مفاهيم القرآن الجزء ٣

مفاهيم القرآن10%

مفاهيم القرآن مؤلف:
الناشر: مؤسّسة الإمام الصادق (عليه السلام)
تصنيف: مفاهيم القرآن
الصفحات: 543

الجزء ١ الجزء ٢ الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥ الجزء ٦ الجزء ٧ الجزء ٨ الجزء ٩ الجزء ١٠
  • البداية
  • السابق
  • 543 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 202119 / تحميل: 6198
الحجم الحجم الحجم
مفاهيم القرآن

مفاهيم القرآن الجزء ٣

مؤلف:
الناشر: مؤسّسة الإمام الصادق (عليه السلام)
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

من لحم وعظم وعصب، واللحم والعظم والعصب جسم مخصوص وصفات مخصوصة، أعني بالجسم عبارة عن مقدار له طول وعرض وعمق يمنع غيره من أن يوجد بحيث هو إلا بأن يتنحى عن ذلك المكان. وقد يستعار هذا اللفظ أعني اليد لمعنى آخر ليس ذلك المعنى بجسم أصلاً كما يقال البلدة في يد الأمير فإن ذلك مفهوم وإن كان الأمير مقطوع اليد مثلاً.

فعلى العامي وغير العامي أن يتحقق قطعاً ويقيناً أن الرسولعليه‌السلام لم يرد بذلك جسماً هو عضو مركب من لحم ودم وعظم وأن ذلك في حق الله تعالى محال وهو عنه مقدس، فإن خطر بباله أن الله جسم مركب من أعضاء فهو عابد صنم! فإن كل جسم فهو مخلوق وعبادة المخلوق كفر وعبادة الصنم كان كفراً لأنه مخلوق وكان مخلوقاً لأنه جسم، فمن عبد جسماً فهو كافر بإجماع الأئمة، السلف منهم والخلف، سواء كان ذلك الجسم كثيفاً كالجبال الصم الصلاب أو لطيفاً كالهواء والماء، وسواء كان مظلماً كالأرض أو مشرقاً كالشمس والقمر والكواكب، أو مشفاً لا لون له كالهواء، أو عظيماً كالعرش والكرسي والسماء، أو صغيراً كالذرة والهباء، أو جماداً كالحجارة، أو حيواناً كالإنسان.

فالجسم صنم، فبأن يقدر حسنه وجماله أو عظمه أو صغره أو صلابته وبقاؤه لا يخرج عن كونه صنماً.

ومن نفى الجسمية عنه وعن يده وإصبعه، فقد نفى العضوية واللحم والعصب وقدس الرب جل جلاله عما يوجب الحدوث ليعتقد بعده أنه عبارة عن معنى من المعاني ليس بجسم ولا عرض في جسم يليق ذلك المعنى بالله تعالى، فإن كان لا يدري ذلك المعنى ولا يفهم كنه حقيقته فليس عليه في ذلك تكليف أصلاً، فمعرفة تأويله ومعناه ليس بواجب عليه، بل واجب عليه أن لا يخوض فيه. انتهى. وبذلك وافق الغزالي ورشيد رضا مذهبنا ومذهب المتأولين، وخالف المفوضة وأهل الظاهر!

٦١

وكل علماء السنّة حتى المجسّمة يصيرون متأوّلة عند الحاجة

كل المجسمة من الأشاعرة والحنابلة والوهابيين الذين حرموا التأويل، وأنكروا وجود المجاز في القرآن، وأوجبوا حمل ألفاظه وألفاظ أحاديث الصفات على معانيها الظاهرة الحقيقية، بل حتى أولئك الذين حكموا بأن المتأولة أهل ضلالة وبدعة وكفر وحذروا منهم.. كلهم يصيرون متأولة من الدرجة الأولى عندما يقعون في مأزق الآيات والأحاديث التي تخالف مذهبهم وتنفي إمكان الرؤية بالعين والتشبيه والتجسيم كقوله تعالى:لا تدركه الأبصار ...ليس كمثله شيء ...لا يحيطون به علماً ...لن تراني .. إلخ.

وهكذا نجد أن إخواننا الذين نبزونا بألفاظ (متاولة، متوالي، بني متوال) يقومون هم بتأويل جميع الآيات والأحاديث المخالفة لمذهبهم جهاراً نهاراً، وجوباً قربة إلى الله تعالى، من أجل الدفاع عن أحاديث الرؤية بالعين وظاهر الآيات المتشابهة فيها!

وهكذا يسقط منهجهم العلمي بتحريمهم التأويل في بعض الآيات والأحاديث وتحليله في بعضها! وكان الأولى بهم أن لا يلقوا أنفسهم في هذا المأزق ويتأولوا الآيات التي يوهم ظاهرها الرؤية من أول الأمر من أجل الجمع المنطقي بينها وبين الآيات النافية للرؤية.

وإذا سألتهم: لماذا أوجبتم الأخذ بظاهر هذه المجموعة من الآيات والأحاديث وحرمتم تأويلها، وأوجبتم تأويل تلك المجموعة وحرمتم الأخذ بظاهرها! فليس عندهم جواب، إلا أنهم أرادوا المحافظة على ظواهر آيات الرؤية بالعين وأحاديث الآحاد، مهما كلفهم ذلك من تناقض في المنهج العلمي، فالمهم عندهم أن لا تنخدش روايات الرؤية بالعين عن كعب الأحبار ومن قلده من الخلفاء!

٦٢

- قال السقاف في شرح العقيدة الطحاوية ص ١٤٨

ومن ذلك قول الحافظ ابن حجر في الفتح ١٣ - ٤٣٢: فمن أجرى الكلام على ظاهره أفضى به الأمر إلى التجسيم، ومن لم يتضح له وعلم أن الله منزه عن الذي يقتضيه ظاهرها إما أن يكذب نقلتها وإما أن يؤولها. انتهى.

وقد تبنى ابن تيمية والوهابيون هذا الحل (الشرعي) فحكموا بوجوب تصديق هذه الروايات وتحريم تأويلها حتى لو أدت إلى التجسيم، ثم هجموا على روايات التنزيه ونفي التجسيم بمعول التأويل!

- وقال السقاف في شرح العقيدة الطحاوية ص ١٥٦ - ١٥٩

وقد نقل الحافظ ابن جرير في تفسيره ٢٧ - ٧ تأويل لفظة (أيد) الواردة في قوله تعالى:وَالسَّمَاءَ بَنَيْنَاهَا بِأَيْدٍ وَإِنَّا لَمُوسِعُونَ ، بالقوة أيضاً عن جماعة من أئمة السلف منهم: مجاهد وقتادة ومنصور وابن زيد وسفيان... ومما يجدر التنبيه عليه هنا ولا يجوز إغفاله أن هؤلاء القوم الذين يحاربون التأويل ويزعمون أنه ضلال وبدعة وتحريف للقرآن والسنة هم أنفسهم يؤولون ما لا يوافق آراءهم من نصوص الكتاب والسنة في مسائل الصفات! فنراهم يؤولون مثل قوله تعالى: وهو معكم وقوله تعالى: ونحن أقرب إليه منكم ولكن لا تبصرون، وقوله تعالى: ما يكون من نجوى ثلاثة إلا هو رابعهم، وقوله تعالى: إنني معكما أسمع وأرى، وقوله تعالى:وهو معكم ، إلى غير ذلك من نصوص واضحة!

فإذا كان هذا قرآن وذاك قرآن فما الذي أوجب اعتقاد ظاهر هذا دون ظاهر ذاك وكله قرآن! ولماذا جوزوا تأويل ظاهر هذا دون ذلك!

... روى الخلال بسنده عن حنبل عن عمه الإمام أحمد بن حنبل أنه سمعه يقول: احتجوا عليّ يوم المناظرة فقالوا: تجيء يوم القيامة سورة البقرة... الحديث قال فقلت لهم: إنما هو الثواب. اهـ. فتأمل في هذا التأويل الصريح... نقل الحافظ

٦٣

البيهقي في الأسماء والصفات ص ٤٧٠ عن البخاري أنه قال: معنى الضحك: الرحمة اهـ. وقال الحافظ البيهقي ص ٢٩٨: روى الفربري عن محمد بن إسماعيل البخاري أنه قال: معنى الضحك فيه - أي الحديث - الرحمة اه- فتأمل. وقد نقل هذا التأويل أيضاً الحافظ ابن حجر في فتح الباري ٦ - ٤٠.

- وقال التلمساني في نفح الطيب ج ٨ ص ٣٤

حكاية أبي بكر بن الطيب مع رؤساء بعض المعتزله. وذلك أنه اجتمع معه في مجلس الخليفه فناظره في مسألة رؤية الباري فقال رئيسهم: ما الدليل أيها القاضي على جواز رؤية الله تعالى قال قوله تعالى:لا تدركه الأبصار فنظر بعض المعتزله إلى بعض وقالوا: جن القاضي! وذلك أن هذه الآية هي معظم ما احتجوا على مذهبهم وهو ساكت ثم قال لهم: أتقولون إن من لسان العرب قولك الحائط لا يبصر قالوا: لا... قال فلا يصح إذا نفي الصفة عما من شأنه صحة إثباتها له؟ قالوا: نعم، قال فكذلك قوله تعالى:لا تدركه الأبصار ، لو لا جواز إدراك الأبصار له لم يصح نفيه عنه! انتهى.

وهكذا نرى أن الذين حرموا التأويل وكفروا المسلمين بسببه، أفرطوا في ارتكابه ووصلوا به إلى حد السفسطة، فأولوا النفي الصريح بالإثبات، ولم يبق عليهم إلا أن يؤلوا(لا إله إلا الله) بوجود عدة آلهة مع الله سبحانه وتعالى عما يصفون. وسوف ترى مزيداً من فنونهم في تأويل آيات نفي الرؤية والتنزيه، عند استعراض تفسيرها، إن شاء الله تعالى.

- ونختم بما قاله الشيخ محمد رضا جعفري في بحث الكلام عند الإمامية ص ١٥١ من مجلة تراثنا عدد ٣٠

قال أبو الفرج ابن الجوزي: «واعلم أن عموم المحدثين حملوا ظاهر ما تعلق من صفات الباري سبحانه على مقتضى الحس فشبهوا، لأنهم لم يخالطوا الفقهاء فيعرفوا حمل المتشابه على مقتضى الحكم..» (١)

وقال أيضاً: «واعلم أن الناس في أخبار الصفات على ثلاث مراتب: إحداها،

٦٤

إمرارها على ما جاءت من غير تفسير ولا تأويل، إلا أن تقع ضرورة كقوله تعالى(وجاء ربّك) (٢) أي: جاء أمره، وهذا مذهب السلف.

والمرتبة الثانية، التأويل، وهو مقام خطر.

والمرتبة الثالثة، القول فيها بمقتضى الحس، وقد عمَّ جهلة الناقلين(٣)، إذ ليس لهم حظ من علوم المعقولات التي يعرف بها ما يجوز على الله تعالى وما يستحيل، فإن علم المعقولات يصرف ظواهر المنقولات عن التشبيه، فإذا عدموا تصرفوا في النقل بمقتضى الحس» (٤).

وقال تقي الدين ابن تيمية، راداً على من قال: إن أكثر الحنابلة مجسمة ومشبهة:

«المشبهة والمجسمة في غير أصحاب الإمام أحمد أكثر منهم فيهم، فهؤلاء أصناف الأكراد، كلهم شافعية، وفيهم من التشبيه والتجسيم ما لا يوجد في صنف آخر، وأهل جيلان فيهم شافعية وحنبلية، وأما الحنبلية المحضة فليس فيهم من ذلك ما في غيرهم، والكرامية كلهم حنفية»(٥).  ولست أقر ابن تيمية على دفاعه عن أهل مذهبه ولكني أسكت عنه....

٤ - نماذج مختارة: وكنموذج لما أشار إليه ابن الجوزي في كلامه عن المحدثين أختار ثلاثة لم يكونوا من الحنابلة الصرحاء، وأقدم لكل منهم بعض الترجمة كي لا يتهمني متهم بأني عثرت على مغمورين خاملين لم يكونوا ذوي شأن عند المحدثين:

١ - إسحاق بن إبراهيم بن مخلد بن إبراهيم، أبو يعقوب الحنظلي المروزي، ابن راهويه النيسابوري (١٦١/٧٧٨ ت ٢٣٨/٨٥٣.

قال الخطيب: كان أحد أئمة المسلمين، وعلماً من أعلام الدين، اجتمع له الحديث والفقه، والحفظ والصدق، والورع والزهد، ورحل إلى العراق، والحجاز، واليمن، والشام... وورد بغداد وجالس حفاظ أهلها، وذاكرهم، وعاد إلى خراسان فاستوطن نيسابور إلى أن توفي بها، وانتشر علمه عند الخراسانيين. وهكذا قال المزي والسبكي. وهو شيخ البخاري، ومسلم، والترمذي، وأبوداود، والنسائي، وبقية بن الوليد، ويحيى بن آدم - وهما من شيوخه - وأحمد بن حنبل، وإسحاق

٦٥

الكوسج، ومحمد بن رافع، ويحيى بن معين - هؤلاء من أقرانه - وجماعة.

قال نعيم بن حماد: إذا رأيت العراقي يتكلم في أحمد بن حنبل فاتهمه في دينه، وإذا رأيت الخراساني يتكلم في إسحاق بن راهويه فاتهمه في دينه.

وقال النسائي: أحد الأئمة، ثقة مأمون. وقال أحمد بن حنبل: إذا حدثك أبو يعقوب أمير المؤمنين فتمسك به. وقال أبو حاتم: إمام من أئمة المسلمين. وقال ابن حبان: وكان إسحاق من سادات زمانه فقهاً، وعلماً، وحفظاً، ونظراً، ممن صنف الكتب، وفرع السنن، وذب عنها، وقمع من خالفها، وقبره مشهور يزار. وقال أبو عبد الله الحاكم: إمام عصره في الحفظ والفتوى. وقال أبو نعيم الأصبهاني: كان إسحاق قرين أحمد [ بن حنبل ] وكان للآثار مثيراً، ولأهل الزيغ مبيراً.

وقال الذهبي: الإمام الكبير، شيخ المشرق، سيد الحفاظ، قد كان مع حفظه إماماً في التفسير، رأساً في الفقه، من أئمة الإجتهاد(٦).

أبو عيسى الترمذي - بعد أن أخرج الروايات التي تقول: إن الله يقبل الصدقة ويأخذها بيمينه... الحديث - قال: وقد قال غير واحد من أهل العلم في هذا الحديث وما يشبه هذا من الروايات من الصفات، ونزول الرب تبارك وتعالى كل ليلة إلى السماء الدنيا، قالوا: قد تثبت الروايات في هذا ويؤمن بها ولا يتوهم، ولا يقال: كيف؟

هكذا روي عن مالك، وسفيان بن عيينة، وعبد الله بن المبارك أنهم قالوا في هذه الأحاديث: أمروها بلا كيف. وهكذا قول أهل العلم من أهل السنة والجماعة. وأما الجهمية فأنكرت هذه الروايات، وقالوا: هذا تشبيه. وقد ذكر الله عز وجل في غير موضع من كتابه: اليد، والسمع، والبصر، فتأولت الجهمية هذه الآيات ففسروها على غير ما فسر أهل العلم، وقالوا: إن الله لم يخلق آدم بيده، وقالوا: إن معنى اليد ها هنا القوة.

وقال إسحاق بن إبراهيم(٧): إنما يكون التشبيه إذا قال: يد كيد، أو مثل يد، أو سمع كسمع، أو مثل سمع، فإذا قال: سمع كسمع أو مثل سمع، فهذا التشبيه. وأما

٦٦

إذا قال - كما قال الله تعالى -: يد، وسمع، وبصر، ولا يقول: كيف، ولا يقول مثل سمع، ولا كسمع، فهذا لا يكون تشبيهاً، وهو كما قال الله تعالى:(ليس كمثله شيء وهو السميع البصير) (٨).

٢ - أبو بكر محمد بن إسحاق بن خزيمة السلمي النيسابوري (٢٢٣/٨٣٨ - ٣١١/٩٢٤) قالوا عنه: إنه كان إمام نيسابور في عصره، فقيهاً، مجتهداً، بحراً من بحور العلم، اتفق أهل عصره على تقدمه في العلم، ولقبه الصفدي، واليافعي، والذهبي، والسبكي، وابن الجزري، والسيوطي، وابن عبدالحي بإمام الأئمة. وقال الدار قطني: كان إماماً معدوم النظير. وقال ابن كثير: هو من المجتهدين في دين الإسلام. وذكروا له الكرامات. وقال السمعاني: وجماعة [ من المحدثين ] ينسبون إليه، يقال لكل واحد منهم خزيمي [ فهو إمام مدرسة حدثية ]. وهذا بعض ما قيل فيه(٩):

أثبت ابن خزيمة الوجه لله سبحانه، وقال: (ليس معناه أن يشبه وجهه وجه الآدميين، وإلا لكان كل قائل إن لبني آدم وجهاً، وللخنازير، والقردة، والكلاب... - إلى آخر ما عدد من الحيوانات - وجوهاً، قد شبه وجوه بني آدم بوجوه الخنازير والقردة والكلاب...)(١٠).

وذكر مثل هذا في العين، واليد، والكف، واليمين، وقال: إن عيني الله لا تشبهان أي عين لغيره، وأضاف: نحن نقول: لربنا الخالق عينان يبصر بهما ما تحت الثرى وتحت الأرض السابعة السفلى وما في السماوات العلى وما بينهما ونزيد شرحاً وبياناً ونقول: عين الله عز وجل قديمة لم تزل باقية، ولا يزال محكوم لها بالبقاء منفي عنها الهلاك والفناء، وعيون بني آدم محدثة، كانت عدماً غير مكونة فكونها الله وخلقها بكلامه الذي هو صفة من صفات ذاته...»(١١).

وقال: إن لله يدين ويداه قديمتان لم تزالا باقيتين، وأيدي المخلوقين محدثة فأي تشبيه!...(١٢) ونفى التأويل عن كل هذا، خاصة تأويل اليد بالنعمة أو القوة(١٣).

وذكر «أن كلام ربنا عز وجل لا يشبه كلام المخلوقين، لأن كلام الله كلام متواصل

٦٧

لا سكت بينه ولا سمت، لا ككلام الآدميين الذي يكون بين كلامه سكت وسمت لانقطاع النفس، أو التذاكر، أو العي...»(١٤).

٣ - عثمان بن سعيد، أبو سعيد الدارمي، التميمي، السجستاني (ح ١٩٩/٨١٥ - ٢٨٠/٨٩٤) الإمام العلامة الحافظ، الناقد الحجة، وكان جذعاً وقذئ في أعين المبتدعة، قائماً بالسنة، ثقة، حجة، ثبتاً. وقيل فيه: كان إماماً يقتدى به في حياته وبعد مماته. ذكره الشافعية في طبقاتهم، وعده الحنابلة من أصحاب ابن حنبل(١٥).

قال الدارمي بأن لله مكاناً حده، وهو العرش(١٦) و(هو بائن من خلقه فوق عرشه بفرجة بينه في هواء الآخرة، حيث لا خلق معه هناك غيره، ولا فوقه سماء)(١٧) وقال (قد أيّنّا له مكاناً واحداً، أعلى مكان، وأطهر مكان، وأشرف مكان: عرشه العظيم فوق السماء السابعة العليا، حيث ليس معه هناك إنس ولا جان، ولا بجنبه حش، ولا مرحاض، ولا شيطان. وزعمت أنت(١٨) والمضلون من زعمائك أنه في كل مكان، وكل حش ومرحاض، وبجنب كل إنسان وجان! أفأنتم تشبهونه إذ قلتم بالحلول في الأماكن أم نحن؟!)(١٩)

وقال (ولو لم يكن لله يدان بهما خلق آدم ومسه مسيساً كما ادعيت، لم يجز أن يقال (لله): بيدك الخير...)(٢٠) وأحال في ذلك كل معنى أو تأويل من نعمة أو قوة إلا اليدين(٢١) (بما لهما من المعنى، وهو العضو الخاص المحسوس)، (وأن لله إصبعين، من غير تأويل بمعنى آخر)(٢٢) (والقدمان قدمان من غير تأويل)(٢٣) (غير أنا نقول، كما قال الله(ويبقى وجه ربّك) (٢٤) إنه عنى به الوجه الذي هو الوجه عند المؤمنين، لا الأعمال الصالحة، ولا القبلة...)(٢٥) وإن نفي التشبيه إنما هو بأن يكون لله كل هذا، ولكن لا يشبه شيء منه شيئاً مما في المخلوقين)(٢٦).

وقال الجعفري في هوامشه:

(١) تلبيس إبليس: ط ادارة الطباعة المنيرية، القاهرة: ١٣٦٨/١١٦.

(٢) الفجر ٨٩: ٢٢.

(٣) ويقصد بهم المحدثين.

٦٨

(٤) دفع شبه التشبيه بأكف التنزيه، المكتبة التوفيقية، القاهرة: ١٩٧٦/٧٣ - ٧٤.

(٥) المناظرة في العقيدة الواسطية، مجموعة الرسائل الكبرى، دار إحياء التراث العربي، بيروت، لبنان، ط ٢:١٣٩٢/١٩٧٢، ١/٤١٨.

(٦) التاريخ الكبير ١ - ٣٧٩ - ٣٨٠ = ١٢٠٩، التاريخ الصغير ٢/٣٦٨، الجرح والتعديل ١ - ١ (٢) ٢٠٩ - ٢١٠= ٧١٤، ابن حبان، الثقات ٨/١١٥ - ١١٦، طبقات الحنابلة ١/١٠٩ = ١٢٢، المنهج الأحمد ١/١٠٨ - ١٠٩ = ٤٣،تاريخ بغداد ٦/٣٤٥ - ٣٣٥ = ٣٣٨١، حلية الأولياء ٩/٢٣٤ - ٢٣٨ ابن خلكان ١/١٩٩ - ٢٠١، الأنساب ٦/٥٦ -٥٧، السبكي، طبقات الشافعية ٢/٨٣ - ٩٣، ميزان الإعتدال ١/١٨٢ - ١٨٣ = ٧٣٣، سير أعلام النبلاء ١١/٣٥٨ -٣٨٢، تذكرة الحفّاظ ٢/٤٣٣ - ٤٣٥، العبر ١/٤٢٦، الوافي بالوفيات ٨/٣٨٦ - ٣٨٨ = ٣٨٢٥، طبقات الحفاظ /١٨٨ - ١٨٩ = ٤١٩، ابن كثير ١٠/٣١٧، تهذيب التهذيب ١/٢١٦ - ٢١٩ = ٤٠٨ ، تهذيب الكمال ٢/٣٧٣ - ٣٨٨ -٣٣٢، طبقات المفسرين ١/١٠٢ - ١٠٣، شذرات الذهب ٢/٨٩.

(٧) هو إسحاق بن راهويه - عارضة الأحوذي: ٣/٣٣٢.

(٨) الجامع الصحيح، الزكاة (ما جاء في فضل الصدقة) ٣/٥٠ - ٥١ أي ٦٦٢.

(٩) الذهبي سير أعلام النبلاء: ١٤/٣٦٥ - ٣٨٢، تذكرة الحفاظ: ٢/٧٢٠ - ٧٣١، العبر: ٢/١٤٩، السمعاني، الأنساب: ٥/١٢٤، ابن الأثير، اللباب: ١/٤٤٢، ابن الجوزي، المنتظم: ٦/١٨٤ - ١٨٦، ابن كثير، البداية والنهاية،١١/١٤٩، السبكي، طبقات الشافعية: ٣/١٠٩ - ١١٩، الصفدي، الوافي بالوفيات: ٢/١٩٦، اليافعي، مرآة الجنان:٢/٢٦٤، ابن عبد الحي، شذرات الذهب: ٢/٢٦٢ - ٢٦٣، السيوطي، طبقات الحفاظ: ٣١٠ - ٣١١، ابن الجزري،طبقات القراء: ٢/٩٧ - ٩٨.

(١٠) التوحيد واثبات صفات الرب، راجعه وعلق عليه محمد خليل هراس، المدرس بكلية أصول الدين (بالأزهر)، مكتبة الكليات الأزهرية، القاهرة: ١٣٨٧/١٩٦٨، /٢٣.

(١١) المصدر / ٥٠ -٥٢.

(١٢) المصدر / ٨٢ - ٨٥.

(١٣) المصدر / ٨٥ - ٨٧.

(١٤) المصدر / ١٤٥.

(١٥) سير أعلام النبلاء: ١٣/٣١٩ - ٣٢٦، تذكرة الحفاظ: ٢/٦٢١ - ٦٢٢، العبر: ٢/٦٤، مرآة الجنان:

٦٩

٢/١٩٣، ابن كثير ١١/٦٩، طبقات الشافعية: ٢/٣٠٢ - ٣٠٦، طبقات الحفاظ: ٢٧٤، طبقات الحنابلة: ١/٢٢١، شذرات الذهب: ٢/١٧٦.

(١٦) الرد على بشر المريسي، عقائد السلف، نشر: دكتور علي سامي النشار، عمار جمعي الطالبي، منشأة المعارف الإسكندرية، مصر: ١٩٧١/٣٨٢.

(١٧) المصدر / ٤٣٩.

(١٨) يخاطب به بشر المريسي، الذي يرد عليه الدارمي، وهو بشر بن غياب المريسي، البغدادي، الحنفي (ح ١٣٨/٧٥٥ - ٢١٨ / ٨٣٣) من أعلام الحنيفة، وممن نادى بخلق القرآن ودافع عنه، وعن كثير من آراء المعتزلة.

(١٩) المصدر/ ٤٥٤

(٢٠) المصدر/ ٣٨٧

(٢١) (بما لهما من المعنى، وهو العضو الخاص المحسوس) المصدر / ٣٩٨.

(٢٢) المصدر / ٤٢٠.

(٢٣) المصدر / ٤٢٣ - ٤٢٤، ٤٢٧ - ٤٢٨.

(٢٤) الرحمن ٥٥/٢٧.

(٢٥) المصدر / ٥١٦.

(٢٦) المصدر / ٤٣٢ - ٤٣٣، ٥٠٨.. انتهى.

٧٠

الفصل الثالث

بازار الأحاديث في الرؤية والتشبيه والتجسيم

قالوا إن الله تعالى على صورة بشر!

- صحيح مسلم ج ٨ ص ٣٢

- عن أبي هريرة قال: قال رسول الله (ص) إذا قاتل أحدكم أخاه فليجتنب الوجه فإن الله خلق آدم على صورته..

- فردوس الأخبار للديلمي ج ٢ ص ٢٩٩

أبو هريرة: خلق الله عز وجل آدم على صورته وطوله ستون ذراعاً... فكل من يدخل الجنة على صورة آدم ستون ذراعاً فلم تزل تنقص بعده حتى الآن. انتهى. ونحوه في ج ٥ ص ١٦٥ ونحوه في مصابيحه ج ٣ ص ٢٦٦

- مختصر تاريخ دمشق ج ٣ جزء ٥ ص ١٢٥

عن أبي هريرة، عن النبي (ص) قال: خلق الله آدم على صورته طوله سبعون ذراعاً... الى آخره. وقد تقدم تكذيب الإمام مالك لهذا الحديث وغيره من أحاديث رؤية الله تعالى بالعين، من سير أعلام النبلاء ج ٨ ص ١٠٣

٧١

- وروى ابن حجر في لسان الميزان ج ٣ ص ٢٩٩ صيغة معقولة لهذا الحديث قال:... العلاء بن مسلمة، حدثنا عبد الله بن سيف، ثنا إسماعيل بن رافع، عن المقبري، عن أبي هريرةرضي‌الله‌عنه مرفوعاً: لا يضربن أحدكم وجه خادمه ولا يقول لعن الله من أشبه وجهك، فإن الله خلق آدم على صورة وجهه. انتهى. فهل يقبلها اخواننا ويخلصون أنفسهم من ورطة التجسيم.

- لجنة الإفتاء الوهابية ج ٤ ص ٣٦٨ فتوى رقم ٢٣٣١

س ١: عن أبي هريرةرضي‌الله‌عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: خلق الله آدم على صورته ستون ذراعاً، فهل هذا الحديث صحيح؟

ج: نص الحديث: خلق الله آدم على صورته طوله ستون ذراعاً ثم قال: إذهب فسلم على أولئك النفر، وهم نفر من الملائكة جلوس، فاستمع فما يحيونك فإنها تحيتك وتحية ذريتك، فذهب فقال: السلام عليكم، فقالوا: السلام عليك ورحمة الله فزادوه ورحمة الله، فكل من يدخل الجنة على صورة آدم طوله ستون ذراعاً، فلم يزل الخلق تنقص بعده إلى الآن. رواه الإمام أحمد والبخاري ومسلم. وهو حديث صحيح ولا غرابة في متنه فإن له معنيان:

الأول: أن الله لم يخلف آدم صغيراً قصيراً كالأطفال من ذريته ثم نما وطال حتى بلغ ستين ذراعاً، بل جعله يوم خلقه طويلاً على صورة نفسه النهائية طوله ستون ذراعاً.

والثاني: أن الضمير في قوله (على صورته) يعود على الله بدليل ما جاء في رواية أخرى صحيحة: على صورة الرحمن وهو ظاهر السياق ولا يلزم على ذلك التشبيه، فإن الله سمى نفسه بأسماء سمى بها خلقه، ووصف نفسه بصفات وصف بها خلقه، ولم يلزم من ذلك التشبيه وكذا الصورة، ولا يلزم من إتيانها لله تشبيهه بخلقه لأن الاشتراك في الإسم وفي المعنى الكلي لا يلزم منه التشبيه فيما يخص كلا منهما، لقوله تعالى:لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ .

٧٢

وقالوا له سمع وبصر كسمع الإنسان وبصره

- سنن أبي داود ج ٢ ص ٤١٩

... مولى أبي هريرة قال سمعت أبا هريرة يقرأ هذه الآية:إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها .. إلى قوله تعالى سميعاً بصيراً، قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يضع إبهامه على أذنه والتي تليها على عينه، قال أبو هريرة: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرؤها ويضع إصبعيه، قال ابن يونس قال المقرىء: يعني أن الله سميع بصير، يعني أن لله سمعاً وبصراً، قال أبو داود: وهذا رد على الجهمية. انتهى. ورواه في ج ٢ ص ٢٣٣، وكأن قصد أبي داود أن الجهمية أفرطوا في التنزيه، فيجب أن نرد عليهم بالتجسيم!

وقالوا له عينان مثل الإنسان وهما سالمتان

- صحيح البخاري ج ٢ جزء ٤ ص ١٤١

قال عبد الله (يعني ابن عمر) ذكر النبي (ص) يوماً بين ظهري الناس المسيح الدجال فقال: إن الله ليس بأعور، إلا أن المسيح الدجال أعور العين. انتهى. وقد فسرها الوهابيون وأسلافهم، بأن الله تعالى له عينان سالمتان! ورواه البغوي في مصابيحه ج ٣ ص ٤٩٧، ٥٠٧ عن ابن عمر أنه قال: قام رسول الله (ص) ثم ذكر الدجال: تعلمون أنه أعور، وأن الله ليس بأعور. عن عباده ابن الصامت عن رسول الله (ص): إن المسيح الدجال رجلٌ قصير أفجح جعد أعور، وإن ربكم ليس بأعور.

وقالوا له أيدي وأعين ورجلان

- قال ابن حزم في المحلى ج ١ ص ٣٣

مسألة: وإن لله عز وجل عزاً وعزة وجلالاً وإكراماً، ويداً ويدين وأيدياً (كذا) ووجهاً وعيناً وأعيناً، وكبرياء، وكل ذلك حق لا يرجع منه ولا من علمه تعالى وقدره وقوته إلا إلى الله تعالى لا إلى شيء غير الله عز وجل أصلاً، نقر من ذلك مما في القرآن

٧٣

وما صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا يحل أن يزاد في ذلك ما لم يأت به نص من قرآن أو سنة صحيحة.

قال عز وجل:ذو الجلال والإكرام وقال تعالى:يد الله فوق أيديهم ، لما خلقت بيدي، ومما عملت أيدينا أنعاماً، إنما نطعمكم لوجه الله، ولتصنع على عيني، إنك بأعيننا. ولا يحل أن يقال عينين لأنه لم يأت بذلك نص، ولا أن يقال سمع وبصر ولا حياة، لأنه لم يأت بذلك نص لكنه تعالى سميع بصير حي قيوم. انتهى.

ولعل ابن حزم لم يطلع على نص العينين وحديث السمع والبصر وغيرها، وإلا لقال بها!

وقالوا قد يكون له أُذن وقد يكون بلا أُذن

- فتاوى الألباني ص ٣٤٤

- سؤال السائل: صفة الأذن لله، موقف أهل السنة والجماعة منها؟

جواب: لا يثبتون ولا ينفون بالرأي، أما ما أثبته النص فهم يثبتونه بدون تكييف السلفيون مستريحون من هذه الكيفية يعني استراحوا من التشبيه عملاً بالتنزيه... وأن العين: صفة من صفاته تليق بعظمته وجلاله.

وقالوا له جنب وحقو

- تفسير الطبري ج ٢٦ ص ٣٦

- عن أبي هريرة عن رسول الله (ص) أنه قال خلق الله الخلق فلما فرغ منهم تعلقت الرحم بحقو الرحمن فقال مه! فقالت: هذا مقام العائذ بك من القطيعة... ورواه البغوي في مصابيحه ج ٣ ص ٣٥٠

- وقال الشاطبي في الإعتصام ج ٢ ص ٣٠٣

قول من زعم: أن لله سبحانه وتعالى جنباً مستدلاً بقوله: أن تقول نفس يا حسرتا على ما فرطت من جنب الله.

٧٤

وقالوا إنّه يمشي وقد يركض ويهرول

- فتاوى الألباني ص ٥٠٦

سؤال: حول الهرولة، وهل أنكم تثبتون صفة الهرولة لله تعالى؟

جواب: الهرولة كالمجيء والنزول صفات ليس يوجد عندنا ما ينفيها.

- فتاوى ابن باز ج ٥ ص ٣٧٤

... ومن ذلك الحديث القدسي وهو قول الله سبحانه: من تقرب إليّ شبراً تقربت إليه ذراعاً، ومن تقرب إليّ ذراعاً تقربت إليه باعاً، ومن أتاني يمشي أتيته هرولة... أما التأويل للصفات وصرفها عن ظاهرها فهو مذهب أهل البدع من الجهمية والمعتزلة... انتهى.

وقالوا إنّه تعالى يرى بالعين في الدنيا

- الفرق بين الفرق للنوبختي ص ٢٩٤

وأجمع أهل السنة على أن الله تعالى يكون مرئياً للمؤمنين في الآخرة، وقالوا بجواز رؤيته في كل حال ولكل حي من طريق العقل ووجوب رؤيته للمؤمنين خاصة في الآخرة، من طريق الخبر..

- مسند أحمد ج ٤ ص ٦٦

... عن خالد بن اللجلاج عن عبد الرحمن بن عائش عن بعض أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج عليهم ذات غداة وهو طيب النفس مسفر الوجه أو مشرق الوجه فقلنا: يا رسول الله إنا نراك طيب النفس مسفر الوجه أو مشرق الوجه، فقال: وما يمنعي وأتاني ربي عز وجل الليلة في أحسن صورة، قال يا محمد، قلت لبيك ربي وسعديك، قال: فيم يختصم الملأ الأعلى؟ قلت لا أدري أي رب! قال ذلك مرتين أو ثلاثاً، قال فوضع كفيه بين كتفي فوجدت بردها بين ثديي حتى تجلى لي ما في السموات وما في الأرض، ثم تلا هذه

٧٥

الآية:وَكَذَلِكَ نُرِي إِبْرَاهِيمَ مَلَكُوتَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَلِيَكُونَ مِنَ الْمُوقِنِينَ . انتهى. ورواه في ج ٥ ص ٣٧٨، وستأتي بقية رواياته في تفسير قوله تعالى(ما كذب الفؤاد ما رأى) .

وقالوا إنه يلبس قباء وجبة ويركب على جمل

- لسان الميزان ج ٢ ص ٢٣٨

ومما في الصفات له (حدثنا) أبو حفص بن سلمون ثنا عمرو بن عثمان ثنا أحمد بن محمد بن يوسف الإصبهاني ثنا شعيب بن بيان الصفار ثنا عمران القطان عن قتادة عن أنسرضي‌الله‌عنه مرفوعاً: إذا كان يوم الجمعة ينزل الله بين الأذان والإقامة عليه رداء مكتوب عليه إنني أنا الله لا إله إلا أنا، يقف في قبلة كل مؤمن مقبلاً عليه، فإذا سلم الإمام صعد إلى السماء. وروى عن ابن سلمون بإسناد له: رأيت ربي بعرفات على جمل أحمر عليه إزار! انتهى. ورواه في ميزان الإعتدال ج ١ ص ٥١٢

وقالوا إنّه فتى أمرد جعد الشعر

- ميزان الإعتدال ج ١ ص ٥٩٣

... عن ثابت عن أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم قرأ: فلما تجلى ربه للجبل، قال: أخرج طرف خنصره وضرب على إبهامه فساخ الجبل، فقال حميد الطويل لثابت: تحدث بمثل هذا! قال فضرب في صدر حميد وقال: يقوله أنس ويقوله رسول الله صلى الله عليه وسلم وأكتمه أنا! رواه جماعة عن حماد وصححه الترمذي. إبراهيم بن أبي سويد وأسود بن عامر، حدثنا حماد، عن قتادة، عن عكرمة، عن ابن عباس مرفوعاً: رأيت ربي جعداً أمرد، عليه حلة خضراء.

وقال ابن عدي: حدثنا عبد الله بن عبد الحميد الواسطي، حدثنا النضر بن سلمة شاذان، حدثنا الأسود بن عامر، عن حماد، عن قتادة، عن عكرمة، عن ابن عباس أن محمداً رأى ربه في صورة شاب أمرد دونه ستر من لؤلؤ قدميه أو رجليه في خضرة.

٧٦

... قال المرودي: قلت لأحمد: يقولون لم يسمع قتادة عن عكرمة فغضب وأخرج كتابه بسماع قتادة عن عكرمة في ستة أحاديث. ورواه الحكم بن أبان عن زيرك عن عكرمة. وهو غريب جداً.

وقالوا إنّه يضحك في الدنيا والآخرة

- صحيح البخاري ج ٢ جزء ٣ ص ٢١٠

عن أبي هريرةرضي‌الله‌عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: يضحك الله إلى رجلين يقتل أحدهما الآخر يدخلان الجنة، يقاتل هذا في سبيل الله فيقتل ثم يتوب الله على القاتل فيستشهد.

- صحيح البخاري ج ٤ ص ٢٢٦

... فباتا طاويين، فلما أصبح غد إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: ضحك الله الليلة أو عجب من فعالكما، فأنزل الله:وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ .

- سنن النسائي ج ٦ ص ٣٨

... عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إن الله عز وجل يعجب من رجلين يقتل أحدهما صاحبه، وقال مرة أخرى: ليضحك من رجلين يقتل أحدهما صاحبه ثم يدخلان الجنة. تفسير ذلك أخبرنا محمد بن سلمة... عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال يضحك الله إلى رجلين يقتل أحدهما الآخر كلاهما يدخل الجنة، يقاتل هذا في سبيل الله فيقتل ثم يتوب الله على القاتل فيقاتل فيستشهد. انتهى. ورواه ابن ماجة في ج ١ ص ٦٨

- وروى أحمد في مسنده ج ١ ص ٣٩٢

عبد الله بن مسعود عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إن آخر من يدخل الجنة رجل يمشي على الصراط فينكب مرة ويمشي مرة وتسفعه النار مرة، فإذا جاوز

٧٧

الصراط التفت إليها فقال: تبارك الذي نجاني منك لقد أعطاني الله ما لم يعط أحداً من الأولين والآخرين، قال فترفع له شجرة فينظر إليها فيقول: يا رب أدنني من هذه الشجرة فأستظل بظلها وأشرب من مائها، فيقول: أي عبدي فلعلي إن أدنيتك منها سألتني غيرها، فيقول: لا يا رب، ويعاهد الله أن لا يسأله غيرها والرب عز وجل يعلم أنه سيسأله لأنه يرى ما لا صبر له يعني عليه، فيدنيه منها ثم ترفع له شجرة وهي أحسن منها فيقول: يا رب أدنني من هذه الشجرة فأستظل بظلها وأشرب من مائها فيقول: أي عبدي ألم تعاهدني أنك لا تسألني غيرها، فيقول: يا رب هذه لا أسألك غيرها ويعاهده والرب يعلم أنه سيسأله غيرها فيدنيه منها، فترفع له شجرة عند باب الجنة هي أحسن منها فيقول: رب أدنني من هذه الشجرة أستظل بظلها وأشرب من مائها فيقول: أي عبدي ألم تعاهدني أن لا تسألني غيرها، فيقول: يا رب هذه الشجرة لا أسألك غيرها ويعاهده والرب يعلم أنه سيسأله غيرها لأنه يرى ما لا صبر له عليها فيدنيه منها فيسمع أصوات أهل الجنة فيقول: يا رب الجنة الجنة، فيقول: عبدي ألم تعاهدني أنك لا تسألني غيرها، فيقول: يا رب أدخلني الجنة.

قال فيقول عز وجل: ما يصريني منك أي عبدي أيرضيك أن أعطيك من الجنة الدنيا ومثلها معها؟

قال فيقول: أتهزؤ بي وأنت رب العزة!

قال فضحك عبد الله حتى بدت نواجذه ثم قال: ألا تسألوني لم ضحكت؟

قالوا له لم ضحكت؟

قال: لضحك رسول الله صلى الله عليه وسلم.

ثم قال لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم: ألا تسألوني لم ضحكت؟

قالوا: لم ضحكت يا رسول الله؟

قال: لضحك الرب حين قال أتهزأ بي وأنت رب العزة!! انتهى. ورواه في ج ١ ص٤١١ وج ٢ ص ٣١٨ وص ٤٦٤ وص ٥١١ وروى نحوه في ج ٢ ص ٢٧٦ وص ٢٩٤

٧٨

وص٥٣٤ وج ٣ ص ٨٠ وابن ماجة في سننه ج ١ ص ٦٤ والديلمي في فردوس الأخبار ج ٣ ص ٩ ح ٣٧٠٣ والبغوي في مصابيحه ج ١ ص ٤٣٣ وص ٥٤٤ وج ٣ ص ٥٤٦ والبيهقي في شعب الإيمان ج ١ ص ٢٤٩ وفي دلائل النبوة ج ٦ ص ١٤٣ والهيثمي في مجمع الزوائد ج ١٠ ص ٦١٥ والشوكاني في نيل الأوطار ج ٣ ص ٥٧ وغيرهم.. وغيرهم..

وسيأتي عدد آخر من روايات ضحك الله المزعوم على هذا الرجل في روايات رؤيته بالعين في الآخرة.

- وقال ابن تيمية في الإيمان ص ٤٢٤

وفي الصحيحين في حديث الشفاعة يقول كل من الرسل إن ربي قد غضب اليوم غضباً لم يغضب قبله مثله... وكذلك ضحكه إلى رجلين يقتل أحدهما الآخر كلاهما يدخل الجنة وضحكه إلى الذي يدخل الجنة آخر الناس ويقول: أتسخر بي وأنت رب العالمين! وكل هذا في الصحيح.

وقالوا إنه يضحك لمن يستلقي على دابّته

- وروى أحمد في ج ١ ص ٣٣٠ رواية غريبة نسب فيها تصرفاً غير معقول للنبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ، ونسب فيها إلى الله تعالى أنه يضحك لمن يذكره على دابته ثم يستلقي! قال الإمام أحمد:

عن عبد الله بن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أردفه على دابته فلما استوى عليها كبر رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاثاً، وحمد الله ثلاثاً، وسبح الله ثلاثاً، وهلل الله واحدة ثم استلقى عليه فضحك، ثم أقبل عليَّ فقال: ما من إمريء يركب دابته فيصنع كما صنعت إلا أقبل الله تبارك وتعالى فضحك إليه كما ضحكت إليك!

وقالوا مادام الله يضحك فأملنا فيه كبير

- روى أحمد في مسنده ج ٤ ص ١١ وص ١٢ وص ١٣ رواية تعطي الناس الأمل بالله

٧٩

تعالى لأنه يضحك! قال:... عن وكيع بن حدس عن عمه أبي رزين قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ضحك ربنا من قنوط عباده وقرب غيره، قال قلت: يا رسول الله أو يضحك الرب عز وجل! قال نعم، قال: لن نعدم من رب يضحك خيراً!

- وروى الديلمي في فردوس الأخبار ج ٣ ص ١٠

أبوذر الغفاري: ضحك الله ربنا عز وجل من قنوط عباده وقرب غيره ولن نعدم من رب يضحك خيراً. وستأتي روايته عن النويري وغيره.

وقالوا إنّه يضحك.. ويظل يضحك

- قال ابن قيم الجوزية في زاد المعاد ج ٣ ص ٥٦٦ - ٥٦٧

- قوله (ص): فيضل يضحك، هو من صفات أفعاله سبحانه وتعالى التي لا يشبهه فيها شيء من مخلوقاته كصفات ذاته.. وكذلك: فأصبح ربك يطوف في الأرض، هو من صفات فعله كقوله تعالى:وجاء ربّك والملك ، وينزل ربنا كل ليلة إلى السماء الدنيا، ويدنو عشية عرفة فيباهي بأهل الموقف الملائكة. والكلام في الجميع صراط واحد مستقيم إثبات بلا تمثيل وتنزيه بلا تحريف ولا تعطيل.

- وقال النويري في نهاية الإرب ج ٧ جزء ١٤ ص ٢٩٢

عن لقيط بن عامر العقيلي قال... أتينا رسول الله (ص) حين انصرف من صلاة الغداة فقام خطيباً فقال أيها الناس... يشرف عليكم أزلين فيظل يضحك، قد علم أن غوثكم قريب. قال لقيط له: لن نعدم من رب يضحك خيراً.. انتهى. وروى نحوه المنذري في الترغيب والترهيب ج ١ ص ٤٣٤ وص ٤٣٦ وج ٤ ص ٥٠٣

وقالوا إنّه ضحك لطلحة وسعد

- أُسد الغابة ج ٣ ص ٨٣

روي أنه (طلحة بن البراء) توفي ليلاً فقال أدفنوني.. ولا تدعوا رسول الله (ص)

٨٠

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

انّهم يزعمون أنّك تعلم الغيب » ؟ فقال: « سبحان الله، ضع يدك على رأسي، فوالله ما بقيت في جسدي شعرة ولا في رأسي إلّا قامت، ثم قال: لا والله، ما هي إلّا وراثة عن رسول الله »(١) .

٣. ما روي عن الإمام الصادق: أنّه خرج وهو مغضب فلمّا أخذ مجلسه قال: يا عجباً لأقوام يزعمون أنّا نعلم الغيب، ما يعلم الغيب إلّا الله عزّ وجلّ، لقد هممت بضرب جاريتي فلانة فهربت منّي، فما علمت في أي بيوت الدار »(٢) ، فهذه الرواية محمولة ومفسرة بما أوضحناه، وما سيوافيك من الأحاديث فالمقصود نفي العلم الاصالي القائم بذاتهم غير المستند إلى غيرهم، وأمّا أنّهعليه‌السلام همّ بضرب جاريته فهربت فما علم مكانها، فيوجّه بوجوه :

أ. ما أسلفناه من كون علومهم على حسب مشيئتم وإنّهم إذا شاؤوا علموا.

ب. ما وافاك من أنّ هنا مراحل ثلاثة، مرحلة الاطلاع، مرحلة العمل، مرحلة الإعلام ولكلّ منها، مقتضيات وشرائط وموانع، وأنّه لا يستلزم العلم بالشيء العمل به، فلعلّهعليه‌السلام أراد أن يطلع على مكانها من الطرق العادية لا غيرها.

أضف إلى ذلك أنّ ذيل الرواية تفصح عمّا ذكرناه بوضوح، ويعطي للإمام منزلة عظيمة ومكانة أرقى ممّن كان عنده علم من الكتاب ودونك لفظه: « قال سدير فلمّا أن قام من مجلسه وصار في منزله دخلت أنا وأبو بصير وميسر وقلنا له: جعلنا فداك سمعناك وأنت تقول كذا وكذا في أمر جاريتك، ونحن نعلم أنّك تعلم علماً كثيراً ولا ننسبك إلى علم الغيب ؟ قال: فقال: يا سدير ألم تقرأ القرآن ؟ قلت: بلى، قال: فهل وجدت فيما قرأت من كتاب الله عزّ وجلّ:( قَالَ الَّذِي عِندَهُ عِلْمٌ مِّنَ الْكِتَابِ أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَن يَرْتَدَّ إِلَيْكَ طَرْفُكَ ) ؟ ( النمل ـ ٤٠ ).

__________________

(١) رجال الكشي: ص ٣٥٢ ـ ٣٥٣ ط الأعلمي، ورواه شيخنا المفيد في أماليه في المجلس الثالث ص ١١٤ بأدنى تفاوت.

(٢) الكافي: ج ١ ص ٢٥٧.

٤٦١

قال: قلت: جعلت فداك قد قرأته، قال: فهل عرفت الرجل ؟ وهل علمت ما كان عنده من علم الكتاب ؟ قال: قلت: اخبرني به ؟ قال: قدر قطرة من الماء في البحر الأخضر فما يكون ذلك من علم الكتاب ؟ قال: قلت: جعلت فداك ما أقل هذا، فقال: يا سدير ما أكثر هذا، أن ينسبه الله عزّ وجلّ إلى العلم الذي أخبرك به يا سدير فهل وجدت فيما قرأت من كتاب الله عزّ وجلّ أيضاً:( قُلْ كَفَىٰ بِاللهِ شَهِيدًا بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَمَنْ عِندَهُ عِلْمُ الْكِتَابِ ) ؟ ( الرعد ـ ٤٣ ).

قال: قلت: قد قرأته جعلت فداك، قال: أفمن عنده علم الكتاب كلّه أفهم، أم من عنده علم الكتاب بعضه ؟ قلت: لا، بل من عنده علم الكتاب كلّه، قال: فأوما بيده إلى صدره وقال: علم الكتاب والله كلّه عندنا، علم الكتاب والله كلّه عندنا.

ج. أن يكون صدر الرواية وارداً على وجه التقية من النصاب والمخالفين لهم ولشيعتهم، كما أنّهم ببغضهم وحسدهم على أمير المؤمنين، إذا سمعوا ما لا يحتملونه ربّما اعترضوا بالسؤال عنه، فيصدّهم بقوله: « إنّما هو تعلّم من ذي علم » كما نقلناه عن عليعليه‌السلام عند اخباره عن الفتن والملاحم في البصرة، فإنّ طريق علمهم بالحوادث وغيرها ليس منحصراً بالوراثة، كما هو ظاهر لمن راجع الأحاديث الواردة في باب علومهم، وإنّما الوراثة أحد هذه الطرق، غير أنّ إسناد علمهم عند الاخبار بما لا تحتمله عامّة الناس إليها كان يصدهم عن الاعتراض عليه.

ثمّ إنّ العلّامة الشيخ محمد الحسين المظفر، أجاب عن حادثة الجارية وإنكارهعليه‌السلام على من يقول بأنّهم يعلمون الغيب بوجهين: ثانيها ما قدمناه أخيراً قال: « إنّهم: أعلم الناس بالناس وأعرفهم بضعف عقولهم، وعدم تحملهم فلو إنّهم كانوا يتظاهرون دوماً، بما منحوا من ذلك العلم، لأعتقد بهم أهل الضعف بأنّهم أرباب أو غير ذلك ممّا يؤوّل إلى الشرك، ولقد اعتقد بهم ذلك، كثير من الناس، من البدء حتى اليوم، على أنّهم كانوا ينفون عنهم تلك المقدرة وذلك العلم أحياناً ولم يكونوا بأهل السلطة ليقيموا أود الناس بالتأديب بعد الوعظ والزجر كما سبق لأمير المؤمنين

٤٦٢

عليه‌السلام مع بعض أصحابه ».

وقال: « بل كانوا غرضاً لفراعنة أيامهم، وهدفاً لنبالهم ولم يكونوا بذلك المظهر عندهم، فلو تظاهروا بتلك الخلة، كيف ترى يحمل الحسد اُولئك الطواغيت، على الفتك بهم وهم المحسودون على ما آتاهم الله من فضله وأي حائل يحجز عمّا يريدونه بهم وبأوليائهم، وأنّهم لم يطلعوا أعدائهم ولا سواد أوليائهم على جميع ما رزقوا من ذلك الفضل، وقد لاقوا من المصائب والنوائب والحوادث والكوارث والوقائع والفجائع، ما تشيخ منه شم الجبال وتشيب من هوله الرضّع، ولو لم يكونوا رزقوا ذلك الجلد والصبر على قدر ما رزقوا من الفضل، لما استطاع أن يحمل ـ ما تحمّلوه ـ بشر وهل مات أحد منهم حتف أنفه، دون أن يتجرع غصص السم النقيع، أو يصافح حدود الصوارم ويعتنق قدود الرماح، هذا فوق ما يرونه من الهتك للحرمات وتسيير العقائل والسب والسلب والغصب للحقوق والتلاعب بالدين، وتضييع أحكام الشريعة.

نعم لا يظهر بتلك المنح الالهية جميعها إلّا الإمام المنتظر عجل الله فرجه، لأنّه لا يخشى ذلك التسرّب إلى ضعاف البصائر، لو صارح بما وهب من الفضل لقدرته على الردع والتأديب، ولا يخاف حسد حاسد أو سطوة ظالم، وهو صاحب السلطة والسيف »(١) .

٤. ما رواه الكشي عن عنبسة بن مصعب قال: قال لي أبو عبد اللهعليه‌السلام : أي شيء سمعت من أبي خطاب ؟ قال: سمعته يقول: إنّك وضعت يدك على صدرك وقلت له عه ولا تنس. وأنّك تعلم الغيب و ...، قالعليه‌السلام : والله ما مس شيء من جسدي إلّا يده، وأمّا قوله: إنّي قلت أعلم الغيب فوالله الذي لا إله إلّا هو ما أعلم الغيب فلا آجرني الله في أمواتي ولا بارك لي في أحيائي إن كنت قلت له(٢) .

٥. ما أخبره صائب البصائر عن أبي بصير قال: قلت لأبي عبد الله: جعلت فداك أي شيء هو العلم عندكم ؟ قال: ما يحدث بالليل والنهار، الأمر بعد الأمر، والشيء بعد

__________________

(١) علم الإمام: ص ٤٨ ـ ٤٩.

(٢) رجال الكشي: ص ١٨٨.

٤٦٣

الشيء إلى يوم القيامة(١) والحديث بصدد نفي العلم القديم عنهمعليهم‌السلام .

٦. ما نقله صاحب البصائر باسناده عن ضريس قال: كنت مع أبي بصير عند أبي جعفرعليه‌السلام فقال له أبو بصير: بما يعلم عالمكم، جعلت فداك ؟ قال: يا أبا محمد إنّ عالمنا لا يعلم الغيب ولو وكّل الله عالمنا إلى نفسه كان كبعضكم ولكن يحدث إليه ساعة بعد ساعة(٢) وظهور الحديث فيما نرتئيه أغنانا عن البحث حوله.

٧. ما خرج عن صاحب الزمانعليه‌السلام ردّاً على الغلاة من التوقيع جواباً لكتاب إليه على يدي محمد بن علي بن هلال الكرخي: يا محمد بن علي، تعالى الله عزّ وجلّ عمّا يصفونه سبحانه وبحمده لسنا نحن شركاءه في علمه ولا في قدرته بل لا يعلم الغيب غيره، كما قال في محكم كتابه تبارك وتعالى:( قُل لاَّ يَعْلَمُ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ الْغَيْبَ إلّا اللهُ ) إلى أن قال: أشهدك وأشهد كلّ من سمع كتابي هذا أنّي برئ إلى الله وإلى رسوله ممّن يقول: إنّا نعلم أو نشارك الله في ملكه أو علينا محلاً سوى المحل الذي نصّبه الله وخلقنا له(٣) .

وفي التوقيع قرائن كثيرة تدل على أنّ المقصود من نفي علم الغيب هو العلم الاصالي الموجب لكونهم شركاء لله في علمه وملكه وقد أكد في التوقيع بأنّهم وجميع الأنبياء والمرسلين كلّهم عبيد لله عزّ وجلّ فراجع إلى غير ذلك ممّا يمكن أن يقف عليه المتتبع الخبير.

خاتمة المطاف :

قد سبق منّا في أوليات الفصل السابق(٤) أنّ كلّ ما غاب عن الحس والشهود فهو غيب لا يقف عليه أحد إلّا بإذن خاص من الله عزّ وجلّ وهو لا يظهره على أحد

__________________

(١) بصائر الدرجات: ص ٩٤ ونقله المجلسي في بحاره: ج ٢٦ ص ٦٠.

(٢) بصائر الدرجات: ص ٩٤، راجع البحار: ج ٢٦ ص ٦١.

(٣) الاحتجاج: ج ٢ ص ٢٨٨ ط النجف.

(٤) راجع ص ٣٤٧ ـ ٣٥٠ من هذا الجزء.

٤٦٤

إلّا من إرتضاه قال سبحانه:( وَلا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِّنْ عِلْمِهِ إلّا بِمَا شَاءَ ) ( البقرة ـ ٢٥٥ ).

غير أنّ الغيب الذي يتوقف على اذنه ومشيئته الخاصة، هو التعرّف عليه من دون أن يتوسل بعلل وأسباب عادية كما هو الحال في علم الرسول وخلفائه، وأمّا الاطلاع على الغيب بطرقه العادية وأسبابه الطبيعية، كاخبار المنجّم عن خسوف القمر في ليلة مقمرة، وكسوف الشمس في يوم معيّن، بالاعتماد على الجداول العلمية والمحاسبات الرياضية، فهو وإن كان علماً بالغيب وتعرّفاً على ما هو غائب عن حس العامة غير أنّه ليس علماً بالغيب في مصطلح القرآن والاخبار.

وإن أبيت إلّا دخوله في علم الغيب في مصطلح الذكر الحكيم فنقول: إنّ الاطلاع على الغيب بأسبابه العادية من المغيبات التي أذن الله لكل أحد أن يطلع عليها إذا طرقها من أبوابها ونظر إليها في ضوء العلم والتجربة.

فقد أذن لكل من تداول علم النجوم ومارس الطب والطبابة أن يعرف وقت التربيع والخسوف والكسوف وأوضاع الكواكب وأحوالها بفضل الجداول والقوانين الرياضية، وأن يقف على مستقبل المريض وحالاته بل واوان موته، كما أذن لكل من درس علم الفلاحة ومارسها، أن يعرف الشجرة ونتاجها، والوردة وآوان تفتحها والتربة ومدى صلاحها، وقابليتها للزراعة إلى غير ذلك ممّا يدور في حقله، فالتنبّؤ بهذه الاُمور الغائبة ونظائرها يتحقق في ظل دراسات ومسبقات علمية، ولا يعد ذلك آية ومعجزة ودليلاً على صلة المخبر بالله والعوالم الغيبية بل إن دلّ على شيء فإنّما يدلّ على نبوغه وتوغّله في فنّه الذي تخصص فيه.

ثمّ إنّ الرسول إذ كان ممّن ارتضاه الله سبحانه للتعرف على الغيب والاطلاع عليه، فللّه سبحانه أن يظهره على غيبه عن طريق كتابه وقرآنه، وقد وقفت على نماذج من ذلك، كما أنّ له أن يوقفه عليه بغير هذا الطريق بقذف في روعه وتحديث من ملائكته أو غير ذلك من الطرق الغيبية فلا نرى عند ذاك فرقاً بين أن يتنبّأ بفضل كتابه المنزّل عليه

٤٦٥

أو بطريق آخر، فالتنبّؤ في كلا الموردين آية معجزة ودليل على صلته بالله سبحانه غير أنّ القرآن وحي بلفظه ومعناه، وغيره وحي بمعناه دون لفظه وكلاهما حق لا ينطق بهما النبي إلّا عن وحي يوحى.

وقد شغلت بال المحدّثين تلك التنبّؤات التي صدرت عن النبي عن طريق غير الوحي القرآني فعقدوا لبيانها باباً أو أبواباً، بل ألّفوا حولها كتباً ورسالات(١) .

ونحن نذكر هنا بالرغم على ما تثيره العناصر المعاندة لأهل البيت والعادية عليهم من انكار تعرّفهم على الغيب واطلاعهم عليه، معشار ما وقفنا عليه في صحاح القوم ومسانيدهم وكتب الحديث والتاريخ حتى يلمس القارئ خلاله ما هو الحق في المقام.

تنبّؤات نبوية :

١. تنبّأ الرسول بغلبة المسلمين على كسرى وفتح كنوزه واستقرار السلام العام في مناطقهم وبيئاتهم. قال عدي بن حاتم: بينا أنا عند النبي إذ أتاه رجل فشكا إليه الفاقة، ثمّ أتاه آخر فشكا قطع السبيل، فقال يا عدي: هل رأيت الحيرة ؟ قلت: لم أرها وقد اُنبئت عنها، قال: فإن طالت بك الحياة لترين الظعينة ترتحل من الحيرة حتى تطوف بالكعبة لا تخاف أحداً إلّا الله ولئن طالت بك حياة لنفتحن كنوز كسرى، قلت: كسرى بن هرمز ؟ قال: نعم، ولئن طالت بك حياة لترين الرجل يخرج ملئ كفّه من ذهب أو فضة فلا يجد من يقبله قال عدي: رأيت الظعينة ترتحل من الحيرة حتى تطوف بالكعبة لا تخاف إلّا الله، وكنت فيمن افتتح كنوز كسرى، رواه البخاري(٢) .

__________________

(١) أجمع كتاب اُلّف في هذا الموضوع لدى الشيعة ما ألّفه المحدث السيد هاشم البحراني وأسماه مدينة المعاجز، وهو مجلد كبير طبع بإيران ويليه ما ألّفه المحدّث الحر العاملي وأسماه ب‍ « اثبات الهداة بالبيّنات والمعجزات » وقد طبع في مجلدات سبع وقد مرّ الايعاز إلى ما ورد فيه من الأخبار الغيبية.

(٢) راجع التاج: ج ٣ ص ٢٥٦.

٤٦٦

٢. قد شكا خباب بن الارت إلى النبي وكان هو متوسّد بردة له في ظل الكعبة فقال له: ألا تستنصر لنا ألا تدعو الله لنا ؟ فقال النبي ـ مشيراً إلى ألوان التعذيب التي كانت تحل بالمؤمنين في الاُمم السالفة ـ: « والله ليتمنّ الله هذا الأمر حتى يسير المراكب من صنعاء إلى حضرموت لا يخاف إلّا الله أو الذئب على غنمه ولكنّكم تستعجلون » رواه البخاري وأبو داود في الجهاد وبهذا المضمون أحاديث كثيرة(١) .

٣. تنبّأ النبي بالمستقبل المظلم الذي يواجهه الخويصرة رئيس الخوارج والمارقين وهو الذي قال لرسول الله: « اعدل » فقال رسول الله: ويلك من يعدل إن لم أعدل ؟ قد خبت وخسرت إن لم أعدل، فقال عمر بن الخطاب: يا رسول الله أتأذن لي فيه أضرب عنقه ؟ قال: دعه فإنّ له أصحاباً يحقر أحدكم صلاته مع صلاتهم وصيامه مع صيامهم، يقرأون القرآن لا يجاوز تراقيهم يمرقون من الإسلام كما يمرق السهم من الرمية ينظر إلى نصله فلا يوجد فيه شيء(٢) وللحديث صور اُخرى نقلها في التاج(٣) .

٤. وقد تنبّأصلى‌الله‌عليه‌وآله بكذّاب ثقيف وقتال الروم وفتح القسطنطينية وغيره من علامات خروج المهدي وقد جمعها صاحب التاج في كتاب الفتن، فراجع الجزء الخامس ص ٢٩٦ ـ ٣٢٦ تجد فيها من التنبّؤات ما لا يحصى.

٥. تنبّأ رسول الله بقتل علي بسيف أشقى الأوّلين والآخرين وهو يبكي، فقال علي: يا رسول الله ما يبكيك ؟ فقال: يا علي أبكي لما يستحل منك في هذا الشهر كأنّي بك وأنت تصلّي لربّك وقد انبعث أشقى الأوّلين والآخرين شقيق عاقر ثمود فضربك ضربة على قرنك فخضب منها لحيتك(٤) وهو أخبر في كلامه هذا عن عدة مغيبات من أنّ علياً لا يموت بحتف أنفه، بل يقتل في شهر رمضان، في حال الصلاة، بالسيف ،

__________________

(١) راجع التاج: الجزء الثالث ص ٢٥٧.

(٢) المصدر نفسه: ج ٥ ص ٢٨٦ كتاب الفتن.

(٣) المصدر نفسه: ج ٥ ص ٢٩٥.

(٤) عيون أخبار الرضا: ج ١ ص ٢٩٧، تاريخ بغداد: ج ١ ص ١٣٥ الكامل للمبرد:ج ٢ص ١٣٢، نهج البلاغة، عبده، الخطبة ١٥١.

٤٦٧

ويصيب السيف بقرنه، وتخضب منها لحيته، وانّ قاتله شقيق عاقر ثمود في الشقاء.

٦. أخبر في غزوة تبوك عن موت أبي ذر وحده بفلات من الأرض وذلك عندما أبطأ على أبي بذر بعيره فتركه وأخذ متاعه على ظهره ثم خرج يتبع أثر رسول الله ماشياً ونزل رسول الله في بعض منازله فنظر ناظر من المسلمين فقال: يا رسول الله أنّ هذا الرجل يمشي على الطريق وحده، فقال: رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله كن أبا ذر، فلمّا تأمله القوم قالوا: يا رسول الله هو والله أبو ذر، فقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : رحم الله أبا ذر يمشي وحده، ويموت وحده، ويبعث وحده.

ولما سير عثمان أبا ذر إلى الربذة مات هناك، ولم يكن معه إلّا امرأته وغلامه، فأوصاهما أن اغسلاني وكفّناني ثمّ ضعاني على قارعة الطريق، فأوّل ركب يمر بكم فقولوا هذا أبو ذر صاحب رسول الله، فأعينونا على دفنه، وقبل عبد الله بن مسعود في رهط من أهل العراق وقام إليهم الغلام فأخبرهم بما أمر، فاستهل عبد الله بن مسعود يبكي ويقول صدق رسول الله تمشي وحدك، وتموت وحدك، وتبعث وحدك، ثمّ نزل هو وأصحابه فواروه، ثمّ حدثهم عبد الله بن مسعود حديثه وما قال رسول الله في مسيره إلى تبوك(١) .

٧. وقد خاطبصلى‌الله‌عليه‌وآله عائشة بقوله: يا حميراء كأنّي بك تنبحك كلاب الحوأب تقاتلين علياً وأنت ظالمة، يا حميراء إيّاك أن تكوني أنت(٢) .

٨. كان رسول الله يحث أصحابه على نصرة أمير المؤمنين في قتال الناكثين والقاسطين والمارقين وقال أمير المؤمنين: أمرني رسول الله بقتال الناكثين والقاسطين والمارقين(٣) .

٩. تنبّأ النبي بما يجري على الاُمّة من بني اُميّة وقال كما قال أبو ذر لعثمان: سمعت رسول الله يقول: إذا كملت بنو اُميّة ثلاثين رجلاً اتخذوا بلاد الله دولاً، وعباد الله

__________________

(١) سيرة ابن هشام: ج ٢ ص ٥٢٣.

(٢) العقد الفريد: ج ٢ ص ٢٨٣، مستدرك الحاكم: ج ٣ ص ١٩٤.

(٣) تاريخ الخطيب: ج ٨ ص ٣٤٠ وغيره.

٤٦٨

خولاً، ودين الله دغلاً، فارتجّ الخليفة بسماعه فبعث إلى علي بن أبي طالب فأتاه فقال: يا أبا الحسن أسمعت رسول الله يقول ما حكاه أبو ذر وقص عليه الخبر، فقال علي: نعم(١) .

يحدثنا التاريخ عن سيرة الخليفة في الغنائم والأموال وعن اقتناء جماعة من أصحاب الفتن والثورات من آل العاص وبني اُميّة ضياعاً عامرة ودوراً فخمة وقصوراً شاهقة، وثروة طائلة وأسس الخليفة حكومة اُموية قاهرة في الحواضر الإسلامية وسلّطهم على رقاب الناس وأدلى الأمر، في المراكز الحساسة إلى أغلمة بني اُمية وشبابهم وأشياخهم وذلّل لهم السبل وكسح عن مسيرهم العراقيل إلى غير ذلك من أحداث موبقة جرت الويلات على الاُمّة الإسلامية في أمصارها إلى أن قتل من جرائها.

وإلى ذلك يشير النبي بقوله: سيكون اُمراء بعدي يقولون ما لا يفعلون ويفعلون ما لا يؤمرون(٢) .

١٠. ما أخبر به عمار إذ دخل عليه وقد أثقلوه باللبن فقال: يا رسول الله قتلوني يحملون علي ما لا يحملون بقوله: ويح ابن سمية ليسوا بالذين يقتلوك إنّما تقتلك الفئة الباغية، وأنّ آخر رزقك من الدنيا صاع من لبن أو مذقة من لبن، وقد طلب عمار شربة فاُتي بشربة لبن، فقال: انّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله قال: آخر شربة تشربها في الدنيا شربة لبن وشربها ثمّ قاتل حتى قتل(٣) .

١١. تنبّأ النبي بقتال الزبير مع أمير المؤمنين وقد برز علي، قبل وقوع الحرب يوم الجمل وأراد أن يستفيئه إلى طاعته، وقال ليبرز إليَّ الزبير فبرز إليه مدججاً، فقيل لعائشة: قد برز الزبير إلى عليعليه‌السلام فصاحت: وازبيراه، فقيل لها: لا بأس عليه منه، أنّه حاسر والزبير دارع، فقال له علي ـ بعد كلام دار بينه وبين الزبير ـ: ناشدتك الله أتذكر يوماً مررت بي ورسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله متّكئ على يدك وهو جاء من بني عمرو بن

__________________

(١) تاريخ اليعقوبي: ج ٢ ص ١٦٢ ط النجف وغيره من المصادر الوافرة.

(٢) مسند أحمد: ج ١ ص ٤٥٦.

(٣) سيرة ابن هشام: ج ١ ص ٤٩٧، اُسد الغابة: ج ٤ ص ٤٦.

٤٦٩

عوف فسلّم علي وضحك في وجهي فضحكت إليه لم ازده على ذلك فقلت: لا يترك ابن أبي طالب يا رسول الله زهوه، فقال لك: مه أنّه ليس بذي زهو أما أنّك ستقاتله وأنت له ظالم. فاسترجع الزبير وقال: لقد كان ذلك ولكن الدهر أنسانيه(١) .

١٢. تنبّأ النبي بقتال عليعليه‌السلام على تأويل القرآن، روى أبو سعيد قال: كنّا مع رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله فانقطعت نعله فتخلّف علي يخصفها فمشى قليلاً ثمّ قال: « إنّ منكم من يقاتل على تأويل القرآن كما قاتلت على تنزيله » فاستشرف لها القوم وفيهم أبو بكر وعمر وقال أبو بكر: يعني علياً، فأتيناه فبشرناه فلم يرجع به رأسه كأنّه قد سمعه من رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله (٢) .

١٣. أخبر النبي بقتل كسرى وأنّ الله سلّط ابنه « شيرويه » عليه، فقتله في شهر كذا وليلة كذا، وذلك عندما كتب كسرى إلى « باذان » وهو باليمن أن ابعث إلى هذا الرجل الذي بالحجاز رجلين من عندك جلدين فليأتياني به، فبعث باذان « بابويه » وكان كاتباً حاسباً ورجلاً آخر من الفرس فأعلما النبي بما قدما له، فقال لهما رسول الله: أرجعا حتى تأتيان غداً، فلمّا أتيا تنبّأ بقتل كسرى وأمر بهما أن يقولا لباذان: « ديني وسلطاني سيبلغ ملك كسرى وينتهي منتهى الخف والحافر »(٣) .

١٤. تنبّأ النبي بأنّه لا ينقضي حتى يمضي فيهم اثنا عشر خليفة وقد روى حصين عن أبيه جابر بن سمرة قال: دخلت مع أبي على النبي سمعته يقول: أنّ هذا الأمر لا ينقضي حتى يمضي فيهم اثنا عشر خليفة، قال ثمّ تكلم بكلام خفي علي، فقلت لأبي: ما قال ؟ قال: كلّهم من قريش(٤) .

هذا غيض من فيض، وقليل من كثير ممّا يقف عليه المتتبع في مسانيد الحديث

__________________

(١) مستدرك الحاكم: ج ٣ ص ٣٦٦.

(٢) مستدرك الحاكم: ج ٣ ص ٢٣.

(٣) الطبقات الكبرى: ج ١ ص ٢٦٠، تاريخ الكامل: ج ٢ ص ١٤٦، السيرة الحلبية: ج ٣ ص ٢٧٨.

(٤) صحيح مسلم: ج ٢ ص ١٩١، ورواه غيره بصور متقاربة.

٤٧٠

وصحاحه وجوامع التاريخ أتينا بها، ليكون القارئ على بصيرة من الأمر ولا يصغي لدعوة العناصر المعاندة من رماة القول على عواهنه.

وأنت أيّها القارئ الكريم إذا درست حقيقة النبوّة وما أكرم الله سبحانه به أنبيائه من نفسيات وملكات كالعصمة والقداسة الروحية والنزاهة النفسية، والعلم الذي لا يضلّون معه في شيء، إلى كثير من كرائم وفضائل، حتى جعلهم أكمل البشر خلقاً وخُلقاً، وأصدقهم قولاً وأحاطهم بالرعاية، وشملهم بالعناية، كما قال سبحانه مخاطباً نبيّه الأكرم:( وَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ فَإِنَّكَ بِأَعْيُنِنَا ) ( الطور ـ ٤٨ )، لوقفت أنّ التنبّؤ بالغيب والاخبار عن غابر الحوادث وطارئها ليس أمراً عجيباً في جنب ما منح الله لهم من عظائم المواهب، وكرائم الفضائل.

فعند ذاك فلا غرو فيما اخبروا عن غابر الاُمور وطارئها مما نقلناه وما لم ننقله فإنّ النبوّة منصب إلهي خطير لا يستحقه إلّا الأمثل فالأمثل من الناس وأفضلهم وأجمعهم للكمالات وأعلمهم بالحقائق والاُمور، ممّن شملته العناية الالهية وتعلّم منه ما لم يكن يعلمه هو ولا قومه كما قال:( وَيُعَلِّمُهُ الْكِتَابَ وَالحِكْمَةَ وَالتَّوْرَاةَ وَالإِنجِيلَ ) ( آل عمران ـ ٤٨ ).

وقال سبحانه:( تِلْكَ مِنْ أَنبَاءِ الْغَيْبِ نُوحِيهَا إِلَيْكَ مَا كُنتَ تَعْلَمُهَا أَنتَ وَلا قَوْمُكَ مِن قَبْلِ هَٰذَا ) ( هود ـ ٤٩ )، وقال سبحانه:( وَإِنَّهُ لَذُو عِلْمٍ لِّمَا عَلَّمْنَاهُ ) ( يوسف ـ ٦٨ )، وقال:( أَلَمْ أَقُل لَّكُمْ إِنِّي أَعْلَمُ مِنَ اللهِ مَا لا تَعْلَمُونَ ) ( يوسف ـ ٩٦ )، فعند ذاك فلا عجب إذا أخبروا بغابر الاُمور وطارئها، أو بكل ما كان وما يكون من الحوادث باذن من الله سبحانه ف‍( أَنَّ اللهَ يَعْلَمُ سِرَّهُمْ وَنَجْوَاهُمْ وَأَنَّ اللهَ عَلاَّمُ الْغُيُوبِ ) .

تنبّؤات علوية :

هذا أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب صنو النبي، وباب علمه ووارثه، قد تنبّأ بملاحم أحداث وفتن في حياته وأيام امارته أخذها من منهلها العذب ونميرها الصافي ،

٤٧١

فصدق الخبر الخبر، فتحقق بعضها بعد مئات السنين، ولم يكن تنبّؤ الوصي عن تكهّن وتخرّص ولا عن فراسة ومحاسبات عادية، وشتّان بين تخرّص متخرّص، أو كهانة متكهّن، أو تفرّس متفرّس، وما تنبّأ به الوصي على صهوات المنابر في الحواضر الإسلامية وميادين الحروب الطاحنة وأندية الوعظ والتبليغ معلناً بأنّ ما ذكره وراثة عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله وعلم وصل إليه منه، ودونك نماذج ممّا وقفنا عليه :

قام خطيباً في البصرة مخاطباً أهلها الناكثين عندما وضعت الحرب أوزارها وقال :

١. كأنيّ بمسجدكم كجؤجؤ سفينة قد بعث الله عليها العذاب من فوقها ومن تحتها وغرق من في ضمنها(١) .

وقد وقع المخبر به، فإنّ البصرة غرقت مرتين في أيام القادر بالله، ومرّة في أيام القائم بأمر الله، غرقت بأجمعها ولم يبق منها إلّا مسجدها الجامع، بارزاً بعضه كجؤجؤ الطائر، حسب ما أخبر به أمير المؤمنينعليه‌السلام فقد جاءها الماء من بحر فارس من جهة الموضع المعروف الآن بجزيرة الفرس، ومن جهة الجبل المعروف بجبل السنام، وخربت دورها، وغرق كل ما في ضمنها، وهلك كثير من أهلها(٢) .

٢. قوله: وكأنيّ وقد سار بالجيش الذي لا يكون له غبار ولا لجب ولا قعقعة لجم، ولا حمحمة خيل، يثيرون الأرض بأقدامهم، كأنّها أقدام النعام(٣) .

٣. قوله: وكأنيّ أراها قوماً كأنّ وجوههم المجان المطرقة، يلبسون السرق والديباج، يعتقبون الخيل العتاق، ويكون هناك استحرار قتل، حتى يعيش المجروح على المقتول، ويكون المفلت، أقل من المأسور(٤) .

__________________

(١) نهج البلاغة، الخطبة ١٢.

(٢) الشرح الحديدي: ج ١ ص ٢٥٣.

(٣) نهج البلاغة الخطبة ١٢٤، قال الشريف الرضي: يومي بذلك إلى صاحب الزنج، وقد ذكر أخباره الطبري في تاريخه: ج ٣ ص ١٧٤٣ طبع أوربا، والمسعودي في مروج الذهب: ج ٤ ص ١٩٤، ونقله الشارح المعتزلي في شرح النهج: ج ٨ ص ١٢٦ ـ ٢١٤.

(٤) نهج البلاغة الخطبة ١٢٤.

٤٧٢

يومي به إلى فتنة التتار وجيشه العرمرم الذي أعدّه رئيسها لغزو المسلمين وهدم بلادهم ونهب أموالهم وقتل صغيرهم وكبيرهم، وقد ذكر ابن الاثير، هذه الحادثة المؤلمة في تاريخه ( في حوادث سنة ٦١٧ وما بعدها ج ٩ ص ٣٢٩ ـ ٣٨٧ ).

وقال في أوّلها: ولقد بقيت عدّة سنين معرضاً عن ذكر هذه الحادثة، استعظاماً لها، كارهاً لذكرها، فأنا أقدم إليه رجلاً واُخّر اُخرى، فمن الذي يسهل عليه، أن يكتب نعي الإسلام والمسلمين ؟ من ذا الذي يهون عليه ذكره، فياليت اُمّي لم تلدني، ويا ليتني مت قبل هذا، وكنت نسياً منسياً، إلّا أنّه حثّني جماعة من الأصدقاء على تسطيرها، وأنا متوقف، ثمّ رأيت أنّ ترك ذلك لا يجدي نفعاً.

وقد نقل الشارح الحديدي ج ٨ ص ٢١٨ ـ ٢٤١ اجمال هذه الملحمة أيضاً، فراجع.

٤. ومثل إخباره عمّا يجري بعد وفاته على الاُمّة وتعرفهم على شخصيته البارزة بعد ما كانت مجهولة كقوله: « غداً ترون أيامي ويكشف لكم عن سرائري وتعرفونني بعد خلو مكاني وقيام غيري مقامي »(١) .

٥. ومثل إخباره عن ملك بني اُمية وزوال أمرهم عند تفاقم فسادهم في الأرض حيث قال: « أقسم ثمّ أقسم لتنخمنها(٢) اُمية من بعدي كما تلفظ النخامة ثمّ لا تذوقها ولا تطعم بطعمها أبداً ماكر الجديدان »(٣) .

٦. وقوله مخبراً عن تسلّط معاوية على العراق والزامه الناس بسب عليعليه‌السلام والبراءة منه كما يقول: « أمّا أنّه سيظهر عليكم بعدي رجل رحب البلعوم، مندحق البطن، يأكل ما يجد، ويطلب ما لا يجد، فاقتلوه ; ولن تقتلوه ألا وإنّه سيأمركم بسبّي

__________________

(١) نهج البلاغة طبعة عبده الخطبة ١٤٥.

(٢) نخم ـ كفرح ـ أخرج النخامة من صدره فألقاها، والنخامة ـ بالضم ـ ما يلف ـ ظه الصدر أو الدماغ من المواد المخاطية.

(٣) نهج البلاغة طبعة عبده الخطبة ١٥٣.

٤٧٣

والبرائة منّي، أمّا السب فسبّوني فإنّه لي زكاة ولكم نجاة، وأمّا البراءة فلا تتبرّأوا منّي فإنّي ولدت على الفطرة وسبقت إلى الإيمان والهجرة »(١) .

قال الشارح الحديدي: وكثيراً من الناس يذهب إلى أنّهعليه‌السلام عنى زياداً وكثير منهم يقول: أنّه عنى الحجاج وقال قوم: أنّه عنى المغيرة بن شعبة، والأشبه عندي: معاوية لأنّه كان موصوفاً بالنهم وكثرة الأكل وكان بطيناً يقعد بطنه إذا جلس على فخذيه ـ إلى أن قال ـ: وتظافرت الأخبار بأنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله دعى على معاوية لما بعث إليه يستدعيه فوجده يأكل ثم بعث فوجده يأكل فقال اللّهمّ لا تشبع بطنه وقال الشاعر :

وصاحب لي بطنه كالهاوية

كأنّ في أحشائه معاوية(٢)

٧. ما يومى إلى سلطة الحجاج: لو تعلمون ما أعلم مما طوي عنكم غيبه، إذاً لخرجتم إلى الصعدات تبكون على أعمالكم، وتندمون على أنفسكم ـ إلى أن قال: ـ أما والله ليسلّطنّ عليكم غلام ثقيف الذيال الميال، يأكل خضركم ويذيب شحمتكم إيه أبا وذحة(٣) .

٨. تنبّأ بما ستلقى الاُمّة من مروان وولده بقوله ـ لما اُخذ مروان أسيراً يوم الجمل ـ: « أما أنّ له امرة كلعقة الكلب أنفه(٤) ، وهو أبو الأكبش الأربعة وستلقي الاُمّة منه ومن ولده يوماً أحمر »(٥) وفسّروا الأكبش الأربعة بولد عبد الملك بن مروان وهم الوليد وسليمان ويزيد وهشام الذين سوّدوا تاريخ الخلافة بل تاريخ الانسانية بجناياتهم الموبقة

__________________

(١) نهج البلاغة طبعة عبده الخطبة ٥٦.

(٢) الشرح الحديدي: ج ٤ ص ٥٤ ـ ٥٥.

(٣) نهج البلاغة الخطبة ١١٢: الوذح ما يتعلق بذنب الشاة من البعار فيجف، والمراد هنا الخنفساء وقد لسعت يد الحجاج فورمت يده وأخذته حمى من اللسعة فأهلكته، ولا يخفى أنّ في هذا الكلام القصير تنبّؤات.

(٤) تصوير عن قصر مدتها، وكانت تسعة أشهر، وهذا تنبّؤ آخر.

(٥) نهج البلاغة ط عبده ص ٧٠.

٤٧٤

وخزاياتهم المهلكة.

٩. هذا « عرفة » الأزدي وهو من أصحاب النبي و « الصفة » وقد دعا له النبي أن يبارك له في صفقته يقول: دخلني شك في شأن عليعليه‌السلام فخرجت معه على شاطئ الفرات، فعدل عن الطريق ووقف ووقفنا حوله، فقال ـ مشيراً بيده ـ: « هذا موضع رواحلهم، ومناخ ركابهم، ومهراق دمائهم بأبي من لا ناصر له في الأرض ولا في السماء إلّا الله »، فلمّا قتل الحسين، خرجت حتى أتيت المكان الذي قتلوا فيه، فإذا هو الحال ما أخطأ شيئاً، قال: فاستغفرت الله مما كان من الشك وعلمت أنّ علياًعليه‌السلام كان على حق لم يقدم إلّا بما عهد إليه منه(١) .

١٠. ما تنبأ بهعليه‌السلام عندما عزم على حرب الخوارج، قيل له: إنّ القوم قد عبروا جسر النهروان، قال: مصارعهم دون النطفة والله لا يفلت منهم عشرة ولا يهلك منكم عشرة.

قال الرضي: يعني بالنطفة ماء النهر وهي أفصح كناية عن الماء وقال الشارح الحديدي: هذا الخبر من الأخبار التي تكاد تكون متواترة لاشتهاره ونقل الناس كافة له وهو من معجزاته وأخباره المفصلة عن الغيوب.

والاخبار على قسمين :

أحدهما: الأخبار المجملة ولا اعجاز فيها: نحو أن يقول الرجل لأصحابه: انّكم ستنتصرون على هذه الفئة التي تلقونها غداً، فإن نصر، جعل ذلك حجة له عند أصحابه وسماها معجزة، وإن لم ينصره قال: تغيّرت نيّاتكم وشككتم في قولي، فمنعكم الله نصره ونحو ذلك من القول، ولأنّه قد جرت العادة على أنّ الملوك والرؤساء يعدّون أصحابهم بالظفر والنصر، ويمنّونهم الدول، فلا يدل وقوع ما يقع من ذلك على إخبار عن غيب يتضمّن اعجازاً.

والقسم الثاني: في الأخبار المفصلة عن الغيوب، مثل هذا الخبر فإنّه لا يحتمل

__________________

(١) اُسد الغابة: ج ٤ ص ١٦٩.

٤٧٥

التلبيس، لتقييده بالعدد المعيّن في أصحابه وفي الخوارج ووقوع الأمر بعد الحرب بموجبه، من غير زيادة ولا نقصان وذلك أمر إلهي عرفه من جهة رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله وعرفه رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله من جهة الله سبحانه، والقوّة البشرية تقصر عن ادراك مثل هذا، ولقد كان له من هذا الباب ما لم يكن لغيره.

وبمقتضى ما شاهد الناس من معجزاته، وأحواله المنافية لقوى البشر غلا فيه من غلا، حتى نسب إلى أنّ الجوهر الإلهي حلّ في بدنه كما قالت النصارى في عيسىعليه‌السلام وقد أخبره النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله بذلك فقال: « يهلك فيك رجلان محبّ غال ومبغض قال ».

وقال له تارة اُخرى: « والذي نفسي بيده لولا أنّي أشفق أن تقول طوائف من اُمّتي فيك ما قالت النصارى في ابن مريم، لقلت اليوم فيك مقالاً لا تمرّ بملأ من الناس إلّا اخذوا التراب من تحت قدميك للبركة »(١) .

ثمّ قال: وإعلم انّا ننكر أن يكون في نوع البشر أشخاص يخبرون عن الغيوب ولكن كل ذلك مستند إلى البارئ سبحانه باقداره وتمكينه وتهيئة أسبابه، فإن كان المخبر عن الغيوب ممن يدّعي النبوّة، لم يجز أن يكون ذلك إلّا بإذن الله سبحانه وتمكينه، وأن يريد به تعالى استدلال المكلّفين على صدق مدّعى النبوّة.

وأمّا إذا لم يكن المخبر عن الغيوب مدّعياً للنبوّة، نظر في حاله، فإن كان ذلك من الصالحين الأتقياء نسب ذلك إلى أنّه كرامة أظهرها الله تعالى على يده أبانة له وتمييزاً عن غيره، كما في حقّ عليعليه‌السلام وإن لم يكن كذلك أمكن أن يكون ساحراً أو كاهناً، أو نحو ذلك.

وبالجملة فصاحب هذه الخاصية أفضل وأشرف ممّن لا يكون فيه من حيث اختصاصه بها فإن كان للانسان العاري منها مزية اُخرى يختص بها توازيها أو تزيد عليها، فنرجع إلى التمثيل والترجيح بينهما، وإلّا فالمختص بهذه الخاصية أرجح وأعظم

__________________

(١) الشرح الحديدي: ج ٥ ص ٤.

٤٧٦

من الخالي منها على جميع الأحوال(١) .

١١. لـمّا قتل الخوارج وقيل له: يا أمير المؤمنين هلك القوم بأجمعهم فأجابهم :

كلاّ والله، إنّهم نطف في أصلاب الرجال وقرارات النساء(٢) كلّما نجم منهم قرن قطع حتى يكون آخرهم لصوصاً(٣) سلاّبين.

قولهعليه‌السلام : « كلّما نجم منهم قرن قطع » استعارة حسنة، يريد: كلّما ظهر منهم قوم استؤصلوا، فعبّر عن ذلك بلفظة « قرن » كما يقطع قرن الشاة إذا نجم، وقد صح إخبارهعليه‌السلام عنهم انّهم لم يهلكوا بأجمعهم في وقعة النهروان وأنّها دعوة سيدعو إليها قوم لم يخلقوا بعد، وهكذا وقع وصحّ إخبارهعليه‌السلام أيضاً أنّه سيكون آخرهم لصوصاً سلاّبين، فإنّ دعوة الخوارج اضمحلّت ورجالها فنيت حتى أفضى الأمر إلى أن صار خلفهم قطّاع طرق متظاهرين بالفسوق والفساد في الأرض.

وممّن انتهى أمره منهم إلى ذلك الوليد بن طريف الشيباني في أيام الرشيد بن المهدي فأشخص إليه يزيد بن مزيد الشيباني فقتله وحمل رأسه إلى الرشيد.

ثم خرج في أيام المتوكل، ابن عمرو الخثعمي بالجزيرة فقطع الطريق وأخاف السبيل، وتسمّى بالخلافة، فحاربه أبو سعيد محمد بن يوسف الطائي.

وقد خرجت بعد هذين جماعة من الخوارج، وكلّهم بمعزل عن طرائق سلفهم وإنّما وكدهم وقصدهم إخافة السبيل والفساد في الأرض واكتساب الأموال من غير حلّها(٤) .

١٢. وقد أماط الإمام الستر عن وجه الحقيقة وعن كمية علمه وكيفيته في بعض خطبه وأقسم فيه بالله الذي نفسه بيده، أنّهم لا يسألونه عن أمر يحدث بينهم وبين

__________________

(١) المصدر نفسه: ص ١٢ ـ ١٣.

(٢) قرارات النساء كناية عن الأرحام.

(٣) نهج البلاغة الخطبة ٥٩.

(٤) الشرح الحديدي: ج ٥ ص ٧٣ ـ ٧٧.

٤٧٧

القيامة إلّا أخبرهم به وأنّه ما صح من طائفة من الناس، يهتدي بها مائة وتضل بها مائة إلّا وهو مخبر لهم إن سألوه برعاتها وقائدها وسائقها ومواضع نزول ركابها وخيولها ومن يقتل منها قتلاً، ومن يموت منها موتاً، حيث قال بعد أنّ فرغ من قتال الخوارج :

« أيّها الناس فإنّي فقأت عين الفتنة ولم يكن ليجترئ عليها أحد غيري، بعد أن ماج غيهبها، واشتد كلبها.

فاسألوني قبل أن تفقدوني، فوالذي نفسي بيده، لا تسألونني عن شيء فيما بينكم وبين الساعة ولا عن فئة تهدي مائة وتضل مائة، إلّا أنبأتكم(١) بناعقها وقائدها، وسائقها، ومناخ ركابها، ومحطّ رحالها، ومن يقتل من أهلها قتلاً ومن يموت منهم موتاً.

ولو قد فقدتموني ونزلت بكم كرائه الاُمور، وحوازب الخطوب، لأطرق كثير من السائلين، وفشل كثير من المسؤولين، وذلك إذا قلصت حربكم، وشمرت عن ساق، وكانت الدنيا عليكم ضيقاً تستطيلون أيام البلاء عليكم، حتى يفتح الله لبقية الأبرار منكم.

انّ الفتن إذا أقبلت شبهت، وإذا أدبرت نبهت، ينكرن مقبلات، ويعرفن مدبرات، يحمن حول الرياح، يصبن بلداً، ويخطئن بلداً.

ألا وأنّ أخوف الفتن عندي عليكم، فتنة بني اُمية، فإنّها فتنة عمياء مظلمة ! عمت خطتها، وخصت بليتها، وأصاب البلاء من أبصر فيها، وأخطأ البلاء من عمى عنها.

وأيم الله لتجدن بني اُمية لكم أرباب سوء بعدي، كالناب الضروس، تعذم بفيها، وتخبط بيدها، وتزبن برجلها، وتمنع درها، لا يزالون بكم حتى لا يتركوا منكم، إلّا نافعاً لهم، أو غير ضائر بهم.

ولا يزال بلاؤهم عنكم، حتى لا يكون انتصار أحدكم منهم إلّا كانتصار العبد

__________________

(١) مخطوطة النهج: « نبّأتكم ».

٤٧٨

من ربّه، والصاحب من مستصحبه، ترد عليكم فتنتهم شوهاء مخشية، وقطعاً جاهلية، ليس فيها منها منار هدى ولا علم يرى.

نحن أهل البيت منها بمنجاة ولسنا فيها بدعاة، ثمّ يفرجها الله عنكم كتفريج الأديم، بمن يسومهم خسفاً، ويسوقهم عنفاً، ويسقيهم بكأس مصبرة لا يعطيهم إلّا السيف، ولا يحلسهم إلّا الخوف، فعند ذاك تود قريش بالدنيا وما فيها لو يرونني مقاماً واحداً، ولو قدر جزر جزور، لأقبل منهم ما أطلب اليوم بعضه، فلا يعطوننيه »(١) .

قال ابن أبي الحديد: ولقد امتحنّا اخباره فوجدناها موافقة، فاستدللنا بذلك على صدق الدعوى المذكورة، كاخباره عن الضربة التي يضرب بها في رأسه فتخضب لحيته، واخباره عن قتل الحسين ابنهعليه‌السلام ، وما قاله في كربلاء حيث مرّ بها، واخباره بملك معاوية الأمر من بعده واخباره عن الحجاج، وعن يوسف بن عمر، وما أخبره به من أمر الخوارج بالنهروان، وما قدمه إلى أصحابه من إخباره بقتل من يقتل منهم، وصلب من يصلب، وإخباره بقتال الناكثين والقاسطين والمارقين، وإخباره بعدة الجيش الوارد إليه من الكوفة لـمّا شخصعليه‌السلام إلى البصرة لحرب أهلها، وإخباره عن عبد الله بن الزبير وقوله فيه: « خب ضب يروم أمراً ولا يدركه، ينصب حبالة الدين لإصطياد الدنيا وهو بعد مصلوب قريش ».

وكاخباره عن هلاك البصرة بالغرق وهلاكها تارة اُخرى بالزنج وهو الذي صحفه قوم فقالوا: بالريح، وكاخباره عن ظهور الرايات السود من خراسان وتنصيصه على قوم من أهلها يعرفون ببني رزيق، ( بتقديم المهملة ) وهم آل مصعب الذين منهم طاهر بن الحسين وولده وإسحاق بن إبراهيم وكانوا هم وسلفهم دعاة الدولة العباسية ،

__________________

(١) نهج البلاغة الخطبة ٨٩، قال الشارح الحديدي: وهذه الخطبة ذكرها جماعة من أصحاب السير، وهي متداولة مستفيضة، خطب بها عليعليه‌السلام بعد انقضاء أمر النهروان وفيها ألفاظ لم يوردها الرضي من ذلك قوله: « سلوني قبل أن تفقدوني، فإنّي ميّت عن قريب أو مقتول، بل قتلاً، ما ينتظر أشقاها أن يخضب هذه بدم » وضرب بيده إلى لحيته. لاحظ نهج البلاغة: ج ٧ ص ٥٧.

٤٧٩

وكاخباره عن الأئمّة الذين ظهروا من ولده بطبرستان كالناصر والداعي وغيرهما في قولهعليه‌السلام : « وإنّ لآل محمد بالطالقان لكنزاً سيظهره الله إذا شاء دعاؤه حق يقوم باذن الله فيدعوا إلى دين الله ».

وكاخباره عن مقتل النفس الزكية بالمدينة وقوله: « إنّه يقتل عند احجار الزيت » وكقوله عن أخيه إبراهيم المقتول بباب حمزة(١) : « يقتل بعد أن يظهر ويقهر بعد أن يقهر » وقوله أيضاً: يأتيه سهم غرب(٢) يكون فيه منيته فيا بؤساً للرامي شلّت يده ووهن عضده » واخباره عن قتلى « وج » وقوله فيهم: « هم خير أهل الأرض ».

وكاخباره عن المملكة العلوية بالغرب، وتصريحه بذكر كتامة، وهم الذين نصروا أبا عبد الله الداعي المعلم، وكقوله وهو يشير إلى أبي عبد الله المهدي: وهو أوّلهم ثمّ يظهر صاحب القيروان الغض البض، ذو النسب المحض، المنتجب من سلالة ذي البداء، المسجى بالرداء، وكان عبيد الله المهدي أبيض مترفاً مشرباً بحمرة رخص البدن، تار(٣) الأطراف، وذو البداء إسماعيل بن جعفر بن محمدعليهما‌السلام وهو المسجّى بالرداء لأنّ أباه أبا عبد الله جعفر أسجاه برداءه لما مات، وأدخل إليه وجوه الشيعة يشاهدوه ليعلموا موته وتزول عنهم الشبهة في أمره.

وكاخباره عن بني بويه وقوله فيهم: « ويخرج من ديلمان بنو الصياد » اشارة إليهم وكان أبوهم صياد السمك، يصيد منه بيده ما يتقوّت هو وعياله بثمنه، فاخرج الله تعالى من ولده لصلبه ملوكاً ثلاثة، ونشر ذريتهم حتى ضربت الأمثال بملكهم، وكقولهعليه‌السلام فيهم: « ثمّ يستشري أمرهم حتى يملكوا الزوراء ويخلعوا الخلفاء » فقال له قائل: فكم مدته يا أمير المؤمنين ؟ فقال: « مائة أو تزيد قليلاً » وكقوله فيهم: والمترف ابن

__________________

(١) كذا في النسخة وكتب الينا المحقق الشيخ محمد تقي التستري أن الصحيح: « بباخمرى ».

(٢) سهم غرب، أي لا يدرى راميه.

(٣) التار: الممتلئ جسمه وعظمه ريا.

٤٨٠

481

482

483

484

485

486

487

488

489

490

491

492

493

494

495

496

497

498

499

500

501

502

503

504

505

506

507

508

509

510

511

512

513

514

515

516

517

518

519

520

521

522

523

524

525

526

527

528

529

530

531

532

533

534

535

536

537

538

539

540

541

542

543