منه التسبيب لا المباشرة.

كما أنّ الاستدلال على بقاء النبي على ما كانت عليه قبل الدعوة بقوله في الحديث المروي: إنّا اُمّة اُمّية لا نكتب ولا نحسب، ليس بسديد إذ يكفي في صدق مضمونه كون أكثر من بعث إليه اُمّيون لا يكتبون ولا يحسنون.

فذلكة البحث :

ما سردناه لك من الأحاديث في هذه الصحائف، قد رواه الجمهور في صحاحهم، وقد وافاك عدم دلالة كثير منها على ما نرتئيه، غير حديث بدء الوحي ولو صح سنده واعتمدنا على ما تفردت بنقله « عائشة » فإنّما يدل على أنّه سبحانه مكّن عبده من قراءة اللوح الذي كان بيد أمين الوحي، ولم يكن ذاك اللوح، لوحاً مادياً

__________________

(١) المصدر السابق: ج ٣ ص ١٨٥.

(٢) راجع المصدر السابق: ج ٣ ص ١٩٥.

(٣) صحيح البخاري: ج ٣ ص ٧.

٣٤٠

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

461

462

463

464

465

466

467

468

469

470

471

472

473

474

475

476

477

478

479

480

481

482

483

484

485

486

487

488

489

490

491

492

493

494

495

496

497

498

499

500

501

502

503

504

505

506

507

508

509

510

511

512

513

514

515

516

517

518

519

520

521

522

523

524

525

526

527

528

529

530

531

532

533

534

535

536

537

538

539

540

541

542

543