مفاهيم القرآن الجزء ٣

مفاهيم القرآن10%

مفاهيم القرآن مؤلف:
الناشر: مؤسّسة الإمام الصادق (عليه السلام)
تصنيف: مفاهيم القرآن
الصفحات: 543

الجزء ١ الجزء ٢ الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥ الجزء ٦ الجزء ٧ الجزء ٨ الجزء ٩ الجزء ١٠
  • البداية
  • السابق
  • 543 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 201871 / تحميل: 6191
الحجم الحجم الحجم
مفاهيم القرآن

مفاهيم القرآن الجزء ٣

مؤلف:
الناشر: مؤسّسة الإمام الصادق (عليه السلام)
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

مصنف هذا الكتاب له كتاب « الجمعة وما ورد فيه من الاعمال » ، وكتاب « الكوفة وما فيها من الاثار والفضائل » ، وكتاب « أنساب بني نصر بن قعين وأيامهم وأشعارهم » ، وكتاب « مختصر الانوار » و « مواضع النجوم التي سمتها العرب »(1) .

وقد ذكر في ديباجة الكتاب الحوافز التي دعته الى تأليف فهرسه وقال : « فأني وقفت على ما ذكره السيد الشريف ـ أطال الله بقاه وأدام توفيقه ـ من تعيير قوم من مخالفينا أنه لا سلف لكم ولا مصنف ، وهذا قول من لا علم له بالناس. ولا وقف على أخبارهم ، ولا عرف منازلهم وتاريخ أخبار أهل العلم ، ولا لقي أحداً فيعرف منه ولا حجة علينا لمن لا يعلم ولا عرف ، وقد جمعت من ذلك ما استطعته ولم أبلغ غايته ، لعدم أكثر الكتب وانما ذكرت ذلك عذراً الى من وقع اليه كتاب لم أذكره الى أن قال : على أن لاصحابنارحمهم‌الله في بعض هذا الفن كتباً ليست مستغرقة لجميع ما رسم ، وأرجو أن يأتي في ذلك على ما رسم وحُدَّ ان شاء الله ، وذكرت لكل رجل طريقاً واحداً حتى لا يكثر الطرق فيخرج عن الغرض(2) .

اقول : الرجل نقاد هذا الفن ومن أجلائه وأعيانه ، وحاز قصب السبق في ميدانه ، قال العلاّمة في الخلاصة : « ثقة معتمد عليه ، له كتاب الرجال نقلنا منه في كتابنا هذا وغيره أشياء كثيرة ، وتوفي بمطير آباد في جمادي الاولى سنة خمسين واربعمائة وكان مولده في صفر سنة اثنتين وسبعين وثلاثمائة(3) .

وقد اعتمد عليه المحقق في كتاب المعتبر. فقد قال في غسالة ماء الحمام : « وابن جمهور ضعيف جداً ذلك النجاشي في كتاب الرجال »(4) .

__________________

1 ـ رجال النجاسي : الرقم 253.

2 ـ رجال النجاشي : 3.

3 ـ رجال العلامة : 20 ـ 21 ، طبعة النجف.

4 ـ المعتبر : 1 / 92.

٦١

وأطراه كل من تعرض له ، فهو أبو عذر هذا الامر وسابق حلبته كما لا يخفى ، ولكتابه هذا امتيازات نشير اليها :

الاول : اختصاصه برجال الشيعة كما ذكر في مقدمته ، ولا يذكر من غير الشيعي إلا إذا كان عامياً روى عنا ، أو صنف لنا فيذكره مع التنبيه عليه ، كالمدائني والطبري وكذا في شيعي غير امامي فيصرح كثيراً وقد يسكت.

الثاني : تعرضه لجرح الرواة وتعديلهم غالباً استقلالاً أو استطراداً ، ورب رجل وثقه في ضمن ترجمة الغير ، وربما أعرض عن التعرض بشيء من الوثاقة والضعف في حق بعض من ترجمهم.

نعم ، ربما يقال : كل من أهمل فيه القول فذلك آية ان الرجل عنده سالم عن كل مغمز ومطعن ، ولكنه غير ثابت ، حيث ان كتابه ليس الا مجرد فهرس لمن صنف من الشيعة أو صنف لهم دون الممدوحين والمذمومين ، وليس يجب على مؤلف حول الرجال ، أن يتعرض للمدح والذم ، فسكوته ليس دليلاً على المدح ولا على كونه شيعياً امامياً ، وان كان الكتاب موضوعاً لبيان الشيعة أو من صنف لهم ، لكن الاخير ( عدم دلالته على كونه شيعياً امامياً ) موضع تأمل ، لتصريحه بأن الكتاب لبيان تآليف الاصحاب ومصنفاتهم ، فما دام لم يصرح بالخلاف يكون الاصل كونه امامياً.

الثالث : تثّبته في مقالاته وتأمله في افاداته ، والمعروف أنه أثبت علماء الرجال وأضبطهم واضبط من الشيخ والعلاّمة ، لان البناء على كثرة التأليف يقتضي قلة التأمل. وهذا الكلام وان كان غير خال عن التأمل لكنه جار على الغالب.

الرابع : سعة معرفته بهذا الفن ، وكثرة اطلاعه بالاشخاص ، وما يتعلق بهم من الاوصاف والانساب وما يجري مجراهما ، ومن تتبع كلامه عند ذكر الاشخاص يقف على نهاية معرفته بأحوال الرجال وشدة احاطته بما يتعلق بهذا

٦٢

المجال من جهة معاصرته ومعاشرته لغير واحد منهم ، كما يشهد استطراقه ذكر امور لا يطلع عليها الا المصاحب ولا يعرفها غير المراقب الواجد(1) .

وقد حصل له هذا الاطلاع الواسع بصحبته كثيراً من العارفين بالرجال كالشيخ أحمد بن الحسين الغضائري ، والشيخ أحمد بن علي بن عباس بن نوح السيرافي(2) ، وأحمد بن محمد « ابن الجندي »(3) ، وابي الفرج محمد بن علي بن يعقوب بن اسحاق بن ابي قرة الكاتب(4) ، وغيره من نقاد هذا الفن وأجلائه(5) .

الخامس : أنه ألف فهرسه بعد فهرس الشيخ الطوسي بشهادة أنه ترجمه وذكر فيه فهرس الشيخ(6) والسابر في فهرس النجاشي يقف على أنه كان ناظراً لفهرس معاصره ولعل بعض ما جاء فيه ـ مخالفاً لما في فهرس الشيخ ـ كان لغاية التصحيح ، وكان المحقق البروجرديقدس‌سره يعتقد بأن فهرس النجاشي كالذيل لفهرس الشيخ.

وأخيراً نقول : إن المعروف في وفاته هو أنه توفّي عام 450 هـ ، ونص عليه العلاّمة في خلاصته ، لكن القارئ يجد في طيّات الكتاب أنه أرخ فيه وفاة محمد بن الحسن بن حمزة الجعفري عام 463 هـ(7) . ولازم ذلك أن يكون حيّاً الى هذه السنة ، ومن المحتمل أن تكون الزيادة من النسّاخ أو القرّاء ، وكانت

__________________

1 ـ لاحظ ترجمة سليمان بن خالد ، الرقم 484 ، وترجمة سلامة بن محمد ، الرقم 514 ، في نفس الكتاب تجد مدى اطلاعه على أحوال الرجال.

2 ـ رجال النجاشي : الرقم 109.

3 ـ قال في رجاله بالرقم 206 : أحمد بن محمد بن عمران بن موسى ، ابو الحسن المعروف بـ « ابن الجندي » استاذنارحمه‌الله الحقنا بالشيوخ في زمانه.

4 ـ لاحظ رجال النجاشي : الرقم 1066

5 ـ لاحظ سماء المقال : 1 / 59 ـ 66.

6 ـ لاحظ رجال النجاشي : الرقم 1068.

7 ـ لاحظ رجال النجاشي : الرقم 1070.

٦٣

الزيادة في الحاشية ، ثمَّ أدخلها المتأخرون من النساخ في المتن زاعمين أنه منه كما اتفق ذلك في غير مورد.

ثم إن الشيخ النجاشي قد ترجم عدَّة من الرواة ووثقهم في غير تراجمهم ، كما أنه لم يترجم عدَّة من الرواة مستقلا ، ولكن وثقهم في تراجم غيرهم ، ولاجل اكمال البحث عقدنا العنوانين التاليين لئلاً يفوت القارئ فهرس الموثوقين في تراجم غيرهم :

الأول : من لهم تراجم ولكن وثّقوا في تراجم غيرهم.

1 ـ أحمد بن محمد بن محمد بن سليمان الزراري ، وثقه في ترجمة جعفر بن محمد بن مالك ( الرقم 313 ).

2 ـ سلمة بن محمد بن عبدالله الخزاعي ، وثَّقه في ترجمة أخيه منصور بن محمد ( الرقم 1099 ).

3 ـ شهاب بن عبد ربه الاسدي ، وثقه في ترجمة ابن أخيه اسماعيل بن عبد الخالق ( الرقم 50 ).

4 ـ صالح بن خالد المحاملي الكناسي ، وثَّقه في باب الكُنى في ترجمة ابي شعيب المحاملي ( الرقم 1240 ).

5 ـ عمرو بن منهال بن مقلاص القيسي ، وثَّقه في ترجمة ابنه حسن بن عمرو بن منهال ( الرقم 133 ).

6 ـ محمد بن عطية الحناط ، وثقه في ترجمة أخيه الحسن بن عطية الحناط ( الرقم 93 ).

7 ـ محمد بن همام بن سهيل الاسكافي ، وثقه في ترجمة جعفر بن محمد بن مالك الفزاري ( الرقم 313 ).

الثاني : من ليس لهم ترجمة ولكن وثَّقوا في تراجم الغير :

٦٤

1 ـ أحمد بن محمد بن الهيثم العجلي ، وثقه في ترجمة ابنه الحسن ( الرقم 151 ).

2 ـ اسد بن اعفر المصري ، وثقه في ترجمة ابنه داود ( الرقم 414 ).

3 ـ اسماعيل بن أبي السمال الاسدي ، وثقه في ترجمة أخيه إبراهيم ( الرقم 30 ).

4 ـ اسماعيل بن الفضل بن يعقوب النوفلي ، وثقه في ترجمة ابن أخيه الحسين بن محمد بن الفضل ( الرقم 131 ).

5 ـ جعفر بن إبراهيم الطالبي الجعفري ، وثقه في ترجمة ابنه سليمان ( الرقم 483 ).

6 ـ حسن بن ابي سارة الرواسي ، وثقه في ترجمة ابنه محمد ( الرقم 883 ).

7 ـ حسن بن شجرة بن ميمون الكندي ، وثقه في ترجمة اخيه علي ( الرقم 720 ).

8 ـ حسن بن علوان الكلبي ، وثقه في ترجمة اخيه الحسين ( الرقم 116 ).

9 ـ حسن بن محمد بن خالد الطيالسي ، وثقه في ترجمة اخيه عبد الله ( الرقم 572 ).

10 ـ حفص بن سابور الزيّات ، وثقه في ترجمة اخيه بسطام ( الرقم 280 ).

11 ـ حفص بن سالم ، وثقه في ترجمة أخيه عمر ( الرقم 758 ).

12 ـ حيّان بن علي العنزي ، وثقه في ترجمة أخيه مندل ( الرقم 1131 ).

٦٥

13 ـ زكريا بن سابور الزيات ، وثقه في ترجمة أخيه بسطام ( الرقم 280 ).

14 ـ زياد بن سابور الزيّات ، وثقه في ترجمة أخيه بسطام ( الرقم 280 ).

15 ـ زياد بن أبي الجعد الاشجعي ، وثقه في ترجمة ابن ابنه رافع ابن سلمة ( الرقم 447 ).

16 ـ زياد بن سوقة العمري ، وثقه في ترجمة أخيه حفص ( الرقم 348 ).

17 ـ سلمة بن زياد بن أبي الجعد الاشجعي ، وثقه في ترجمة ابنه رافع ( الرقم 447 ).

18 ـ شجرة بن ميمون بن ابي أراكة الكندي ، وثقه في ترجمة ابنه علي ( الرقم 720 ).

19 ـ صباح بن موسى الساباطي ، وثقه في ترجمة أخيه عمار ( الرقم 779 ).

20 ـ عبد الاعلى بن علي أبي شعبة الحلبي ، وثقه في تراجم ابن عمه أحمد بن عمر ( الرقم 245 ) وأخويه عبيدالله ( الرقم 612 ) ومحمد ( الرقم 885 ).

21 ـ عبد الخالق بن عبد ربه الاسدي ، وثقه في ترجمة ابنه اسماعيل ( الرقم 50 ).

22 ـ عبد الرحمن بن أبي عبدالله البصري ، وثقه في ترجمة ابن ابنه اسماعيل بن همام ( الرقم 62 ).

23 ـ عبد الرحيم بن عبد ربه الاسدي ، وثقه في ترجمة ابن اخيه اسماعيل بن عبد الخالق ( الرقم 50 ).

24 ـ عبدالله بن رباط البجلي ، وثقه في ترجمة ابنه محمد ( الرقم 955 ).

٦٦

25 ـ عبدالله بن عثمان بن عمرو الفزاري ، وثقه في ترجمة أخيه حمّاد ( الرقم 371 ).

26 ـ عبد الملك بن سعيد الكناني ، وثقه في ترجمة أخيه عبدالله ( الرقم 565 ).

27 ـ عبد الملك بن عتبة النخعي ، وثقه في ترجمة عبد الملك بن عتبة الهاشمي ( الرقم 635 ).

28 ـ علي بن ابي شعبة الحلبي ، وثقه في ترجمة ابنه عبيدالله ( الرقم 612 ).

29 ـ علي بن بشير ، وثقه في ترجمة أخيه محمد ( الرقم 927 ).

30 ـ علي بن عطية الحناط ، وثقه في ترجمة أخيه الحسن ( الرقم 93 ).

31 ـ عمران بن علي بن ابي شعبة الحلبي ، وثقه في تراجم ابن عمه أحمد بن عمر ( الرقم 245 ) وأخويه عبيد الله ( الرقم 612 ) ومحمد ( الرقم 885 ).

32 ـ عمر بن ابي شعبة الحلبي ، وثقه في ترجمة ابن اخيه عبيدالله بن علي ( الرقم 612 ).

33 ـ عمرو بن مروان اليشكري ، وثقه في ترجمة أخيه عمّار ( الرقم 780 ).

34 ـ قيس بن موسى الساباطي ، وثقه في ترجمة أخيه عمّار ( الرقم 779 ).

35 ـ أبو خالد ، محمد بن مهاجر بن عبيد الأزدي ، وثقه في ترجمة ابنه اسماعيل ( الرقم 46 ).

٦٧

36 ـ محمد بن الهيثم العجلي ، وثقه في ترجمة ابن ابنه الحسن بن أحمد ( الرقم 151 ).

37 ـ محمد بن سوقة العمري ، وثقه في ترجمة أخيه حفص ( الرقم 348 ).

38 ـ معاذ بن مسلم بن أبي سارة ، وثقه في ترجمة ابن عمّه محمد بن الحسن ( الرقم 883 ).

39 ـ همّام بن عبد الرحمن بن ميمون البصري ، وثقه في ترجمة ابنه اسماعيل ( الرقم 62 ).

40 ـ يعقوب بن إلياس بن عمرو البجلي ، وثقه في ترجمة اخيه عمرو ( الرقم 772 ).

41 ـ ابو الجعد الاشجعي ، وثقه في ترجمة ابن حفيده رافع بن سلمة بن زياد ( الرقم 447 ).

42 ـ ابو شعبة الحلبي ، وثَّقه في ترجمة ابن ابنه عبيدالله بن علي ( الرقم 612 ).

43 ـ ابو عامر بن جناح الأزدي ، وثقه في ترجمة اخيه سعيد ( الرقم 512 ).

3 ـ رجال الشيخ

تأليف الشيخ محمد بن الحسن الطوسي ( المولود عام 385 هـ ، والمتوفّى عام 460 هـ ) فقد جمع في كتابه « أصحاب النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله والائمةعليهم‌السلام » حسب ترتيب عصورهم.

يقول المحقّق التستري ـ دام ظله ـ : « إن مسلك الشيخ في رجاله يغاير

٦٨

مسلكه في الفهرس ومسلك النجاشي في فهرسه ، حيث إنه أراد في رجاله استقصاء اصحابهم ومن روى عنهم مؤمناً كان او منافقاً ، إمامياً كان او عامياً ، فعدَّ الخلفاء ومعاوية وعمرو بن العاص ونظراءهم من اصحاب النبي ، وعدَّ زياد بن ابيه وابنه عبيدالله بن زياد من اصحاب أمير المؤمنين ، وعدَّ منصوراً الدوانيقي من اصحاب الصادقعليه‌السلام بدون ذكر شيء فيهم ، فالاستناد اليه ما لم يحرز إمامية رجل غير جائز حتى في اصحاب غير النبي وأمير المؤمنين ، فكيف في أصحابهما؟! »(1) .

ومع ذلك فلم يأت بكل الصحابة ، ولا بكل أصحاب الائمة ، ويمكن أن يقال : ان الكتاب حسب ما جاء في مقدمته أُلف لبيان الرواة عن الائمة ، فالظاهر كون الراوي إمامياً ما لم يصرح بالخلاف أو لا أقل شيعياً فتدبر.

وكان سيدنا المحقق البروجردي يقول : « ان كتاب الرجال للشيخ كانت مذكرات له ولم يتوفق لاكماله ، ولاجل ذلك نرى انه يذكر عدة أسماء ولا يذكر في حقهم شيئاً من الوثاقة والضعف ولا الكتاب والرواية ، بل يعدهم من أصحاب الرسول والائمة فقط ».

4 ـ فهرس الشيخ

وهو لهقدس‌سره فقد أتى بأسماء الذين لهم أصل أو تصنيف(2) .

ان الشيخ الطوسي مؤلف الرجال والفهرس أظهر من أن يعرّف ، اذ هو الحبر الذي تقتطف منه أزهار العلوم ، ويقتبس منه أنواع الفضل ، فهو رئيس المذهب والملة ، وشيخ المشايخ الاجلة ، فقد أطراه كل من ذكره ، ووصفه بشيخ الطائفة على الاطلاق ، ورئيسها الذي تلوي اليه الاعناق. صنَّف في

__________________

1 ـ قاموس الرجال : 1 / 19.

2 ـ سيوافيك الفرق بين الاصل والتصنيف في الابحاث الاتية.

٦٩

جميع علوم الاسلام ، فهو مضافاً الى اختيار الكشي ، صنف الفهرس والرجال.

أما الفهرس فهو موضوع لذكر الاصول والمصنفات ، وذكر الطرق اليها غالباً وهو يفيد من جهتين :

الاولى : في بيان الطرق الى نفس هذه الاصول والمصنفات.

الثانية : ان الشيخ نقل في التهذيب روايات من هذه الاصول والمصنفات ، ولم يذكر طريقه إلى تلك الأُصول والمصنفات ، لا في نفس الكتاب ولا في خاتمة الكتاب ، ولكن ذكر طريقه إليها في الفهرس ، بل ربما يكون مفيداً من وجه ثالث وهو أنه ربما يكون طريق الشيخ الى هذه الاصول والمصنفات ضعيفاً في التهذيب ، ولكنه صحيح في الفهرس ، فيصح توصيف الخبر بالصحة لاجل الطريق الموجود في الفهرس ، لكن بشرط أن يعلم أن الحديث مأخوذ من نفس الكتاب. وعلى كل تقدير فالفهرس موضوع لبيان مؤلفي الشيعة على الاطلاق سواء كان امامياً أو غيره.

قال في مقدمته : « فاذا ذكرت كل واحد من المصنفين واصحاب الاصول فلا بد أن اشير الى ما قيل فيه من التعديل والتجريح ، وهل يعوّل على روايته أو لا؟ وابين اعتقاده وهل هو موافق للحق أو هو مخالف له؟ لان كثيراً من مصنفي أصحابنا وأصحاب الاصول ينتحلون المذاهب الفاسدة وان كانت كتبهم معتمدة ، فأذا سهل الله اتمام هذا الكتاب فأنّه يطلع على اكثر ما عمل من التصانيف والاصول ويعرف به قدر صالح من الرجال وطرائقهم »(1) .

ولكنهقدس‌سره لم يف بوعده في كثير من ذوي المذاهب الفاسدة فلم يقل في إبراهيم بن أبي بكير بن أبي السمال شيئاً مع أنه كان واقفياً كما

__________________

1 ـ الفهرس : « الطبعة الاولى » الصفحة 2 و : « الطبعة الثانية » الصفحة 24 ـ 25.

٧٠

صرح به الكشي والنجاشي ، ولم يذكر شيئاً في كثير من الضعفاء حتّى في مثل الحسن بن علي السجاد الذي كان يفضّل أبا الخطّاب على النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ، والنجاشي مع أنه لم يعد ذلك في أول كتابه ، أكثر ذكراً منه بفساد مذهب الفاسدين وضعف الضعفاء(1) .

5 ـ رجال البرقي

كتاب الرجال للبرقي كرجال الشيخ ، ذكر فيه أسماء أصحاب النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله والائمة الى الحجة صاحب الزمانعليهم‌السلام ولا يوجد فيه أي تعديل وتجريح ، وذكر النجاشي في عداد مصنفات البرقي كتاب الطبقات ، ثم ذكر ثلاثة كتب اخر ثم قال : « كتاب الرجال » ( الرقم 182 ).

والموجود هو الطبقات المعروف برجال البرقي ، المطبوع مع رجال أبي داود في طهران ، واختلفت كلماتهم في أن رجال البرقي هل هو تأليف أحمد بن محمد بن خالد البرقي صاحب المحاسن ( المتوفّى عام 274 هـ أو عام 280 هـ ) أو تأليف أبيه ، والقرائن تشهد على خلاف كلتا النظريتين واليك بيانها :

1 ـ انه كثيراً ما يستند في رجاله الى كتاب سعد بن عبدالله بن أبي خلف الاشعري القمي ( المتوفّى 301 هـ أو 299 هـ ) وسعد بن عبدالله ممن يروي عن أحمد بن محمد بن خالد فهو شيخه ، ولا معنى لاستناد البرقي الى كتاب تلميذه(2) .

2 ـ وقد عنون فيه عبدالله بن جعفر الحميري وصرح بسماعه وهو مؤلف قرب الاسناد وشيخ القميين ، وهو يروي عن أحمد بن محمد بن خالد البرقي ، فيكون البرقي شيخه ، فكيف يصرح بسماعه منه؟(3) .

__________________

1 ـ لاحظ قاموس الرجال : 1 / 18.

2 ـ رجال البرقي : 23 ، 32 ، 34 ، 35 ، 46 ، 53.

3 ـ رجال البرقي : 60 ، 61.

٧١

3 ـ وقد عنون فيه أحمد بن أبي عبدالله ، وهو نفس أحمد بن محمد بن خالد البرقي المعروف ، ولم يذكر أنه مصنف الكتاب كما هو القاعدة فيمن يذكر نفسه في كتابه ، كما فعل الشيخ والنجاشي في فهرسيهما والعلاّمة وابن داود في كتابيهما(1) .

4 ـ وقد عنون محمد بن خالد ولم يشر الى أنه أبوه(2) .

وهذه القرائن تشهد أنه ليس تأليف البرقي ولا والده ، وهو إمّا من تأليف ابنه أعني أحمد بن عبد الله بن أحمد البرقي ـ الذي يروي عنه الكليني ، أو تأليف نجله ـ أعني أحمد بن عبد الله بن أحمد البرقي ـ الّذي يروي عنه الصدوق ، والثاني أقرب لعنوانه سعداً والحميري اللذين يعدان معاصرين للابن وفي طبقة المشيخة للنَّجل(3) .

6 ـ رسالة أبي غالب الزراري

وهي رسالة للشيخ أبي غالب ، أحمد بن محمد الذي ينتهي نسبه الى بكير بن أعين. وهذه الرسالة في نسب آل أعين ، وتراجم المحدثين منهم ، كتبها أبو غالب الى ابن ابنه « محمد بن عبدالله بن أبي غالب » وهي اجازة منه سنة 356 هـ ، ثمَّ جدَّدها في سنة 367هـ ، وتوفي بعد ذلك بسنة ( اي سنة 368هـ ) وكانت ولادته سنة 285 هـ ، ذكر في تلك الرسالة بضعة وعشرين من مشايخه ، منهم : جدّه أبو طاهر الذي مات سنة 300 هـ(4) ، ومنهم : عبدالله بن جعفر الحميري الذي ورد الكوفة سنة 297 هـ(5) .

__________________

1 ـ رجال البرقي : 57 ـ 59.

2 ـ رجال البرقي : 50 ، 54 ، 55.

3 ـ لاحظ قاموس الرجال : 1 / 31.

4 ـ رسالة في آل أعين : 38 ، من النسخة المطبوعة مع شرح العلاّمة الابطحي.

5 ـ رسالة في آل أعين : 38.

٧٢

وفي أواخر الرسالة ذكر فهرس الكتب الموجودة عنده ، التي يرويها هو عن مؤلفيها ، وتبلغ مائة واثنين وعشرين كتابا وجزءاً ، واجاز لابن ابنه المذكور روايتها عنه وقال : « ثبت الكتب التي أجزت لك روايتها على الحال التي قدَّمت ذكرها »(1) .

قال العلاّمة الطهراني : « وفي هذا الكتاب تراجم كثيرة من آل أعين الذين كان منهم في عصر واحد اربعون محدثاً. قال فيه : ولم يبق في وقتي من آل أعين أحدٌ يروي الحديث ، ولا يطلب العلم ، وشححت على أهل هذا البيت الذي لم يخل من محدث أن يضمحل ذكرهم ، ويدرس رسمهم ، ويبطل حديثهم من أولادهم »(2) .

وبالجملة ، هذه الرسالة مع صغر حجمها تعدّ من الاصول الرجالية وهي بعينها مندرجة في « كشكول » المحدث البحراني.

وطبعت أخيراً مع شرح العلاّمة الحجة السيد محمد علي الابطحي ـ شكر الله مساعيه ـ وفيه فوائد مهمة.

7 ـ مشيخة الصدوق

وهي تأليف الشيخ الصَّدوق أبي جعفر محمد بن علي بن الحسين بن بابويه المولود بدعاء الحجة صاحب الزمان ـ عجل الله تعالى فرجه الشريف ـ عام 306 هـ ، والمتوفّى عام 381 هـ ، وهو أوسط المحمدين الثلاثة المصنفين للكتب الاربعة ، وهو قد سلك في كتابه هذا مسلكاً غير ما سلكه الشيخ الكليني ، فإن ثقة الاسلام يذكر جميع السند غالباً إلا قليلاً ، اعتماداً على ما ذكره في الاخبار السابقة ، واما الشيخ الصدوق في كتاب « من لا يحضره

__________________

1 ـ رسالة في آل عين : 45.

2 ـ رسالة في آل أعين : 42.

٧٣

الفقيه » فهو بنى من أول الامر على اختصار الاسانيد ، وحذف اوائل الاسناد ، ثم وضع في آخره مشيخة يعرف بها طريقه إلى من روى عنه ، فهي المرجع في اتصال سنده في أخبار هذا الكتاب ، وهذه المشيخة احدى الرسائل الرجالية التي لا تخلو من فوائد ، وقد أدرجها الصدوقرحمه‌الله في آخر كتابه « من لا يحضره الفقيه ».

8 ـ مشيخة الشيخ الطوسي في كتابي : التهذيب والاستبصار

وهي كمشيخة الصدوق ، فقد صدر الشيخ أحاديث الكتابين بأسماء اصحاب الاصول والمصنفات ، وذكر سنده اليهم في مشيخة الكتابين التي جعلها في آخر كل من الكتابين. وسيوافيك البحث حول المشيختين.

توالي التأليف في علم الرجال

وقد توالى التأليف في علم الرجال بعد هذه الاصول الثمانية ، ولكن لا يقاس في الوزن والقيمة بها ، ولاجل ذلك يجب الوقوف عليها واستخراج ما فيها من النصوص في حق الرواة ، وسيوافيك وجه الفرق بين هذه الكتب وما ألف بعدها وقيمة توثيق المتأخرين.

الفرق بين الرجال والفهرس

قد أومأنا إلى ان الصحيح هو تسمية كتاب النجاشي بالفهرس لا بالرجال ، ولإكمال البحث نقول :

الفرق بين كتاب الرجال وفهرس الاصول والمصنفات ، أن الرجال ما كان مبنياً على بيان طبقات اصحابهمعليهم‌السلام (1) كما عليه رجال الشيخ ،

__________________

1 ـ قاموس الرجال : 1 / 33 ، واضاف : ان اصل رجال الكشي كان على الطبقات والظاهر انه يكفي في هذا النوع من التأليف ذكر الاشخاص على ترتيب الطبقات وان لم يكن على طبقات اصحابهمعليهم‌السلام ، والموجود من الكشي هو النمط الاول.

٧٤

حيث شرع بتدوين أسماء اصحاب النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ثم الامام عليعليه‌السلام وهكذا.

وأما الفهارس ; فيكتفي فيها بمجرد ذكر الاصول والمصنفات ومؤلفيها وذكر الطرق اليها ، ولاجل ذلك ترى النجاشي يقول في حق بعضهم ، « ذكره اصحاب الفهرس » ، وفي بعضهم : « ذكره اصحاب الرجال » ، ويؤيد ذلك ما ذكره نفس النجاشي وفي مقدمة الجزء الاول من الكتاب(1) وفي اول الجزء الثاني منه حيث يصفه بقوله : « الجزء الثاني من كتاب فهرس اسماء مصنفي الشيعة وذكر طرف من كناهم وألقابهم ومنازلهم وأنسابهم وما قيل في كل رجل منهم من مدح أو ذمّ »(2) .

قال المحقّق التستري : « إن كتب فن الرجال العامّ على انحاء : منها بعنوان الرجال المجرد ومنها بعنوان معرفة الرجال ، ومنها بعنوان تاريخ الرجال ، ومنها بعنوان الفهرس ، ومنها بعنوان الممدوحين والمذمومين ، ومنها بعنوان المشيخة ، ولكل واحد موضوع خاص »(3) .

__________________

1 ـ رجال النجاشي : 3.

2 ـ رجال النجاشي : 211.

3 ـ قاموس الرجال : 1 / 18.

٧٥
٧٦

2 ـ رجال ابن الغضائري

* ترجمة الغضائري.

* ترجمة ابن الغضائري.

* كيفية وقوف العلماء على كتاب الضعفاء.

* هل الكتاب للغضائري او لابنه؟

* الضعفاء رابع كتبه.

* قيمته عند العلماء.

٧٧
٧٨

من الكتب الرجالية المؤلفة في العصور المتقدمة التي تعد عند البعض من أمهات الكتب الرجالية ، الكتاب الموسوم بـ « رجال الغضائري » تارة و « رجال ابن الغضائري » اخرى ، وليس هو إلا كتابُ « الضعفاء » الذي أدرجه العلاّمة في خلاصته ، والقهبائي في مجمعه. ولرفع السّتر عن وجه الحقيقة يجب الوقوف على امور.

واليك البحث عنها واحداً بعد الاخر :

أ ـ ترجمة الغضائري

الحسين بن عبيدالله بن إبراهيم الغضائري من رجال الشيعة وهو معني في كتب الرجال بإكبار.

قال النجاشي : « شيخنارحمه‌الله له كتب » ثم ذكر أسماء تآليفه البالغة الى أربعة عشر كتاباً ولم يسمّ أي كتاب في الرجال ، ثم قال : « اجازنا جميعها وجميع رواياته عن شيوخه وماترحمه‌الله في منتصف شهر صفر سنة احدى عشر وأربعمائة »(1) .

__________________

1 ـ رجال النجاشي : الرقم 166.

٧٩

وقال الشيخ في رجاله : « الحسين بن عبيدالله الغضائري يكنى أبا عبد الله كثير السماع ، عارف بالرجال وله تصانيف ذكرناها في الفهرس ، سمعنا منه وأجاز لنا بجميع رواياته. مات سنة احدى عشرة وأربعمائة »(1) . ولكن النسخ الموجودة من الفهرس خالية من ترجمته ولعل ذلك صدر منهرحمه‌الله سهواً ، أو سقط من النسخ المطبوعة ، ولا يخفى أن هذه التعابير دالة على وثاقة الرجل. بل يكفي كونه من مشايخ النجاشي والشيخ ، وقد ثبت في محله ـ وسيوافيك ـ أن مشايخ النجاشي كلهم ثقات.

ب ـ ترجمة ابن الغضائري

هو أحمد بن الحسين بن عبيدالله ذكره الشيخ في مقدمة الفهرس وقال : « اني لما رأيت جماعة من شيوخ طائفتنا من أصحاب الحديث عملوا فهرس كتب اصحابنا وما صنفوه من التصانيف ورووه من الاصول ، ولم أجد أحداً استوفى ذلك الا ما قصده أبو الحسين أحمد بن الحسين بن عبيداللهرحمه‌الله فانه عمل كتابين ، أحدهما ذكر فيه المصنفات والاخر ذكر فيه الاصول ، واستوفاهما على مبلغ ما وجده وقدر عليه ، غير أن هذين الكتابين لم ينسخهما أحد من أصحابنا واخترم هو وعمد بعض ورثته الى اهلاك هذين الكتابين وغيرهما من الكتب على ما حكى بعضهم عنه »(2) .

وهذه العبارة تفيد أنه قد تلف الكتابان قبل استنساخهما ، غير أن النجاشي كما سيوافيك ينقل عنه بكثرة والمنقول عنه غير هذين الكتابين كما سيوافيك بيانه.

ويظهر من النجاشي في ترجمة أحمد بن الحسين الصيقل أنه اشترك مع ابن الغضائري في الاخذ عن والده وغيره حيث قال : « له كتب لا يعرف منها الا

__________________

1 ـ رجال الشيخ : 470 ، الرقم 52.

2 ـ ديباجة فهرس الشيخ : « الطبعة الاولى » الصفحة 1 ـ 2 ، وفي « الطبعة الثانية » الصفحة 23 ـ 24.

٨٠

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

تساؤلات

حول علم النبي بالغيب

السؤال الأول :

إنّ علمه سبحانه بالأشياء وإن كان مطلقاً ومرسلاً غير محدود وذاتياً له غير مفاض، على ما دلّت عليه البراهين الكلامية والفلسفية إلّا أنّ ذلك لا يصحح حمل الآيات على هذه المعاني البعيدة عن مستوى الافهام، وكون علمه سبحانه عين ذاته وعلم غيره زائداً عليها أمر معلوم من الخارج، ولا يكون مثل هذا العلم كقرينة على تفسير ما دلّ على اختصاص العلم بالغيب له سبحانه، فكيف تحمل هذه الآيات على العلم الذاتي، المحيط بكل شيء، المرسل عن كل شيء ؟!

الجواب: انّ من لاحظ سياق الآيات والقرائن الحافة بها، وسبر التاريخ والحديث يقف على أنّ المتبادر من « العلم بالغيب » في عصر الرسالة وبعده كان هو العلم الذاتي لا العرضي ولأجل ذلك كان الأئمة من أهل البيت مع ما اُخبروا من المغيبات ما لا يحصى يتحاشون عن توصيفهم بأنّهم عالمون بالغيب ناسبين علومهم ومعارفهم وما يخبرون به من ملاحم وأحداث وفتن، إلى التعلّم من ذي علم(١) والوراثة من الرسول(٢) ويصف هشام بن الحكم الإمام الصادق وهو من أكابر أصحابه، بأنّه يخبرنا بأخبار

__________________

(١) نهج البلاغة خطبة ١٢٤ وسيوافيك لفظ الإمام.

(٢) كما في الحديث عن الإمام الطاهر موسى الكاظمعليه‌السلام وسيوافيك لفظه.

٤٤١

السماء وراثة عن أب وجد، وهذا أقوى دليل على أنّ المتبادر في عصر الرسالة وبعده، من العلم بالغيب هو القسم اللائق بساحته سبحانه.

وكون العلم اكتسابياً أو غير اكتسابي ليس من المفاهيم الغامضة التي لا ينقدح في الافهام الوسطى فضلاً عن العليا، فإنّ الانسان العارف بالله، مهما تنازل وبعد عن المعارف، يقف على أنّ هنا موجوداً غنياً من جميع الذات والغنى نفسه وذاته فوجوده وعلمه وقدرته وحياته ثابت له من دون استناد إلى غيرها، وانّ هنا موجوداً فقيراً ومخلوقاً لغيره يعتمد في كل كمال وجمال إلى خالقه وبارئه ولا نعني من الذاتي والاكتسابي غير هذا.

وإلى ما ذكرنا يشير شيخ الاُمّة الشيخ المفيدرحمه‌الله بقوله :

« إنّ الأئمة من آل محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله قد كانوا يعرفون ضمائر بعض العباد، يعرفون ما يكون قبل كونه، وليس بواجب في صفاته ولا شرطاً في إمامتهم وإنّما أكرمهم الله تعالى وأعلمهم إياه للطف في طاعتهم والتمسك بإمامتهم وليس ذلك بواجب عقلاً ولكنه وجب لهم من جهة السماع، فأمّا اطلاق القول عليهم بأنّهم « يعلمون الغيب »، فهو منكر بيّن الفساد، لأنّ الوصف بذلك إنّما يستحقه من علم الأشياء بنفسه، لا بعلم مستفاد وهذا لا يكون إلّا لله عزّ وجلّ وعلى قولي هذا جماعة أهل الإمامة إلّا من شذ عنهم من المفوضة ومن انتمى إليهم من الغلاة »(١) .

فالتوفيق بين قوله: « اطلاق القول عليهم بأنّهم يعلمون الغيب بيّن الفساد » وقولهعليه‌السلام : « بأنّهم يعلمون ما في الضمائر » لا يحصل إلّا بما ذكرنا، بل هو صريح كلامه لمن أمعن فيه النظر.

قال رشيد الدين محمد بن شهر آشوب(٢) : النبي والإمام يجب أن يعلما علوم

__________________

(١) أوائل المقالات: ص ٣٨.

(٢) أحد أقطاب التفسير والحديث في القرن السادس توفّي عام ٥٨٨، وله المناقب وأسباب نزول القرآن، ومتشابهات القرآن كما صرح به في معالمه.

٤٤٢

الدين والشريعة ولا يجب أن يعلما الغيب وما كان وما يكون لأنّ ذلك يؤدي إلى أنّهما مشاركان للقديم تعالى في جميع معلوماته التي لا تتناهى وإنّما يجب أن يكونا عالمين لأنفسهما(١) ، وقد ثبت أنّهما عالمان بعلم محدث، والعلم لا يتعلّق على التفصيل إلّا بمعلوم واحد. ولو علما ما لا يتناهى لوجب أن يعلما وجود ما لا يتناهى من المعلومات وذلك محال، ويجوز أن يعلما الغائبات والكائنات الماضيات أو المستقبلات باعلام الله تعالى لهما شيئاً منها(٢) .

فإنّ الظاهر من كلامه أنّ الشرك إنّما يلزم من أمرين: « الأوّل » القول بعدم تناهي علومهم، « الثاني » كون علومهم مستندة إلى أنفسهما لا باعلام منه سبحانه والمنفي في كلامه هو العلم الذاتي غير المتناهي، أما المتناهي المستند إلى الله عزّ وجلّ فهو ثابت لهم.

السؤال الثاني :

لو كان النبي عالماً بالغيب بعلم مستفاد ومفاض منه سبحانه لما مسّه السوء والشر مع أنّه كان يمسّه السوء بنص منه سبحانه حيث قال:( وَلَوْ كُنتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ لاسْتَكْثَرْتُ مِنَ الخَيْرِ وَمَا مَسَّنِيَ السُّوءُ ) ( الأعراف ـ ١٨٨ ) فإنّ الانسان إذا وقف على أنّ في ركوب أمر خطراً على نفسه وماله، أو أنّ في هذا الغذاء سمّاً لاجتنب عنهما وتركهما بتاتاً سواء أوقف عليها من جانب نفسه أم باطلاع غيره فمس السوء وفوت الخير، دليلان على عدم اطلاعه على الغيب لا من جانب نفسه ولا من ناحية غيره مطلقاً.

الجواب من وجوه: الجواب الأوّل :

إنّ السؤال موجه إذا قلنا بسعة علم النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله بعامة الحوادث القادمة مع تفاصيلها وجزئياتها، وأنّ علمهصلى‌الله‌عليه‌وآله بغابر الاُمور وقادمها غير محدود بشيء من التحديد ،

__________________

(١) كذا في النسخة والصحيح لا لأنفسهما كما هو واضح لمن أمعن النظر.

(٢) متشابهات القرآن ومختلفه: ج ١ ص ٢١١.

٤٤٣

غير كونه علماً إمكانياً مفاضاً ومستفاداً منه سبحانه، فعند ذاك يتوجه السؤال ويقال :

بأنّه لو كان النبي عالماً بما سيقع من الحوادث كلّها، يجب أن لا يمسّه السوء أبداً ويحترز من كل شر، قبل إصابته وأمّا إذا حددناه بشيء من التحديد وقلنا إنّ علمه بالحوادث ليس بهذه المثابة كما يدل عليه قولهعليه‌السلام : « إنّ لله علمين: علم مخزون لا يعلمه إلّا هو، من ذلك يكون البداء، وعلم علّمه ملائكته ورسله وأنبياءه فنحن نعلمه »(١) ، وقولهعليه‌السلام : « لولا آية في كتاب الله لحدّثتكم بما يكون إلى يوم القيامة » فقلت أيّة آية؟ قال: « قول الله:( يَمْحُو اللهُ مَا يَشَاءُ وَيُثْبِتُ وَعِندَهُ أُمُّ الْكِتَابِ ) »(٢) فالسؤال غير وجيه جداً لأنّه إذا كان علمه بالحوادث المستقبلة، محدوداً بشيء من هذه الحدود، لا ينافيه مس السوء وعدم استكثار الخير في بعض الأحايين، لإمكان أن يكون المورد من العلم المكنون الذي لم يطلع عليه أحد، أو من الاُمور التي تحقق فيها البداء بمعناه الصحيح الذي نصّت عليه الأحاديث.

روى معمر بن خلاد قال: سأل أبا الحسنعليه‌السلام رجل من أهل فارس فقال له: أتعلمون الغيب ؟ فقال: قال أبو جعفر: يبسط لنا العلم فنعلم، ويقبض عنّا فلا نعلم، فقال: سرّ الله عزّ وجلّ أسرّه إلى جبرئيل، وأسرّه جبرئيل إلى محمد وأسرّه محمد إلى من شاء الله(٣) ، وبهذا المضمون روايات وأحاديث، واختاره لفيف من مشايخ الإمامية(٤) .

نعم هذا الجواب ربّما لا يلائم ما دلّت عليه بعض الأحاديث التي نقلها الكليني في كافيه وعقد له باباً ب‍ « أنّهم: يعلمون علم ما كان وما يكون وأنّه لا يخفى عليهم شيء ».

__________________

(١) الكافي: ج ١ ص ١٤٧ وتضافرت الروايات بهذا المضمون وقد جمعها العلّامة المجلسي في بحاره في الباب الثاني من كتاب توحيده فراجع: ج ٢ ص ٤٧ ـ ٩٢.

(٢) بحار الأنوار: ج ٤ باب البداء والنسخ ص ١١٨، الحديث ٥٢.

(٣) الكافي: ج ١ ص ٢٥٦.

(٤) كالشيخ الصدوق وأمين الإسلام الطبرسي وغيرهما ممّن لا يقولون بعموم علمهم بكل شيء.

٤٤٤

غير أنّ ابداء الرأي القاطع في سعة علومهم واطلاعهم على المغيبات يحتاج إلى امعان النظر في أحاديث الباب كلّها فإنّها ليست على صعيد واحد بل تختلف مضامينها وبما أنّ الاسهاب يوجب الخروج عن الهدف من هذا الفصل فنرجئ البحث عنه إلى مقام آخر.

الجواب الثاني :

لو كان علمهم: بالمغيبات علماً بالفعل بحضورها لديهم تفصيلاً بدقائقها وتفاصيلها فلا يجتمع ذاك مع مفاد الآية، وأمّا إذا قلنا بأنّ علمهم بالغيب على حسب مشيئتهم بحيث لو شاؤوا علموا، ولو لم يشاؤوا لم يعلموا(١) فينقطع الإشكال من أصله فإنّ مثلهم بالنسبة إلى الحوادث القادمة: كمثل الذي اُلقي عليه سؤال وبيده كتاب، فيه جوابه لو رجع إليه علم، وإذا لم يرجع إليه لم يعلم، أو مثل الفقيه الذي له ملكة الاجتهاد، واستنباط الأحكام عن أدلّتها، أو الطبيب البارع الذي له قدرة التشخيص والعلاج، أو العالم الرياضي القادر على حل المعادلات الجبرية فإنّهم إذا شاؤوا علموا وأجابوا عن السؤال، ورفعوا الستار عن مجهولهم بالرجوع إلى ملكاتهم العلمية، فلا ينافي عدم استحضارهم جواب السؤال، مع امكان اطلاعهم عليه إذا شاؤوا، وعلى ذلك فكل ما أصابهم شر وكل ما فاتهم خير فيمكن أن يكون ممّا لم يشاؤوا أن يعلموه.

قال العلّامة الطباطبائي: « قد ورد في بعض الأخبار، وسياق التفسير لسائرها أنّهم: إذا شاؤوا علموا، وإذا لم يشاؤوا لم يعلموا، ويتحصل منه أنّ لهم بحسب مقام نورانيتهم علماً بالفعل بكل شيء، وأمّا بحسب الوجود العنصري الدنيوي فهم إذا شاؤوا علموا، بفضل الاتصال بمقام النورانية باذن الله، وأمّا إذا لم يشاؤوا لم يعلموا.

__________________

(١) وقد عقد الكليني باباً خاصاً لأحاديثه، غير أنّ ما رواه في هذا الباب ضعيف السند لاحظ الكافي: ج ١ ص ٢٥٨.

٤٤٥

وعلى هذا يحمل ما ورد في بعض القصص والسير المأثورة عنهم ممّا ظاهره أنّهم ما كانوا على علم بما كان يستقبلهم من الحوادث فلا تغفل »(١) .

الجواب الثالث :

ما تفضل به سيدنا العلّامة الطباطبائي ( رضوان الله عليه ) عندما عرضنا عليه هذا السؤال، فألّف في جوابه رسالة موجزة في ثمان صفحات على القطع الصغير باستدعاء منّا، ونحن نقتطف منه مايلي بتصرّف يسير :

لـمّا كان علمهم: هذا بالحوادث علماً بها بما أنّها واجبة التحقق، ضرورية الوقوع، لا تقبل بداء، ولا تحتمل تخلفاً، كما في الأخبار، فلا تأثير لهذا العلم الذي هذا شأنه في فعل الانسان، وتوضيحه يكون ببيان اُمور :

١. انّ من المقرر عقلاً، وقد صدّقه الكتاب والسنّة، أنّ كل ظاهرة وحادثة تحتاج في تحققها إلى علّة، ثمّ إنّ العلّة التي يتوقّف عليها وجود الشيء، تنقسم إلى ناقصة وتامة، والتامة منها ما يتوقف عليه وجود الشيء، بحيث يجب وجوده بوجودها، وعدمه بعدمها، والناقصة منها، وإن كان يتوقف عليه وجود الشيء أيضاً، ويجب عدمه بعدمها، إلّا أنّه لا يجب وجود الشيء بوجودها.

٢. إنّ الحادثة لا تتحقق إلّا وهي موجبة بإيجاب علّتها التامة ومحتمة بحتمية منها، وكذا الكلام في علتها حتى ينتهي إلى الواجب بالذات تبارك وتعالى. فالعالم مؤلّف من سلسلة من الحوادث، كل حلقة من حلقاتها واجبة الوجود، بعلّة تسبقها وإن كانت ممكنة بالقياس إلى أحد أجزاء علّتها العرضية أو أحد عللها الطولية.

٣. هذه الوجوبات المترتبة، الواقعة في سلسلة الحوادث هي نظام القضاء الحتمي الذي ينسبه الله سبحانه إلى نفسه ويقول:( لِيَقْضِيَ اللهُ أَمْرًا كَانَ مَفْعُولاً ) ( الأنفال ـ ٤٢ )، وقال:( وَكَانَ أَمْرًا مَّقْضِيًّا ) ( مريم ـ ٢١ ).

__________________

(١) عن رسالة خطية لهرحمه‌الله نحتفظ بنسخة منها.

٤٤٦

٤. إنّ للعلم أثراً في انتخاب أحد الأمرين من الفعل والترك وجلب النفع ودفع الضرر، فالانسان الفاعل بالعلم والإرادة، إنّما يقصد ما علم أنّه يفيده، ويهرب ممّا علم أنّه يضره، فللعلم تأثير في انتخاب أحد الفعلين وفي فعل شيء أو تركه.

٥. علم الانسان بالخير والنفع وكذا علمه بالشر والضرر في الحوادث المستقبلة إنّما يؤثّر إذا تعلّق بأمر ممكن غير مقضي، وذلك مثل أن يعلم الانسان أنّه لو حضر مكاناً كذا، في ساعة كذا، من يوم كذا، قتل قطعاً، فلهذا العلم تأثير خاص في ترك الحضور في المكان المعين، تحرّزاً من القتل، وأمّا إذا تعلّق العلم بالضرر مثلاً من جهة كونه ضروري الوقوع واجب التحقق، كما إذا علم أنّه في مكان كذا، ساعة كذا، من يوم كذا، مقتول لا محالة بحيث لا ينفع في دفع القتل عنه عمل، ولا تحول دونه حيلة، فإنّ مثل هذا العلم، لا يؤثر في الانسان شيئاً ولا يبعثه إلى نوع من التحرز والالتقاء لفرض علمه بأنّه لا ينفع فيه شيء من العمل فهذا الانسان مع علمه بالضرر المستقبل، يجري في العمل مجرى الجاهل بالضرر.

إذا علمت ذلك ثمّ راجعت الأخبار الناصة على أنّ الذي علمهم الله تعالى من العلم بالحوادث التي لا بداء فيه ولا تخلف، ظهر لك اندفاع ما أورد على القول بعلمهم بعامة الحوادث، من أنّه لو كان لهم علم بذلك لاحترزوا مما وقعوا فيه من الشر، كالشهادة قتلاً بالسيف أو بالسم، لحرمة إلقاء النفس في التهلكة.

وجه الاندفاع أنّ علمهم بالحوادث علم بها من جهة ضرورتها كما هو صريح نفي البداء عن علمهم(١) والعلم الذي هذا شأنه لا أثر له في فعل الانسان ببعثه إلى نوع من التحرز، وإذا كان الشر بحيث لا يقبل الدفع بوجه من الوجوه، فالابتلاء به وقوع في التهلكة لا القاء فيها، قال تعالى:( قُل لَّوْ كُنتُمْ فِي بُيُوتِكُمْ لَبَرَزَ الَّذِينَ كُتِبَ عَلَيْهِمُ

__________________

(١) يشيررحمه‌الله إلى ما روي عن أبي جعفرعليه‌السلام : العلم علمان فعلم مخزون لم يطلع عليه أحداً من خلقه، وعلم علّمه ملائكته ورسله فما علّمه ملائكته ورسله، فإنّه سيكون لا يكذب نفسه ولا ملائكته ولا رسله، وعلم مخزون يقدم منه ما يشاء ويؤخر منه ما يشاء ويثبت ما يشاء الكافي باب البداء: ج ١ ص ١٤٨.

٤٤٧

الْقَتْلُ إِلَىٰ مَضَاجِعِهِمْ ) ( آل عمران ـ ١٥٤ ).

ولـمّا كان ما ذكره في مقام الاجابة موجزاً كمال الايجاز أوضحنا ما أفاده بأمرين :

١. ما سمعناه منه رضوان الله عليه شفاهاً.

٢. ما حرّره بقلمه حول السؤال في رسالة فارسية فها نحن نقدم ما سمعناه منه شفاهاً ثمّ نتبعه بما جاء في رسالته الخاصة.

أمّا الأوّل فنقول :

إنّ علم النبي بالمغيبات لو كان من عند نفسه يجب أن يكون مستنداً إلى امارات وقرائن تثير في نفسه القطع والعلم بأنّه لو شرب هذا السم يهلك قطعاً فالعلم في هذا القسم يتعلق بقضية شرطية، بحيث لو تحقق الشرط لتحقق الجزاء، فإذا وقف الانسان على علم هذا شأنه، لاحترز عن اقترافه بحكم الغريزة الانسانية وليدفع عن نفسه السوء والشر، فأصبح خلوّاً من كلّ مكروه.

وإن شئت قلت إنّ العلم في هذا النوع يتعلّق بالحوادث من جهة امكانها لا من جهة ضرورتها، كما مثل بهرحمه‌الله : « من أنّه لو حضر مكاناً كذا، في ساعة كذا من يوم كذا لقتل » وعند ذاك يختار ترك الحضور أخذاً بواحد من طرفي الامكان وهو الذي فيه نجاته ونجاحه.

وأمّا إذا كان علمهصلى‌الله‌عليه‌وآله مفاضاً ومستفاداً من جانبه سبحانه فبما أنّ ما علمهم الله لا بداء فيه ولا تخلف، وهو ممّا يتحقق قطعاً فلا محالة يسير النبي حسب ما أوحى الله إليه ولا يقدر أن يتخلّف عنه قدر شعرة فيصيبه من الخير والشر ما قضي عليه بضرورة وإلى ذلك يشير قوله سبحانه:( وَلَوْ كُنتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ ) من عند نفسي( لاسْتَكْثَرْتُ مِنَ الخَيْرِ ) واخترت أنفع الاُمور وأصلحها( وَمَا مَسَّنِيَ السُّوءُ ) واحترزت عن اقتراف المضار، بحكم الغريزة الانسانية التي تدعو إلى صيانة النفس عما يضرّها ويؤذيها( إِنْ أَتَّبِعُ إلّا مَا يُوحَىٰ ) فأسير، حسب ما اُوحي إليّ، وهو ليس خبراً

٤٤٨

يقبل الكذب أو الخطأ، بل هو خبر قطعي الثبوت فيصيبني من الخير والشر ما قضى وقدر(١) .

وعلى ذلك، لا يكون، مس السوء دليلاً على عدم علمه بالغيب، فإنّه لا أثر للعلم وعدمه في هذا النوع في الاجتناب والاتقاء.

غير أنّ القارئ الكريم بعد ما أمعن النظر في هذا الجواب يجب عليه أن يلاحظ أمرين :

١. أنّ العلم العادي كما يمكن أن يتعلق بالقضية من ناحية امكانها ـ فيصح فعل الشيء وتركه ـ كذلك يمكن أن يتعلق بها من جهة ضرورتها، كأن ينكشف له بأحد الأسباب بأنّه يموت في وقت كذا، ويهلك في زمن كذا فلا ينحصر العلم غير المفاض على قسم واحد ولعله رحمه الله يلتزم بذلك.

٢. إنّ القول بأنّ علمهم بالحوادث ممّا لا بداء فيه ولا تخلف، وإن دلّت عليه بعض الأحاديث ولكن يظهر من كثير منها وقوع البداء في ما وصل إليهم علمه أيضاً.

ثمّ إنّ الاستاذ عمل رسالة خاصة باللغة الفارسية قد أوضح فيها ما قصده من الجواب ونحن نقتطف منها ما يمس بالمقام :

١. إنّ علم الإمام الخاص ليس له أثر في أعماله ولا يرتبط بتكاليفه الخاصة لأنّ كل شيء تعلّق به القضاء الحتمي، وكان ضروري الوقوع لا يتعلق به الأمر والنهي ولا الإرادة والقصد من تلك الجهة، نعم يكون هذا الشيء الذي تعلق به القضاء الحتم مورداً لرضا العبد بهذا القضاء الالهي وذلك كما قال الحسينعليه‌السلام في اللحظات الأخيرة من حياته وهو صريع على الأرض، مضمّخ بالدم: « رضى بقضائك وتسليماً لأمرك لا معبود سواك » وكما قالعليه‌السلام حين أراد الخروج من مكّة: « رضا الله رضانا أهل البيت الخ ».

٢. من الممكن أن يتصور البعض بأنّ العلم القطعي بالحوادث التي لا تقبل

__________________

(١) ما أوضحناه به كلامه، سمعناه منه شفاهاً.

٤٤٩

التغيير والتبديل يستلزم القول بالجبر في الأفعال، فلو فرض أنّ الإمامعليه‌السلام علم أنّ شخصاً معيناً سيقتله في ظرف معين، بحيث لا يقبل هذا الحدث التغيير أبداً، فلازم هذا الفرض أن لا يكون للقاتل اختياراً على تر ك القتل، فهو إذن مجبور على قتل هذا الإمام، فلا تكليف ولا عقاب حينئذ على هذا القاتل، ولكن هذا التصور باطل لما يلي :

أ. إنّ هذا الإشكال في الواقع ليس إلّا إشكالاً على شمول القضاء الالهي لأفعال الانسان الاختيارية أيضاً، وليس هو إشكالاً على علم الإمام بالغيب، ولأجل ذلك الإشكال منع المعتزلة شمول القضاء الالهي للأفعال الاختيارية للانسان زاعمين أنّ الانسان هو الذي يخلق أفعاله استقلالاً وبالتالي فهو خالق لأفعاله والله تعالى خالق بقية الأشياء، في حين نجد النص القرآني والأخبار المتواترة عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله وأهل البيت تعتبر كل الموجودات وكل الحوادث الكونية بلا استثناء مشمولة لقضاء الله وقدره، كما أنّ هذا الأمر ثابت من طريق العمل أيضاً، وإن كنّا لا نستطيع بحثه في هذا المقال المختصر لسعة أطرافه.

والذي نستطيع أن نقوله بإجمال هو: أنّه لا يوجد شيء في هذا الكون إلّا بمشيئة الله تعالى وإذنه، وحتى أفعال الانسان الاختيارية تعلّقت بها المشيئة على أن تصدر بإرادة نفس الانسان واختياره، فمثلاً: انّ الله أراد أن يصدر فعل معين من انسان مخصوص ولكنّه تعالى أراد في نفس الوقت صدور هذا الفعل المعيّن من الانسان المخصوص باختيار من الانسان وإرادة، ومن البديهي أنّ هذا الفعل المعيّن مع وصفه الخاص ضروري الوقوع، رغم أنّه اختياري للانسان لأنّه لو لم يكن اختيارياً لتخلفت إرادته تعالى عن مرادها:( وَمَا تَشَاءُونَ إلّا أَن يَشَاءَ اللهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ ) .

ب. ومع غض النظر عمّا تقدم الآن فإنّ الله تعالى ـ كما نعلم جميعاً ـ خلق لوحاً محفوظاً أثبت فيه جميع الحوادث الماضية والقادمة للعالم ولا مجال للتغيير فيه أبداً، فإذا كان علم الله تعالى السابق بهذه الحوادث كما أثبتها اللوح المحفوظ لا تستلزم أن يكون الانسان مجبوراً في أفعاله، فكيف يكون علم الإمام السابق ببعض هذه الحوادث أو

٤٥٠

بجميعها مستلزماً لأن يكون الانسان مجبوراً في أفعاله الاختيارية والتي منها عملية قتل الإمام المعينة مثلاً ؟

٣. بعض الأعمال التي تصدر من الإمام وهي موافقة للأسباب الظاهرية لا يمكن أن نعتبرها دليلاً على جهل الإمام بالواقع وفقدانه لموهبة العلم التي أثبتناها له كأن يقال :

لو كان الحسينعليه‌السلام يعلم حقاً مستقبل أمره فلماذا بعث مسلماً إلى الكوفة رسولاً عنه ؟

ولماذا أرسل مع الصيداوي كتاباً إلى أهل الكوفة ؟ ولماذا خرج من مكة متوجهاً نحو الكوفة ؟ ولماذا ألقى بنفسه في التهلكة ؟ والله تعالى يقول:( وَلا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ ) ولماذا ؟ والخ.

وتتضح الاجابة عن كل علائم الاستفهام هذه بالحقيقة التي ذكرناها قبل لحظات وهي: أنّ الإمام لم يعمل في هذه المواضع ونظائرها إلّا بالعلم الذي يحصل لديه بالوسائل العادية وعن طريق الأدلة والشواهد الظاهرية، فلم يبذل أي جهد لدفع الخطر الواقعي المعلوم عن نفسه لأنّه علم أنّ أي جهد من هذا القبيل هو عبث لأنّ القضاء الحتمي قد تعلق بهذا الأمر كما يقول تعالى في سورة آل عمران في شأن اولئك الذين قالوا في حق أصحابهم يوم اُحد:( لَوْ كَانُوا عِندَنَا مَا مَاتُوا وَمَا قُتِلُوا ) ( آل عمران ـ ١٥٦ ) يقول الله في حقهم:( قُل لَّوْ كُنتُمْ فِي بُيُوتِكُمْ لَبَرَزَ الَّذِينَ كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقَتْلُ إِلَىٰ مَضَاجِعِهِمْ ) ( آل عمران ـ ١٥٤ ).

القسم الثاني من علم الإمام ـ العلم العادي :

إنّ النبي أو الإمام من العترة الطاهرة ليسوا إلّا بشراً حسب نص القرآن الكريم والأعمال التي تصدر من الإمام هي كالأعمال التي تصدر من غيره من الناس تستند إلى اختياره وعلى أساس علمه العادي، أنّ الإمام كغيره يميّز الخير والشر، ومدى النفع والضرر في الأعمال عن طريق الأسباب الطبيعية والوسائل العادية ثم تحدث عنده إرادة

٤٥١

العمل الذي يراه صالحاً ونافعاً، ثمّ يسعى للقيام به وتحقيقه، فحين تكون العوامل الخارجية مساعدة، ومنسجمة مع بعضها يستطيع تحقيق الأمر الذي يريده، وبغير ذلك يخفق في تحقيق الهدف الذي يريده ( وقد مرّ أنّ وقوف الإمام على جميع الحوادث الجزئية ما مضى منها وما يأتي باذن الله لا تؤثّر في مجرى أعماله الاختيارية ) أنّ الإمام كسائر الناس العاديين عند الله وهو مثلهم مكلّف بالتكاليف الدينية من قبل الله تعالى ونظراً لمنصبه القيادي الذي اُعطى من قبل الله يجب عليه أن يعمل بتكاليفه المقررة عليه من قبل الله كإمام، وفقاً للموازين العادية للبشر، ويبذل كل ما في وسعه لإحياء كلمة الحق واقامة منهج الدين والعدل.

الجواب الرابع :

إنّ الأنبياء والأئمة مع تميّزهم عن الغير بشخصياتهم الربّانية وقوّة الولاية التي منحت لهم ( ذلك أنّ شطراً من شخصياتهم قائمة على المواهب الالهية والشطر الآخر حصل نتيجة الجهود التي بذلوها للقرب من المولى تعالى ) أنّهم مع ذلك كانوا يعملون وفقاً لعلومهم العادية حيث يواجهون حوادث الحياة المختلفة، على صعيد شخصي، أو على صعيد اجتماعي كمسائل القضاء والحكم بين الناس مثلاً، أنّهم مع علمهم الكامل بالحوادث الجزئية في ظلال موهبة الولاية، ومعرفتهم بعلل الحوادث وتفاصيلها لارتباطهم بما وراء الطبيعة، أقول: إنّهم مع ذلك لم يستفيدوا من علومهم تلك في قضاياهم الشخصية ولا في الاُمور التي ترتبط بالمجتمع وذلك لمصالح وحكم خاصة.

وبتعبير آخر: لم يحل النبي والإمام مشاكلهما الحياتية عن طريق الانتفاع من سلاح الغيب، ولم يقطعا دابر الحوادث المرّة بالقضاء على عللها التي اطلعوا عليها عن طريق الغيب، كذلك ولم يحلاّ خلافات الناس وخصوماتهم بالعلم الغيبي، لقد اُخبر النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله وهو في المسجد عن شدة مرض ابنه العزيز إبراهيم فعاد إلى البيت ليحتضن

٤٥٢

ولده العزيز ويحدق في وجهه النظر قائلاً: تدمع العين ويحزن القلب ولا نقول ما يسخط الربّ وإنّا بك يا إبراهيم لمحزونون(١) .

كان النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله يملك ثلاثة ألوان من سلاح الغيب في كل أدوار رسالته وكان يتمكن بواسطتها من تغيير الوضع كيفما يريد، عند مواجهته للمصاعب، وعند حدوث اللحظات الخطيرة ولكنّه لم يستعمل هذا السلاح في أغلب الأوقات، وكانت ألوان السلاح الغيبي متمثلة في الاُمور التالية: ١. المعجزة. ٢. استجابة دعائه. ٣. علم الغيب.

كان النبي الكريمصلى‌الله‌عليه‌وآله يتمكن عن طريق الاعجاز والولاية التكوينية التي ملكها من قبل الله تعالى أن يهب السلامة والعافية لولده العزيز إبراهيم ( وذلك كالولاية التكوينية التي ملكها عيسىعليه‌السلام وكان بها يحي الميت ويبرئ الأكمه والأبرص ) وكان يستطيع أيضاً ببركة دعائه المستجاب الذي منح له من قبل الله تعالى أن يدعو الله ويغيّر حالة ولده، وينقذه من الموت، وكان يقدر كذلك ـ عن طريق معرفته بالغيب ـ أن يمنع من عوامل المرض قبل أن تتسرب إلى جسم ولده العزيز لئلاّ يبتلى ولده بالمرض، أو يختار لولده الأدوية الناجعة لتخليصه من المرض وذلك عن طريق اطلاعه على الغيب. كان يتمكنصلى‌الله‌عليه‌وآله على هذا ومثله ولكنّه رغم ذاك لم يستفد من هذه الأسلحة الغيبية التي كانت في يده لدفع الأضرار المرتقبة عنه وعن اسرته ولم يخط إلّا في ظل المجاري الطبيعية للحياة، ذلك لأنّ هذه الأسلحة، أو الأسباب الغيبية إنّما اُعطيت للنبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ليستفيد منها في اثبات رسالته وولايته الالهية حين يقتضي الأمر ذلك، وإمّا الاستفادة منها في غير ذلك المجال فغير مأذون.

ومن المحتمل أن يكون أحد الأسباب التي تمنع النبي أو الإمام من الانتفاع من هذه السبل لجلب الخير أو لدفع الشر هو: أنّ استعمال هذه الأسباب الغيبية يقضي على الآثار العملية لدعوتهم، لأنّه لا شك أنّ حياة القادة بما تحمل في طياتها من صبر وتحمّل

__________________

(١) راجع بحار الأنوار: ج ٢٢ ص ١٥٧ والسيرة الحلبية: ج ٣.

٤٥٣

للمشاق، واستقامة وفداء في ساحة الجهاد، منار ساطع لأتباعهم.

فإذا افترضنا أنّ النبي أو الإمام يدفع عن نفسه وعن اسرته الأخطار في معترك الحوادث بواسطة الإعجاز أو الدعوة المستجابة أو معرفته بما وراء الطبيعة، فيهب السلامة لولده ـ مثلاً ـ عن طريق الإعجاز أو يستفيد من دعائه المستجاب أو معرفته الغيبية لاعادة السلامة إلى ولده، فإنّه حينئذ لا يستطيع أن يمنح الآخرين من أتباعه النصح على تحمل المصائب والتسليم لقضاء الله تعالى، ولو أنّه استفاد من هذه الأسباب الغيبية في ساحة الجهاد في سبيل الله فحصّن نفسه عن وصول سهام العدو إليه وأبعد كل خطر مرتقب عن نفسه وعن أهل بيته المقرّبين بواسطة تلكم الأسباب فحينذاك لا يمكنه أن يدعو الناس إلى تحمل الألم والعناء في سبيل الله لأنّهم ـ حتماً ـ سيعرضون عليه قائلين: إنّ الشخص الذي يدعونا إلى هذه المناهج الخلاّقة والمبدعة يجب أن يكون نفسه مثالاً رائعاً لهذه المناهج الرائعة. انّ الشخص الذي لا مفهوم عنده للألم والعناء، ولا تمسّه الكوارث طيلة حياته لا يستطيع أن يكون قدوة الاُمم ومنار الحياة للآخرين.

ولهذا ـ ولجهات اُخرى ليس هنا مجال عرضها ـ نجد أنّ الشخصيات الالهية كغيرهم يبذلون شتى الوسائل الطبيعية، ويسعون جاهدين لدفع الأخطار والمصائب عن أنفسهم، عند ما يواجهونها، وقد يخفقون في سعيهم بسبب عدم وجود الوسائل الطبيعية بالقدر المطلوب. إنّنا حين نرى عدم الاختلاف بين سلوك المعصومين في الحياة وسلوك الناس العاديين، أي أنّهم كانوا حين يمرضون يستعملون الدواء للعلاج ولاعادة السلامة كالآخرين، ويستعملون كل الوسائل الطبيعية والعلوم العادية في القضايا الاجتماعية وفي ساحة الجهاد كغيرهم، ويعينون أشخاصاً لنقل مختلف الأخبار إليهم وإلى غير ذلك. كل ذلك لأنّ الأسباب الغيبية ما كان يجوز لهم استعمالها إلّا في مواضع خاصة.

وهناك شواهد تؤيّد ما قلناه، فقد روي أنّ عبيد الله بن أبي رافع كان مديراً لبيت المال أيام الإمام أمير المؤمنينعليه‌السلام وحين أرسل الإمامعليه‌السلام ( أبا موسى

٤٥٤

الأشعري ) إلى دومة الجندل للحكم في ق ـ ضية الحكمين يوم صفّين أوصاه الإمامعليه‌السلام قائلاً: « احكم بكتاب الله ولا تجاوزه »، فلمّا أدبر قالعليه‌السلام : « وكأنّي به وقد خدع ». يقول ابن أبي رافع: قلت للإمامعليه‌السلام : فلمَ توجهه وأنت تعلم أنّه مخدوع ؟ فأجابه الإمامعليه‌السلام قائلاً: يا بني لو عمل الله في خلقه بعلمه ما احتج عليهم بالرسل(١) أنّه تعالى كان يعلم أنّ طائفة من الناس يستوي عندهم بعث الأنبياء وعدم بعثهم، أنّهم لا يؤمنون سواء أأرسل إليهم رسول أم لا ومع ذلك فقد أرسل إليهم أنبياء. انّ الإمامعليه‌السلام حين يشير في جوابه هذا إلى علم الله غير القابل للخطأ كأنّه يبيّن هذه النقطة وهي: على أن أعمل في الحياة بمقتضى العلل والعوامل الطبيعية، ولست أعمل وفقاً لما أعلمه من الغيب.

وهكذا نرى الأئمّة: في الأحاديث المنقولة عنهم يؤكدون على أنّ طريق قضائهم وحكمهم بين الناس هي الأسباب العادية كالشهادة واليمين لا علومهم الغيبية وذلك كما يروي الإمام الصادقعليه‌السلام عن الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله : « إنّما أقضي بينكم بالبيّنات والأيمان »، وأمّا ما ورد في بعض الروايات من جواز أن يحكم الإمام بعلمه في مجال اجراء الحدود فالمقصود منه هو العلم الذي يحصل عليه من الطرق العادية والأسباب الظاهرية كأن يرى الإمام بعينه شخصاً يشرب الخمر، لا حظوا الرواية التالية: « الواجب على الإمام إذا نظر إلى رجل يزني أو يشرب خمراً أن يقيم عليه الحد ولا يحتاج إلى بيّنة مع نظره لأنّه أمين الله في خلقه »(٢) هذه الرواية تدلّ على أنّ المقصود من عمل الإمام بعلمه هو علمه العادي والطبيعي كما دلّت عليه لفظة « نظر » في الرواية. وإذا لاحظنا أيضاً المسائل القضائية التي وقعت في عصر الإمام أمير المؤمنين لرأينا بوضوح أنّ الإمامعليه‌السلام لم يحكم بين الناس استناداً إلى علمه الخاص عن القضية أبداً بل

__________________

(١) المناقب لابن شهر آشوب: ج ٢ ص ٢٦١.

(٢) وسائل الشيعة: ج ١٨ ص ٣٤٤، نعم للإمام أن يحكم بعلمه العادي في الحقوق الالهية فقط ويقيم الحد على مرتكب الجريمة، ولا يجوز له العمل بعلمه في حقوق الناس كأن يرى شخصاً يسرق من آخر والمسألة معنونة في الفقه فراجع الجواهر.

٤٥٥

كان يسعى سعياً حثيثاً معداً بعض المقدّمات التي تجعل الخصمين المدّعي والمنكر يعترفان بالواقع أمامه ثم يقضي بينهما.

ويقول السيد الطباطبائي في ( ملحقات العروة الوثقى ) حين يقول: يجوز للقاضي أن يعمل بعلمه في حل دعاوى المتخاصمين نقصد بذلك العلم الحاصل عن الطرق العادية لا العلم الحاصل عن طريق الرمل والجفر وغيرهما(١) .

ولكن الذي يستفاد من الروايات أنّ الإمام المهدي ( عج ) هو الذي يحكم بين الناس بعلمه حين ظهوره فقط وذلك كما حكم نبي الله داودعليه‌السلام ويقول الإمام الباقرعليه‌السلام في هذا الصدد: « إذا قام قائم آل محمد حكم بحكم داودعليه‌السلام لا يسأل عن بيّنة »(٢) .

هذا وقد طال بنا الوقوف في المقام وذلك لقلع جذور الشبهة عن أذهان الشباب، وإن كان أعداء آل البيت يبثّون كل يوم جذور الشك ولكن نور المعرفة لا يفتأ متبلجاً، والحقائق الراهنة لا تزال متأرجة وسحب الشبه وإن أطلّت على الاُمّة ردحاً من الزمن، لكنّها تكتسح بشمس المعرفة.

أراها وإن طالت علينا فإنّها

سحابة صيف عن قليل تقشع

نعم قام لفيف من علمائنا بتأليف كتب ثمينة حول علم النبي والإمام سدوا بها الفراغ بعض السد ودونك ما وقفنا عليه :

١. المعارف السلمانية بمراتب الخلفاء الرحمانية، طبع بإيران على الحجر عام ١٣١٣ هجرية قمرية للعلّامة السيّد عبد الحسين النجفي الشيرازي ( قدّس الله سرّه ) له ترجمة ضافية في طبقات أعلام الشيعة ج ٣ ص ١٠٤٨.

٢. الالهام في علم الإمام، للعلّامة الشيخ محمد علي الحائري السنقري طبع في

__________________

(١) ملحقات العروة: ج ٢ ص ٣١.

(٢) وسائل الشيعة: ج ١٨ ص ١٦٨.

٤٥٦

النجف عام ١٣٧٠.

٣. علم الإمام، للعلّامة الحجة المغفور له الشيخ محمد الحسين المظفر طبع بالنجف ١٣٨٠ ه‍ أضف إلى ذلك ما أفاده العلّامة المجلسي في بحاره في غير موضع من مباحث الإمامة، شكر الله مساعيهم.

٤. رسالة فارسية في علم الإمام، صنّفها المفكّر الإسلامي السيد محمد حسين الطباطبائي وانتشر سنة ١٣٩١ ه‍ وله رسالة عربية صغيرة في هذا الموضوع أيضاً مخطوطة نحتفظ منها بنسخة.

السؤال الثالث :

مشكلة المشاركة مع الله :

تمسك بهذه الشبهة في سلب العلم بالغيب من غيره سبحانه « عبد الله القصيمي » فقال رداً على عقيدة الشيعة في علم الأئمّة بالغيب: « فالأئمّة يشاركون الله في هذه الصفة صفة علم الغيب وعلم ما كان وما سيكون، وأنّه لا يخفى عليهم شيء والمسلمون كلهم يعلمون أنّ الأنبياء والمرسلين أنفسهم لم يكونوا يشاركون الله في هذه الصفة والنصوص في الكتاب والسنّة وعن الأئمّة في أنّه لا يعلم الغيب إلّا الله متواترة لا يستطاع حصرها في كتاب، وهذا غني عن الإدلاء بشواهده، ومن المؤسف المخجل لعمر الله أن يزعموا أنّ الأئمّة يعلمون الغيب »(١) .

الجواب :

هذه شبهة تافهة لا تستحق الرد والبحث، وكتابه هذا مملوء بالسب والطعن لأعلام الشيعة بما ينزه اليراع عن نقله ونحن نمرّ عليه مرّ الكرام وخفي عليه أنّ بين العلمين بوناً شاسعاً فإنّ الله سبحانه عالم بالغيب بذاته، وغيره مطلع عليه باظهار منه

__________________

(١) الصراع بين الإسلام والوثنية: ج ١ اُنظر المقدمة.

٤٥٧

وأي تجانس بين العرضي والذاتي والمحدود وغير المحدود وأي صلة بين الأصيل في علمه، المرسل في إدراكه وبين المتدلي في ذاته وعلمه، الفقير في كلّ شأن من شؤونه حتى في علمه هذا فلو استلزم ذلك شركاً لزم أن يكون توصيف الممكن بالحياة والقدرة والسمع والبصر مما يجري على الله سبحانه أيضاً شركاً.

السؤال الرابع :

إنّ ما تقدم من الآيات لا تدل على أكثر من اطلاع النبي الأكرمصلى‌الله‌عليه‌وآله على الغيب، فما الدليل على اطلاع غيره على الغيب ؟

الجواب :

انّ هناك روايات متضافرة تدلّ على أنّ لأئمّة أهل البيت: حظاً وافراً في هذا المجال، ويدل على ذلك :

أوّلاً: الأخبار الغيبية التي وردت في نهج البلاغة وسيوافيك بعضها في هذه الصحائف وهي تدل بوضوح على معرفة عليعليه‌السلام واطلاعه على الغيب.

ثانياً: الأخبار الغيبية الواردة عن أئمّة أهل البيت التي ملأت كتب علمائنا الأبرار فهذا هو الشيخ الحرّ العاملي أتى في كتابه القيم « إثبات الهداة بالنصوص والمعجزات » كثيراً من الأخبار الغيبية المروية عن الأئمّةعليهم‌السلام ، ودونك احصاء ما نقله عن الحسن السبط المجتبى وغيره من الأئمّة حتى ينتهي إلى الإمام الثاني عشر فقد نقل عن الحسن بن علي المجتبىعليه‌السلام أزيد من عشرة أحاديث ومثله عن الإمام السبط الحسينعليه‌السلام ، ونقل عن الإمام سيد الساجدين عشرين حديثاً وعن الإمام الباقرعليه‌السلام خمسين حديثاً، وعن الإمام الصادقعليه‌السلام مائة وخمسين حديثاً، وعن الإمام الكاظمعليه‌السلام ثمانين حديثاً، وعن الإمام الرضاعليه‌السلام مائة وثلاثين حديثاً، وعن الإمام الجوادعليه‌السلام أزيد من ثلاثين حديثاً، وعن الإمام الهادي

٤٥٨

عليه‌السلام قرابة خمسين حديثاً، وعن الإمام الحسن العسكريعليه‌السلام أزيد من ثمانين حديثاً، وعن الإمام القائمعليه‌السلام أزيد من مائة حديث.

نعم لقد تكرر مضمون بعض الروايات ومع ذلك فإنّ الباقي يشكل مجموعة كبيرة من الإخبارات الغيبية التي فيها الكفاية لمن تأمّل.

ثالثاً: إنّ الروايات تضافرت عنهم: بأنّ الأئمّة ورثوا علم النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله وجميع الأنبياء والأوصياء الذين سبقوهم(١) .

وأنت إذا لاحظت كتاب الحجة من الكافي في مختلف أبوابها تقف على أنّ الأئمّة: وقفوا على علوم غيبية لم يعرفها غيرهم فلاحظ الأبواب التالية :

١. انّ الأئمّة شهداء الله على خلقه.

٢. انّ الأئمّة قد اُوتوا العلم واُثبت في صدورهم.

٣. انّ الأئمّة اصطفاهم الله من عباده وأورثهم كتابه.

٤. انّ الأئمّة معدن العلم وشجرة النبوّة.

٥. انّ الأئمّة ورثة العلم يرث بعضهم بعضاً العلم.

٦. انّ الأئمّة ورثوا علم النبي وجميع الأنبياء والأوصياء الذين من قبلهم إلى غير ذلك من الأبواب التي وردت فيها كيفية علومهم وكميتها.

فعلى القارئ الكريم أن يرجع إلى هذه الأبواب.

السؤال الخامس :

لا شك أنّ النبي الأعظم والأئمّة من أهل البيت، قد تنبّأوا بكثير من المغيبات التي كانت الفراسة والتكهن تقتضيان خلافها، غير انّا نراهم في بعض المقامات يتحاشون عن نسبة العلم بالغيب إليهم، فما وجه ذلك ؟

__________________

(١) لاحظ الكافي: ج ١ ص ٢٢٣ ـ ٢٢٦.

٤٥٩

الجواب :

إنّ الناظر في هذه الروايات يقف على أنّ المتبادر من العلم بالغيب في تلك العصور كان هو العلم الاستقلالي الذاتي الذي يختص بالله سبحانه، فهم: لصيانة شيعتهم عن الغلو والشرك، أو لدفع أعدائهم، صرّحوا بأنّ ما يخبرون عنه من الفتن وملاحم أحداث ليس بعلم غيب بل وراثة من رسول الله أو تعلّم من ذي علم إلى غير ذلك ممّا لا ينافي ما أثبتناه من تحقق اطلاعهم على الغيب بعلم مفاض واعلام منه سبحانه، ودونك ما وقفنا عليه من تلكم الروايات :

١. هذا أمير المؤمنين، قد أماط الستر عن المسألة، وعن علمه وعلم الأئمّة من بعده بالغيب، وقد أخبر عن ملاحم(١) تحدث بالبصرة، فاعترض بعض أصحابه وقال: « لقد اُعيطت يا أمير المؤمنين علم الغيب » ؟ فضحكعليه‌السلام وقال للرجل ـ وكان كلبياً ـ: « يا أخا كلب ليس هو بعلم غيب وإنّما هو تعلّم من ذي علم، وإنّما علم الغيب علم الساعة، وما عدده الله بقوله:( إِنَّ اللهَ عِندَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ ) الآية.

فيعلم سبحانه ما في الأرحام من ذكر واُنثى وقبيح وجميل، وسخي وبخيل، وشقي وسعيد، ومن يكون في النار حطباً، أو في الجنان للنبيين مرافقاً، فهذا علم الغيب الذي لا يعلمه أحد إلّا الله، وما سوى ذلك، فعلم علّمه الله تعالى نبيّه، فعلّمنيه ودعا لي بأن يعيه صدري وتضطم عليه جوانحي »(٢) .

وهذا البيان من مولانا أمير المؤمنينعليه‌السلام لا يدع لقائل شبهة، ويعطي أنّ العلم بالمغيبات، إذا كان على وجه التعلّم من الغير ليس هو علم الغيب الذي لا يعلمه إلّا الله بل ليس علماً بالغيب وإنّما هو إظهار من الغير.

٢. هذا الإمام الطاهر موسى الكاظمعليه‌السلام قد كشف النقاب عن وجه الحقيقة حينما سأله يحيى بن عبد الله بن الحسن عن علمه بالغيب وقال: « جعلت فداك

__________________

(١) سوف يوافيك لفظه.

(٢) نهج البلاغة الخطبة ١٢٤.

٤٦٠

461

462

463

464

465

466

467

468

469

470

471

472

473

474

475

476

477

478

479

480

481

482

483

484

485

486

487

488

489

490

491

492

493

494

495

496

497

498

499

500

501

502

503

504

505

506

507

508

509

510

511

512

513

514

515

516

517

518

519

520

521

522

523

524

525

526

527

528

529

530

531

532

533

534

535

536

537

538

539

540

541

542

543